الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدد الأنفاس، وقيل: مصاحبته على الإدمان. وقيل: القيام له بكل ما يحبه منك. ثم القلب إذا امتلأ من الحب فلا اتساع فيه لغير المحبوب (والذين أمنوا أشد حبا لله)[البقرة: 165] .
مبحث في العشق وذمه وترياقه وسمه
فكم مدحه عاقل، وذمه متعاقل، هيهات! فات من ذمه المطلوب، ومن أين للوجه المليح ذنوب. قال قدامة: العشق فضيلة تنتج الحيلة الجميلة، عزيز يذل له عز الملوك، وتضرع له صولة البطل، وأول باب تفتق به الأذهان، وتستخرج به دقائق الافتتان، إليه تستريح الهمم، وتسكن نوافر الشيم، له سرور يجول في الجنان، وفرح يسكن في قلب الإنسان. قيل لبعض العلماء: إن ابنك عشق! فقال: الحمد لله! الآن رقت حواشيه، ولطفت معانيه، وملحت إشارته، وظرفت حركاته، وحسنت عباراته، وجادت رسائله، وجلت شمائله، فواظب على المليح، واجتنب القبيح. وقيل لآخر كذلك، فقال: لا بأس بذلك، إذا عشق لطف وظرف ودق ورق. قال قائل:
ولا خير في الدنيا بغير صبابة
…
ولا في نعيم ليس فيه حبيب
وقال آخر:
إذا لم تذق في هذه الدار صبوة
…
فموتك فيها والحياة سواء
وقال آخر:
ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر
…
حبيباً ولا وافى إليك حبيب
وقال آخر:
ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها
…
فيما مضى أحد إذا لم يعشق
وفي حكمة كسرى: إن الملك لا يكمل إلا بعد عشقه، وكذلك العالم. قالوا: والعشق مما يؤجر عليه صاحبه. قال شريك: أشدهم حبا أعظمهم أجرا. وأرواح العشاق عطرة لطيفة، وأبدانهم ضعيفة، وكلامهم يرطب الأرواح، ويجلب الأفراح، والعاشق المسكين تدور أخباره، وتروى أشعاره، ويبقى له العشق لم يذكر له اسم، ولا جرى له رسم، ولا رفع له رأس، ولا ذكر مع الناس. وسئل أبو نوفل: هل سلم أحد من العشق؟ فقال: نعم! الجلف الجافي الذي ليس له فضل ولا عنده فهم، فأما من في طبعه أدنى ظرف، أو معه دماثة أهل الحجاز وظرف أهل العراق، فلا يسلم منه. وقيل: لا يخلو أحد من صبوة إلا منقوص البنية أو جافي الخلقة على خلاف تركيب الاعتدال.
قالت امرأة:
رأيت الهوى حلو إذا اجتمع الشمل
…
ومرا على الهجران لا بل هو القتل
فمن لم يذق للهجر طعما فإنه
…
إذا ذاق طعم الحب لم يدر ما الوصل
وقد ذقت طعميه على القرب والنوى
…
فأبعده قتل وأقربه خبل
وفي هذا المعنى قول آزاد:
شأن المحب عجيب في صبابته
…
الهجر يقتله والوصل يحييه
وأما ما جاء في ذمه، وسريان سمه، فأكثر من أن يحصى، فكم ترك الغني صعلوكا، والمالك مملوكا، وكم من عاشق أتلف في معشوقه ما له وعرضه ونفسه وضيع أهله ومصالح دنياه ودينه.
قال الوأواء الدمشقي:
سبيل الهوى وعر
…
وحلو الهوى مر
وبرد الهوى حر
…
ويوم الهوى دهر
وقال غيره:
العشق مشغلة عن كل صالحة
…
وسكرة العشق تنفي سكرة الوسن
والهوى أكثر ما يستعمل في الحب المذموم، وقد يستعمل في الممدوح استعمالاً مفيداً، قال تعالى:(أفرءيت من اتخذ إلهه هواه)[الجاثية:23] . وفي الحديث: "حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". والأول ذم، والثاني مدح، فتلخص من الآية والسنة، أن المحمود هو في الخير والصلاح،