الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منه، ثم المودة، وهو أن يود، أو ملكه، ثم يقوى الود فيصير محبة، ثم يصير خلة، ثم يصير هوى، ثم يصير عشقا، ثم يصير تتيما، ثم يصير ولها، فهذا وأمثاله مبدأ عشقه اختياري، لأنه كان يمكنه دفع ذلك وحسم مادته، على أن هذا النوع أيضا إذا انتهى بصاحبه إلى ما ذكرنا صار اضطراريا، كما قال الشاعر:
العشق أول ما يكون مجانة
…
فإذا تمكن صار شغلا شاغلا
وقال بعض الفلاسفة: لم أر حقا أشبه بباطل ولا باطلا أشبه بحق من العشق، هزله جد، وجده هزل، أوله لعب، وآخره عطب. قال صاحب "روضة المحبين": وهذا كان بمنزلة السكر مع شرب الخمر، فإن تناول المسكر اختياري، وما يتولد منه من السكر اضطراري. فحينئذ يكون ادعاء من قال: إنه اضطراري مطلقا أو اختياري مطلقا غير مقبول عند ذوي العقول.
مبحث في ذكر الحسن والجمال
وهما قسمان: الظاهر والباطن، والطاعن والقاطن. فالباطن المحمود لذاته، كالعلم والبراعة، والجود والشجاعة، والتقوى والشهامة، والظاهر ما ظهر من غصن قوامه الرطيب، ووجهه الفائق على البدر بلا معيب. قيل: الحسن الصريح، ما استنطق الأفواه بالتسبيح. والصحيح أنه لا يدري كنهه، ولا يعرف شبهه، حتى كأنه نكرة لا تتعرف، ومجهول
لا يعرف. قال بعضهم: للحسن معنى لا تناله العبارة، ولا يحيط به الوصف. وقيل: أمر مركب من أشياء وضاءة وصباحة وحسن تشكيل وتخطيط ودموية في البشر. وقيل: تناسب الخلقة واعتدالها واستواؤها، ورب صورة مبيضة ليست في الحسن بذاك. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بياض المرأة في حسن شعرها تمام الحسن. وعن عائشة: البياض شطر الحسن. وقالوا في الجارية: جميلة من بعيد، مليحة من قريب. وقيل: الظرف في القد، والبراعة في الجيد، والرقة في الأطراف، والدقة في الخصر، والشأن كله في الكلام. وأحسن الحسن ما لم يجلب بتزيين، كما قيل: إن المليحة من تزين حليها، لا من غدت بحليها تتزين. والعرب تقول: الحلاوة في العينين، والملاحة في الفم، والجمال في الأنف، والظرف في اللسان، والرشاقة في القد، والنعومة في الخد، والبراقة في الأسنان. وقال بعضهم: البدن فيه الوجه والأطراف، وفي الوجه المحاسن وإليها الاستشراف، وفي المحاسن النكت التي هي الغاية في الاستحسان والاستظراف، كالملاحة في العين، ونكتة الملاحة الدعج، وكالحسن في الفم، ونكتة الحسن الفلج، وكالطلاوة في الجبين، ونكتة الطلاوة البلج، وكالرونق في الخد، ونكتة الخد الضرج، ومما
يستحسن في المرأة طول أربعة، هي: أطرافها، وقامتها، وشعرها، وعنقها. وقصر أربعة، هي: يديها، ورجليها، ولسانها، وعينيها، والمراد بهذا القصر المعنوي، فلا تبذر ما في بيت زوجها، ولا تخرج من بيتها، ولا تستطيل بلسانها، ولا تطمع بعينيها، وبياض أربعة: لونها، وفرقها، وثغرها، وبياض عينيها. وسواد أربعة: أهدابها، وحاجبها، وعينيها، وشعرها، وحمرة أربعة: لسانها، وخدها، وشفتيها مع لعس، وإشراب بياضها بحمرة. وغلظ أربعة: ساقها، ومعصمها، وعجيزتها، وما هنالك. وسعة أربعة: جبهتها، وجبينها، وعينها، وصدرها. وضيق