المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في قدوم ركب آخر - نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌فصل في قدوم ركب آخر

‌فصلٌ في قدومِ ركبٍ آخرَ

351 -

وأَتَى فرِيقٌ ثم قاربَ وَصْفُهُ

هَذَا وَزَادَ عَلَيْه فِي الميزَانِ

352 -

قَالَ: اسْمَعُوا يَا قَوْمُ لَا تُلهيكُمُ

هَذِي الأمَانِي هُنَّ شَرُّ أمَانِي

353 -

أتعبْتُ رَاحِلَتِي وَكَلَّ مَطِيَّتِي

وبذلْتُ مَجهُودِي وقدْ أعْيَانِي

354 -

فتَّشْتُ فَوْقُ وتحتُ ثُمَّ أمَامَنَا

وَوَرَاءُ ثم يسَارُ مَعْ أَيْمَانِ

355 -

مَا دلَّنِي أحَدٌ عَلَيْهِ هُنَاكُمُ

كَلَّا وَلَا بَشَرٌ إِلَيْهِ هَدَانِي

356 -

إلا طَوَائِفُ بِالحَدِيث تَمسَّكَتْ

تُعزَى مذاهِبُهَا إلَى القُرْآنِ

= ذلك، وسبب لهدم أصول الإيمان والإسلام، وسبب لطرد إبليس ولعنه، وسبب لخروج آدم من الجنة، وسبب لكثير من الحوادث والحروب التي وقعت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.

ثم قال رحمه الله: "فقاتل الله التأويل الباطل وأهله، وأخذ حق دينه وكتابه ورسوله وأنصاره منهم، فماذا هدموا من معاقل الإسلام وهدوا من أركانه وقلعوا من قواعده؛ ولقد تركوه أرقّ من الثوب الخلق البالي الذي تطاولت عليه السنون وتوالت عليه الأهوية والرياح. لو بسطنا هذا الفصل وحده وما جناه التأويل على الأديان والشرائع وخراب العالم لقام فيه عدة أسفار" أ. هـ. الصواعق المرسلة 1/ 348 - 381، وقد عقد الناظم رحمه الله في هذه القصيدة فصلًا بعنوان "جناية التأويل على ما جاء به الرسول والفرق بين المردود والمقبول" وبين جناية التأويل على الإسلام والمسلمين.

352 -

يا قومُ: كذا ضبط في الأصل بالضم، وضبط في ف بالكسر.

353 -

كَلَّ: تعب وأعيا.

- ح، ط:"وكلت مهجتي" وهو تحريف.

355 -

يعني: أنه بحث في كل مكان وكل الجهات فلم يجد أحدًا يدله على إلهه إلا أهل الحديث، كما سيأتي في البيت بعده.

356 -

تعزى: تنسب.

ص: 131

357 -

قَالُوا: الَّذِي تَبْغيهِ فَوْقَ عِبَادِهِ

فَوقَ السَّمَاءِ وفَوقَ كُلِّ مَكَانِ

358 -

وَهُو الَّذِي حَقًا عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى

لكنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى الأكْوَانِ

359 -

وإِلَيْهِ يَصْعَدُ كُلُّ قَوْلٍ طيِّبٍ

وإِلَيْهِ يُرْفَعُ سَعْيُ ذِي الشُّكْرَانِ

360 -

والروحُ والأملَاكُ مِنْهُ تَنَزَّلَتْ

وإِلَيْهِ تَعْرُجُ عِنْدَ كُلِّ أوَانِ

361 -

وإِلَيْهِ أيدِي السَّائِلينَ توجَّهَتْ

نَحْوَ العُلُوِّ بفطْرَةِ الرَّحْمنِ

357 - قال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16] وانظر الأبيات: 1227 - 1239.

358 -

قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] وذكر سبحانه استواءه على عرشه صريحًا في سبع آيات من كتابه. وقول الناظم: "لكنه استولى على الأكوان" تعريض بالرد على من أوّل الاستواء بالاستيلاء بأن الاستيلاء عام لجميع المخلوقات أما الاستواء فخاص بالعرش. وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث العلو والرد على المعطلة، في فصل:"الإشارة إلى الطرق النقلية الدالة على أن الله سبحانه فوق سماواته على عرشه" الأبيات: 1113 - 1123.

359 -

دليله قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وانظر البيت: 1189 وما بعده.

360 -

دليله قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} [القدر: 4] وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4].

361 -

كما جاء عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا" رواه أبو داود، سنن أبي داود 2/ 78، كتاب الوتر، باب الدعاء، والترمذي وحسنه ج 9 /ص 544 / ح 3627 تحفة، وابن ماجه سنن ابن ماجه 2/ 349 أبواب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي، المستدرك ج 1 / ص 675 / ح 1830، كتاب الدعاء، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع ج 1 /ص 201 / ح 2066.

ص: 132

362 -

وإلَيْهِ قَدْ عَرَجَ الرسولُ فقُدِّرَتْ

مِن قُرْبِه مِنْ رَبِّهِ قَوْسَانِ

362 - وسيأتي مثله في البيت 1198. والمؤلف رحمه الله يشير إلى عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء في حادثة الإسراء والمعراج، وحديث الإسراء والمعراج أخرجه البخاري من حديث شريك بن عبد الله عن أنس بن مالك وفيه: "ثم علا به فوق ذلك مما لا يعلمه أحد إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله إليه فيما يوحى إليه .. " الحديث أخرجه البخاري 13/ ص 478 فتح، كتاب التوحيد، باب 37 ما جاء في قوله عز وجل:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].

وعبارة "دنا الجبار فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى" الواردة في الحديث هي من زيادة شريك بن عبد الله وهي من أوهامه التي تفرد بها.

قال ابن كثير: "شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه ". تفسير ابن كثير 4/ 247 - 253، وقد انتقد على شريك في هذا الحديث عشرة أشياء منها نسبته الدنو والتدلي إلى الله عر وجل، وقد حرر هذه المسألة بتوسع الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لهذا الحديث. فتح الباري 13/ 483 - 487، وانظر مدارج السالكين 3/ 300 فصل الاتصال.

أما قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 8، 9] فللعلماء في الضمير في قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)} قولان:

الأول: أن الضمير يعود إلى الرب عز وجل وأنه سبحانه هو الذي دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فتدلى فكان من النبي قاب قوسين أو أدنى، وذكره بعض المفسرين، وقد تقدم بيان ضعف استدلالهم بالحديث. تفسير الطبري مجلد 13/ 27/ 44، تفسير ابن كثير 4/ 247.

الثاني: أن الضمير يعود إلى جبريل عليه السلام لا على الله تعالى، وأن جبريل هو الذي دنا من النبي صلى الله عليه وسلم -وهو على صورته الحقيقية فكان منه قاب قوسين أو أدنى، ثم أوحى الله تعالى إليه بما أوحى، وهذا ما رجحه الناظم رحمه الله في كتابه "مدارج السالكين" ونصره من ستة عشر وجهًا، ورجحه =

ص: 133

363 -

وإِلَيْهِ قد رُفِعَ المسِيحُ حقِيقَةً

ولَسَوْفَ يَنْزِلُ كَيْ يُرَى بعِيَانِ

= في "زاد المعاد" وفي "التبيان في أقسام القرآن"، وهو الثابت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين وابن مسعود رضي الله عنهما.

البخاري 8/ 610 فتح، كتاب التفسير، باب {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} 8/ 606 باب تفسير سورة النجم، ومسلم 3/ 3 نووي باب معنى قول الله:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} 3/ 8 باب إثبات رؤية الله، وانظر مدارج السالكين لابن القيم 3/ 300 فصل الاتصال، زاد المعاد 3/ 38 مبحث الإسراء والمعراج، التبيان في أقسام القرآن:317.

363 -

دليل رفعه قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55].

وقوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 157، 158].

وقول الناظم: "حقيقة" للرد على من زعم أن الرفع كان لروحه وحدها وأن جسده مات ودفن، وهو زعم باطل وهو معتقد النصارى.

انظر مجموع الفتاوى 4/ 322 - 323، وقد تقدم الكلام على رفع عيسى عليه السلام ونقل كلام العلماء في ذلك في التعليق على مقدمة المؤلف.

أما دليل نزوله فما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عَدْلًا فيكسِر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الحرب ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها" ثم يقول أبو هريرة: "واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] متفق عليه.

البخاري 6/ 490 - 491، الفتح، كتاب أحاديث الأنبياء، باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام، مسلم 2/ 189 - 191 نووي باب نزول عيسى ابن مريم عليه السلام حاكمًا".

وفي حديث النواس بن سمعان الطويل في ذكر خروج الدجال ثم نزول=

ص: 134

364 -

وإِلَيهِ يَصْعَدُ روحُ كلِّ مُصَدِّقٍ

عِنْدَ الممَاتِ فينْثَنِي بأمَانِ

365 -

وإِلَيْهِ آمالُ العِبَادِ توجَّهَتْ

نَحْوَ العُلُوِّ بِلَا تَواصٍ ثانِ

366 -

بَلْ فِطْرَةُ اللهِ الَّتي لَمْ يُفْطَرُوا

إلا عَلَيْهَا الخَلْقُ وَالثَّقَلَانِ

= عيسى عليه السلام قال صلى الله عليه وسلم: "إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين" الحديث رواه مسلم 18/ 67 - 68 نووي، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال.

364 -

الفعلان: يصعد وينثني كلاهما مذكر في الأصل وف وظ. وفي غيرها بالتأنيث. و"الروح" يذكر ويؤنث. القاموس: 282. وانظر البيت 1201 (ص).

- يعني: أن روح المؤمن تصعد إلى الله تعالى ثم تنثني عائدة إلى جسده، ودليل ذلك ما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل في ذكر حال المؤمن والكافر عند الموت وبعده، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم عن روح المؤمن:"فإذا انتهى إلى العرش كتب كتابه في عليين فيقول الرب عز وجل: ردوا عبدي إلى مضجعه فإني وعدتُهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، فيرد إلى مضجعه" وسيأتي تخريجه تحت البيت 1735.

وانظر حديث أبي هريرة في عروج روح المؤمن إلى السماء تحت البيت 1201.

366 -

أي: أن قلوب الخلق بفطرتها تتجه إلى العلو عند الدعاء أو الاستغاثة بالله تعالى دون أن يدلّها أحد على ذلك، ويشهد لذلك ما ذكره الذهبي رحمه الله في كتابه "العلو" عن أبي جعفر الهمذاني قال: سمعت أبا المعالي الجويني وقد سئل عن قوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] فقال: كان الله ولا عرش وجعل يتخبط في الكلام فقلت: قد علمنا ما أشرت إليه فهل عندك للضرورات من حيلة؟ فقال: ما تريد بهذا القول وما تعني بهذه الإشارة؟ فقلت: ما قال عارف قط: يا رباه إلا قبل أن يتحرك لسانه قام من باطنه قصد لا =

ص: 135

367 -

ونظِيرُ هَذَا أنَّهُمْ فُطِرُوا عَلَى

إِقرَارِهِم لَا شَكَّ بالدَّيَّانِ

= يلتفت يمنة ولا يسرة يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة؟ فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت، وبكيت، وبكى الخلق. فضرب الأستاذ بكمّه على السرير وصاح: الحيرة، وخرق ما كان عليه وصارت قيامة في المسجد، ونزل ولم يجبني إلا: يا حبيبي .. الحيرة .. الحيرة، والدهشة .. الدهشة. فسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون: سمعناه يقول: حيرني الهمذاني. مختصر العلو للذهبي ص 276، وقال محققه الألباني: إسناد هذه القصة صحيح مسلسل بالحفاظ، مجموع الفتاوى 4/ 44، 61، نقض المنطق ص 52، والسير للذهبي 18/ 474 - 475 وانظر البيت: 1130 وما بعده.

تنبيه: قال شيخ الإسلام بعد حكايته لهذه الحادثة: "وإن كان -يعني الجويني- في آخر عمره رجع عن هذه العقيدة، ومات على دين أمه وعجائز نيسابور. نقض المنطق ص 52.

367 -

كما في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].

وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" متفق عليه، البخاري 3/ 219 /ح 1358 فتح، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، ومسلم 15/ 257 نووي، كتاب القدر، باب معنى كل مولود على الفطرة.

والفطرة في الآية والحديث هي: دين الإسلام، قال الإمام ابن القيم رحمه الله بعدما عرض الأقوال في الفطرة:"فقد تبين دلالة الكتاب والسنة والآثار واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له، وأن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها يجب حصول ذلك فيها لا يقف على وجود شرط بل على انتفاء المانع" أ. هـ. شفاء العليل ص 592، وانظر التفصيل في شفاء العليل ص 559 وما بعدها، ودرء تعارض العقل والنقل 8/ 359 - =

ص: 136

368 -

لَكِنْ أولُو التَّعْطِيلِ مِنهُمْ أصْبَحُوا

مَرْضَى بِدَاءِ الجَهْلِ وَالخِذْلَانِ

369 -

فَسَأَلتُ عنْهُم رُفقتي وأحبّتي

أصْحابَ جَهْمٍ حزبَ جِنْكِسْخَانِ

370 -

مَنْ هؤلاءِ وَمَنْ يقالُ لهمُ فقَدْ

جَاؤوا بأمرٍ مَالِئِ الآذانِ

371 -

وَلهمْ عَلَيْنَا صَولةٌ مَا صَالهَا

ذُو بَاطلٍ بَلْ صَاحبُ البُرْهَانِ

= 395، شرح الطحاوية 1/ 33 وما بعدها، وقد تقدم تعريف الفطرة وذكر الراجح في معناها ونقل كلام العلماء في ذلك في التعليق على البيت رقم 262.

369 -

جنكسخان ويقال: جنكيز خان: ملك التتار وسلطانهم الأول الذي خرّب البلاد وأفنى العباد، واستولى على الممالك. وأول ظهوره كان عام 599 هـ. وله شجاعة مفرطة، وعقل وافر، ودهاء ومكر. وقد وضع لشعبه كتابه "الياسا" فيه تشريعات وحدود من خالف شيئًا منها قتل. لم يكن يتقيد بدين الإسلام ولا بغيره وقتل المسلم عنده أهون من قتل البرغوث، غزا بلاد الإسلام عام 616 هـ وقتل من الخلق ما لا يحصيهم إلا الله حتى إنه كان يفني مدنًا بأكملها. هلك سنة 624 هـ.

السير 22: 243، البداية والنهاية لابن كثير 13/ 94 - 98، 127 - 130، الكامل في التاريخ لابن الأثير 12/ 137 - 153. ولعل الناظم رحمه الله جعل الجهم وأصحابه حزبًا لجنكسخان لأن جنكسخان لما دخل بلاد الإسلام الشام وغيرها كان أنصاره وأعوانه الذين سهلوا له الدخول هم أهل البدع من الجهمية والرافضة وغيرهم. منهاج السنة 6/ 372، 374. وسيأتي في كلام الناظم أيضًا إطلاق لفظة "المغول" على الجهمية في البيت 829.

370 -

كذا في جميع النسخ وط. والصواب -فيما يظهر لي- "ما يقال لهم" والله أعلم (ص).

- أي أن هذا الركب لما سمع قول أهل السنة بهر بقوة حجتهم ووضوح عبارتهم وصراحة دليلهم، فسأل أحبابه من الجهمية من هؤلاء فقد جاؤوا بأمر يملأ الآذان.

