الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
259 -
مَن يعملِ السُوأى سُيجزَى مِثلَها
…
أو يعملِ الحُسنى يَفُزْ بجِنَانِ
260 -
هَذِي وَصِيّةُ نَاصِحٍ ولِنفْسِهِ
…
وَصَّى وبعدُ لِسائرِ الإِخْوَانِ
* * *
فصلٌ وهذا أوَّلُ عقدِ
(1)
مجلسِ التَّحكيمِ
261 -
فاجلِسْ إذًا فِي مَجلسِ الحَكَمَيْنِ لِلرّ
…
حْمنِ لا لِلنَّفْسِ والشَّيطانِ
262 -
إحداهُما النقلُ الصحيحُ وبَعدَه الـ
…
ـعَقلُ الصَّريحُ وفِطرةُ الرحمنِ
259 - حذف الفاء من جواب الشرط للضرورة (ص).
بجنان: يعني: الجَنّات. ويشير رحمه الله إلى قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} [النساء: 123، 124].
قال ابن كثير في تفسير الآية: "المعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وليس كل من ادعى شيئًا حصل له بمجرد دعواه ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان لهذا قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} أي ليس لكم نجاة بمجرد التمني بل العبرة بطاعة الله سبحانه واتباع شرعه" أ. هـ. تفسير ابن كثير 1/ 557 بتصرف يسير، انظر تفسير الطبري مجلد 4/ج 5/ 288.
(1)
كلمة "عقد" ليست في الأصل.
261 -
أي: بعدما تتحلى بالصفات التي تقدمت من العدل والإنصاف والإخلاص وغيرها فاجلس للحكم بين هذه الطوائف لأنك بصفاتك هذه قد أصبحت أهلًا لذلك.
262 -
ط: "الأول النقل"، وهو مخالف لجميع النسخ، ولعلّه تغيير لما جاء في المتن من تأنيث المذكر، وقد مرّ مثله في البيت 228 (ص).
- يعني بالنقل الصحيح: القرآن وما ثبت من السنة. =
263 -
واحكُمْ إذًا فِي رُفْقةٍ قَدْ سافروا
…
يَبغُونَ فاطرَ هَذِهِ الأكوانِ
264 -
فترافقُوا فِي سَيْرِهمْ وتفارقُوا
…
عِند افتراقِ الطُّرْقِ بالحَيْرانِ
265 -
فأتَى فَريقٌ ثُم قَالَ وجدتُه
…
هَذَا الوجودَ بِعَينِهِ وَعِيَانِ
= العقل الصريح: هو العقل السالم من الشبهات والشهوات.
الفطرة: الجبلة المتهيئة لقبول الدين، التعريفات للجرجاني ص 215. وقال العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي:"أما الفطرة فأريد بها ما يعم الهداية الفطرية والشعور الفطري والقضايا التي يسميها أهل النظر ضروريات وبديهيات والنظر العقلي العادي وأعني به ما يتيسر للأميين ونحوهم ممن لم يعرف علم الكلام ولا الفلسفة". التنكيل بما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل 2/ 218.
وقال ابن القيم رحمه الله بعدما عرض أقوال الناس في الفطرة: "فقد تبين دلالة الكتاب والسنة والآثار واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له، وأن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها يجب حصوله فيها إن لم يحصل ما يعارضه، وأن حصول ذلك يقف على انتفاء المانع". شفاء العليل ص 592 باختصار يسير، وانظر الصواعق المرسلة لابن القيم 4/ 1277، التنكيل للمعلمي 2/ 191.
264 -
ضرب الناظم رحمه الله مثلًا للطوائف وأهل المذاهب واعتزاز كل منهم بقوله برفقة شرعوا في السفر، وقصدهم واحد، لا يطلبون إلا الحق، فسلكوا طريقًا واحدًا في مبتدأ سيرهم، فلما جدّ بهم السير وصلوا إلى مفترق الطرقات، فحينئذ سلك كلّ فريق من هذا الركب طريقًا غير طريق صاحبه. ثم رجعوا من سفرهم آئبين وعرضوا تجارتهم وما حصلوه في سفرهم وثمرات سعيهم على العالم العادل ليحكم بينهم بالحكم الموافق للنقل والعقل والفطرة. شرح النونية - السعدي ص 22.
265 -
هذا الفريق الأول هم القائلون بوحدة الوجود ويسمَّون أيضًا بالاتحادية.
