الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جِيءَ بالسَّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ وَمَا فِيهِنَّ وما بَيْنَهُنَّ وَمَا تَحْتَهُنَّ، فَوُضِعْنَ فِي كِفَّةِ المِيزان، ووُضِعَتْ شَهَادَةُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ في الكِفَّةِ الأُخْرَى، لَرَجَحَتْ بِهِنَّ".
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: غضبت الملائكة، واستعرت جهنم، حين قالوا ما قالوا.
وقوله: (وتنشق الأرض) يقول: وتكاد الأرض تنشقّ، فتنصدع من ذلك (وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) يقول: وتكاد الجبال يسقط بعضها على بعض سقوطا. والهدّ: السقوط، وهو مصدر هددت، فأنا أهدّ هدّا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله (وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) يقول: هدما.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس (وتخر الجبال هدّا) قال: الهد: الانقضاض.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) قال: غضبا لله. قال: ولقد دعا هؤلاء الذين جعلوا لله هذا الذي غضبت السماوات والأرض والجبال من قولهم، لقد استتابهم ودعاهم إلى التوبة، فقال:(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) قالوا: هو وصاحبته وابنه، جعلوهما إلهين معه (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ) .... إلى قوله:(وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا
(91)
وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) }
يقول تعالى ذكره: وتكاد الجبال أن تخرّ انقضاضا، لأن دعوا للرحمن ولدا. ف "أن" في موضع نصب في قول بعض أهل العربية، لاتصالها بالفعل، وفي قول غيره في موضع خفض بضمير الخافض، وقد بينا الصواب من القول في ذلك في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقال (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) يعني بقوله: (أَنْ دَعَوْا) : أن جعلوا له ولدا، كما قال الشاعر:
ألا رُبَّ مَنْ تَدْعُو نَصِيحا وَإنْ تَغِب
…
تَجدْهُ بغَيْبٍ غيرَ مُنْتَصِحِ الصَّدْرِ (1)
وقال ابن أحمر:
أهْوَى لَهَا مِشْقَصًا حَشْرًا فَشَبْرَقَها
…
وكنتُ أدْعُو قَذَاها الإثمدَ القَرِدَا (2)
وقوله (وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) يقول: وما يصلح لله أن يتخذ ولدا، لأنه ليس، كالخلق الذين تغلبهم الشهوات، وتضطرّهم اللذّات إلى جماع الإناث، ولا ولد يحدث إلا من أنثى، والله يتعالى عن أن يكون كخلقه، وذلك كقول ابن أحمر:
في رأسِ خَلْقاءَ مِنْ هَنْقاءَ مُشْرِفَةٍ
…
ما ينبغي دُونَها سَهْلٌ ولا جَبَلُ (3)
يعني: لا يصلح ولا يكون.
(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) يقول: ما جميع من في السماوات من الملائكة، وفي الأرض من البشر والإنس والجنّ (إِلا
(1) انظر شرح هذا الشاهد مع شرح تاليه.
(2)
(1) البيت في (اللسان: دعا) . ونسبه إلى ابن أحمر الباهلي. قال: ودعوته بزيد، ودعوته إياه سميته به، تعدى الفعل بعد إسقاط الحرف؛ قال ابن أحمر الباهلي:" أهوى لها. . . " البيت. أي اسميه، وأراد: أهوى لها بمشقص، فحذف الحرف وأوصل وقوله عز وجل (أن دعوا للرحمن ولدا) : أي جعلوا، وأنشد بيت ابن أحمر أيضا وقال: أي كنت أجعل وأسمي؛ ومثله قول الشاعر: " ألا رب من تدعو تصيحا. . . البيت ". والمشقص من النصال: ما كان طويلا غير عريض، فإذا كان عريضا فهو المعبلة (اللسان: شقص) . وسهم محشور وحشر: مستوى قذذ الريش، وكل لطيف دقيق حشر. وشبرقها: مزقها، يقال: ثوب مشبرق: مقطع ممزق. وفي كتاب (المعاني الكبير لابن قتيبة طبع حيدر أباد ص 988) : يقول: كنت من إشفاتي عليها أسمي ما يصلحها قذى، فكيف ما يؤذيها. وقوله " أدعو " أي أسمي؛ تقول: ما تدعون هذا فيكم؟ أي ما تسمونه؟ والحشر: السهم الخفيف الريش الذي قد شد قصبه ورصافه. والإثمد: الكحل الأسود والقرد: هو الذي ينقطع في العين؛ وقيل: القرد: الذي لصق بعضه ببعض. والمعنى: كنتم أسمي الإثمد قذى، من حذري عليها.
(3)
تقدم الاستشهاد بهذا البيت قريبا في هذا الجزء ص 84 وشرحناه ثمة.