المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل وهذه أمثال حسان مضروبة (1) للمعطِّل والمشبِّه والموحِّد ذكرتُها (2) قبل الشروع - نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌ ‌فصل وهذه أمثال حسان مضروبة (1) للمعطِّل والمشبِّه والموحِّد ذكرتُها (2) قبل الشروع

‌فصل

وهذه أمثال حسان مضروبة

(1)

للمعطِّل والمشبِّه والموحِّد ذكرتُها

(2)

قبل الشروع في المقصود، فإن ضربَ الأمثال مما يأنس به العقلُ لتقريبها المعقول من المشهود

(3)

.

وقد قال تعالى

(4)

- وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين- {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43]. وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلًا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلًا لم

(5)

يفهمه اشتدّ

(6)

بكاؤه، ويقول: لست من العالمين

(7)

. وسنفرد لها إن شاء الله كتابًا مستقلاًّ متضمنًّا لأسرارها ومعانيها وما تضمنته من فنون

(8)

العلم وحقائق الإيمان.

(1)

ف: "مضروبة حسان".

(2)

طه: "ذكرناها".

(3)

المعقول: هو الأمر المتصور بالعقل والذهن، والمشهود: هو المائل المشاهد بالعين.

(4)

ف: "الله".

(5)

ف: "ولم يفهمه".

(6)

ما عدا الأصل: "يشتد".

(7)

ومن ذلك ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن عمرو بن مرة قال: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني لأني سمعت الله يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43]. ذكره ابن كثير في التفسير 3/ 414، والسيوطي في الدر المنثور 5/ 278.

(8)

ف: "مكنون". وفي غيرهما: "كنوز".

ص: 41

وبالله

(1)

المستعان وعليه التكلان

(2)

.

المثل الأول: ثيابُ المعطِّل ملطَّخةٌ بعَذِرَةِ

(3)

التحريف، وشرابه متغيّر بنجاسة التعطيل. وثيابُ المشبِّهَ متضمِّخَةٌ

(4)

بدم التشبيه، وشرابه متغيّر بفَرْث

(5)

التمثيل. والموحد طاهر الثوب والقلب والبدن، يخرج شرابه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين

(6)

.

المثل الثاني: شجرةُ المعطِّل مغروسةٌ على شفا جُرُفٍ هارٍ

(7)

.

(1)

طت، طه:"والله".

(2)

ذكر عامة المترجمين لابن القيم رحمه الله أن له مصنفًا بعنوان "أمثال القرآن"، وفي "كشف الظنون" لحاجى خليفة (1/ 168) ذكر ذلك وقال: أوله: "الحمد لله نحمده ونستعينه"، وفي كتاب "اعلام الموقعين" مبحث مهم في أمثال القرآن من 1/ 150 إلى 1/ 190، وقد أفردها بعض علماء نجد في رسالة سماها:"درر البيان في تفسير أمثال القرآن" وطبعت في المطبعة السلفية بمصر بلا تاريخ ولم يذكر اسم جامعها.

وانظر ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 448، وطبقات المفسرين للداودي 2/ 93، ابن قيم الجوزية لبكر أبو زيد ص 135.

(3)

العَذِرة: الغائط. اللسان 4/ 554.

(4)

متضمخة: متلطخة.

(5)

كذا في الأصل. وفي سائر النسخ: "بدم"، وقد أشير إليه في حاشية الأصل أيضًا، كما أشير في حاشية ف إلى ما في الأصل.

(6)

اقتباس من قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)} [النحل: 66].

(7)

اقتباس من قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 109].

ص: 42

وشجرةُ المشبِّه قد اجتُثث من فوق الأرض ما لها من قرار. وشجرةُ الموحّد أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربّها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون

(1)

.

المثل الثالث: شجرةُ المعطّل شجرةُ الزَّقُّوم

(2)

، فالحلوق السليمة لا تبلعُها. وشجرةُ المشبِّه شجرةُ الحنظَل،

(3)

فالنفوس المستقيمة

(4)

لا تتبعُها. وشجرةُ الموحِّد طُوبَى

(5)

يسير الراكب في ظلّها مائةَ عام لا يقطعُها

(6)

.

(1)

اقتباس من قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} [إبراهيم: 24 - 26].

(2)

الزّقوم: طعام أهل النار، وهي شجرة في جهنم، والعياذ بالله، كما قال تعالى:{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} [الدخان: 43 - 46]. وكما قال تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)} [الصافات: 64، 65] تفسير ابن كثير 4/ 10.

(3)

الحنظل: الشجر المر وواحدته حنظلة، قال الجوهري: هو: الشري اللسان 11/ 183.

(4)

د: "السقيمة"، تحريف.

(5)

طوبى: اسم الجنة وقيل هي شجرة فيها. النهاية 3/ 141.

(6)

يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها". رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ج 6/ 319/ ح 3252 فتح -كتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ومسلم- =

ص: 43

المثل الرابع: المعطِّل

(1)

قد اتخذ

(2)

قلبَه لوقاية الحر والبرد بيتَ

(3)

العنكبوت. والمشبّه قد خُسِف بعقله، فهو يتَجلْجَلُ

(4)

في أرض التشبيه إلى البَهْمُوت

(5)

. وقلبُ الموحّد يطوف حول العرش ناظرًا إلى الحيّ الذي لا يموت

(6)

.

= واللفظ له -عن سهل بن سعد ج 167/ 17 نووي- كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها.

(1)

"المعطل" سقطت من: س.

(2)

ظ، ح، ط:"أعد".

(3)

في ط: "كبيت".

(4)

تجلجل في الأرض: ساخ فيها ودخل. اللسان 11/ 121.

