الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وكان مِن قدر الله وقضائه أن جمع مجلسُ المذاكرة بين مُثبتٍ
(1)
للصفات والعلو ومعطّلٍ
(2)
لذلك، فاستطعم المعطّلُ المثبتَ الحديثَ
(3)
استطعامَ غيرِ جائعٍ إليه، ولكن غرضه عرض بضاعته عليه، فقال له: ما تقول في القرآن ومسألة الاستواء؟ فقال المثبت: نقول فيهما
(4)
ما قال
(5)
ربنا تبارك وتعالى وما قاله نبينا محمد
(6)
صلى الله عليه وسلم. نصف الله تعالى بما وصف به نفسَه وبما
(7)
وصفه به رسولُه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه
(8)
ولا تمثيل
(9)
. بل نثبت له
(1)
ذكر الناظم رحمه الله في هذا الفصل صورة لمناظرة وقعت بين مثبت للصفات ومعطل لها. وقد بنى منظومته على هذه المناظرة وعرض أقوالهما ومحاكمتهما في النظم. وقد اجتهدت في البحث عنها، ولعلها وقعت لشيخ الإسلام ابن تيمية أو لابن القيم نفسه رحمهما الله. فوقفت على مناظرات عدة ولكن صورها تختلف عن هذه المناظرة. والله أعلم.
(2)
في ط: "وبين معطل".
(3)
"الحديث" سقطت من د، س.
(4)
كذا في ب. وفي سائر النسخ وط: "فيها".
(5)
في ف، ح، ط:"قاله".
(6)
كلمة "محمد" لم ترد إلّا في الأصل وب.
(7)
"بما" سقطت من ب.
(8)
التشبيه: إقامة شيء مقام شيء لصفات جامعة بينهما ذاتية أو معنوية، فالذاتية نحو: هذا الدرهم كهذا الدرهم، وهذا السواد كهذا السواد. والمعنوية نحو: زيد كالأسد أو كالحمار، أي في شدته وبلادته. انظر التوقيف على مهمات التعريف ص 176، التعريفات للجرجاني ص 81.
(9)
التمثيل: إثبات حكم واحد في جزئي لثبوته في جزئي آخر لمعنى مشترك =
سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وننفي عنه النقائص
(1)
ومشابهة المخلوقات، إثباتًا بلا تمثيل
(2)
وتنزيهًا
(3)
بلا
= بينهما. والفقهاء يسمونه قياسًا، والجزء الأول: فرعًا، والثاني: أصلًا، والمشترك؛ علة وجامعًا. انظر: التعريفات ص 91، التوقيف ص 204، كشاف اصطلاحات الفنون 6/ 1344 - 1345. والصحيح أن التشبيه غير التمثيل، لأن التشبيه في اللغة قد يقال بدون تماثل في شيء من الحقيقة، كما يقال للصورة المرسومة في الحائط إنها تشبه الحيوان، وإن كانت الحقيقتان مختلفتين. ولهذا كان أئمة السنة يمنعون أن يقال عن الله: "لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه" لأن مقتضى هذا أن يكون معدومًا. انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/ 476 - 477، والتدمرية (ضمن مجموع الفتاوى 3/ 73 - 71).
(1)
في حاشية ب زيدت بعد "النقائص": "والعيوب".
(2)
لم يكتف المصنف رحمه الله بأن قال "إثباتًا بلا تمثيل" بل قدم على ذلك أنه ينفي النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقين، وذلك لأن الإثبات بلا تشبيه أو تمثيل لا يكفي في نفي النقائص عن الله تعالى وأنه قد يثبت نقصًا دون تشبيه ولا تمثيل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: معلوم أن المثبت لا يكفي في إثباته مجرد نفي التشبيه إذ لو كفى في إثباته مجرد نفي التشبيه لجاز أن يوصف سبحانه من الأعضاء والأفعال بما لا يكاد يحصى مما هو ممتنع عليه مع نفي التشبيه، وأن يوصف بالنقائص التي لا تجوز عليه مع نفي التشبيه كما لو وصفه مفترٍ عليه بالبكاء والحزن والجوع والعطش مع نفي التشبيه، وكما لو قال المفتري: يأكل لا كأكل العباد ويشرب لا كشربهم ويبكي ويحزن لا كبكائهم وحزنهم كما يقال يضحك لا كضحكهم ويفرح لا كفرحهم ويتكلم لا ككلامهم. أ. هـ التدمرية ص 136.
(3)
أصل التنزه: رفعة النفس عن الشيء تكرمًا ورغبة عنه، ونزَّه الرجلَ: باعده =
تعطيل. فمن شبه الله تعالى
(1)
بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسَه أو وصفه
(2)
به رسولُه تشبيهًا. فالمشبّه يعبد صنمًا، والمعطّل يعبد عدمًا، والموحّد يعبد إلهًا واحدًا صمدًا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
والكلام في الصفات كالكلام في الذات، فكما أنا نثبت ذاتًا لا تشبه الذوات، فكذا نقول في صفاته
(3)
إنّها لا تشبه الصفات. فليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. فلا نشبّه صفاتِ الله بصفات المخلوقين.
