الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
80 -
أَيَصِيرُ أَهْلُ الخُلْدِ فِي جَنَّاتِهمْ
…
وجَحِيمِهِمْ كَحِجَارَةِ البُنْيَانِ
81 -
مَا حَالُ مَنْ قَدْ كَانَ يَغْشَى أَهلَهُ
…
عِنْدَ انْقِضَاءِ تَحَرُّك الحَيَوانِ
82 -
وَكَذاكَ مَا حَالُ الذي رفَعَتْ يَدَا
…
هُ أُكْلَةً مِنْ صَحْفَةٍ وخِوَانِ
83 -
فَتَنَاهتِ الحَرَكَاتُ قَبلَ وصُولِهَا
…
لِلْفَم عِنْدَ تَفَتُّحِ الأَسْنَانِ
84 -
وكذاكَ ما حَالُ الذِي امتَدَّتْ يَدٌ
…
مِنْهُ إلى قِنْوٍ مِنَ القِنْوانِ
85 -
فتَنَاهَتِ الحَرَكَاتُ قَبلَ الأخْذِ هلْ
…
يَبْقَى كذلِكَ سَائِرَ الأزْمَانِ
86 -
تَبًّا لِهَاتِيكَ العُقُولِ فَإنَّها
…
واللهِ قد مُسِخَتْ عَلى الأَبْدانِ
87 -
تَبًّا لِمَنْ أضْحَى يُقَدِّمُهَا على الْـ
…
آثارِ والأَخبَارِ والقُرآنِ
* * *
فصلٌ
88 -
وَقَضَى بِأنَّ اللهَ يَجْعلُ خَلْقَهُ
…
عَدَمًا وَيقْلِبُه وُجُودًا ثَاني
80 - هذا شروع من المصنف رحمه الله في مناقشة مذهب العلاف.
82 -
الأُكْلة: اللقمة من الطعام. اللسان 11/ 19.
الصَّحْفة: طبق يوضع فيه الطعام وجمعها صِحاف وقد قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 71]. اللسان 9/ 187.
الخوان: بكسر الخاء وضمها: المائدة وما يوضع عليه الطعام عند الأكل. اللسان 13/ 146.
84 -
القِنْوان: جمع القِنْو، وهو العِذق بما فيه من الرطب. اللسان 15/ 204.
86 -
التبّ: الخسار، وتبًا له: دعاء عليه، ومعناه: ألزمه الله خسرانًا وهلاكًا. اللسان 1/ 226.
المسخ: في الأصل تحويل صورة إلى صورة أقبح منها اللسان 3/ 55، ومراد الناظم أن عقولهم ممسوخة قد ركبت على أبدان سليمة.
88 -
ثاني: أصله ثانيًا، نعت لـ "وجودًا". يرى الجهم أن العالم كله علويّه وسفليه سيفنى يوم القيامة ويصير عدمًا مخضًا، والذي أوقع الجهم وأتباعه في هذه=
89 -
العَرْشُ والكُرْسِيُّ والأَرْوَاحُ والْـ
…
أَمْلاكُ والأَفْلاكُ والقَمرَانِ
90 -
والأَرْضُ والبَحْرُ المُحِيطُ وسَائرُ الْـ
…
أكوانِ منْ عَرَضٍ ومِنْ جُثْمَانِ
= الجهالات أنهم بنوا دينهم في إثبات الخالق والمعاد على إثبات الجوهر الفرد وهو الذي لا يقبل التجزؤ ولا القسمة، فصاروا على قولين: فمنهم من يقول: تعدم الجواهر ثم تعاد، كما هو قول الجهم، ومنهم من قال: بل تفرق الأجزاء ثم تجمع .. وقولهم هذا في المعاد قاد المتفلسفة إلى إنكار معاد الأبدان.
والقول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء: أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال فتستحيل ترابًا ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما استحال في النشأة الأولى فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظامًا ولحمًا، ثم أنشأه الله خلقًا سويًا. وكذلك الإعادة يعيده الله تعالى بعد أن يبلي كله إلا عجب الذنب. مجموع الفتاوى 17/ 248، شرح الطحاوية 2/ 597 - 598، التذكرة للقرطبي ص 184، شرح النونية لهراس 1/ 33 - 34.
89 -
العرش: تقدم تعريفه في حاشية البيت رقم 41.
الكرسي: قيل هو العرش والصحيح أنه غيره، وجاء عن ابن عباس في قوله تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] أنه قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى. أخرجه الذهبي في العلو ص 102، وقال:"رواته ثقات"، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. المستدرك ج 2 /ص 310 / ح 3116، والهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 323 وقال: رواه الطبراني ورجالى رجال الصحيح، وانظر: تفسير ابن كثير 1/ 309، شرح العقيدة الطحاوية 2/ 369، مجموع الفتاوى 16/ 402.
90 -
العَرَض: الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى محلّ يقوم به كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم به، والأعراض على نوعين: قارّ الذات وهو الذي تجتمع أجزاؤه في الوجود كالبياض والسواد، وغير قارّ الذات وهو الذي لا تجتمع أجزاؤه في الوجود كالحركة والسكون. التعريفات للجرجاني ص 193، ومراد المصنف: الأول.