(5)

يعني إلى آخر أعماق الأرض. وبهذا المعنى استعمل كلمة البهموت صاحب النجوم الزاهرة (15/ 400) فقال عن أبي الخير النحاس: "لأنه كان بالأمس في البهموت من الفقر والذل والإفلاس، وصار اليوم في الأوج من الرئاسة والمال والتقرب من السلطان". فقابل البهموت بالأوج، كما يقابلون الأوج بالحضيض. ومنه قول ابن التعاويذي (ت 583 هـ):

كلّما زاد رفعًة حطَّنا

اللَّهُ بتغفيله إلى البهموت

(البداية والنهاية 16/ 748). ولم يذكر هذا الاستعمال في كتب المعرب والدخيل. ولعله مأخوذ مما زعمت الإسرائيليات أن البهموت اسم الحوت الذي يحمل الأرض. (تفسير القرطبي 18/ 147). ونقله الزبيدي في التاج (يهت) عن الخفاجي وأنّه غلط من ضبطه بالموحّدة. والحقّ أنّ ما غلّطه هو الصواب. وهي كلمة دخيلة في العربية من العبرانية، ولها صلة بالكلمة العربية (بهيمة). وانظر سواء السبيل إلى ما في العربية من الدخيل للدكتور ف. عبد الرحيم ص 209 - 210. (ص).

(6)

كناية عن شدة قربه من ربه تعالى بالخشية والتعظيم والعبادة. كما قال =

ص: 44

المثل الخامس: مصباح المعطّل قد عصَفت عليه أهوِيةُ التعطيل، فطَفِئَ وما أنار. ومصباحُ المشبّه قد غرِقتْ فتِيلتُه في عَكَر

(1)

التشبيه، فلا يقتبس

(2)

منه الأنوار. ومصباحُ الموحّد يتوقَّدُ

(3)

من شجرة مباركة زيتونةٍ لا شرقيّة ولا غربيّة، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسَسْه نار

(4)

.

المثل السادس: قلب المعطِّل متعلّق بالعدَم، فهو أحقرُ الحقير. وقلب المشبِّه عابدُ الصنم

(5)

الذي قد نُحِتَ بالتصوير والتقدير. والموحّدُ

(6)

قلبُه متعبّدٌ لمن ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير

(7)

.

المثل السابع: نقودُ المعطّل كلُّها زُيوف

(8)

فلا تروج علينا. وبضاعةُ

ص: 45

المشبِّه

(1)

كاسدةٌ، فلا تَنْفقُ لدينا. وتجارةُ الموحِّد ينادى عليها يومَ العَرْض على رؤوس الأشهاد: هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا

(2)

.

المثل الثامن: المعطِّل كنافخ الكِير

(3)

إما أن يُحرِق ثيابَك، وإمّا أن تجد منه ريحًا خبيثة. والمشبهُ كبائع الخَمر إمّا أن يُسكِرك، وإمّا أن يُنجِّسك. والموحد كبائع المسك إما أن يُحذِيَكَ، وإمّا أن يبيعَك، وإمّا أن تجدَ منه رائحةً طيبة

(4)

.

المثل التاسع: المعطّل قد تخلّف عن سفينة النجاة

(5)

، ولم يركبها، فأدركه الطوفان. والمشبّه قد انكسرت به في اللُّجّة

(6)

، فهو يشاهد الغرَق بالعيَان. والموحّد قد ركِب سفينةَ نوح، وقد صاح به

(1)

ب: كلها كاسدة.

(2)

اقتباس من قوله تعالى عن إخوة يوسف: {قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف: 65]، ومراد المؤلف رحمه الله أن من قدم بين يديه بضاعة صالحة وهي الأعمال الصالحة ردت له يوم القيامة خيرًا مما قدم فيفرح بها على رؤوس الأشهاد.

(3)

الكير: الزق الذي ينفخ فيه الحدّاد، القاموس 608.

(4)

يشير إلى ما جاء عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل جليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن نجد منه ريحًا خبيثة" رواه البخاري 9/ 660 - فتح كتاب الذبائح والصيد - باب المسك.

(5)

يعني رحمه الله بسفينة النجاة سفينة السنّة، وقد جاء عن كثير من السلف تشبيه السنة واتباعها بسفينة نوح فمن ركبها وانحاز إليها نجا من الأهواء والبدع والضلالات، ومن تخفف عنها غرق في البدع والمخالفات.

(6)

لُجّة البحر: حيث لا يدرك قعره، ولجة الماء: معظمه. اللسان 2/ 354.

ص: 46

الرُّبّان:

(1)

{ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41].

المثل العاشر: مَنْهلُ

(2)

المعطِّل كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا،

(3)

فرجع خاسئًا

(4)

حسيرًا. ومشربُ المشبّه من ماء قد تغير طعمه ولونه وريحه بالنجاسة تغييرًا. ومشربُ الموحّد من كأس كان مزاجها كافورًا، عينًا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرًا

(5)

.

وقد سميتها بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية

(6)

وهذا حين الشروع في المحاكمة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله

(7)

.

(1)

الربان: قائد السفينة الذي يُجريها. اللسان 13/ 175.

(2)

د: "مثل" تحريف. ومعنى المنهل: الموضع الذي فيه المشرب. اللسان 11/ 681.

(3)

اقتباس من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور: 39].

(4)

ف: "خائبًا".

(5)

اقتباس من قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)} [الإنسان: 5، 6].

(6)

"وقد سميتها

الناجية". هذه العبارة جاءت في حاشية الأصل بإزاء البيت الأول، ولم تظهر علامة اللحق في المتن، فاتبعنا في إثباتها في هذا الموضع سائر النسخ. (ص).

