الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّفَقَاتُ:
وهِيَ بِنِكَاحٍ وَقَراَبٍة ومِلْكٍ
يعني: أن أسباب وجوب النفقة ثلاثة وبقي رابع وهو الالتزام، وسكت عنه لكونه إنما أراد ما تجب به في أصل الشرع.
فَتَجِبُ فِي النَّكَاحِ بِالدُّخُولِ أَوْ بِأَنْ يُبْتَغَي مِنْهُ الدُّخُولُ ولَيْسَ أَحَدُهُمَا مَرِيضاً مَرَضَ السِّيَاقِ، وِبمِا يَجِبُ به الصَّدَاقُ ....
الأصل في الوجوب ما في الصحيحين من حديث هند بنت عتبة أنها قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((خذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي وَلَدَكِ)).
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غَنِيٌّ، وِالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَا بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الْوَلَدُ: أَطْعِمْنِى إِلَى مَنْ تَدَعُنِي)) قالوا: يا أبا هريرة هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة، وقال: النسائي في هذا الحديث: ((ابدأ بمن تعول))، فقيل: فمن أعول يا رسول الله، قال:((امرأتك تقول أطعمنى أو فارقني، وخادمك تقول: أطعمني واستعملني، وولدك يقول: إلى من تركتني)).
وقوله: (أَوْ بِأَنْ يُبْتَغَي مِنْهُ الدُّخُولُ) يعني أن النفقة تجب بأحد وجهين: إما بالدخول، وإما بأن يدعى إلى الدخول، وكل واحد منهما صحيح أو مريض مرضاً لا يبلغ حد السياق.
واعلم أن المرض على ثلاثة أقسام: إن كانت مريضة يمكن منها الاستمتاع وجبت لها النفقة، وإن بلغت حد السياق لم تجب، وإن لم تبلغ حد السياق ولم يمكن منها الاستمتاع فمذهب المدونة الوجوب، ومذهب سحنون في السليمانية عدمه كالصغيرة.
اللخمي: وهو أحسن وهو المفهوم من قول مالك.
وكلام المصنف جارٍ على مذهب المدونة، لأن قوله: وليس أحدهما مريضاً مرض السياق، يقتضي أن أحدهما إن كان مريضاً مرض السياق لا نفقة عليه، ويقتضي أن ما دون ذلك لا يمنع النفقة.
ابن عبد السلام: وأنكر بعض المتأخرين عن اللخمي حكاية الخلاف في القسم الثالث. وقد ذكر ابن حارث الخلاف كما ذكره اللخمي، وليس قوله: وبما يجب به الصداق سبباً ثالثاً لوجوب نفقة الزوجة وإنما هو من تمام السبب الثاني، إذ لا يكفي الدعاء إلى الدخول مع السلامة من المرض، بل حتى يكون الزوج بالغاً على المشهور ومطيقاً للوطء على الشاذ وأن تكون هي مطيقة للوطء.
وفهم من كلام المصنف أن النفقة لا تجب بمجرد العقد وهو المشهور، وفهم جماعة من كتاب الزكاة الثاني من المدونة وجوب نفقة الزوجة بعقد النكاح وجعلوه خلافاً لما في النكاح. وحكى صاحب الطرر وغيره عن سحنون التفرقة بين ذات الأب واليتيمة، فتجب لليتيمة بالعقد دون ذات الأب.
وَتُعْتَبَرُ بِحَالِ الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ، والْبَلَدِ والسِّعْرِ اتِّفَاقاً
يعني: أن الاعتبار في النفقة بحال الزوج والزوجة في العسر واليسر وكذلك أيضاً يعتبر البلد والسعر، إذ ليس بلد الجدب كبلد الخصب وليس زمان الرخاء كزمان الغلاء فإن الناس يقنعون بالقليل في زمن الغلاء بخلاف الرخص، وقد يقال: الاتفاق الذي
حكاه المصنف منقوض بما سيأتي لابن القاسم أنه لا يلزم الحرير مطلقاً وإن كان عادتهم فانظره، إلا أن يقال: كلامه هنا إنما هو بالنسبة إلى النفقة.
وإِنْ وَقَعَ خِلافٌ فَلِتَغَيُّرِهِ
يعني: أن ما وقع في المذهب من الخلاف في قدر النفقة وشبه ذلك فإنما هو لتغير حال البلد أو السعر. وفي بعض النسخ (فلغيره) وليست بجيدة، لأنه ليس الخلاف لغير المذكور بل لما ذكر. ويحتمل ضمير فلتغيره أن يعود على المتقدم، ويحتمل عوده على البلد، ألا ترى قوله:(وَقَدَّرَ مَالِكٌ .... إلخ). ابن راشد: ويحتمل أن يعود على الحال، أي ليس في المذهب خلاف في اعتبار حال الزوج والزوجة.
ويحتمل أن يعود على السعر وهو عندي أصوب، لقوله: (وَقَدَّرَ مَالِكٌ الْمُدَّ [420/أ] في اليوم
…
إلخ) قال: ولكن ما ذكره من اعتبار حال الزوج يشكل بالمرأة الأكولة جداً فإن الواجب عليه أن يشبعها أو يفارقها، فإذا كانت المرأة تأكل ربية وحاله مداً ومدين فأين اعتبار حاله. وإنما ذكر ما هو الغالب، أما لو استأجر أجيراً بطعامه فظهر أكولاً ففي المبسوط له أن يفسخ الإجارة، لأنه كعيب وجده إلا أن يرضى الأجير بطعام وسط فليس عليه أن يجبره على ذلك، لئلا يضر به. بعض الأصحاب: ويحتمل أن يعطيه طعاماً وسطاً كمن استؤجر على حمل رجلين لم يرهما فأوتي بهما عظيمين فلا يلزمه حملهما ويأتي بالوسط وفيه نظر، لأن المحمول لا يتعين فلذلك ألزم فيه بالوسط.
وَقَدَّرَ مَالِكٌ الْمُدَّ فِي الْيَوْمَيْنِ، وقَدَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ ويتبين ونِصْفاً فِي الشَّهْر إِلَى ثَلاثَةٍ، لأَنَّ مَالِكاً بِالمْدَيِنَةِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ بِمِصْرَ، وقَالَ: إِنْ أَكَلَ النَّاسُ الشَّعِيَر أَكلَتْهُ .....
هذا تمثيل للخلاف الواقع لاختلاف البلد أو السعر، والمراد بالمد هنا المد الهشامي وهو منسوب إلى هشام بن إسماعيل المخزومي وكان أميراً بالمدينة في خلافة هشام بن
عبد الملك، كانت المرأة تأتيه ليفرض لها النفقة فكان يستقل أن يفرض لها بالمد الأصغر فرأى الزيادة عليه فزاد ثم زاد، ثم جمعه وجعله مداً، وتبعه على ذلك حكام المدينة وبلغ ذلك مالكاً فاستحسنه لما كان هو غالب أقواتهم.
ابن حبيب وغيره: وفي الويبة اثنان وعشرون مداً بمد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (لأَنَّ مَالِكاً
…
إلخ) بيان للوجه الذي قاله كل منهما لتوسع أهل مصر واقتصار أهل المدينة على القليل.
وقوله: (وَلَوْ أَكَلَ النَّاسُ الشَّعِيَر
…
إلخ) تصوره ظاهر.
وَأَمْرُ الإِدَامِ كَذَلِكَ، ولا يُفْرَضُ مِثْلُ الْعَسَل، والسَّمْنِ، والْحَالُومِ، والْفَاكِهَةِ، ويُفْرَضُ الْخَلُّ، والزَّيْتُ، والْحَطُب، والْمَاءُ، والْمِلْحُ، واللَّحْمُ المْرَةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، قَالَ: ولَيْسَ الْمُرْضِعُ كَغَيْرِهَا فَتُزَادَ مَا تَتَقَوَّى بِهِ .....
كذلك: أي فيعتبر بحال الرجل والمرأة والسعر والبلد. ابن حبيب: ولا يفرض لها فاكهة ولا عسل ولا جبن ولا طير ونحوه، نقله اللخمي عن محمد إلا أنه لم ينص على عدم فرض الفاكهة. قال: وقول ابن حبيب: لا ترفض فاكهة، يحسن في المتوسط لا في ذي اليسار. وزاد ابن شاس عنه بعد قوله: ولا فاكهة لا خضراء ولا يابسة ولا القطنية ولا ما أشبه ذلك، ويفرض الخل والزيت للأكل والوقيد والماء للشرب والغسل والوضوء.
وقوله: (واللَّحْمُ المْرَةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ) قالوا: ولا يفرض كل يوم.
وقوله: (ولَيْسَ الْمُرْضِعُ كَغَيْرِهَا) أي فتزداد بحسب الحال.
فرعان:
الأول: لو أراد الرجل أن تأكل معه المرأة ولم ترض المرأة إلا بالفرض فالقول قولها، نص عليه غير واحد. وكذلك أيضاً تضم نفقة بنيه الأصاغر إلى نفقتها إلا أن يكون مقلاً
فلا تضم نفقتهم معها، وينفق على ولده بقدر طاقته وإلا فهم من فقراء المسلمين، ولا يفرق بينهم وبين أمهم وجد ما ينفق عليهم أم لا، قاله المتيطي.
الثاني: لو مرضت المرأة فقل أكلها أو خرجت قليلة الأكل وطلبت قوتاً كاملاً فهل يقضى لها به أم لا يقضى لها إلا بكفايتها؟
أبو عمران: يقضى بالوسط وتصرف الباقي فيما أحبت، وتردد في ذلك ابن سهل، وقال المتيطي: الصواب عندي أنه لا يكون لها إلا ما تقدر عليه من الأكل وذلك أحق في المريضة من الصحيحة، إذ النفقة في مقابلة الاستمتاع. ابن راشد: وليس لمالك فيها نص.
وأَمْرُ الْكِسْوَةِ كَذَلِكَ
أي: فيرجع أيضاً في جنسها، وقدرها إلى حالها وحاله في النفقة، ويعتبر أيضاً الزمان والمكان.
مِمَّا يَصْلُحُ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ مِنْ قَمِيصٍ، وجُبَّةٍ، وخِمَارٍ، ومِقْنَعَةٍ، وإِزَارٍ، وشِبْهِهِ مِمَّا لا غَنَاَء عَنْهُ، وغِطَاءٍ، ووِطَاءٍ، وَوِسَادَةٍ، وسَرِيرٍ، إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ لِعَقَارِيبَ أَوْ بَرَاغِيثَ أَوْ فِئْرَانٍ ....
تصوره واضح. وذكر ابن حبيب أكثر مما قاله المصنف على حسب ما اقتضته بلاده كالفرو واللفافة.
وقوله: (وإِزَارٍ) يحتمل أن يريد به ما تشده في وسطها، ويحتمل أن يريد بها ما تتأزر به في خروجها فيؤخذ من كلامه أنه يفرض عليه الإزار للخروج.
وفي اللخمي: ويختلف في ثياب خروجها كالثياب التي جرت العادة أن تخرج بها والملحقة، والظاهر من المذهب لا شيء لها، وقال في المبسوط: يفرض على الغني ثياب خروجها.
ابن حبيب: وعليه حصير من حلف أو بردي يكون تحت الفراش، وينبغي أن يرجع إلى العرف في جميع هذه الأشياء.