91 -
كُلٌّ سَيُفْنِيهِ الْفَنَاءَ المَحْضَ لَا
…
يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ كَظِلٍّ فَانِ
92 -
ويُعِيدُ ذَا المَعْدومَ أَيضًا ثانيًا
…
مَحْضَ الوُجُودِ إعَادَةً بِزَمَانِ
93 -
هَذَا المعَادُ وَذَلِكَ المَبْدَا لَدَى
…
جَهْمٍ وقَدْ نَسَبُوهُ لِلْقْرآنِ
91 - المحض: الخالص الذي لا يخالطه غيره. اللسان 7/ 227، والمراد أنهم قالوا: إن هذه الأشياء تفنى فناء تامًا ليس فيه أدنى بقاء.
93 -
المعاد: يعني البعث الذي بعد الموت.
المبدا: يعني الذي قبل الظهور للحياة.
- تقدم حكاية قول الجهم وشيعته وأنهم بنوا قولهم في المعاد على أصل فاسد وهو القول بالجوهر الفرد وأن أجزاء العالم ومنه الإنسان عند موته تعدم وتتفرق ثم تعود يوم القيامة بأعيانها يعني بكامل الصفات والأعراض حتى قالوا جهلًا بإعادة الزمان الأول الذي كان مقارنًا للوجود الأول بعينه. وهذا معنى قول الناظم: "إعادة بزمان" يعني إعادة مقرونة بالزمان الذي كان مقارنًا للأشياء حتى يكون الثاني عين الأول. وقد أورد عليهم أن الإنسان قد يأكله حيوان وذلك الحيوان يأكله إنسان آخر فإذا أعيدت تلك الأجزاء من هذا لم تعد من هذا، وأورد عليهم أن الإنسان يكبر ويتحلل ويتغير جسمه في أثناء حياته فما الذي يعاد أهو الذي كان وقت الموت فيلزم من ذلك أن يعاد على صورة ضعيفة وهو خلاف ما جاءت به النصوص، وإن كان غير ذلك فليس بعض الأبدان أولى من بعض، ويستدل الجهم على قوله بالفناء بقوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وزعم أن الهلاك هنا هو الفناء المحض، ويستدل على قوله بأن الإعادة تكون من عدم محض بقوله تعالى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] وقوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] وقال: كما أن الله تعالى بدأ الأشياء من عدم محض فكذلك يعيدها من عدم محض. وقد بسط شيخ الإسلام رحمه الله الرد عليه من وجوه من ذلك:
1 -
أبطل أصلهم وهو القول بالجوهر الفرد.
2 -
أن النشأة الثانية بعد الموت تختلف عن النشأة الأولى التي قبله. فالأولى كائنة فاسدة والثانية كائنة لا فاسدة بل باقية دائمة. ودلت النصوص على أن نشأة الإنسان الثانية فيها من الطبائع كعدم البول والغائط ما يختلف عن الأولى. =
94 -
هَذا الذِي قادَ ابنَ سِينَا والأُلى
…
قَالُوا مَقَالتَهُ إِلى الكُفْرانِ
95 -
لم تَقْبلِ الأذْهانُ ذَا وَتَوَهَّمُوا
…
أنَّ الرَّسُولَ عَنَاهُ بالإيمَانِ
= 3 - قوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ} [الأعراف: 29] قال الحسن ومجاهد: كما بدأكم فخلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئًا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء وقال قتادة: بدأهم من التراب وإلى التراب يعودون.
4 -
لا يلزم من لفظ الإعادة الاتفاق في جميع الوجوه بين ما قبلها وما بعدها
…
إلى آخر ما ذكر من الحجج رحمه الله. مجموع الفتاوى 17/ 246 - 260، وانظر: بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام 1/ 280 وما بعدها، شرح النونية لهراس 1/ 34 - 35.
94 -
ابن سينا: هو الفيلسوف المشهور أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا (370 - 428 هـ)، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة من أشهرها: القانون في الطب، والشفاء والإشارات في المنطق والفلسفة. وقد تتبع سقطاته وردّ عليها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "درء تعارض العقل والنقل". وقال عنه ابن القيم: "إمام الملحدين، المعلم الثالث للفلاسفة المشائين. وهو الذي حاول تقريب الفلسفة من دين الإسلام فلم يصل إلى ما وصلت إليه الجهمية الغالية في التجهم، فإنهم في غلوهم ومذهبهم أسدّ وأصح مذهبًا منه. إغاثة اللهفان 2/ 261، وانظر سير أعلام النبلاء 17/ 531، لسان الميزان 2/ 291، مجموع الفتاوى 11/ 571، 12/ 22.
قول ابن سينا في المعاد إنه للنفس وحدها، وأنكر بعث الأجساد وحشرها، وخالف بذلك نصوص الكتاب والسنة فقد قال في كتابه الأضحوية في المعاد:"فإذا بطل أن يكون المعاد للبدن وحده وبطل أن يكون للبدن والنفس جميعًا وبطل أن يكون للنفس على سبيل التناسخ فالمعاد إذًا للنفس وحدها على ما تقرر". الأضحوية في المعاد لابن سينا، ص 126. وانظر ما يأتي في البيت 1083 وما بعده.
