الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بيَّنا معنى الباقيات الصالحات، وذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك، ودللنا على الصواب من القول فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال:" جلس النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأخذ عودا يابسا، فحطّ ورقه ثم قال: إنَّ قَوْلَ لا إله إلا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ، والحَمْدُ للهِ وسُبْحَانَ اللهِ، تَحطُّ الخَطايا، كمَا تَحُطُّ وَرَقَ هذِهِ الشَّجَرَةِ الرِّيحُ، خُذْهُنَّ يا أبا الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ، هُنَّ البَاقِيَاتُ الصَّالِحاتُ، وَهُنَّ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ"، قال أبو سلمة: فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال: لأهللنّ الله، ولأكبرنّ الله، ولأسبحنّ الله، حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا
(77)
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (أفَرَأيْتَ) يا محمد (الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا) حججنا فلم يصدّق بها، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر (وَقَالَ) وهو بالله كافر وبرسوله (لأُوتَينَّ) في الآخرة (مالا وَوَلَدًا) .
وذُكر أن هذه الآيات أنزلت في العاص بن وائل السهمي أبي عمرو بن العاص.
* ذكر الرواية بذلك: حدثنا أبو السائب وسعيد بن يحيى، قالا ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن خباب، قال: كنت رجلا قينا، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال: والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: فقال: فإذا أنا متّ ثم بُعثت كما تقول، جئتني ولي مال وولد، قال: فأنزل الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) .... إلى قوله: (وَيَأْتِينَا فَرْدًا) .
حدثني به أبو السائب، وقرأ في الحديث: وولدا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاص بن وائل السهمي بدين، فأتوه يتقاضونه، فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة فضة وذهبا وحريرا، ومن كلّ الثمرات؟ قالوا: بلى، قال: فإن موعدكم الآخرة، فوالله لأُوتينّ مالا وولدا، ولأُوتينّ مثل كتابكم الذي جئتم به، فضرب الله مثله في القران، فقال:(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا) .... إلى قوله (وَيَأْتِينَا فَرْدًا) .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله (لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا) قال: العاص بن وائل يقوله.
حدثنا القاسم، قال. ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا) فذكر لنا أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتوا رجلا من المشركين يتقاضونه دينا، فقال: أليس يزعم صاحبكم أن في الجنة حريرا وذهبا؟ قالوا: بلى، قال فميعادكم الجنة، فوالله لا أومن بكتابكم الذي جئتم به، استهزاء بكتاب الله، ولأُوتينّ مالا وولدا، يقول الله (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) ؟.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: قال خباب بن الأرت: كنت قينا بمكة، فكنت أعمل للعاص بن وائل، فاجتمعت لي عليه دراهم، فجئت لأتقاضاه، فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، قال: قلت: لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: فإذا بُعثت كان لي مال وولد، قال: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا إِلَى وَيَأْتِينَا فَرْدًا) .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَوَلدًا) فقرأته قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: (وَوَلَدًا) بفتح الواو من الولد في كلّ القرآن، غير أن أبا عمرو بن
العلاء خص التي في سورة نوح بالضمّ، فقرأها (مالُهُ وَوُلْدُهُ) وأما عامَّةُ قرّاء الكوفة غير عاصم، فإنهم قرءوا من هذه السورة من قوله (مَالا وَوَلَدًا) إلى آخر السورة. واللتين في الزخرف، والتي في نوح، بالضمِّ وسكون اللام.
وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك إذا ضمت واوه، فقال بعضهم: ضمها وفتحها واحد، وإنما هما لغتان، مثل قولهم العُدم والعَدم، والحزن والحَزَن. واستشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشاعر:
فَلَيْتَ فُلانا كانَ في بَطْنِ أُمِّهِ
…
وَلَيْتَ فُلانا كانَ وُلْدَ حِمارِ (1)
ويقول الحارث بن حِلِّزة:
وَلَقَدْ رأيْتُ مَعاشِرًا
…
قَدْ ثَمَّرُوا مالا وَوُلْدًا (2)
وقول رُؤْبة:
الحَمْدُ للهِ العَزِيزِ فَرْدَا
…
لَمْ يَتَّخِذْ مِنْ وُلْدِ شَيْءٍ وُلْدَا (3)
وتقول العرب في مثلها: وُلْدُكِ مِنْ دَمَّى عَقِبَيْكِ، قال: وهذا كله واحد، بمعنى الولد.
وقد ذُكر لي أن قيسا تجعل الوُلْد جمعا، والوَلد واحدا.
ولعلّ الذين قرءوا ذلك بالضمّ فيما اختاروا فيه الضمّ، إنما قرءوه كذلك ليفرقوا بين الجمع والواحد.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي أن الفتح في الواو من الوَلد والضمّ فيها بمعنى واحد، وهما لغتان، فبأيتهما قرأ
(1) البيت في (اللسان: ولد) ولم ينسبه. قال: الولد والولد واحد، مثل العرب والعرب، والعجم، والعجم ونحو ذلك. وأنشد الفراء:" فليت فلانا. . . " البيت. فهذا واحد. قال: وقيس تجعل الولد جمعا، والولد (بالتحريك) واحدا. ابن السكيت يقال في الولد: الولد (بكسر أوله) ولا ولد (بضم أوله) . قال: ويكون الولد (بضم أوله) واحدا وجمعا قال: وقد يكون الولد (بالضم) جمع الولد، مثل أسد وأسد. (وهذا قريب مما نقله المؤلف عن الفراء في معاني القرآن) .
(2)
البيت للحارث بن حلزة اليشكري، وهو من شواهد (لسان العرب: ولد) مثل الشاهد الذي قبله. واستشهد به الفراء أيضًا في معاني القرآن (مصورة الجامعة رقم 24059 ص 195) ثم قال: والولد والولد: لغتان مثل ما قالوا: العدم والعدم.
(3)
البيتان لرؤبة بن العجاج، وهما من مشطور الرجز، والفرد: المتفرد بالربوبية، وبالأمر دون خلقه، وهو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا ثاني. والبيت ساقه المؤلف مع الشاهدين السابقين عليه. شواهد على أن الولد، بضم الواو وسكون اللام، بمعنى الولد، بالتحريك. وأنه مفرد، وقد يجيء بمعنى الجمع.