المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في المجتمع بين أفراده وغيرهم. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا - نظرة في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام

[عبد الرحمن المطرودي]

الفصل: في المجتمع بين أفراده وغيرهم. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

في المجتمع بين أفراده وغيرهم. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6][الحجرات: 6] .

ومنها أيضا الغضب الذي قد يدفع الإنسان إلى ارتكاب جريمة الاعتداء. ولهذا وجه الإسلام إلى عدم الغضب والبعد عن أسبابه لما له من آثار سلبية على علاقة الناس بعضهم ببعض، ولما يسببه من شحناء وبغض ونفرة قد تكون سببا في حدوث اعتداء بين أفراد المجتمع، فقال تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199][الأعراف: 199]، وقال تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35][فصلت: 34، 35]، وقال تعالى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134][آل عمران: 134]، وقال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37][الشورى: 37] . وروى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: " لا تغضب "، فكرر السؤال مرارا، وفي كل مرة يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تغضب» (1) .

11 -

تحريم ترويع الآمنين: حرم الإسلام ترويع الآمنين المباشر وغير المباشر، ووجه إلى سد كل المنافذ وأبواب الذرائع التي قد تكون وسيلة للترويع، أو تعكير الجو الآمن، وجاءت الأحكام الشرعية مانعة لبعض الأفعال التي قد تسبب ترويع الآمنين وإخافتهم مثل تحريم الإسلام للإشارة بالسلاح، إذ شدد الإسلام في النهي عن هذا الفعل. وجاء في الحديث عن المصطفى أن الإشارة بالسلاح من موجبات الاستحقاق لعذاب الله الأليم في جهنم، فقد روى الإمام النسائي عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أشار المسلم على أخيه المسلم بالسلاح، فهما على جرف جهنم، فإذا قتله خرا جميعا فيها» (2) .

[الاتجاه العلاجي]

ب: الاتجاه العلاجي: تقدمت الإشارة إلى أن منهج الإسلام في علاج الإرهاب قد سار في خطين متوازيين يسيران معا في آن واحد، الخط الأول: ما تقدم ذكره، وهو الاتجاه الوقائي،

(1) فتح الباري، 10/ 535، كتاب الأدب، رقم الحديث (6116) .

(2)

سنن النسائي، 7/ 17، كتاب تحريم الدم، وصححه الشيخ الألباني.

ص: 46

أما الخط الثاني فهو ما شرع من العقوبات والأحكام التأديبية، وتهدف إلى ردع الحالات الخارجة عن السلوك السوي واجتثاثها، أي التي لم يجد معها الأسلوب الأول، فشذت عن السلوك الإسلامي القويم ومنهج الوسطية والاعتدال، فمارست الإرهاب، وتعدت على الآمنين.

هنا تبرز أهمية وسائل الإسلام العلاجية الرادعة لكل من تسول له نفسه أن يخرج ويشذ عن تعاليم الإسلام ومبادئه، وأن يمارس الإرهاب من خلال السعي في الأرض فسادا، أومن خلال الإفزاع والترويع والقتل والتدمير. وتتمثل وسائل الإسلام العلاجية في الردع لكل هؤلاء من خلال تشريع الحدود والعقوبات، التي تساعد على اجتثاث الإرهاب من المجتمعات، وتردع كل من تسول له نفسه ارتكاب أي عمل يخل بالأمن، فضلا عن أن هذه العقوبات لها دلالة أخرى في كونها تؤكد رفض الإسلام للإرهاب بكل صوره وأشكاله، واجتثاثه ومعالجة أسبابه، من خلال النهي عن كل عناصره التي يتكون منها ولا يقوم إلا بها؛ من إفزاع وترويع وتدمير وقتل وإكراه وسعي في الأرض فسادا وغيرها، فقد حرم الإسلام كل ذلك، وجرم فاعله، ونهى عنه، وشرع العقوبات الرادعة لكل من يرتكبها، منها العقوبات الأخروية التي تردع من يخاف الله ويخشاه، ومنها العقوبات الدنيوية الجسدية التي تردع من يتجرأ على حدود الله وتزجر آخرين، ومن أبرز تلك العقوبات:

1 -

حد الحرابة: الحرابة: مشتقة من الحرب والمحاربة وقد جاء تبيينها في قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33][المائدة: 33] .

وقد عرفت الحرابة بوصفين عامين؛ هما: محاربة الله ورسوله، والفساد في الأرض، وهذان الوصفان يقتضيان تحديد العمل الإجرامي بالخروج على أحكام الشرع؛ لأن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الواردة في الآية السابقة ليست على ظاهر النص، إنما يقصد بها العمل على ارتكاب الأعمال المخالفة لأحكام الله والخروج على منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم.

ص: 47

وقد قسم العلماء أحوال المحاربين أربعة أقسام: أخذ المال والقتل، والقتل فقط، وأخذ المال دون القتل، والإخافة دون قتل أو أخذ مال.

وتجتمع في هذه الصور الأربع مظاهر هي: حمل السلاح، وإخافة الناس، والخروج على طاعة الحاكم ومخالفة أمره. وهذه فيها محاربة لله ورسوله؛ لأن فيها مخالفة لشرعه وتعديا على حدود الله. ولكل واحدة من هذه الحالات العقوبة الشرعية التي تناسبها، وتراوح بين ثلاثة أحكام: القتل مع الصلب، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، والنفي من الأرض.

