المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والصورة الثانية: أن يقول اشتر سلعة كذا بعشرة نقداً وأنا - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٥

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: والصورة الثانية: أن يقول اشتر سلعة كذا بعشرة نقداً وأنا

والصورة الثانية: أن يقول اشتر سلعة كذا بعشرة نقداً وأنا أشتريها منك باثني عشر إلى أجل، فهذا لا يجوز. ابن حبيب: ويفسخ البيع الثاني إن لم تفت، فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة يوم قبضها الآمر، كما يصنع بالبيع الحرام، لأنه باع ما ليس عنده.

وروى سحنون عن ابن القاسم عن مالك: إذا وقع مضى ويلزم الآمر الاثنا عشر إلى أجلها، لأن المأمور كان ضامناً لها، ولو شاء الآمر ألا يشتريها منه كان له ذلك، ويستحب للمأمور أن يتورع فلا يأخذ من الآمر إلا ما نقد.

الصورة الثالثة: أَنِ اشترها باثني عشر إلى أجل وأشتريها منك بعشرة نقداً. فروى سحنون عن ابن القاسم أنه مكروه، ويمضي إن فات ولا يكون على الآمر إلا العشرة. وظاهر هذه الرواية: أن البيع الثاني يفسخ ما لم تفت السلعة. وقال ابن حبيب: يفسخ البيع الثاني على كل حال، وإن فاتت ردت إلى قيمتها يوم القبض.

تبنيه: ما تقدم من تقسيم المسألة لثلاثة أوجه قاله غير واحد، وزاد عياض وجهاً رابعاً مختلفاً فيه، وهو: ما اشتري ليباع بثمن بعضه معجل وبعضه مؤجل. وظاهر مسائل الكتاب والأمهات جوازه، وفي العتبية كراهته لأهل العينة.

‌الخيار

ترو ونقيصة، فالتروي بالشرط لا بالمجلس كالفقهاء السبعة. ابن حبيب: وبالمجلس لحديث الموطأ ....

وسمي التروي من الرأي، لأنه يرى فيه رأيه وينظر هل هي غالية أو رخيصة؟ وهل فيها عيب أو لا؟ وخيار النقيصة ما كان من جهة المبيع. وجعل الخيار قسمين، لأن موجبه إما من جهة العاقد أو المعقود عليه. أو يقال: إما أن يكون موجبه مصاحباً للعقد أو متقدماً. والأول فيهما هو التروي، والثاني فيهما هو النقيصة.

ص: 408

وخيار التروي مستثنى من بيع الغرر للتردد في العقد، لكن أجازه الشرع ليدخل من له الخيار على بصيرة من الثمن والمثمون، ولهذا قال الشافعي- رضي الله عنه: لولا الخبر عن رسول الله ما جاز الخيار أصلاً لا في ثلاث ولا في غيرها.

وفرع الخيار فرع على البيع اللازم، لأن الغالب هو اللازم، ولأنه إنما يكون بالشرط وقوله:(فالتروي بالشرط لا بالمجلس) تنبيه على خلاف الشافعي في قوله بخيار المجلس ما لم يتفرقا. وحكى ابن شاس والمصنف وغيرهما أنه قال: كقولنا الفقهاء السبعة. وذكر المازري، وصاحب الإكمال أن سعيد بن المسيب لا يقول بخيار المجلس، وهو من الفقهاء السبعة بلا خلاف. وعلى هذا، ففي قوله:(كالفقهاء السبعة) نظر. وكأن المصنف- والله أعلم- أضاف الحديث للموطأ لينبه على أنه لا ينبغي أن يقال هنا أن مالكاً لم يعلم الحديث، بل علمه ورواه، ونبه على أنه إنما ترك ذلك لما هو راجح عنده، فقد قال- رحمه الله في الموطأ بعقبه: وليس لهذا حد معروف ولا أمر معمول به فيه.

ابن العربي: يريد أن تفرقتهما ليس لها وقت معلوم. وقال: وهذه جهالة يقف البيع عليها، فيكون [466/ب] كبيع الملامسة والمنابذة، أو كبيع على خيار إلى أجل مجهول، وما كان كذلك فهو فاسد.