وهم قوم يزعمون أن الخالق اتحد بالمخلوق حتى صار هو هو، وعندهم من الضلال والكفر العظيم ما لا يخفى على من عرف مذهبهم وقرأ في كتبهم. وقد بدأ الناظم رحمه الله بهم لأنهم أشدّ الفرق ضلالًا وزيغًا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والعياذ بالله. ومن كبارهم ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والعفيف التلمساني، وكلّهم تجمعهم الضلالة والزندقة. وحقيقة قولهم تعطيل الصانع بالكلية، والقول بقول الدهرية الطبيعية. وهم يقولون: إن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى، ليس وجودها غيره ولا شيء سواه ألبتة. حتى وجود الجن والشياطين والكافرين والفاسقين والكلاب والخنازير والنجاسات والكفر والفسوق والعصيان عين وجود الرب، لا أنه منفصل عن ذاته وإن كان مخلوقًا له مربوبًا مصنوعًا له وقائمًا به. انظر مجموع الفتاوى 2/ 142، درء تعارض العقل والنقل 6/ 118، الاستقامة 1/ 113، التبصير في الدين 116، الفرق بين الفرق 273، 3/ 75.
ومن أقاويل كبيرهم محيي الدين بن عربي: "ومن عرف ما قررناه .. علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه .. " فصوص الحكم ص 78.
وقال أيضًا: "وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله .. رأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية، وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها، وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله " الفصوص 328. وقال: " .. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملًا فلا يرى إلا الله في عين كل ما يرى فيرى الرائي عين المرئي" الفصوص ص 349، وزعم: أن الله تعالى كلمه فقال له: "ألا تراني أتجلى لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة فينكرون ربوبيتي .. فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم فيقرون لي بالربوبية وعلى أنفسهم بالعبودية، فهم لعلامتهم عابدون .. فمن قيدني بصورة دون صورة فتخيله عبد وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستووة فهو يتخيل أنه يعبدني وهو يجحدني والعارفون .. لا يظهر لهم عندهم سوائي ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي فكل شيء ظهر لهم وتجلى قالوا: أنت المسبح الأعلى". الفتوحات المكية 1/ 49. ومن شعر ابن عربي:
فلا تنظر إلى الحق
…
وتعريه عن الخلق
ولا تنظر إلى الخلق
…
وتكسوه سوى الحق
الفصوص ص 115. =
266 -
مَا ثَمَّ مَوجُودٌ سِواهُ وإنَما
…
غَلِطَ اللّسانُ فقالَ موجُودانِ
267 -
فهُو السَّماءُ بعينِها ونجُومُها
…
وكذلِكَ الأفلاكُ والقَمرانِ
268 -
وهُو الغَمامُ بِعَينِه والثَلجُ والْـ
…
أمْطارُ مَعْ بَرَدٍ ومَعْ حُسْبَانِ
269 -
وهُو الهواءُ بِعينِه والماءُ وَالتُّـ
…
ـرْبُ الثقيلُ وَنَفسُ ذِي النِّيرانِ
270 -
هَذي بَسائطُه ومنهُ تركَّبتْ
…
هَذي المَظَاهِرُ مَا هُنا شَيئانِ
271 -
وَهُو الفقِيرُ لها لأجلِ ظهُورهِ
…
فِيهَا كفَقْرِ الروحِ لِلأبدانِ
272 -
وهِي الَّتي افتقرَتْ إِلَيهِ لأنه
…
هُوَ ذاتُها ووُجودُها الحَقَّانِي
= ومن رؤوسهم أيضًا البلياني من مشايخ شيراز، ومن شعره:
وما أنت غير الكون بل أنت عينه
…
ويفهم هذا السرَّ من هو ذائقه
مجموع الفتاوى 2/ 473.
268 -
البرَد: الماء الجامد ينزل من السحاب قطعًا صغارًا ويسمّ حبّ الغمام وحبّ المزن (المعجم الوسيط).
الحُسبان: الصواعق والبرد والعجاج. القاموس: 95.
269 -
يزعم القائلون بوحدة الوجود: أن هذه البسائط الأربع (الماء والهواء والتراب والنار) منها تتركب سائر الموجودات (كقول الطبيعيين القدماء). ويزعمون أيضًا أنّ الله تعالى قبل إيجاد المخلوقات كان في عماء (فضاء) فأوجد من هذا العماء جميع صور العالم، وفيه الملائكة والعقل والنفس والطبيعة. ومادة هذا العماء عناصر أربعة: الماء والهواء والتراب والنار، فتَنفس الرحمن، فدخل ما كان في هذا العماء في ذات الله ولم يبقَ إلا عماء، ثم أخرجها الرحمن، فمن الطبيعة ظهر كل جسم وجسد جسماني من عالم الأجسام العلوي والسفلي، وهي من نفس الرحمن ظهرت في الكون، فهو بخار الرحمن، فيه الرحمة، بل هو عين الرحمة. انظر الفتوحات المكية لابن عربي 1/ 56، 723، 2/ 420، 430.