قَالَ أَشْهَبُ: ومِنْهُنَّ لَوْ كَسَاهَا الصُّوفَ أَنْصَفَ، وأُخْرَى لَوْ كَسَاهَا الصُّوفَ أُدِّبَ
هذا ظاهر، لأن حكم الكسوة يختلف باختلاف أحوال الزوجات.
قَالَ مَالِكٌ: ولا يَلْزَمُهُ الْحَرِيرُ. فَعَمَّمَهُ ابْنُ الْقَاسَمَ، وتَأَوَّلَهُ ابُن الْقَصَّارِ لِلْمَدنِيَّةِ لِقَنَاعَتِهِمْ ....
تأويل ابن القصار هو الصواب عند جماعة من الشيوخ.
وَالأَصْلُ أَنَّ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ يُفْرَضُ، ومَا هُوَ زِيَادَةٌ فِي مَعْنَى السَّرَفِ لا يُفْرَضُ، ومَا هُوَ مِنَ التَّوَسُّعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا ولَكِنَّهُ عَادَتُهَا فِيهِ قَوْلانِ ....
هذا الضابط الذي ذكره [420/ب] المصنف لابن بشير، ومن أمثلة ما هو من التوسع بالنسبة إليها ولكنه عادتها الحرير.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: ولا يَلْزَمُهُ مَا هُوَ مِنْ شُورَتِها الَّتِي هِيَ مِنْ صَدَاقِهَا مِنْ مَلْبَسٍ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ، وَلَهُ عَلَيْهَا الاسْتِمْتَاعُ مَعَهَا بِهِ ..
ما ذكره عن عبد الملك قاله ابن حبيب وجماعة من الشيوخ أيضاً، وهو جارٍ على المشهور أن المرأة يلزمها ان تجهز بصداقها، وأما على الشاذ فلا.
ابن حبيب: وإن طال العهد وخلقت الشورة أو لم يكن في صداقها ما تتشور به، فعليه الوسط من ذلك لما يصلح للشتاء والصيف، وكذلك قال أصبغ يفرض الوسط لمن لا شورة لها.
وَلَهَا مِنَ الزِّينَةِ مَا تَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهِ كَالْكُحْلِ الْمُعْتَادِ، والْحِنَّاءِ، والدُّهْنِ لِمُعْتَادَتِهِ، ونَفَى ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُكْحُلَةَ
هو ظاهر التصور. ابن المواز: وعليه الحناء لرأسها. ابن حبيب: وعليه دهن رأسها ويسير حناء ومشط وكحل.
وروى ابن المواز عن ابن القاسم: ليس عليه نضوح ولا صباغ ولا مشط ولا مكحلة. وروى يحيي بن يحيي عن ابن وهب: لها الحناء لرأسها وليس عليه الطيب والزعفران وخضاب اليدين والرجلين إلا أن يشاء.
الباجي: ومعنى ذلك عندي أنه ليس من زينتها إلا ما تستضر بتركه كالكحل الذي يضر تركه من تعتاده والمشط بالحناء والدهن لمن اعتاد ذلك، لأن ترك ذلك لمن اعتاده يفسد الشعر ويمزقه. والذي نفى ابن القاسم إنما هو المكحلة ولم ينف الكحل نفسه، فتضمن القولان أن الكحل يلزمه دون المكحلة، وعلى هذا يلزمه ما تمتشط به من الدهن والحناء دون الآلة التي تمتشط بها.
وَلا يَلْزَمُهُ دَوَاءٌ، ولا أُجْرَةُ حَجَّامٍ
هذا أكثر نصوصهم وهو قول ابن حبيب، ونقل ابن زرقون عن ابن حبيب محمد بن عبد الحكم أنه يلزمه أجر الطبيب والمداوة، وهو الظاهر.
بِخِلافِ أُجْرَةِ الْقَابِلَةِ لِلْوَلَدِ عَلَى الأَصَحِّ
أي: فتلزمه، والأصح لأصبغ وهو اختيار غير واحد، لأنها مما لابد لها منه كالنفقة. ونقل المتيطي وغيره قولاً أن الأجرة كلها على المرأة. وقال محمد: إن كانت المنفعة للمرأة فعليها، وإن كانت للود فعلى الأب، وإن كانت لهما فذلك بينهما. ويمكن أن يكون مراد المصنف بـ (الأَصَحِّ) قول محمد لقوله:(لِلْوَلَدِ) والله أعلم.
وَأمْرُ السَّكنَى كذَلِك
أي: فيقدر بحالهما كما في النفقة والكسوة.
وَلَهَا إِخْدَامُهَا بِكِرَاءٍ أَوْ شِرَاءٍ إِنْ كَانَتْ ذَاتَ قَدْرٍ وكَانَ قَادِراً
اختلف هل يجب الإخدام على جميع الأزواج كالنفقة والكسوة أو يشترط الاتساع لذلك؟ وكلام المصنف محتمل لكل منهما، لأنه إن أراد بالقدرة مطلق القدرة كان كالقول الأول، وإن أراد بالقدرة الاتساع كان كالثاني.
وقوله: (بِكِرَاءٍ أَوْ شِرَاءٍ) يريد: أو ينفق على خادمها. الباجي: أو يخدمها هو بنفسه.
فرعان:
الأول: فإن ادعى الزوج أنه غير مستطيع للإخدام ففي كونه القول قوله أو قولها قولان حكاهما صاحب الطرر.
الثاني: إذا عجز عن الإخدام وقدر على النفقة والكسوة ففي البيان: المشهور أنه لا يطلق عليه بذلك. وروى المغيرة عن ابن الماجشون أنه يطلق به عليه. قال الجوهري: والخادم ما يقوم بأمرها مما يليق بمثلها.
وَفِي إِلْزَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ فِي الرَّفِيعَةِ- ثَالِثُهَا: إِنْ طَالَبَهَا بِأَحْوَالِ الْمُلُوكِيَّةِ لَزِمَهُ ....
القول باللزوم لمالك وابن القاسم، ومقابله لابن القاسم في الموازية وقاله أصبغ، والثالث ذكره ابن بشير.
قال ابن راشد: وجعله إسحاق بن إبراهيم على ما نقله عنه ابن مزين تفسيراً للأول والأظهر الأول، وعندنا بمصر من يحتاج إلى خدام كثيرة.
فَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ واخْتَارَتْ بَقَاءَهَا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا
هكذا قال مالك وابن القاسم: أنها إن طلبت الإنفاق على خادمها دون خادمه أن القول قولها.
ابن شاس: إلا أن تضمر ريبة. قيل: ولا يكون القول قوله بمجرد دعواه ذلك إلا أن يأتي بينة على قوله أو يعرف ذلك جيرانه.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَهْلاً لِلْخَادِمِ أَوْ كَانَ فَقِيراً فَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وكَنْسٍ وفَرْشٍ بِخِلافِ النَّسْجِ والْغَزْلِ وشِبْهِهِ ....
تصوره ظاهر. ابن شاس: وكذلك عليها الطبخ واستقاء الماء إن كان معها في الدار، وإن كانت ببلد عادتهم استقاء الماء فعليها ذلك، وإن كان ليس عادتهم استسقاء قال في البيان: إلا أن تكون الزوج من أشراف الناس الذين لا يمتهنون أزواجهم في الخدمة فعليهم الإخدام، وإن لم تكن زوجته من ذوات الأقدار.
ابن خويز منداد: وعلى المرأة أن تخدم خدمة مثلها، فإن كانت ذات قدر فخدمتها الأمر والنهي في مصالح البيت، وإن كانت دنية فعليها خدمة البيت.
وقوله: (بِخِلافِ النَّسْجِ والْغَزْلِ) يريد: والخياطة ونحوها، لأنه ليس من خدمة البيت، وإنما هو من أنواع التكسب وليس عليها أن تتكسب إلا أن تتطوع به.
فرع:
للزوج أن يمنع زوجته من أكل الثوم والكرات وكل ما له رائحة كريهة، وله منعها من الغزل ونحوه نقله ابن راشد.
وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ أَبَوِي الْمَرْأَةِ وَوَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَدْخُلُوا إِلَيْهَا، وإِنْ حَلَفَ أُحْنِثَ
إنما لم يكن له منع أبويها وولدها من غيره من الدخول إليها، لأن العادة تقتضي الدخول إليها [421/أ] والتزاور، وقد ندب الشرع إلى ذلك المشاور، فإن اتهمهما في إفسادها زاراها في كل جمعة مرة بأمينة تحضر معهما لئلا يَخْلوَا بها. وفي المتيطية: إذا كان للمرأة أولاد من غيره قضى للأصاغر بالدخول عليها في كل يوم وللكبار في كل جمعة.
وظاهر قوله: (وإِنْ حَلَفَ أُحْنِثَ) أنه يحنث بمجرد حلفه ألا يدخلوا إليها، وهو قول مالك في سماع أشهب. وقال ابن حبيب: لا يحنث حتى يحلف ألا يدخلوا إليها ولا تخرج إليهم، وينبغي أن يكون الحال في الولد أشد ولاسيما مع صغر السن، فإن حلف على أبويها أن لا يدخلا ولا تخرج إليهما، فقيل: يجبر على تحنيثه باي الأمرين شاء، إما بدخولهما إليها وإما بخروجها إليهما، وقيل: يجبر على الدخول أو الخروج ولا يحنث حتى يزيد في يمينه، ولو حكم عليه حاكم وهما على الخلاف في إكراه القاضي هل يمنع من الحنث أم لا؟
وَلَوْ حَلَفَ عَلَى مَنْعِهَا هِيَ مِنَ الْخُرُوجِ لَمْ يُحَنِّثْ
إنما لم يحنث هنا، لأنه حلف على من له عليه الحكم بخلاف ما سبق.
وَلا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْهِما فِي لَوَازِمِ الْحُقُوقِ: ولُوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُحَنَّثْ ....
هذه المسالة لم تثبت في كل النسخ وسقطت من نسخة ابن عبد السلام وثبتت في نسخ ابن راشد، فقال: يريد ما قاله مالك أرى أن يقضى عليه بأن تشهد جنازة أبيها وأمها وتزورهما في الأمر الذي فيه الصلاح والصلة، وأما الحمام والجنائز فلا أرى عليه ذلك.
وتحقيق المذهب أن المرأة إذا أرادات الخروج إلى أبيها وأمها فإن كانت متجالة فلا خلاف أنه يقضى لها بالخروج على زيارتهما، وإن كانت شابة وهي غير مأمونة فلا خلاف أنها لا يقضى لها بذلك ولا إلى الحج، كذا رواه ابن عبد الحكم عن مالك، وإن كانت مأمونة فقولان: أحدهما: أنه يقضى عليه بذلك، والآخر أنه لا يقضى حتى يمنعها من الخروج إليهم ويمنعهم من الدخول إليها، فحينئذ يقضى عليه بأحدهما.
قال ابن حبيب: والشابة محمولة على أنها مأمونة حتى يثبت أنها غير مأمونة، وعلى هذا فقول المصنف: فلو حلف على ذلك لم يحنث، ليس على إطلاقه.
فرعان:
الأول: قال مالك في العتبية: ليس للرجل أن يسكن أولاده من امرأة مع امرأة له أخرى، ولا يجمعهم في مسكن واحد إلا أن ترضى.