وإلى هذا التأويل- أعني: أنه قصد أن الحديث مخالف لعمل أهل المدينة- ذهبت المغاربة وبعض البغداديين. وذهب ابن القصار وحذاق أئمتنا البغداديين أن كلام الإمام راجع إلى آخر الحديث: (إلا بيع الخيار) أي: ليس لبيع الخيار حد معروف، بل بحسب ما تختبر فيه السلعة، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي أنه ثلاثة أيام في كل شيء. وقد أكثر أهل المذهب والحنفية من الأجوبة عن هذا الحديث، وقد أتى بأكثرها المازري في شرح التلقين، وابن دقيق العيد في شرح العمدة.

ص: 409

وحده يختلف باختلاف السلع بقدر الحاجة، ففيها: في الدار الشهر ونحوه، وقيل: الشهران ....

تصوره واضح. وطول زمن الخيار في الدار، لأنه يحتاج إلى النظر في حيطانها وأساسها ومرافقتها، واختبار جيرانها ومكانها مع كونه مأمونة لا يسرع إليها التغيير.

وفي قوله: (بقدر الحاجة) إشارة إلى أنه يضرب من الأجل أقل ما يمكن تقليلا للغرر المذكور.

وما نسبه المصنف للمدونة، المتيطي: هو المشهور من مذهب مالك وأصحابه. والقول بالشهرين في الموازية، وقاله ابن حبيب في الواضحة. ونقل عن ابن القاسم، وقال: الأرضون كلها كذلك.

ابن يونس وابن رشد: والربع مساو للدار، وجعلا ما في الموازية والواضحة من الشهرين تفسيراً للمدونة لا خلافاً كما فعل المصنف.

ابن عبد السلام: وينبغي أن يفترق حكم الدار من الأرض، لأن الحاجة إلى اختيار الدور أكثر. وفي الإكمال عن الداودي أن المدة في الدار الشهران والثلاثة. وحكى الخطابي عن مالك في الضيعة السنة.

فرع:

ولا يجوز على مذهب ابن القاسم أن يشترط في الخيار سكنى الدار مدة الخيار، لأن اختبار ذلك مما يعرف بالنظر إليها. وقال غير واحد من شيوخ المذهب: يجوز ذلك في الدار، لأنه بذلك يختبر جيرانها ويعرف الصالح من الطالح. قال القابسي، واللخمي: إن كان المشتري من أهل المحلة فلا يمكن من سكناها، لأنه عالم بالجيران، وإن لم يكن من المحلة جاز.

ص: 410

وفيها: في الرقيق الجمعة ونحوها، وقيل: شهر لكتمانه عيوبه

نقل المدونة على المعنى تبعاً لابن شاس، لأنه إنما فيها الجارية لكن لا فرق فيها، والجارية مثل الخمسة الأيام والجمعة وشبه ذلك لاختبار حالها.

ابن المواز: وأجاز ابن القاسم الخيار في العبد إلى عشرة أيام.

محمد: وإن وقع في العبد أو الأمة إلى عشرة أيام لم أفسخه، وأفسخه في الشهر. والقول بالشهر رواه ابن وهب عن مالك.

ابن المواز: وأباه ابن القاسم وأشهب.

وقوله: (لكتمانه عيوبه) يحتمل أن يكون تعليلاً لرواية ابن وهب، ويحتمل أن يكون تعليلاً لطول المدة في الرقيق بالنسبة إلى ما يذكره في الدواب والثياب.

فإن قيل: التعليل بكتم العيوب ليس موجوداً في الصغير. قيل: التعليل بالمظنة وهو كونه رقيقاً، لأن الوقت الذي يكتم فيه عيوبه لا ينضبط كالمشقة في السفر.

وفيها: تركب الدابة اليوم وشبهه، ولا بأس أن يشترط البريدين، هذا في الركوب، وإلا فتجوز الثلاثة ....

أي: أمد الخيار في الدابة يختلف باختلاف ما يريده المشتري، فإن أراد اختبار حالها بالركوب، فنص ابن القاسم في المدونة على جواز اشتراط اليوم وشبهه والبريد.

