المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

535 - فَحَقِيقَةُ القَدَرِ الَّذِي حَارَ الوَرَى … فِي شَأْنِهِ - نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: 535 - فَحَقِيقَةُ القَدَرِ الَّذِي حَارَ الوَرَى … فِي شَأْنِهِ

535 -

فَحَقِيقَةُ القَدَرِ الَّذِي حَارَ الوَرَى

فِي شَأْنِهِ هُوَ قُدْرَةُ الرَّحْمنِ

536 -

واسْتَحْسَنَ ابنُ عَقيلَ ذَا مِنْ أحْمدٍ

لمَّا حَكَاهُ عَنِ الرِّضَا الرَّبَّانِي

537 -

قَالَ الإمَامُ شَفَا القُلُوبَ بلَفْظةٍ

ذَاتِ اخْتِصَارٍ وَهْيَ ذَاتُ بَيَانِ

* * *

‌فصلٌ

538 -

وَلَهُ الحَيَاةُ كمَالُهَا فلأِجْلِ ذَا

مَا لِلمَماتِ عَلَيْهِ مِنْ سُلْطَانِ

536 - منع صرف "عقيل" للضرورة. وابن عقيل: علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري المقرئ الحنبلي الأصولي أبو الوفاء (431 - 513 هـ).

عالم العراق في وقته أحد الأئمة الأعلام، كان معتزليًا في أول حياته ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك وصحت توبته ثم صنف في الرد عليهم. من مصنفاته "الفنون" وهو أشهرها و"الواضح في الأصول" و"الجدل على طريقة الفقهاء" سير أعلام النبلاء 19/ 443، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 142، لسان الميزان 4/ 243، الأعلام 4/ 313.

قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري في مسائل الإمام أحمد: وسئل عن القدر فقال: القدر قدرة الله على العباد، قال الرجل: إن زنى فبقدر الله وإن سرق فبقدر الله؟ قال: نعم، الله عز وجل قدره عليه، مسائل الإمام أحمد لابن هانئ ج 2/ ص 155، وقد أورد الناظم رحمه الله مقولة الإمام أحمد مختصرة في كتابه "شفاء العليل" ثم قال:"واستحسن ابن عقيل هذا الكلام جدًا وقال (يعني ابن عقيل): هذا يدل على دقة علم أحمد وتبحره في معرفة أصول الدين، وهو كما قال أبو الوفاء" شفاء العليل ص 61.

537 -

د: "كل بيان".

538 -

الحياة الكاملة هي التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، وحياته سبحانه وحده هي الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم ولا يلحقها فناء، كما قال تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان: 58].

ص: 184

539 -

وكذَلكَ القَيُّومُ مِنْ أوْصَافِهِ

مَا لِلمَنَامِ لَدَيْهِ مِنْ غَشَيَانِ

540 -

وكَذاكَ أوْصَافُ الكَمَالِ جَمِيعُها

ثَبَتَتْ لهُ ومَدارُهَا الوَصفَانِ

541 -

فمُصَحِّحُ الأوْصَافِ والأَفْعَالِ والْـ

أَسْمَاءِ حَقًّا ذَانِكَ الأَصْلانِ

542 -

ولأجْلِ ذَا جَاءَ الحَدِيثُ بأنَّهُ

فِي آيةِ الكُرْسِي وذِي عِمْرَانِ

539 - قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255]، وقال:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] والقيوم: من أسماء الله تعالى العظيمة وهو كامل الحياة القائم بنفسه والقائم بأمر كل شيء في رزقه والدفع عنه وتدبيره وصرفه في قدرته. وسيفسره الناظم في فصل آخر (البيت 3353). وانظر تفسير القرطبي 3/ 271، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي 5/ 353.

540 -

قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60].

قال شارح الطحاوية رحمه الله أثناء كلامه على اسمي الحي والقيوم: "على هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلّها، وإليهما ترجع معانيها. فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكملَ حياة وأتمَّها استلزم إثباتها إثبات كلّ كمال يضادّ نفيه كمال الحياة. وأما القيوم فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته فإنه القائم بنفسه فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه، المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال أتم انتظام" أ. هـ.

شرح الطحاوية 1/ 91 - 92. وانظر مختصر الصواعق 1/ 200.

541 -

ح، ط:"الوصفان".

542 -

ف: "فلأجل".