(7)

زاد في ب: "وهو حسبي وإياه أسأل إنه قريب مجيب". وفي س، ط:"بالله العلي العظيم".

ص: 47

1 -

حُكْمُ المَحَبَّةِ ثابتُ الأَركانِ

مَا لِلصُّدُودِ بِفَسْخِ ذاكَ يَدانِ

2 -

أنَّى وقاضي الحُسْنِ نَفَّذَ حُكمَها

فَلِذَا أَقرَّ بِذلك الخَصْمانِ

1 - المحبة: المراد بالمحبة هنا محبة الله تعالى الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، لأن موضوعات هذه القصيدة جالبة لمن تمسك بها محبة الله تعالى، وهذه هي المحبة الوحيدة التي تثبت أركانها لاجتماع جميع أوصاف المحبة وشروطها في المحبوب. انظر: شرح الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ -مخطوط- ق 3، شرح الشيخ السعدي ص 5.

ما للصدود: أشار في حاشية د إلى أن في نسخة: "ما للوشاة".

- أي: لا يقدر الصدود على فسخ ذلك الحكم. وقد تقدم تفسير قولهم: "ما لي بفلان يدان" في مقدمة الناظم.

2 -

في د: "قاضي الحكم". ولعلّ المقصود بقوله "قاضي الحسن": العقل المحسن والمقبح، لأن أدلة الإثبات ضرورية، والتحسين والتقبيح العقلي ثابت عند أهل السنة والجماعة. وقد يراد بقاضي الحسن أئمة أهل السنة والحديث من سلف الأمة وأئمتها، انظر شرح النونية للشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ ق 4 - مخطوط، درء تعارض العقل والنقل 8/ 22، شرح النونية للشيخ أحمد بن عيسى 1/ 39.

ص: 49

3 -

وأَتَتْ شُهودُ الوَصْلِ تَشْهدُ أَنّهُ

حَقًّا جَرَى في مَجْلسِ الإِحسانِ

4 -

فَتأكَّد الحُكْمُ العَزِيزُ فَلَمْ يَجِدْ

فَسْخُ الوُشاةِ إلَيْهِ مِنْ سُلْطانِ

5 -

ولأَجلِ ذا حُكْمُ العَذولِ تَداعَتِ الْـ

أَرْكَانُ مِنْهُ فَخَرَّ للأَرْكانِ

6 -

وأتى الوشاةُ فَصَادَفُوا الحُكْمَ الذي

حَكَمُوا به مُتَيَقَّنَ البُطلانِ

7 -

ما صادفَ الحُكمُ المَحَلَّ ولا هُوَ اسْـ

ـتَوْفَى الشُّرُوطَ فَصارَ ذا بُطلانِ

8 -

فلِذاكَ قَاضِي الحُسنِ أَثْبتَ مَحْضَرًا

بِفسَادِ حُكمِ الهَجْر والسُّلْوانِ

9 -

وحَكَى لك الحُكْمَ المُحَالَ ونَقْضَه

فاسْمَعْ إذًا يا مَنْ لَهُ أُذنَانِ

10 -

حَكَمَ الْوشَاةُ بغير ما بُرهانِ

أنَّ المحبَّةَ والصُّدودَ لِدانِ

3 - شهود الوصل: أي الشهود التي تشهد برجحان وأحقية حكم الوصل وعدم القطع والهجران. شرح النونية للشيخ محمد خليل هراس 1/ 17.

- في الأصل وطت: "حقٌّ".

4 -

ب، د، طع:"تجد". في ف، ظ لم ينقط حرف المضارع.

الوُشاة: الواشي هو: النمام. والمعنى أنه لقوة هذا الحكم -حكم المحبة وعدم الهجر- ورجحانه لم يستطع الوشاة أن يفسدوه.

5 -

العَذول: كثير العَذْل أي: اللَّوم. ويعني الناظم رحمه الله أن هذه المحبة لا يلام المحب على الوقوع فيها وأن العذول الذي لامه على ذلك وحكم عليه بقطعها والإقلاع عنها غير مصيب في حكمه ولا عادل، لذا لم يثبت حكمه أمام هذه المحبة فخر للأركان.

للأركان: في طت وطع: للأذقان، والبيت ساقط من طه.

7 -

صار حكم الوشاة باطلًا لسببين: الأول: لم يصادف محله. الثاني: لم يستوف شروط الحكم الصحيح.

8 -

السلوان: مصدر سلا يسلو الشيء وعنه: نسيه.

9 -

في ح: "يحكي".

10 -

لِدَة الرجل: تِرْبه وسِنّه، وهما لِدان، والجمع لِدات ولِدُون، اللسان 3/ 469. ومراد الناظم: أن الوشاة أرادوا من هذا المحب أن يهجر من يحب وظنوا =

ص: 50

11 -

واللهِ ما هذا بِحُكْمٍ مُقْسِطٍ

أين الغرامُ وصَدُّ ذِي هِجرَانِ

12 -

شَتَّان بَينَ الحالَتَيْن فَإنْ تُرِد

جَمْعًا فَما الضِّدَّانِ يَجْتَمعانِ

13 -

يَا وَالِهًا هانَتْ عَلَيهِ نَفْسُهُ

إذْ بَاعَها غَبْنًا بِكلِّ هَوَانِ

14 -

أتَبيعُ مَنْ تَهْواهُ نَفْسُك طائِعًا

بالصَّدِّ والتَّعذِيبِ والهِجْرانِ

15 -

أجَهِلْتَ أوصافَ المَبِيعِ وقَدْرَهُ

أمْ كُنتَ ذَا جَهْلٍ بِذِي الأَثْمانِ

16 -

واهًا لِقَلْبٍ لا يُفارِقُ طَيرُه الْـ

أَغْصانَ قائمةً على الكُثبانِ

= أن هذا الهجر لا يشق على هذا المحب لأن المحبة والهجر عندهم مستويان.

