الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقضي من محبوبه مراده. ومنهم من ساعده الزمان في المراد، حتى بلغه ما أراد. وذكر الأنطاكي ما سوى البشر، وما لقوا من العبر، وهو نوعان: أحدهما: الجنة، وما لقوا من المحنة، والثاني: من كلف وهو غير مكلف. وهذا الأخير خمسة أصناف: الثاني: الحيوان، وما وقع له من أمور العشق في اختلاف الأزمان، الثالث: ما جرى من القوة العاشقية والمعشوقية، بين الأنفس النباتية. الرابع: ما بث من الأسرار الملكية، بين الأجسام والأجرام الفلكية. ولكل واحد من تلك الأنواع تفصيل ذكره في "تزيين الأسواق" لا أطول بذكرها بطون الأوراق. وستأتي الإشارة إلى عشق ما سوى الإنسان في آخر هذا الكتاب. وحاصل القضية، وجود العشق والمحبة في كل جزء من أجزاء الكائنات، بتقدير العزيز العليم على قدر اللياقة، وزهاء الطاقة، والحسن منهما ما حسنه الشرع، والقبيح منهما ما قبحه الشرع، وبالله التوفيق.
مبحث في ذكر الغزلان
قال تعالى: (إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً عربا أتراباً لأصحاب اليمين)[الواقعة: 35-38] . العرب: جمع عروب، وهي: المتحببة إلى زوجها، الحسنة
التبعل. قال المبرد: هي العاشقة لزوجها. وقال ابن عباس: عواشق لأزواجهن، وأزواجهن لهن عاشقون. أترابا: في سن واحد. وعنه: العروب: الملقة لزوجها. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "وحبب إلي من الدنيا الطيب والنساء". والحديث حجة على أنهما من أجل الآلاء، وألذ النعماء، حيث أحبهما أشرف النسم، وسيد العرب والعجم صلى الله عليه وآله وسلم. ولهما جلوة خاصة بالهند. أما الطيب، فقد أنزله الله مع آدم من الجنة بالهند. قال ابن عباس: قال علي كرم الله وجهه: أطيب ريح أرض الهند، هبط بها آدم فعلق شجرها من ريح الجنة. وعن عطاء: هبط آدم بأرض الهند ومعه أربعة أعواد من الجنة، وهي هذه التي يتطيب بها الناس. ولفظ السدي: نزل آدم بالهند، ونزل معه الحجر الأسود، وقبضة من ورق الجنة، فبثه في الهند، فنبت شجر الطيب. وفي الباب آثار جمة تفيد أن بالهند الروائح الطيبة. وأما النساء، فقد وضع لهن الأهاند فناً رائقاً، وبياناً فائقاً، وذلك أنهم استخرجوا للمعشوقات أقساماً باعتبار الجهات المتنوعة، والحيثيات المتلونة ونظموا لكل قسم أشعارا عجيبة، وأبدعوا في مضامين غريبة، فأوجدوها نزهة للأبصار، واخترعوها مسارح للأنظار، إن رآها الخلي تذوب طبيعته الجامدة، أو العاذل تشعل ناره الخامدة وقد يوجد شيء من أقسام النسوان من مستخرجات العرب، لكنهم ما بلغوه مبلغ الأهاند، ذكره
السيوطي في كتاب "الوشاح في فوائد النكاح". وقال: قال أبو الفرج الشلحي في كتاب "النساء الشواعر".
من النساء الكاعب، وهي الحديثة السن التي كعب ثديها، أي: ظهر، ومن طباعها الصدق في كل ما تسأل عنه، وقلة الكتمان لما علمته، وقلة التستر والحياء، وعدم المخافة من الرجال. ومنهن: الناهد، وتسمى المفلكة أيضا، وهي التي نهد ثديها وفلك، أي: استدار ولم يتكامل بعد شبابها فتستتر بعض الإستتار، وتظهر بعض محاسنها، وتحب أن يتأمل ذلك منها. ومنهن: المعصر، وهي: الممتلئة شبابا التي قد استكمل خلقها وعظم ثديها، فيحدث عنها دلال وأدب، وتحلو ألفاظها، ويعذب كلامها، متشتد غلمتها، ويقال فيها أيضاً: معصرة، قال الشاعر: معصرة أو قد دنا إعصارها=ينحل من غلمتها إزارها ومنهن: العانس، وهي: المتوسطة الشباب التي قد تهيأ ثدياها للانكسار، وتحسن مشيتها ومنطقها، وتبدي محاسنها بغنج ودلال، وأحب الأشياء إليها مفاكهة الرجال وملاعبتهم، وهي في هذه الحال قوية الشهوة ومستحكمتها.