ولا نزيل عنه سبحانه صفةً
(4)
من صفاته لأجل شناعة
(5)
المشنِّعين، وتلقيب المفترين. كما أنّا لا نبغض أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لتسمية الروافض
(6)
لنا
= عن القبيح، والتنزيه في الاصطلاح: تبعيد الرب تعالى عما لا يليق به من العيوب والنقائص مع إثبات صفات الكمال له سبحانه. درء تعارض العقل والنقل 7/ 86 - 88، التعريفات للجرجاني ص 97.
(1)
"تعالى" من ب وحدها.
(2)
في طت، طه:"أو ما وصفه".
(3)
في ب، د: صفاتها.
(4)
في ف، ب:"عنه صفة".
(5)
في طه "تشنيع"، والشناعة بفتح الشين هي الفظاعة، يقال شنع الأمر: قبح فهو شنيع، وشنع عليه الأمر: قبحه. اللسان 8/ 186.
(6)
الرَّوافِضُ: هم الرافضة وهو لقب أطلقه زيد بن علي بن الحسين على الذين تفرقوا عنه ممن بايعوه بالكوفة لإنكاره عليهم الطعن في أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وأطلق الأشعري في المقالات هذا اللقب على من يرفض خلافة أبي بكر وعمر من الشيعة، وأكثر الشيعة يسبون معظم أصحاب =
نواصب
(1)
، ولا نكذّب بقدر الله تعالى ونجحد كمال مشيئته وقدرته لتسمية القدرية
(2)
لنا مُجْبِرة
(3)
،
= رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتنقصونهم حتى صار هذا الوصف علمًا عليهم. انظر مقالات الإسلاميين 1/ 88، البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ص 36، الملل والنحل 1/ 144، أصول مذهب الشيعة للقفاري 1/ 107، عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام لناصر الشيخ 3/ 892، بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود لعبد الله الجميلي 1/ 85، مسألة التقريب بين السنة والشيعة للقفاري 1/ 119.
(1)
النَّواصبُ: مأخوذ من النصب وهي لغةً: إعلان العداوة، يقال ناصبه الشر والبغض: أظهره، واصطلاحًا: هم قوم يتدينون ببغض علي رضي الله عنه وهم على النقيض من الروافض، والشيعة يسمون من قدم أبا بكر وعمر على علي في الخلافة ناصبيًّا. انظر تاج العروس للزبيدي 487، أساس البلاغة للزمخشري ص 635، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/ 301. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام 3/ 1203، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ليوسف البحراني (ت 1183 هـ) ج 10/ 360.
(2)
القَدَريّة: سموا بذلك لإنكارهم القدر وهم يزعمون أن العبد هو الذي يخلق فعله استقلالًا، فأثبتوا خالقًا مع الله، فأشبهوا بذلك المجوس، لأن المجوس قالوا بإثبات خالقين: النور والظلمة، وأول القدرية هو على الأرجح معبد الجهني المقتول سنة 80 هـ، وتبعه على ذلك غيلان بن مسلم الدمشقي المقتول في عهد عبد الملك بن مروان، والقدرية يزعمون أن الله لا يقدر على مقدوراتِ غيره، وهذا هو مذهب المعتزلة في القدر. انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 54، البرهان في عقائد أهل الأديان ص 26، الفرق بين الفرق ص 70، شرح صحيح مسلم للنووي 1/ 150 - 151.
(3)
المُجْبِرَة: هم الجبرية وسمّوا بذلك نسبة إلى الجبر، فهم لا يثبتون للعبد =
ولا
(1)
نجحد صفاتِ ربنا تبارك وتعالى
(2)
لتسمية الجهمية
(3)
والمعتزلة
(4)
= فعلًا ولا قدرة على الفعل أصلًا، بل يضيفون الفعل إلى الله تعالى، والعبد عندهم لا فعل له فهو كالريشة في مهب الريح وحركاته كحركات المرتعش ليس له إرادة ولا قدرة على الفعل وممن قال بذلك: الجهم بن صفوان. والجبرية أصناف: الجبرية الخالصة: وهي التي لا تثبت للعبد فعلًا ولا قدرة على الفعل أصلًا، والجبرية المتوسطة: وهي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة. انظر تفاصيل مذهبهم في الملل والنحل للشهرستاني 1/ 108، الفرق بين الفرق 126 - 130، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص 103.
(1)
في ح، طع:"فلا".
(2)
في الأصل وف: "ربنا لتسمية".