11 -

ف: "ذي الهجران".

12 -

يعني بالحالتين: الأولى: حالة المحبة والقرب، والثانية: حالة الصدود والإعراض.

الضدان: هما اللذان لا يجتمعان وقد يرتفعان كالسواد والبياض. التعريفات للجرجاني ص 179.

13 -

الولَه: الحزن وذهاب العقل لفقدان الحبيب، يقال رجل واله وامرأة واله ووالهة. اللسان 13/ 561.

غبَنه في البيع يغبِنه غَبْنًا: خدعه. القاموس 1573.

15 -

المقصود بالمبيع هو ما يناله الإنسان بمحبة الله تعالى من رضى الله وجنته بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] فإذا فرط الإنسان في محبة الله تعالى وهان عليه هذا المبيع الذي هو الرضا والجنة فقد خسر وهان.

16 -

"واهًا" هنا للتلهّف.

- المقصود بالطائر هنا: الهم والكسب والإرادة، قال تعالى:{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]. شرح الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ - ق 11. وسيأتي إيضاحه في حاشية البيت 19.

كثبان: جمع كثيب، وهو الرمل المجتمع المحدودب.

ص: 51

17 -

وَيظلُّ يشجَعُ فَوقَهَا ولغيرِه

منهَا الثِّمارُ وكلُّ قِطْفٍ دَانِ

18 -

وَيبيتُ يَبْكِي والمُواصِلُ ضاحِكٌ

وَيَظَلُّ يَشْكُو وهْوَ ذُو شُكْرانِ

19 -

هَذا ولو أنَّ الجَمَال معلَّقٌ

بالنَّجمِ هَمَّ إليهِ بالطَّيَرانِ

17 - سجَع الحمام يسجَع سَجْعًا: هدل على جهة واحدة، وسجعت الحمامة إذا

دعت وطربت في صوتها. اللسان 8/ 150.

القِطف: ما قطع من الثمر وقطف، وهو أيضًا العنقود ساعة يقطف. والداني: القريب. قال تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [لحاقة: 23] أي: ثمارها قريبة التناول يقطفها القاعد والقائم. اللسان 9/ 285.

18 -

في طه: "ذو هجران".

19 -

قال الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ رحمه الله في شرحه لهذه الأبيات الأربعة من قوله: "واهًا لقلب .. " إلى قوله: "بالطيران": "أراد الناظم الاستعارة والتشبيه لقلب قعدت إرادته على الرسوم والأطلال فلم يظفر بنيل ما وراء ذلك من حقائق الإيمان وصادق الأعمال، بطير لازم الأغصان ووقف على تلك الأفنان والكثبان ولم يصل إلى ما عليها من يانع الثمار والفواكه الشهية، فهو دائمًا يسجع فوقها ويحن عليها، والوصول تعذر عليه. وغيره قد فاز به واستحوذ عليه ونال ما فيه من المقاصد والثمار واللطائف. ولذلك بات المحروم يبكي والمواصل ضاحك، وظل يشكو والمواصل شاكر، ومع هذا الحرمان والحال هو شديد التعلق بالجمال والكمال حتى لو كان معلقًا بالثريا لهمّ بالطيران إليه، ومع ذلك قد قيد نفسه ولم يتجاوز رسوم تلك المعاهد ولم ينهض لنيل تلك المطالب والفوائد. فما أحسن هذه الاستعارة وما اشتملت عليه من دقيق المعنى ولطيف العبارة، وما أكره أصحاب هذه القلوب، وما أعزّ من نفذ في سيره وقصده إلى عين المراد والمطلوب.

وأنت خبير بأن الناظم قصد تشبيه قلوب أهل الكلام في حال وقوفهم على نصوص الكتاب والسنة مع عدم الانتفاع بما فيها من حقائق العلم والإيمان ومقاصد التوحيد والإحسان وحالهم في هذا مع أهل العلم والقرآن وورثة =

ص: 52

20 -

للهِ زَائِرةٌ بلَيلٍ لَمْ تَخَفْ

عَسَسَ الأميرِ ومَرْصَدَ السَّجَّانِ

= الرسل وخلاصة الإنسان الذين أدركوا أنواع المعارف والأحكام وفازوا بخلع الإيمان والإسلام، وخُصّوا بخالصة من الملك العلام. فهذه الاستعارة انتظمت حال الفريقين بالطف إشارة". اهـ، شرح الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ ق 13.

20 -

اللام في قوله: "لله زائرة" للتعجب.

أراد المؤلف رحمه الله بالزائرة: العلوم الإلهية والتوفيق لاتباع السنة، قال الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ رحمه الله في شرحه لهذا البيت: "عرض بذكر محبوبة زارت على تلك الحال الموصوف والشأن المخصوص على ما جرت به عادتهم في أشعارهم ومطالع إنشادهم بذكر ما تشتاق إليه النفوس وتميل إليه الطباع من ذكر الحب والمحبوب، والوصل والمواصل، والتوجع على الهجر والفراق والتشتيت والبعاد، كما قال كعب بن زهير:

بانت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ

متيَّمٌ إثرَها لم يُفْدَ مكبولُ

ولا عبرة هنا بمن كثف طبعه وغلظ فهمه حتى خرج عما ركب الله عليه بني آدم وجبلهم عليه من الميل الطبيعي إلى هذا النوع الذي هو محل الشهوة ومستراح النفوس، والمراد حقيقة هو ما أفيض على تلك النفوس المطمئنة من العلوم الإلهية والمواهب الربانية التي أعظمها وأجلّها إلهامه وتوفيقه للتصدي للانتصار للفرقة الناجية أهل السنة والجماعة. يؤيد هذا قوله:"قطعت بلاد الشام البيت" وكذا قوله: "وأتت على وادي العقيق

" وما بعده من ذكر وادي الأراك وعرفة ومحسر والصفا، كل هذه دالة على ما تقدم ذكره من أن المراد ما أفيض على النفوس المطمئنة ولا بد لمريد النسك من الوقوف بتلك المشاعر والمرور في هاتيك الفجاج والموارد .. " اهـ. شرح الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ ق 13 - 14.