- يشير إلى ما جاء عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] و {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)} [آل عمران: 1، 2]"إن فيهما اسم الله الأعظم"، الحديث رواه الإمام أحمد 6/ 461 من طريق محمد بن بكر عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن =

ص: 185

543 -

اِسْمُ الإِلهِ الأَعْظَمُ اشتَملَا عَلَى اسْـ

ـمِ الحَيِّ والقيُّومِ مُقْترِنَانِ

544 -

فالكُلُّ مرجِعُهَا إلَى الاسْمَيْن يَدْ

رِي ذَاكَ ذُو بَصَرٍ بِهَذَا الشَّانِ

545 -

وَلَهُ الإرَادَةُ والكَرَاهَةُ والرِّضَا

وَلَهُ المحَبَّةُ وَهْوَ ذُو الإحْسَانِ

= أسماء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. ومحمد بن بكر هو ابن عثمان البرساني، صدوق يخطئ كثيرًا، التقريب 470. وعبيدالله بن أبي زياد هو القداح أبو الحصين المكي ليس بالقوي. التقريب 371. وشهر بن حوشب هو مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام. التقريب 269.

فإسناد الحديث لا تقوم به حجة، كما لا يخفى.

وروى ابن ماجه 2/ 346 /ح 3902، من طريق غيلان بن أنس يحدث عن القاسم: عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، في سور ثلاث: البقرة وآل عمران وطه". وقال البوصيري في الزوائد 3/ 204: في إسناده مقال، غيلان لم أر من جرّحه ولا من وثقه. ثم ذكر له متابعة وشاهدًا.

والشاهد من سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111]، وغيلان بن أنس هو الكلبي أبو يزيد الدمشقي مقبول. التقريب 443. والقاسم هو ابن عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أمامة صدوق يغرب كثيرًا. التقريب 450. وروى ابن ماجه 2 /ص 356 /ح 3901، عن القاسم بن عبد الرحمن نحوه موقوفًا. وقال البوصيري في الزوائد 3/ 204: رجاله ثقات وهو موقوف. وبهذا يظهر أن الحديث لا تقوم به حجة لضعف القاسم بن عبد الرحمن ولأنه يرويه مرفوعًا تارة وموقوفًا على نفسه تارة. والله أعلم.

545 -

"الإرادة": يدل عليه قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وراجع البيت 415.

"الكراهة": يدل عليه قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46]، وراجع البيت 415.

"الرضا": يدل عليه قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] وراجع البيت 440.=

ص: 186

546 -

وَلَهُ الْكَمَالُ المُطْلَقُ العَارِي عَنِ التَّـ

ـشْبِيهِ والتَّمْثِيل بالإنْسَانِ

547 -

وَكَمَالُ مَنْ أعطَى الكَمَالَ لنَفْسِهِ

أَوْلَى وأقدَمُ وَهْوَ أعظَمُ شَانِ

548 -

أيكُونُ قدْ أعْطَى الكَمَال ومَا لَهُ

ذَاكَ الكَمَالُ أذَاكَ ذُو إمْكَانِ

549 -

أيكُونُ إنسَانٌ سَمِيعًا مُبصِرًا

متكلِّمًا بمشِيئَةٍ وبَيَانِ

550 -

وَلَهُ الحَيَاةُ وقُدْرَةٌ وإِرَادَةٌ

والعِلْمُ بالكُلِّيِّ والأَعْيَانِ

551 -

واللَّهُ قَدْ أعطَاهُ ذَاكَ وَليسَ هَـ

ـذَا وَصْفَهُ فاعْجَبْ مِنَ البُهْتَانِ

552 -

بِخلَافِ نَوْمِ العَبْدِ ثُمَّ جِمَاعِهِ

والأكْلِ مِنْهُ وحَاجَةِ الأبْدَانِ

= "المحبة": يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف: 4] وراجع البيت 415.

"الإحسان": يدل عليه قوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] وقوله: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف: 100].

546 -

الكمال المطلق: الذي ليس فيه نقص بوجه من الوجوه ولا يعتريه تشبيه ولا تمثيل بل يتضمن الأمور الوجودية والمعاني الثبوتية الكاملة العالية. شرح الطحاوية 1/ 119، مختصر الصواعق 1/ 160. وتقدم تعريف التشبيه والتمثيل في التعليق على المقدمة.

- نهاية السقط من س.

547 -

"لنفسه": متعلقة بما بعدها. قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60] فله سبحانه المثل الأعلى في جميع صفاته وأفعاله، وكل كمال ثبت للممكن أو المحدث لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالواجب القديم أولى به، وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق المربوب المدبر فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره فهو أحق به منه. انظر درء التعارض 1/ 29 - 30، شرح الطحاوية 1/ 87، مجموع الفتاوى 3/ 297.

549 -

كذا في الأصل وحاشية ف وط. وفي غيرها: "سميع مبصر متكلم" بالرفع.

550 -

أي: العلم بحقائق الأشياء وماهيتها على وجه العموم ومعرفة خصائص أعيانها وجزئياتها على وجه الخصوص.

