الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويُثاب، وإن الله عزّ ذكره لم يخصص من قوله (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا) بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن ظنّ ظانّ أن ذلك مخصوص بالخبر الذي رويناه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ورد بأن قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هنّ من الباقيات الصالحات، ولم يقل: هنّ جميع الباقيات الصالحات، ولا كلّ الباقيات الصالحات، وجائز أن تكون هذه باقيات صالحات، وغيرها من أعمال البرّ أيضا باقيات صالحات.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا
(47)
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) }
يقول تعالى ذكره:
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ) عن الأرض، فنبسُّها بَسًّا، ونجعلها هباء منبثا (وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً) ظاهرة: وظهورها لرأي أعين الناظرين من غير شيء يسترها من جبل ولا شجر هو بروزها.
وبنحو ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى "ح"، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً) قال: لا خَمْرَ فيها ولا غيابة ولا بناء، ولا حجر فيها.
حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً) ليس عليها بناء ولا شجر.
وقيل: معنى ذلك: وترى الأرض
بارزا أهلها الذين كانوا في بطنها، فصاروا على ظهرها.
وقوله (وَحَشَرْنَاهُمْ) يقول: جمعناهم إلى موقف الحساب (فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)، يقول: فلم نترك، ولم نبق منهم تحت الأرض أحدا، يقال منه: ما غادرت من القوم أحدا، وما أغدرت منهم أحدا، ومن أغدرت قول الراجز:
هَلْ لكِ والعارِضُ مِنكِ عائِضُ
…
في هَجْمَةٍ يُغْدِرُ مِنْها القابِضُ (1)
وقوله: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا) يقول عزّ ذكره: وعُرض الخلق على ربك يا محمد صفا.
(لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يقول عزّ ذكره: يقال لهم إذ عُرضوا على الله: لقد جئتمونا أيها الناس أحياء كهيئتكهم حين خلقناكم أوَّل مرة، وحذف يقال من الكلام لمعرفة السامعين بأنه مراد في الكلام.
وقوله: (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا) وهذا الكلام خرج مخرج الخبر عن خطاب الله به الجميع، والمراد منه الخصوص، وذلك أنه قد يرد القيامة خلق من الأنبياء والرسل، والمؤمنين بالله ورسله وبالبعث، ومعلوم أنه لا يقال يومئذ لمن وردها من أهل التصديق بوعد الله في الدنيا، وأهل اليقين فيها بقيام الساعة، بل زعمتم أن لن نجعل لكم البعث بعد الممات، والحشر إلى القيامة موعدا، وأن ذلك إنما يقال لمن كان في الدنيا مكذّبا بالبعث وقيام الساعة.
(1) هذان بيتان من مشطور الرجز، من ثلاثة أبيات أوردها (اللسان: عرض) والثالث قبلهما، وهو * يا ليل أسقاك البريق الوامض *
وهي لأبي محمد الفقعسي قاله يخاطب امرأة خطبها إلى نفسها، ورغبها في أن تنكحه، فقال: هل لك رغبة في مئة من الإبل أو أكثر من ذلك لأن الهجمة أولها الأربعون، إلى ما زدت، يجعلها لها مهرا. قال: وفيه تقديم وتأخير، والمعنى هل لك في مئة من الإبل أو أكثر، يسئر منها قابضها الذي يسوقها، أي يبقى، لأنه لا يقدر على سوقها، لكثرتها وقوتها، لأنها تفرق عليه. ثم قال والعارض منك عائض، أي المعطي بذل بضعك أي معطي بدل بضعك عرضا عائض، أي آخذ عوضا منك بالتزويج، يكون كفاء لما عرض منك. ويقال عضت أعاض: إذا اعتضت عوضا، (بكسر العين في الماضي) وعضت أعوض (بضم عين الماضي) : إذا عوضت عوضا: أي دفعت: فقوله عائض من عضت (بالكسر) لا من عضت (بالضم) . ومن روى " يغدر ": أراد يترك، من قولهم غادرت الشيء. قال ابن بري: والذي في شعره: " والعائض منك عائض ": أي والعوض منك عوض، كما تقول: الهبة منك هبة، أي لها موقع. اهـ - قلت: في رواية اللسان لهذا الرجز " يسئر " أي يبقى، في موضع " يغدر ".