272 -
الحقاني: منسوب إلى الحق، كالربّاني إلى الربّ. تاج العروس 6/ 319.
يزعم القائلون بوحدة الوجود: أن الله تعالى محتاج إلى هذه المظاهر والعوالم لأنه يظهر فيها، وهي محتاجة وفقيرة إليه لأنه هو جوهرها =
273 -
وتَظلُّ تلبَسُهُ وتَخلَعُهُ وذَا الْـ
…
إيجادُ والإعدامُ كُلَّ أوَانِ
274 -
ويَظلُّ يَلبَسُها وَيخلَعُها وَذَا
…
حُكمُ المَظاهِرِ كَيْ يُرَى بِعيانِ
= وروحها. قال شيخ الإسلام وهو يحكي أقاويل هؤلاء: "ويقولون: "إن الله يعبد أيضًا كل شيء لأن الأشياء غذاؤه بالأسماء والأحكام، وهو غذاؤها بالوجود، وهو فقير إليها وهي فقيرة إليه" مجموع الفتاوى 2/ 468.
وقال ابن عربي: "وإذا كان الحق هوية العالم فما ظهرت الأحكام كلّها إلا منه وفيه .. فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه على صورة الرحمن، أوجده الله أي ظهر وجوده تعالى بظهور العالم، كما ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية. فنحن صورته الظاهرة، وهويته تعالى روح هذه الصورة المدبرة لها، فما كان التدبير إلا فيه، كما لم يكن إلا منه" الفصوص 303، 304.
وقال شيخ الإسلام وهو يحكي كلام ابن عربي: "جعل وجوده مشروطًا بوجود العالم وإن كان له وجود ما غير العالم كما أن نور العين مشروط بوجود الأجفان وإن كان قائمًا بالحدقة. فعلى هذا يكون الله مفتقرًا إلى العالم محتاجًا إليه كاحتياج نور العين إلى الجفنين. وقد قال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181] فإذا كان هذا قوله فيمن وصفه بأنه فقير إلى أموالهم ليعطيها الفقراء فكيف قوله فيمن جعل ذاته مفتقرة إلى مخلوقاته بحيث لولا مخلوقاته لانتشرت ذاته وتفرقت وعدمت كما ينتشر نور العين ويتفرق ويعدم إذا عدم الجفن" مجموع الفتاوى 2/ 186 - 187.
273 -
"وتظل تلبسه
…
": يعني العوالم والمظاهر والمخلوقات.
274 -
في الأصل: "ترى"، ولم ينقط حرف المضارع في ف.
- قال الشيخ محمد خليل هراس: "يعني أن تلك المظاهر والتعينات باعتبار أن ذلك الوجود المطلق هو قوامها الحامل لها فهي لا تزال تتوارد عليه في عملية إيجاد وإعدام مستمر كلما فنيت صورة خلعت ذلك الوجود ولبسته أخرى، وكذلك هو يظل يلبسها ويخلعها بلا انقطاع، وهذا حكم اقتضاه ظهور هذا الوجود فإنه لو دام على إطلاقه لما أمكن رؤيته وظهوره للعيان" شرح النونية 1/ 61.
275 -
وَتكَثُّرُ المَوجودِ كالأعضاءِ في الْـ
…
ـمَحسوسِ مِنْ بَشَرٍ ومِنْ حَيَوانِ
276 -
أوْ كالقُوى في النَّفْسِ ذلِك وَاحدٌ
…
متكثِّرٌ قَامتْ بِهِ الأمْرانِ
277 -
فَيَكونُ كُلًّا هذِه أجزَاؤه
…
هَذِي مَقالةُ مُدَّعي العِرفانِ
278 -
أو أنَّها كَتَكثُّرِ الأنواعِ فِي
…
جِنْسٍ كَما قالَ الفَريقُ الثَّاني
279 -
فيكونُ كلِّيًّا وجزئيَّاتُه
…
هَذَا الوجُودُ فهذِهِ قَوْلَانِ
275 - لما احتج على القائلين بوحدة الوجود بأن الموجودات المشاهدة كثيرة متنوعة متعددة فكيف تقولون: إن الوجود واحد؟ قالوا: إن الموجود واحد وهذه الموجودات أجزاء له وهي بالنسبة لهذا الوجود المطلق كنسبة الأعضاء المختلفة لجسم الإنسان والحيوان إليه أو كنسبة قوى النفس المختلفة إليها أي: أنها كنسبة الجزء إلى كله. انظر شرح النونية - هراس 1/ 61.
وقال ابن عربي: "فالعالِمُ بالله يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود" الفصوص ص 72. وانظر مجموع الفتاوى 2/ 467.