95 -
أي أنّ ابن سينا وأصحابه لما تصوروا أن معنى البعث هو أن المعدوم يعاد بعينه صفة وعرضًا وزمانًا يوم القيامة لم تتحمل عقولهم وأذهانهم تصديق ذلك فأنكروه، وهم يظنون أن هذا هو معنى البعث الثابت في الكتاب والسنة.
96 -
هَذَا كِتَابُ اللهِ أنَّى قَالَ ذَا؟
…
أوْ عَبْدُه المَبْعوثُ بالبُرْهَانِ؟
97 -
أوْ صَحْبُه مِنْ بَعْدِه أو تَابِعٌ
…
لَهُمُ عَلى الإِيمَانِ والإِحْسَانِ؟
98 -
بَلْ صَرّحَ الوَحْيُ المُبِيْنُ بأَنَّهُ
…
حقًّا مُغيِّرُ هذِه الأكْوانِ
99 -
فيُبَدِّلُ اللهُ السَّمَاواتِ العُلَى
…
والأَرْضَ أيْضًا ذَانِ تَبْدِيلانِ
100 -
وهُما كتبديلِ الجُلودِ لِساكِني النَّـ
…
ـيرانِ عندَ النُّضجِ مِن نِيرَانِ
98 - يعني رحمه الله أنّ الذي صرّحت به نصوص الكتاب والسنة ليس هو إعدام هذه الأكوان كما يقول الجهم ولكن تغييرها وتبديلها في الكيفية مع بقاء الذوات والأعيان، وسيأتي إيراد النصوص الدالة على ذلك فيما يأتي من أبيات.
99 -
ذانِ: طع، طه:" ذات"، تحريف.
قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48]، وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد وضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُحشَر الناسُ يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقُرصة النَّقِيّ ليس فيها معلم لأحد"، وفيهما عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرضُ يوم القيامة خبزةً واحدةً يتكفؤُها الجَبّار بيده" رواهما البخاري 11/ 372 - الفتح- كتاب الرقاق باب يقبض الله الأرض يوم القيامة، مسلم 17/ 135 - النووي- كتاب صفة القيامة باب صفة الأرض يوم القيامة. وهذه الأحاديث نص في أنّ الأرض تبدل، أما معنى تبديل السماوات: فهو أن تطوى كطي السجل للكتاب، كما قال تعالى:{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104]. التذكرة للقرطبي ص 218، وسيأتي تفصيل ذلك في الأبيات 155 وما بعدها.
100 -
يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56]، أي: كلّما انشوت جلودهم فاحترقت بدلناهم بغيرها أي جلودًا أخرى. تفسير ابن جرير 4/ 142، تفسير ابن كثير 1/ 514.
101 -
وَكَذَاكَ يَقْبِضُ أرضَه وَسَمَاءَه
…
بِيدَيْهِ ما العَدَمانِ مَقبُوضَانِ
102 -
وتُحدِّثُ الأرضُ التي كُنَّا بِها
…
أخبارَها في الحَشرِ للرّحمنِ
103 -
وتَظَلُّ تَشهدُ وَهْيَ عَدْلٌ بالذي
…
من فوقِهَا قد أحدَث الثَّقَلانِ
104 -
أَفَيَشْهَدُ العَدمُ الذي هُو كاسْمِهِ
…
لَا شيءَ، هَذَا ليْسَ في الإمكانِ
105 -
لَكِنْ تُسَوَّى ثم تُئسَطُ ثم تَشْـ
…
ـهَدُ ثم تُبْدَلُ وَهْيَ ذاتُ كِيانِ
106 -
وتُمَدُّ أيضًا مثلَ مَدِّ أدِيمِنَا
…
مِنْ غيرِ أوْدِيَةٍ ولا كُثْبَانِ
101 - "ما" هنا نافية مهملة على لغة بني تميم، وستأتي كثيرًا في آخر الأبيات لحاجة القافية إليها (ص).
- في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يطوي السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون؟ " وفي لفظ البخاري: " .. يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السماوات بيمينه .. "، رواه البخاري 13/ 393/ ح 7412 كتاب التوحيد باب قوله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} . رواه مسلم ج 17/ 131 - النووي- كتاب المنافقين باب 24. واللفظ لمسلم. ومعلوم أن الطي والقبض والأخذ لا يقع إلا على شيء موجود.
102 -
يشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ، قال:"أتدرون ما أخبارها؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، وتقول: عمل كذا وكذا، فهذه أخبارها"، رواه الترمذي ج 7 / ص 116 /ح 2546 تحفة، أبواب صفة القيامة باب 7، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وقال الذهبي في التلخيص: في سنده يحيى بن أبي سليمان منكر الحديث. المستدرك ج 2 / ص 580/ ح 3965.
105 -
مراد الناظم أن الأرض مع تغير صفتها لا تزال ذات ماهية ووجود ولم تعدم كما يزعم الجهم.