مالك: وليس له أن يسكن معها أبويه إلا برضاها. قال في البيان: لما عليها من الضرر من اطلاعهم على أمرها وما تريد أن تستره عنهم من شأنها. وقال ابن الماجشون في المرأة تكون هي وأهل زوجها في دار واحدة فتقول: إن أهلك يؤذونني فأخرجهم عني، أو أخرجني عنهم: رب امرأة لا يكون لها ذلك يكون صداقها قليلاً وتكون وضيعة القدر، ولعله أن يكون على ذلك تزوجها وفي المنزل سعة، فأما ذات القدر فلابد له أن يعزلها عنهم، وإن حلف ألا يعزلها أحمل على الحق أبره ذلك أو أحنثه. قال في البيان: وليس قول ابن الماجشون عندي خلافاً لمذهب مالك.
الثاني: إذا كان للمرأة أولاد من غير زوجها وأراد إخراجهم عنه وأبت ذلك، فإن لم يكن لأولادها من يحضنهم فليس للزوج إخراجهم، وليس له إلا البقاء معهم أو التطليق علم بهم أو لم يعلم، وإن كان للأولاد من يحضنهم فإن لم يعلم الزوج بهم فلا يلزمه أن يكونوا معه وله إخراجهم، وكذلك إذا علم بهم وأبى من البناء بها لأجلهم، وأما إن علم بهم وبنى بالأم وهو عالم أن لها ولداً ثم أراد إزالته عنها ففي ذلك قولان، ظاهر ما في العتبية أنه ليس له إزالته، وقال ابن الماجشون: له ذلك.
وَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى عَنْ جَمِيعِ لَوَازِمهَا ثَمَناً إِلا الطَّعَامَ فَفِيهِ قَوْلانِ
ظاهره أن الذي على الزوج في الأصل هو ما يفرض للمرأة لا ثمنه، وأن للزوج أن يعطي الثمن عن ذلك، وهو ظاهر المذهب. وقال ابن وهب: هو بالخيار إن شاء فرض ذلك وإن شاء فرض ثمنه، واستشكله عياض وقال: القياس ألا يكون له دفع الثمن إلا
برضاها، لأنه إنما هو وجب عليه طعام وكسوة ولم تجب عليه قيمة فلا يلزم الزوج غير ذلك، وكذلك لا يلزمها قبول الثمن لما يلزمها من مؤنة تكليف الشراء، وقد تختلف الأثمان بارتفاع الأسواق فيضر ذلك بها.
وحكى أبو الحسن في المسألة أربعة أقوال: قيل: يفرض الثمن، وقيل: العين، وقيل: إن كانت الأعيان مما يجوز بيعها قبل قبضها فرض لها الأثمان، وإن كانت مما لا يجوز بيعها قبل قبضها فرض لها الأعيان، وقيل: الإمام مخير بين أن يفرض لها الأثمان أو الأعيان. وأخذ من المدونة من قوله: إن للرجل أن يحاسب امرأته بدينه الذي له عليها من نفقتها أنه إن شاء دفع النفقة عيناً لم يجبر على غير ذلك.
وقوله: (إِلا الطَّعَامَ فَفِيهِ قَوْلانِ) منشأهما: هل تحريم بيع الطعام قبل قبضه غير معلل فيمنع، أو معلل بالغيبة فيجوز، لأنها مفقودة بين الزوجين؟
وَتَقْدِيرُ زَمَانِ النَّفَقَةِ عَلَى حَالِ الزَّوْجِ فَقَدْ يَكُونُ بِالْيَومِ أَوْ بِالْجُمُعَةِ أَوْ بِالشَّهْرِ وقَدْ يَكُونُ بِخُبْزِ السُّوقِ ....
لأن من الناس من [421/ب] يكون رزقه باليوم كصناع والأجراء فيفرض عليهم به، ومنهم من يكون بالجمعة فيفرض عليهم بها، ومنهم من يكون بالشهر فيفرض عليهم به، وأجاز ابن القاسم أن يفرض بالسنة ومنع ذلك سحنون لحوالة الأسواق، وقد يكون بخبز السوق، لأن بعض الناس لا يقدر إلا على ذلك.
اللخمي: وأما الكسوة فتفرض مرتين في الشتاء والصيف، لأنها مما لا يتبعص، وتكون بالشهر والأيام وكذلك الغطاء والوطاء.
وَتضْمَنُهَا بِالْقَبْضِ، وكَذَلِكَ نَفَقَةُ وَلَدِهَا
يعني: أن المرأة إذا قبضت نفقة مدة مستقبلة فضمانها لو هلكت منها، وسواء قامت لها البينة على الضياع أم لا، هذا ظاهر المدونة ونص الموازية.
وخرج اللخمي قولاً بسقوط الضمان مع قيام البينة على الضياع مما قيل في الصداق العين.
ابن بشير: ولا يلزم، لأن الخلاف في الصداق إنما هو إذا طلق فوجب الرجوع بنصفه، وفي المذهب قولان: هل تستحق جميعه بالعقد أم لا؟ وأما النفقة فقد وجبت لها.
وقوله: (وكَذَلِكَ نَفَقَةُ وَلَدِهَا) أي تضمنها.
عياض: إلا أن تقدم لها بينة على الهلاك فلا تضمنها، لأنها لم تقبضها لنفسها ولا هي متمحضة للأمانة، لأنها إنما أخذتها لحق ولدها فتضمنها كالرهان والعواري، وهذا إنما هو فيما تأخذه لولدها من كسوة ونفقة للإنفاق عليهم، وأما ما تأخذه أجرة للرضاع بعد الطلاق فهو كنفقتها. ابن عبد السلام: وذكر بعضهم فيما تلق مما قبضته لها ولولدها من كسوة ونفقة ببينة ثلاثة أقوال: قيل تضمنه وقيل لا تضمنه، والفرق بين ما تقبضه عن نفسها فتضمنه وما قبضته عن ولدها فلا تضمنه، وقيل: كل ما تقبضه لولدها أنها مصدقة في تلفه وتحلف.
وَيُحَاسِبُهَا مِنْ دَيْنِهِ إِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، وإِلا فَلا
يعني: إذا كان له على زوجته دين وطلبته بنفقتها فله المقاصة ما لم يؤد ذلك إلى ضررها كما إذا كانت فقيرة. وكذلك قال في المدونة: قيل: ومعناه أن دينها من نوع ما فرض عليه. وأخذ من هذه المسألة شيئان: أولهما إلزام المتداينين المقاصة إذا دعا إليها أحدهما وهو المشهور وسيأتي، وثانيهما أن للزوج دفع النفقة عيناً ولا يجبر على غير ذلك، إلا أن هذا الثاني لا يتم على تأويل من تأول أن الدين من جنس ما وجب لها عليه والله أعلم.
وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِالنُّشُوزِ
ابن شاس: هذه هي الرواية المشهورة. وذكر ابن بشير أن الأبهري وغيره حكوا الإجماع عليها وفيه نظر، لأن في الموازية أنها لا تسقط به.
المتيطي: وهو الأشهر. وفرق سحنون: فإن نشزت لبغضه فلها النفقة لا إن كان لدعواها الطلاق، والسقوط هو اختيار الباجي واللخمي وابن يونس وغيرهم، وهو قيد بها إذا لم تكن حاملاً، نص عليه صاحب الكافي وغيره.
وَهُوَ مَنْعُ الْوَطْءِ وَالاسْتِمتَاعِ، أَوِ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ولا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا، وأَمَّا الْقَادِرُ فَيَتْرُكُهَا فَلَهَا اتِّبَاعُهُ بِالنَّفَقَةِ ....
هذا تفسير للنشوز المسقط للنفقة وتصوره ظاهر، والخروج مرفوع بالعطف على منع، وكلام المصنف يقرب من كلام صاحب الجواهر. وفي كتاب الوقار: وإن حجبت نفسها من زوجها وطلبت منه النفقة لا نفقة لها ما حجبت عنه نفسها، وإن كانت معه في منزل فمنعته نفسها فعليه النفقة وعليه الاحتيال في الوصول إليها، وظاهر كلام المصنف أنها إذا منعته الوطء فهو نشوز وإن كانت معه في الدار.
قوله: (وأَمَّا الْقَادِرُ فَيَتْرُكُهَا فَلَهَا اتِّبَاعُهُ بِالنَّفَقَةِ) هكذا نص عليه ابن القابسي وهو ظاهر، لأن النشوز حينئذ لا يتحقق، إذ قدرته على الرد قدرة على الاستمتاع، ولكن يؤدبها هو أو غيره على خروجها بغير إذنه.
ابن عبد السلام: وينبغي أن يكون وجوب النفقة لها هنا متفقاً عليه وهو ظاهر كلام بعضهم، على أن بعضهم عده قولاً آخر للقابسي.
وَلَهُ السَّفَرُ بِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ
هذا بشرط أن يكون مأموناً عليها، وأن يكون البلد الذي يسافر إليه مأمونا، والسفر كذلك نص عليه ابن الجلاب.
وَتَسْقُطُ بِالطَّلاقِ الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيَ
سقطت بالبائن لانقطاع الزوجية ولقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] والمراد المطلقة البائن، فدل على أنه لا نفقة لها إذا لم تكن حاملاً، وأما الرجعى فهي في حكم الزوجة.
وَالْبَائِنُ فِي السُكْنَى ونَفَقَةِ الْحَمْلِ كَالرَّجْعِيَّةِ
للآية المتقدمة، واعلم أن أصحابنا حيث ذكروا نفقة الحمل فإنما يريدون حمل البائن، وأما من العصمة والرجعية والمتوفى عنها فلا نفقة لحملهن، أما الأوليان فلاندراج نفقة الحمل في النفقة عليهما، وأما المتوفى عنها فحملها وارث، وحيث ما وجبت النفقة وجبت الكسوة. ابن القاسم: وإن طلبت المبتوتة الحامل الكسوة فإن كانت في أول الحمل فذلك لها، وإن لم يبق من آخر الحمل إلا ثلاثة أشهر ونحوها قوم ما كان يصير لتلك الشهور من الكسوة لو كسيت في أول الحمل ثم أعطيت تلك القيمة دراهم. قال في البيان: وقوله: إن كانت في أول الحمل فذلك لها، إنما هو إذا كانت الكسوة مما تبلى [422/أ] في مدة الحمل، وأما إن كانت مثل الفرو وشبهه فالوجه أن ينظر إلى ما ينقصه اللباس في مدة الحمل فيعرف ما يقع للأشهر الباقية.
فروع:
الأول: قال اللخمي: اختلف إذا بليت الكسوة قبل الوقت الذي فرض لها هل يكون كحكم مضى أم لا كالخارص يتبين خطأه والذي أخذ دية عينه ثم برئت، فقد اختلف في ذلك.
الثاني: قال في كتاب القذف من المدونة، قال مالك: وإن دفع إليها نفقة سنة أو كسوتها بفريضة أو بغير فريضة ثم مات أحدهما بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين فلترد النفقة
بقدر ما بقي من السنة، واستحسن في الكسوة ألا ترد إذا مات أحدهما بعد أشهر لا ترد شيئاً، فقال: لا يعتدل هذا تعطيها الكسوة تلبسها ثلاثة أشهر ثم لا تتبع بشيء.
الثالث: سئل ابن عتاب عن المطلقة المرضع أو الحامل هل لها خدمة على الزوج إن كانت عنده مخدومة قبل الطلاق؟ فقال: لا خدمة لها وعليها خدمة نفسها. قال: ويحتمل أن تزاد المرضع في الأجرة لاشتغالها بالولد وما تتكلفه من مؤنته.