276 -
أنث لفظ "الأمر" -وهو مذكر- للضرورة، وانظر التعليق على البيت 228 (ص).
- مراده بالأمرين: الأمر الأول: أنه واحد بذاته غير متعدد، الأمر الثاني: أنه مركب من أعضاء وقوى كثيرة فالإله عندهم قد قام به هذان الأمران فهو كل واحد غير متعدد ولكن له أجزاء.
277 -
هذا قول ابن عربي.
278 -
وهو ابن سبعين ومن وافقه. وفي ب، طه:"لتكثر"، تصحيف.
279 -
"فهذه قولان " كذا في جميع النسخ، وفيه تأنيث المذكر وإفراد المثنى للضرورة. وانظر مثله في إفراد اسم الإشارة 3263، 5509، 5750 (ص).
- بعد أن اتفق القائلون بوحدة الوجود على أن الوجود في نفسه شيء واحد وأن الكثرة هي في التعيّنات اختلفوا في نسبة ذلك الوجود الواحد إلى تلك التعينات، فذهب ابن عربي -كما تقدم- إلى أنها من نسبة الكل إلى أجزائه =
280 -
أولاهما نَصُّ الفُصوصِ وبعدَه
…
قولُ ابن سَبعينٍ وما القولانِ
= كنسبة أعضاء الجسم إليه أو كنسبة قوى النفس إليها. وذهب ابن سبعين إلى أنها من نسبة الكلي إلى جزئياته يعني بذلك: أن هذا الوجود المطلق الكلي جنس، وهذه الموجودات المتعينة أنواع له فتكون هذه الكثرة البادية في الموجودات كثرة نوعية كما يقال مثلًا:"إن الحيوان جنس تحته أنواع هي الإنسان والفرس والجمل .. إلخ ". انظر بغية المرتاد لشيخ الإسلام ص 418، مقدمة ابن خلدون ص 471، شرح النونية - هراس 1/ 62.
280 -
"أولاهما" كذا في ف وحاشية الأصل بخط من قابله على النسخة المقروءة على المؤلف. وفي غيرهما: "إحداهما". وأنث الناظم لفظ القول للضرورة. ومثله في: 1682، 2927، 4898، وانظر التعليق على البيت 228 (ص).
- وقد نقلنا نصق الفصوص آنفًا تحت البيت 275.
وكتاب "فصوص الحكم" ألفه محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عربي، أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي، المعروف بمحيي الدين بن عربي، ولد سنة 560 هـ، وهو من رؤوس القائلين بوحدة الوجود وله مقالات في وجود الله تعالى وفي التصوف والولاية والنبوة، لا يقولها مؤمن بالله واليوم الآخر- وقد تقدم بعض ذلك عند حكاية مذهب القائلين بوحدة الوجود.
وقد حكى شيخ الإسلام كفره في عدة مواضع وشارح الطحاوية أيضًا وغيرهما من أهل العلم. ولابن عربي مؤلفات كثيرة منها: الفتوحات المكية، وديوان شعر، توفي في دمشق سنة 638 هـ.
سير أعلام النبلاء 23/ 48، 49، الأعلام للزركلي 6/ 281، 282، مجموع الفتاوى 2/ 342، شرح الطحاوية 2/ 744 - 745.
وكتابه: فصوص الحكم يقع في مجلد قرابة الأربعمائة صفحة -وهو مطبوع- جمع فيه كفرياته وضلالاته ويزعم أنه ألّفه بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه في المنام. وقد ذمّ العلماء هذا الكتاب وفنّدوا ما كتبه فيه وردوا عليه، قال الذهبي رحمه الله: ومن أردأ تواليفه كتاب "الفصوص" فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر. أ. هـ. السير 23/ 48 - 49. =
281 -
عِنْد العَفِيفِ التلْمِسَانِيِّ الذي
…
هو غايةٌ في الكُفرِ وَالبُهتانِ
= وممن ردّ عليه: شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم"(مجموع الفتاوى 2/ 362 - 451)، والإمام أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي المعروف بابن شيخ الحزاميين في كتابه "أشعة النصوص في هتك أستار الفصوص"، والإمام شمس الدين محمد بن محمد العيزري تلميذ التاج السبكي في كتابه "تسورات النصوص على تهورات الفصوص"، والعلامة الملا علي بن محمد القاري، والحافظ جمال الدين ابن الخياط اليمني، والفقيه محمد بن علي المعروف بابن نور الدين الموزعي الحماني، وغيرهم. شرح النونية - ابن عيسى 1/ 167.