الباجي: يحتمل أن يريد ركوب اليوم في المدينة على حسب ما يركب الناس في تصرفاتهم، والبريد والبريدان لمن خرج من المدينة يختبر سيرها، ونحوه للخمي قال: إن كان قصده معرفة حسن سيرها فاليوم وبعض اليوم يجزئ من ذلك حسن، وإن أراد سفراً ليختبر سيرها وصلابتها فالبريدان في ذلك حسن.

ص: 411

قوله: (ولا بأس أن يشترط البريدين) هذا الكلام لأشهب في المدونة. واختلف الشيوخ في قول ابن القاسم: البريد. وقول أشهب: البريدين. فحمله بعضهم على البريد في الذهاب والرجوع، وكذلك البريدان.

وقال أبو عمر: البريد للذهاب خاصة وللرجوع مثله، وكذلك البريدان للذهاب وللرجوع مثلهما. وعل هذا يصح اشتراط سيرها يومين، إذ ليس كل دابة تمشي أربعة برد من يومها، وإنما تقطع ذلك الدابة القوية. وعلى هذين التأولين فابن القاسم، وأشهب مختلفان.

عياض: وقد يحتمل موافقة القولين بريد في الذهاب على قول ابن القاسم، وبريدان أحدهما في الذهب والآخر في الرجوع على قول أشهب.

وإذا تقرر هذا فاعلم أن نقل المصنف لهذه المسألة ليس كما ينبغي، إذ لم يبين أن الكلام الأول لابن القاسم، ولا أن الثاني لأشهب، ولا هل هو خلاف أو وفاق، ولكن ظاهر كلامه الموافقة، لكون ساقهما مساقاً واحداً.

واختلف: هل للمشتري أن يركب الدابة بمقتضى عقد الخيار ليختبر سيرها وحملها من غير أن يشترط ذلك وهو مذهب أبي بكر بن عبد الرحمن؟ عياض: وقول أبي بكر هو الصحيح.

قوله: (وإلا فتجوز الثلاثة) أي: وإن لم يقصد الركوب بل كان القصد تقليبها واختبار حالها، جاز أن يوسع في المدة، نص على ذلك ابن حبيب.

وفي الثوب الثلاثة ولا يشترط لباسه، بخلاف استخدام الرقيق

جعلوا الزمان في الثوب كالدابة، وإن كانت الدابة تفتقر في العرف [467/أ] إلى زمان أطول من زمان الثوب، لأنه لا يحتاج فيه إلا إلى قياسه ومعرفة الثمن خاصة.

ص: 412

الباجي: لأنه لا يسرع إليه التغير ولا يشترط لباسه. قال في المدونة: لأنه لا يختبر باللباس كما تختبر الدابة بالركوب والبعد بالاستخدام، لأنه إنما يحتاج إلى قياسه طوله وعرضه.

فرع:

فإن شرط لباسه، فقالوا: يفسد العقد. فإذا فسخ، لزمه الكراء لأجل اللبس.

ابن يونس: بلا خلاف. ولم يجعلوه كسائر البيوع الفاسدة إذا فسخت، فإنه لا يلزم المشتري رد الغلة. وذكر ابن يونس عن بعض الأصحاب أنه اختلف إذا فسد البيع باشتراط النقد، هل ضمانها من البائع، أو من المبتاع؟

ابن يونس: فعلى أن الضمان من المبتاع لا يكون عليه شيء في اللبس كسائر البيوع الفاسدة. وتأمل كلام ابن يونس فإن حكايته الخلاف ثانياً يخالف ما حكاه أولاً من الاتفاق، وقاله أبو الحسن.

ولا يغاب عل ما لا يعرف بعينه، لأنه يصير تارة بيعاً، وتارة سلفاً

يعني: أنه يجوز شراء ما لا يعرف بعينه على الخيار كالمكيل والموزون، فإذا اشترى الخيار لم يجز على شرط غيبة المشتري عليه، لأنه إن مضى البيع فيه كان بيعاً، وإن لم يمض وجب رده، وقد يكون تصرف فيه ويرد مثله فيكون ذلك سلفاً.

ولم يذكر المصنف مدة الخيار كما في المدونة، قال: ومن اشترى شيئاً من رطب الفواكه والخضر على أنه بالخيار، فإن كان الناس يشاورون في هذه الأشياء غيرهم ويحتاجون فيها إلى رأيهم فلهم من الخيار في ذلك بقدر الحاجة مما لا يقع فيه تغيير ولا فساد.