أبو الأصبغ: وفي المدونة في الحامل والمحضونين خلاف ما ذكره.
فَلَوْ مَاتَ فَالْمَشْهُورُ وُجوُبُهَا فِي مَالِهِ، ورَوَى ابْنُ نَافِعٍ: هِيَ والْمَتَوَفَّى عَنْهَا سَوَاءٌ
يعني: فلو طلقها زوجها طلاقاً بائناً فوجب لها السكنى ثم مات عنها قبل أن تنقضي عدتها فالمشهور لا يسقط ما وجب لها بموته، لأن السكنى وجبت ديناً عليه.
(ورَوَى ابُن نَافِعٍ: هِيَ والْمُتَوفَّى عَنْهَا سَوَاءٌ) لا سكنى لها. واختار هذه الرواية يحيي بن عمر وصاحب البيان. وقال في البيان: لأن السكنى لم تتقرر في ذمته بدليل أنه لو أعسر في حياته لسقط عنه السكنى، قال: ولو كان الطلاق رجعياً لم يختلف في سقوط السكنى كما تسقط النفقة لأن المرأة ترجع إلى عدة الوفاة فلا سكنى لها إلا أن تكون الدار للميت أو نقد كرائها. انتهى.
واختلف الشيوخ في فهم رواية ابن نافع، ففهمها بعضهم على أنه لا سكنى لها حيث لا سكنى للمتوفى عنها زوجها، أعني إذا لم تكن الدار للميت ولا نقد كرائها وإلا فتجب كما تجب للمتوفى عنها وهو ظاهر لفظ التسوية المذكورة في الرواية. ومن فهمها على الوجه الأول عد التفرقة قولاً ثالثاً لأنه وقع نصاً لابن القاسم في المدونة.
تنبيه: ما ذكره المصنف أنه المشهور وهو مذهب المدونة نص عليه في باب نفقة المعتدات، وعارضه فضل بما في غرخاء الستور إذا خالع حاملاً فلزمته النفقة ثم مات أنها تنقطع عنها بموته. قال فضل: هذا خلاف ما له في كتاب طلاق السنة وهو موافق لرواية ابن نافع وفرق بعض القرويين بأن النفقة حق للحمل على أبيه وبعد موت الأب صار الحمل وارثاً فلم تجب له نفقة في مال الميت بخلاف السكنى فإنها حق تعلق بذمة المطلق لمطلقته فلا يسقطها الموت كسائر الديون.
فَلَوْ كَانَتْ مُرْضِعَةً فَعَلَيْهِ مَعَ نَفَقَةِ الْحَمْلِ نَفَقَةُ الرَّضَاعِ
يعني: فلو كانت البائن الحامل مرضعة لزيد لها مع نفقة الحمل نفقة الرضاع، وظاهره أنها تأخذ جميع النفقتين على الكمال. وصرح في العتبية بذلك، قال في البيان: لأنها لا رضاع عليها إلا أن تشاء فتكونه لها الأجرة لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] فليس وجوب النفقة لها بسبب الحمل بالذي يسقط ما وجب لها من الأجرة.
ابن عبد السلام: وقيل: إنما تأخذه نفقة واحدة. وحكى بعضهم الخلاف في ذلك مجملاً، قيل: وهو دليل المدونة أنه ليس لها إلا نفقة الحمل وحدها، لأن في كتاب الرضاع منها أن على المرأة أن ترضع ولدها بعد الطلاق في العدة ما دامت النفقة على الزوج. قال في البيان: فذهب بعضهم إلى أن هذا مخالف لما في التعبية وليس بصحيح.
وَلِلْمُلاعِنَةِ السُّكْنَى لا نَفَقَةُ الْحَمْلِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا
إنما وجب للملاعنة السكنى لكونها محبوسة بسببه كما تقدم.
وقوله: (لا نَفَقَةُ الْحَمْلِ) لأنه غير لاحق به كالمتوفى عنها تشبيه في الحكم فقط لا في سبب، لأن سبب عدم وجوب النفقة لحمل الملاعنة عدم لحوقه، وسبب عدم الوجوب للمتوفى عنها لأن حملها وارثاً.
وَلا نَفَقَةَ لِحَمْلِ أَمَةٍ لأَنَّهُ رَقِيقٌ وِإنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرّاً
يعني: أن من تزوج أمة ثم طلقها طلاقاً بائناً فلا نفقة لحملها سواء كان زوجها حراً أو عبداً، لأن حمل الأمة ملك لسيدها ولا ينفق على عبد الغير.
وَلا عَلَى عَبْدٍ لِحَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ وإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ حُرَّةً إِلا أَنْ تَكُونَ رَجْعِيَّةً فِيهِمَا
يعني أن العبد إذا تزوج امرأة حرة كانت أو أمة فطلقها بعد البناء طلاقاً بائناً وهي حامل لم يكن لها نفقة لذلك الحمل، لأنه لا يجب على العبد أن ينفق على ولده، لأنه إتلاف لمال سيده فيما لا يعود على سيده منه منفعة، فإن أعتق العبد قبل الوضع فإن كانت حرة أنفق على حملها بخلاف الأمة إلا أن تعتق هي أيضاً. قاله في المدونة.
وقوله: (إِلا أَنْ تَكُونَ رَجْعِيَّةً فِيهِمَا) أي في هذ الفرع والذي [422/ب] قبله لأن الرجعية في حكم الزوجة.
وَتَجِبُ بِثُبُوتِ الْحَمْلِ بِالنِّسَاءِ
يعني: إذا شهدت امرأتان بظهور الحمل وبتحرك الولد وهو راجع إلى المشهور. وسمعت بعض شيوخنا يقول: إنه ثالث. ونظير هذه المسألة هل تلاعن لظهور الحمل أم لا؟ قال في الجلاب: وتعطى حين يظهر حملها بحركته نفقة الحمل كله من أوله إلى آخره.
وَفِي رُجُوعِهِ ثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ بِحُكْمٍ رَجَعَ، ورَابِعُهَا: عَكْسُهُ
أي: وإذا فرعنا على المشهور وأنفق لظهور الحمل ثم تبين ألا حمل فهل يرجع بالنفقة أم لا؟ أربعة أقوال: فالرجوع مطلقاً، قال في البيان: هو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك. واختاره ابن المواز وغيره لأنه إنما أنفق على الحمل لا على وجه الصدقة والصلة. وعدم الرجوع مطلقاً لمالك في الموازية. والثالث لمالك في العتبية: إن دفع لها بحكم رجع
عليها لأنه قد استبان أن الأمر على خلاف ما ثبت، وإن دفع بغير حكم لم يرجع عليها لأنه متطوع.
والرابع عكسه: ووجهه أنه مع قضاء القاضي لو رجع عليها لكان في معنى نقض الحكم بخلاف ما إذا لم يقض، ونسبه ابن راشد لعبد الملك، قال: ورواه عن مالك.
خليل: وفيه نظر، فإن الذي لعبد الملك إنما هو القول الأول على ما في البيان وغيره، قال في البيان: ولهذه المسألة نظائر منها مسألة كتاب الشفعة من المدونة في الذي يثبت على الصدقة وهو يظن أن الثواب يلزمه، ومنها مسألة كتاب الصلح فيها في الذي يصالح عن دم خطأ وهو يظن أن الدية تلزمه.
وَتَسْقُطُ بِالِإعْسَارِ فِي زَمَانِ وُجُوبِهَا فَلا تَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَتْهُ فِي غَيْبَتِهِ أَوْ حُضُورِهِ
يعني: أن نفقة الزوجة لا تجب إلا بشرط الملاء ولو كان الزوج قد دخل بزوجته وهو مراده بقوله: (فِي زَمَانِ وُجُوبِهَا) ودليله قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا} [الطلاق:7]، وهذا معسر لم يؤته الله شيئاً، وإذا لم يكلف بها لم ترجع عليه بما أنفقت في تلك المدة.
بِخِلافِ مَا أَنْفَقَتْهُ عَلَيْهِ مُعْسِراً أَوْ مُوسِراً كَالْمُنْفِقِ عَلَى أَجْنَبِيِّ إِلا أَنْ يَكْونَ بِمَعْنَى الصَّلَةِ، ولا يُقْضَي بِالسَّرَفِ مِنْ ذَلِكَ كَدجَاجٍ وخِرَافٍ ..
أي: فترجع بما أنفقته عليه ولو كان معسراً، إذ كأنها أسلفته، والتسلف يثبت في ذمة المعسر فترجع عليه كما ترجع إذا أنفقت على أجنبي إلا أن يكون بمعنى الصلة، أي في الزوج والأجنبي فلا ترجع ولا إشكال في ذلك. وخالف اللخمي في الزوج ورأى أنها لا ترجع بما أنفقته عليه وإن لم تكن على وجه الصلة لأن ذلك مكارمة، ولأنه قيل من قول ابن القاسم إذا أسكنته دارها، ولأنه لا ثواب بين الزوجين إلا أن يشترط أو يرى ذلك.
وقوله: (ولا يقضي
…
إلخ) يعني إذا وجب الرجوع لها على زوجها بما أنفقته عليه أو على نفسها أو ولدها ووجب الرجوع بما أنفقته على الأجنبي فإنه ترجع عليه بالمعتاد في حق المنفق عليه، فأما ما كان سرفاً بالنسبة إليه فلا ترجع به على المنفق عليه، لأن المفهوم من قصد المنفق العطية إلا أن تكون التوسعة في زمنها كالأعياد فترجع بذلك، ولم يذكروا في ذلك خلافاً. وقد اختلف في مسألة مشترى الدار على أن ينفق على البائع حيلة هل يرجع المشتري إذا فسخ البيع بالسرف أم لا، وفرقوا بينها وبين مسألة الزوجة بأن العطية في مسألة الشراء لأجل الشراء فترجع بها على ما هو الأصل في الهبة لأجل البيع ولأجل النكاح.
ابن عبد السلام: وهذا إنما ينهض حيث تقول المرأة قصدت الرجوع بما أنفقت، ويقول زوجها أو الأجنبي إنما ظننت أن النفقة على وجه الصلة، لم يقبل ذلك منه وقضي لها، وأما إن اتفق المنفق والمنفق عليه أن النفقة على الرجوع فلا يتحقق ذلك الفرق، والله أعلم.
فرعان:
الأول: لا تسقط النفقة بما إذا تعذر الوطء من غير جهتها كمرض أو حيض أو جنون، وكذلك لو دخل على رتقها، وكذلك إذا أذن لها في حج التطوع، وأما الفريضة فإن النفقة لها ولو خرجت بغير إذنه إذا خرجت مع محرم أو رفقة مأمونة وتكون لها نفقة حضر لا نفقة سفر. ولها النفقة إذا حبست في دين، لأن المنع ليس من جهتها، ولا تسقط بحبس زوجها ولو حبسته هي في حقها، حكاه ابن الجلاب وغيره.
الثاني: قال في المدونة: ومن أنفق على صبي صغير لم يرجع عليه بشيء إلا أن يكون للصبي مال حين أنفق.