106 -
الأديم: الجلد، وهو يشير إلى قوله تعالى:{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الانشقاق: 3] =
107 -
وتَقِيءُ يَومَ العَرْض ذا أكْبَادَهَا
…
كالأُسْطُوَانِ نفائسَ الأثْمَانِ
108 -
كلٌّ يَرَاهُ بِعَينِهِ وعِيَانِهِ
…
مَا لامْرئٍ بالأخْذِ منْه يَدانِ
109 -
وَكَذَا الجِبَالُ تُفَتُّ فتًّا مُحْكَمًا
…
فَتَعودُ مِثْلَ الرملِ ذِي الكُثْبانِ
= وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ذكر خبر يأجوج ومأجوج قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم .. " الحديث رواه ابن ماجه في سننه - أبواب الفتن باب 32 ج 1/ ص 402 / ح 4132، وقال البوصيري في الزوائد 3/ 262: إسناده صحيح رجاله ثقات. وصححه الحاكم 2/ 416.
- في الشطر الثاني يشير إلى قوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 107].
107 -
"ذا": إشارة إلى يوم العرض. و"أكبادها": مفعول به، وقد ضبط في الأصل بفتح الدال. وفي ح، ط:"من أكبادها".
الأسْطوان: جمع أسطوانة، وهي السارية والعمود. شرح مسلم للنووي 7/ 98. وفي ب:"كالأصطوان" بالصاد.
108 -
أي ينظر إليه ويشاهد، ورآه عيانًا: لم يشك في رؤيته، ورأيت فلانًا عيانًا أي: مواجهة. اللسان 13/ 302.
- قوله: "ما لامرئ
…
" أي لا يقدر أحد على الأخذ منه. ودليل ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقيء الأرض أفلاذ كبادها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت؛ ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي؛ ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا"، رواه مسلم ج 7/ 98 نووي، كتاب الزكاة.
109 -
في الأصل وف: "تُفَتُّ فَتَّ التُّرب كي تبقى كمثل الرمل". وأشار في حاشية الأصل إلى أنّ في نسخة الأصل: "فتًّا محكمًا فتعود مثل" وهو الذي ورد في النسخ الأخرى.
الفَتُّ: الدق والكسر بالأصابع. القاموس 200.
- يشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)} [المزمل: 14].
110 -
وتَكُونُ كَالعِهْنِ الَّذِي أَلْوَانُهُ
…
وَصِبَاغُهُ منْ سَائِر الألْوَانِ
111 -
وتُبَسُّ بسًّا مثْلَ ذَاكَ فَتنْثَنِي
…
مثْلَ الهَبَاءِ لِنَاظِر الإِنسَانِ
112 -
وَكَذَا البحَارُ فإنَّها مَسْجُورَةٌ
…
قَدْ فُجِّرتْ تَفْجِيرَ ذِي سُلْطانِ
113 -
وَكَذَلِك القَمَرانِ يأذَنُ ربُّنَا
…
لهُمَا فيجْتَمِعَانِ يلتَقِيَانِ
114 -
هَذِي مكوَّرَةٌ وَهَذَا خَاسِفٌ
…
وَكِلَاهُمَا فِي النَّار مَطْروحَانِ
110 - يشير إلى قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)} [القارعة: 5] والعهن هو: الصوف المصبوغ ألوانًا. اللسان 13/ 297.
111 -
يشير إلى قوله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)} [الواقعة: 4 - 6]، وبسَّ الشيءَ: فتّته، والهباء: شعاع الشمس يدخل من الكوة كهيئة الغبار، وقيل: هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له، وقيل: هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح. ومنبثًا: أي مفرقًا. تفسير الطبري 13/ 168 - 169.
112 -
يشير إلى قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} [التكوير: 6]، ومعنى سجرت: ملئت حتى فاضت فانفجرت وسالت كما وصفها الله تعالى في موضع آخر بقوله: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)} [الانفطار: 3] والعرب تقول للنهر أو للركي المملوء: ماء مسجور، وقيل سجرت: أوقدت نارًا. تفسير الطبري مجلد 15 / ج 30 / ص 68، تفسير ابن كثير 4/ 481.
113 -
القمران: أي: الشمس والقمر.
أي: يأذن لهما ربنا يوم القيامة فيجتمعان بعد أن كانا لا يجتمعان كما قال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40] ودليل اجتماعهما قوله تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)} [القيامة: 9] وانظر: في تفسير الجمع: تفسير الطبري مجلد 114 ج 29 / ص 180، تفسير القرطبي 19/ 96.
114 -
يشير إلى قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} [التكوير: 1] والتكوير أصله الجمع مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي: لفها وجمعها، فالشمس يوم القيامة تكور ويمحى ضوؤها ثم يرمى بها. تفسير القرطبي 19/ 227، تفسير الطبري مجلد 15 / ج 30 / ص 65، تفسير ابن كثير 4/ 475.=
115 -
وَكَوَاكِبُ الأفْلَاكِ تُنثَرُ كُلُّهَا
…
كَلَالئٍ نُثِرَتْ عَلَى مَيْدانِ
116 -
وكَذا السَّمَاءُ تُشَقُّ شَقًّا ظَاهِرًا
…
وَتَمُورُ أَيْضًا أيَّمَا مَوَرَانِ
117 -
وتصيرُ بعدَ الانشِقَاقِ كَمثلِ هـ
…
ـذَا المُهْلِ أو تَكُ وردةً كَدِهانِ
= ويشير إلى قوله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)} [القيامة: 8] أي: ذهب ضوء القمر. تفسير ابن جرير مجلد 14 / ج 29 / ص 180.