أربعة: فمها، ومنخرها، ومنفذ أذنيها، وما هنالك، وهو المقصود الأعظم من المرأة. قيل: وجدت جارية في زمن بني ساسان بهذه الصفات المذكورة جميعها. وحكي أن يعصور أحد ملوك الصين أهدى إلى كسرى أنو شر وان ملك فارس هدية، من جملتها جارية طولها سبعة أذرع تضرب أهداب عينيها خديها، كأن بين أجفانها لمعان البرق، مقرونة الحاجبين، لها ضفائر تجرهن إذا مشت. وهذه أوصاف بها جماع الحسن، وإنما العبارات الكثيرة تفنن في الأوصاف، وأهل الفراسة تجعل الجمال الظاهر دليلا على اعتدال المزاج. وقال بعض الحكماء: من نعم الله على العبد تحسين خلقه وخلقه واسمه، قيل: وصوته. وقال سقراط: إذا حسن الله وجهك فلا تضف إليه قبيح المعاصي، أو قبحه فلا تجمع بين قبيحين. ولما كان الجمال من حيث هو محبوبا للنفوس،
معظما في القلوب، لم يبعث الله نبيا إلا جميل الوجه، كريم الحسب، شريف النسب، حسن الصوت، وأوتي يوسف عليه السلام شطر الحسن، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: كأن الشمس تجري في وجهه، وبالجملة فقد كان صلى الله عليه وسلم من الحسن في الذروة العليا، ومن الجمال في المرتبة القصوى، كما يفصح عنه كتاب "الشمائل" للترمذي وغيره، وكان يدعو الناس إلى جمال الباطن والظاهر، ويقول:"إن الله جميل يحب الجمال". فكل جمال بالنسبة إلى بحره بلالة، وإلى نوره ذبالة، وهذا هو المطلب الذي تكل عنه البصائر، ويقصر عنه كل ذي حد جائر. وقال تعالى:(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)[التين: 4] أي تعديل لقامته وصورته كله. وجاء في تفسير قوله تعالى: (يزيد في الخلق ما يشاء)[فاطر:1] إنه الوجه الحسن، والصوت الحسن. قال بعض الحكماء: قلما توجد صورة حسنة تدبرها نفس ردية، والحسن أول سعادة الإنسان، وقلما تجد الخلق إلا تبعا للخلقة، تناسبا مطردا، وأصلا لا ينعكس، وإجماعا لا ينفرد، لكنه إن كان أمرا مرغوبا فيه، فأن حسن السيرة أفضل منه، وتدل عليه وجوه ذكرها الرازي في "أسرار التنزيل". ثم الشعراء أكثروا في تشبيه الأعضاء بالحروف، فشبهوا الحاجب بالنون، والعين بالعين، والصدغ بالواو، والفم بالميم،
والطرف بالصاد، والثنايا بالسين، والطرة المضفورة بالشين، والقامة بالألف. وأورد في "ديوان الصبابة" لذلك أمثلة كثيرة من الأشعار، وشبهوا بالفواكه أيضا، كالخدود بالتفاح، والشفة
بالعناب، والثدي والرمان، والمشمومات، كالوجنة بالورد، والعين بالنرجس، والعذار بالآس، وبالمعادن، كالشفة بالعقيق، والأسنان باللؤلؤ، وقد وقع تشبيه الشفة بالمرجان أيضا، وأشياء مختلفة، كالوجه بالبدر، والفرق بالصبح، والشعر بالليل، ومرسله بالحية، والصدغ بالعقرب، والوجنة بالماء والنار، والريق بالخمر، والثدي والسرة بحق العاج، إلى غير ذلك. وللشعراء في ذلك على اختلاف مراداتهم وتخيلهم المقدمات الشعرية كلام كثير. واعلم أن الأساليب في هذا الباب دائرة بين التشبيه المجرد وبين جعل الحروف ونحوها من المشبه به في العادة مشبها، ومقابله في المحبوب مشبها به، وفي كل ذلك إما أن تبقى الأداة أو تحذف، وفي كل إما