الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَذْهَبُ الشَّافِعِيُّ:
فِي مِصْرَ:
ينسب هذا المذهب إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي رضي الله عنه المولود بغزة سنة 150 هـ والمتوفى بمصر سنة 204 هـ.
وكان آية في الفهم والحفظ، واجتمع له من الفضائل ما لم يجتمع لغيره، ومذهبه ثالث المذاهب الأربعة في القدم، ويقال لأصحابه أهل الحديث كالمالكية (1) بل كان أهل خراسان إذا أطلقوا «أصحاب الحديث» لا يعنون إلا الشافعية (2) وهو ممن أخذ عن الإمام مالك، ثم استقل بمذهب خاص.
قال ابن خلدون: رحل إلى العراق بعد مالك، ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة وأخذ عنهم، ومزج طريقة أهل الحجاز بطريقة أهل
(1) عن " ابن خلدون "، و" طبقات السبكي ".
(2)
عن " طبقات السبكي ".
العراق، واختص بمذهب، وخالف مالكًا رحمه الله في كثير من مذهبه.
ويذكر أصحاب الطبقات أن ظهور المذهب الشافعي كان أولاً بمصر، وكثر أصحابه بها، ثم ظهر بالعراق، وغلب على بغداد وعلى كثير من بلاد خراسان، وتوران، والشام، واليمن، ودخل ما وراء النهر وبلاد فارس والحجاز، وبعض بلاد الهند ودخل شيء منه في إفريقية والأندلس بعد سنة 300 هـ (1).
وكان الغالب على أهل مصر الحنفي والمالكي كما تقدم، فلما قدم إليها الإمام الشافعي انتشر بها مذهبه وكثر (2).
قال ابن خلدون: (*) «وأما الشافعي فمقلدوه بمصر أكثر مما سواها وكان مذهبه قد انشر بالعراق وخراسان وما وراء النهر، وقاسم الشَّافِعِيَّةُ الحَنَفِيَّةَ في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار.
وعظمت مجالس المناظرات بينهم، وشحنت كتب الخلافيات بأنواع استدلالاتهم. ثم دَرَسَ ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره.
وكان الإمام محمد بن إدريس الشافعي لما نزل على بني عبد الحكم بمصر، أخذ عنه جماعة من بني عبد الحكم
…
وأشهب وابن القاسم وابن
(1) عن " الديباج "، و" الفوائد البهية ".
(2)
قال عبد القادر الطوخي في كتابه " قضاه مصر ": «إن عيسى بن المنكدر قاضي مصر قام في وجه الإمام الشافعي فقال: " دخلت هذه البلدة وأمرها واحد، ورأيها واحد، ففرقت بينهم "، يشير إلى مخالفة متبعيه لأصحاب مالك. فإن أهل مصر قبل وجود الشافعي كانوا لا يعرفون إلا رأي مالك لها، وفي نظر - لأن الحنفي كان معروفًا أيضًا عندم» .
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) بتصرف يسير من المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، نقلاً عن " المقدمة " لعبد الرحمن بن خلدون.
المواز وغيرهم ثم الحارس بن مسكين وبنوه، [ثم القاضي أبو إسحاق بن شعبان وأولاده]. ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر لظهور الرافضة، وتداول بها فقه أهل البيت وتلاشى من سواهم، إلى أن ذهبت دولة العُبَيْدِيِّينَ من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب ورجع إليها فقه الشافعي وأصحابه من أهل العراق والشام فعاد إلى أحسن ما كان، ونفق سوقه.
واشتهر منهم محيي الدين النووي من الحلبة التي ربيت في ظل الدّولة الأيوبية بالشام، وعز الدّين بن عبد السلام أيضًا. ثم ابن الرفعة بمصر، وتقي الدين بن دقيق العيد، ثم تقي الدين السبكي بعدهما. إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد. وهو سراج الدين البُلْقِينِي. فهو اليوم أكبر الشافعية بمصر، وكبير العلماء بل أكبر العلماء في أهل العصر» انتهى.
ولما أخذت الدولة الأيوبية في إنعاش مذاهب أهل السنة بمصر، ببناء المدارس لفقهائها، وغير ذلك من الوسائل جعلت للشافعي الحظ الأكبر من عنايتها فخصت به القضاء لكونه مذهب الدولة.
وكان بنو أيوب كلهم شافعية، إلا المعظم عيسى بن العادل أبي بكر سلطان الشام، فإنه كان حنفيًا، ولم يكن فيهم حنفي سوه، وتبعه أولاده (1). وكان مغاليًا (2) في التعصب لمذهبه ويعتبره الحنفية من
(1) عن ابن خلكان.
(2)
في الأصل متغاليًا، والصواب ما أثبتناه. اهـ. الناشر.
فقهائهم. ألف شرحًا على " الجامع الكبير " في عدة مجلدات، وله " السهم المصيب في الرد على الخطيب البغدادي " فيما نسبه للإمام أبي حنيفة في تاريخ بغداد (1).
ثم لما خلفتها دولة الترك البحرية، وكان سلاطينها شافعية أيضًا (2) استمر العمل في القضاء على ذلك، حتى أحدث الظاهر بيبرس نظام القضاة الأربعة، فكان لكل قاض التحدث فيما يقتضيه مذهبه بالقاهرة والفسطاط، ونصب النواب وإجلاس الشهود، وميز القاضي الشافعي باستقلاله بتولية النواب في سائر بلاد القطر، لا يشاركه فيها غيره، كما أفرد بالنظر في مال الأيتام والأوقاف (3) وكانت له المرتبة الأولى بينهم، ثم يليه المالكي، والحنفي، والحنبلي (4).
ثم استمر الحال على ذلك في الدولة الجركسية حتى استولى العثمانيون على مملكتهم فأبطلوا نظام القضاة الأربعة، وحصروا القضاة في الحنفي، لأنه مذهبهم. ولم يزل مذهب الدولة إلى اليوم، إلا أن ذلك لم يؤثر في انتشار المذهبين الشافعي والمالكي بين الأهلين السابق
(1) عن ابن خلكان.
(2)
كان سيف الدولة قطز المتولي قبل بيبرس حنفيًا ولكن لم يؤثر ذلك في مذهب الدولة لقصر مدته. وزعم السيوطي في " [حسن] المحاضرة " أنه لا يعرف فيهم غير شافعي سواه.
(3)
عن " صبح الأعشى ". وذكر ابن بطوطة أن ترتيبهم بمصر مدة الملك الناصر كان بتقديم الحنفي على المالكي، فلما ولي القضاء برهان الدين بن عبد الخالق الحنفي الأمر أشار أولو الأمر على الملك الناصر بجلوس المالكي فوقه كما جرت بذلك العادة القديمة، فعمل بإشارتهم واستقر الأمر على ذلك.
في الأصل (تمكنها)، والصواب ما أثبتناه. اهـ. الناشر.
(4)
عن " صبح الأعشى ". وذكر ابن بطوطة أن ترتيبهم بمصر مدة الملك الناصر كان بتقديم الحنفي على المالكي، فلما ولي القضاء برهان الدين بن عبد الخالق الحنفي الأمر أشار أولو الأمر على الملك الناصر بجلوس المالكي فوقه كما جرت بذلك العادة القديمة، فعمل بإشارتهم واستقر الأمر على ذلك.
في الأصل (تمكنها)، والصواب ما أثبتناه. اهـ. الناشر.