552 -

الكمال الذي ينسب إلى المخلوق ويتطرق إليه النقص لا ينسب إلى الله =

ص: 187

553 -

إِذ تِلكَ ملزومَاتُ كَونِ العَبْدِ مُحْـ

ـتَاجًا وتِلْكَ لَوَازِمُ النُقْصَانِ

554 -

وكَذَا لَوازِمُ كَوْنِهِ جَسَدًا نَعَمْ

وَلَوَازِمُ الإحْدَاثِ والإمْكَانِ

555 -

يتقدَّسُ الرَّحْمنُ جل جلاله

عَنْهَا وَعَنْ أعْضاءِ ذِي جُثْمَانِ

556 -

واللهُ رَبِّي لَمْ يَزَلْ متكلِّمًا

وكلَامُهُ المَسمُوعُ بالآذَانِ

557 -

صِدْقًا وعَدْلًا أُحْكِمَتْ كَلِمَاتُهُ

طَلَبًا وإخْبَارًا بِلَا نُقْصَانِ

558 -

وَرَسُولهُ قَدْ عَاذَ بالكَلِمَاتِ مِنْ

لَدْغٍ وَمِن عَيْنٍ ومِنْ شَيْطَانِ

= تعالى كالنوم والجماع والأكل والشرب ونحوها. فهذه كمالات في حق المخلوق يعاب من لم يتصف بها من المخلوقين لأنه ناقص وهي مكملة له وهي لازمة له لأنه جسد حادث ممكن، بخلاف الخالق جل جلاله فهو سبحانه له الكمال المطلق الذي لا يفتقر معه إلى صفات تكمله. راجع حاشية البيت رقم 547، وانظر درء التعارض 2 /ص 6.

554 -

"الإحداث": يعني لوازم كونه محدثًا كائنًا بعد أن لم يكن.

"الإمكان": يعني كونه ممكن الوجود يسبقه عدم ويلحقه عدم لا واجب الوجود، وليس أحد واجب الوجود إلا الله تعالى.

555 -

طه: "جسمان".

556 -

شرع الناظم رحمه الله في إثبات صفة الكلام وإثبات القول الحق فيه، مع التعرض لاختلاف المذاهب في ذلك.

557 -

قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام. تفسير ابن كثير 2/ 167.

- الكلام في لغة العرب نوعان:

الأول: الخبر كجاء زيد، وهو يحتمل الصدق والكذب لذاته.

الثاني: الإنشاء وهو الطلب كطلب فعل أو طلب ترك وهو لا يحتمل الصدق والكذب لذاته لأنه ليس له مدلول خارجي يطابقه أو لا يطابقه.

انظر الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني ج 1/ 55.

558 -

يشير إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوذ حسنًا وحسينًا يقول: "أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، =

ص: 188

559 -

أيعوذُ بالمَخْلُوقِ حَاشَاهُ مِنَ الْـ

إِشرَاكِ وَهْوَ مُعَلِّمُ الإيمَانِ

560 -

بَلْ عَاذَ بالكَلِمَاتِ وَهْيَ صِفَاتُهُ

سُبْحَانَهُ لَيْسَتْ مِنَ الأكْوانِ

561 -

وَكَذَلِكَ القُرْآنُ عَيْنُ كَلَامِهِ الْـ

ـمَسْمُوعِ مِنْهُ حقِيقَةً بِبَيَانِ

562 -

هُوَ قَوْلُ رَبّي كلُّهُ لَا بَعْضُهُ

لَفْظًا وَمَعْنىً مَا هُمَا خَلْقَانِ

563 -

تَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ وقَوْلُهُ

اَللَّفْظُ والمَعْنَى بِلَا رَوَغَانِ

= ومن كل عين لامة" رواه البخاري 6/ 408 فتح، كتاب الأنبياء، باب 10. قال نعيم بن حماد شيخ البخاري وهو من أئمة السنة: لا يستعاذ بالمخلوق ولا بكلام العباد والجن والإنس والملائكة، وقال البخاري عقبه: "وفي هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق وأن سواه خلق" خلق أفعال العباد ص 132.

559 -

"أيعوذ": كذا في "الأصل" وفي ف، ظ:"أفعاذ"، وكلاهما جيد. وفي غيرها:"أيُعاذ".

561 -

يُعرِّض ببطلان قول المعتزلة وغيرهم القائلين بأن كلام الله تعالى مخلوق في بعض الأجسام وابتداؤه من ذلك الجسم لا من الله فلا يقوم بنفس الله تعالى كلام لا معنى ولا حروف.

انظر مختصر الصواعق 2/ 473، وسيأتي في كلام الناظم ذكر هذا القول والرد على قائله. انظر البيت: 829 وما بعده.

563 -

يعرض الناظم رحمه الله في هذين البيتين ببطلان قول الأشاعرة والكلابية القائلين بأن كلام الله تعالى كلام نفسي يقوم به كقيام الحياة والعلم وليس حروفًا ولا أصواتًا، فأثبتوا المعنى ونفوا اللفظ وجعلوا الكلام بعضه غير مخلوق وهو المعنى وبعضه مخلوق وهو اللفظ.