أ، يرشح المعنى بأوصاف تزيده حسنا أو لا، وأرفع الكل جعل الممدوح مشبها به محذوف الأداة مرشحا بلطائف الأوصاف، وقل سالكه، وعكسه معلوم. ومما يلتحق بالحسن والجمال تلون البدن، ومداره إما على صفاء الخلط أو شدة الحرارة أو ما تركب منهما، والأول يلزم حالة واحدة، إما البياض في البلغم أو الحمرة في الدم، أو الصفرة في الصفراء، أو السواد في السوداء، وما تركب بحسبه مع مراعاة الطوارئ، كقرب شمس أو جبل أو سد جهة، وهذا المبحث هو المعروف عند الأطباء بالألوان، وعند العامة بالسحنة، موضع تحقيقه الطب. والثاني يلزم السمرة وإن غلب البلغم. وأما الثالث: فهو الذي تناط به أمثال هذه الأحكام، وحاصل القول فيه: إن الجلد شفاف يحكي
ما تحته، وأن الباعث إليه الأخلاط، هو الحرارة، فهي كالنار إذا اشتدت صعدت ما لاقته، وموضعها القلب، ومحركاتها مختلفة ما بين غضب وحياء وقهر وغيرها، إما إلى داخل دفعة أو تدريجيا، أو إلى خارج كذلك، أو إليهما، وموضع بسطه الحكمة، والذي يخصنا من ذلك هنا أن نقول: إن استيلاء سلطان المحبة والعشق من المعشوق على العاشق أعظم استيلاء من سلطان القهر والعظمة والناموس السلطاني، حتى قال بعض الحكماء: لكل مرتبة من مراتب المحبة حد إلا محبة العشق فلا حد لها. وقال بعضهم: إن تعلق روح العاشق ببدنه كتعلق النار بالشمعة، إلا أنه لا يطفئها كل هواء. إذا تقرر هذا، وجمع إلى ما قررناه من مراتب تحريك الحرارة، ظهر علة اصفرار لون العاشق، وارتعاد مفاصله، وخفقان قلبه، لأن الاستبشار بالاجتماع الموجب للفرح، المنتج لحركة الحرارة إلى خارج لتؤثر الحمرة وصفاء اللون، يعارضه لشدة الشفقة والخوف من نحو واش وسرعة تفريق، وإلباس الموجب لإطفاء الحرارة أو جذبها إلى داخل المنتج لصفرة اللون أو الموت فجأة، ومن ثم إذا أمن من ذلك لم يقع تغير، وأما حمرة المعشوق، فهي إما حياء أو خجل، وكل منهما باعث للحرارة إلى خارج، ونتيجة احمرار الألوان وصفاؤها. فأفضل الألوان الأحمر الصافي المشرق مطلقا، حتى في الثياب، كالحلل، والمشروب والمشموم، كالورد والشقيق، والحيوان، كالخيل،
والمعادن، كالذهب والياقوت، إلى غير ذلك، ومنه:"أهلك الرجال الأحمران" يعني: الخمر والنساء، والأحامر: الذهب، والزعفران، واللحم. وأحب ما يكون إليهم منه ما كان في الوجنات والشفاه. وأما وصفهم الموت بالأحمر، والدمع الناشئ عن شدة الحرقة بالحمرة، فليس طعنا فيهما، بل مدح، لأنهم أرادوا أنهما من المطالب التي لا تنال إلا بالمشاق والصعوبة. وقد توسع الناس في هذا المبحث فخرجوا منه إلى التفضيل بين السمر والبيض، وخاضوا بسبب ذلك في كلام عريض، فمن قائل بتفضيل السمر مطلقا، وقوم البيض، وآخرون فصلوا، فقالوا: إن كلا يميل إلى عكس لونه، وهذا تحكم وحكم على الطبائع