371 -

صال: وثب وسطا، والمصاولة: المواثبة. اللسان 11/ 387. =

ص: 137

372 -

أوَ مَا سمعْتمْ قَوْلَهمْ وَكَلامَهُم

مثلَ الصواعِقِ لَيْسَ ذَا لِجَبانِ

373 -

جَاؤوكُمُ مِنْ فوقِكُمْ وأتيتمُ

مِنْ تحتِهمْ مَا أنْتمُ سِيَّانِ

374 -

جَاؤوكُمُ بالوَحْيِ لكنْ جِئتمُ

بنُحَاتةِ الأفْكَارِ والأذْهَانِ

375 -

قَالُوا مُشَبَّهَةٌ مجَسِّمَةٌ فَلَا

تَسْمَعْ مَقَالَ مُجَسِّمٍ حَيَوَانِ

= - يعني: أن صاحب الباطل لا يجرؤ على إثبات حجته وتقوية عبارته كصاحب الحق والبرهان بل يغلبه الجبن والخور.

374 -

النحاتة: ما نحت أي نشر وقشر من الخشب، وهي البراية. اللسان 2/ 97 - 98، يعني: أن أهل الحق يسلكون في إثبات مذهبهم منهج الكتاب والسنة ويستدلون بالوحي المنزل، أما أهل الباطل فيعتمدون على عقولهم الناقصة ونحاتة أفكارهم ويأتون بكناسة الحجج والبراهين لإثبات مذاهبهم.

375 -

س: "مجسمة مشبهة"، وقد تقدم تعريف المشبهة والمجسمة في التعليق على المقدمة.

- هذا هو جواب أصحاب جهم وحزب جنكسخان لهذا الركب الذي سألهم عن أهل السنة والجماعة.

وقد تقدم أن أهل البدع يلمزون أهل السنة المثبتين للصفات على مراد الله ورسوله بألفاظ شنيعة تنفر الناس عنهم. وتقدم قول الناظم رحمه الله في المقدمة النثرية: "ولا نجحد صفات ربنا تبارك وتعالى لتسمية الجهمية والمعتزلة لنا مجسمة مشبهة حشوية".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كما يسمي نفاة الصفات لمثبتيها مشبهة ومجسمة حتى سموا جميع المثبتة للصفات مشبهة ومجسمة وحشوية" وقال أثناء كلامه عن حال أحد المعتزلة لما تاب ورجع إلى المذهب الحق: "فلما فتح الله تعالى عليه بذلك قال: والله ما الحق إلا فيما عليه هؤلاء الحشوية والمجسمة وكان هذا الشيخ الكبير إذا قيل له: من قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] فهو مجسم يقول: فخذ أني حينئذ مجسم". درء تعارض العقل والنقل 4/ 148، 7/ 432.

ص: 138

376 -

والْعَنْهُمُ لَعْنًا كَثيرًا واغْزُهُمْ

بعَسَاكِرِ التَّعْطِيلِ غيرَ جَبَانِ

377 -

واحْكُمْ بسَفْكِ دِمَائِهِمْ وبحَبْسِهِمْ

أَوْ لَا فَشَرِّدْهُمْ عَنِ الأوْطَانِ

378 -

حَذِّرْ صِحَابَكَ مِنْهُمُ فَهُمُ أضَلُّ م

مِنَ اليَهُودِ وعَابِدي الصُّلْبَانِ

379 -

واحذَرْ تُجَادِلَهُمْ بقَالَ اللهُ أوْ

قَالَ الرَّسُولُ فتنْثَنِي بهَوَانِ

380 -

أنَّى وَهُمْ أوْلَى بِهِ قدْ أنفَدُوا

فِيهِ قُوَى الأذْهَانِ والأبدَانِ

381 -

فَإِذَا بُلِيتَ بهِمْ فَغَالِطْهُمْ عَلَى التَّـ

ـأْويلِ للأَخْبَارِ وَالْقُرْآنِ

382 -

وَكَذَاكَ غالِطْهُمْ عَلَى التَّكذيِبِ لِلـ

آحَادِ ذَانِ لِصَحْبِنَا أَصْلَانِ

376 - ح، ط:"كبيرًا". أما الأصل فلم ينقط فيه الحرف الثاني.

380 -

ب، د، ط:"أنفذوا"، وهو تصحيف. وأنفدوا، أي: أفنَوا.

381 -

من الأصل وف. وفي غيرهما: "ابتليت".

يعني: إذا شرع أهل الحق والسنة في إقامة حججهم من الكتاب والسنة، ولم تجد لك مخلصًا ولا مفرًا فغالطهم ..

وتقدم التفصيل في معنى التأويل في التعليق على المقدمة.

382 -

أخبار الآحاد جمع خبر الواحد، وهو لغة: ما يرويه شخص واحد، واصطلاحًا: ما لم يجمع شروط المتواتر. انظر نزهة النظر ص 8، فتح الباري 13/ 233. الكفاية في علوم الرواية للخطيب البغدادي 16، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي ص 167.

يشير الناظم رحمه الله إلى أن أهل البدع قد أعدوا لدفع الاستدلال بالكتاب والسنة أصلين:

الأول: التأويل للآيات والأحاديث المتواترة.

والثاني: إن كانت الأحاديث آحادًا كذبوا بها وقالوا: إن دلالتها ظنية وليست قطعية.

وقد ذكر في مختصر الصواعق المرسلة ص 550 - 558 واحد وعشرون وجهًا للدلالة على أن خبر الواحد يفيد العلم اليقيني. وقد ردّ الناظم على قولهم برد خبر الآحاد في فصل "بيان بطلان قول الملحدين إن الاستدلال بكلام الله ورسوله لا يفيد العلم واليقين"، كما ردّ عليهم في =

ص: 139

383 -

أَوْصى بِهَا أَشْيَاخُنَا أشْيَاخَهُمْ

فَاحْفَظْهُمَا بيديْكَ والأسْنَانِ

384 -

وإذَا اجْتَمعْتَ وهُمْ بمشْهَدِ مجْلِسٍ

فابْدُرْ بإيرادٍ وشَغْلِ زَمَانِ

385 -

لَا يَمْلِكُوهُ عَلَيْكَ بالآثارِ والْـ

أَخْبَارِ والتَّفسِيرِ للفُرْقَانِ

386 -

فتَصِيرَ إِنْ وَافَقْتَ مِثْلَهُمُ وإنْ

عَارَضْتَ زِنْدِيقًا أَخَا كُفْرَانِ

387 -

وإذَا سَكَتَّ يُقَالُ هَذَا جَاهِلٌ

فَابْدُرْ وَلَوْ بالفَشْرِ والهذَيَانِ

388 -

هَذَا الَّذِي واللهِ أوْصَانَا بهِ

أشْيَاخُنَا فِي سالِفِ الأزمَانِ

389 -

فرجعْتُ من سَفَري وقلتُ لصَاحِبي

ومطيَّتي قَدْ آذنتْ بحِرَانِ

= قولهم بالتأويل في "فصل في جناية التأويل على ما جاء به الرسول والفرق بين المردود منه والمقبول" وسبق بيان خطر التأويل في حاشية البيت 349.

385 -

يعني: بادر بإيراد الاعتراضات والشبه على الدين، واشغل الوقتَ بذلك حتى لا يجدوا فرصة للقول والاحتجاج عليك بالآيات والأخبار.

- د، ط:"للقرآن".

386 -

الزنديق: فارسي معرّب. وقال أحمد بن يحيى: ليس في كلام العرب زنديق فإذا أرادت العرب معنى ما تقوله العامة قالوا: ملحد دهري.

والزندقة: النفاق، وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر، فالزنديق من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، فكل زنديق منافق وكذا العكس. وذكر الإمام الدارمي رحمه الله أن الزنديق شر من المنافق. انظر لسان العرب 10/ 147، شرح الطحاوية ص 358، الرد على الجهمية للدارمي ص 115 - 116.

387 -

الفشار: في القاموس 587: "الفُشار الذي تستعمله العامّة بمعنى الهذيان ليس من كلام العرب".

388 -

في طع:

"هذا الذي أوصى به أشياخنا

في سالف الأوقات والأزمان"

389 -

حرَنت الدابة تحرُن حِرانًا وحُرانًا فهي حَرُون، وهي التى إذا استُدِرَّ جريُها وقفت. خاصّ بذوات الحوافر. القاموس 1534.

ص: 140

390 -

عطِّلْ رِكَابَكَ واسترِحْ مِنْ سَيرِهَا

مَا ثَمَّ شيءٌ غَيْرُ ذِي الأكْوَانِ

391 -

لَوْ كَانَ للأكْوانِ رَبٌّ خَالِقٌ

كَانَ المجسِّمُ صَاحِبَ البُرْهَانِ

392 -

أوْ كَانَ رَبٌّ بائنٌ عَنْ ذا الوَرَى

كَانَ المجسِّمُ صاحِبَ الإيمَانِ

393 -

ولكَانَ عِنْدَ النَّاسِ أوْلَى الخَلْقِ بالْـ

إِسْلامِ والإيمَانِ والإحْسَانِ

394 -

ولكَانَ هَذَا الحزْبُ فَوْقَ رؤوسِهِمْ

لَمْ يخْتَلِفْ منهُمْ عَلَيْهِ اثْنَانِ

395 -

فدَعِ التَّكَالِيفَ الَّتي حُمِّلْتَهَا

واخلَعْ عِذَارَكَ وارْمِ بالأَرْسَانِ

390 - هذه محصلة سفر هذا الراكب الأحمق فإنه بعدما طوّف بأصحاب المذاهب وأعجبته مقالة أهل السنة والجماعة لولا ما وسوس به إليه صاحبه الجهمي، رجع من سفره إلى صاحبه وقال له: لا حاجة لك إلى البحث والتجوال فقد جئتك من سفري بالنبأ اليقين.

391 -

يعني: المثبت للصفات من أهل السنة. وتقدم أن المبتدعة ينبزون أهل السنة بالتجسيم. (انظر البيت 375).

394 -

يعني: أهل السنة والجماعة.

في هذه الأبيات يدلل هذا الخاسر على ما قرره من الجحود والإنكار، فيقول: لو كان للأكوان رب خالق لكالب مذهب المجسمة (ويعني بهم: أهل السنة والجماعة) هو أصح المذاهب وأقواها برهانًا وأولاها بالقبول، فإن القول بوجوده يقتضي القول بأنه بائن عن المخلوقات، أما القول بأنه في المخلوقات أو لا داخل العالم ولا خارجه .. إلخ فهذا كله من الهذيان والتناقض، وإذا صحّ أن مذهب المجسمة (يعني: أهل السنة) هو الموافق للعقل والنقل والبرهان استحق أن يكون المذهب الحقّ ويكون أهله فوق الخلائق دون منازع ولا مخالف.

395 -

العذار من اللجام: ما وقع منه على خدّي الدابّة. وقولهم: خلع عذاره أي: خرج عن الطاعة وانهمك في الغيّ. اللسان 4/ 549 - 550.

الأرسان: جمع رَسَن وهو الحبل الذي يقاد به البعير وغيره. اللسان 13/ 180.

ص: 141

396 -

مَا ثَمَّ فَوْقَ العَرْشِ مِن ربٍّ ولَمْ

يتكلّمِ الرَّحْمنُ بالقُرْآنِ

397 -

لَوْ كَانَ فَوْقَ العَرْشِ ربٌّ ناظِرٌ

لزِمَ التَّحَيُّزُ وافتقارُ مَكَانِ

397 - التحيّز: من الحَيِّز وهو الفراغ مطلقًا، سواء كان مساويًا لما يشغله أو زائدًا عليه أو ناقصًا عنه. وقيل الحيّز هو المكان. كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 298. وهذا اللفظ يستعمله الجهمية في نفي العلو عن الله تعالى فيقولون: إنه لو كان في السماء للزم أن يكون متحيزًا، وعند الرد عليهم لا ينبغي إطلاق نفي الحيز عن الله تعالى لأن لفظ الحيز من الألفاظ المجملة التي يراد بها معان متعددة ولا تثبت أو تنفى عن الله تعالى إلا بعد الاستفصال عن مراد مطلقها بها، فإن أراد بها معنى موافقًا للكتاب والسنة قُبل منه المعنى دون اللفظ وإن خالف رُدَّ اللفظ والمعنى.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "لفظ التحيز إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر بل قد وسع كرسيه السموات والأرض .. وإن أراد به أنه منحازٌ عن المخلوقات أي: مباين لها منفصل عنها ليس حالًا فيها فهو سبحانه كما قال أئمة أهل السنة: فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه". مجموع الفتاوى 3/ 42، وانظر مجموع الفتاوى 17/ 343 - 347، بيان تلبيس الجهمية 1/ 100، 104، أساس التقديس للرازي (الأشعري) ص 30 - 37، شرح الأصول الخمسة للهمذاني (المعتزلي) ص 112.

- قول هذا الجهمي إن إثبات أن الله في العلو يقتضي افتقاره إلى مكان يعني: أن الله تعالى لو كان في العلو على عرشه لكان معنى هذا أنه محتاج إلى مكان يكون فيه، وهذا نقص لا ينسب إلى الله ولفظ المكان كذلك كلفظ الحيز، قال العلامة نعمان الآلوسي:"وأما القائل الذي يقول: إن الله لا ينحصر في مكان إن أراد به أن الله لا ينحصر في جوف المخلوقات، وأنه لا يحتاج إلى شيء منها فقد أصاب، وإن أراد أن الله تعالى ليس فوق السماوات، ولا هو مستوٍ على العرش استواءً لائقًا بذاته وليس هناك إله يُعبد، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يعرج إلى ربه تعالى فهذا جهمي فرعوني معطل". جلاء العينين للعلامة نعمان الآلوسي ص 385، وانظر مجموع الفتاوى 4/ 58 - 59. والمراجع السابقة.

ص: 142

398 -

أو كَانَ ذَا القُرْآنُ عَيْنَ كَلَامِهِ

حَرْفًا وَصوْتًا كَانَ ذَا جُثْمَانِ

399 -

فَإِذَا انْتَفَى هَذَا وهَذَا مَا الَّذِي

يَبْقَى عَلَى ذَا النَّفْي مِنْ إِيمَانِ

400 -

فدَعِ الحَلَالَ مَعَ الحرَامِ لأهْلِهِ

فهُمَا السِّيَاجُ لَهُمْ عَلَى البُسْتَانِ

401 -

فاخْرِقْهُ ثم ادْخُلْ تَرَى في ضِمْنِهِ

قَدْ هُيِّئَتْ لَكَ سَائِرُ الأَلْوَانِ

402 -

وَتَرَى به مَا لَا يَرَاهُ محَجَّبٌ

مِنْ كلِّ مَا تَهْوَى بِهِ زَوْجَانِ

403 -

واقْطَعْ عَلائقَكَ الَّتي قَدْ قَيَّدتْ

هَذَا الوَرَى مُذْ سَالِفِ الأزْمَانِ

398 - "أوكان": كذا في الأصل، ف، ح. وفي غيرها:"لو كان"، وأشير إلى هذه النسخة في حاشية الأصل.

جُثمان: جسم. وهذا أيضًا من شبه الجهمية في نفي صفة الكلام عن الله تعالى، حيث زعموا: أن الكلام بحرف وصوت من خصائص الأجسام .. وسيأتي تفصيل هذه الشبهة والرد عليها في مبحث الكلام إن شاء الله. (انظر البيت: 829 وما بعده).

399 -

في الأصل: "ذي النفي".

- لا يزال الكلام موصولًا من الجهمي لصاحبه، حيث يقول له: إذا انتفت صفتا العلو والكلام لم يبقَ مع هذا النفي إيمان، وهو يريد بذلك أن يتوصل إلى إنكار الإله جلّ وعلا، كما سيأتي.

400 -

السياج: الحظيرة من الشجر تجعل حول الكرم والبستان، ويقال: حظر كرمه بالسياج وهو أن يسيج حائطه بالشوك لئلا يتسور. اللسان 2/ 303.