ابن سبعين: عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر ابن سبعين الإشبيلي الرَّقوطي. ولد سنة 614 هـ، من زهّاد الفلاسفة ومن رؤوس القائلين بوحدة الوجود. قال فيه ابن كثير:"اشتغل بعلم الأوائل والفلسفة فتولد من ذلك نوع من الإلحاد" أ. هـ. وأقواله أقبح وأكفر من أقوال ابن عربي، من كتبه:"كتاب اللهو"، "أسرار الحكمة المشرقية"، "النصيحة"، وله رسائل مطبوعة، وأتباعه يعرفون بالسبعينية، توفي سنة 669 هـ. البداية والنهاية 3/ 261، لسان الميزان 3/ 392، الأعلام 3/ 285، مجموع الفتاوى 2/ 131.
281 -
العفيف التلمساني: سليمان بن علي بن عبد الله بن علي الكوفي ثم التلمساني عفيف الدين أبو الربيع. شاعر له مشاركة في كثير من العلوم في النحو والأدب والفقه والأصول، وله في ذلك مصنفات، وهو من رؤوس القائلين بوحدة الوجود. وله من الأقوال في الضلال والزندقة ما لا يقوله مؤمن بالله واليوم الآخر. قال شيخ الإسلام رحمه الله بعدما ذكر ابن سبعين وابن عربي:"والتلمساني أعظمهم تحقيقًا لهذه الزندقة والاتحاد التي انفردوا بها، وأكفرهم بالله، وكتبه، ورسله، وشرائعه، واليوم الآخر .. لكن ما رأيت فيهم من كفر هذا الكفر الذي ما كفره أحد قط مثل التلمساني " أ. هـ ومشى مرة مع الشيرازي تلميذه فمرّا بكلب أجرب ميت فقال الشيرازي: هذا أيضًا من ذات الله؟ فقال: وثم خارج عنه؟ ومرّ التلمساني ومعه شخص بكلب، فركضه الآخر برجله، فقال: لا تركضه فإنه منه. من كتبه: شرح الفصوص، =
282 -
إلّا منَ الأغلاطِ فِي حِسٍّ وَفِي
…
وَهْمٍ وَتِلكَ طَبيعةُ الإنْسانِ
283 -
والكُلُّ شيءٌ واحدٌ فِي نفسِه
…
ما لِلتعدُّدِ فِيهِ مِنْ سُلطانِ
284 -
فَالضيفُ والمأكولُ شيءٌ واحدٌ
…
والوَهْمُ يَحسَبُ ههنا شيئانِ
285 -
وكذلكِ الموطوءُ عينُ الواطِ وَالْـ
…
ـوَهْمُ البعِيدُ يقولُ ذَانِ اثنانِ
= والعروض، وديوان شعر. البداية والنهاية 3/ 326، فوات الوفيات 2/ 72، وشذرات الذهب 5/ 412، والأعلام 3/ 130، مجموع الفتاوى 2/ 175، 309، 472.
283 -
ذهب التلمساني إلى أن الوجود كله شيء واحد في نفسه لا تكثر ولا تعدّد فيه أصلًا. وهذه الكثرة التي نراها بأعيننا أو نتخيلها في نفوسنا لا حقيقة لها، بل هي من أغلاط الحس الذي قد يرى الشيء الواحد كثيرًا، والوهم الذي قد يتخيل الصورة الواحدة صورًا متعددة. وذلك الغلط في الحس والوهم من طبيعة الإنسان. انظر شرح النونية - هراس 1/ 62، 63.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما التلمساني ونحوه فلا يفرّق بين ماهية ووجود ولا بين مطلق ومعين، بل عنده ما ثم سوى ولا غير بوجه من الوجوه، وإنما الكائنات أجزاء منه وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر وأجزاء البيت من البيت .. ولا ريب أن هذا القول هو أحذق في الكفر والزندقة". مجموع الفتاوى 2/ 169.
285 -
ط: "عين الوطء". وهو مخالف لما في جميع النسخ. ولعل ذلك للتخلص من الضرورة التي فيها. وهي تسهيل الهمزة في الواطئ ثم حذف الياء. (ص).
