الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أول من قَدِمَ مصر بمسائل مالك: عثمان بن الحكم، وعبد الرحيم بن خالد بن يزيد» انتهى. فالظاهر أنهما بعد أن أتما الأخذ عن الإمام، عادا مَعًا إلى مصر ونشرا بها علمه.
وفي " خطط المقريزي " أن هذا المذهب مازال معمولاً به بمصر مع الشافعي، وتولى القضاء من يذهب إليهما أو إلى مذهب أبي حنيفة إلى أن قدم القائد جوهر، فمن حينئذٍ فشا بديار مصر مذهب الشيعة، وعمل به في القضاء والفتيا، وأنكر ما خالفه.
قلنا: ثم عاد الانتعاش إلى المذهب المالكي في الدولة الأيوبية، وبنيت لفقهائه المدارس، ثم عمل به في القضاء استقلالاً لما أحدث الظاهر بيبرس في الدولة التركية البحرية القضاة الأربعة، وصار قاضيه الثاني في المرتبة بعد الشافعية وكان القضاء في الدولة الأيوبية للشافعية، ولقاضيهم نواب من المذاهب الثلاثة، ولم يزل منتشرًا بمصر إلى الآن معادلاً للشافعي، وأكثر انتشاره في الصعيد.
فِي إِفْرِيقِيَّة وَالأَنْدَلُسْ:
وكان الغالب على أهل إفريقية السُّنَنُ، ثم غلب الحنفي كما تقدم فلما تولى عليها المعز بن باديس سنة 407 هـ حمل أهلها وأهل ما والاها من بلاد المغرب على المذهب المالكي، وحسم مادة الخلاف في المذاهب (1).
(1) عن ابن الأثير، وابن خلكان، و" مواسم الأدب ".
فاستمرت له الغلبة عليها وعلى سائر بلاد المغرب. وفي ذلك يقول مالك بن المرحل المالكي شاعر المغرب:
مَذْهَبِي تَقْبِيلُ خَدَّ مُذْهِبِ *
…
*
…
* سَيِّدِي مَاذَا تَرَى فِي مَذْهَبِي
لَا تُخَالِفْ مَالِكًا فِي رَأْيِهِ *
…
*
…
* فَعَلَيْهِ جُلُّ أَهْلِ المَغْرِبِ (1)
وهو الغالب على هذه البلاد إلى اليوم. وذكر الفاسي في " العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ": أن المغاربة كلهم مالكية، إلا النادر ممن ينتحلون الأثر.
وكان الغالب على أهل الأندلس: مذهب الأوزاعي، وأول من أدخله بها صعصعة بن سلام لما انتقل إليها، وبقي بها إلى زمن الأمير هشام بن عبد الرحمن (2). ثم انقطع مذهب الأوزاعي منها بعد المائتين، وغلب عليها المذهب المالكي.
وفي " نيل الابتهاج " أن أهل الأندلس التزموا مذهب الأوزاعي حتى قدم عليهم الطبقة الأولى ممن لقوا الإمام مالكًا، كزياد بن عبد الرحمن، والغازي بن قيس، وقرعوس بن العباس، ونحوهم، فنشروا مذهبه، وأخذ الأمير هشام الناس به، فالتزموه وحُمِلُوا عليه بالسيف، إلا من لَا يُؤْبَهُ لَهُ.
(1) من كناش ابن مفلح. قلت: كذا في الأصل وفي البيت الأول اختلال وزن.
(2)
عن " بغية الملتمس ".
في " بغية الملتمس " للضبي: أن هذا المذهب انتشر بالأندلس بيحيى بن يحيى بن كثير، وتفقه به جماعة لا يحصون. وتوفي سنة 234 وقيل سنة 233 هـ.
وفي " خطط " المقريزي، و" الديباج " لابن فرحون: أن أول من أدخله بالأندلس: زياد بن عبد الرحمن القرطبي الملقب بِشَبْطُونْ قبل يحيى بن يحيى، وكانت وفاة زياد سنة ثلاث ومائتين وقيل سنة أربع ومائتين، وقيل سنة تسع وتسعون ومائة.
وفي " نفح الطيب " تفصيل لذلك ملخصه: أن جماعة من أمثال شبطون، كقرعوس بن العباس، وعيسى بن دينار وسعيد بن أبي هند وغيرهم
…
رحلوا - إلى الحج أيام هشام بن عبد الرحمن، والد الحكم، فلما رجعوا وصفوا من فضل مالك وسعة علمه وجلالة قدره ما عظم به صيته بالأندلس، فانتشر يومئذٍ رأيه وعلمه بالأندلس، وكان رائد الجماعة في ذلك شبطون، وهو أول من أدخل " الموطّأ " إلى الأندلس مكملاً متقنًا، فأخذه عنه يحيى بن يحيى، ثم أشار على يحيى بن يحيى بالرحيل إلى مالك ما دام حَيًّا، فرحل سريعًا، وأخذ يحيى عنه، فكان اتشار المذهب به، وبزياد، وبعيسى بن دينار.
وقال في موضع آخر:
إن سبب حمل ملك الأندلس الناس على المذهب المالكي في بعض الأقوال، أن الإمام مالكًا سأل عن سيرته (1) بعض الأندلسيين فذكروا له
(1) أي سيرة هشام بن عبد الرحمن. اهـ. الناشر.
منها ما أعجبه. فقال: نسأل الله تعالى أن يزين حرمنا بملككم (1)، أو قال كلامًا هذا معناه، وذلك لأن سيرة بني العباس لم تكن مرضية عند مالك، ولقي منهم ما لقي مما هو مشهور، فلما بلغ قوله ملك الأندلس - مع ما علم من جلالة مالك ودينه - حَمَلَ الناس على مذهبه وترك مذهب الأوزاعي.
قلنا: وقد ذكر هذا السبب ابنُ نباتة أيضًا في " مسرح العيون " إلا أنه جعل ذلك في زمن عبد الرحمن الداخل، والذي أجمع عليه المؤرخون أن دخول المذهب كان في زمن ابنه هشام.
ثم زاد انتشار هذا المذهب بالأندلس وبالمغرب، بانتقال الفُتْيَا إليه في دولة الحكم بن هشام، وكان يحيى بن يحيى بن كثير مكينصا عنده، مقبول القول، فصار لا يُوَلِّي القضاء إلا من أشار به، فانتشر (2) به مذهب مالك، كما انتشر الحنفي بأبي يوسف في المشرق (3).
وَعَلَّلَ ابن خلدون غَلَبَةَ هذا المذهب على المغرب والأندلس تعليلاً فقال: «وأما مالك - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فاختص بمذهبه أهل المغرب والأندلس. وإن كان يوجد في غيرهم إلا أنهم لم يقلدوا غيره إلا في القليل، لأن رحلتهم كانت غالبًا إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم، والمدينة يومئذ دار
(1) في الأصل: بمالككم، والصواب ما أثبتناه. اهـ. الناشر.
(2)
في الأصل: فانتصر وهو خطأ والصواب ما أثبتناه. اهـ. الناشر.
(3)
عن المقريزي، و" بغية الملتمس "، و" نفح الطيب ".