(3)
الجَهْميّة: سُمّوا بذلك نسبة إلى جهم بن صفوان الذي قتله سلم بن أحوز سنة 128 هـ. وقد تطلق الجهمية أحيانًا بالمعنى الخاص ويقصد بها متابعو جهم بن صفوان على آرائه، وقد تطلق بالمعنى العام ويقصد بها نفاة الصفات عامة -وهو الأغلب- والجهمية يقولون بنفي الأسماء والصفات عن الله تعالى، وأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة فقط والكفر هو الجهل بالله فقط، وأن الفاعل هو الله وحده والإنسان مجبور على أفعاله، وأن الناس إنما تنسب أفعالهم إليهم مجازًا. ومن أصولهم: تقديم العقل على النقل، كما قالوا بخلق القرآن، وقيل إن الجهمية لا تعتبر فرقة قائمة بذاتها كالمعتزلة، ولذا لم تذكر كفرقة عند كثير ممن كتب في الملل والنحل وإنما تذكر ضمن فرق المعتزلة أو المرجئة. انظر الفصل في الملل والنحل لابن حزم 4/ 204، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 27 - 130، البرهان في عقائد أهل الأديان 17 - 18، مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري 1/ 338.
(4)
المعتزلة: هم أتباع واصل بن عطاء الغزال وعمرو بن عبيد سموا بذلك لاعتزالهم الحسن البصري لما اختلفوا معه في حكم مرتكب الكبيرة في أوائل =
لنا مجسّمةً
(1)
مشبّهةً
(2)
حَشْويةً
(3)
، كما
= المائة الثانية وكانوا يجلسون معتزلين، فيقول قتادة وغيره: أولئك المعتزلة. وقيل إن واصل بن عطاء هو الذي وضع أصول مذهب المعتزلة وتابعه عمرو بن عبيد تلميذ الحسن البصري. فلما كان زمن هارون الرشيد صنف لهم أبو الهذيل كتابين وبيّن مذهبهم وبناه على الأصول الخمسة وهي:
1 -
العدل وحقيقته: نفي القدر، 2 - التوحيد وحقيقته: نفي صفات الله، 3 - إنفاذ الوعيد: ويوجبون على الله إنفاذ وعيده فيمن أوعده، 4 - المنزلة بين المنزلتين وحقيقته: أن مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، 5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحقيقته: إلزام غيرهم ما التزموه وضمنوا ذلك جواز الخروج على الأئمة. ولبسوا الحق بالباطل في هذه الأصول. انظر الفرق بين الفرق ص 129، مقالات الإسلاميين 1/ 235، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 2/ 403، مجموع الفتاوى 13/ 31، 131.
(1)
المجسمة: سبق بيان مذهبهم.
(2)
المشبهة: سبق بيان مذهبهم.
(3)
الحشوية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما لفظ الحشوية فليس فيه ما يدل على شخص معين ولا مقالة معينة فلا يدرى من هم هؤلاء، وقد قيل إن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد فقال: كان عبد الله بن عمر حشويًّا، وكان هذا اللفظ في اصطلاح من قاله يريد به العامة الذين هم حشوة كما تقول الرافضة عن مذهب أهل السنة: مذهب الجمهور. منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية 2/ 520. ومن أمثلة تسمية الجهمية ومن تبعهم لأهل الإثبات حشوية قول التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون: "الحشوية بسكون الشين وفتحها هم قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا إلى التجسيم وغيره وهم من الفرق الضالة، قال السبكي في شرح أصول ابن الحاجب: الحشوية طائفة ضلوا عن سواء السبيل يجرون آيات الله على ظاهرها ويعتقدون أنه المراد، سموا بذلك لأنهم كانوا في حلقة الحسن البصري فوجدهم يتكلمون كلامًا، فقال: ردوا هؤلاء إلى حشاء الحلقة، =
قيل
(1)
:
فإن كان تجسيمًا ثبوتُ صفاتِه
…
تعالى
(2)
فإنّي اليومَ عبدٌ مجسِّمُ
(3)
= فنسبوا إلى حشاء فهم حشَوية بفتح الشين، وقيل سموا بذلك لأن منهم المجسمة أوهم هم، والجسم حشو فعلى هذا القياس فالحشوية بسكون الشين نسبة إلى الحشو، وقيل: المراد بالحشوية طائفة لا يرون البحث في آيات الصفات التي يتعذر إجراؤها على ظاهرها، بل يؤمنون بما أراده الله مع جزمهم بأن الظاهر غير مراد، ويفوضون التأويل إلى الله
…
". كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 396، وانظر مادة الحشوية بدائرة المعارف الإسلامية. وسيأتي في كلام الناظم بيان هذا اللفظ والرد عليهم في فصل: "في تلقيبهم أهل السنة بالحشوية وبيان من أولى بهذا اللقب .. ".