وأطلق المصنف في قوله: (ولا يغاب) ومراده: الغيبة بالشرط، وإلا فلو تطوع البائع بإعطاء السلعة للمشتري جاز لأن التعليل يرشد إليه، لأنه إنما يكون تارة بيعاً وتارة سلفاً

ص: 413

مع الاشتراط كما في الثمن. فإن قيل: هل يصدق قوله: (ولا يغاب) على البائع كالمشتري.

قيل: ظاهره كذلك.

وقد نص في الموازية على امتناع غيبة البائع أيضاً على ما لا يعرف بعينه. قال: ويخرج عنهم جميعاً.

والتعليل المذكور حاصل، ويقدر كأن المشتري التزمه وأسلفه، فيكون بيعاً إن لم يرده وسلفاً إن رده. وأجاز بعض الشيوخ أن يبقى عنده، قال: لأنه عين شيئه.

فرع:

ولا يجوز في شيء من السلع أن تكون مدة الخيار فيه مجهولة، فإن عقد على ذلك، كقولهما: إلى قدوم زيد ولا أمارة على قدومه، أو إلى أن يولد لفلان ولد ولا حمل عنده، أو إلى أن ينفق سوق السلعة ولا سلعة، أو يغلب على الظن عرفاً أنها تنفق فيه. إلى غير ذلك مما يرجع إلى الجهل بالمدة فالبيع فاسد.

لكن إن وقع العقد على أنه بالخيار ولم يعين مدة معلومة ولا مجهولة، فالعقد صحيح، ويحمل على خيار مثل السلعة كما تقدم، ولو زاد في مدة الخيار على ما هو أمد خيارها فسد البيع.

والنقد بغير شرط جائز، وفي فساد البيع باشتراطه قولان

قد تقدم نظائر هذه المسألة، والمعروف مع الاشتراط الفساد.

ابن محرز: ومن المذاكرين من يذهب في هذه المسألة مذهب البيع والسلف، ويقول: إذا أسقط البائع الشرط كان البيع جائزاً. وذكر في المقدمات أن هذا القول هكذا في كتاب سحنون.

ص: 414

ولو طلب وقفه كالغائب والمواضعة على المشهور فيهما لم يلزم، لأنه لم ينبرم

يعني: لو طلب البائع وقف الثمن، أي: أخراجه من يدا المشتري ووضعه على يد أمين حتى يتبين مآل أمر البيع، هل يتم فيأخذه البائع أو لا فيرجع إلى يد المشتري؟

والمشهور راجع إلى الغائب والمواضعة لا إلى الخيار، لأن بعضهم حكى في بيع الاتفاق. وفرق بينه وبين الأمة المتواضعة وبيع الغائب بما ذكره المصنف، وهو أن البيع فيها قد انبرم وبيع الخيار لم ينبرم.

وحكى ابن عبد السلام عن بعض الشيوخ: أنه جعل الاتفاق من حق البائع، وقاسه على الغائب والمواضعة.

ولو زاد على مدة الخيار انفسخ وإن أسقطه مشترطه

تصوره واضح، وقد تقدم.

ولو أسقط شرط النقد لم يصح، بخلاف مسقط السلف، وقيل: مثله

هكذا ثبت في نسخة صحيحة، وهو كالتكرار مع قوله: وفي فساد باشتراطه قولان. لكن ذكره لفوائد ليبين أن الفساد حاصل على القول به، ولو أسقط الشرط وإن عدم الفساد على القول به إنما هو مع إسقاط الشرط، ويشير على طلب الفرق بين هذه المسألة على المشهور، ومسألة البيع والسلف. والفرق على المشهور بينه وبين مسقط السلف: أن الفساد في اشتراط النقد واقع في الماهية، لأنه غرر في الثمن، إذ المقبوض لا يدرى هل هو ثمن أم لا؟ ومسألة شرط السلف الفساد خارج عن الماهية.

ص: 415

وإذا اشترى أو باع على مشورة فلان، فله الاستبداد وإن لم يشاور، وقيل: إن كان بائعاً ....