- يعني بالبستان: ملذات الدنيا المحرمة.

402 -

ط: "وترى بها".

- يعني بالمحجّب: المتقيد بشرع الله تعالى في الحلال والحرام.

403 -

علائق: جمع علاقة -بفتح العين- وهي ما تعلق به الرجل أو نيل منه به. اللسان" 1/ 265.

"مذ": كذا في الأصل، ف، د. وفي غيرها:"من".

ص: 143

404 -

لِتَصِيرَ حُرًّا لَسْتَ تَحْتَ أوَامِرٍ

كَلَّا وَلَا نَهْيٍ وَلَا فُرْقَانِ

405 -

لَكِنْ جَعَلتَ حِجَابَ نَفْسِكَ إِذْ تَرَى

فَوْقَ السَّمَا للنَّاسِ مِنْ دَيَّانِ

406 -

لَوْ قُلْتَ مَا فَوْقَ السَّماءِ مدبِّرٌ

والعَرْشَ تُخْلِيهِ مِنَ الرَّحْمنِ

407 -

واللهُ لَيْسَ مُكلِّمًا لِعِبَادِهِ

كَلَّا وَلَا مُتكلِّمًا بِقُرَانِ

408 -

مَا قَالَ قَطُّ وَلَا يَقولُ ولَا لَهُ

قَوْلٌ بَدَا مِنْهُ إِلَى إنسَانِ

409 -

لَحَلَلْتَ طِلِّسْمًا وفُزْتَ بكَنْزِهِ

وعَلِمتَ أن النَّاسَ فِي هَذَيَانِ

404 - يعني: لا تنظر إلى حدود الأمر والنهي التي حدّها لك الله تعالى، بمثل قوله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] بل جاوز هذه الحدود وتعدّها وحرر نفسك من قيود الأمر والنهي وكن تبع هواك فما اشتهيت فافعله وما لم تشتهِ فاتركه.

408 -

تنكر الجهمية والمعتزلة وغيرهم من أهل البدع صفتي الكلام والفوقية لله تعالى ولا يثبتونهما له، وسيأتي تفصيل ذلك كله في مبحث الكلام والعلو إن شاء الله.

409 -

ط: "طلسمه". الطلسم: بفتح الطاء وكسر اللام المخففة، وقيل بكسر الطاء واللام المشددة، وضبطه الزبيدي كسِبَطْر، قال:"وشدد شيخنا اللامَ". وضبط في ف بفتح الطاء واللام المشدّدة، وهو في الأصل: خطوط أو كتابة يستعملها الساحر ويزعم أنه يدفع بها كل مؤذ، والطلسم: هو السر والعقد الذي لا ينحل، وهي كلمة يونانية معرّبة. انظر مفتاح السعادة لطاش كبري زاده 1/ 316، كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 937، تاج العروس 8/ 381.

والمراد: أن هذا الخاسر يقول لصاحبه: إنك إذا قلت: ليس فوق السماء إله يحاسب الناس، ولا على العرش رحمن، ولا للخلق مدبر، ونفيت الكلام منه بجميع صوره، تكون قد اكتشفت السر الذي عجز عنه الكثيرون وفزت بالكنز الذي حرمه الكثيرون، وعلمت أن ما يقوله الناس من المثبتة وغيرهم في هذا الباب تخليط وهذيان. وهذا ظن طوائف المبتدعة وأهل الكلام، وشأن كل من أعرض عن هدي الكتاب والسنة، واعتمد على فكره القاصر وعقله السفيه في تقرير مسائل الشريعة، بل في الحكم على الرب جل جلاله =

ص: 144

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وما يجوز له وما يمتنع عليه. والمصيبة العظمى أن هذا السفيه يظن أنه بعقله وفكره وما يستعمله من مقدمات ونتائج يتوصل إلى ما لم يصل إليه الأوائل السابقون من سلف الأمة وأئمتها، فهو من {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف: 104]، ولقد أحاط الله تعالى أكثر هؤلاء بالخسران في الدنيا قبل الآخرة، فزلّت بهم الأقدام، وضلّت الأفهام، وتردوا في مهاوي الضلال على رؤوس الأنام، وذلك أنهم عظموا علم الكلام، وظنوا أنهم به يحلون الطلاسم ويفوزون بالكنوز.

ويكفي دلالة على ضلالهم وسوء حالهم أن أحدهم يتكلم الكلام الطويل في تقرير مسألة أو جواب خصم ثم لا يستشهد في كلامه بآية ولا حديث وإنما يدور كلامه على الهيولى والصورة والعرض والجوهر .. وقرر أرسطو وخالفه إفلاطون وقال سقراط!! ويرى نفسه بذلك من خاصة الخاصة، ويدع كلام الله ورسوله للعوام.

وعامة عقلاء هؤلاء إذا وصلوا إلى منتهاه من علم الكلام والبحث والنظر وحل ما يسميه بالطلاسم لم يملكوا إلا الرجوع إلى هدي الكتاب والسنة والوقوف عند حدود الله.

كما قال أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ): "ولم يكن علم الكلام في حقي كافيًا، ولا لدائي الذي كنت أشكو منه شافيًا، ولم يكن في كتب المتكلمين إلا كلمات معقدة مبددة، ظاهرة التناقض والفساد". المنقذ من الضلال للغزالي ص 15 - 17.

ومن كبار المتكلمين أيضًا الفخر الرازي (ت 606 هـ) الذي زلّ في مهاوي التأويل والتعطيل، حتى إنه قال في تقديمه لكتابه "أساس التقديس" ص 9: "الحمد لله .. المتعالي عن شوائب التشبيه والتعطيل، صفاته وأسماؤه، فاستواؤه: قهره واستيلاؤه، ونزوله: بره وعطاؤه، ومجيئه: حكمه وقضاؤه، ووجهه: جوده وحباؤه، وعينه: حفظه واجتباؤه، وضحكه: عفوه أو إذنه وارتضاؤه، ويده: إنعامه

" إلخ ما قال من التأويل والتعطيل، وكتبه مليئة بما هو أطم من هذا وأعظم، وقد قال عند موته: "لقد تأملت الطرق =

ص: 145

410 -

لَكِنْ زَعَمْتَ بأنَّ رَبَّكَ بائِنٌ

مِنْ خَلْقِهِ إذْ قُلْتَ مَوْجُودَانِ

411 -

وزَعمْتَ أنَّ اللهَ فوقَ العَرْشِ والْـ

ـكُرْسِيَّ حقًّا فوقَهُ القَدَمَانِ

412 -

وزعمْتَ أنَّ اللهَ يسْمَعُ خلقَهُ

ويراهُمُ مِنْ فَوْقِ سَبعِ ثَمانِ

= الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا .. إلى أن قال: .. ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي" سير أعلام النبلاء 21/ 501، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 37.

وجاء مثل ذلك أيضًا عن الجويني والشهرستاني وغيرهما من المتكلمين. فتبين من هذا أن وصية هذا الزنديق المتحلل (الذي ذكره الناظم في الأبيات) لصاحبه بخلع ربقة الدين وإنكار الصفات من أجل أن تنحل له الطلاسم ويفوز بالكنوز وصية باطلة خاسرة.

410 -

هذا حق فإنّ الله تعالى فوق عرشه بائن من خلقه غير مختلط بهم ولا حالّ في شيء منهم، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث العلو إن شاء الله.

411 -

وهذا حق دليله قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5].

- وقد تقدم تعريف العرش. (حاشية البيت رقم 41).

- تقدم تعريف الكرسي وأنه موضع قدمي الرب تعالى. (حاشية البيت رقم 89).

412 -

وهذا حق، فإن الله تعالى يسمع ويرى كل شيء سبحانه ولا تخفى عليه خافية. ويدل على هذا أدلة كثيرة منها قوله تعالى:{لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: 26] أي: ما أبصره لكل موجود وأسمعه لكل مسموع لا يخفى عليه شيء من ذلك. تفسير الطبري 9/ 232، تفسير القرطبي 10/ 388.

"سبع ثمان": كذا في النسخ الخمس المعتمدة وس، طت، طه. وفي ح، طع:"ست ثمان"، وهو الذي جاء في بيت شبيه بهذا البيت برقم 523 وآخر برقم 4723 (ص). قوله "سبع ثمان": أي يرى عباده وبينه وبينهم سبع سموات بل ثمان إذا حسب معها العرش فإن الله تعالى فوقه.

ص: 146

413 -

وزعمْتَ أنَّ كَلَامَهُ منْهُ بَدَا

وإِلَيْهِ يَرْجِعُ آخرَ الأزْمَانِ

414 -

ووصَفتَهُ بالسَّمْعِ والْبصَرِ الَّذِي

لَا يَنْبِغي إلَّا لِذِي الجُثْمَانِ

415 -

ووصَفْتَهُ بإرادةٍ وبقدْرَةٍ

وكراهَةٍ ومحَبَّةٍ وحَنَانِ

413 - قوله "منه بدا": قال شيخ الإسلام رحمه الله: "معنى قول السلف: منه بدأ، قال أحمد بن حنبل رحمه الله: منه بدأ أي هو المتكلم به، فإن الذين قالوا إنّه مخلوق قالوا: خلقه في غيره، فبدأ من ذلك المخلوق، فقال السلف: منه بدأ أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره فيكون كلامًا لذلك المحل الذي خلقه فيه". مجموع الفتاوى 12/ 40.

قوله "وإليه يرجع": وهذا حق، لحديث حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية" الحديث رواه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب ذهاب القرآن والعلم، 2/ 4098، وقال البوصيري في الزوائد 3/ 254: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وصحح الحديث الألباني كما في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 3272، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لينزعن القرآن من بين أظهركم يسرى عليه ليلًا فيذهب من أجواف الرجال، فلا يبقى في الأرض منه شيء، رواه الطبراني وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل وهو ثقة. مجمع الزوائد 7/ 329 - 330.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في بيان معنى قول السلف: "وإليه يعود": "يسرى به في آخر الزمان من المصاحف والصدور فلا يبقى في الصدور منه كلمة ولا في المصاحف منه حرف" مجموع الفتاوى 3/ 98 - 199، 12/ 274.

414 -

السمع والبصر ثابتان لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه، قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وقد تقدم الكلام على هذه الشبهة (حاشية البيت 398).

415 -

صفة الإرادة بنوعيها: الكونية والشرعية ثابتة لله تعالى بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26] وقوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ =

ص: 147

416 -

وزعمْتَ أنَ اللَّهَ يعْلَمُ كُلَّ مَا

فِي الكَوْنِ مِنْ سِرٍّ ومِنْ إعْلَانِ

417 -

والعِلْمُ وصْفٌ زائِدٌ عنْ ذَاتِهِ

عَرَضٌ يَقُومُ بغَيرِ ذِي جُثْمَانِ

= عَلَيْكُمْ} [النساء: 27] وقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82] وراجع في تفصيل نوعي الإرادة حاشية البيت 253.

- صفة القدرة ثابتة لله تعالى بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 148] وقوله: {وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 7].

- صفة الكره ثابتة لله تعالى بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46].

- صفة المحبة ثابتة لله تعالى بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205].

- في طع قدم هذا البيت على الذي قبله، وقد تقدم أن معنى الحنان في اللغة الرحمة والله تعالى موصوف بالرحمة الواسعة. (حاشية البيت 44).

416 -

وهذا حقّ، دليله قوله تعالى:{فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)} [يس: 76] وقوله: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [النحل: 23] وقوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام: 59].

417 -

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الصف صلى الله عليه وسلم هل هي زائدة على الذات أم لا؟ وحقيقة الأمر أن الذات إن أريد بها الذات الموجودة في الخارج فتلك مستلزمة لصفاتها، يمتنع وجودها بدون تلك الصفات. وإذا قدر عدم اللازم لزم عدم الملزوم، فلا يمكن فرض الذات الموجودة في الخارج منفكة عن لوازمها، حتى يقال: هي زائدة أو ليس زائدة، لكن يقدر ذلك تقديرًا في الذهن وهو القسم الثاني. فإذا أريد بالذات ما يقدر في النفس مجردًا عن الصفات فلا ريب أن الصفات زائدة على هذه الذات المقدرة في النفس. ومن قال من متكلمة أهل السنة: إن الصفات =

ص: 148

418 -

وزعمْتَ أنَّ اللهَ كلَّم عبْدَهُ

موسَى فأسْمَعَهُ نِدَا الرَّحْمنِ

419 -

أفتَسمَع الأُذنُانِ غيرَ الحرْفِ والـ

ـصَّوتِ الَّذِي خُصَّتْ بِهِ الأُذُنانِ

420 -

وكذَا الندَاءُ فإنَّهُ صَوْتٌ بإجْـ

ـماعِ النُّحَاةِ وأهْلِ كلِّ لِسَانِ

421 -

لَكِنَّهُ صَوْتٌ رَفِيعٌ وَهْوَ ضِدٌّ م

للنِّجَاءِ كِلَاهُمَا صوْتَانِ

= زائدة على الذات فتحقيق قوله أنها زائدة على ما أثبته المنازعون من الذات فإنهم أثبتوا ذاتًا مجردة عن الصفات ونحن نثبت صفاتها زائدة على ما أثبتوه هم، لا أنا نجعل في الخارج ذاتًا قائمة بنفسها ونجعل الصفات زائدة عليها، فإن الحي الذي يمتنع أن لا يكون إلا حيًا كيف تكون له ذات مجردة عن الحياة".

درء التعارض 3/ 20 - 21، وانظر شرح الطحاوية 1/ 98 وما بعدها.

- العرض هو الوصف وقد تقدم تعريفه (حاشية البيت رقم 90).

والمراد: أن هؤلاء النفاة لما قرروا أن الصفات لا تقوم إلا بالأجسام نفوا الصفات عن الله تعالى حتى لا يشبهوه بالأجسام، فقال لهم أهل السنة: إن هذا التقييد غير لازم إذ إن غير الأجسام قد تقوم به الأعراض (الصفات) فقال هؤلاء -كما ذكر الناظم-: إن هذا تناقض فكيف تقوم به الأعراض وهو ليس بجثمان؟ وسيأتي الردُّ مفصلًا في البيت: 1066 وما بعده.

418 -

وهذا حقّ، دليله قوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143]، وقوله:{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [الشعراء: 10].

419 -

د، ح، ط:"أفتسمع الآذان".

- كلام الله تعالى بحرف وصوت مسموع، وسيأتي تفصيل ذلك. (انظر حاشية البيت 442، والبيت 686 وما بعده).

420 -

في اللسان: النداء: الدعاء بأرفع الصوت، وقد ناديتَه نداء، وفلان أندى صوتًا من فلان أي أبعد مذهبًا وأرفع صوتًا. (15/ 315 - 316) وهو ممدود، وقد سبق في البيت 418 مقصورًا للضرورة.

421 -

النِّجاء بكسر النون: السرّ، يقال ناجى الرجل مناجاة ونجاء: سارَّه، وتناجى القوم: تسارّوا. اللسان 14/ 308.

ص: 149

422 -

فزَعَمْتَ أنَ الله نَادَاه وَنَا

جَاهُ وَفِي ذَا الزَّعْمِ مَحْذُورَانِ

423 -

قُربُ المكَانِ وبُعْدُه والصَّوتُ بَلْ

نَوْعَاهُ مَحْذُورَانِ مُمتَنِعَانِ

424 -

وَزعمْتَ أنَّ محمّدًا أسْرَى بِهِ

لَيْلًا إِلَيْهِ فهْوَ مِنْهُ دَانِ

422 - وهذا حقّ، دليله قوله تعالى عن موسى:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)} [مريم: 52] وقوله: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)} [طه: 11 - 13] وثبت النداء لغير موسى عليه السلام كما في قوله تعالى عن آدم وحواء: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: 22]. قال شيخ الإسلام رحمه الله بعدما أورد الآيات التي فيها نداء الله لموسى عليه السلام ولغيره: "والنداء في لغة العرب هو صوت رفيع، لا يطلق النداء على ما ليس بصوت لا حقيقة ولا مجازًا" مجموع الفتاوى 6/ 531.