انظر مختصر الصواعق ص 474، 477، درء تعارض العقل والنقل 2/ 313، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص 113 - 119، إعجاز القرآن للباقلاني ص 260 - 261، حاشية الدسوقي على أم البراهين ص 109، مجرد مقالات الأشعري لابن فورك ص 59 - 62، شرح العقائد النسفية للتفتازاني ص 42 - 43. وسيأتي في كلام الناظم تفصيل مذهبهم والرد عليهم. انظر البيت: 757 وما بعده.

ص: 189

564 -

لَكنَّ أصْواتَ الْعِبَادِ وفِعْلَهُمْ

كَمِدَادِهِمْ والرَّقِّ مَخْلوقَانِ

565 -

فالصَّوتُ لِلْقَارِي ولَكِنَّ الكَلَا

مَ كلامُ ربِّ العرْشِ ذِي الإحْسَانِ

566 -

هَذا إِذَا مَا كَانَ ثَمَّ وَسَاطَةٌ

كَقرَاءَةِ المخْلُوقِ للقُرْآنِ

567 -

فإِذَا انْتفَتْ تِلْكَ الوسَاطَةُ مِثْلَمَا

قَدْ كلَّمَ الموْلودَ مِنْ عِمْرانِ

568 -

فهُنالِكَ المخْلُوقُ نَفْسُ السَّمْع لَا

شَيءٌ مِنَ المسْمُوعِ فافْهَمْ ذَانِ

564 - فعلهم يعني: قراءتهم وكتابتهم.

المداد: الحبر الذي يكتب به.

الرَّقّ: جلد رقيق يكتب فيه.

يشير الناظم رحمه الله في هذا البيت إلى التفريق بين اللفظ والملفوظ والقراءة والمقروء، وسيأتي في كلام الناظم تفصيل ذلك في البيت: 764 وما بعده. انظر مختصر الصواعق المرسلة ص 492 وما بعدها، مجموع الفتاوى 12/ 138.

565 -

في "مختصر الصواعق المرسلة": "أصوات العباد من أفعالهم أو متولدة عن أفعالهم فهي من أفعالهم فالصوت صوت العبد حقيقة والكلام كلام الله حقيقة أداه العبد بصوته كما يؤدي كلام الرسول وغيره بصوته فالعبد مخلوق" أ. هـ

وصفاته مخلوقة وأفعاله مخلوقة، وصوته وتلاوته مخلوقة والمتلو المؤدى بالصوت غير مخلوق. مختصر الصواعق ص 482 - 483، وانظر خلق أفعال العباد الأثر رقم 463 ص 175، درء تعارض العقل والنقل 2/ 310 وما بعدها، مجموع الفتاوى 12/ 138.

567 -

ذكر الناظم رحمه الله في الأبيات السابقة النوع الأول لسماع كلام الله وهو إذا ما كان بواسطة، أما إذا انتفت الواسطة كما انتفت في حق موسى عليه السلام لما كلمه الله تعالى، فيكون المسموع كله من صوت وألفاظ ومعان كلام الله حقًا، والمخلوق هو نفس سمع السامع المخلوق.

انظر مجموع الفتاوى 12/ 137 وسيأتي شرح ذلك مفصلًا في البيت: 764 وما بعده.

568 -

قوله "السمع": يعني به سمع المخلوق وهو هنا سمع موسى عليه السلام. ويعني بالمسموع هنا كلام الله تعالى.

ص: 190

569 -

هَذِي مَقَالَةُ أحْمدٍ ومُحَمَّدٍ

وخُصُومُهُمْ مِنْ بَعْدُ طَائِفَتَانِ

569 - ت: "هذا مقالة

".

- قال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله سألت أبي: ما تقول في رجل قال: التلاوة مخلوقة وألفاظنا مخلوقة والقرآن كلام الله عز وجل وليس بمخلوق؟ وما ترى في مجانبته؟ وهل يسمى مبتدعًا؟ فقال: هذا يجانب، وهو قول مبتدع، وهذا كلام الجهمية. السنة لعبد الله بن الإمام أحمد 1/ ص 163 / رقم 178. وانظر درء التعارض 1/ 261.

"محمّد": المراد به: الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله (وستأتي ترجمته تحت البيت 1434)، حيث قال بعد أن أسند عن يحيى بن سعيد قوله:"ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة" قال البخاري: "حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق". خلق أفعال العباد ص 34 وقال محققه: إسناده صحيح، وانظر كذلك ص 76 من الكتاب نفسه.