(1)
لم يرد "كما قيل" في غير الأصل وف. ومكانها في ط: "ورحمة الله على القائل" ثم هذه الزيادة الغريبة قبل البيت المذكور في المتن:
"فإن كان تجسيمًا ثبوت صفاته
…
فإني بحمد الله لها مثبت
إلى
…
".
(2)
في ب، ط: لديكم.
(3)
لعل القائل هو ابن القيم رحمه الله، وقد أورد هذا البيت بلفظ قريب من هذا اللفظ في كتابه الصواعق المرسلة 3/ 940، ضمن أبيات لم ينسبها لأحد، ولفظه هناك:
فإن كان تجسيمًا ثبوتُ استوائه
…
على عرشه إني إذًا لمجسِّمُ
وجاءت في ب الحاشية الآتية: "ومن كلام المصنف:
فإن كان تجسيمًا ثبوتُ صفاته
…
وتنزيهُها عن كل تأويلِ مُفترِ
فإنّي بحمد الله كنتُ مجسِّمًا
…
هلمّوا شهودًا واملأوا كل محضرِ"
وانظر مدارج السالكين 2/ 91. وقد أورد فيه بيت الشافعي وبيت شيخ الإسلام وبيتيه هذين. وصدر البيت الثاني فيه:
فإني بحمد الله ربّي مجسِّمُ
ورضي الله عن
(1)
الشافعي
(2)
إذ يقول
(3)
:
إن كان رفضًا حبُّ آلِ محمَّدٍ
…
فَلْيشهدِ الثَّقلانِ أنّي رافضي
(4)
وقدَّس الله روح القائل [وهو شيخ الإسلام ابن تيمية]
(5)
إذ يقول:
إن كان نَصْبًا حبُّ صَحْبِ محمّدٍ
…
فَلْيشهَدِ الثَّقَلانِ أنّي ناصبي
(6)
(1)
في د: "رضي الله تعالى عن الإمام".
(2)
محمد بن إدريس الشافعي: الإمام المشهور أحد الأئمة الأربعة. ولد بغزة بفلسطين ثم سافرت به أمه إلى مكة، كان ذكيًا فطنًا برع في الأدب واللغة ثم أقبل على الحديث والفقه. وله مصنفات أشهرها:"الأم" و"الرسالة"، توفي بمصر سنة 204 هـ. تاريخ بغداد 2/ 56، التذكرة ص 367.
(3)
في طع: "حيث قال". وفي طت، طه:"حيث يقول".
(4)
البيت في ديوان الشافعي ص 117.
(5)
زيادة من ب. وقد وردت في ح، ط أيضًا. وشيخ الإسلام ابن تيمية هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبدالسلام المعروف بابن تيمية الحراني نزيل دمشق وصاحب التصانيف الكثيرة التي لم يسبقه أحد إلى مثلها، ولد يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الأول من سنة 661 هـ بحران وتوفي وهو سجين في قلعة دمشق ليلة الاثنين لعشرين خلت من شهر ذي القعدة من سنة 728 هـ، فخرجت دمشق كلها في جنازته رحمه الله. انظر النجوم الزاهرة 9/ 271 - 272، فوات الوفيات 1/ 74 - 80، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 154 - 170. البداية والنهاية لابن كثير 14/ 35 - 140.
(6)
ورد بيت في درء تعارض العقل والنقل 1/ 240 بلفظ قريب من هذا اللفظ وهو قوله:
إذا كان نصبًا وَلاءُ الصِّحابِ
…
فإنّي كما زعموا ناصبي
وإن كان رفضًا وَلاءُ الجميعِ
…
فلا برِحَ الرفضُ من جانبي
و
(1)
أما القرآن فإني أقول إنّه كلام الله، منزَّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم الله به صدقًا، وسمِعَه جبريل منه
(2)
حقًا، وبلّغه محمدًا
(3)
صلى الله عليه وسلم وحيًا. وأنّ {كهيعص (1)} [مريم: 1]، {حم (1) عسق (2)} [الشورى الآيتان/ 1 - 2]
(4)
، و {ق} [ق/ 1] ، و {ن} [القلم/ 1] عين
(5)
كلام الله تعالى
(6)
حقيقة. وأنّ الله تكلم بالقرآن [4/ أ] العربي الذي سمعه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. جميعُه
(7)
كلامُ الله وليس قولَ البشر، ومن قال إنه قول البشر فقد كفر، والله يصليه سقر
(8)
، ومن قال ليس لله
(9)
في الأرض كلام فقد جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله بعثه يُبلِّغ
(10)
عنه كلامَه، والرسول إنما يبلِّغ كلامَ مُرسِله. فإذا انتفى كلام المرسِل انتفت رسالة الرسول
(11)
.
(1)
هنا زيدت كلمة "فصل" في حاشية ب. وكذا في ح، ط.
(2)
في ف، ب:"منه جبريل". وسقطت "منه" من ح، طه.
(3)
ف، د: محمد.
