المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مبحث في ذكر من كلف وهو غير مكلف - نشوة السكران من صهباء تذكار الغزلان

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌نشوة السكران

- ‌مقدمة في ذكر العشق واسمه وما جاء في حده ورسمه

- ‌مبحث في أسباب العشق وعلاماته

- ‌مبحث في مراتب العشق وأسمائه وصفاته

- ‌مبحث في العشق وذمه وترياقه وسمه

- ‌مبحث في أن العشق اضطراري أو اختياري

- ‌مبحث في ذكر الحسن والجمال

- ‌مبحث في ذكر الغزلان

- ‌مبحث في قسمة العشق مخاطباته

- ‌مبحث في أقسام النسوان وجلوة عدة من سرب الغزلان

- ‌مبحث في التقسيم باعتبار السن

- ‌فصل في أقسام الغزلان التي هي من مستخرجات أزاد رحمه الله تعالى

- ‌مبحث في ذكر من كلف وهو غير مكلف

- ‌فصل في أحوال العشاق

- ‌خاتمة

- ‌مطلق الحسن

- ‌الضفيرة

- ‌الجبهة

- ‌الحاجب

- ‌العين

- ‌الهدب

- ‌اللحظ

- ‌الكحل

- ‌الأنف

- ‌الفم

- ‌الشفة

- ‌المسي

- ‌الثغر

- ‌التبسم

- ‌اللسان

- ‌الحديث

- ‌الرضاب

- ‌الخد

- ‌العرق

- ‌الخال

- ‌الذقن

- ‌القرط

- ‌الجيد

- ‌الطوق

- ‌الثدي

- ‌الوشاح

- ‌القلب

- ‌الساعد

- ‌السوار

- ‌اليد

- ‌الظفر

- ‌الحناء

- ‌الخصر

- ‌السرة

- ‌ما تحت السرة

- ‌الردف

- ‌الساق

- ‌الرجل

- ‌الخلخال

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌مبحث في ذكر من كلف وهو غير مكلف

جزيت جزاء المحسنين رققت لي

وأجريت دمعا من مآقيك قانيا

أصابتك مني غاية الحزن فاستمع

بشيء عجيب من حقيقة حاليا

فنيت ولكني هويت حبيبة

عنايتها تحيي عظاما بواليا

ألا كلما تبدو وتبسم رأفة

أذوق حياة ث أعشق ثانيا

فلا تحسبني فائتا عنك وانتظر

ستبصرني حيا بسلمى فيا ليا

وللسيد آزاد رحمه الله قصيدة هيما نية، أتى فيها بجميع أقسام العشاق المذكورة هنا، لا نذكرها فرارا عن التكرار، وهذا آخر ما رام آزاد رحمه الله إيراده في "سبحة المرجان".

‌مبحث في ذكر من كلف وهو غير مكلف

اعلم أنا حيث أنهينا الكلام في هذا المقام إلى ما يتعلق بالإنسان، عن لنا أن نبين كيفية دخول العشق في باقي أنواع الأعيان، والعشق سر يودعه الله في الأرواح عند صفائها وسهولة انقيادها، ثم يختلف

ص: 95

باختلاف البواعث والدواعي وميل النفوس بحسب مرادها، فعلى هذا لا يخص نوعا دون نوع من أحد الأجناس، كما ترشد إليه أدلة التجربة والقياس، غير أنه مختلف الرتب، كما لا يخفى على ذوي الأدب، وقد صح أن الإنسان أفضل الموجدات، لعلمه بأحكام الأحوال المختلفات، فلذلك كان واسطة نظام هذا الشأن، ثم يليه الأقرب فالأقرب من أنواع الحيوان، حتى ينتهي القول إلى الأجرام العنصرية، وما بينها وبين الطبقات السماوية، وهذا النوع ينتظم في خمسة أقسام: الأول: في الطيور، وهي ألطف الحيوان مزاجا، لانحلال كثيفها بخرق الهواء، وذهاب فضلاتها في نحو الريش، فلذلك داخله التألم بالنوى، قالوا: إن أوفى الطيور في المحبة القمري والشفني، أعني: الفاخت، وإنه إذا مات أحد الزوجين تعذب الآخر، فلم يأنس حتى الموت، وكثيرا ما سمعنا عن نحو البلبل والشحرور الحنين إلى الغناء والملاهي والأصوات الحسنة، وإن بعض الطيور نزل على يد بعض الوعاظ حتى مات. وحكي عن سفيان، أن بلبلا كان لوالده، وأنه أقام يرعى ويأتي البيت، حتى قيل: إنه مضى مع الناس يوم موته إلى القبر، ورجع، فاضطرب حتى مات. وأما قصة الزاغ فمشهورة جدا.