423 -

نوعا الصوت: يعني النداء والنجاء. ويزعم أهل الباع: أن إثبات الكلام لله تعالى بالنداء والنجاء فيه محذوران:

الأول: قرب المكان وبُعده أي: قرب العبد الحسي من الرب للنجاء وبُعده عنه للنداء، وذلك يستلزم التجسيم بزعمهم.

الثاني: إثبات الصوت لله تعالى. وسيأتي مناقشة هذين المحذورين في البيت: 678 وما بعده.

424 -

"أسرَى": كذا ضبط في ف بفتح الهمزة مبنيًا للمعلوم يعني: أسرى به اللهُ. وهذا حقّ، دليله قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء: 1].

وحديث الإسراء الطويل هو من رواية أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن ليلة أسري به فقال: "بينا أنما في الحطيم" وذكر الحديث وفيه: "ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يقع خَطوه عند أتصى طرفه قال: فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا فاستفتح" ثم ذكر صلى الله عليه وسلم صعوده في السموات حتى بلغ السماء =

ص: 150

425 -

وَزعمْتَ أنَّ محمَّدًا يَوْمَ اللِّقَا

يُدْنِيهِ رَبُّ العَرْشِ بالرِّضْوَانِ

426 -

حَتَى يُرَى المُخْتَارُ حقًّا قَاعدًا

مَعَه عَلَى العَرْش الرَّفِيعِ الشَّانِ

= السابعة، ثم قال:"ثم رفعت الى سدرة المنتهى ثم رفع لي البيت المعمور". وفي رواية مسلم: "ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام" متفق عليه. البخاري ج 6/ 302 فتح، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ومسلم 2/ 217 نووي، كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض الصلوات.

426 -

مسألة جلوس نبينا على العرش جاء فيها:

أ - ما أخرجه الذهبي عن ابن عباس في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قال: يقعده على العرش. قال الذهبي: إسناده ساقط، وهذا مشهور من قول مجاهد ويروى مرفوعًا وهو باطل. أ. هـ العلو للذهبي ص 99.

ب - ما أخرجه الطبري في تفسيره قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي حدثنا ابن فضيل عن ليث عن مجاهد قال في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قال: يجلسه معه على العرش. أخرجه الطبري في التفسير، مجلد 145/ 15/9 والخلال في السنة 1/ 213 أثر 241، كلاهما من طريق ابن فضيل عن الليث عن مجاهد به، وابن فضيل هو: محمد بن فضيل بن غزوان صدوق عارف رمي بالتشيع، من التاسعة، تقريب التهذيب ص 502 ترجمة /6227. والليث هو ابن أبي سليم بن زنيم واسم أبيه أيمن وقيل غير ذلك، صدوق اختلط أخيرًا ولم يتميز حديثه فترك. تقريب التهذيب ص 464 /ترجمة 5685. وذكر الذهبي عن الإمام أحمد عند ترجمة محمد بن مصعب العابد أن قعود النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت فيه نص حيث قال: ذكر الإمام أحمد ابن مصعب فقال: كتبت عنه وأي رجل هو، أما قضية قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص بل في الباب حديث واه، العلو ص 124. وقال ابن عبد البر: مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما هذا، والثاني في تأويل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23]، قال: تنتظر الثواب. نقله الشوكاني في فتح القدير=

ص: 151

427 -

وَزَعمْتَ أنَّ لعرْشِهِ أَطًّا بهِ

كالرَّحْلِ أطَّ براكبٍ عَجْلَانِ

= 3/ 255، والقرطبي في تفسيره 10/ 311. وقال شيخ الإسلام أثناء كلامه على تفاضل عباد الله تعالى:"إذا تبين هذا فقد حدث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون: أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه، روى ذلك محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في تفسير: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال ابن جرير (لا يزال الكلام لشيخ الإسلام): وهذا ليس مناقضًا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدّعيه، لا يقول إن إجلاسه على العرش منكر- وإنما أنكره بعض الجهمية، ولا ذكره في تفسير الآية منكر" أ. هـ مجموع الفتاوى 4/ 374، وقال ابن جرير أيضًا: وما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدًا صلى الله عليه وسلم على عرشه قول غير مدفوع صحته لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ولا عن التابعين بإحالة ذلك" اهـ. تفسير الطبري مجلد 9/ 15/ 147 وانظر فتح الباري 11/ 426 - 427، الدر المنثور للسيوطي 4/ 358.

وقال ابن القيم رحمه الله لما ذكر مسألة إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش: "صنف المروزي كتابًا في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش" ثم ذكر ابن القيم من قال به من السلف، ثم قال: "قلت (أي ابن القيم) وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه:

حديث الشفاعة عن أحمد

إلى أحمد المصطفى مسنده

وجاء حديث بإقعاده

على العرش أيضًا فلا نجحده

أمِرُّوا الحديث على وجهه

ولا تدخلوا فيه ما يفسده

ولا تنكروا أنه قاعد

ولا تنكروا أنه يقعده

بدائع الفوائد 4/ 39 - 40 [وانظر ما سيأتي عند البيت: 1758].

427 -

الأطيط: صوت الرحل والإبل من ثقل أحمالها. اللسان 7/ 256 ومسألة أطيط العرش بالرحمن جل جلاله ورد فيها نصوص، ومما جاء فيها:

أ - حديث عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة =

ص: 152

428 -

وَزَعمْتَ أنَّ اللهَ أبْدَى بَعْضَهُ

لِلطُّور حَتَّى عَادَ كَالكُثْبَانِ

= أتت النبي فقالت: ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة، فقال: فعظم الرب تبارك وتعالى وقال: "إن عرشه فوق سبع سموات وإن له لأطيطًا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله". الحديث أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/ ص 251/ ح 574 وابن خزيمة في التوحيد 1/ ص 245/ ح 150، والضياء المقدسي في المختارة 1/ 59 كلهم من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق يوسف بن إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر به. وعبد الله بن خليفة هو الهمذاني الكوفي لم يوثقه غير ابن حبان، وقال الحافظ ابن كثير في التفسير 1/ 310: ليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر وقال الذهبي:"لا يكاد يعرف"، الميزان 2/ 414. وقال ابن الجوزي في العلل ج 1/ 5 بعد سياقه لهذا الحديث: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده مضطرب جدًا وعبد الله بن خليفة ليس من الصحابة فتارة يرويه ابن خليفة عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة يوقفه على عمر وتارة يوقف على ابن خليفة، والحديث قال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ ص 257: منكر.

ب - حديث جبير بن مطعم عن أبيه عن جده: أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس وضاع العيال وهلكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويحك أتدري ما تقول؟ "فسبّح رسول الله فما زال يسبّح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال:"ويلك لا يستشفع بالله على أحد من خلفه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إن عرشه على سماواته وأرضيه هكذا" وقال بأصابعه مثل القبة -وصف ذلك وهب وأمال كفه وأصابعه اليمنى وقال هكذا- "وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب".

الحديث أخرجه أبو داود 4/ ص 232/ ح 4726، والآجري في الشريعة ص 293 واللالكائي ج 3/ ص 394/ح 656 وابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 56، وابن أبي عاصم في السنة 1/ ص 252 / ح 575. وفي سنده محمد بن=

ص: 153

429 -

لمَّا تَجَلَّى يَوْمَ تَكْلِيمِ الرِّضا

مُوسَى الكَلِيمِ مُكلَّمِ الرَّحْمنِ

= إسحاق وهو مدلس لم يصرح بالسماع، التهذيب 9/ 38 قال الذهبي في العلو ص 23 عن هذا الحديث:"هذا حديث غريب جدًّا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا؟ وقال ابن كثير بعد كلامه على تضعيف حديث عبد الله بن خليفة عن عمر -السابق-: "وأغرب منه حديث جبير بن مطعم في صفة العرش كما رواه أبو داود" تفسير ابن كثير 1/ 310، وقال الألباني: "إسناده ضعيف ورجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس ومثله لا يحتج به إلا إذا صرح بالتحديث"، السنة لابن أبي عاصم تحقيق الألباني ج 1/ ص 252/ح 575. وللحافظ ابن عساكر جزء في تضعيف هذا الحديث اسمه: "تبيان الوهم والتخليط فيما أخرجه أبو داود من حديث الأطيط". ولأبي الحسن بن الزاغوني جزء في تصحيحه، ذكر ذلك ابن رجب في ترجمة ابن الزاغوني في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 181.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعدما أورد بعض أحاديث أطيط العرش: "حديث عبد الله بن خليفة المشهور .. طائفة من أهل الحديث ترده لاضطرابه كابن الجوزي .. لكن أكثر أهل السنة قبلوه .. ولفظ الأطيط قد جاء في حديث جبير بن مطعم، وابن عساكر عمل فيه جزءًا وجعل عمدة الطعن في ابن إسحاق، والحديث قد رواه علماء السنة كأحمد وأبي داود وغيرهما وليس منه إلا ما له شاهد من رواية أخرى ولفظ الأطيط جاء في غيره. مجموع الفتاوى 16/ 434 - 439 باختصار. ويحسن هنا أن ننقل كلامًا للذهبي رحمه الله في كتابه العلو ص 23 حيث قال: "الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل" [وانظر ما يأتي تحت البيت 1720].

429 -

مكلم: اللام هنا يجوز فيها وجهان

الأول: كسر اللام مع تشديدها بمعنى: أن موسى عليه السلام كلم ربه تعالى.

الثاني: فتح اللام مع تشديدها بمعنى: أن الله تعالى كلّم موسى عليه السلام. وهكذا ضبط في ف. =

ص: 154

430 -

وَزَعمْتَ لِلمعْبُود وَجْهًا بَاقِيًا

ولَهُ يَمِينٌ بَلْ زعمْتَ يَدَانِ

= - وهذا حقّ. دليله قوله تعالى عن موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] أي أصبح مدكوكًا ترابًا بعد أن كان جبلًا عظيمًا متماسكًا، انظر تفسير ابن كثير 2/ 244، تفسير القرطبي 5/ 278. وقال ابن القيم:"القوة البشرية في هذه الدار لا تثبت لرؤيته ومشاهدته عيانًا لصيرورة الجبل دكًا عند تجلّي ربه سبحانه أدنى تجلٍّ" أ. هـ مدارج السالكين 3/ 99.

430 -

وهذا حقّ. دليله قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} [الرحمن: 26، 27] وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] وغيرها من الآيات.

وثبتت هذه الصفة في السنة أيضًا كما في حديث جابر رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك" قال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك الكريم" قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] "هاتان أهون وأيسر" رواه البخاري ج 8/ 191 فتح، كتاب التفسير، تفسير سورة الأنعام باب قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65].

- قوله: "وله يمين

": وهذا حقّ. دليله قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ومن السنة ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" رواه مسلم 12/ 211 نووي كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل.

وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم بيده =

ص: 155

431 -

وَزَعمْتَ أنَّ يَدَيْهِ لِلسَّبْع العُلَى

والأَرْضِ يَوْمَ الحَشْرِ قَابِضَتَانِ

432 -

وَزَعمْتَ أنَّ يَمِيِنَه ملأى مِن الْـ

ـخَيْرَات مَا غَاضَتْ عَلَى الأزْمَانِ

433 -

وَزَعمْتَ أنَّ العَدْلَ فِي الأخْرَى بِهَا

رَفْعٌ وخَفْضٌ وَهْوَ بِالميزَانِ

434 -

وَزَعمْتَ أنَّ الخَلْقَ طُرًّا عِنْدَما

يهْتزُّ فَوْقَ أصَابِعِ الرَّحْمنِ

= خبزته في السفر" رواه البخاري ج 11/ ص 372 فتح، كتاب الرقاق، باب 44 يقبض الله الأرض.

431 -

وهذا حقّ. دليله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون" متفق عليه. البخاري ج 11/ ص 372 فتح كتاب الرقاق باب 44 يقبض الله الأرض، مسلم 17/ 131 نووي، كتاب صفة القيامة باب يقبض الله الأرض يوم القيامة. [وتقدم ذلك في البيت 101].

432 -

غاضت: نقصت.

433 -

وهذا حقّ، دليله ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه قال: وعرشه على الماء وبيده الأخرى القبض (وفي رواية البخاري: الميزان) يرفع ويخفض" متفق عليه واللفظ لمسلم. البخاري 13/ 393 / ح 7411 فتح كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} مسلم 7/ 80 نووي، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف.

وقوله في الحديث: "سحاء" بالمهملتين وتشديد الحاء أي: دائمة الصب والهطل بالعطاء.

النهاية 2/ 345، فتح الباري 13/ 395، شرح مسلم للنووي 7/ 80.

434 -

طرا: جميعًا.

"عندما": كذا في جميع النسخ. فإن صحّ فالمعنى: أنّك زعمتَ كون الخلق =

ص: 156

435 -

وَزَعَمْتَ أيْضًا أنَّ قَلْبَ العَبدِ مَا

بَيْنَ اثْنَتَيْنِ مِن الأَصَابعِ عَانِ

436 -

وَزعَمْتَ أنَّ اللهَ يَضْحَكُ عِنْدَمَا

يَتَقَابَلُ الصَّفَّانِ يَقْتتلَانِ

= جميعًا - عند اهتزازهم - فوق أصابع الرحمن. فتكون كلمة "فوق" خبرًا لأنَّ.

وفي ط: "عنده" والمعنى ظاهر ولعله تصحيح من ناشر طبعة التقدم، وتبعه غيره. ولكن الأقرب إلى ما في الأصول:"عندها" أي عند القيامة. (ص).

- وهذا حق دليله ما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "جاء حبر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله السموات على أصبع والأرضين على أصبع والجبال والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع والخلائق كلها على أصبع، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك أنا الملك" قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه تعجبًا له وتصديقًا له، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزمر: 67] متفق عليه. البخاري 6/ 32 فتح في كتاب التفسير باب قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ومسلم 17/ 130 - 131 نووي في كتاب صفة القيامة والجنة والنار.

435 -

العاني: الأسير والخاضع. وهذا حقّ، دليله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقد سبق في حاشية البيت رقم 255.

436 -

وهذا حق دليله ما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليضحك إلى ثلاثة: الصف في الصلاة، والرجل يصلي في جوف الليل، والرجل يقاتل (أراه قال) خلف الكتيبة" رواه ابن ماجه 1/ 39، باب 13 فيما أنكرت الجهمية، وقال البوصيري في الزوائد 1/ 87: إسناده فيه مقال. ورواه ابن أبي عاصم في السنة، وقال محققه الألباني: إسناده ضعيف من أجل مجالد بن سعيد 1/ ص 247 /ح 560، والبيهقي في الأسماء والصفات. وقال محققه عبد الله الحاشدي: إسناده ضعيف فيه مجالد بن سعيد. ج 2/ 410 /ح 985.