- قال ابن عربي: "فإن الله أحب من خلقه على صورته وأسجد له ملائكته .. فحبّب إليه ربه النساء كما أحبّ الله من هو على صورته فما وقع الحب إلا لمن تكون عنه، وقد كان حبه لمن تكون عنه وهو الحق .. ولما أحب الرجل المرأة طلب غاية الوصلة وهي النكاح، ولهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها ولذلك أمر بالاغتسال منه فعمّت الطهارة كما عمّ الفناء فيها عند حصول الشهوة فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فإذا شاهد الرجل =
286 -
وَلَرُبّما قالا مَقالَتَه كما
…
قد قالَ قولَهما بِلا فُرقانِ
287 -
وأبَى سِواهمْ ذَا وَقال مَظاهرٌ
…
تجْلُوه ذاتُ تُوَحُّدٍ ومثَانِ
288 -
فَالظاهِرُ المَجْلوُّ شيءٌ وَاحدٌ
…
لكنْ مَظَاهِرُه بِلا حُسْبانِ
= الحق في المرأة كان شهودًا في منفعل وإذا شاهده في نفسه .. شاهده في فاعل .. فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل
…
فمن أحب النساء على هذا الحد فهو حب إلهى ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية الخاصة .. غاب عنه روح المسألة، فلو علمها لعلم بمن التذ ومن التذ وكان كاملًا". الفصوص 433 - 438 باختصار.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ويذكر عن بعضهم أنه كان يأتي ابنه ويدعي أنه الله رب العالمين .. فقنح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطوءها الذي تفترشه" اهـ مجموع الفتاوى 2/ 378.
286 -
يعني: قال ابن عربي وابن سبعين مقالة التلمساني.
وذلك لأن هذه الأقوال الثلاثة جدّ متقاربة ومهما كان الفرق بينها فإنها مشتركة في القول بوحدة الوجود. قال شيخ الإسلام: "وأما ابن سبعين فتارة يجعله -أي الحق تبارك وتعالى بمنزلة المادة الجسمية .. وتارة يجعله الوجود المطلق الذي تتعاقب عليه الموجودات المعينات ويجعل الموجودات المعينة بمنزلة الماهيات وإن لم يجعلها ثابتة في العدم"، السبعينية ص 147، 152، وقد ذكر شيخ الإسلام قول التلمساني ونسبه إلى جميع القائلين بوحدة الوجود. انظر السبعينية ص 154.
288 -
بلا حسبان: أي كثيرة لا يحصرها عد. وهذا قول رابع للاتحادية، وهي أن هذه الموجودات إنما هي مظاهر وتجليات لشيء واحد، وهذه المظاهر ذات توحد أي انفراد وذات مثان أي تعدد. وقد أورد شيخ الإسلام هذا القول في معرض حكايته لأقوال أهل وحدة الوجود، ونسبه إلى الصدر الفخر الرومي وهو محمد بن إسحاق القونوي، من كبار تلامذة ابن عربي وأئمة الاتحادية. وقد تزوج ابن عربي أمه ورتاه. وبينه وبين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية. الأعلام 6/ 30. وهو يقول: "إن الله هو الوجود المطلق الذي =
289 -
هذي عباراتٌ لهمْ مضمونُها
…
ما ثَمَّ غَيرٌ قَطُّ في الأَعْيانِ
290 -
فَالقومُ مَا صَانوه عن إنْسٍ ولا
…
جِنٍّ ولا شَجَرٍ وَلَا حَيَوانِ
291 -
كلّا ولا عُلْوٍ وَلَا سُفْلٍ ولا
…
وَادٍ ولا جبلٍ وَلَا كُثْبانِ
292 -
كلَّا ولا طَعْمٍ وَلَا ريحٍ وَلَا
…
صَوتٍ وَلَا لونٍ من الألوانِ
293 -
لكنه المطعومُ والمَلموس وَالْـ
…
ـمَشمومُ وَالمسموعُ بالآذانِ
294 -
وكذاك قالوا إنه المنكوحُ وَالـ
…
ـمَذبوحُ بَلْ عينُ الغَوِيِّ الزاني
= لا يتعين ولا يتميز وأنه إذا تعين وتميز فهو الخلق سواء تعين في مرتبة الإلهية أو غيرها" مجموع الفتاوى 2/ 161، شرح النونية - هراس 1/ 142.
289 -
القائلون بوحدة الوجود وإن تنوعت عباراتهم واختلف ظاهر كلامهم فإن مقصودهم وحاصل كلامهم شيء واحد وهو أنه ما ثَمّ غير الله في هذا الوجود.
290 -
قال ابن عربي: "فيقال: هذا سماء وأرض وصخرة وشجر وحيوان وملك ورزق وطعام، والعين واحدة من كل شيء وفيه" الفصوص ص 354.
292 -
ب، د، ظ:"صوت ولا ريح"، وفي ح قدم هذا البيت على الذي قبله.
293 -
الملموس: في س: "الممسوس". وفي ح، ط:"الملبوس"، وهو تحريف.
294 -
قال ابن عربي: "ومن عرف ما قررناه .. علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه .. كل ذلك من عين واحدة لا بل هو العين الواحد وهو العيون الكثيرة، {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] والولد عين أبيه فما رأى يذبح سوى نفسه {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} [الصافات: 107] فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان" أ. هـ. فصوص الحكم ص 78 - 79.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله أثناء حكايته قولهم: "ويقولون ومن أسمائه العلي عن ماذا وما ثم إلا هو؟ وعلى ماذا وما ثم غيره؟ فالمسمى محدثات وهي العلية لذاتها وليست إلا هو، وما نكح سوى نفسه، وما ذبح سوى نفسه" أ. هـ مجموع الفتاوى 2/ 468. وانظر التعليق على البيت رقم 285.