والحرابة تتفق مع ما اصطلح على تسميته بالإرهاب في العصر الحديث؛ ذلك أن في الإرهاب حملا للسلاح، وإخافة للناس، وخروجا على القانون. وهذا التقارب في الصفة الظاهرة يقتضي التشابه في كيفية العقاب بعد توافر الشروط اللازمة للحكم على مرتكب الجريمة، وتطبيق مثل هذه العقوبة هو الذي سيستأصل هذا المرض ويقطع دابره.

2 -

حد القصاص: للنفس البشرية حرمتها ومكانتها في الإسلام، من أجل هذه المكانة ولكي يستتب الأمن عد الإسلام قتل واحد من الناس كقتل الجميع؛ لما يسببه قتل النفس من بث للخوف والرعب لدى عموم الناس، كما أن إحياءها كذلك إحياء لعموم الناس، لما في عدم التعرض لها من إحياء لها وعمل بالتشريع والأحكام التي تضمن تثبيت الأمن بين الناس، الذي هو وسيلة الحياة لكل الناس.

قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32][المائدة: 32] ، وفي هذا توجيه إلى كل الناس لمحاربة ما فيه ضررهم وإيقاع القتل فيهم. فالواجب عليهم أن يقفوا صفا واحدا في وجه هذا الفعل الشنيع المخالف لما شرعه الله، وأن يطبقوا على فاعله أقسى عقوبة حتى يكون ذلك رادعا لمن تسول له نفسه الإقدام على هذه الجريمة النكراء، وهذا فيه حياة

ص: 48

لآخرين، كما جاء في آية القصاص أنه حياة للناس لما يحققه حكم القصاص من ردع وزجر من ارتكاب هذه الجريمة:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179][البقرة: 179]، يعني:"ولكم يا أولي العقول فيما فرضت عليكم وأوجبت لبعضكم على بعض من القصاص في النفوس والجراح والشجاج ما يمنع به بعضكم من قتل بعض، ودفع بعضكم عن بعض فحييتم بذلك، فكان لكم في حكمي بينكم بذلك حياة "(1) .

3 -

حد البغي: البغي حالة من الخروج على إمام تمت بيعته شرعا؛ مما يعني الخروج على نظام الحكم بحمل السلاح، بتفسير أو رأي يسوغ للخارجين- حسب رأيهم- الخروج على من بيده سدة الحكم. وهذا الحال من إشهار السلاح والعصيان والتمرد على القيادة يوجب على ولي الأمر الوقوف في وجه هذه الفتنة، وقد حارب الإسلام هذا النوع من الفساد والتمرد على الولاية، وسن لذلك منهجا في المعالجة، كما جاء في قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9][الحجرات: 9]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق في جماعتكم فاقتلوه» (2) .

فالإسلام في تشريع قمع البغاة إنما قصد سد باب الذرائع التي قد يلوذ بها بعض أصحاب الهوى أو المخدوعون في القيام بأعمال إجرامية سعيا لنشر رأيهم وإجبار الناس على الأخذ به.

هذه أمثلة لبعض الأحكام التي شرعها الإسلام صيانة وحفظا للمجتمعات وأفرادها، وحفظا لأموالهم وأنفسهم وأعراضهم ودينهم وعقولهم وأمنهم. وهناك أحكام لا يتسع المجال لذكرها جميعا، وهي موجهة إلى تحقيق الأمن، وكبح الإرهاب، وصيانة المجتمع من التصرفات الشاذة والدخيلة.

مما سبق يتضح أن الإسلام يحارب كل أشكال إشاعة الفوضى، والانحراف الفكري والعملي، ويحارب كل عمل يقوض الأمن ويروع الآمنين، سواء أكان ذلك يسمى إرهابا أم حرابة أم بغيا، فجميعها صور تشيع الرعب والخوف في المجتمع، وترهب

(1) تفسير الطبري.

(2)

رواه مسلم.

ص: 49

الآمنين فيه، وتحول بينهم وبين الحياة المطمئنة، التي هي وسيلة حسن خلافتهم في الأرض بعمارتها في جو من الأمن والأمان، والسلام والاطمئنان، والتعارف والتعاون بين الناس جميعا، وعبادة الله سبحانه وتعالى وفقا لما شرع.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الإرهاب الذي حاربه الإسلام؟ فأقول: بعد هذا الاستعراض السريع لموقف الإسلام من الإرهاب بشتى صوره وأشكاله، ومن خلال الاطلاع على أساليب المعالجة التي سنتها الشريعة الإسلامية لمكافحة كافة أشكال الإرهاب ومعالجتها، فيمكن أن نقول: إن مصطلح الإرهاب المستخدم حاليا هو:

"كل فعل أو قول خارج عن شرع الله مخالف لما عليه العمل، ويلحق ضررا بالفرد أو بالجماعة أو بالمصالح العامة وبالممتلكات، ويشيع الخوف بين الناس ".

وبهذا نعلم أن ما اصطلح على وصفه بالإرهاب في العصر الحديث ليس المقصود به ما يدل عليه المصطلح في مفهومه اللغوي، إنما اصطلاح على وصف تلك الأعمال وتسميتها بهذا المصطلح وفقا لما يقصد به، وليس استخداما للدلالة اللفظية لهذا المصطلح في مفهومها الذي ذكرناه سابقا.

ص: 50