ويمكن أن يستشهد هنا أيضًا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله لرجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل =

ص: 157

437 -

مِنْ عَبْدِه يأتِي فَيُبْدِي نَحْرَهُ

لِعَدُوِّهِ طَلَبًا لِنَيْلِ جِنَانِ

438 -

وَكَذَاكَ يَضْحَكُ عِنْدَمَا يَثِبُ الفَتَى

مِنْ فَرْشِهِ لِتِلَاوَةِ القُرْآنِ

439 -

وَكَذَاكَ يَضْحَكُ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ

إِذْ أَجْدَبُوا وَالغَيْثُ منْهُمْ دَانِ

= الجنة" قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "يقتل هذا فيلج الجنة ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد" رواه مسلم 13/ 36 - نووي، كتاب الإمارة، باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، والإمام أحمد 2 / ص 318، ويشهد لقول الناظم أيضًا الحديث الآتي في البيت بعده.

438 -

يشير إلى ما جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يحبهم الله عز وجل يضحك إليهم ويستبشر بهم، الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه فيقول: انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه. والذي له امرأة حسناء وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيذر شهوته فيذكرني ويناجيني ولو شاء رقد. والذي يكون في سفر وكان معه ركب فسهروا ونصبوا ثم هجعوا فقام في السحر في سراء أو ضراء" أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات 2/ 408 / ح 983 وقال محققه عبد الله الحاشدي: إسناده ضعيف. والحاكم في المستدرك 1/ 25 كتاب الإيمان، وقال: هذا حديث صحيح، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 255 وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات أ. هـ، وطرق الحديث تدور على فضيل بن سليمان النميري وهو صدوق له خطأ كثير، التقريب 447 وقال الحافظ في مقدمة فتح الباري:"وليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها" هدي الساري مقدمة فتح الباري ص 435 ولكن يشهد للحديث حديث أبي سعيد المتقدم في التعليق على البيت السابق.

439 -

وهذا حق، دليله ما جاء في حديث طويل عن لقيط بن عامر رضي الله عنه وفيه قال صلى الله عليه وسلم:"وعَلِم يوم الغيث يشرف عليكم أزِلين مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غوثكم إلى قريب" الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4/ 13 - 14، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة 2/ 485 /ح 1120، وابن أبي =

ص: 158

440 -

وَزَعَمْتَ أنَّ اللَّهَ يَرضَى عَنْ أُولِي الْـ

ـحُسْنَى ويغضَبُ عنْ أُولي العِصْيَانِ

441 -

وَزَعمتَ أنَّ اللَّه يسْمعُ صَوْتَهُ

يومَ المعَادِ بعيدُهُمْ والدَّانِي

442 -

لَمَّا يُنَادِيهمْ أَنَا الدَّيَّانُ لَا

ظُلْمٌ لَدَيَّ فيسْمَعُ الثَّقَلَانِ

= عاصم في السنة 1/ 200 /ح 459، وأورده ابن القيم في مختصر الصواعق ثم قال بعده: هذا حديث كبير مشهور، جلالة النبوة بادية على صفحاته تنادي عليه بالصدق، صححه بعض الحفاظ ثم ذكر من رواه ثم قال: رووه في السنة وقابلوه بالقبول وتلقوه بالتصديق والتسليم .. إلخ كلامه رحمه الله، مختصر الصواعق المرسلة 2/ 440 - 441 "أزلين" أي في شدة وضيق. والقنوط: شدة اليأس. وانظر ما سيأتي عند البيت: 1752.

440 -

صفة الرضا عن المؤمنين ثابتة لله تعالى كما في قوله جلّ وعلا: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].

وصفة الغضب على الكافرين والعاصين ثابتة لله تعالى أيضًا، كما في قوله جلّ وعلا:{وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ} [الفتح: 6].

442 -

"لما الحينية" تختص بالدخول على الفعل الماضي، ولكنها دخلت هنا على المضارع. وسيأتي مثله في البيتين: 1201، 3081 (ص).

- وهذا حقّ، دليله ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس يوم القيامة أو قال: العباد عراة غرلًا بُهمًا" قال: قلنا: وما بُهْمًا؟ قال: "ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الديّان، أنا الملك، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصّه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصّه منه حتى اللطمة" قال: قلنا: كيف وإنما نأتي عراةً غرلًا بهمًا؟ قال: "الحسنات والسيئات".

رواه الإمام أحمد في المسند 3/ 495، ورواه البخاري في الأدب المفرد برقم 970 وقال محققه العلامة الألباني: حسن، وفي خلق أفعال العباد ص 137، والحاكم في المستدرك 2/ 437 - 438 وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وسكت عليه الذهبي. وعلقه البخاري في كتاب العلم من صحيحه 1/ 173 =

ص: 159

443 -

وزَعمْتَ أنَّ الله يُشرِقُ نُورُه

فِي الأَرْضِ يومَ الفَصْلِ والميزانِ

444 -

وَزَعَمْتَ أنَّ الله يَكْشِفُ سَاقَهُ

فَيَخِرُّ ذَاكَ الجمْعُ للأَذْقَانِ

= فتح، بصفة الجزم وفي كتاب التوحيد 13/ 453 فتح، بصيغة التمريض، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رجاله وثقوا، مجمع الزوائد ج 10/ 345، وذكر الحافظ في الفتح 1/ 174 طريقًا آخر بإسناد صالح ثم قال: فيتقوى الحديث به للحسن اهـ. وقد أورد ابن القيم هذا الحديث في مختصر الصواعق المرسلة ثم قال بعدما تكلم عن تقويته وأورد شواهده وردّ على من ضعفه: "ولا التفات إلى ما أعلّه به بعض الجهمية ظلمًا منه وهضمًا للحق" مختصر الصواعق المرسلة 2/ 66 - 468.

وثبت لفظ الصوت في أحاديث أخر منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار" الحديث رواه البخاري ج 8/ 441 فتح كتاب التفسير سورة الحج، باب {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} وانظر خلق أفعال العباد ص 137.

443 -

وهذا حق دليله قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)} [الزمر: 69].

قال ابن القيم رحمه الله: "هو تبارك وتعالى نور السموات والأرض ومن أسمائه النور وأشرقت الظلمات لنور وجهه .. فإذا جاء تبارك وتعالى يوم القيامة للفصل بين عباده، وأشرقت بنوره الأرض" .. إلخ، الوابل الصيب ص 101 - 102. وقال ابن كثير والطبري في قوله تعالى:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} أي: أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق جلّ وعلا للخلائق لفصل القضاء" تفسير ابن كثير 1/ 64، تفسير الطبري المجلد 12 /ج 24 / ص 32.

444 -

وهذا حقّ، دليله قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)} [القلم: 42] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن =

ص: 160

445 -

وزَعَمْتَ أَن اللَّهَ يَبَسُطُ كفّه

لمُسيئِنا لِيتوبَ من عِصيانِ

446 -

وزَعَمْتَ أَنّ يَمِينَه تَطوِي السَّمَا

طيَّ السِّجِل عَلَى كِتابِ بَيَانِ

447 -

وَزَعَمْتَ أنَّ الله يَنْزِلُ فِي الدُّجَى

فِي ثُلْثِ لَيْلٍ آخِرٍ أوْ ثَانِ

448 -

فيقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فأجِيبَهُ

فأنَا القرِيبُ مجيبُ مَنْ نَادَانِي

= ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا" متفق عليه، البخاري 8/ 663 - 664 الفتح، كتاب التفسير، باب {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} مسلم رقم 183 في الإيمان باب معرفة طريق الرؤية.

445 -

وهذا حقّ، دليله ما جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم 17/ 76 نووي، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت.

446 -

وهذا حقّ، دليله قوله تعالى:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وقوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104]، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك فأين ملوك الأرض" متفق عليه. البخاري 6/ 33 في التفسير باب قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ومسلم 17/ 131 نووي - كتاب وصف القيامة والجنة والنار. وانظر حاشية البيت 431.

448 -

"مجيب": كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: "أجيب" وانظر البيت 1212.

- هذا حق، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل كلّ ليلة إلى السماء الدنيا فيقول:"هل من سائل فأعطيه .. " الحديث وقد ورد بروايات كثيرة أشار إليها الناظم رحمه الله بقوله: في ثلث ليل آخر أو ثان، فثبت أن الله تعالى ينزل في ثلث الليل الآخر كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين =

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له، مَن يسألني فأعطيه، مَن يستغفرني فأغفر له" متفق عليه، البخاري 11/ 129 فتح، كتاب الدعوات باب الدعاء نصف الليل، مسلم 6/ 36 نووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الليل مثنى والوتر ركعة من آخر الليل.

وثبت في بعض الروايات أنه تعالى ينزل في ثلث الليل الثاني كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر" رواه مسلم 6/ 37 نووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، وفي بعض الروايات:"إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه" رواه مسلم 6/ 37 - 38 نووي، وقد اختلفت أقوال العلماء في توجيه ذلك مع اتفاقهم على أن رواية الثلث الأخير هي أصح الروايات لاتفاق البخاري ومسلم - رحمهما الله- على إخراجها. لذا اعتمدها أهل العلم دون الروايات الأخرى.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والنزول المذكور في الحديث النبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم واتفق علماء الحديث على صحته هو: "إذا بقي ثلث الليل الأخير". وأما رواية النصف والثلثين فانفرد بها مسلم في بعض طرقه وقد قال الترمذي: إن أصح الروايات عن أبي هريرة: "إذا بقي ثلث الليل الآخر" اهـ، شرح حديث النزول لشيخ الإسلام رحمه الله ص 323. وقال القاضي عياض رحمه الله: "الصحيح رواية "حين يبقى ثلث الليل الآخر" كذا قال شيوخ الحديث وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه"، شرح مسلم للنووي 6/ 37. ولابن القيم رحمه الله جواب بديع عن اختلاف الروايات في نزول الرب جل جلاله، ومما قال: " .. أن يكون الثلث الأول والشطر والثلث الأخير على حسب اختلاف بلاد الإسلام في ذلك، ويكون النزول في وقت واحد =

ص: 162

449 -

وَزَعَمْتَ أنَّ لَهُ نُزُولًا ثَانِيًا

يومَ القِيَامَةِ لِلقَضَاءِ الثَّانِي

= هو ثلث الليل الأخير عند قوم ووسطه عند آخرين وثلثه الأول عند غيرهم فيصح نسبته إلى أوقات الثلاثة، وهو حاصل في وقت واحد. وعلى هذا فالشبهة العقلية التي عارض بها النفاة حديث النزول تكون هذه الألفاظ قد تضمنت الجواب عنها، فإن هذا النزول لا ينافي كونه في الثلث الأخير كونه في الثلث الأول أو في الشطر الثاني بالنسبة إلى المطالع، ولما كانت رقعة الإسلام ما بين طرفي المشرق والمغرب من المعمور من الأرض كان التفاوت قريبًا من هذا القدر .. " أ. هـ. مختصر الصواعق المرسلة ص 2/ 431. وانظر فتح الباري 3/ 31 والصواعق المرسلة 2/ 232 - 234. وانظر البيت 1209 والبيت 1725.

449 -

وهذا حقّ فإنه سبحانه ينزل يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، كما قال تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة: 210] وهذا في يوم القيامة لفصل القضاء بين الأولين والآخرين فيجزي الناس بأعمالهم لذا قال سبحانه: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} انظر تفسير الطبري 2/ 327، تفسير ابن كثير 1/ 248.

وقال تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 21، 22] أي: جاء سبحانه لفصل القضاء بين عباده وذلك بعدما يطول مقامهم ويستشفعون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، انظر تفسير الطبري المجلد 15/ج 30/ ص 185، تفسير ابن كثير 4/ 510.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن" الحديث رواه الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في الرياء والسمعة 4/ح 2382 وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. والحديث صححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي ج 2/ ص 281 /ح 1942، وقال ابن القيم رحمه الله:"وهذا النزول إلى الأرض يوم القيامة قد تواترت به الأحاديث والآثار ودلّ عليه القرآن صريحًا" مختصر الصواعق 2/ 443.

ص: 163

450 -

وَزَعَمْتَ أنَّ الله يَبْدُو جَهْرَةً

لِعبَادِهِ حَتَّى يُرَى بعِيَانِ

451 -

بَلْ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ ويرَوْنَهُ

فالمُقْلَتَانِ إِلَيهِ نَاظِرَتَانِ

452 -

وَزَعَمْتَ أنَّ لِربِّنَا قَدَمًا وأنَّ م

اللهَ واضِعُهَا عَلَى النِّيرَانِ

453 -

فَهُنَاكَ يَدْنُو بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِهَا

وتقُولُ قَطْ قَطْ حَاجَتِي وكَفَانِي

451 - رؤية المؤمنين لربهم تعالى حق دلت عليه نصوص كثيرة من الكتاب والسنة فمن ذلك قوله تعالى عن الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: 15] وهذا يدل على أن المؤمنين ليسوا محجوبين عن ربهم، وقوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23].

وفي حديث صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتُنْجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" ففي هذا الحديث إثبات تكليم الله تعالى لعباده ونظرهم إليه سبحانه.

رواه مسلم 3/ 17 نووي، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم تعالى.

453 -

قط قط: بفتح القاف، فيها ثلاث لغات: بإسكان الطاء فيهما وبكسرها منونة وغير منونة، أي: حسبي وكفاني. شرح مسلم للنووي 17/ 182، النهاية 4/ 78.

- وهذا حقّ، دليله ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قط قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدًا، أما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقًا" متفق عليه. =

ص: 164

454 -

وَزَعَمْتَ أنَّ النَّاسَ يَوْمَ مَزِيدِهِمْ

كُلٌّ يُحَاضِرُ رَبَّهُ ويُدَانِي

455 -

بالحَاءِ مَعْ ضَادٍ وجَا مَعَ صَادِهَا

وجْهَانِ فِي ذَا اللَّفْظِ محفُوظَانِ

= البخاري 8/ 595 الفتح، كتاب التفسير، باب "وتقول هل من مزيد" ومسلم 17/ 180 نووي في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب 13 النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء.

454 -

وهذا حقّ، دليله ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر زيارة أهل الجنة لربهم في يوم المزيد يوم الجمعة وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة (بالضاد المعجمة) حتى يقول للرجل منهم يا فلان بن فلان: أتذكر يوم قلت كذا وكذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه" الحديث رواه الترمذي وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. سنن الترمذي، تحفة ج 7 / ص 259 / ح 2673 باب ما جاء في سوق الجنة، وابن ماجه سنن ابن ماجه 2/ 456 / ح 4392 باب صفة الجنة، وابن أبي عاصم في السنة برقم 785. والحديث أورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب وقال: في سنده عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين مختلف فيه وبقية رواته ثقات. الترغيب والترهيب 4/ 264 / ح 109 فصل في سوق الجنة. وضعف الحديث العلامة الألباني وأعلّه بعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، سلسلة الأحاديث الضعيفة 4/ 211 / ح 1722، وضعفه العلامة عبد القادر الأرناؤوط، كما في حاشيته على جامع الأصول لابن الأثير ج 10/ 510 / ح 8052، وقد ذكر الناظم رحمه الله في آخر هذه القصيدة يوم المزيد ومحاضرة الرب تعالى عبده. انظر البيت: 5541 وما بعده.

455 -

كذا في د، ط، وهو الصواب. و"جا مع صادها" يعني: جاء لفظ "المحاضرة" بالصاد أيضًا. وفى غيرهما: "بالخاء مع صاد وحا مع ضادها" والظاهر أنه تصحيف. (ص).