العَسَس: من عسَّ يعُسّ عَسَسًا وعَسًّا أي: طاف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الريبة، والعسس اسم منه كالطلب، وقد يكون جمعًا لعاسٍّ. اللسان 6/ 139.

المرصد: موضع الرصد والمراقبة. والسجّان: قيّم السجن.

ص: 53

21 -

قَطعتْ بِلادَ الشَّامِ ثُمَّ تَيمَّمَت

مِن أَرْضِ طَيْبَةَ مَطلِعَ الإِيمانِ

22 -

وأتَتْ على وادِي العَقيقِ فَجاوزَتْ

مِيقَاتَهُ حِلًّا بِلَا نُكرانِ

23 -

وأَتَتْ عَلى وَادِي الأَرَاكِ ولَمْ يَكنْ

قَصْدًا لَهَا فَأْلًا بأنْ سَتَراني

24 -

وأتتْ على عَرَفَاتِ ثُم مُحسِّرٍ

وَمِنىً فَكم نَحَرَتْه من قُربَانِ

21 - تيممت: قصدت.

طيبة: اسم مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.

22 -

وادي العقيق: يقع غرب المدينة، ويخترقه الطريق إلى مكة، وقد اتصل به بنيان المدينة، والعقيق أشهر أودية المدينة، وكان قديمًا يقع في بلاد مزينة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقطعه لبلال بن الحارث المزني، وفي كتاب الحج من صحيح البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"العقيق واد مبارك" وفيه جملة أحاديث تدل على فضله. معجم ما استعجم ص 952، معجم البلدان 4/ 156، والمغانم المطابة في معالم طابة ص 454، وفتح الباري 3/ 458، وتاريخ معالم المدينة ص 199.

حِلًّا: سني: من غير إحرام بعمرة ولا حج.

23 -

وادي الأراك: موضع بعرفة، ومن مواقفها من ناحية الشام. معجم ما استعجم ص 134، معجم البلدان 1/ 164.

الفأل: حسن الظن بالله وتوقع الخير، ومثال الفأل: أن يكون الرجل مريضًا فيسمع آخر يقول يا سالم فيتفاءل بذلك أنه يبرأ من مرضه، والفأل ضد الطيرة. اللسان 11/ 513.

24 -

عرفات: المشعر المعروف من مشاعر الحج، وهي فسيح من الأرض محاط بقوس من الجبال يكون وتره وادي عرنة. معجم البلدان 4/ 117، معالم مكة التاريخية والأثرية لعاتق بن غيث البلادي ص 182. [ضبطنا "عرفاتِ" بكسر التاء من غير تنوين كما في ظ، د. وفيه وجه آخر، وهو فتحها في النصب والجر. أما في قوله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] فأجمع القراء على تنوينه، وهو قياس العربية. انظر: مشكل إعراب القرآن لمكي 1/ 124] (ص). =

ص: 54

25 -

وأتتْ على الجَمَراتِ ثُم تَيمَّمتْ

ذاتَ السُّتور وربَّةَ الأرْكانِ

26 -

هذا وما طافَتْ ولا اسْتلَمَتْ ولا

رَمَتِ الجِمَارَ ولا سَعَتْ لِقِرَانِ

27 -

وعَلَتْ على أَعْلَى الصَّفَا فَتَيمَّمتْ

دَارًا هُنَالِك للمحِبِّ العَاني

= محسر: واد صغير يأتي من الجهة الشرقية لثبير الأعظم من طرف ثقبة ويذهب إلى وادي عرنة، فإذا مرّ بين منى ومزدلفة كان الحد بينهما فيتجه جنوبًا، وهو اليوم من أحياء مكة والمعروف منه للعامة ما يمر فيه الحاج بين مزدلفة ومنى. معجم ما استعجم ص 1190، معجم البلدان 5/ 74، معالم مكة ص 248.

منى: بالكسر والتنوين أحد مشاعر الحج وأقربها إلى مكة، وفيه الجمَرات الثلاث، ومسجد الخَيف وغيره، معجم البلدان 5/ 229. معالم مكة ص 290.

قربان: ما يتقرب به إلى الله من الذبائح وغيرها. اللسان 1/ 665.

25 -

الجمرَات: موضع رمي الجمار بمنى، وهي تلك المشاعر الثلاث في منى: جمرة العقبة، والجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى. معجم البلدان 2/ 188، معالم مكة ص 66.

ذات الستور: يعني: الكعبة المشرفة.

26 -

القِران: أحد أنواع الإحرام الثلاثة، وصفته أن يجمع بين العمرة والحج في إحرام واحد، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف. المغني والشرح الكبير 3/ 238، منسك شيخ الإسلام ابن تيمية وهو في مجموع الفتاوى 26/ 100.

27 -

علت: في سائر النسخ: "رَقَتْ". واخترنا ما في الأصل لأنه صحيح لا غبار عليه إلّا الزيادة في تكرار العين واللام في البيت، أما الفعل "رقي" فهو في معنى الصعود بكسر القاف. وهذا هو الفصيح المعلوم الذي ثبت في كتب اللغة إلّا إذا ذهب إلى لغة طيئ. ثم إنّه يتعدى بحرف "إلى" كما سيأتي في البيت 235. (ص).