295 -
والكفرُ عِندَهُمُ هُدًى وَلَوَ انَّهُ
…
دينُ المجُوسِ وعابدي الأوثانِ
296 -
قالوا وما عبدُوا سواهُ وإنَّما
…
ضلُّوا بِمَا خصُّوا منَ الأعْيانِ
297 -
وَلَوَ أنَّهم عَمُّوا وَقالُوا كلُّها
…
معبودَةٌ ما كان مِنْ كُفرانِ
295 - يرى أصحاب وحدة الوجود أن جميع أهل الملل على حقّ، حتى المجوس عبَدَة النار والمشركين عباد الأوثان والأصنام ليسوا كفارًا ولا ضلاّلًا، لأنهم حينما عبدوا النار والحجارة وغيرها ما عبدوا إلا الله، لأن الله يتجلى في صورة الحيوان وفي صورة النار وكل صورة، قال ابن عربي:
كنار موسى رآها عين حاجته
…
وهي الإله ولكن ليس يدريه الفصوص ص 419، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سياق كلامه على مذهب الاتحادية:"ومن كلماتهم ليس إلا الله، فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم، لأنه ما عندهم غير، ولهذا جعلوا قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] بمعنى حكم وقدر لا بمعنى أمر، إذ ليس عندهم غَيْرٌ له تتصور عبادته فكل عابد صنم إنما عبد الله" مجموع الفتاوى 2/ 124، 129، 467 وانظر مدارج السالكين 3:479.
297 -
يزعم أصحاب وحدة الوجود: أن الهدى والإيمان أن تعبد وتعظم كل شيء ولا تخصص منها شيئًا، وأنك إن خصصت منها شيئًا دون شيء وقعت في الضلال. قال شيخ الإسلام رحمه الله:"ولهذا حدثني الثقة أن ابن سبعين كان يريد الذهاب إلى الهند، وقال: إن أرض الإسلام لا تسعه لأن الهند مشركون يعبدون كل شيء حتى النبات والحيوان، وهذا حقيقة قول الاتحادية" الفتاوى 2/ 478، وقال في موضع آخر أثناء حكاية قولهم:"فإن النصارى إنما كفروا لأنهم خصصوا وإن عباد الأصنام ما أخطؤوا إلا من حيث اقتصارهم على عبادة بعض المظاهر والعارف يعبد كل شيء". مجموع الفتاوى 2/ 467 - 468.
وقال ابن القيم رحمه الله عند حكايته لمذهبهم: "والشرك عندهم وجود قديم وحادث وخالق ومخلوق ورب وعبد". المدارج 3/ 479.
298 -
فالكفرُ سَتْرُ حقيقةِ المَعبودِ بالتَّـ
…
ـخْصِيص عندَ مُحَقِّقٍ رَبَّاني
299 -
قالوا ولم يكُ كافِرًا في قولِه
…
أنا رَبُّكمْ فرعونُ ذو الطُّغيانِ
305 -
بل كان حقًّا قولُه إذْ كان عَيْـ
…
ـنُ الحق مضطَلِعًا بهذا الشانِ
301 -
ولذا غَدا تغْريقُه في البحرِ تَطـ
…
ـهيرًا من الأوهامِ والحُسْبانِ
298 - قال ابن عربي: "فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا الله فما عبد شيء لعينه إلا الله وإنما أخطأ المشرك حين نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق فشقي لذلك" أ. هـ الفتوحات المكية 1/ 405.
299 -
يشير إلى ما حكاه الله تعالى عن فرعون لما جاءه موسى عليه السلام رسولًا من عند الله وعرّفه بربه ودعاه إليه فكذب بالله وكفر وادعى الربوبية وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] وقال: {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] وقال لموسى: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29].
قال ابن عربي: "ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] أي: وإن كان الكل أربابًا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم. ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه وأقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقضِ ما أنت قاض فالدولة لك، فصحّ قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون". أ. هـ الفصوص ص 413 - 414، مجموع الفتاوى 2/ 113 ، 124، السبعينية لشيخ الإسلام 129.
300 -
"مضطلعًا": من اضطلع بالأمر: نهض به وقوي عليه. اللسان 8/ 228.