ابن يونس: يريد والمنفق عالم فيرجع بما أنفق عليه في ماله، فإن تلق ذلك المال أو كبر الصبي فأفاد مالاً لم يرجع عليه بشيء. وزاد غيره ثلاثة شروط: أن يقول المنفق إنما أنفقت لأرجع ويحلف على ذلك، وأن يرجع بالمعتاد لا بالسرف. قيل: وما ذكره ها هنا في المدونة
مناقض لما في كتاب تضمين الصناع فيمن أنفق على صبي فإذا له أب أن يرجع على الأب بما أنفق، ولا فرق بين أن يكون للصبي مالٌ لم يعلم به المنفق أو أب لم يعلم به المنفق.
فَإِنْ كَانَ مُوسِراً ثُمَّ أَعْسَرَ اسْتَقَرَّ الْمَاضِي فِي ذِمَّتِهِ فَرَضَهُ الْحَاكِمُ أَوْ لَم يَفْرِضْهُ
يعني: أن الإعسار إنما يسقط نفقة زمانه فقط ولا يسقط ما قبل ذلك، وكلامه ظاهر.
وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْحَامِلِ
أي: تسقط بالإعسار ولا يسقط الإعسار ما قبله.
والْقَادِرِ بِالْكَسْبِ كَالْقَادِرِ بِالْمَالِ إِنْ تَكَسَّبَ ولا يُجْبَرُ عَلَى التَّكسُّبِ
يعني: والقادر بالكسب يجب عليه النفقة كالقادر بالمال بشرط أن يتكسب. ويؤخذ من قوله: (كَالْقَادِرِ) أنه لم ينفق في زمن تكسبه أن النفقة تستقر في ذمته ولا يسقط الإعسار، وإذا لم يجبر الغرماء المديان على التكسب فأحرى الزوجة، لأن الضرر اللاحق لرب الدين أقوى من ضرر الزوجة فإنها قادرة على رفع ضررها بالطلاق بخلافهم، ولا يجبر على التكسب لئلا يصير كالعبد. وذهب بعض الشيوخ إلى جبر الصانع على العمل ليوفي الدين لأنه على ذلك عومل، ولا يبعد مثله في النكاح.
وَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ عَنِ النَّفَقَةِ الْحَاضِرَةِ لا الْمَاضِيَةِ، حُرَّينِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ ....
يعني: أن للمرأة إذا عجز زوجها عن النفقة عليها في الوقت الحاضر أن تفسخ وأن تبقى معه بغير نفقة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزوجان حرين أو عبدين أو أحدهما حر والآخر عبد. وكان لها أن تفارق لقوة ضررها، ولأن النفقة في مقابلة الاستمتاع فأشبه المعاوضة، ولا يجبر صاحب السلعة على دفع السلعة بغير ثمنها.
ابن المسيب في المدونة: والتفريق لأجل الإعسار بالنفقة سنة.
وقوله: (لا الْمَاضِيَةِ) يعني: فلا يثبت لها حق الفسخ بالنفقة الماضية وهي كسائر الديون.
مَا لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ فَقْرَهُ ورَضِيَتْ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مِنَ السُّؤَّالِ
يعني: إنما يكون لها الفراق إذا لم تكن عرفت حال العقد أنه من الفقراء أو من السؤال، وأما إن علمت ذلك فلا، وهذا قول مالك في المبسوط. وقال في الموازية: تطلق عليه وإن كان حال العقد فقيراً وعلمت بذلك. واقتصر المصنف على الأول، لأنها بمنزلة من علمت بعيب زوجها ورضيت به. ونص القابسي على أنه إن كان ممن يطوف للسؤال ثم ترك ذلك أن لها القيام، ونحوه للخمي قال: وكذلك أيضاً إن كان لا يسال وكان مقصوداً مشهوراً بالعطاء ثم تعذر ذلك فلها أن تقدم بالطلاق. ونص ابن مغيث على أنه تقييد، وهو ظاهر.
فَيَامُرُهُ الْحَاكِمُ بِالإِنْفَاقِ أَوْ الطَّلاقِ، فَإِنْ أبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ
إنما يأمره بالإنفاق إذا لم يثبت عنده فقره، وأما إن ثبت فلا، إذ لا يأمره بما ثبت عنده العجز عنه، وإن أبى من الطلاق والإنفاق طلق الحاكم عليه. واختلف هل الحاكم الذي يطلق عليه كما هو ظاهر كلامه؟ ابن عبد السلام: وهو الصحيح. أو يبيح للمرأة الإيقاع على قولين؟
لا يمين على الرجل إن صدقته المرأة على عسره، إذ لا يحتاج إلى إقامة بينة، وأما إن لم تصدقه فلابد من البينة على الإعسار واليمين، ثم يتلوم له القاضي على المشهور المعمول به. وقيل: تطلق عليه من غير تلوم، وعلى المشهور فاختلف في مقدار التلوم، وإلى ذلك أشار بقوله:
وَرْوِيَ شَهْرٌ، ورُوِي ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، والصَّحِيُح: يَخْتَلِفُ بِالرَّجَاءِ
اختلف في مقدار التلوم، فلمالك في المبسوط أنه اليوم ونحوه مما لا يضر بها الجوع، ولمالك في الواضحة الثلاثة الأيام ونحوها، وفي الموازية: ما علمت أنه يضرب له الأجل إلا الأيام ولا أعلم له أجلاً.
وقال محمد: الذي عليه أصحاب مالك في التلوم الشهر. وقال ابن الماجشون في الواضحة: الشهر والشهرين. وقال أصبغ: إن لم يطمع له بمال فالشهر إذا لم تجد هي ما تنفق، ولا يبلغ بها الشهرين إلا إذا كان لها ما تنفق. وقيل: إنه لا يتلوم له بشيء إذا لم يكن لها ما تنفق على نفسها.
وما صححه المصنف صححه ابن عبد البر، وهو مذهب المدونة، قال فيها: ويختلف التلوم فيمن يرجى له ومن لا يرجى له وتطلق عليه لعدم القدرة على الكسوف.
اللخمي: وكذلك لو عجز عن الغطاء والوطاء. أشهب: ويستأنى في الكسوة الشهرين ونحوهما.
فرع:
إذا مرض وسجن في خلال الأجل فمنعه ذلك عن النظر فيما يأتيها به، فقال ابن الماجشون في المبسوط: يزداد في الأجل بقدر ما يرى ويرتجى شيئاً وإلا طلق عليه. قال: وإن غاب مختاراً طلقت عليه.
فَإِنْ وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ يَسَاراً يَقُومُ بِوَاجِبِ مِثْلِهَا فَلَهُ الَّرجْعَةُ
قد تقدم في غير موضع أن كل طلاق يوقعه الحاكم فهو بائن إلا طلاقين: طلاق المؤلى والمعسر بالنفقة، لكن شرط الرجعة في الإيلاء أن تنحل يمينه كما سبق في محله وفي الإعسار اليسار، أما لو رضيت الزوجة بالرجعة مع عدم يسره كانت رجعة، قاله في
الواضحة وغيرها. وقال سحنون في السليمانية: لا تصح الرجعة. واحترز بواجب مثلها من أن يجد يساراً يكفي دونها فإن ذلك غير معتبر لعدم حصول مقصدها.
ولم يتعرض المصنف لقدر الزمان الذي إذا أيسر به كانت له الرجعة، واختلف في ذلك، فلابن القاسم وابن الماجشون: إن أيسر بنفقة الشهر وإلا فليس له الرجعة. وفي كتب ابن مزين: قوت نصف شهر فأكثر. وعن ابن الماجشون إذا وجد ما لو قدر عليه أولاً لم تطلق عليه، وينبغي أن [423/ب] تتأول هذه الأقوال على ما إذا ظن أنه يقد بعد ذلك على إدامة النفقة.
قال في البيان: وإذا قدر أن يجريها مياومة، فإن كان ممن يجريها قبل الطلاق مياومة فله الرجعة. واختلف إذا كان يجريها مشاهرة، فقيل: له الرجعة. وقيل: لا. ولأجل أن الطلاق هنا رجعي كان لها النفقة إذا أيسر سواء ارتجع أم لا على مذهب المدونة خلاف ما تأوله بعضهم على الواضحة، ورواه ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون أنه لا نفقة على المولى في العدة حتى يرتجع، ونقله ابن شعبان عن مالك.
تبينه:
فهم من قوله: أن له الجرعة إن أيسر في العدة، أن هذا خاص بالمدخول بها، إذ لا عدة على غير المدخول بها وهو المعروف. وفي الكافي روي عن مالك: إن أيسر في العدة كان له الرجعة في المدخول بها وغيرها. ولا أدري ما هذا لأنه لا رجعة في غير المدخول بها.
خليل: ولعل هذه الرواية محمولة على ما إذا خلا بها وتصادقا على نفي الوطء وإلا فلا يصح قوله في العدة، إلا لا عدة على غير المدخول بها بنص القرآن.
ويُعْتَبَرُ الْعَجْزُ عَنِ الْقُوتِ وعَنْ مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ، قَالَ مَالِكٌ: ولَوْ مِنَ الْخُبْزِ والزَّيْتِ، وغَلِيظِ الْكَتَّانِ، غَنِيَّةً كِانَتْ أَوْ فَقِيرَةً ....
يعني: أن المعتبر الموجب للفراق هو العجز الموجب للفراق هو العجز عن النفقة والكسوة جملة، أما لو ضاقت حاله بعد التوسعة حتى لم يجد غير القوت لها دون خادمها من قمح أو شعير،
ولو كان مأدوماً بزيت أو لم يجد الإدام، وإنما وجد الخبز فقط فإنه لا يفرق بينهما، وكذلك أيضاً لا يفرق بينهما إذا وجد من الكسوة ما يسترها ولو من غليظ الكتان وإن كانت ذات شرف وغنى، قاله مالك في الموازية والواضحة. وفي البيان عن أشهب: إذا عجز عما يشبهها فرق بينهما. وكذلك اختلف إذا لم يقدر إلا على الشعير وأهل بلده يأكلونه.
فَإِنْ وَجَدَ مَا يُمْسِكُ الْحَيَاَة أَوِ الصَّحَّةَ خَاصَّةً فَلا عَلَى الْمَشْهُورِ
يعني: فإن قصر عما ذكرنا من القوت لكن قدر على ما يحفظ حياتها خاصة فالمشهور لا يلزمها المقام معه، لأن إلزامها المكث حينئذ ضرر كثير ولاسيما إذا كان لا يرجى تغير حاله إلا بعد طول. وفي المدونة عن يحيي بن سعيد: إذا وجد الفقير قواماً من الخبز والزيت وغليظ الثبات لم يفرق بينهما.
ربيعة: أما الشملة والعبادة فلا. والشاذ حكاه اللخمي عن مالك أنه لا يفرق بينهما حتى لا يجد أقل ما تعيش به، واستشكله لأن في ذلك حرجاً، إذ تصبح وتمسى جائعة.
وَحُكْمُ الْغَائِبِ ولا مَالَ لَهُ حَاضِرٌ حُكْمُ الْعَاجِزِ
أي: فتطلق عليه، وهذا هو المشهور. وقال ابن القابسي: لا يفرق على غائب لأنه لم يستوف حجته. وعلى الأول فلابد من أن تثبت الزوجية وأنه قد دخل بها أو دعي إلى الدخول، والغيبة بحيث لا يعلم موضعه أو علم ولم يمكن الإعذار إليه فيه، وأما إن علم وأمكن الإعذار إليه فإنه يعذر إليه ولابد أن تشهد لها بينة بأنها لا تعلم أن الزوج ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئاً يعدا فيه بشيء من مؤنتها، ولا أنه بعث بشيء وصل إليها في علمهم إلى هذا الحين ثم بعد ذلك يضرب لها أجلاً على حسب ما يراه كما تقدم، ثم يحلفها على ما شهدت لها البينة به، وحينئذ إن دعت إلى الطلاق طلقها هو أو أباح لها التطليق كما تقدم.