ص: 96

وحكى الشيخ أن أعظم الحيوان إدراكا من ذوات الأربع الخيل، وأنها أقرب من غيرها إلى مزاج الإنسان، حتى أنها لا تنزو على محرم أبدا. وفي "تزيين الأسواق" حكايات عن حمامة، وغراب، وبط، وخطاف، وزاغ، وحصان، وفيل، وكلب، وحمار، وعشقهن. وأما

ص: 97

العشق في الأنفس النباتية، فقد جزمت الحكماء أن أصح النبات وأعدله وأكمله خلقا جمع أمور تسعة: الورق، والعود، والتمر، والنوى، والصمغ، والدهن، والليف، والقشر، والأصول، قد كمل في النخل ذلك، فهذا أعدل النبات. وفي الأخبار أنه من طينة آدم. وفي الصحيحين:"تعرفون شجرة هي كالرجل المسلم". وفي "الفلاحة النبطية" أن النخلة تخاف وتفرح وتعشق نخلة أخرى، فقد صح أن النخلة إذا لم تحمل ضرب في أصلها بفأس، ويقول شخص أخر: لأي شيء هذا؟ فيقول الضارب: دعني أقطعها، فإنها لم تحمل! فيقول: دعها في ضماني العام، فإن لم تحمل فاقطعها، فإنها تحمل، وقد جرب ذلك. وأما ما بين الفلفل والكافور والنفط والتين والزنجبيل والأزدارخت، فأشهر من أن يحكى، وغاية الأمر أن يدعى فيه الخواص، فيقال: إن شدة الائتلاف بين العاشق والمعشوق من قبيل الخواص. وأما الأحجار، فاعتلا ق المغناطيس والحديد مما لم يشك في وجوده، وهذا لكثرة وجود المغناطيس، وإلا فلسائر المتطرفات أحجار من الجمادات تجذبها لمشاكلة بينهما في الزيبقية والكبريتية، وهذا ظاهر التعليل. وأغرب منه ما حكي في "اختصار الكائنات" للمعلم، أ، في البحر دابة كالأرنب، يتولد رأسها في حجر، إذا أخذ وأشير به إلى اللحم أو الحيوان انجذب حتى يلصق بالحجر. وفي أيضا أن شخصا نزل بأرض اللؤلؤ مما يلي جزيرة رامهرم، فوجد الشمس إذا أشرقت على أرضها ترتفع منها أشعة، ثم تتراقص أحجارها

ص: 98

وتضطرب حتى تجتمع، فإذا غربت الشمس افترقت الأحجار. وأما الأحجار. وأما الأيام والأجرام والبروج والكواكب والأجسام والدوائر فمتطابقة التأليف، متوافقة التكييف، قد تربعت جهة وريحا وأقطابا وطبعا، وتشعبت قوى وجوانب ونقصا وزيادة إلى غير ذلك، فمثالها في الإنسان اثني عشر مخرجا، عينان وأذنان، وفم ومنخران، وسرة وثديان وسبيلان، قد قيست بالبرج، ونفس بالشمس، إذ لا تزيد ولا تنقص، وعقل بالقمر في قبول الحالتين، والخمس الحواس بالخمس البواقي، وهكذا إلى درج في العروق ومفاصل بالجو زهرات، والكل خدمة بلسان الشرع ملائكة، ولسان الحكمة نفوس وعقول مجردة، وفرع أهل الرياضة والروحانيات والأرصاد على ذلك الاستخدام واستنزال الكواكب وتكليمها والطيران إليها وتحريك الجمادات، إلى غير ذلك مما يليق بهذا المحل، وهل ذلك إلا قوة عاشقية؟ فليعتبر أولو الأبصار، وليتذكر أولو الألباب، فسبحان من أوجد ذلك واستغنى عنه، وأثر فيه ومنه، ولا تفنيه الأوقات، ولا يعجزه اختلاف الأكوان. والأصل في المحاسن، والمطلوب عند العقلاء في كل مواطن، إنما هو إصلاح السرائر، وتهذيب البواطن لا الظواهر، وإنما ضم إصلاح