يعني: أن من اشترى سلعة أو باعها على أن يشاور غيره، ثم أراد أن يبرم البيع أو الشراء دون مشورة، فإن كان بائعاً فله ذلك اتفاقاً، وكذلك له الاستبداد إن كان مشترياً على المشهور، على ما حكاه المصنف، إذ لا يلزم من الاستشارة الموافقة ومن حجته أن يقول: هب أني اشتريته فلا مانع لي من مخالفته.

والتحقيق عندهم: التسوية بين البائع والمشتري في المشورة والرضا والخيار.

وحكى [467/ب] عياض وابن رشد أنه لا خلاف منصوص أن لمشترط المشورة تركها، قالا: إلا ما تأول التونسي على الموازية أن المشورة كالخيار.

ونقل ابن أبي زيد أن ابن مزين حكى عن ابن نافع: أنه يرى لفظ المشاورة كلفظ الخيار والرضا.

المازري: وتعقب عليه هذا النقل بأن الذي ذكره ابن مزين ع ابن نافع، أنه إن باع على مشورة فلان على أن فلاناً إن أمضى البيع مضى بينهما. وهذا اللفظ يقتضي وقف البيع على اختيار فلان، بخلاف ما إذا كانت المشورة مطلقة، ونحوه للخمي.

وهكذا أيضاً رد صاحب المقدمات ما تأوله التونسي على الموازية، وقال: الذي في الموازية إنما هو في مشورة مقيدة. وكذلك قال عياض: إن ما تأوله التونسي غير صحيح. ولم أر القول الذي ذكره المصنف بالتفرقة بين البائع والمشتري، ولعله لاحظ أن البائع أقوى يداً لتقدم ملكه. وفهم من كلام المصنف جواز الشراء على مشاورة فلان، وما في معناه وهو المشهور.

ص: 416

وروى أصبغ عن ابن القاسم منعه، كمذهب أحمد بن حنبل. ورواه أيضاً سحنون عنه ثم رجع إلى الجواز، ولعله مبني على أنه رخصة فلا يتعدى المتعاقدين.

فإن كان على رضاه، فقيل: مثلها، وقيل: لا يستبد

أي: فإن اشترى أو باع على رضا فلان. وقوله: (مثلها) أي: في الخلاف. ويحتمل في القول الأول وهو الاستبداد. ويرجح هذا بوجهين، أولهما: أن ابن عبد السلام قال في الزكاة أن المصنف إذا شبه مسالة بأخرى وكان قدم في المشبه بها مشهوراً أو راجحاً، فإنه يشبه فيه فقط. وثانيهما: أن ما يذكره المصنف بعد هذا في الخيار ينفي أن يكون مراده بالتشبيه التشبيهَ في جميع ما تقدم، كما ستقف عليه.

والقول بأنه يستبد في الرضا، سواء كان بائعاً، أو مشترياً نقله عبد الوهاب عن ابن القاسم، ونقل عنه قولاً آخر أن للبائع أن يخالف خيار من اشترط خياره أو رضاه دون المشتري.

ابن يونس: فلم يختلف قوله أن البائع له أن يخالف، وإنما اختلف في المشتري.

قوله: (وقيل: لا يستبد) ظاهره: كان بائعاً أو مشترياً، وهذا القول هكذا تأول على المدونة. وعلى هذا فيتحصل في كل من الرضا والخيار ثلاثة أقوال، ثالثها: يستبد البائع دون المشتري. والفرق ظاهر المدونة، لأن فيها: إذا اشترى على رضا فلان أو خياره، فليس للمبتاع رد ولا إجازة دون خيار من اشترط رضاه. وقال في البائع: إذا اشترط رضا فلان فرضي فلان أو رضي البائع، فالبيع جائز.

ابن رشد: وحمل بن أبي زيد وغيره المدونة على هذا الظاهر، لقوة يد البائع وتقدم ملكه.