(4)
وزيد بعدها في ب فوق السطر: "والر". وهي الآية الأولى من سورة إبراهيم والحجر ويوسف، وكذا في ط.
(5)
عين الشيء: نفسه وشخصه وأصله، والجمع أعيان. وعين كل شيء: نفسه وحاضره وشاهده. اللسان 13/ 305.
(6)
لم يرد في غير الأصل.
(7)
في ب فوق السطر: وأنّ جميعه. وكذا في ح، ط.
(8)
"سقر" سقطت من ف.
(9)
في حاشية ب زيادة "بيننا". وكذا في س، ح، ط.
(10)
في طع: "ليبلغ".
(11)
هذا مما يترتب على القول بخلق القرآن وأن القرآن ليس كلام الله تعالى =
ونقول: إن الله تعالى فوق سماواته مستوٍ على عرشه، بائنٌ مِن خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. وإنّه تعالى إليه يصعَد الكلم الطيّب
(1)
، وتعرُج الملائكة والروح إليه
(2)
. وإنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرُج إليه
(3)
.
= حقيقة، إذ إن القول ببدعة خلق القرآن ونفي صفة الكلام عن الله تعالى يؤدي إلى نفي الرسالة وتعطيلها، وسيأتي تفصيل ذلك في كلام الناظم، في "فصل في إلزامهم القول بنفي الرسالة إذا انتفت صفة الكلام"[الأبيات 694 وما بعده].
(1)
كما قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]
وهذا من أدلة علو الله تعالى على خلقه فإنّ الصعود يكون من الأسفل إلى الأعلى. القاموس 374 والكلم الطيب هو: ذكر العبد وتسبيحه وتحميده وتكبيره وثناؤه على ربه تعالى. كما جاء عن ابن عباس وكعب الأحبار رضي الله عنهم. تفسير الطبري مجلد 12/ ج 22/ ص 120. وانظر البيتين 359، 1189 وما بعده.
(2)
كما قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 4] وهذا أيضا من أدلة علو الله تعالى على خلقه، والعروج هو الصعود. وانظر الأبيات: 360 و 1159 وما بعده.
(3)
كما قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} [السجدة: 5] ومعنى الآية إجمالًا: أن الله تعالى يتنزل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12] وقال قتادة ومجاهد والضحاك: ما بين السماء والأرض خمسمائة عام فينزل الملك ويرقى لكنه يقطعها في طرفة عين. تفسير ابن كثير 1/ 457، الطبري 11/ 28/ 91.
وإن المسيح رُفِع بذاته إلى الله
(1)
(2)
وإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عُرِج به إلى الله حقيقة
(3)
. وإن أرواح المؤمنين تصعد إلى الله عند الوفاة
(4)
، فتُعرَض عليه، وتقف بين يديه
(5)
. وإنه تعالى هو القاهر فوق
(1)
ب: الله تعالى.
(2)
كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)} [النساء: 157، 158]، وقد ذكر المفسرون رحمهم الله في تفسير هاتين الآيتين وكيفية رفعه عليه السلام أقوالًا عديدة لعل أقربها ما رجحه الطبري رحمه الله في تفسيره وهو أن عيسى عليه السلام لما اجتمع مع الحواريين في البيت وحاصره اليهود ليقتلوه ألقي شبهه على أحد الحواريين، ورفع عيسى إلى ربه تعالى، وخرج هذا الشبيه إلى اليهود، فظنوه عيسى فأمسكوه وقتلوه وصلبوه. تفسير الطبري 6/ 14، ابن كثير 1/ 574. وانظر البيتين 363، 1200.
(3)
يشير إلى عروجه صلى الله عليه وسلم إلى السماء في حادثة الإسراء والمعراج، وحديث الإسراء والمعراج أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه:"ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابًا من أبوابها"، 13/ 478 - فتح- كتاب التوحيد باب 37 ما جاء في قوله عز وجل {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وقول المؤلف رحمه الله: "حقيقة": تعريض بالرد على من قال إن عروجه صلى الله عليه وسلم كان لروحه دون جسده، والصحيح أنه لجسده وروحه. انظر شرح الطحاوية 1/ 270، وسيأتي الكلام على المعراج في كلام الناظم [تحت البيت 362]، وانظر البيت 1157.
(4)
في ف، ب، ظ، س: الموافاة.
(5)
كما جاء في الحديث الطويل عن البراء بن عازب رضي الله عنه في ذكر =
عباده
(1)
وإن المؤمنين والملائكة المقربين يخافون ربَّهم من فوقهم
(2)
.