- يشير إلى رواية أخرى عند الترمذي فيها قوله صلى الله عليه وسلم: "حاصره الله محاصرة" بالحاء المهملة. سنن الترمذي ج 4/ 685 /ح 2549. وحاصره، أي: ضيّق =

ص: 165

456 -

فِي التِّرمِذِيِّ ومُسْنَدٍ وسِوَاهُمَا

مِنْ كُتْبِ تَجْسِيمٍ بِلَا كِتْمَانِ

457 -

وَوصَفْتَهُ بِصفَاتِ حَيٍّ فَاعِلٍ

بالاخْتِيَارِ وذَانِكَ الأَصْلَانِ

= عليه وأحاط به. والمحاضرة بالمعجمة: المخاطبة والمحاورة. ويشهد له ما ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان" الحديث رواه البخاري ج 11/ 400 فتح، كتاب الرقاق باب من نوقش الحساب عذب، ومسلم ج 7/ 101 نووي، كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة وأنواعها وأنها حجاب من النار، وانظر تحفة الأحوذى 7/ 261.

456 -

الترمذي: ستأتي ترجمته تحت البيت 1368.

- روى الإمام أحمد في مسنده حديث سوق أهل الجنة ويوم المزيد مختصرًا كما في المسند 1/ 156 من حديث علي رضي الله عنه، وفي 3/ 75 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولكن ليس في أي من روايات الإمام أحمد ذكر محاضرة العبد لربه وكلامه له تعالى ولعل مراد الناظم بعزوه الحديث إلى المسند أن أصله في المسند، والله أعلم.

- تقدم أن أهل البدع من الجهمية وغيرهم ينبزون أهل السنة المثبتين للصفات بأنهم مشبهة مجسمة وبأن كتب السنة التي فيها إثبات صفات الله تعالى كتب تجسيم وتشبيه، ويزعمون: أن التنزيه هو ما عندهم من التعطيل لصفات الله تعالى، [راجع حاشية البيت 375].

457 -

صفات الله تعالى قسمان:

الأول: صفات ذاتية كالحياة والسمع والبصر، وهذه أنكرها بعض أهل البدع لزعمهم: أن وصف الله تعالى بها يؤدي إلى تشبيهه بالأجسام.

الثاني: صفات فعلية اختيارية تتعلق بقدرته تعالى ومشيئته كالنزول، وهذه أنكرها أهل البدع لزعمهم أنها حوادث والحوادث لا تقوم إلا بحادث، وقد سبق تفصيل ذلك كله عندما تكلم الناظم عن الجهمية وقولهم في الصفات وشبهتهم [البيت: 40 وما بعده]، وأهل السنة يثبتون جميع هذه الصفات على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما أهل البدع فتفرقت بهم السبل في ذلك على ما سوف يعوض الناظم.

ص: 166

458 -

أَصلا التَّفرُّقِ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ فِي الْـ

ـبَارِي فَكُنْ فِي النَّفْيِ غَيْرَ جَبَانِ

459 -

أَوْ لَا فَلا تَلعَبْ بدينِكَ نَاقِضًا

نَفْيًا بإثْبَاتٍ بِلَا فُرقَانِ

460 -

فالنَّاسُ بَيْنَ مُعَطِّلٍ أوْ مُثْبِتٍ

أَوْ ثَالِثٍ مُتنَاقِضٍ صَفعانِ

461 -

واللهِ لَسْتَ برابِعٍ لَهُمُ بَلَى

إِمَّا حِمَارًا أوْ مِنَ الثِّيرَانِ

458 - ط: "أصل التفرق".

- يوصي هذا المبتدع صاحبه بأن يكون جريئًا في تعطيل الصفات غير جبان.

460 -

يشير الناظم رحمه الله على لسان هذا المبتدع إلى أن الناس افترقوا في صفات الله تعالى إلى ثلاث فرق:

الفرقة الأولى: المعطلة الذين نفوا جميع الأسماء والصفات كالجهمية، ومن نحا نحوهم من الفلاسفة والمعتزلة.

الفرقة الثانية: المثبتة الذين أثبتوا جميع الأسماء والصفات على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة.

الفرقة الثالثة: قوم تناقضوا فأثبتوا بعض الصفات ونفوا البعض الآخر ففرقوا بين المتماثلين بلا دليل، كالأشاعرة، وهم الذين يشير إليهم الناظم رحمه الله في الأبيات الآتية، وانظر مجموع الفتاوى 6/ 51.

صَفعان: من صفعَ يصفَع، وهو أن يبسط كفه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه. ورجل صَفعانُ ومَصفعاني: مَن يُفعَل به ذلك. اللسان 8/ 200، القاموس 952. ومراد الناظم رحمه الله أن هذا الثالث أثبت بعض الصفات موافقة للمثبتة ونفى بعضها موافقة للمعطلة فوقع في التناقض فانهالت عليه ردود الطائفتين. ومثل نقدهما لهذا الفريق المتناقض بالصفع منهما.

461 -

لا يزال الكلام للمبتدع حيث يقول لصاحبه: إن أنواع الناس في الصفات ثلاثة: معطل أو مثبت أو متناقض يثبت بعضًا وينفي بعضًا، وأنت لا تستطيع أن تكون رابعًا لهؤلاء بل اختر واحدًا، ولكن احذر أن تختار الإثبات لأنه تجسيم ولا التناقض لأنه غير مقبول ولا متصور عقلًا، ولكن كن معطلًا ولا تبقى بغير مذهب فتكون كالحمير والثيران. انظر البيت 471.

ص: 167

462 -

فاسْمَحْ بإنْكَارِ الجَمِيعِ ولَا تَكُنْ

مُتنَاقِضًا رَجُلًا لَهُ وَجْهَانِ

463 -

أَوْ لَا ففَرَّقْ بينَ مَا أثبتَّهُ

ونفيتَهُ بالنصِّ وَالبُرْهَانِ

464 -

فالبَابُ بَابٌ واحدٌ فِي النَفْي والْـ

إِثْبَاتِ فِي عَقْلٍ وَفِي مِيزَانِ

465 -

فمتَى أقرَّ ببعْضِ ذَلِكَ مُثْبِتٌ

لَزِمَ الجَمِيعُ أَوِ ائْتِ بِالفُرْقَانِ

466 -

وَمَتَى نَفَى شَيْئًا وأثْبتَ مِثْلَهُ

فمجسَّمٌ مُتَناقِضٌ دِيصَانِي

462 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "القول في بعض الصفات كالقول في بعض، فإن كان المخاطب ممن يقر بأنّ الله حي بحياة عليم بعلم قدير بقدرة سميع بسمع بصير ببصر متكلم بكلام مريد بإرادة، يجعل ذلك كله حقيقة وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهيته فيجعل ذلك مجازًا .. قيل له: لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر. فإن قلت: إنّ إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورضاه وغضبه، وهذا هو التمثيل. وإن قلت: له إرادة تليق به كما أن للمخلوق إرادة تليق به، قيل لك: وكذلك له محبة تليق به وللمخلوق محبة تليق به" التدمرية ص 31 - 32.

464 -

تقدم الكلام على أن من نفى شيئًا من الصفات مخافة الوقوع في التشبيه والتجسيم لزمه فيما أثبت ما يلزمه فيما نفى، إذ إن في قوله تناقضًا وتفريقًا بين المتماثلات، فالباب واحد كما ذكر الناظم ويشهد لذلك العقل، وقبله يشهد الميزان وهو الشرع والعدل. ومنه قوله تعالي:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وانظر تفسير الطبري مجلد 13 /ج 27/ 236، الدر المنثور للسيوطي 6/ 258، مفتاح دار السعادة لابن القيم ص 336.

465 -

كذا ضبط "الجميعُ" بالضم في ف. ولعله أرجح من ضبطه بالفتح كما في الأصل (ص).

466 -

أي: ينطبق عليه اللفظ الذي نبز به أهل السنة من أنهم مجسمة لإثباتهم الصفات فيكون هو أيضًا مجسمًا لأنه أثبت بعض الصفات.

الديصانية: فرقة من فرق مجوس الفرس، وهم أصحاب رجل يقال له: =

ص: 168

467 -

فذَرُوا المِرَاءَ وصَرِّحُوا بمذاهبِ الْـ

ـقُدَمَاءِ وانْسَلِخُوا مِنَ الإيمَانِ

468 -

أَوْ قَاتِلُوا مَعَ أُمَّةِ التَّشْبِيهِ والتَّـ

ـجْسِيمِ تَحْتَ لِوَاءِ ذِي القُرْآنِ

469 -

أوْ لا فَلَا تَتَلَاعَبُوا بعُقولِكُمْ

وكِتَابِكُمْ وبسَائِرِ الأدْيَانِ

470 -

فجَمِيعُهَا قَدْ صَرَّحَتْ بصِفَاتِهِ

وكَلَامِهِ وعُلُوِّهِ بِبَيَانِ

= دِيصان أثبتوا نورًا وظلمة فما كان من خير فمن النور وما كان من شر فمن الظلمة، وتناقضوا فزعموا أن النور اختلط بالظلمة. الملل والنحل للشهرستاني 2/ 278 - 279، الفهرس لابن النديم ص 474.

وقال ابن القيم رحمه الله: "وحكى أرباب المقالات عنهم (أي: عن الثنوية من المجوس): أن قومًا يقال لهم الديصانية زعموا أن طينة العالم كانت طينة خشنة وكانت تحاكي جسم النور الذي هو الباري عندهم زمانًا فتأذى بها، فلما طال ذلك عليه قصد تنحيتها عنه فتوحل فيها واختلط بها فتركب من بينهما هذا العالم المشتمل على النور والظلمة فما كان من جهة الصلاح فمن النور وما كان من جهة الفساد فمن الظلمة" إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 2/ 245 - 246.

467 -

الخطاب هنا موجه من هذا النافي المعطل إلى المتناقضين في الصفات وهم الأشاعرة ومن وافقهم في إثبات بعض الصفات ونفي البعض، فيقول لهم: دعوا عنكم الجدل والمراوغة وصرحوا بمذاهب الفلاسفة الملاحدة وانفوا كل شيء أو أثبتوا إثباتًا تامًا كالمجسمة. ويعني بهم: أهل السنة المثبتين للصفات.

المراء: المماراة والجدل. اللسان 15/ 278.

- المراد بمذاهب القدماء: مذاهب الفلاسفة، وقد تقدم عرض شيء من حقيقة مذهبهم وهو جحد وإنكار الباري جل جلاله، في الأبيات: 94 وما بعده، وسيأتي عرض مذهبهم في الكلام وغيره من الصفات في الأبيات: 786 وما بعده.

468 -

في ط: "أئمة"، تحريف (ص).

- يعني بهم: أهل السنة والجماعة المثبتين لأسماء الله وصفاته على الوجه اللائق به سبحانه. (انظر البيت 375).

ص: 169

471 -

والنَّاسُ بَيْنَ مُصَدِّقٍ أوْ جَاحِدٍ

أوْ بَيْنَ ذَلِكَ أو شَبيهُ أتَانِ

472 -

فَاصْنَعْ مِنَ التَّنزِيه تُرْسًا مُحْكَمًا

وانْفِ الجَمِيعَ بِصَنْعَةٍ وبَيَانِ

473 -

وَكَذَاكَ لَقِّبْ مَذْهَبَ الإثْبَاتِ بالتَّـ

ـجْسِيمِ ثُمَّ احْمِلْ عَلَى الأقْرَانِ

474 -

فَمَتَى سَمَحْتَ لَهُمْ بِوصْفٍ وَاحِدٍ

حَمَلُوا عَلَيْكَ بحَمْلَةِ الفُرْسَانِ

475 -

فصُرِعْتَ صِرْعَةَ مَنْ غَدَا مُتلَبِّطًا

وَسطَ العَرِينِ مُمَزَّقَ اللُّحْمَانِ

476 -

فَلِذَاكَ أنْكَرْنَا الْجَمِيعَ مَخَافَةَ التَّـ

ـجْسِيمِ إنْ صِرْنَا إِلَى الْقُرْآنِ

477 -

ولِذَا خَلَعْنَا رِبْقَةَ الأدْيَانِ مِنْ

أَعْنَاقِنَا فِي سَالِفِ الأزْمَانِ

471 - مصدق: وهو المثبت من أهل السنة.

جاحد: هو المعطل تعطيلًا تامًا كغلاة الجهمية.

بين ذلك: هو من نفى بعض الصفات وأثبت بعضها كالأشاعرة.

شبيه أتان: هم الفلاسفة الذين جحدوا الباري وانسلخوا من الإيمان فصاروا كالأنعام بل هم أضل، والأتان: أنثى الحمار.

472 -

يزعم نفاة الصفات أنهم ما نفوها إلا لتنزيه الخالق وتعظيمه وإبعاده عن نقص مشابهة المخلوقين، وقد تقدم بيان معنى التنزيه الصحيح وهو وصف الربّ تعالى بما وصف به نفسه نفيًا وإثباتًا. انظر شرح الطحاوية 1/ 259، وما تقدم في مقدمة القصيدة.

الترس: ما يتخذه المقاتل يتقي به الضربات وقد تقدم.

475 -

تلبَّطَ: تمرَّغَ وتقلّبَ. اللسان 7/ 388.

العرين: مأوى الأسد. اللسان 13/ 282.

476 -

يعني: إن تحاكمنا إلى القرآن وأخذنا بظواهر نصوصه الصريحة دون تأويل ولا تحريف وقعنا في التجسيم -في زعمه-.

477 -

ظ: "ولقد خلعنا".

الربقة: عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، ويقال: فلان أخرج ربقة الإسلام من عنقه يعني فارق الجماعة وخرج من الدين. اللسان 10/ 113.

ص: 170

478 -

وَلَنَا مُلُوكٌ قَاوَمُوا الرُّسْلَ الألُى

جَاؤوُا بإثْباتِ الصَّفَاتِ كَمَاني

479 -

فِي آلِ فِرْعَونٍ وقارونٍ ونُمْـ

ـرُودٍ وهامانٍ وجِنْكِسْخَانِ

480 -

وَلَنَا الأئمَّةُ كالفَلَاسِفَةِ الألُى

لم يَعْبَؤوا أَصْلًا بِذِي الأدْيَانِ

481 -

مِنْهُمْ أَرِسْطُو ثُمَّ شِيعَتُهُ إِلَى

هَذَا الأَوَانِ وَعِنْدَ كُلِّ أَوَانِ

478 - في الأصل حاشية ظهر منها ما يأتي: "أي الزنديق .. كذبًا .. اسمه ماني" ومراد الناظم أنّ ملوكنا عاملوا الرسل كما يعامَل الزنادقة والكذابون. وماني زعيم المانوية ولد في بابل سنة 216 أو 217 م. أحدث دينًا بين المجوسية والنصرانية، وادعى أنه "فارقليط" الذي بشّر به عيسى عليه السلام. حكم عليه المجوس الزردشتية بالخروج عن الدين، فسجن وعذب حتى مات في عهد بهرام بن هرمز سنة 276 أو 277 م. وكان لديانته رؤساء وأتباع في العهد الإسلامي ومنهم الجعد بن درهم. انظر الفهرست 391، 401، الملل والنحل للشهرستاني (ط دار الفكر): 245 وبرهان قاطع للتبريزي (تحقيق محمد معين، طهران) 4/ 199 (ص).

479 -

كذا في الأصل، ف، س. وفي ب، طه:"وهامان وقارون ونمرود". وفي ظ، د، ح، طت، طع:"وقارون وهامان ونمرود".

سبق التعريف بفرعون وقارون وهامان في حاشية البيت 70، أمّا نمرود فهو ملك بابل الذي ناظر إبراهيم عليه السلام وحاجّه في ربّه، وكان طاغية جبّارًا. وكان ملك الصابئة الكنعانيين المشركين. انظر مجموع الفتاوى 5/ 21 وتفسير ابن كثير 1/ 313 (دار التراث).

- وكلمة نمرود جاءت في أصولنا بالدال المهملة، وتأتي في المصادر بالمعجمة أيضًا. (ص).

- تقدمت ترجمة جنكسخان في حاشية البيت 369، وانظر البيتين: 70، 1517.