عياض: وذهب جماعة في تأويل المدونة إلى التسوية بينهما، وأنه ليس لواحد منهما خلاف، ورأوا أنه لما نص فيها على أن المشتري ليس له المخالفة يرد كلامه في البائع إلى ذلك، ويكون معنى قوله: أو رضا البائع. أي: مع رضا الآخر. وذهب آخرون إلى التسوية بينهما

ص: 417

أيضاً، لكنهم يجعلون من له الرضا كالوكيل لهما، وأن لمشترط رضاه الرضا دونه، لكنهم يقولون: إن سبق من جعل هل الرضا أو الرد مضى فعله ولم يرد، كالوكيل مع موكله، اشترطا ذلك معاً أو أحدهما، ونحوه في الموازية وهو اختيار ابن محرز، وأشار إليه أبو إسحاق في البائع. ويلزمه ذلك في المبتاع، واستدلوا بقوله في المدونة: فإن رضي البائع أو رضي المبتاع، فهو جائز، وفيه نظر.

وقال آخرون: هو حق لهما جميعاً، حق للبائع إن أراد إمضاء البيع وأراد فلان الرد، وحق للمبتاع إن أراد فلان إمضاء البيع وأراد البائع الرد. ومثله إذا كان مشترطاً ذلك لفلان المبتاع وأراد الآخر الرد، فله ذلك وإن رد فلان، وكذلك إن أراد فلان الإجازة وأراد المبتاع الرد كان للبائع إلزامه البيع.

ففي اشتراط المبتاع على ما يلزم البائع رضا المبتاع، ويلزم المبتاع رضا فلان. وفي اشتراط البائع يلزم المبتاع رضا البائع، ويلزم البائع رضا فلان.

وتأول آخرون كلامه في المسألتين في الموضعين على اختلاف من قوله، لا أنهما اختلاف مسألتين. فعلى ظاهر قوله في البائع أولاً: له مخالفته. يلزم مثله في المبتاع، وعلى قوله في المبتاع آخراً: ألا يخالفه. التفريق بين اشتراط البائع والمبتاع. وهذان القولان هما اللذان حكى عبد الوهاب.

ومنهم من تأول جوابه في المسألة أولاً أن البائع اشترط ذلك لنفسه خاصة، وجوابه آخراً في المشتري أن الشرط لهما جميعاً. ونحوه لأبي محمد بن أبي زيد وغيره من القرويين. وهذا الأصل عند الحذاق، وهو نص ما في الواضحة، واختيار ابن لبابة.

ومنهم من قال: إن (أو) في قوله: (فإن رضي البائع، أو رضي فلان البيع) بمعنى الواو. ومنهم من تأولها على الفرق بين الرضا والخيار، فإن اشترط رضا فلان فله أن يخالفه، وإن اشترط خياره فليس له أن يخالفه.

ص: 418

فإن كان على خياره، فقيل: مثل رضاه، وقيل: لا يستبد، وقيل: الجميع سواء

هذا مما يبين لك أنه لم يرد بالتشبيه التشبيهَ في جميع ما تقدم، لأنه لو أراد ذلك لاستغنى عن قوله:(وقيل: لا يستبد) وعلى هذا يكون المصنف إنما شبه بالمشورة في القول الأول وهو الاستبداد، لأنه أصل المذهب.

ثم حكى قولاً ثانياً في الرضا بنفي الاستبداد، ثم شبه الخيار بالرضا في القول الأول وهو الاستبداد، ثم حكى قولاً ثانياً وهو نفي الاستبداد، ثم قال: وقيل: الجميع سواء. فيستفاد منه قول ثالث في المشورة بنفي الاستبداد، ويستفاد فيها قول ثالث بالفرق بين [468/أ] البائع والمشتري. هذا أنسب ما قيل، وفيه نظر، لأنه كان يمكنه أن يجمع الرضا والخيار والمشورة، ويذكر في الجميع ثلاثة أقوال. ونقل عن أبي على ناصر الدين أنه كان يعتذر عنه بأن ما ذكره طرق لا أقوال، وفيه نظر، لأنهم لم يذكروها طرقاً، ولا إشكال في وجود الثلاثة الأقوال في الخيار والرضا.

وأما المشورة: فقد ذكرنا أن ابن رشد وغيره حكى الاتفاق، وذكرنا أنا لم نطلع على القول الذي ذكره المصنف بالتفرقة فيها. نعم يتحصل فيها ثلاثة أقوال على ما نقله المصنف من التفرقة وعلى ما نقله ابن أبي عن ابن نافع، لكن قد قدمنا عليها الاعتراض في ذلك.

ابن عبد السلام: والصواب التسوية بين البائع والمشتري، والصواب التفرقة بين شرط المشورة والرضا، وأن الخيار كالرضا.