أيدي السائلين تُرفَع إليه
(3)
، وحوائجَهم تُعرَض عليه. وإنه
= حال المؤمن والكافر عند الموت. وفيه قال صلى الله عليه وسلم عن المؤمن: "فإذا خرجت نفسه صلَّى عليه كل ملك بين السماء والأرض إلا الثقلين ثم يصعد به إلى السماء"، الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 4/ 295 وأبو داود في السنن ج 3/ ص 213/ ح 3212، كتاب الجنائز باب الجلوس عند القبر، وابن ماجه في السنن ج 1/ ص 283/ ح 1549، أبواب ما جاء في الجنائز - باب ما جاء في الجلوس في المقابر، والحديث أشار ابن القيم إلى صحته في حاشيته على سنن أبي داود كما في عون المعبود مع حاشية ابن القيم ج 9/ 31. وصححه الألباني كما في صحيح سنن ابن ماجه ج 1/ 259 ح 1259.
(1)
زيدت هنا في حاشية ب: "وهو العلي الأعلى" وكذا في ط. وهذه الزيادة لا تصح، فإنها ستأتي في آخر الفقرة.
(2)
كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)} [النحل: 49، 50].
(3)
السائلون جمع سائل وهو الداعي، ومن السنة في الدعاء أن يرفع الداعي يديه وهذا من أسباب الإجابة، كما جاء عن سلمان رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم "إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صِفرًا"، رواه الترمذي وحسنه ج 9/ ص 544/ ح 3627 تحفة، وأبو داود في سننه 2/ 78، كتاب الوتر- باب الدعاء، وابن ماجه في سننه 2/ 349 أبواب الدعاء- باب رفع اليدين في الدعاء، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. ووافقه الذهبي كما في المستدرك 1/ 674 كتاب الدعاء، وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني ج 1/ ص 201/ ح 2066.
سبحانه
(1)
العلي الأعلى بكل اعتبار
(2)
.
فلما سمع المعطل منه ذلك أمسك، ثم أسرّها في نفسه، وخلا بشياطينه وبني جنسه، وأوحى بعضهم إلى بعض
(3)
أصناف المكر والاحتيال، ورامُوا
(4)
أمرًا يستحمِدون
(5)
به إلى نُظَرائهم من أهل البدع والضلال، وعقدوا مجلسًا بَيَّتُوا
(6)
في مساء ليلته
(7)
ما لا يرضاه الله من القول، والله بما يعملون محيط
(8)
.
وأتوا في مجلسهم ذلك
(9)
بما قدَروا عليه من الهذَيان واللَّغْط
(10)
(1)
ف، ب: سبحانه وتعالى. وفي ط: "فإنه سبحانه هو العلي".
(2)
قوله: "بكل اعتبار" يشير إلى أنواع علو الله تعالى وستأتي في مبحث العلو مفصلة.
(3)
في ب زاد بعضهم في الحاشية: "زخرف القول" وفي ط: "زخرف القول غرورًا".
(4)
راموا: طلبوا وأرادوا.
(5)
يستحمدون: أي يطلبون أن يحمدوهم عليه.
(6)
بيتوا: أي دبّروا ومكروا، يقال: بيّت الأمرَ: عمله ليلًا أو دبره ليلًا ومنه قوله تعالى: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 108] وقوله {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} [النساء: 81]، اللسان 2/ 16.
(7)
في ح، ط:"يومه".
(8)
اقتباس من قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)} [النساء: 108].
(9)
"ذلك" سقطت من طع.
(10)
اللغْط واللغَط: الصوت والجلبة أو أصوات مبهمة لا تفهم. القاموس 885.
والتخليط، ورامُوا استدعاءَ المثبتِ إلى مجلسهم الذي عقدوه، ليجعلوا نُزُلَه
(1)
عند قدومه عليهمَ ما لفّقوه من الكذب
(2)
ونمّقوه. فحبَس الله سبحانه عنه
(3)
أيديَهم وألسنتَهم، فلم يتجاسروا عليه، وردّ الله كيدهم في نحورهم فلم يصلوا بالسوء إليه، وخذلهم المُطَاعُ
(4)
فمزّق
(5)
ما كتبوه من المحاضر، وقلَبَ الله قلوب أوليائه وجندِه عليهم من كلِّ بادٍ وحاضر. وأخرج الناس
(6)
لهم من المخبَّآتِ كمائنَها،
(7)
ومن
(1)
النزل: ما هيئ للضيف إذا نزل عليه، ويقال: إن فلانًا لحسن النزل أي الضيافة. اللسان 11/ 658.
(2)
متن الأصل: "من المكر وتمموه" وكذا في ح، ط وصحح في الحاشية من نسخة الأصل، وكذا على الصواب في ف، س. بل لتوكيد الصواب كتبت كلمة "ونمقوه" في حاشية ف بحروف مفردة مضبوطة هكذا:"بيان: وَنَ مَّ قُ وْ هُ" أما نسخ ب، د. ظ فهي فيها "تمموه" محرفة.
(3)
في طع: "عن" خطأ.