فرع: ولو كانت هذه المرأة أم ولد فغاب عنها سيدها وأثبتت مغيبة فإن الحاكم يتلوم لسيدها الشهر ونحوه ثم ينفذ عتقها على الغائب. هكذا قال ابن عتاب والقرشي والتميمي، وروى ذلك على بن زياد. وقال ابن الشقاني وابن العطار: لا تعتق وتسعى في معيشتها. وبه قال ابن القطان، قال: وتبقى حتى يصح موت سيدها أو ينقضي تعميره.
ابن سهل: والأول هو الصواب. واحتج الأولون بقول أشهب إذا عجز الرجل عن نفقات أمهات أولاده أنهن بمنزلة أزواجه إذا لم يقم بأمرهن، فيضرب له أجل الشهر ونحوه، فإن وجد لهن أدنى ما يكفي وإلا أعتقهن.
ابن سهل: قلت لابن عتاب: هل عليها عدة إذا حكم بعتقها؟ قال: تعتد بحيضة: قلت: فهل عليها يمين أن سيدها لم يخلف عندها شيئاً ولا أرسل إليها شيئاً كما يلزم زوجة الغائب؟ قال لي: لا يمين عليها، وبذلك أفتيت لطول أمد المغيب.
فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَوْجُودٌ بِيعَ وفُرِضَ مِنْهُ بَعْدَ يَمِينِهَا أَنهَّا تَسْتَحِقّهَا
يعني: فإن كان للغائب مال بيع وفرض للزوجة النفقة من ثمنه إن لم يصلح أن يفرض منه كالدار وشبهها بعد يمينها أنها تستحق النفقة. واستغنى بقوله (أَنهَّا تَسْتَحِقّهَا) عما قاله المتيطي وغيره أنها تحلف ما ترك لها نفقة ولا بعث بها إليها ولا أسقطتها عنه. قال في المدونة: ولا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال يعرى فيه وتباع فيها عروضه ورباعه إن لم يكن له عين، ولا يؤخذ منها بما تأخذه كفيلاً، ويقوم الزوج على حجته إذا قدم، وهكذا يصنع فيه لو أقيم عليه بدين وهو غائب. وإن كان للزوج ودائع وديون فرض للزوجة نفقتها في ذلك ولها [424/أ] أن تقيم البينة على من جحده من غرمائه أن لزوجها عليه ديناً ويقضى عليهم بنفقتها. وقد علمت أن مذهب المدونة أنه تفرض نفقة الزوجة ويوفى الغريم من ودائعه.
المتيطي: وهو المشهور المعمول به. ونحوه لسحنون في أسئلة ابن حبيب، وحكى عنه ابن اللباد أنه لا يقضى منها دين ولا غيره.
أبو عمران: وهو القياس، إذ لو حضر الغائب وأنكرها لم يكن للغرماء إليها سبيل، إذ لا يجبر على قبول الصفة لقضاء دينه، ولأنه قد يقول: ليست لي ولا للمقر وهي لغيرنا.
واعلم أن الحاكم لا يبيع الدار حتى يكلف المرأة إثبات ملكية الزوج لها وتشهد البينة بأن الدار لم تخرج عن ملكه في علمهم.
ابن القاسم: ولا يجوز أن يقولوا في شهادتهم لم يبتها، وعليه العمل وجرى به الحكم. وأجاز ابن الماجشون أن يشهدوا على البت.
واختلف هل لا يبيع الحاكم الدار بعد الشهادة المذكورة إلا بعد أن يوجه شاهدين مع هذه البينة ليشهدوا بالحيازة، فكان بعض الموثقين لا يشترطون ذلك.
ابن أبي زمنين: واشترطه بعضهم. وهو الذي رأيت وأدركت عليه فقهاءنا، وصفة ذلك أن يوجه القاضي مع البينة شاهدين فتطوف البينة بالدار داخلاً وخارجاً، وتقول: إن هذه الدار التي حزناها هي الدار التي شهدنا بملكها للغائب.
ابن العطار: ولا تعمل الحيازة شيئاً حتى يقول الشهود بحضرة الحائرين عليهم: هذا الذي حزناه هو الذي شهدنا به عند فلان قاضي موضع كذا. فإن لم يقولوا ذلك جهلاً منهم أو من الموجهين معهم لم تتم الشهادة والحيازة، وكذلك لا تتم الحيازة حتى يكون الموجهون ممن يعرف العقار ويحدوه بحدوده.
فرع: وإذا أحبت المرأة أن تفرض لها النفقة إذا لم يكن له مال حاضر فقال ابن القاسم: لا يفرض عليه شيء حتى يقدم إذا لعم عدمه أو جهل أمره. وفي البيان عن ابن حبيب: إذا أحبت الصبر عليه أشهد السلطان عليه إن كان فلان زوج فلانة اليوم ملياً في
غيبته فقد أوجبت عليه فريضة مثلها من مثله، أما إن علم أنه موسر فإنه يفرض لها نفقة مثلها. قال في الموازية: وتداين عليه ويقضى لها عليه به.
وَلَهَا طَلَبُ غُرَمَائِهِ وإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِمْ كَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ
قد قدمنا هذا من المدونة، وإن لم يقم للزوج غير شاهد واحد حلفت معه.
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي الإِعْسَارِ فِي الْغَيْبَةِ، فَثَالِثُهَا: قَالَ ابْنُ الْقَاسَمَ: إَن قَدِمَ مُعْسِراً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وإِلا فَقَوْلُهَا ....
يعني: إذا قدم الزوج فطالبته بالنفقة في مدة الغيبة فزعم أنه كان معسراً لا تستحق عليه في مدة الغيبة شيئاً وأنكرت ذلك المرأة فثلاثة أقوال: والقول بأن القول قوله لابن كنانة وسحنون ووجهه أن الأصل العدم. والقول بأن القول قولها لابن الماجشون وابن حبيب، قالا: عليه النفقة إلا أن يقيم البينة على ذلك. ووجهه أن الغالب الملك ولأن كل غريم ادعى العدم فعليه البينة على المذهب.
قال في البيان: وتأويله بعض أهل النظر على المدونة. واستدل ابن القاسم بحال قدومه على حال غيبته، لأن الأصل عدم تغير الحال. قال في البيان: وهو معنى المدونة. وهذا الخلاف عند صاحب البيان وغيره إذا جهل حال الزوج عند خروجه، وكذلك روي قول ابن القاسم فيه مبيناً، وأما إن علم حال خروجه من عسر أو يسر فإنه يستصحب ذلك الحال باتفاق. وتأول أن زرب على ابن كنانة وسحنون أنهما يقولان: إن القول قول الزوج وإن خرج موسراً. قال في البيان: وهو تأويل بعيد. وقال ابن زرقون: ليس هو بشيء. ورأيت لبعض من تكلم على التهذيب أنه إن سافر ملياً وقدم كذلك فالقول قولها بالاتفاق، وكذلك القول قوله في عكسه باتفاق، ويختلف فيما إذا سافر ملياً وقدم معسراً أو بالعكس.
وَإِنْ تَنَازَعَا فِي إِعْطَائِهَا أَوْ إِرْسَالِهَا فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ: إِنْ كَانَتْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْحَاكِمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مِنْ يَوْمِئِذٍ
…
يعني: إن قال الغائب تركت لك النفقة أو أرسلتها ولم تصدقه في ذلك وطلبت منه نفقتها، فروى عن مالك أن القول مع يمينه ولو رفعته إلى الحاكم، هكذا نقل ابن الجلاب هذه الرواية. وروى عن مالك أن القول قولها مع يمينها، والمشهور إن رفعت أمرها إلى الحاكم فالقول قولها من يومئذ، لأن رفعها قرينة تقوي قولها، وإن لم ترفع فالقول قوله مع يمينه.
مالك في الموازية: وليس له أن يحلف أنه بعث بذلك إليها، إنما يحلف أنها قبضت ذلك ووصل إليها ويبرأ.
وعلل الباجي المشهور بأنها إذا رفعت أمرها إلى الحاكم ولم تجد له مالاً وأباح لها الإنفاق على نفسها لترجع به صارت اليد لها فيما تنفقه فكان القول قولها بخلاف إذا لم ترفع فإن البيت بيته، ولهذا اختار من الروايتين اللتين رويتا عن مالك هو يتنزل رفعها إلى العدول وجيرانها منزلة الحاكم أم لا؟ الرواية بأن ذلك لا يتنزل منزلة الحاكم لأنه لم يتقدم قضاء عليه ولا حكم، واختار اللخمي أن ذلك [424/ب] كرفعها إلى الحاكم.
بعض الموثقين: والمشهور ما اختاره الباجي وبه الفتوى والعمل. ولابن القاسم في العتبية: إذا اختلفا عند قدومه في الإنفاق على أولاده الصغار أنه يفرق في ذلك بين أن ترفع أم لا كما تقدم.
فَأَمَّا الْحَاضِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِلْعُرْفِ
حكى في البيان الاتفاق على ذلك، لأن العرف يشهد بصحة قوله ولابد له من اليمين، صرح بذلك في الكافي وفي الطرر. وقال ابن رشد: إنما يصدقه الرجل أنه دفع
النفقة إذا ادعى بعد مضي المدة أنه كان ينفق عليها أو كان يدفع النفقة إليها شيئاً بعد شيء أو جملة واحدة، وأما لو ادعى أنه دفع إليها مائة دينار عن نفقتها فيما مضى وأنكرت ذلك فلا يصدق إجماعاً، وحكى ابن زرب خلافه وخطأه.
وَلَهَا طَلَبُهُ عِنْدَ سَفَرِهِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلِ فَيَدْفَعُهَا أَوْ يُقِيمُ لَهَا كَفِيلاً يُجْرِيهَا عَلَيْهَا
هذا مذهب المدونة. وقال ابن الماجشون: لا يقيم لها حميلاً وهي في العصمة، وإذا سافر فمن الشيوخ من حمله على ظاهره وعده خلافاً ومنهم من تأوله على المعدم فلا يكون خلافاً، فإذا اتهم أنه يقيم أكثر من السفر المعتاد حلف أنه لا يقيم أكثر من ذلك أو يقيم حميلاً. اللخمي: وأما إذا كانت المرأة مطلقة طلاقاً بائناً وهي حامل كان مطالباً بالأقل من مدة سفره والباقي من أمد الحمل، وإن كانت غير حامل والطلاق بائن فلا نفقة لها.
واختلف إذا طلبت حميلاً خوف الحمل: فلم ير مالك ذلك لها، وقال أصبغ في الموازية: ذلك لها.
والأول أحسن إذا كان قيامها بعد حيضة، لأن الظاهر البراءة، والثاني إن لم يكن حاضت فيقيم حميلاً بالأقل من مدة السفر أو الحمل على تقدير ظهوره، وإن كان الطلاق رجعياً كان عليه على قول مالك أن يقيم رزق الأقل من مدة السفر أو انقضاء العدة التي هي ثلاث حيض، وعلى قول أصبغ تراعى مدة الحمل كالمطلقة طلاقاً بائناً فيقيم حميلاً بالزائد على مدة الحيض.