- ودليله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشمس والقمر مكوران يوم القيامة"، رواه البخاري 6/ 297 فتح، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر، وفي بعض الروايات أنهما يجعلان في النار كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة". أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" 1/ 66 - 67، والطيالسي في مسنده (2103) بلفظ:"ثوران عقيران" والحديث صححه الألباني كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 192 / ح 124.
115 -
يشير الناظم هنا إلى قوله تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)} [الانفطار: 2] أي: تساقطت. تفسير الطبري 15/ 85، تفسير ابن كثير 4/ 481.
116 -
يشير إلى قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] أي: تصدّعت. تفسير الطبري مجلد 15/ 29 / 112.
- ويشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)} [الطور: 9] أي: تتحرك تحركًا وتدور دوَرانًا، تفسير الطبري مجلد 13 / ج 27 / ص 20، ابن كثير 4/ 240.
117 -
يشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)} [المعارج: 8] أي: كالشيء المذاب أو كدُرديّ الزيت وهو ما ركد في أسفله. تفسير الطبري 14/ 73، تفسير ابن كثير 4/ 420.
- ويشير إلى قوله تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)} [الرحمن: 37] أي: انشقت السماء وتصدعت وتفطرت يوم القيامة وذابت من حرارة جهنم حتى صارت في حمرة الورد وجريان الدهن. تفسير الطبري 13/ 141 - 142، تفسير القرطبي 17/ 173، فتح القدير للشوكاني 5/ 137 - 138.
118 -
والعرشُ والكُرسيُّ لا يُفْنِيهمَا
…
أيْضًا وإنَّهُما لَمخْلُوقَانِ
119 -
والحُورُ لا تَفْنَى كَذلِكَ جَنَّةُ الْـ
…
ـمأْوَى ومَا فِيهَا مِنَ الوِلْدَانِ
120 -
ولأَجْلِ هَذَا قَالَ جَهْمٌ إنَّهَا
…
عَدَمٌ ولمْ تُخْلَقْ إلى ذَا الآنِ
118 - العرش: تقدم تعريفه في حاشية البيت رقم 41.
الكرسي: تقدم تعريفه في حاشية البيت رقم 89.
- في ح: "يغنيهما"، وفي س:"تفنيهما" بالمثناة الفوقية.
- العرش من المخلوقات التي لا يتطرق إليها الفناء لأنه سقف الجنة والله سبحانه وتعالى صلى الله عليه وسلم عليه ولم يأت ما يدل على فنائه، بل ومما يستدل به على عدم فنائه ما جاء في حديث الصور الطويل عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه أخبر أن الله تعالى يقول يوم القيامة بعدما يميت جبريل وغيره من الملائكة:"إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي ويأمر الله تعالى العرش فيقبض الصور من إسرافيل" الحديث رواه الطبراني وغيره، وسيأتي الكلام على تخريجه مفصلًا في حاشية البيت رقم 140. والكرسي أيضًا هو موضع قدمي الرحمن جل جلاله ولم يأت ما يدل على فنائه. التذكرة للقرطبي ص 188 وما بعدها، فتح الباري لابن حجر 6/ 444، 11/ 370 - 371، تفسير الطبري مجلد 12/ج 24/ 29، الروح لابن القيم ص 50، مجموع الفتاوى 16/ 33 - 36، معارج القبول للحكمي 2/ 216، التنبيه والرد للملطي ص 137.
119 -
الجنة وما فيها من حور عين وولدان لا تفنى، لأن الجنة خلقت للبقاء لا للفناء، ومن يدخلها لا يموت فيها أبدًا، وجاء في بعض روايات حديث الصور الطويل بعدما ذكر أن الله تعالى يقبض جميع الأرواح يوم القيامة قال:"لا موت على أهل الجنة ولا موت لأهل النار" الحديث رواه أبو الشيخ في العظمة 3/ ص 826/ح 386 وغيره، وسيأتي الكلام على تخريج الحديث مفصلًا في حاشية البيت 140. وقد أجملت التخريج هنا وفصلته هناك متابعة لإجمال الناظم هنا وتفصيله هناك، وانظر المراجع السابقة.
120 -
تقدم عرض مذهب الجهم في ذلك تحت البيت 77.
121 -
والأنبياءُ فإنَّهُمْ تَحْتَ الثَّرَى
…
أجسَامُهُمْ حُفِظَتْ منَ الدَّيدَانِ
122 -
ما لِلبلَى بلحُومِهِمْ وجُسُومِهِمْ
…
أبَدًا وَهُم تَحْتَ التُّرَابِ يَدَانِ
123 -
وَكَذاكَ عَجْبُ الظَّهْرِ لَا يَبلى بَلَى
…
مِنْهُ تُركَّبُ خِلْقَةُ الإنسانِ
122 - البلى: الفناء، وهو هنا يشير إلى ما جاء عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ"، قالوا: يا رسول الله وكيف تُعَرض صلاتُنا عليك وقد أَرِمْتَ؟ قال: يقولون بليت، قال:"إنّ الله حرّم على الأرض أجساد الأنبياء". رواه ابن ماجه ج 1 /ص 195/ ح 1071 أبواب إقامة الصلاة باب 79 في فضل الجمعة، وأبو داود ج 1/ ص 275 /ح 1047 كتاب الصلاة - باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة والنسائي ج 3/ 91 - 92 وصححه الألباني كما في صحيح الجامع برقم 2208.