(4)
المُطاع: الكبير والزعيم الذي يطيعه قومه وقد عبر بهذه اللفظة ذاتها شيخ الإسلام رحمه الله عندما تكلم عن مناظرته مع طائفة البطائحية فذكر أنهم بعدما وعظهم كادوا أن يتوبوا ويتراجعوا حتى: "جاءهم بعض غلمان المطاع وذكر أنه لابد من حضورهم لموعد الاجتماع فأطاعوا وحضروا" مجموع الفتاوى 11/ 455.
(5)
في ح، ط:"فمزقوا".
(6)
في د: "لهم الناس".
(7)
المخبّآت: الأمور المستورة، والكمائن: الخفايا. والمقصود أن الناس غضبوا على المعطلة لما افتضح أمرهم، وأخرجوا لهم البغضاء والكراهية التي كانت كامنة في النفوس لهم. وسياق كلام المؤلف ربما يدل على أنهم انهالوا عليهم ضربًا، لأنه ذكر ألفاظًا تدلّ على الجراحات.
الجَوائفِ
(1)
والمُنقِّلات
(2)
دفائنَها
(3)
. وقوَّى اللهُ جأشَ
(4)
المُثْبتِ، وثبَّت
(5)
لسانه، وشيّد بالسنة المحمدية بنيانه. فسعى في عقد مجلس بينه وبين خصومه عند السلطان، وحكّم على نفسه كتب شيوخ القوم السالفين
(6)
، وأئمتهم المتقدمين
(7)
. وأنّه لا يستنصر من أهل مذهبه بكتاب ولا إنسان، وأنّه جعل بينه
(8)
وبينكم أقوالَ من قلّدتموه، ونصوص من على غيره من الأئمة قدّمتموه. وصرّح
(9)
المثْبِتُ بذلك بين ظهرانيْهم حتى بلّغه دانيهم لقاصيهم فلم يُذعِنوا لذلك
(1)
الجوائف: جمع جائفة وهي من أنواع الجراحات، وهي الجراحة التي تصل إلى الجوف من بطن أو ظهر أو ثغرة نحر أو ورك. وفيها ثلث الدية انظر المغني لابن قدامة 9/ 648، شرح الزركشي على مختصر الخرقي للزركشي 6/ 173.
(2)
المنقِّلات أيضًا من أنواع الجراحات، وهي التي تكسر العظم وتنقله عن موضعه، وفيها خمس عشرة من الإبل. انظر المغني 9/ 646، شرح الزركشي 6/ 172.
(3)
الدفائن: جمع دفينة وهي ما يدفن كالكنز. القاموس 1544، والمراد أعظمها وأشدها وأبلغها.
(4)
في ط: "جأش عقد"، ومعنى الجأش: النفس وقيل القلب، وفلان قوي الجأش: أي القلب، ويقال رجل رابط الجأش: يربط نفسه عن الفرار ويكفها لجرأته وشجاعته. اللسان 6/ 269.
(5)
في ح، ط:"قلبه ولسانه".
(6)
سقطت من د، س.
(7)
في ف: "المقدمين". ولعل المؤلف يشير هنا إلى متقدمي أئمة الأشاعرة، فإن المتأخرين منهم خالفوهم في إثبات كثير من الصفات.
(8)
في ف، د:"بينكم وبينه".
(9)
ضبط في ف بتشديد الراء. وفي د، ط:"صرخ".
واستعفَوا
(1)
من عقْدِه فطالبهم المُثْبتُ بواحدة من خِلال ثلاث:
مناظرة في مجلس عام
(2)
على شَريطةِ العلم والإنصاف، تُحضَر فيه النصوصُ النبوية والآثارُ السلفية، وكتبُ أئمتكم المتقدمين من أهل العلم والدين. فقيل لهم: لا مراكبَ
(3)
لكم تسابقون بها في هذا الميدان، ومالكم بمقاومة فُرسانه يدان
(4)
.
فدعاهم إلى مكاتبةٍ
(5)
بما
(6)
يدعون إليه، فإن كان حقًّا قبلَه وشكركم عليه، وإن كان غير ذلك سمعتم جوابَ المثبت، وتبيّن لكَم حقيقةُ ما لديه. فأبَوا ذلك أشدّ الإباء، واستعفَوا غاية الاستعفاء.
فدعاهم إلى القيام بين الركن والمقام
(7)
قيامًا في
(1)
استعفوا: أي طلبوا الإعفاء من ذلك.
(2)
"عام" سقطت من ب. وفي ط: "عالم"، وهو خطأ.
(3)
مراكب: جمع مَركب وهي الدابة.
(4)
أي لا طاقة لكم بمقاومتهم. يقال: مالي بفلان يدانِ، أي طاقة. الصحاح 6/ 2540. وقد تكرر هذا التعبير في كلام الناظم، انظر مثلًا البيت الأول، والأبيات 36، 108، 122 وغيرها.