العاني: الأسير والخاضع والعبد. اللسان 15/ 101.

ص: 55

28 -

أَتُرى الدَلِيلَ أعارَها أَثْوابَهُ

والرِيحَ أَعْطتْها مِنَ الخَفَقَانِ

29 -

وَاللَّهِ لَو أنَّ الدَليلَ مكَانَها

ما كانَ ذلِكَ مِنهُ في إِمكَانِ

30 -

هَذا ولَوْ سَارتْ مَسِيرَ الريحِ مَا

وَصَلتْ بِه لَيْلًا إلى نَعْمانِ

31 -

سَارَتْ وكانَ دَلِيلَها فِي سَيْرِها

سَعْدُ السُعودِ وليسَ بالدَّبَرانِ

28 - الخففان: بالفتح، اضطراب الشيء العريض يقال راياتهم تخفِق وتختفق، وقال الأزهري: خفقت الريح خفقانًا، وهو حفيفها أي دويّ جريها قال الشاعر:

كأن هُوِيَّها خفقانُ ريحٍ

خريقٍ بين أعلامٍ طوالِ

وريح خيفَق: سريعة. اللسان 10/ 80، 81، ومراد الناظم رحمه الله أن هذه الزائرة لشدة شوقها سارت مسيرًا سريعًا حثيثًا إليه، ولم تحتج إلى دليل يرشدها إلى الطريق.

30 -

نَعمان: هو نعمان الأراك، وهو واد فحل من الأودية التي تحيط بمكة، ويبعد عنها (24 كيلًا) شرقًا تقريبًا فإذا اجتمع مع عرنة مر على حدود الحرم على بعد (12 كيلًا)، جنوب مكة. معجم ما استعجم ص 1316، معجم البلدان 5/ 339، أودية مكة ص 30.

31 -

كذا ضبط البيت في ف، على أن "دليل" خبر مقدّم لكان، و"سعد" اسمها؛ خلافًا لضبطه في د. (ص).

سعد السعود: من كواكب الجوزاء، وهما كوكبان أحدهما نير والآخر دونه، وقيل له سعد السعود لتيمنهم به، وطلوعه لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شباط وسقوطه لأربع عشرة تمضي من آب، يقول ساجع العرب:(إذا طلع سعد السعود، نضر العود، ولانت الجلود، وذاب كل مجمود، وكره الناس في الشمس القعود). الأنواء في مواسم العرب لابن قتيبة ص 82، الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب ص 28، 24، المخصص لابن سيده 9/ 16، الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1/ 195.

الدبران: كوكب أحمر منير يتلو الثريا ويسمى تابع النجم وتالي النجم، وباستدباره الثريا سُمّي دبرانًا، ونوؤه ثلاث ليال، ويقال: ليلة، وكان العرب يبغضونه. الأنواء في مواسم العرب ص 41، الأزمنة لقطرب ص 25، المخصص 9/ 10، والأزمنة للمرزوقي 1/ 188.

ص: 56

32 -

[وَرَدَتْ جِفَارَ الدَمْع وهي غَزِيرَةٌ

فَلِذَاك مَا احتَاجَتْ وُرُودَ الضَّانِ]

33 -

وَعَلَتْ عَلَى مَتْنِ الهَوَى وتَزَوَّدَتْ

ذكْرَ الحَبيبِ ووصْلَهُ المتدَانِي

34 -

وَعَدَتْ بِزَوْرَتِهَا فأَوْفَتْ بالّذي

وَعَدَتْ وكانَ بِمُلتَقَى الأجْفَانِ

35 -

لَم تَفْجَأِ المُشْتاقَ إلا وهْي دا

خِلَةُ السُّتُورِ بِغَير مَا اسْتِئذانِ

36 -

قالتْ وقدْ كَشَفَتْ نِقابَ الْحُسْنِ ما

بالصَبرِ لي عَنْ أنْ أَرَاكَ يَدانِ

37 -

وَتحَدّثَتْ عِندِي حَديثًا خِلْتُه

صِدْقًا وقَد كَذَبتْ به العَينَانِ

32 - الجِفار: جمع جُفْرة، وهي الحفرة الواسعة المستديرة. اللسان 4/ 143.

- قوله: "ورود الضان": قال الشيخ محمد خليل هراس في معنى ذلك: أنها وردت آبار الدمع غزارًا فاكتفت بها عن كل ورد سواها". شرح النونية 1/ 20. [وكلمة "الضان" كتبت بالصاد المهملة والياء (الصاني) في د، ظ، وبدون ياء في ف، وذكر أن في نسخة بالمعجمة] (ص).

- لم يرد هذا البيت في المتن إلا في د. وفي غيرها كتب في الحاشية. أما في الأصل وف، فكتب بخط مختلف عن خط النسخ والمقابلة، ومن غير علامة صح في آخره. ويبدو لي والله أعلم أنه من الأبيات المنسوخة. (ص).

33 -

مراد الناظم رحمه الله بيان شدة شوق هذه الزائرة، وأنها لشدة شوقها ما احتاجت إلى ركوب دابة تنقلها ولا إلى حمل زاد من طعام وشراب لتتغذى به، وإنما حملها هواها وحبها لهذا الحبيب واغتنت بذكره وقرب وصله عن الطعام والشراب.

34 -

ب: "غدت بزورتها"، تصحيف.

"ملتقى الأجفان": يعني: أن هذا اللقاء حصل في المنام.

- س، ط:"يفجأ" بالتحتية.