والأمزجة بلا دليل، والصحيح أن الميل إما بداعية الشهوة، أو النفع، ولا ضبط للأول لاختلافه باختلاف الأشخاص. وأما الثاني، فالقول فيه إما بحسب معتدل المزاج، فالروميات حينئذ في نحو الحجاز أنفع، كما أن الحبشيات في نحو الروم أجود، لأن حرارة الأبدان تختبئ في الأغوار زمن البرد، وبالعكس، وإما بحسب المرضى، فالسود للمبرودين أجود، والبيض للمحرومين كذلك. قال الأنطاكي: وعندي أن عكس هذا أجود لما سمعت من التعليل، والصحيح أن الحبشة ألطف مما عداهم مزاجاً، وأرق بشرة، وأعدل حرارة، فلذلك هن أوفق مطلقاً، ولكنهن في معرض التغيير، وموضع تحقيق ذلك في الطبيعيات. وأما الحكم على المصريين، فإنهم إلى السمر أميل، فمن قبيل التحكم. وإذا أحكمت
ما قررناه من علة اصفرار الألوان، علمت أن خفقان القلب عند الاجتماع أو الرؤية من لازم ذلك الشأن، وقد لهج الشعراء بالاعتذار عن ذلك، وأكثروا فيه من التشعب والمسالك. ومن المحبين الملوك، وهم أحسن الناس طباعاً، وأطولهم باعاً وأطيبهم عيشاً، وأكثرهم طيشاً، وأرقهم شعراً، وأدقهم فكراً، وأقربهم موجوعا وأكثرهم بالحبيب ولوعاً، إذ هم في الحقيقة أولى بذلك، وأحقهم بالنوم على تلك الأرائك. فمنهم من قنع من محبوبه بالنظر حتى مات كمداً ولحق بالشهداء، ومنهم من أصبح دونه في العفاف، وأقام سالف محبوبه مقام السلاف. ومنهم من خلع العذار، فجمع مابين ذات العقود، وابنة العنقود، ولكن مع صيانة، ورجوع إلى ديانة، فهو وإن طال به المجلس اختصر، وإن جنى فيه على محبوبه اعتذر. ومنهم من نال بالراح اللذة المحظورة، وأخرج بها وجنة الحبيب من صورة إلى صورة، فجارى النديم في الجريال، وسما إلى الحبيب سمو حباب الماء حالاً على حال، فأفضى به ذلك إلى هلكه، وفساد ملكه. ومن المحبين من عشق على السماع، ووقع من النزوع إلى الحبيب في النزاع. ومنهم من يحب بمجرد الوصف دون المعاينة، ولهذا نهى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن تنعت المرأة لغير زوجها حتى كأنه ينظر إليها، والحديث في الصحيح. ومنهم من يعشق أثراً رآه. ومنهم من يحب في النوم شكلاً لا يعرفه، فيهيم به. ومنهم من يعشق باللمس، قيل: وهو رأس الشهوة. ومنه من يعشق بالشم. ومنم
من نظر أول نظرة، فاحترق من خد الحبيب بجمرة، والنظر داعية الأرق وزناد الحرق، كم دعا إلى الجماع المحرم بالإجماع، فهو سهم مسموم، وفعل مذموم. ومن أطوار العشق: سحر الجفون، ونبل العيون، وتغير الألوان عند العيان، من صفرة وجل، وحمرة خجل، وما في معنى ذلك من عقد اللسان، وسحر البيان. وهنا تفضيل بين البيض والسود، والسمر ذوات النهود، وهذا مما يميل إليه المصريون في الغالب. ومن أطواره: الغيرة، وما فيها من الحيرة، وإفشاء السر والكتمان، عند عدم الإمكان، ومغالطة الحبيب واستعطافه، وتلافي غيظه وانحرافه، والرسل والرسائل، والتلطف في الوسائل، والاحتيال على طيف الخيال، وغير ذلك ممل قيل فيه، على اختلاف معانيه، وقصر الليل وطوله، وخضاب شفقه ونصوله، وقلة عقل العذول، وما عنده من كثرة الفضول، وحسن الإشارة، إلى الوصل والزيارة، وذم الرقيب والنمام والواشي كثير الكلام، والعتاب عند اجتماع الأحباب، وما في ذلك من الرضى، والعفو عما مضى، وإغاثة العاشق المسكين، إذا وصلت العظم السكين، ودواء علة الجوى، وما يقاسيه أهل الهوى، وتعنت المعشوق على الصب المشوق، وغير ذلك من أقسام الهجر، وصبر القابض فيه على الجمر، والدعاء على المحبوب، وما فيه من الفقه المقلوب، وبدو الخضوع، وانسكاب الدموع، والوعد والأماني، وما فيهما من راحة العاني، والرضى من المحبوب، بأيسر مطلوب، واختلاط الأرواح، كاختلاط الماء بالراح،