- ووجد أيضًا من الشهداء من بقي جسده بعد دفنه دون تغير، فيحتمل أنه لا يفنى أو أن جسده يبقى مدة لا يفنى بحسب شهادته ثم يفنى، وقد وقعت حوادث تدل على ذلك، ومن ذلك ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:"لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعزَّ عليّ منك غيرَ نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليّ دينًا فاقضِ، واستوص بأخواتك خيرًا، فأصبحنا، فكان أول قتيل، ودُفن معه آخرُ في قبر، ثم لَم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هيئتَه غيرَ أذنه" رواه البخاري 3/ 214 - 215 - فتح- كتاب الجنائز - باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟، وقد ورد في بقاء أجساد الشهداء مدة آثار كثيرة. انظر شرح الطحاوية 2/ 558، معارج القبول للحكمي 2/ 217 - 218.
123 -
العَجب: العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب عند العجز وهو رأس العصعص. النهاية 3/ 184، شرح مسلم للنووي 18/ 92.
- قول الناظم "بلى" وقع هنا في موقع "بل" وكذا في البيت 341 فلينظر. (ص).=
124 -
وكَذَلِكَ الأرْوَاحُ لَا تَبْلَى كَمَا
…
تَبْلَى الجُسُومُ ولَا بِلَى اللُّحْمَانِ
125 -
ولأجْلِ ذَلِكَ لم يُقِرّ الجَهْمُ بالْ
…
أرْوَاحِ خَارجَةً عنْ الأَبْدَانِ
126 -
لكِنَّها مِنْ بَعْضِ أعْراضٍ بِهَا
…
قَامَتْ وَذا في غَايَةِ البُطْلَانِ
= يشير إلى ما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مما بين النفختين أربعون"، قالوا: يا أبا هريرة أربعون يومًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت، "ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، قال: وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلاّ عظمًا واحدًا وهو عَجْب الذنَب ومنه يركَّب الخلق يوم القيامة". رواه البخاري 8/ 689 فتح، كتاب التفسير باب يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجًا، ورواه مسلم 18/ 91 - 92 نووي كتاب الفتن - باب ما بين النفختين.
124 -
لُحمان: جمع لَحم. ومما يعمه البقاء ولا يفنى: الأرواح فهي لا تموت بموت الجسد ولا تفنى بفنائه، قال ابن القيم رحمه الله عند كلامه على الروح:"فإن العبد كلما نام خرجت منه، فإذا استيقظ رجعت إليه، فإذا مات خرجت خروجًا كليًا، فإذا دفن عادت إليه فإذا سئل خرجت، فإذا بعث رجعت إليه". الروح ص 49، 291، 292.
وقال شارح الطحاوية ابن أبي العز رحمه الله بعدما عرض مذاهب الناس في الروح: "والصواب أن يقال موت النفوس مفارقتها لأجسادها وخروجها منها فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت وإن أريد أنها تعدم وتفنى بالكلية فهي لا تموت بهذا الاعتبار بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب". شرح الطحاوية 2/ 570 - 571، وانظر: شرح مسلم للنووي 13/ 31.
126 -
أعراض: جمع عَرَض، وقد تقدم تعريفه في حاشية البيت رقم 90.
ف: "لها قامت"، تحريف.
- ينكر الجهم وجود الأرواح المستقلة عن الأبدان ويقول: ليس هناك روح تنزل إلى البدن عند الولادة وتصعد منه عند الموت، ولكن الحياة عنده عرض من الأعراض القائمة بالبدن، فإذا مات الحي بطل ذلك العرض وفني كما يفنى السمع والبصر بفناء الجسد. والذي يدل عليه الكتاب والسنة=
127 -
فالشَّأنُ للأرواح بعدَ فِراقِها
…
أبدانَنا واللهِ أعظمُ شَانِ
128 -
إمَّا عَذابٌ أوْ نَعيمٌ دَائمٌ
…
قَدْ نُعِّمتْ بالرَّوْحِ والرَّيْحَانِ
129 -
وتصيرُ طَيْرًا سَارحًا مع شَكْلِهَا
…
تَجْنِي الثِّمَارَ بجَنَّةِ الحَيَوانِ
130 -
وتظَلُّ واردةً لأنْهارٍ بهَا
…
حَتَّى تَعُودَ لِذَلك الجُثْمَانِ
131 -
لَكنَّ أرْوَاحَ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا
…
فِي جَوْفِ طَيْرٍ أخْضَرٍ رَيَّانِ
= وإجماع الصحابة وأدلة العقل أن النفس جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان النار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف ساريًا في هذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة، والإرادة. وإذا فسدت هذه الأعضاء وآثارها فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الروح. الروح لابن القيم ص 49 - 52، شرح الطحاوية 2/ 565، معارج القبول 2/ 219 - 225. شرح النونية هراس 1/ 40.