301 -
يقول ابن عربي أثناء كلام طويل في بيان صحة إيمان فرعون: " .. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به، فآمن بالذي آمن به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد، فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه ونجى بدنه كما قال تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 92] لأنه لو =
302 -
قالوا ولم يكُ منكِرًا مُوسَى لِما
…
عبدُوه مِن عِجْلٍ لَدى الخَوَرانِ
303 -
إلا على منْ كَانَ ليسَ بعابدٍ
…
معَهمْ وأَصبحَ ضَيِّقَ الأعْطانِ
304 -
ولذاكَ جرَّ بِلحيةِ الأخِ حيثُ لمْ
…
يكُ واسعًا في قومِهِ لِبِطَانِ
= غاب بصورته ربما قال قومه: احتجب، فظهر بالصورة المعهودة ميتًا ليعلم أنه هو، فقد عفته النجاة حسًا ومعنى، ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم أي يذوقوا العذاب الأخروي، فخرج فرعون من هذا الصنف" أ. هـ. فصوص الحكم 417 - 418.
302 -
كذا في ف "لدى" مضبوطًا بفتح الدال، وفي ظ أيضًا "لدى". وفي غيرهما:"لذي"، ولعله تصحيف.
الخوَران: يعني الخُوار، وهو صوت البقر. ولم أجد "الخوران" في المعجمات (ص).
- يشير إلى ما وقع من بني إسرائيل لما تركهم موسى عليه السلام أيامًا، واستخلف عليهم هارون عليه السلام، وذهب إلى لقاء ربه جلّ وعلا. وكان معهم من حلي المصريين شيء كبير، فعمد إليها السامري وصاغها عجلًا، ونصبه لهم، وكان العجل إذا مرّ به الهواء خرج له خوار، كما قال تعالى {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه: 88] فلما رجع موسى عليه السلام إليهم ورأى ما هم عليه من الشرك غضب من فعلهم فكان ما حكى الله تعالى عنه إذ قال سبحانه: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150] انظر تفسير ابن كثير 2/ 247، تفسير الطبري مجلد 6/ج 9/ 32، تفسير القرطبي 7/ 284.
303 -
ضيق العطَن كناية عن ضيق الصدر وقفة الاحتمال (ص).
304 -
يعني: لحية هارون عليه السلام، كما حكى تعالى أن هارون قال لموسى:{قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} [طه: 94].
البطان: الحزام الذي يلي البطن. يقال: رجل عريض البطان أي: رخي البال. اللسان 13/ 52، وهو هنا بمعنى واسع الصدر.
305 -
بل فَرَّقَ الإنكارُ منهُ بينهمْ
…
لمَّا سرَى في وَهْمه غَيْرانِ
306 -
ولقدْ رأى إبليسَ عارِفُهُمْ فأَهْـ
…
ـوَى بالسجودِ هُوِىَّ ذِي خُضْعانِ
307 -
قالوا له ماذا صنعتَ؟ فقالَ هل
…
غيرُ الإلهِ وأنتُما عَمِيَانِ
308 -
مَا ثَمَّ غَيْرٌ فاسجدُوا إن شئتمُ
…
لِلشمسِ والأصنامِ والشّيطانِ
305 - ف، ب: فهمه.
- يزعم أهل الاتحاد: أن موسى لام هارون عليهما السلام وجره بلحيته لأنه لم يتسع صدره لما فعله قومه وإنما أنكر عليهم، وقالوا: إن هارون أنكر على عباد العجل عبادتهم لأنه لم يصل إلى درجة العارفين التي وصل إليها موسى فيدرك أن الإله تجلى في هذا العجل، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا: قال ابن عربي بعدما ذكر ما وقع من موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه من إلقائه الألواح وجره للحية هارون: "فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه وإن الله قد قضى ألا يعبد إلا إياه، وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، فكان موسى يربي هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السن، ولذا لما قال هارون ما قال، رجع إلى السامري فقال: {فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ} [طه: 95] يعني: فيما صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص وقال له: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} [طه: 97] فسماه إلهًا بطريق التنبيه للتعليم لما علم أنه بعض المجالي الإلهية" أ. هـ. فصوص الحكم ص 360 - 362، مجموع الفتاوى 2/ 124، 468.
306 -
الخُضعان: مصدر خضع، كالخضوع. اللسان 8/ 72.
307 -
عَمِيانِ: تثنية "عَم" بمعنى الأعمى. وكذا وردت التثنية هنا للجماعة، وسيأتي مثله في البيت 1496 (ص).
308 -
هذا الساجد هو ابن عربي الذي يسمونه العارف والشيخ الأكبر، ذكر الشيطان في مجلسه فخرَّ ساجدًا، فقيل له في ذلك فقال: وهل ثمّ غير الله؟ شرح النونية - هراس 1/ 66، ابن عيسى 1/ 165.