وعود المحب كالخلال، وطيف الخيال، وما في معناه في رقة خصر الحبيب، وتشبيه الردف بالكثيب، وما يكابده في طلب الأحباب، من الأمور الصعاب، وطيب ذكرى حبيب وما عولج به العشق من الدواء، وقصد به السلو عن الهوى، وخفقان القلب والتلوين، عند اجتماع المحبين، وأسرار المحبة، وما فيها من اختلاف آراء الأحبة. ومن أطواره أيضا: هجر الدلال، وهجر الملال، وهجر الجزاء والمعاقبة، والهجر الخلقي. ومن العشاق من مات من حبه، وقدم على ربه من غني وفقير، وكبير وصغير، على اختلاف ضروبهم، وتباين مطلوبهم. ومنهم من خالسته عيون الإماء، فأسلمته للفناء. ومنهم من حظي
بالتلاقي، بعد تجرع كأس الفراق. ومنهم من سمي بالفساق. ومنهم من حمله هواه، على أذية من يهواه. ومنهم من عانده الزمن في مطلوبه، حتى شورك في محبوبه. ومنهم من عوقب بالفسق، ولم يشتهر بالعشق. ومنهم من حل عقد المحبة، وخالف سنن الأحبة. ومنهم من تمادى على نقض العهد، ومات على إخلاف الوعد. ومنهم من أشبه العشاق في محبته، وشاكلهم في مودته. ومنهم من أناح به فقتله، حتى أذهب عقله. ومنهم من جرع كأس الضنى، وصبر على مكابدة العناء. وبالجملة، فالعشق أطوار كثيرة، وللعشاق أحوال غزيرة، لا تنالها العبارة، ولا تحيط بها الإشارة، وقد عقد الفاضل الأديب الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي حجلة المغربي في "ديوان الصبابة"، والشيخ داود الأنطاكي المعروف بالأكمه في "تزيين
الأسواق بتفصيل أشواق العشاق" أبواباً لكل جملة من هذه الجمل المذكورة، وأتيا بعبائر أنيقة، وأشعار لطيفة، وحكايات رشيقة، هي من عيون الأغيار مستورة، أضربت عنها مخافة الإطالة، وذكرت من أطرافها ما تتم به فائدة هذه الرسالة، يؤخذ منها التراب لطلب الدواء، والتماس الشفاء، ومن رام التفصيل، فعليه بمطالعتها المصححة لداء أهل الأهواء. وأفضل المحبين من استشهد في سبيل الله، وبذل روحه رجاء لقاء الله، ونصوص الكتاب والسنة طافحة بفضائل الشهداء، معروفة عند العلماء بالله تعالى. وأما عشاق الجواري والكواعب، وما لهم من العجائب، فهم جمع جم لا يحصى كثرة، ولا يستصقى وفرة. وممن اشتهرت سيرته، وظهرت في الحب سريرته، واحتفل بذكرهم الشعراء في الأشعار، وروي لهم في الكتب صحاح الأخبار وحسان الآثار، فهم: عروة بن قيس، وجميل وصاحبته بثينة، وكثير وصاحبته عزة، وقيس وصاحبته لبنى، والمجنون وصاحبته ليلى، وعروة بن جزام وصاحبته عفراء، وعبد الله بن عجلان وصاحبته هند، وذو الرمة وصاحبته مي، ومالك وصاحبته جنوب، وعبد الله بن علقمة وصاحبته حبيش، ونصيب وصاحبته زينب، والمرقش وصاحبته أسماء، وعتبة بن الحباب وصاحبته ريا، والصمة وصاحبته ريا، وكعب وصاحبته ميلاء، وكم من عاشق جهل اسمه أو اسم محبوبه أو شيء من سيرته أو مآل حقيقته. ومنهم من منعه الزهد والعبادة، من أن