سبب تخصيص الناظم رحمه الله لهذين الإمامين الجليلين بالذكر أنهما إماما أهل السنة والجماعة وقد رويت عنهما ألفاظ يوهم ظاهرها تأييد ما ذهب إليه الكلابية اللفظية، من أن كلام الله تعالى بعضه مخلوق وهو اللفظ وبعضه غير مخلوق وهو المعنى، وقد تمسك بهذه الروايات أهل البدع وانتسبوا إلى هذين الإمامين ونسبوا المذهب إليهما، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال:"لفظي بالقرآن مخلوق" وروي عن الإمام البخاري رحمه الله أنه قال وقد سئل عن اللفظ بالقرآن: "أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا" وأشاع عنه محمد بن يحيى الذهلي أنه قال: "ألفاظنا بالقرآن مخلوقة". وقد تولى أئمة أهل السنة الذب عن هذين الإمامين والرد على من نسب هذا المذهب إليهما مما لا مجال لتفصيله هنا. انظر مجموع الفتاوى 12/ 264 وما بعدها، مختصر الصواعق المرسلة ص 486 وما بعدها، هدي الساري ص 490، سير أعلام النبلاء 12/ 458، خلق أفعال العباد ص 34، 76، العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 233 - 247، الحجة في بيان المحجة 2/ 194 - 196 وانظر البيت: 780 وما بعده.

ص: 191

570 -

إحْدَاهُمَا زَعَمَتْ بأنَّ كَلَامَهُ

خَلْقٌ لَهُ ألفَاظُهُ وَمَعَانِي

571 -

والآخَرُونَ أَبَوْا وَقَالُوا شَطْرُهُ

خَلْقٌ وشَطْرٌ قَامَ بالرَّحْمنِ

572 -

زَعَمُوا القُرَان عِبَارَةً وحِكَايَةً

فَلَنَا كَمَا زَعَمُوهُ قُرآنانِ

573 -

هَذَا الَّذِي نَتْلوهُ مخْلُوقٌ كَمَا

قَالَ الوَلِيدُ وَبعْدَهُ الفِئَتَانِ

570 - هم الجهمية والمعتزلة، وسيأتي في كلام الناظم تفصيل مذهبهم. انظر البيت: 623 وما بعده، والبيت: 829 وما بعده.

571 -

وهم الأشاعرة والكلابية، وقد زعموا أن كلام الله تعالى شطران: شطر مخلوق وهو اللفظ، وشطر غير مخلوق بل هو صفة لله تعالى وهو المعنى.

وقد تقدم حكاية مذهبهم إجمالًا. راجع البيت 563.

572 -

قول الأشاعرة والكلابية يكاد يكون واحدًا إلا أن بينهما اختلافًا يسيرًا سيبيّنه الناظم فيما يأتي من أبيات، والأشاعرة تقول: إن كلام الله في النفس، والألفاظ عبارة عنه، أما الكلابية فيقولون: إن الألفاظ حكاية عنه. وعندهم كلهم أن هذه الألفاظ مخلوقة -كما تقدم في التعليق على البيت 563، مختصر الصواعق ص 474.

- "فلنا": كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: "قلنا"، وهو تصحيف.

- يلزم على قولهم أن يكون هناك قرآنان:

الأول: الألفاظ التي نتلوها ونقرؤها ونكتبها.

الثاني: المعنى القديم القائم بنفس الله تعالى.

573 -

الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو عبد شمس. من قضاة العرب في الجاهلية، ولد سنة 95 ق. هـ، من زعماء كفار قريش، هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر ودفن بالحجون وهو والد خالد بن الوليد رضي الله عنه. الأعلام 8/ 122.

- ويشير الناظم هنا إلى قول الله تعالى حكاية عن الوليد عندما سمع القرآن فكذب به: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)} إلى قوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)} [المدثر: 18 - 25].

- يعني بالفئتين: الجهمية، والمعتزلة حيث قالوا بخلق القرآن، وسيأتي تفصيل مذهبهم في البيتين 623، 829.

ص: 192

574 -

والآخَرُ المعْنَى القَدِيمُ فقَائِمٌ

بالنَّفْسِ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الدَّيَّانِ

575 -

والأمْرُ عَيْنُ النَّهْيِ واسْتِفْهَامُهُ

هُوَ عَيْنُ إِخْبَارٍ وَذا وَحْداني

576 -

وَهُوَ الزَّبُورُ وَعَيْنُ تَوْرَاةٍ وإنْـ

ـجِيلٍ وعَيْنُ الذِّكْرِ والفُرْقَانِ

577 -

الكُلُّ معنًى وَاحِدٌ فِي نَفْسِهِ

لَا يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ فِي الأذْهَانِ

578 -

مَا إنْ لَهُ كلٌّ وَلَا بَعْضٌ وَلَا لفظٌ

ولا حَرْفٌ وَلَا عَرَبي وَلَا عِبْرَانِي

575 - كذا في الأصل وف. وقد ضبط في ف بفتح أوله. وفي غيرهما: "وحدانِ" دون ياء، وحذف الياء أو زيادتها من الأخطاء الشائعة في النسخ. وفي ط:"ذو وحدان". والوحداني: نسبة إلى الوحدة أي واحد. وانظر البيت الآتي برقم 852 (ص).