127 -
ط: "أبدانها".
128 -
يشير إلى قوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)} [الواقعة: 88 - 94].
129 -
يشير إلى ما رواه كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده يوم يبعثه". رواه الإمام أحمد 3/ 455، والنسائي 1/ 29، والترمذي 1/ 309 وقال حديث حسن صحيح، والحديث صححه الألباني كما في صحيح الجامع برقم 2369.
130 -
ط، س، ح:"بأنهار".
131 -
يشير إلى ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الشهداء: "أرواحهم في جَوف طير خُضر لها قناديل معلقة بالعرش=
132 -
فَلهُمْ بذَاكَ مزيَّةٌ في عَيشِهِمْ
…
وَنَعِيمُهمْ للرُوحِ والأبْدانِ
133 -
بَذَلُوا الجُسُومَ لربِّهم فأعَاضَهُمْ
…
أجسامَ تلكَ الطيرِ بالإحْسانِ
134 -
وَلهَا قَناديلٌ إِلَيْهَا تَنْتَهِي
…
مَأوىً لَهَا كمسَاكِنِ الإنْسَانِ
135 -
فالرُّوحُ بعدَ الموتِ أكملُ حالةً
…
منهَا بهَذِي الدَّارِ في جُثْمَانِ
136 -
وَعَذَابُ أشقَاهَا أشَدُّ مِنَ الَّذِي
…
قَدْ عايَنتْ أبصَارُنَا بعِيَانِ
= تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل"، الحديث رواه مسلم 13/ 31- نووي، كتاب الأمارة- باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة.
133 -
قال ابن القيم رحمه الله لما ذكر ما اختص به الشهيد في الجنة من أن روحه تكون في جوف طير خضر: "ويدل على هذا أن الله سبحانه جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضهم منها في البرزخ أبدانًا خيرًا منها تكون فيها إلى يوم القيامة ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها، ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وتامل لفظ الحديثين فإنه قال: "نسمة المؤمن طير" فهذا يعم الشهيد وغيره ثم خص الشهيد بأن قال: "هي في جوف طير" ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير" اهـ الروح ص 136.
134 -
قناديل: جمع قنديل وهو السراج أو المصباح.
135 -
ف: "جسمان".
136 -
تنعم الروح أو تعذبها يوم القيامة أعظم منه في الدنيا، وذلك أن النعيم أو العذاب يقع في الدنيا على الجسد وفي البرزخ يقع على الروح أما في القيامة فيقع على الروح والبدن وهي أكمل الحالات أن يشترك الجسد مع الروح في النعيم أو العذاب. قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله عند كلامه على هذا البيت: "ذلك لأنه يكون الخبر عيانًا والغيب شهادة والمستور مكشوفًا والمخبأ ظاهرًا فليس الخبر كالمعاينة ولا علم اليقين كعين اليقين=
137 -
والقائلُونَ بِأنَّها عَرَضٌ أبَوْا
…
ذَا كلَّه تبًّا لِذِي نُكْرانِ
138 -
وإذا أرَادَ اللهُ إخْرَاجَ الوَرَى
…
بَعْدَ الْمَمَات إلَى المعادِ الثَّانِي
139 -
أَلقَى على الأرْضِ التي هُمْ تَحتَها
…
وَاللهُ مقتَدِرٌ وذُو سُلطانِ
140 -
مطرًا غليظًا أبيضًا متتابِعًا
…
عَشْرًا وعشرًا بعدَها عَشْرَانِ
= فالمصدق يرى ويجد مصداق ما جاء به النص كما علمه وتيقنه فيزداد بشرى وفرحًا وسرورًا، والمكذب يرى ويجد حور تكذيبه بذلك، وغب ما جناه على نفسه ويذوق وبال أمره". معارج القبول 2/ 225.
137 -
تقدم تعريف العرض في حاشية البيت 90.
- القائلون بأن الروح تعدم وتتلاشى بموت البدن وأنها عرض (وصف) يفنى بفناء البدن كسائر الأعراض أنكروا أنها تقوم بنفسها وأنها تفارقه ثم تعود إليه وأنها تعذب وتنعم. ومن هؤلاء أبو الهذيل العلاف وجعفر بن حرب وغيرهما، وقد ساق مقالات الناس في الروح الأشعري في مقالات الإسلاميين 2/ 28 - 30.
140 -
دليله حديث الصور الطويل الذي روي من طرق متعددة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النفخ في الصور وخروج الناس من قبورهم وأحوال يوم القيامة، وقال:"ثم ينزل الله عليكم ماء من تحت العرش كمني الرجال، ثم يأمر الله السماء أن تمطر أربعين يومًا حتى يكون فوقهم اثنا عشر ذراعًا، ويأمر الله الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث أو كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت .. " الحديث، والطراثيث جمع طرثوث كبرغوث وهو نبت على طول الذراع لا ورق له كأنه من جنس الكمأة. اللسان 2/ 165، النهاية 3/ 117.