ومنهن: المتناهية الشباب، ولاشيء أشهى منها للمباضعة، ويعجبها الطاولة في الإنزال. انتهى. والأهاند يذكرون العشق في تغزلا تهم من جانب المرأة بالنسبة
إلى الرجل خلاف العرب، وسببه في أن المرأة في دينهم لا تنكح إلا زوجا واحدا، فحظ عيشتها منوط بحياة الزوج، فإذا مات فالأولى في دينهم أن تحرق نفسها معه، فإنهم يحرقون موتاهم، والمرأة التي تعرض نفسها مع زوجها على النار يسمونها ستي، نسبة إلى ست (بفتح السين المهملة وتشديد الفوقانية) وهو العفاف، وياء النسبة عندهم ساكنة كأهل فارس، ولا استبعاد في إظهار العشق من جانب المرأة، أما ترى في القرآن العظيم غرام امرأة العزيز بيوسف عليه السلام؟. والعشق بين المرء والمرأة وضع إلهي، فتارة يكون من الطرفين، وتارة يكون من أحدهما وإذا لوحظ الوضع الإلهي فالمرأة معشوقة عاشقة، والرجل عاشق معشوق، وأهل الهند وافقوا العرب في التغزل بالنساء بخلاف الفرس والترك، فإن تغزلهم بالأمارد فقط، ولا ذكر من المرأة في أغزالهم، ولعمر المحبة إنهم لظالمون، حيث يضعون الشيء في غير موضعه، كما قال سبحانه وتعالى في قوم لوط:(فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد)[هود:82، 38] . وقد عقد الأنطاكي في "تزيين الأسواق" الباب الثالث في ذكر العشاق الغلمان وأحوال من عدل إلى الذكور عن النسوان، وقال: إن أصل هذا نشأ في قوم لوط، زينه لهم الشيطان، فأخرجهم به إلى العدوان. وحكى بعضهم أن أصل ذلك من يأجوج ومأجوج، ونقله بعض المفسرين في قوله عز وجل: (إن يأجوج ومأجوج مفسدون في
الأرض) [الكهف:94] . فيجب على كل ذي نفس شريفة وهمة منيفة الزجر والردع عن هذه الفعلة الخبيثة التي ضجت الملائكة إلى الله تعالى منها، وحسم المادة الموصلة إلى ذلك كالنظر، فلذلك حرمه النووي مطلقا. وأخذ الخطيب عن أنس رضي الله عنه: لا تجالسوا أولاد الملوك، فإن الأنفس تشتاق إليهم ما لا تشتاق إلى الجواري العواتق. وحرض النخعي والثوري على عدم مجالستهم، والآثار في هذا المعنى كثيرة. ولله در من قال في المتصفين بهذا الشأن من هذا الزمن:
فإن لم تكونوا قوم لوط حقيقة
…
فما قوم لوط منكم ببعيد
وإنهم في الخسف ينتظرونكم
…
علة مورد من مهلكم وصديد
يقولون لا أهلا ولا مرحبا بكم
…
ألم يتقدم ربكم بوعيد
فقالوا: بلى! لكنكم قد سننتم
…
صراطا لنا في الفسق غير حميد
أتينا به الذكران من عشقنا بهم
…
فأوردنا ذا العشق شر ورود
فأنتم بتضعيف العذاب أحق من
…
متابعكم في ذاك غير رشيد
فقالوا: وأنتم رسلكم أنذرتكم
…
بما قد لقيناه بصدق وعيد
فما لكم فضل علينا فكلنا
…
نذوق عذاب الهون غير مزيد
كما كلنا قد ذاق لذة وصلهم
…
ومجمعنا في النار غير بعيد
ثم نظم الأنطاكي شمل هذا الباب بما يتبعه من الأحكام منقسما في ثلاثة أقسام:
الأول: في من استلب الهوى والعشق نفسه، حتى أسلمه رمسه، وهو نوعان: الأول: فيمن عرف اسمه واشتهر في العشاق رسمه، كمحمد بن داود الفقيه الأصفهاني
وصاحبه محمد الصيدلاني، والقاضي شمس الدين محمد بن خلكان وصاحبه المظفري بن ملك حماة، وله معه حكاية غريبة، وأحمد بن كليب وصاحبه أسلم، ومدرك بن علي الشيباني وصاحبه عمرو بن يوحنا النصراني. والثاني: من جهل حاله، وكان إلى الموت في الحب مآله، وفيهم عشاق النصارى، منهم: سعيد الوراق وصاحبه عيسى النصراني، وابن الدوري، وكان مؤدبا بحمص عشق غلاما وكلف به. والقسم الثاني: من اشتهر في العشق حاله، لم يدر مآله، منهم كان تاجر يهوى غلاما، ومنهم شيخ كان ببغداد يهوى غلاما، ومنهم رجل بإفريقيا كان يهوى غلاما، وازدادت محبته له حتى استغرقه الحال. القسم الثالث: من ساعده الزمان في المراد حتى بلغه ما أراد، منهم رجل صوفي هوى غلاما جنديا ببغداد، ومنهم البحتري المشهور، وكان يهوى غلاما اسمه نسيم، ومنهم مؤدب هوى أخا جميلا لبدر الدين وزير اليمن ومنهم الشيخ مهذب الدين ابن منير الطرابلسي وكان شيعيا، هوى عبدا له كان جميلا. انتهى. والعرب في التغزل في الأمارد مقلدون للفرس والترك، والأصل فيهم التغزل في النساء، نعم! معنى التغزل التحدث بالنساء. وأما الأهاند، فلا يعرفون التغزل بالأمارد قطعا. ويقولون في لسانهم للزوج: النائك، وللزوجة: النائكة. ومن الاتفاقات العجيبة، معناهما صحيح بالعربية أيضا، فإن النيك بالعربية الجماع، ولكن خص المتأخرون منهم هذه