والمراد: أنهم قالوا: القرآن معنى واحد لا يقبل التبعيض ولا الانقسام، لذا قال الناظم بعدها في بيان مذهبهم: الكل معنى واحد .. البيت.

576 -

الذكر والفرقان من أسماء القرآن الكريم كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]، وقال:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1].

577 -

ط: "شيء واحد".

578 -

كذا في جميع الأصول التي بين أيدينا، غير أن بعض القراء ضرب على "ولا لفظ" في ب، ظ. وحذف أيضًا في ط. ولعل ذلك إصلاح للنص. وقد أثبتنا ما في الأصول دون تغيير، ولا شك أن في البيت ركنًا زائدًا يستقيم الوزن بحذفه، ولكن يختلّ توازن الألفاظ إذ تبقى كلمة "حرف" بلا قرينة.

وقد جاء هذا البيت في موضع آخر برقم 851 على هذا الوجه:

ما إنْ له كلٌّ ولا بعضٌ ولا الـ

ـعربي حقيقتُه ولا العبراني

وهو مستقيم وزنًا ومعنًى. ولعل الناظم رحمه الله ساقته أمواج البحر الكامل معها، وهو مشغول الفكر بالمعاني، فلم يفطن لهذه الزيادة. وقد تكررت زيادة ركن أو نقصه في المنظومة. انظر الزيادة في الأبيات: 604، 2040، 2057، 3250، 3260، 3356 وغيرها. (ص).

- ذهب الأشاعرة ومن وافقهم من الكلابية إلى أن الكلام معنى واحد قائم =

ص: 193

579 -

ودَلِيلُهُمْ فِي ذَاكَ بَيتٌ قَالَهُ

فِيمَا يُقَالُ الأَخْطَلُ النَّصْرَانِي

580 -

يَا قَوْمُ قدْ غَلِطَ النَّصارَى قَبْلُ فِي

مَعْنَى الكَلَامِ ومَا اهْتَدَوْا لِبَيَانِ

581 -

ولأجْلِ ذَا ظنّوا المسِيحَ إلهَهُمْ

إذ قِيلَ كِلْمَةُ خَالِقٍ رَحْمنِ

= بذات الرب .. لا ينقسم ولا يتبعض ولا له أجزاء والأمر عين النهي وعين الخبر وعين الاستخبار، الكل معنى واحد، وهو عين التوراة والإنجيل والقرآن والزبور. وكونه أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا صفات لذلك المعنى الواحد عند الأشاعرة وأنواع له عند الكلابية فإنه لا ينقسم بنوع ولا جزء. وكونه قرآنًا وتوراة وإنجيلًا تقسيم للعبارات عنه لا لذاته بل إذا عبّر عن ذلك المعنى بالعربية كان قرآنًا، وإن عبّر عنه بالعبرانية كان توراة، وإن عبّر عنه بالسريانية كان اسمه إنجيلًا، والمعنى واحد. مجرد مقالات الأشعري ص 63، مختصر الصواعق المرسلة ص 475.

579 -

الأخطل: غياث بن غوث التغلبي النصراني، شاعر اشتهر في عهد بني أمية بالشام وأكثر من مدح الملوك. له ديوان شعر مطبوع ت 90 هـ. طبقات فحول الشعراء لابن سلام ج 2/ 451، الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 483، الأغاني 8/ 290، الأعلام 5/ 123.

- يشير إلى استدلالهم بالبيت المنسوب إلى الأخطل:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وذكر كثير من أئمة اللغة وغيرهم أن هذا البيت لا تصح نسبته إلى الأخطل ولم يوجد في ديوانه، بل جزم كثير منهم أن أصل البيت:"إن البيان .. ". وأن أهل البدع حرّفوه ليحتجوا به على مذهبهم.

انظر الكلام على هذا البيت وردّ الاستدلال به في الإيمان لشيخ الإسلام ص 132 - 134، مجموع الفتاوى 6/ 296 - 297، درء التعارض 2/ 85، الصواعق المرسلة 1/ 344 - 345، شرح الطحاوية 1/ 199، العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 332 - 336، الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات 3/ 144.

581 -

ط: "جعلوا المسيح".

- قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا =

ص: 194

582 -

ولأجْلِ ذَا جَعَلُوهُ نَاسُوتًا وَلَا

هُوتًا قَدِيمًا بَعْدُ مُتَّحِدَانِ

583 -

وَنظِيرُ هَذَا مَنْ يَقُولُ كَلَامُهُ

مَعْنىً قَدِيمٌ غَيْرُ ذِي حِدْثَانِ

584 -

والشَّطرُ مخْلُوقٌ وتِلْكَ حُرُوفُهُ

نَاسوتُهُ لَكِنْ هُمَا غَيْرَانِ

585 -

فانظُرْ إِلَى ذَا الاتِّفَاقِ فإنَّهُ

عَجَبٌ وطَالِعْ سُنَّةَ الرَّحمن

= الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] وقد احتج النصارى بهذه الآية على أن القرآن أيّد قولهم: إن في المسيح لاهوتًا وناسوتًا. وقالوا: قد شهد القرآن أنه -أي المسيح - إنسان مثلنا بالناسوت الذي أخذ من مريم ولاهوت بكلمة الله وروحه المتحدة فيه، وحاشا أن تكون كلمة الله وروحه الخالقة مثلنا نحن المخلوقين.