481 -

أرِسطو ويقال أيضًا: أرسطاطاليس (384 - 322 ق. م) من فلاسفة اليونان وأطبائها. تلميذ أفلاطون ومعلّم الإسكندر المقدوني، ومؤسس المدرسة المشائية، له كتب في الفلسفة والطب وغيرهما من ذلك كتاب "العالم الكبير" و"السماء والعالم". طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ص 25، =

ص: 171

482 -

مَا فِيهمُ مَنْ قَالَ إنَّ الله فَو

قَ العَرْشِ خَارِجَ هَذِهِ الأكْوَانِ

483 -

كَلَاّ وَلَا قَالُوا بِأنَّ إلهنَا

مُتَكَلِّمٌ بِالوَحْيِ والقُرْآنِ

484 -

ولأجْلِ هَذَا رَدَّ فِرْعَونٌ عَلَى

مُوسَى وَلَمْ يقْدِرْ عَلَى الإيمَانِ

485 -

إِذْ قَالَ مُوسَى رَبُّنَا متكَلِّمٌ

فَوْقَ السَّمَاءِ وإنّه ناداني

486 -

وَكَذَا ابْنُ سِينَا لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ وَلَا

أتْبَاعُهُ بَلْ صَانَعُوا بدِهَانِ

487 -

وَكَذَلِكَ الطُّوسِيُّ لَمَّا أَنْ غَدَا

ذَا قُدْرَةٍ لَمْ يَخْشَ مِنْ سُلْطَانِ

= والفهرست ص 307، وعيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ص 86، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 612.

- يريد بشيعة أرسطو جماعته وحزبه الذين ذهبوا مذهبه في الإنكار والجحود.

482 -

تقدم تفصيل مذاهب أهل البدع في الباري عز وجل. (البيت: 265 وما بعده).

484 -

يعني: من أجل اعتقاد فرعون أن الإله لا ينبغي أن يتصف بخصائص الأجسام أنكر فرعون على موسى عليه السلام قوله إن ربه فوق العالم، وإنه يتكلم بكلام يُسمع بالآذان، وإنه ناداه، ولأجل هذا الإنكار لم يؤمن فرعون بموسى عليه السلام.

كما في قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)} إلى قوله تعالى: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)} [الشعراء: 23 - 29].

485 -

"ناداني": ظ، س، طت، طه:"متداني". وقد تقدم ذكر الأدلة على تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام (الأبيات: 418 وما بعده).

486 -

تقدمت ترجمة ابن سينا (البيت 94).

الدّهان والمداهنة: المداراة والمصانعة والمخادعة، وهي أيضًا إظهار الشخص خلاف ما يبطن. اللسان 13/ 162.

487 -

الطوسي: محمد بن محمد بن الحسن أبو جعفر نصير الدين الطوسي، ولد بطوس 597 هـ، فيلسوف كان رأسًا في العلوم العقلية وكان مقربًا إلى هولاكو قائد التتر، وصنف كتبًا نصر فيها قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار الصفات =

ص: 172

488 -

قَتلَ الخَلِيفَةَ والقُضَاةَ وحَامِلي الْـ

ـقُرْآنِ والفُقَهَاءَ فِي البُلْدَانِ

489 -

إذْ هُمْ مشَبِّهَةٌ مجَسَّمَةٌ ومَا

دَانُوا بدِينِ أكَابِر اليُونَانِ

= وأنه ليس فوق العرش إله يعبد، واتخذ للملاحدة مدارس وجعل إشارات ابن سينا مكان القرآن فقال: هي قرآن الخواص. وكان ساحرًا يعبد الأصنام، من كتبه شرح إشارات ابن سينا، وله شعر كثير بالفارسية، توفي ببغداد سنة 672 هـ، إغاثة اللهفان 2/ 267، البداية والنهاية 13/ 283، الأعلام 7/ 30 - 31.

488 -

وقد وقع على الإسلام شر عظيم من الطوسي قبّحه الله، قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان عن الطوسي: "نصير الشرك والكفر، الملحد .. شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه فعرضهم على السيف .. فقتل الخليفة المستعصم بالله حيث قتله التتر الذين دخلوا بغداد سنة 656 هـ - وكان الطوسي وزيرهم ومشيرهم - والقضاة والفقهاء والمحدثين، واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة. إغاثة اللهفان 2/ 267.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "هذا الرجل الطوسي قد اشتهر عند الخاص والعام أنه كان وزير الملاحدة الباطنية الإسماعيلية بالألموت، ثم لما قدم الترك المشركون إلى بلاد المسلمين وجاؤوا إلى بغداد دار الخلافة كان هذا منجمًا مشيرًا لملك الترك المشركين هولاكو فأشار عليه بقتل الخليفة وقتل أهل العلم والدين واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا" منهاج السنة 3/ 445 - 446. وسيأتي ذكر ما فعله بالمسلمين في الأبيات: 930 وما بعده.

489 -

وقد تقدم أن أهل البدع يتهمون أهل السنة المثبتين للصفات أنهم مشبهة ومجسمة وحشوية (البيت 375).

- ذكر ابن القيم رحمه الله: أنه وقف على كتاب للطوسي اسمه "مصارعة المصارعة" نصر فيه أن الله تعالى لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام وأنه لا يعلم شيئًا وأنه لا يفعل شيئًا بقدرته واختياره ولا يبعث من في القبور، وبالجملة فكان هذا الملحد هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر" إغاثة اللهفان 2/ 267.

ص: 173

490 -

وَلَنَا المَلاحِدَةُ الفُحُولُ أئِمَّةُ التَّـ

ـعْطِيلِ والسِّكِّينِ آلُ سِنَانِ

491 -

وَلَنَا تَصَانِيفٌ بِهَا غَالبْتُمُ

مِثْلَ الشِّفَا ورَسائِلِ الإخْوَانِ

490 - الملاحدة: جمع ملحد، والإلحاد في اللغة الميل والعدول. والإلحاد مذهب من ينكر وجود الله، وقد يطلق على المتشكك الذي يتظاهر بالاقتناع دون عقيدة. المعجم الفلسفي ص 20، 174، 192، اللسان 3/ 388.

- "السكّين": في الأصل: "التسكين"، وكذا في طت، طه. وفي طع:"والتشبيه" ولكن الصواب ما أثبتنا من غيرها، وقد ضبط في ف بكسر السين وتشديد الكاف. وقد وصفهم الناظم رحمه الله: بأنهم أئمة السكين لأن سنان بن سلمان وأصحابه كان لهم سطوة وقوة عظيمة، وقتلوا خلقًا من الملوك والرؤساء حتى خافهم الأكابر وصانعوهم بالأموال. وقد اشتهروا بأنهم كانوا يغتالون الناس بالسكاكين. انظر المراجع المذكورة في التعليق الآتي.

آل سنان: هم أتباع سنان بن سلمان بن محمد بن راشد البصيري الملقب براشد الدين وبشيخ الجبل مقدم الإسماعيلية وصاحب دعوتهم في قلاع الشام، وأقام بالقلاع ثلاثين سنة وجرت له مع صلاح الدين وقائع وقصص، ومذهبه الإلحاد والكفر، وأباح لأصحابه كل ما يشتهونه من فرج ولحم وشراب ونسخ عنهم العبادات. هلك سنة 589 هـ.

شذرات الذهب لابن العماد 4/ 294 - 295، سير الأعلام 21/ 182، الأعلام 3/ 141، أعلام الإسماعيلية 295 - 303، درء التعارض 5/ 23.

491 -

كذا في الأصل وف وطه من المغالبة. وفي غيرها: "غاليتم" من المغالاة.

ومراد الناظم: أن هذا المبتدع بعدما افتخر بمن سبقه من الملاحدة بدأ يفتخر بما تركوا من كتب ومصنفات تنصر بدعتهم وضلالهم فيقول لأصحابه: لا حاجة لكم أن تلتفتوا إلى نصوص الكتاب والسنة ولا تعتمدوا عليها في تقرير ما تريدون إذ أن عندنا تصانيف أوائلنا نعتمد عليها، ونتلقى منها ونغالب بها خصومَنا. ومعنى "غاليتم": أننا ننافس بها غيرنا.

الشفاء: كتاب لابن سينا في علم المنطق والفلسفة، وهو مطبوع. =

ص: 174

492 -

وَكَذَا الإِشَارَاتُ الَّتِي هِيَ عنْدكُمْ

قَدْ ضُمِّنَتْ لِقَوَاطِعِ البُرْهَانِ

493 -

قَدْ صَرَّحَتْ بالضِّدِّ ممَّا جَاءَ في التَّـ

ـوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ

= رسائل الإخوان: يعني رسائل إخوان الصفا وهي: إحدى وخمسون رسالة، وهي أصل مذهب القرامطة. وربما نسبوها إلى جعفر الصادق ترويجًا لها. وقد أملاها أبو سليمان محمد بن نصر البستي المعروف بالمقدسي وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني وغيرهما، وقد صنفوها على طريق الفلسفة الخارجة عن مسلك الشريعة. قال شيخ الإسلام عن هذه الرسائل:"هذا الكتاب هو أصل مذهب القرامطة الفلاسفة فينسبون ذلك إليه (يعني: جعفرًا الصادق) ليجعلوا ذلك ميراثًا عن أهل البيت. وهذا من أقبح الكذب وأوضحه، فإنه لا نزاع بين العقلاء أن رسائل إخوان الصفا إنما صنفت بعد المائة الثالثة في دولة بني بويه قريبًا من بناء القاهرة". وقال عنها أيضًا: "يعلم كل عاقل يفهمها ويعرف الإسلام أنها تناقض الإسلام" منهاج السنة 2/ 465، السبعينية ص 99، 100، مجموع الفتاوى 35/ 133 - 135.

492 -

كتاب الإشارات والتنبيهات في المنطق والحكمة لابن سينا، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات بتحقيق الدكتور سليمان دنيا.

- "لقواطع": أصله: قواطعَ، مفعول به. زاد اللام للضرورة (ص).

أي: فيها البراهين القاطعة والأدلة العقلية التي تفيد اليقين، بخلاف الأدلة الشرعية التي تفيد الظن. ولا يزال الكلام موصولًا من الجهمي إلى صاحبه المتخيل.

493 -

في هذه التصانيف من المخالفة للكتاب والسنة بل لجميع الكتب السماوية شيء عظيم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحد هذه التصانيف التي يتفاخر بها هذا الزنديق، وهو كتاب "رسائل إخوان الصفا":"فهل ينكر أحد ممن يعرف دين المسلمين أو اليهود أو النصارى أن ما يقوله أصحاب "رسائل إخوان الصفا" مخالف للملل الثلاث .. فإن في ذلك مخالفة الرسل فيما أخبرت وأمرت به والتكذيب بكثير مما جاءت به، وتبديل شرائع الرسل كلهم بما لا يخفى على عارف بملة من الملل، فهؤلاء خارجون عن الملل الثلاث" مجموع الفتاوى 35/ 134.

ص: 175

494 -

هِيَ عِنْدَكُمْ مِثلُ النُّصُوصِ وفوْقَهَا

فِي حُجَّةٍ قَطْعِيَّةٍ وبَيَانِ

495 -

وإذَا تَحَاكَمْنَا فإنَّ إلَيْهِمُ

يَقَعُ التَّحَاكُمُ لَا إِلَى القُرْآنِ

496 -

إِذْ قَدْ تَسَاعَدْنَا بأنَّ نصُوصَهُ

لَفظيَّةٌ عُزِلَتْ عَن الإيقَانِ

497 -

فَلِذَاكَ حكَّمنَا عَلَيْهِ وأنْتُمُ

قَوْلَ المُعَلِّمِ أولًا والثَّانِي

498 -

يَا وَيْحَ جَهْمٍ وابْنِ دِرْهَمَ والألُى

قَالُوا بقَوْلِهمَا مِنَ الخَوَرَانِ

495 - "إليهم" أي: إلى أصحاب هذه التصانيف نتحاكم، وننظر في كتبهم وآرائهم ونسمع ونطيع لها، لا إلى الكتاب والسنة.

496 -

يعني: اتفق هو وأصحابه من أهل البدع على عدم حجية ألفاظ القرآن. وقد تقدم أن أهل البدع يردون كثيرًا من نصوص السنة بحجة أنها أخبار آحاد ولا تثبت بها العقائد، وهم كذلك يردون دلالة آيات كتاب الله تعالى بحجة أنها لفظية لا تفيد اليقين، واليقين إنما يثبت عندهم بالكلام والعقل والنظر. (انظر البيت 381 والتعليق عليه).

497 -

يعني بالمعلم الأول: أرسطوطاليس، صار له شأن بين فلاسفة اليونان فأطلق عليه المعلم الأول، وتقدمت ترجمته في البيت رقم 481. انظر آراء أهل المدينة الفاضلة، أخبار الحكماء لابن القفطي ص 22 - 26، 182 - 184 عند كلامه عن الفارابي.

- يعني بالمعلم الثاني: أبا نصر الفارابي وهو محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، أحد الأذكياء. أصله تركي ولد سنة 260 هـ في فاراب على نهر جيحون وانتقل إلى بغداد ونشأ فيها، سمي المعلم الثاني لشرحه كتب أرسطو المعلم الأول. من كتبه "مبادئ الموجودات" و"إبطال أحكام النجوم" وغيرها، وعليها تخرّج ابن سينا. وكان يقول بالمعاد الروحاني للأرواح العالمة لا الجاهلة، توفي سنة 339 هـ، الأعلام 7/ 20، البداية والنهاية 11/ 238، السير 15/ 416، إغاثة اللهفان 2/ 26.

498 -

تقدمت ترجمة الجهم بن صفوان (البيت 40) والجعد بن درهم (البيت 50). "الخوَران": كذا ضبط في ف، ويعني الخوَر، وهو الضعف والانكسار والجبن. ولم أجد هذا المصدر في المعاجم. (ص). يتهكم هذا الضال =

ص: 176

499 -

بَقِيَتْ مِنَ التَّشْبِيه فِيهِ بَقيَّةٌ

نَقَضَتْ قَوَاعِدَهُ مِنَ الأرْكَانِ

505 -

يَنْفِي الصَّفَاتِ مَخَافَةَ التَّجْسِيم لَا

يَلْوي عَلَى خَبَرٍ وَلَا قُرْآنِ

= باثنين من أسلافه الماضين وهما الجهم والجعد ويقول: إنهما قالا بقول متناقض دفعهم إليه الخوف والخور ولم يجرؤوا أن يصرحوا كما نصرح نحن، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكذلك الجهمية على ثلاث درجات: فشرّها الغالية الذين ينفون أسماء الله وصفاته .. فهو في الحقيقة عندهم ليس بحي ولا عالم ولا قادر .. فعند ذلك تبين الناس أنهم لا يثبتون شيئًا لكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرّون في العلانية، فإذا قيل لهم: فمَن تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر هذا الخلق، فقلنا: فهذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم. وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعًا لم يزل ليس بعالم ولا قادر. وعبّروا عنه بأن قالوا: نقول عين لم يزل ولم يزيدوا على ذلك .. غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره فأظهروا معناه .. ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة تظهره ولأفصحوا به غير أن الخوف يمنعهم من إظهار ذلك" أ. هـ باختصار يسير. التسعينية لابن تيمية 1/ 144، وانظر الرد على الجهمية للإمام أحمد ص 105 - 106.

499 -

تقدم تعريف التشبيه في التعليق على المقدمة.