وقد روى الحديث البيهقي في كتاب البعث والنشور ص 326 / ح 669، والطبراني بلفظ قريب من هذا في الأحاديث الطوال ص 94 / ح 36، وأبو الشيخ في العظمة 3 / ص 821 / ح 386، وابن جرير الطبري في تفسيره مجلد 10/ج 17/ 110، 15/ج 30/ 186، مطولًا ومختصرًا. وذكر ابن كثير في نهاية البداية 1/ 223 - 224 أن للحديث طرقًا متعددة ومدار الجميع على=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة وقد تكلم فيه بسببه. اهـ، وقال في التفسير 2/ 149: وقد اختلف فيه أي: إسماعيل بن رافع: فمنهم من وثقه ومنهم من ضعفه، ونص على إنكار حديثه غير واحد من الأئمة كأحمد وأبي حاتم الرازي وعمرو الفلاس. ومنهم من قال فيه: هو متروك، وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء. اهـ. وصرح الحافظ ابن حجر في فتح الباري 11/ 368 - 369 بترجيح من ضعف هذا الحديث ورماه بالاضطراب في السند فقال: مداره على إسماعيل بن رافع واضطرب في سنده مع ضعفه فرواه عن محمد بن كعب القرظي تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل مبهم، ومحمد عن أبي هريرة تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل من الأنصار مبهم، اهـ. وصرح الشيخ الألباني في تعليقه على شرح الطحاوية ص 265 بتضعيفه فقال:"إسناده ضعيف لأنه من طريق إسماعيل بن رافع عن يزيد بن أبي زياد وكلاهما ضعيف عن رجل من الأنصار لم يسم ". ولكن يشهد لكلام الناظم رحمه الله ما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم إلا وفي الأرض منه شيء، قال: فيرسل الله ماء من تحت العرش منيًا كمني الرجل، فتنبت أجسادهم ولحمانهم من ذلك". أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد 2/ 428 / ح 252، والطبراني في الكبير 9/ 4213 / ح 9761، والطبري في التفسير مجلد 12 / ج 22 / ص 119، والحاكم في المستدرك 4/ 641/ ح 8772 وقال: صحيح على شرط الشيخين، فتعقبه الذهبي بقوله: ما احتجّا بأبي الزعراء، وذكره ابن الملقن في مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك الحاكم ج 7 / ص 3564 / ح 1178، والبيهقي وقال ابن حجر عن إسناد البيهقي: قوي. فتح الباري 11/ 369 - 370، والعقيلي في الضعفاء في ترجمة عبد الله بن هانئ 2/ 314، كلهم من طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن عبد الله بن مسعود، وسفيان الثوري أبو عبد الله: ثقة حافظ فقيه عابد حجة. التقريب 244، وسلمة بن كهيل=
141 -
فتظلُّ تَنبُتُ منهُ أجسامُ الوَرَى
…
وَلحُومهُمْ كمنابِتِ الرَّيحانِ
142 -
حَتَّى إذَا مَا الأمُّ حَانَ وِلَادُهَا
…
وتمخَّضَتْ فَنِفَاسُهَا مُتَدَانِ
143 -
أَوْحَى لها ربُّ السَّما فتشقَّقتْ
…
فَبدَا الجَنينُ كأكملِ الشُّبَّانِ
= الحضرمي ثقة. التقريب 248، وأبو الزعراء هو عبد الله بن هانئ الكندي وثقه ابن سعد والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات يروي عن عمر وابن مسعود فحديثه لا ينزل عن درجة الحسن. أما قول البخاري عنه: لا يتابع في حديثه، فلعله قصد حديثه هذا عن ابن مسعود فإن بعض ألفاظه فيها مخالفة لما جاء في الأحاديث الصحيحة، وعلى هذا يكون إسناد أثر ابن مسعود حسنًا. تهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 56، تهذيب الكمال للمزي ج 16/ 240، كتاب الثقات لابن حبان 5/ 14، تقريب التهذيب 327.
تنبيه: قال الشيخ الألباني في حاشيته على شرح الطحاوية عن هذا الأثر: له حكم المرفوع لكنه منقطع بين أبي الزعراء واسمه يحيى بن الوليد لم يرو عن أحد من الصحابة بل عن بعض التابعين. شرح العقيدة الطحاوية ص 464، وتابع الشيخ على ذلك الشيخ سعد بن عبد الله الحميد في تحقيقه لكتاب ابن الملقن المتقدم الذكر حيث ضعف الأثر وأعلّه بالانقطاع. مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك الحاكم ج 7/ ص 3564 /ح 1178، وهذا وهم منهما، والصواب أن أبا الزعراء هذا هو عبد الله بن هانئ الكندي من أصحاب ابن مسعود وكبار التابعين، وقد ذكر العقيلي الحديث في ترجمته كما تقدم، وعلى هذا يزول الانقطاع الذي بسببه ضعف هذا الأثر.
141 -
الريحان: نبت طيب الريح من أنواع المشموم. النهاية 2/ 288.
142 -
متدانٍ: قريب.
143 -
كذا في الأصل وف وط. وفي غيرها: "ربّ الورى"، وأشير إلى هذا في حاشية الأصل.
ف: "كأجمل الشبان".
- يشير إلى قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزمر: 68].