(5)
في د، ح، طع، طه:"مكاتبته"، ويعني بالمكاتبة هنا: المراسلة، ليقيم الحجة عليهم -بعدما ضعفوا عن المقابلة والمناظرة- بالمراسلة والمكاتبة، فيكتبون له ما يرون، ثم يجيبهم كتابة.
(6)
في طع، طه:"فيما".
(7)
أي عند الكعبة بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام. واختار هذا المكان لما يحدث للقلب من الخوف والوجل والرهبة وتعظيم قدر الله تعالى فيه.
مواقف
(1)
الابتهال، حاسري
(2)
الرؤوس نسأل
(3)
الله أن يُنزل بأسَه بأهل البدع والضلال
(4)
. وظنّ المثبتُ واللهِ أن القوم يجيبون
(5)
إلى هذا، فوطّن
(6)
نفسه عليه غاية التوطين، وبات يحاسب نفسه ويعرض ما يثبته وينفيه على
(7)
كلام رب العالمين، وعلى
(8)
سنة خاتم المرسلين
(9)
، ويتجرد عن كل هوى يخالف الوحي المبين، ويهوي بصاحبه في
(10)
أسفل السافلين. فلم يجيبوا إلى ذلك أيضًا، وأتوا من الاعتذار، بما دلّ
(11)
على أن القوم ليسوا من أولى الأيدي والأبصار.
(1)
في طع، طه:"موقف".
(2)
قوله: "حاسري الرؤوس" أي كاشفي الرؤوس.
(3)
في ب: يسأل.
(4)
وهذا الفعل بين الخصوم يسمى "مباهلة" وهي الملاعنة. وصورتها أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منّا. اللسان 113/ 72. ومنه قوله تعالى صلى الله عليه وسلم: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران: 61].
(5)
في ط: "يجيبونه".
(6)
وطن نفسه على الشيء وله فتوطنت: حملها عليه فتحملت وذلّت له. اللسان 13/ 451.
(7)
في طع: "عن" وهو خطأ.
(8)
"وعلى" سقطت من ف.
(9)
في ط: "الأنبياء والمرسلين".
(10)
في ب، ح، ط: إلى.
(11)
في ط: "دله".
فحينئذ شمّر المثبتُ عن ساق عزمه، وعقد لله مجلسًا بينه وبين خصمه. يشهده القريب والبعيد، ويقف على مضمونه الذكيّ والبليد. وجعله عقدَ مجلس التحكيم بين المعطِّل الجاحد والمُثبِت المرمي بالتجسيم.
وقد خاصم في هذا المجلس بالله وحاكمَ إليه، وبرِئَ إلى الله من كل هوى وبدعة وضلالة، وتحيُّزٍ إلى فئةٍ غيرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان أصحابه عليه. والله سبحانه المسؤول
(1)
أن لا يكِلَه إلى نفسه ولا إلى شيء مما لديه، وأن يوفقه في جميع حالاته لما يحبه ويرضاه، فإنّ أزِمّةَ الأمور بيدَيه.
وهو يرغب إلى من يقف على هذه الحكومة
(2)
أن يقومَ لله قيامَ متجرِّدٍ عن هواه، قاصدًا لرضا مولاه؛ ثم يقرأها متفكرًا، ويعيدَها ويبدئَها متدبرًا؛ ثم يحكمَ فيها بما يرضي الله ورسوله وعباده المؤمنين، ولا يقابلَها بالسبِّ والشتم كفعل الجاهلين والمعاندين.
فإن رأى حقًّا قَبله
(3)
وشكَر عليه، وإن رأى
(4)
باطلًا ردّه على قائله وأهدى الصواب إليه، فإنّ الحقّ لله ورسولِه، والقصدُ أن تكون كلمةُ
(1)
في ح، ط:"هو المسؤول".
(2)
يعني هذه المنظومة المباركة التي بيّن فيها رحمه الله آراء أصحاب المذاهب ثم حكم بينهم وردَّ على أهل الباطل باطلَهم بأقوى حجة وأوضح عبارة.
(3)
في طع، طه:"تبعه".
(4)
من هنا سقطت ورقة من ب.
السنة
(1)
هي العليا، جهادًا في الله وفي سبيلِه. واللهُ عندَ لسانِ كلِّ قائل وقلبه، وهو المطّلع
(2)
على نيتهِ وكسبِه. وما كان أهلُ التعطيل أوليَاءَه، إن أولياؤه إلّا المتقون المؤمنون المصدّقون. {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}
(3)
[التوبة: 105].
(1)
كذا في جميع النسخ وط إلّا نسخة د التي فيها: "سنة الله".
(2)
في د: "مطلع".
(3)
وجاء بعد الآية في الأصل: "وقد سميت هذا المجلس بالكافية الشافية في اعتقاد (كذا) الفرقة الناجية". ثم خُطَّ على العبارة، وكتبت حاشية لم تتضح جيدًا في الصورة. ولعلها أشارت إلى أنّ هذه العبارة ليست في نسخة الشيخ.