وَإِذَا اخْتَلَفَا فِيمَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُشْبِهُ، وإِلا فَقَوْلُهَا فِيمَا يُشْبِهُ وإِلا ابْتَدَأَ الْفَرْضَ ....
هكذا في المدونة لكنه فرضها فيها إذا مات القاضي أو عزل، لكن الأظهر أنه لا فرق بينه وبين قاضي وقتها، ولعل ذلك هو السبب في إسقاط المؤلف ما ذكره في المدونة، وإنما
كان القول قول الزوج لغرمه. قيل: ومذهب ابن القاسم أنه لا يمين على من أشبه قوله منهما إذ لا يحلف على حكم حاكم مع شاهد. وحمل غيره المدونة على أنه يحلف.
عياض: وهو الظاهر. وهو حجة لجواز الحلف مع الشاهد في قضاء القاضي، وقد نبه على ذلك ابن سهل خلاف ما قاله بعض أصحاب سحنون وما لابن القاسم في العتبية.
عياض: وعندي أن مسالة الكتاب خارجة عن هذا الأصل المتنازع فيه، إذ قضاء القاضي فيها ثابت باجتماعهما عليه ثم وقع الخلاف في مقدار ما فرض فكانت دعوى في مال في ذمة الزوج، فالقول قول من أشبه منهما مع يمينه وليس على القضاء كما قيل.
وذكر عن سحنون: إنما هي في ما مضى من الفرض، وأما ما يستقبل إذا تنازعا فيه فالسلطان يستأنف النظر في ذلك. وقد اختار رواية المدونة هنا، والذي في روايتنا إذا لم يشبه ما قالا أعطيت نفقة مثلها فيما يستقبل يفرض لها القاضي نفقة مثلها وعليه اختصر المختصرون. وروي في بعض النسخ:(وفيما يستقبل) بزيادة واو وكانت في كتابي فغربت عليها إتباعاً لرواية شيوخي، وإثباتها أصح معنى ولفظاً ويصحح ما قاله سحنون، وعلى إسقاطها يأتي الكلام الأخير مكرراً ويشكل، هل أراد به الماضي أو الآتي؟
وَتَجِبُ عَلَى الأَبِ الْحُرِّ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمَحْضُونِ الْفَقِيرِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ
لما ذكر نفقة الزوجة أتبعه بنفقة الأولاد، واحترز بالحر من أن يكون الأب عبداً أو فيه شائبة من شوائب الحرية فلا نفقة لولده عليه، وكذلك أيضاً لا نفقة للود الرقيق على أبيه كما تقدم. ولعل المصنف استغنى بما قدمه وبولده عن ولد ولده أو غيره فلا تجب نفقته، واعلم أن الاصطلاح إنما يطلق المحضون والمكفول على الولد إذا لم تكن له زوجة بأن يكون الأب ميتاً أو مطلقاً، وأما إن كان عند أبيه وأمه وهما زوجان فلا يطلق عليه ذلك، وعلى هذا فتخصيص المحضون ليس بظاهر، لأن من بين أبويه كالمحضون بالاتفاق.
وشرط المصنف في وجوب نفقة الولد أن يكون فقيراً، يعني وأما إن كان له مال قال في المدونة: أو يكون له كسب يستغنى به فلا تجب نفقته، وكذلك أيضاً إذا كان للبنت كسب تستغني به فلا تجب نفقتها، فإن كانت الصنعة لا تكفي أعطيا تمام الكفاية.
اللخمي: وإذا كسدت الصنعة عادت النفقة على الأب، واشترط هنا الفقر ولم يشترط في الزوجة لأن نفقة الولد مواساة بخلاف نفقة الزوجة فإنها معاوضة.
وقوله: (عَلَى قَدْرِ حَالِهِ) أي حال الولد لأن المراد سد خلته.
وَحَضَانَةُ الذَّكَرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ عَاقِلاً غَيْرَ زَمِنٍ بِمَا يَمْنَعُ التَّكَسُّبَ، وقِيلَ: حَتَّى يَحْتَلِمَ
مقتضى كلامه أن المشهور هو الأول وليس كذلك بل هو الثاني وهو مذهب المدونة، والقول [425/أ] الذي صدر به لابن شعبان. وروى ابن وهب عن مالك: إذا أثغر الغلام خرج عن حضانة الأم. ولمالك في كتب المدنيين: يخير الصبي إذا أثغر بين أ، يكون عند أبيه أو أمه. واستحسن ابن العطار وابن رشد وغيرهما من الشيوخ إسهام الأبوين على الذكر إذا أثغر على ما ورد في بعض الأحاديث، وكان المصنف التبس عليه باب الحضانة بباب النفقة وظن تساويهما، لأن المشهور أن النفقة لا تنقطع بالبلوغ بل البلوغ بشرط أن يكون عاقلاً غير زمن.
والْبِنْتِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ، وَلوْ أَسْلَمَ وبَقِيَتْ كَافِرَةً
أي: وحضانة الأنثى حتى يدخل بها زوجها ولا تنقطع حضانتها بالبلوغ كالذكر، ولم أر في ذلك خلافاً، ولو أسلم الأب بعد بلوغ ابنته البكر، وأدخل هذه الصورة في حكم ما قبلها لأنه قد يتوهم خروجها لاختلاف الدينين. وكذلك نص اللخمي على الوجوب في عكس هذه الصورة، أعني إذا أسلمت بعد بلوغها وبقي هو كافر لم تسقط نفقتها عنه لأنه حكم بين مسلم وكافر.
وَلَوْ عَادَتْ بَالِغَةً أَوْ عَادَتِ الزَّمَانَةُ لِلذَّكَرِ لَمْ تَعُدْ
يعني: فلو زوج الأب ابنته الصغيرة ثم طلقها زوجها أو مات عنها وعادت إلى أبيها بعد البناء بالغة لم تعد نفقتها على الأب. مالك: فإن طلقت قبل البناء فهي على نفقتها. ومفهوم كلام المصنف أنها لو عادت غير بالغة لوجب على الأب الإنفاق، وهو قول سحنون، قال: تعود نفقتها ولا يسقطها بلوغها حتى تتزوج زوجاً آخر. وقال غيره: لا تعود أصلاً، وقيل: تعود إلى أن تبلغ فتسقط. وهو الذي قدمه المتيطي، قال: ولا تسقط النفقة لترشيده لابنته.
قوله: (أَوْ عَادَتِ الزَّمَانَةُ) يعني إن بلغ الابن زمناً وقلنا باستمرار نفقته على المشهور ثم صح وحكمنا بسقوط نفقته ثم زمن فإن النفقة لا تعود إلى الأب.
واعلم أن الخلاف في هذا الفرع موجود سواء بلغ زمناً أو صحيحاً، وفيه ثلاثة أقوال: قال ابن القاسم: إن بلغ زِمناً أو أعمى لم تسقط وإن طرأ ذلك عليه بعد البلوغ لم تعد. وقال ابن وهب في الموازية: لا نفقة له بلغ على ذلك أو طرأ عليه. وذكر ابن الجلاب عن ابن الماجشون أن نفقته لأبيه بلغ على ذلك أو أحدث به.
اللخمي: وهو أحسن. ولما لم يذكر المصنف في هذه المسألة خلافاً كان انتصاره في فرض المسألة على ما إذا عادت الزمانة حسباً، لأنه تنبيه منه بالأخف عن الأشد، لأن النفقة إذا لم تعد لأجل الصحة الواقعة بين الزمانتين فلأن لا تعود إذا بلغ صحيحاً ثم زمن أولى، إذ لقائل أن يقول: لا عبرة بالصحة الواقعة بين الزمانتين.
فرع:
نص محمد على ما إذا دخل بها وهي زمنة ثم طلقت أنه تعود نفقتها، وكذلك قال الباجي إن كان للولد الزمن مالك ثم ذهب أنه تعود نفقته.
ثُمَّ لَهُمَا أَنْ يَذْهَبَا حَيْثُ شَاءَا، إِلا أَنْ يُخَافَ سَفَهٌ فَيَمْنَعَهُمَا الأَبُ أَوِ الْوَلِيُّ
يعني: ثم للان والبنت أن يذهبا بعد بلوغهما حيث شاءا، وهكذا قال مالك في المدونة، وحمله ابن رشد على ظاهره من ذهابهما بأنفسهما ومالهما، واحتج لذلك بأنه وقع لمالك هكذا في رواية زياد، وتأوله الشيخ أبو محمد وأكثرهم على أنه يريد بأنفسهما لا بمالهما، قالوا: لأن المعروف لمالك في غير موضع أنه لا يحكم للولد بالرشد بنفس البلوغ لا سيما الأنثى ولو كانت مدخولاً بها حتى يعرف من حالهما ما يستوجبان به الرشد، فحمل المدونة على ما يعرف لمالك في المدونة وغيرها أولى من حلمه على رواية شاذة لا يعرفها كل الناس. ثم إن خيف عليهما السفه في المال فلا شك أن للأب والولي منعهما، وإن كان في الدين فلهما منعهما وللأم ولسائر المسلمين إلا أن الأب والولي أخص بالمنع من غيرهما.
ونَفَقَةُ ولَدِ الْمُكَاتَبَةِ عَلَيْهَا إِنْ كَانُوا فِي كِتَابَتِهَا إِلا أَنْ يَكُونَ الأَبُ فِي كِتَابَتِهِمْ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ ....
يعني: أن من كاتب أمة فحدث لها أولاد بعد كتابتها أو كان لها أولاد موجودون وكاتبت على نفسها وعليهم كتابة واحدة فإن الولد على الأم لأنها أحرزت نفسها ومالها وولدها ومالها من سيدها، وليس عندنا أنثى تجب عليها النفقة إلا هذه، وفي التحقيق أن النفقة من السيد، لأنه اشترط ذلك عليها أو كأنها من جملة الكتابة.
وقوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ الأَبُ فِي كِتَابَتِهِمْ فَنَفَقَتُهُمْ) أي الأولاد والأم (عَلَيْهِ).
وَلَيْسَ عَجْزُهُ عَنْهَا كَعَجْزِهِ عَنِ الْكِتَابَةِ والْجِنَايَةِ
يعني: ليس عجز المكاتب عن نفقة ولده كعجزه عن الجناية والكتابة، لأن الجناية والكتابة متعلقان برقبته بخلاف النفقة فإنها مواساة بشرط اليسار.
وَيَجِبُ عَلَى الأُمِّ الإِرْضَاعُ إِنْ كَانَتْ تَحْتَ أَبِيهِ أَوْ رَجْعِيَّة ولا مَانِعَ مِنْ عُلُوِّ قَدْرٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ ....
إنما وجب على الأم الرضاع إذا كانت في العصمة أو رجعية بغير أجر، لأن عرف المسلمين على توالي الأعصار في جميع الأمصار على أن الأم ترضع الولد. وألحقت الرجعية بمن في العصمة، لأن أحكام الزوجية منسحبة.
وقوله: (ولا مَانِعَ) يعني: وأما أن كانت ممن [425/ب] لا ترضع لشرفها فلا رضاع عليها، لأن العرف ألا تكلف هذه الشريفة الإرضاع، والعرف كالشرط.