والنصارى جعلوا في المسيح طبيعتين: طبيعة إلهية وهي كلمة الله التي حلت فيه وسموا هذا الجزء منه "اللاهوت" وطبيعة إنسانية استفادها من مريم وسموا هذا الجزء "الناسوت"، فاتحد عندهم بعض خالق ببعض مخلوق، وأول من ابتاع في شأن المسيح عليه السلام اللاهوت والناسوت هو بولس الشمشاطي الذي أفسد عليهم دينهم.

انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 27 - 28، 2/ 168، هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم رحمه الله ص 316 - 317.

585 -

وجه اتفاق الكلابية والأشاعرة مع النصارى: أن النصارى جعلوا عيسى عليه السلام شطرين: شطرًا مخلوقًا وهو الناسوت، وشطرًا غير مخلوق وهو اللاهوت. فاللاهوت حلّ في الناسوت. وكذلك الكلابية والأشاعرة جعلوا كلام الله تعالى شطرين: شطرًا مخلوقًا وهو الحروف والألفاظ، وشطرًا غير مخلوق وهو المعنى الذي في نفس الربّ جل جلاله. فالمعنى القديم الذي هو اللاهوت حل في الحروف والألفاظ التي هي الناسوت لأن هذا المعنى القديم إنما يفهم بواسطة الحروف والألفاظ.

وقد حكي أن أبا المجالد أحمد بن الحسين البغدادي المعتزلي اجتمع مع ابن=

ص: 195

586 -

وتكَايَسَتْ أخْرَى وَقَالتْ إنَّ ذَا

قَوْلٌ مُحَالٌ وَهْوَ خَمْسُ مَعَانِ

587 -

تِلْكَ التِي ذُكِرتْ ومَعْنَىً جَامعٌ

لِجَمِيعِهَا كالأُسِّ لِلبُنْيَانِ

588 -

فتكُونُ أنواعًا وعِنْدَ نَظِيرِهِمْ

أوْصافَهُ وهُمَا فمتَّفِقَانِ

= كلاب يومًا فقال له: ما تقول في رجل قال لك بالفارسية: تُو مَرْدي (أي: أنت رجل)، وقال الآخر: أنت رجل، هل اختلفا في وصفك إلا من جهة العبارة؟ فقال ابن كلاب: لا، فقال: فكذا سبيلك مع النصارى؛ لأنهم يقولون: إنه تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم.

انظر التسعينية لشيخ الإسلام ج 3/ 700 - 703، شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار الهمذاني ص 294 - 295، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص 113 - 119، قواعد العقائد في لوامع الأدلة في العقيدة للغزالي وهو في إحياء علوم الدين 1/ 100. وانظر ما سبق في التعليق على البيت 563.

قوله: "وطالع

" أي: تأمل في جريان سنة الله تعالى في خلقه.

586 -

في ب كتب فوق كلمة "أخرى": "أي الكلابية" و"تكايست": تظاهرت بالكَيْس، وهو العقل والفطنة والظرف.

- الصواب في العربية: "خمسة معان" بتأنيث العدد، وإنما ذُكر لضرورة الشعر، وانظر مثله في الأبيات: 602، 2569، 3264، 1113 وغيرها. (ص).

587 -

يشير إلى الأنواع الأربعة التي سبقت وهي الأمر والنهي والخبر والاستفهام، والخامس هو المعنى الجامع لها، راجع البيت 575.

588 -

في ف، ظ، ح، طت، طع:"فيكون" بالتحتيَّة. وأهمل نقطه في الأصل، "فتكون" يعني المعاني المذكورة. "أوصافه" يعني أن تلك المعاني أوصاف للكلام عند نظيرهم. (ص).