36 -

النقاب: القناع على مارن الأنف. اللسان 1/ 768.

37 -

طع: "فتحدثت".

خِلته: ظننته.

- لأنه لم يكن لقاء في الحقيقة وإنما في المنام. قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن عند كلامه على هذا البيت: "المقصود نوم الغفلة لا نوم الجسم" ق 14.

ص: 57

38 -

فَعَجِبتُ مِنهُ وقُلتُ من فَرَحِي بِهِ

طَمَعًا وَلكِنَّ المَنامَ دهَاني

39 -

(إنْ كُنتِ كاذبةَ الذِي حَدَّثْتِني)

فَعَلَيكِ إثمُ الكاذِبِ الفتَّانِ

40 -

جَهْمِ بنِ صفوانٍ وشيعتِه الأُلى

جَحدُوا صِفاتِ الخَالِق المنّانِ

38 - دهاه الأمر: أصابه من حيث كان يأمن.

39 -

الشطر الأول مأخوذ من قول حسان بن ثابت:

إن كنت كاذبةَ الذي حدّثتني

فنجوتِ مَنْجَى الحارثِ بن هشامِ

- هذه الزائرة التي يتصورها الناظم ما حدثته إلا بالكتاب والسنة، كما سبق في حاشية البيت رقم 20. فقول الناظم لها:"إن كنت كاذبة" ليس تكذيبًا لها أو شكًّا في كلامها، وإنما هو من باب التقدير والمجاراة في الكلام، كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94].

الكاذب الفتان: يعني جهم بن صفوان كما في البيت الذي بعده، وفي هذا حسن تخلص.

40 -

الجهم بن صفوان: أبو محرز السمرقندي، مولى بني راسب، الكاتب المتكلم، إليه تنسب الفرقة المعروفة بـ "الجهمية". قال عنه الذهبي:"الضال المبتدع، رأس الجهمية هلك في زمان صغار التابعين، وما علمته روى شيئًا لكنه زرع شرًّا عظيمًا" اهـ. قتله نصر بن سيار سنة 128 هـ. سير أعلام النبلاء 6/ 26، ميزان الاعتدال 2/ 426، لسان الميزان 2/ 142. وسيأتي تفصيل أقواله وضَلالته فيما يأتي من أبيات.

شِيعة الرجل: أولياؤه وأنصاره، وكلّ قوم اجتمعوا على أمر فهم شِيعة. اللسان 8/ 188.

الألى: الذين.

الجَحد والجُحود: الإنكار مع العلم. الصحاح 2/ 451.

- في غير الأصل: "الخالق الديان". افتتح الناظم رحمه الله بذكر مذهب الجهمية لأنّه أغلظ الفرق وأشدها، ولأن مذهب الجهم في التعطيل أصل تفرع عنه كثير من الفرق الضالة كالمعتزلة والفلاسفة ومتأخري الأشاعرة =

ص: 58

41 -

بَلْ عطَّلوا منهُ السَّماواتِ العُلَى

والعَرْشَ أَخْلَوهُ مِنَ الرَّحْمنِ

42 -

ونَفَوْا كَلَامَ الرَّبِّ جل جلاله

وقَضَوْا له بالخَلْقِ والحِدْثَانِ

43 -

قَالُوا ولَيْسَ لربِّنَا سَمْعٌ وَلَا

بَصَرٌ وَلَا وَجْهٌ فَكَيف يَدانِ

44 -

وكَذاكَ لَيسَ لِربِّنا مِنْ قُدرةٍ

وإرادةٍ أَو رحْمَةٍ وحَنَانِ

45 -

كلَّا ولا وصْفٌ يقومُ به سِوَى

ذاتٍ مُجرَّدَةٍ بِغَيْرِ مَعَانِ

46 -

وحياتُهُ هِيَ نفسُه وكلامُه

هوَ غَيرُهُ فاعْجَبْ لِذَا البُهْتانِ

= وغيرهم. وللمصنفين في الفرَق طرق في ترتيبها، فمنهم من يبدأ بالأخف ثم الأغلظ كما فعل عبد الله بن الإمام أحمد وابن بطة وغيرهما، ومن المصنفين من يبدأ بذكر الأغلظ ثم الأخفّ كما فعل الناظم هنا. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 13/ 49 - 55.

41 -

العرش: في اللغة: السرير الذي للملك كما قال تعالى عن بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] وفي الاصطلاح: سرير ذو قوائم تحمله الملائكة وهو كالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات. انظر: مجموع الفتاوى 16/ 402، تفسير ابن كثير 1/ 309، شرح العقيدة الطحاوية 2/ 366، وسيأتي إن شاء الله في فصل قادم تفصيل مسألة العلو والاستواء على العرش وعرض أدلة إثباتها والرد على المخالفين. (انظر البيت 1046 وما بعده).

42 -

أي: قالوا إن كلام الله تعالى ليس صفة قائمة بذاته سبحانه وإنما هو مخلوق من المخلوقات. وإضافته إلى الله تعالى إضافة تشريف كما يقال: بيت الله وناقة الله، وقالوا أيضًا: إن كلام الله تعالى حادث بعد أن لم يكن، وأن الله صار متكلمًا بكلام مخلوق بعد أن لم يكن كذلك. وسيأتي إن شاء الله تفصيل صفة الكلام والرد على المخالفين وبيان عقيدة السلف في ذلك. انظر البيت 829 وما بعده.

43 -

أي: الجهمية ومن سلك سبيلهم من نفاة الصفات.

44 -

الحنان: الرحمة والعطف. اللسان 13/ 128.

45 -

أي: مجردة عن الصفات.