قال في الجواهر: ويجب على الأم أن ترضع ولدها إذا كانت تحت أبيه إلا أن يكون مثلها لا يرضع لسقم أو قلة لبن أو لشرف وعلو قدر. ولذات الشرف أن تأخذ الأجرة من الأب إذا رضيت أن ترضعه، نص على ذلك اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام.
خليل: وأفتى بعض مشايخ شيخي بأن الشريفة إذا تواضعت للإرضاع لا أجر لها لإسقاطها حقها، ولا كبير مؤنة عليها في لبنها.
وكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الأَبُ عَدِيماً ولَمْ يَقْبَل غَيْرهُا
إنما يظهر هذا في الشريفة وفي معناها المطلقة طلاقً بائناً، وأما في حق من في العصمة والرجعية فلا، لأنه إذا كان الإرضاع عليهما وإن كان الأب ذا مال فكيف إذا كان عديما؟ ولو قال المصنف إلا أن يكون الأب عديماً كما قال في الجواهر لكان أبين. وهكذا قال اللخمي وغيره أن الأب إذا كان عديماً كان على الشريفة الإرضاع، وهو مقيد بما إذا لم يكن للولد أيضاً مال، وأما إن كان له مال فلها الأجرة في ماله. قاله صاحب البيان وغيره.
وقوله: (ولَمْ يَقْبَل غَيْرهُا) والأحسن أن يقول أو لم يقبل، لأنه إذا لم يقبل غيرها يجب عليها الإرضاع كان الأب عديماً أم لا، والواقع فيما رأيته في نسخ كثيرة ولم يقبل بالواو، ولعل ذلك ليكون مقابلاً لقوله:
فإن قبل فالمشهور وجوبه بخلاف النفقة. وفي الجلاب: لا يجب
ظاهر كلامه أن هذا من تمام ما قبله، وإنما ذكره في المدونة والجلاب في الموت، ونص المدونة: وإن مات الأب وللصبي مال فلها ألا ترضعه وتستأجر له من يرضعه من ماله إلا ألا يقبل غيرها على أن ترضعه بأجرها من ماله، فإن لم يكن للصبي مال لزمها إرضاعه بخلاف النفقة التي لا يقضى بها عليها، ولكن يستحب لها أن تنفق عليه إن لم يكن له مال.
وعلى هذا ففي كلام المصنف نظر، لأنه لا يؤخذ منه حكم الموت أصلاً، اللهم إلا أن يقال أن المصنف لم يتكلم على مسألة الموت وإنما كلامه مفرع على ما قبله، ومعناه أن المرأة إذا كانت شريفة أو بائناً وكان الأب عديماً وقبل الابن غيرها فالمشهور وجوب الإرضاع عليها.
فإن قيل هو لم ينص في المدونة على هذه الصورة. قيل: لا فرق بين أن يموت الأب ولا مال للصغير وبين أن يكون الأب عديماً في المعنى. ولهذا حكى ابن بشير المشهور وقول ابن الجلاب في الأب العديم، وعلى كل تقدير فكلامه ليس بظاهر، لأنه إن أراد مسألة الموت وهي التي في المدونة والجلاب فكلامه لا ينبئ عن ذلك، وإن أراد التفريع على مسألة الشريفة فليس بظاهر لأن التخريج وإن كان صحيحاً فكلامه لا ينبئ عن التخريج، والظاهر أنه أراد هذا الثاني، لأن كلامه لا ينبئ على الموت ولا سيما على ما وقع في بعض النسخ:(فإن قبل غيرهما) بضمير التثنية فيتعين الثاني، لأن الضمير ليس له شيء يعود إليه إلا الشريفة والبائن. وفي بعضهما:(غيرها) فيعود على الأم. وبما في الجلاب قال عبد الوهاب. ابن الجلاب: ويكون إرضاعه في بيت مال المسلمين.
وقوله: (بخلاف النفقة) أي فلا تجب على الأم بالاتفاق. وحمل بعضهم ما في المدونة وهي المشهور والذي حكاه المصنف على أن ذلك إذا تعذر الاستئجار من بيت المال، والفرق للمشهور بين النفقة والإرضاع أن اللبن مستخف.
ابن عبد السلام: ورأيت في بعض كلام ابن العربي عن ابن المواز أنه يقول: نفقة الولد على الأبوين على قدر الميراث، فقال هو: لعله أراد أنها على الأم عند عدم الأب.
ابن عبد السلام: فإن صح نسبة هذا القول لابن المواز فتأويل ابن العربي بعيد، لأنه إذا كان الأب عديماً أو معدوماً فكيف يمكن أن يؤدى من النفقة شيئاً فضلاً عن الثلثين اللذين هما نصيبه من الميراث.
تنبيه:
قد تبين لك من كلامه في المدونة أن للأم إذا لم يقبل الولد غيرها أن تأخذ على ذلك الأجرة، وإن كلام للأم ذلك فالأجنبية أولى. قال شيخنا رحمه الله وأبو الحسن: ويجري فيهما قول آخر أنهما يكون لهما شيءٌ قياساً على أحد القولين في المواساة الواجبة بفضل طعام أو شراب، وذلك بأنه إذا لم يقبل الولد غيرهما تعين عليهما الإرضاع، والله أعلم.
وعلى وجوب في إيجاب الاستئجار عليها إن لم يكن لها لبن قولان
يعني: وإذا فرعنا على المشهور من وجوب الإرضاع عليها فلو لم يكن لها لبن فهل يجب عليها أن تستأجر من يرضعه، لأنها لما كان عليها الإرضاع فعليها خلفه أو لا لأن هذا من النفقة ولا تجب عليها؟ قولان، والقول بالوجوب لمالك في الموازية وهو قول القاضي إسماعيل أبو عمران وهو قولهم كلهم، والقول بعدم الوجوب لعبد الوهاب وهو اختيار التونسي واللخمي.
وما عدا ذلك فعلى الأب
الإشارة بذلك عائدة على وجوب الإرضاع حيث قلنا أنه على الأم فعلى الأب، أي إذا طلقت طلاقاً بائناً أو كانت شريفة وقبل الولد غير الأم وكان الأب ملياً
فإن لم يقبل غيرها تعينت بأجرة المثل
أي: فإن لم يقبل الطفل غير أمه تعينت بأجرة المثل، وظاهر كلامه سواء كانت بائناً أو شريفة [426/ا] ولا إشكال في ذلك في حق البائن.
ابن عبد السلام: لقوله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6].
وأما الشريفة فكلام المصنف موافق لما تقدم. وقد تقدم عن بعضهم أنه خالف في ذلك على أن الظاهر أنه لم يتعرض المصنف هنا للشريفة، لأن الفروع التي ذكرها بعد هذا إنما ذكروها في البائن.
فإن قبل غيرها خيرت فيه بأجرة المثل
يعني: فإن قبل الولد غير أمه المطلقة خيرت هي في أن ترضعه بأجرة المثل أو تتركه لمن يرضعه بذلك.
إلا أن يجد الأب من يرضعه عنده بدونها فتخير بذلك اتفاقاً، فإن لم يكن عندها فقولان ....
يعني: فإن وجد الأب من يرضعه بأقل من أجرة المثل فإن كانت الظئر ترضعه عند أمه فاتفق على أنه لا مقال لها في طلب أجرة المثل، بل إما أن ترضعه بالقدر الذي وجده الأب أو تسلمه للظئر، وإن كانت الظئر لا ترضعه عند أمه فهل يكون كما لو كانت ترضعه عندها أو لا ويكون القول قولها في طلب أجرة المثل؟ قولان.
واعلم أن هذين القولين وقعا لمالك في الموازية مطلقين، ثم اختلف الشيوخ فحكى ابن بشير عن بعضهم أنه فهم أن محلهما إذا كانت الظئر لا ترضعه عند الأم كما قال المصنف، ومنهم من جمع بين القولين فحمل الرواية بخيار الأب على ما إذا كانت الظئر ترضعه عند الأم، والرواية الأخرى على ما إذا أبت الظئران أن ترضعه عند الأم. ومنهم من جعل القولين مطلقين سواء كانت ترضعه عند الأم أم لا.
وحمل ابن يونس وغيره المدونة على أن القول قول الأم في أجرة المثل وإن وجد الأب من يرضعه عندها بأقل من ذلك، ونصها على نقل ابن يونس: قلت: فإن قالت بعدما طلقها ألبته لا أرضعه إلا بمائة درهم كل شهر. وأصاب الزوج من يرضعه بخمسين، قال: قال مالك: هي أحق به بما ترضعه به غيرها وليس للأب أن يفرق بينها وبينه، فإن أبت أن ترضعه بذلك فلا حق لها إلا أن يكون الولد لا يقبل غيرها وخيف عليه الموت فإنها تجبر على رضاعة بأجرة مثلها.
ابن يونس: قوله إذا وجد الأب من يرضعه بخمسين وقالت الأم لا أرضعه إلا بمائة فقال مالك: الأم أحق به بما يرضعه به غيرها. يريد بأجرة مثلها لا بخمسين. وقاله بعض القرويين، وإليه رجع ابن الكاتب وهو الصواب.
وسواء وجد من يرضعه عند الأم أم لا، وإن كان عند الأم فهي لا تباشره بالرضاع والمبيت، وذلك تفرقة بين الأم وولدها، فلذلك كانت الأم أحق به بأجرة مثلها وهو أبين.
عياض: ويشهد لهذا قوله بعد: (وليس للأب أن يفرق بينه وبينها إذا أرادت أن ترضعه بما ترضعه به الأجنبية
…
إلى قوله في آخر المسألة: (فإنها أحق بأجرة رضاع مثلها).
وقوله أيضاً آخر الكتاب: إذا وجد من يرضعه باطلاً وهو موسر لم يكن له أخذه، وعليها رضاعه بما يرضعه به غيرها ويجبر الأب على ذلك.
وحمل بعضهم المدونة على أنها إنما تكون أحق بأجرة المثل إذا لم يقبل غيرها أو لم يوجد من يرضعه عندها، وأما إن وجد من يرضعه عندها باطلاً أو بدون أجرة المثل فلا حجة لها، ونحوه في كتاب ابن سحنون لأبيه، وقد يشهد أيضاً لهذا من الكتاب قوله إذا علق بالأم لا صبر له عليها وكان لا يقبل غيرها أو خيف عليه فأمه أحق به بأجرة مثلها. واختار اللخمي التفصيل، فإن كان الزائد الذي تبتغيه الأم يسيراً فالقول قولها، وإن تباين
ما بين الأجرتين أو وجد من يرضع ولده فالقول قول الأب إذا كانت الظئر ترضعه عند الأم، وإن قالت أنا أرضعه عندي لم يكن ذلك للأب لأن للأم حقاً في الحضانة وليس للأب أن يحول بينه وبينها.
وإن وجده مجاناً وهو موسر فقولان
يعني: فإن وجد الأب من يرضعه مجاناً فإن كان معسراً فله ذلك إلا أن ترضى هي أن ترضعه بلا شيء، فإن لم يكن معسراً فهل له ذلك لأنه حق له أو لا نظراً لحق الأم في الحضانة؟ قولين: مذهب المدونة ليس له ذلك. واقتصر في الجواهر عليه، والقول الآخر لمالك من رواية ابن وهب. قال في البيان: ومعناه عندي إذا كان الذي وجده الأب يرضعه عند أمه ولا يخرجه عن حضانتها.
***