- يعني: أن قاعدة الجهم هي نفي الصفات مطلقًا، ثم هو بعد ذلك يقع في التشبيه بإثباته أنّ الله تعالى يسمع خلقه ويراهم ويعلم ما تكنّ صدورهم، وأنّ له سبحانه المشيئة العامة والقدرة الشاملة فلا يخرج كائن عن مشيئته. والجهم يثبت أن العالم حادث وهذه الصفات التي أثبتها نقضت قاعدته التي حكم بها، ثم هو بعد ذلك يدّعي تعطيل الصفات ونفي التجسيم ويصرخ في الناس بذلك فوقع في التناقض. وقد بيّن الناظم رحمه الله كل ذلك فيما سيأتي من أبيات.

500 -

تقدم تعريف التجسيم في التعليق على المقدمة.

لا يَلوي على خبر، أي: لا يلتفت إليه ولا يتوقف عنده (ص).

ص: 177

501 -

ويقُولُ إنَّ اللهَ يَسْمَعُ أوْ يَرَى

وَكَذَاكَ يَعْلَمُ سِرَّ كلِّ جَنَانِ

502 -

ويقُولُ إنَّ اللهَ قَدْ شاءَ الَّذِي

هُوَ كَائِنٌ مِنْ هَذِهِ الأكْوَانِ

503 -

وَيقُولُ إنَ الفِعْلَ مَقْدُورٌ لَهُ

وَالكَوْنَ يَنْسُبُهُ إِلَى الحِدْثَانِ

504 -

وبِنَفْيهِ التَّجْسِيمَ يَصْرُخُ فِي الوَرَى

واللهِ مَا هَذَانِ يتَّفِقَانِ

505 -

لَكِنَّنَا قُلْنَا مُحَالٌ كُلُّ ذَا

حَذَرًا مِنَ التَّجْسِيمِ والإِمْكَانِ

* * *

501 - من هذا البيت بداية السقط من س.

503 -

الجهمية المتأخرون أشد تعطيلًا ونفيًا من الجهم بن صفوان، فإن الجهم كان يقول: لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه لأن ذلك يقتضي تشبيهًا، فنفى كونه حيًا عالمًا وأثبت كونه قادرًا فاعلًا موجدًا خالقًا لأنه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق، لكنه يثبت المشيئة مع قوله بالجبر ويقول بحدوث العالم خلافًا لمن قال بقدمه. أما المتأخرون أمثال هذا الزنديق الذي يتحسر على الجهم بأنه أثبت ما أثبت خوفًا ممن حوله من أهل السنة فهم ينفون نفيًا مطلقًا ولا يثبتون شيئًا. انظر الملل والنحل 1/ 73، التبصير في الدين ص 97، الفرق بين الفرق 221، وسيأتي في كلام الناظم عرض مذهبهم مفصلًا وبيان أن حقيقته إنكار وجود الله سبحانه. (انظر البيت: 1060 وما بعده).

504 -

كذا في الأصل، ف، د. وفي غيرها:"متفقان". والمعنى: أن الجهم قد نفى ما نفى من الصفات خوفًا من تشبيه الله بالمخلوقين، وأثبت ما لا يقع عنده فيه تشبيه كالخلق والإيجاد والقدرة. فيقول هذا الزنديق: إن الجهم بإثباته بعض الصفات قد وقع في التجسيم، إذ الصفات لا تقع إلا على الأجسام فكيف يصرخ الجهم بنفي التشبيه والتجسيم ثم يقع فيه؟ هذا من التناقض.

505 -

طع: "من التشبيه".

- يعني: أننا لم نتردد أو نتناقض كما وقع من الجهم ولم نجبن عن التصريح بالنفي الشامل، بل قلنا إن إثبات شيء من الصفات هو محال حتى لا نقع في =

ص: 178

فصلٌ في قدوم ركب الإِيمان وعسكر القرآن

(1)

506 -

وَأتى فَرِيقٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا اسْمَعُوا

قَدْ جئْتُكُمْ مِنْ مَطْلَع الإيمَانِ

507 -

مِنْ أرْضِ طيبَةَ مِنْ مُهَاجَر أحْمَدٍ

بالحَقِّ والبُرْهَانِ والتِّبْيَانِ

508 -

سَافَرْتُ فِي طَلَبِ الإله فَدَلَّنِي الْـ

ـهَادِي عَلَيْهِ ومُحْكَمُ القُرْآنِ

509 -

مَعَ فِطْرَةِ الرَّحمن جل جلاله

وصرِيحِ عَقلٍ فاعْتلى بُنْياني

510 -

فَتَوافَقَ العقلُ الصَّرِيحُ وَفِطْرَةُ الرّ

حْمنِ والمنقُولُ فِي إيمَانِي

511 -

شَهِدُوا بأنَّ اللهَ جل جلاله

مُتَفَرَّدٌ بالمُلْكِ والسُلْطَانِ

512 -

وَهُوَ الإلةُ الْحَقُّ لَا مَعْبودَ إلا

م وَجْهُهُ الأَعْلَى العظيمُ الشَّانِ

513 -

بَلْ كُلُّ معْبُودٍ سِوَاهُ فبَاطِلٌ

مِنْ عَرْشهِ حَتَّى الحضِيضِ الدَّانِي

514 -

وَعِبَادَةُ الرَّحْمن غَايَةُ حُبِّهِ

مَعَ ذُلِّ عَابِدِه هُمَا قُطْبَانِ

= التجسيم أو نسبة الله إلى الحدوث والإمكان الذي هو من خصائص المخلوق. وبالجملة فنفاة الصفات يزعمون أنهم ينفونها خوفًا من الوقوع في أمرين:

الأول: التجسيم لأن الصفات من خواص الأجسام والله ليس بجسم.

الثاني: الإمكان أي: جعل الله ممكن الوجود لا واجب الوجود لأن الصفات حوادث والحوادث لا تقوم إلا بحادث. وقد تقدم ذلك في البيت 169.

(1)

سقط عنوان الفصل من طه.

509 -

تقدم تعريف الفطرة. (البيت 262).

- "عقل": كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: "عقلي" وبعده في طه: "فاعقلي ببيان"!.

510 -

كذا في ف. وفيه ترتيب صعودي لما ذكر في البيتين السابقين. ووصف العقل بالصريح في البيت السابق يرجح ما في هذه النسخة. وفي غيرها: "الوحي الصريح وفطرة الرحمن والمعقول"(ص).

514 -

القطب: الحديدة القائمة التي تدور عليها الرَّحَى، والقطب: كوكب بين =

ص: 179

515 -

وَعَلَيْهِمَا فَلَكُ العِبَادَةِ دائرٌ

مَا دَارَ حَتَّى قامَتِ القُطْبَانِ

516 -

ومَدَارُهُ بالأَمْرِ أمْرِ رسُولِهِ

لَا بالهَوَى والنَّفْسِ والشَّيطَانِ

517 -

فَقِيامُ دِينِ اللهِ بالإخلاصِ والْـ

إحْسَانِ إنَّهُمَا لَهُ أصْلَانِ

518 -

لَمْ يَنْجُ مِنْ غَضَبِ الإلهِ ونَارِهِ

إلَّا الَّذِي قَامَتْ بِهِ الأَصْلَانِ

519 -

والنَّاسُ بَعْدُ فمشْرِكٌ بإِلهِهِ

أوْ ذُو ابْتدَاعٍ أوْ لَهُ الوَصْفَانِ

= الجدي والفرقدين يدور عليه الفلك، صغير أبيض لا يبرح مكانه أبدًا. أو شبه بقطب الرَّحَى لأنّ الكواكب تدور عليه. ومنه قطب كل شيء: مِلاكه. اللسان 1/ 681 - 682.

515 -

ب، ظ، س: فعليهما.

- القطب مذكر، وأنّثه الناظم هنا للضرورة، وكذلك أنث كلمة "الأصل" في البيت الآتي برقم 518. وانظر التعليق على البيت 228 (ص).

518 -

يشهد لذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22] وقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

519 -

من نقد الشرط الأول من شرطي العبادة وهو الإخلاص لله تعالى وقع في الشرك، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه" رواه البخاري ج 1 / ص 193 /ح 99 فتح، كتاب العلم، باب 33، الحرص على الحديث. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ " فقلنا: بلى يا رسول الله، فقال:"الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل" رواه ابن ماجه وقال البوصيري في الزوائد: إسناده حسن. سنن ابن ماجه ج 2 /ص 427 /ح 4257، باب الرياء والسمعة، وقال الألباني: حسن، صحيح سنن ابن ماجه ج 2 / ص 410 /ح 3389. =

ص: 180

520 -

واللهُ لَا يَرْضَى بكثْرَةِ فِعْلِنَا

لَكِنْ بأحْسَنِهِ مَعَ الإيمَانِ

521 -

فالعَارِفُونَ مُرادُهُمْ إحسَانُهُ

والجَاهِلُون عَمُوا عَنِ الإِحْسَانِ

522 -

وَكَذَاكَ قَدْ شَهِدُوا بأنَّ اللهَ ذُو

سَمْعٍ وذُو بَصرٍ هُمَا صِفَتَانِ

523 -

وَهوَ العَلِيُّ يَرَى وَيسْمَعُ خَلْقَهُ

مِنْ فَوْقِ عَرْشٍ فَوْقَ سِتِّ ثَمَانِ

524 -

فَيَرى دَبِيبَ النَّمْلِ فِي غَسَقِ الدُّجَى

وَيَرَى كَذاكَ تَقَلُّبَ الأجْفَانِ

= ومن فقد الشرط الثاني من شرطي العبادة وهو اتباع الكتاب والسنة وقع في الابتداع والضلال. عن ابن عباس رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: "إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا كتاب الله وسنّة نبيه" الحديث رواه الحاكم وصحح إسناده ووافقه الذهبي والحديث أصله في الصحيحين. المستدرك ج 1 / ص 171/ ح 318.

520 -

كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} [الملك: 2] فلم يقل: "أكثر عملًا".

521 -

أهل العلم والمعرفة يحرصون على إحسان العمل بتحقيق شرطيه: الإخلاص والمتابعة، أما أهل الجهل والتفريط فقد غفلوا عن ذلك فوقعوا في الضلال.

522 -

يدل عليه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

523 -

يدل عليه قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام: 59].

- وقوله: "ست ثمان" الأصل أن يقول: ست وثمان، وحذفت الواو لضرورة الشعر، والمراد الجمع فتكون أربع عشرة وهي السموات السبع والأرضون السبع، فيرى سبحانه وهو على عرشه ما تحت الأرض السابعة. وانظر ما سبق في البيت 412.

524 -

يعني: مشي النمل في ظلمة الليل الشديدة.

- "تقلب الأجفان": أي الإيماء بالعين والتلفت بها. يدل عليه قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} [غافر: 19].

ص: 181

525 -

وَضَجِيجُ أصْوَاتِ العِبَادِ بسَمْعِهِ

وَلدَيْهِ لا يَتَشَابَهُ الصَّوْتَانِ

526 -

وَهُوَ العَلِيمُ بِمَا يُوسْوِسُ عبدُهُ

فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْر نُطْقِ لِسَانِ

527 -

بَلْ يَسْتَوِي فِي عِلْمِه الدَّانِي مَعَ الـ

ـقَاصِي وَذُو الإسْرَارِ والإعْلَانِ

528 -

وَهُوَ العَلِيمُ بِمَا يَكُونُ غَدًا وَمَا

قَدْ كَانَ والمعْلُومِ فِي ذَا الآنِ

529 -

وبِكُلِّ شَيءٍ لمْ يكنْ لَوْ كَانَ كَيْـ

ـفَ يَكُونُ موجُودًا لِذي الأعْيَانِ

530 -

وَهُوَ القَدِيرُ فَكُلُّ شَيء فَهْو مَقْـ

ـدُورٌ لَهُ طَوْعًا بِلَا عِصْيَانِ

525 - الضجيج: الصياح عند المكروه والمشقة والجزع. اللسان 2/ 312، والمقصود هنا: الأصوات العالية المختلطة.

"يتشابه": كذا في ظ، د، طه. وفي الأصل نقط حرف المضارع بالفوقانية والتحتانية معًا، وأهمل نقطه في ف، وفي ب، طت، طع بالفوقانية. وقد سبق لفظ الصوت في البيت 421 مذكرًا، وهو الصحيح في اللغة (ص).

- يدل عليه قوله تعالى: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} [يونس: 31] وقوله: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} [الزخرف: 80].

526 -

يدل عليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] أي: أن الله تعالى يعلم ما تحدث به النفس فلا يخفى عليه ما تخفيه السرائر وتضمره القلوب. تفسير ابن كثير 4/ 220، تفسير الطبري مجلد 13/ ج 26/ 156، وقوله:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} [الزخرف: 80].

527 -

يدل عليه قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)} [الرعد: 10].

529 -

وهذا من سعة علم الله تعالى أنه يعلهم ما لم يكن لو كان كيف يكون كما قال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: 47] وقوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28].

530 -

يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20].

ص: 182

531 -

وَعُمُومُ قُدْرَتهِ يدُلُّ بأَنَهُ

هُوَ خَالِقُ الأَفْعَالِ لِلحَيَوَانِ

532 -

هِيَ خَلْقُهُ حَقًّا وأفْعَالٌ لَهُمْ

حَقًا وَلَا يَتَنَاقَضُ الأمْرَانِ

533 -

لكنَّ أهْلَ الجَبْرِ والتَّكْذِيبِ بِالْـ

أَقْدَارِ مَا انْفَتَحَتْ لَهُمْ عَيْنَانِ

534 -

نَظَرُوا بِعَيْنَيْ أَعْوَرٍ إِذْ فَاتَهُمْ

نَظَرُ البَصِيرِ وغَارَتِ العَيْنَانِ

531 - كذا في ف. وفي غيره: "تدلّ".

532 -

تقدم تفصيل الكلام على خلق الله تعالى لأفعال العباد والرد على الجهمية (راجع البيت: 150 وما بعده).

533 -

أهل الجبر: هم الجبرية من الجهمية ومن وافقهم القائلون بأن العباد مجبورون على أفعالهم وأن الأفعال تصدر من العبد بغير اختياره بل هي منه كحركة المرتعش، وقد تقدم تفصيل ذلك في البيت 150 وما بعده.

المكذبون بالقدر: هم القدرية من المعتزلة ومن وافقهم. وقولهم في أفعال العباد على الضد من قول الجبرية، فهم يقولون: إن الله تعالى غير خالق لأفعال الناس ولا لشيء من أعمال الحيوانات. وقد زعموا أنّ الناس هم الذين يقدرون على أكسابهم وأنهم خلقوا أفعالهم وأنه ليس لله عز وجل في أكسابهم ولا في أعمال سائر الحيوانات صنع وتقدير. ولأجل هذا القول سماهم المسلمون قدرية. الفرق بين الفرق ص 132، الملل والنحل 1/ 39، الدين الخالص لمحمد صديق حسن 3/ 158.

534 -

غارت العين: دخلت في الرأس. يشير الناظم رحمه الله إلى أن الجبرية نظروا إلى عموم القدرة والمشيئة فسلبوا العبد قدرته واختياره، وجعلوه مجبورًا على أفعاله، وعموا عن جانب التكليف والأمر والنهي. أما القدرية فنظروا إلى جانب الأمر والنهي والثواب والعقاب، وعموا عن خلق أفعال العباد وعن القدر السابق. أما أهل الحق فجمعوا بين الأمرين فقالوا: إن الحركة تقع بقدرة العبد وإرادته التي جعلها الله فيه، فالله سبحانه إذا أراد فعل العبد خلق له القدرة والداعي إلى فعله. فيضاف الفعل إلى قدرة العبد إضافة المسبب إلى سببه، ويضاف إلى قدرة الرب إضافة المخلوق إلى الخالق. انظر شفاء العليل 146 - 147. وتقدم الكلام على القدر وخلق أفعال العباد في البيت: 150 وما بعده.

ص: 183