الظاهر إلى ما ذكر طلبا لتحصيل الكمال، ودلالة في الأغلب على الاعتدال، ويتم الأول بتحسين المقاصد، وإصلاح العقائد، وقصر القلب على عتبات الحق الثابت من الكتاب والسنة في تلك المواقف، مستمدا بالمراصد، مستعدا للأوامر الإلهية، وتلقى ما في تلك الصحائف،

ص: 99

وذلك كما قال محقق المقول، ومهذب الفروع والأصول، جامع المراتب الظاهرة والباطنة، وقطب دائرة الكائنات في الدنيا والآخرة، والبدر التام في سماع الجلالة، والجزء الأخير من العلة التامة للرسالة، صلى الله عليه وآله وسلم:"إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". وصلاحه استعداده لقبول ما يجب فعله وترك ما يجب تركه، وذلك متعذر إلا بعد الأخذ الأوفر من أمهات الأخلاق، وهي: الحكمة والشجاعة والمروءة والعدالة، فإنها لهذه الموارد كالأخلاط للمزاج إفراطا واعتدالا، وخير الأمور سلوك الاعتدال للسلامة، من الإفراط والتفريط اللاحقين لكل هذه، كالتهور والجبن، ولازم مما ذكرنا التخلق بالعفاف والزهد، والصدق، والورع، والتسليم والرضا بالقدر والقضاء، وهذه الخصال هي الداعية إلى حفظ ما به النظام من النفس والعقل والعرض والمال والدين، فإن المتخلق بها محال أن يقع منه قتل، أو أخذ ما يزيل عقله أو زنا أو تناول غير ما هو له، فهذه أصول السياسة ونظام المدينة، وموضع بسطها الحكمة، بل ملازمة الشريعة الحقة المطهرة، فقد أغنت عنها، فهذه الأخلاق التي لا أجدر من وصف المتخلق بالحسن والجمال. وأما المحاسن الظاهرة اللائق ذكرها بهذا المحل، وقد سبق مبحث فيه، فالعبارات عنها كثيرة، والألفاظ فيها غزيرة، والصحيح أنه معنى لا يدرك، ويختلف باختلاف

ص: 100

الأشخاص، ودقة الأنظار، وصحة التأدي إلى الأفكار، فلو لم يكن الحسن في نفس الأمر كذلك ما اختلف فيه العبارات، ولا كثرت فيه الاستعارات، ولا بالغ كل في تحصيله بجده، واعتقد التقصير عن حده، والخلاف إنما هو بالألفاظ، والمعنى المطلوب واحد، كما هو رأي أهل التحقيق من سائر الموارد، ومن ثم قال بعضهم:

عباراتنا شتى وحسنك واحد

وكل إلى ذاك الجمال يشير

ولله در أستاذ عطر الوجود، فيض وجوده، واستمدت الكائنات من بحر فضله وجوده، حيث حقق هذا المعنى، وسبكه في أحسن مبنى، بقوله:

فكم بين حذاق الجدال تنازع

وما بين عشاق الجمال تنازع

هذا هو الحسن العام، وقد اختلفت آراء الحذاق، وتشعبت مرادات العشاق، فمن ذاهب إلى الأفضل خزن الأسرار، وأن ذلك من فعل الأحرار. ومن قائل: إن إفشاءها يسر القلب، ويسري الكرب. ومن قائل بالتفصيل، وأن الإذاعة إلى المحبوب مطلوبة إذ هو الطبيب، وكتم العلة عنه تعذيب، وأما الإباحة لغيره فغير جائزة في مذهب المحبين، وفاعلها ممقوت ومن أكبر المذنبين، وهذا الطريق قد ادعى في "ديوان الصبابة" أنه الكاشف عن وجهه نقابه! ولا والله ما له فيه ذرة، ولم يكن ارتضع من هذا اللقح درة، بل أول من استنتج هذه الآراء المحررة، ودون هذه المذاهب المحبرة عمر بن الفارض رحمه الله، ثم لهج الناس بهذه الطرق.

ص: 101