الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الله يعلم الجهر الذي يجهرون به من القول، ويعلم ما تخفونه فلا تجهرون به، سواء عنده خفيه وظاهره وسره وعلانيته، إنه لا يخفى عليه منه شيء، فإن أخر عنكم عقابه على ما تخفون من الشرك به أو تجهرون به، فما أدري ما السبب الذي من أجله يؤخر ذلك عنكم؟ لعلّ تأخيره ذلك عنكم مع وعده إياكم لفتنة يريدها بكم، ولتتمتعوا بحياتكم إلى أجل قد جعله لكم تبلغونه، ثم ينزل بكم حينئذ نقمته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) يقول: لعل ما أقرب لكم من العذاب والساعة، أن يؤخر عنكم لمدتكم، ومتاع إلى حين، فيصير قولي ذلك لكم فتنة.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
(112) }
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد: يا رب افصل بيني وبين من كذّبني من مشركي قومي وكفر بك، وعبد غيرك، بإحلال عذابك ونقمتك بهم، وذلك هو الحقّ الذي أمر الله تعالى نبيه أن يسأل ربه الحكم به، وهو نظير قوله جلّ ثناؤه (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس (قال رب احكم بالحقّ) قال: لا يحكم بالحقّ إلا الله، ولكن إنما استعجل بذلك في الدنيا، يسأل ربه على قومه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قَتادة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان إذا شهد قتالا قال (رب احكم بالحق) .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار (قُلْ رَبّ احْكُمْ) بكسر الباء، ووصل الألف ألف احكم، على وجه الدعاء والمسألة،
سوى أبي جعفر، فإنه ضم الباء من الربّ، على وجه نداء المفرد، وغير الضحاك بن مزاحم، فإنه روي عنه أنه كان يقرأ ذلك:(رَبّي أَحْكَمُ) على وجه الخبر بأن الله أحكم بالحقّ من كل حاكم، فيثبت الياء في الربّ، ويهمز الألف من أحكم، ويرفع أحكم على أنه خبر للربُ تبارك وتعالى:
والصواب من القراءة عندنا في ذلك: وصل الباء من الرب وكسرها باحكم، وترك قطع الألف من احكم، على ما عليه قراء الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه. وأما الضحاك فإن في القراءة التي ذكرت عنه زيادة حرف على خط المصاحف، ولا ينبغي أن يزاد ذلك فيها، مع صحة معنى القراءة بترك زيادته، وقد زعم بعضهم أن معنى قوله (رب احكم بالحق) قل: ربّ احكم بحكمك الحقّ، ثم حذف الحكم الذي الحقّ نعت له، وأقيم الحقّ مقامه، ولذلك وجه، غير أن الذي قلناه أوضح وأشبه بما قاله أهل التأويل، فلذلك اخترناه.
وقوله (وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) يقول جلّ ثناؤه: وقل يا محمد: وربنا الذي يرحم عباده ويعمهم بنعمته، الذي أستعينه عليكم فيما تقولون وتصفون من قولكم لي فيما أتيتكم به من عند الله (هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) وقولكم (بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ) وفي كذبكم على الله جلّ ثناؤه وقيلكم (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) فإنه هين عليه تغيير ذلك، وفصل ما بيني وبينكم بتعجيل العقوبة لكم على ما تصفون من ذلك.
آخر تفسير سورة الأنبياء عليهم السلام