46 -

من تناقض الجهمية أنهم يفرقون بين المتماثلات فيقولون: صفة الحياة قائمة بذاته، أما الكلام فهو مغاير لذاته منفصل عنها، وسيأتي في كلام=

ص: 59

47 -

وَكَذاكَ قَالوا مَا لَهُ مِنْ خَلْقهِ

أحدٌ يَكونُ خلِيلَهُ النَّفْسَانِي

= الناظم تفصيل ذلك. انظر: البيت 878 وما بعده.

- قوله: "كلامه هو غيره": قال شيخ الإسلام رحمه الله عند حكايته قول الجهمية في كلام الله: يقولون أولًا إن الله تعالى لا يتكلم، بل خلق كلامًا في غيره، وجعل غيره يعثر عنه. وأن قوله تعالى:{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [الشعراء: 10] وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة إذا بقي ثلث الليل، فيقول: من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " معناه أن ملكًا يقول ذلك عنه. مجموع الفتاوى 12/ 309، وقال في موضع آخر: يقولون: كلام الله مخلوق يخلقه في بعض الأجسام فمن ذلك الجسم ابتدأ لا من الله، ولا يقوم عندهم بالله كلام ولا إرادة. مجموع الفتاوى 12/ 163، والحديث الذي ذكره سيأتي تخريجه موسعًا، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث الكلام. انظر البيت 829 وما بعده.

البهتان: الكذب والباطل الذي يتحير من بطلانه، والبهتان: الافتراء، وبهت فلان فلانًا أي: كذب عليه. اللسان 2/ 13.

47 -

الخليل من الخُلّة وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه، والخليل: المحب الذي ليس في محبته خلل، ومنه قوله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]. اللسان 11/ 218. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والخُلّة هي كمال المحبة المستلزمة من العبد كمال العبودية لله، ومن الربّ سبحانه كمال الربوبية لعباده الذين يحبهم ويحبونه. ولفظ العبودية يتضمن كمال الذل وكمال الحب فإنهم يقولون: قلب متيَّم إذا كان متعبدًا للمحبوب، والمتيم: المتعبد، وتَيْم الله: عبده، وهذا على الكمال حصل لإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام ولهذا لم يكن له من أهل الأرض خليل، إذ الخلة لا تحتمل الشركة فإنه كما قيل في المعنى:

قد تخلّلت مسلكَ الروح منّي

وبذا سُمِّي الخليلُ خليلا

والخلة بخلاف أصل الحب، فالله أخبر أنه يحب المتقين والمحسنين. أما الخلة فخاصة. انتهى ملخصًا. مجموع الفتاوى 10/ 203 - 204.

وقال في موضع آخر: "وأنكرت الجهمية حقيقة المحبة بين الطرفين زعمًا منهم أنّ =

ص: 60

48 -

وخَلِيلُهُ المُحْتَاجُ عِندَهُمُ وفِي

ذَا الوَصْفِ يَدْخلُ عَابِدُ الأَوْثَانِ

49 -

فالكُلُّ مُفْتَقِرٌ إليهِ لِذاتِهِ

في أَسْرِ قَبضتِهِ ذليلٌ عانِ

55 -

ولأَجلِ ذَا ضَحَّى بِجَعْدٍ خالِدُ الـ

ـقَسْرِيُّ يومَ ذَبائِحِ القُرْبَانِ

= المحبة لا تكون إلّا لمناسبة بين المحب والمحبوب، وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدَث توجب المحبة". ثم قال:"فالخلة تنافي المزاحمة وتقدم الغير بحيث يكون المحبوب محبوبًا لذاته محبة لا يزاحمه فيها غيره وهذه محبة لا تصلح إلا لله فلا يجوز أن يشركه غيره فيما يستحقه من المحبة وهو محبوب لذاته وكل ما يحب غيره -إذا كان محبوبًا بحق- فإنما يحب لأجله وكل ما أحب لغيره فمحبته باطلة، فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله تعالى، وإذا كانت الخلة كذلك فمن المعلوم أن من أنكر أن يكون الله محبوبًا لذاته ينكر مخالّته، وكذلك أيضًا إن أنكر محبته لأحد من عباده فهو ينكر أن يتخذه خليلًا بحيث يحب الرب ويحبه العبد على أكمل ما يصلح للعباد" اهـ. مجموع الفتاوى 10/ 66 - 69.

48 -

خليله المحتاج: من الخَلّة بفتح الخاء بمعنى الحاجة والفقر. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ونعتقد أن الله اتخذ إبراهيم خليلًا وأنّ الخُلَّة غير الفقر كما قال أهل البدع". اهـ. انظر: مجموع الفتاوى 5/ 77.

عابد: كذا في الأصل ود. وفي غيرهما: "عابدو" جمع.

50 -

الجعد بن درهم من الموالي، مبتدع ضال، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا ولم يكلم موسى تكليمًا، وقال بخلق القرآن، وكان الجعدُ مؤدّبَ مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة. أقام بدمشق حتى أظهر القول بخلق القرآن، فتطلّبه بنو أمية، فهرب منهم، وسكن الكوفة. وبها قتله خالد بن عبد الله القسري نحو سنة 118 هـ يوم النحر. ميزان الاعتدال 1/ 399، البداية والنهاية (ط. التركي) 13/ 147، الأعلام 2/ 120.

خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري من بَجِيلة أبو الهيثم ولد سنة 66 هـ يماني الأصل من أهل دمشق، وكان فيه مروءة وكرم وشدة على أهل البدع، إلا أنه كان يقع في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان أمير العراقين، قتل في أيام الوليد بن يزيد سنة 126 هـ. تهذيب التهذيب 3/ 101 - 102، وفيات الأعيان 2/ 226، الأعلام 2/ 297. =

ص: 61