- هذا قول الكلابية الذي تميزت به عن الأشعرية أن الكلام خمسة أنواع: الأمر والنهي والاستفهام والخبر ومعنى خامس يعمها جميعًا فهو بالنسبة لها كالأس للبنيان. أما الأشاعرة فيقولون: إن هذه أوصاف للكلام وليست أنواعًا له. ومع وجود هذا الخلاف الظاهري بين قولي =

ص: 196

589 -

أنَّ الَّذِي جَاءَ الرسُولُ بِهِ فَمَخْـ

ـلوقٌ ولَم يُسْمَعْ مِنَ الدَّيّانِ

590 -

والخُلْفُ بَيْنَهُمُ فقيل مُحَمَّدٌ

أَنْشَاهُ تَعْبِيرًا عَنِ القُرْآنِ

591 -

والآخَرونَ أَبَوْا وَقَالُوا إنَّمَا

جِبْرِيلُ أنشَاهُ عَنِ المنَّانِ

= الكلابية والأشاعرة يكاد قولهما يكون واحدًا، فكلاهما متفقان على أن ما جاء به جبريل عليه السلام مخلوق (أي الألفاظ)، انظر الكيلانية لشيخ الإسلام، وهي في مجموع الفتاوى 12/ 376، مقالات الإسلاميين 2/ 257 - 258.

589 -

ظ، خ، ط:"لَمخلوق".

590 -

هذا قول طائفة من الكلابية والأشعرية فبعد أن أثبتوا لله تعالى الكلام النفسي وقالوا: إن هذا القرآن ليس هو كلام الله ولا يوصف الله أنه تكلم به قيل لهم: فمن أنشأ هذه الألفاظ إن لم تكن من الله تعالى؟ فقالوا: محمد هو الذي أنشأها، فالمعنى من الله والألفاظ من محمد صلى الله عليه وسلم.

انظر الكيلانية لشيخ الإسلام وهي في مجموع الفتاوى 12/ 364، وقاعدة في القرآن وكلام الله وهي في مجموع الفتاوى 12/ 35، المواقف للإيجي ص 293، الإرشاد للجويني ص 130.

591 -

هذا قول طائفة أخرى من الكلابية والأشعرية: أن الله تعالى لم يتكلم بالقرآن ولكن جبريل عليه السلام أدرك المعنى الذي في نفس الله فأنشأ هذه الألفاظ والآيات وعلمها محمدًا صلى الله عليه وسلم، قال الباقلاني في كتابه "الإنصاف": إن النظم العربي الذي هو قراءة كلام الله تعالى إنما هو قول جبريل عليه السلام. وتابعه الجويني فقال في كتابه "الإرشاد": إن جبريل صلوات الله عليه أدرك كلام الله تعالى وهو في مقامه فوق سبع سماوات ثم نزل إلى الأرض فأفهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما فهمه عند سدرة المنتهى من غير نقل لذات الكلام" أ. هـ، الإنصاف ص 97، الإرشاد ص 130، وانظر الكيلانية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 12/ 364، وقاعدة في القرآن وكلام الله لشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 12/ 35، ومختصر الصواعق لابن القيم رحمه الله ص 419.

ص: 197

592 -

وتكَايَسَتْ أخْرَى وقَالَتْ إنَّهُ

نَقْلٌ مِنَ اللَّوحِ الرَّفِيعِ الشَّانِ

593 -

فاللَّوحُ مَبداه وربُّ اللَّوحِ قَدْ

أنشَاهُ خَلْقًا فِيه ذَا حِدْثانِ

594 -

هَذِي مقَالَاتٌ لهُمْ فانظرْ تَرَى

فِي كُتْبِهِمْ يَا مَنْ لَهُ عَيْنَانِ

595 -

لَكِنَّ أهْلَ الحَقِّ قَالُوا إنَّمَا

جِبْرِيلُ بلَّغَهُ عَنِ الرَّحْمنِ

596 -

أَلْقَاهُ مَسْمُوعًا لَهُ مِنْ رَبِّهِ

لِلصَّادِقِ المصْدُوقِ بالبُرْهَانِ

* * *

592 - هذا قول طائفة ثالثة من الكلابية والأشعرية: أن الله تعالى لم يتكلم بالقرآن ولكنه خلق الألفاظ وأنشأها في كتابه في اللوح المحفوظ كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} [البروج: 21، 22] ثم إن جبريل عليه السلام يأخذه من اللوح المحفوظ وينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم ويتلوه عليه فاللوح هو مبدأ إنزاله وليس منزلًا من عند الله تعالى.

انظر الكيلانية لشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 12/ 364، وقاعدة في القرآن وكلام الله في الفتاوى 12/ 35، مختصر الصواعق ص 419، لوامع الأنوار البهية للسفاريني 1/ 168 [موقف ابن تيمية من الإشاعرة 4/ 1329].

593 -

ط: "مبدؤه".

س: "ربّ العرش".

594 -

أصله: "تَرَ" لكونه جوابًا للطلب، لكنه أجرى المعتلّ مجرى الصحيح للضرورة، وهو لغة أيضًا. وانظر ما سبق في البيت 246 (ص).

596 -

هذا بيان لمذهب أهل الحق وهو أن الله تعالى تكلم بالقرآن ألفاظًا ومعاني وسمعه جبريل فبلغه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا نقله من اللوح المحفوظ ولا هو من صنع ألفاظه كما يزعم أهل البدع، قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} [الشعراء: 192 - 195].

ص: 198