وفيها: الخيار بعد البت لأحدهما لازم، وقيد إن كان نقداً، وإلا أدى إلى خيار بيع الدين وفي ضمانه حينئذ قولان ....

قال فيها: ومن اشترى سلعة م رجل ثم جعل أحدهما لصاحبه الخيار بعد تمام البيع، فذلك يلزمهما إذا كان يجوز في مثله الخيار. وهو بيع مؤتنف بمنزلة بيع المشتري لها

ص: 419

من غير البائع. وقيدها أكثر الشيوخ بشرط أن يكون انتقد الثمن في سلعة وإلا لم يجز ذلك، لأن البائع حينئذ يكون أخذ عن دين وجب له سلعة بخيار وذلك لا يجوز، وإليه أشار بقوله:(وقيد إن كان نقداً، وإلا أدى إلى خيار بيع الدين) أي: بيع الدين بخيار.

وأبقى اللخمي المدونة على ظاهرها من الجواز مطلقاً. فعلى هذا يكون هذا التقييد مخالفاً للمدونة.

ولهذا يقع في بعض النسخ: (وقيل) باللام على هذه الطريقة. والنسخة الأولى أحسن، لأنها على طريق الأكثر.

ووجه ما ذهب إليه اللخمي: أن القصد بهذا التخيير إنما هو تطييب نفس من جعل له، وليس المقصود منه حقيقة البيع حتى يلزم عليه هذا المانع المذكور، ولأن البيعة الأولى قد تمت، فإذ جعل المشتري لبائعها الخيار، فقد صار المشتري كبائع سلعة على الخيار، وكأنها شيء ثان لا تعلق له بالأول.

وقوله: (وفي ضمانه حينئذ قولان) أي: أنه اختلف في ضمان المبيع على خيار بعد بيعه على البت، ففي المدونة: هو من المشتري لأنه صار بائعاً.

ابن يونس، والمازري وغيرهما: وظاهرها سواء جعل البائع الخيار للمشتري أو العكس. قالا: وروي عن المخزومي أنه قال: إن جعله البائع للمشتري فالضمان منه، لأنه خيار ألحقه بعقده فكأنه فيه، وإن جعله المشتري للبائع، فالضمان منه لأنه صار بائعاً.

وعلى هذا، فإن جعله المشتري فالضمان منه اتفاقاً، وإن جعله البائع فقولان، بناء على أن اللاحقات بالعقود هل تقدر واقعة فيها أم لا؟ فقد أطلق المصنف في محل التقييد.

والملك للبائع، فالإمضاء نقل لا تقرير، وقيل: للمشتري بالعكس

يعني: أن المشهور أن بيع الخيار منحل والسلعة على ملك البائع، فإذا أمضى البيع كان ذلك نقلاً للسلعة إلى ملك المشتري. والشاذ: أنه منبرم، فالإمضاء تقرير لما انبرم أولاً.

ص: 420

والغلة للبائع، إذ الخراج بالضمان

أي: ما يحدث في أيام الخيار من غلة، كلبن، وبيض، وثمرة ونحو ذلك، فهو للبائع، لما رواه الترمذي وصححه: أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((الخراج بالضمان)). والضمان من البائع اتفاقاً، ولا يقال: الاتفاق على الضمان يرد قول من قال: إن الملك قد انتقل، لأن الملك لم ينتقل المشتري انتقالاً تاماً، فيبقى الضمان مستصحباً من البائع. قاله المازري. وهذا الحكم عام في أنواع الغلة، إلا في الصوف فإنه للمشتري، لكونه كان موجوداً يوم البيع، نص عليه اللخمي، وهو ظاهر. وقد أشار المصنف إليه بقوله:

ولو ولدت الأمة فأمضى، فقال ابن القاسم: يتبعها كالصوف. وقال أشهب: كالغلة فينفسخ. وقيل: أو يجمعا نفي ملك. وقيل: أو في حوز

يعني: لو باع أمة على خيار فولدت في أيام الخيار وأمضى من له الخيار البيع، فقال ابن القاسم: الولد للمشتري كصوف الغنم. وهو مقتضى كلامه أن أشهب يوافق على الصوف، وإلا لما حصل لاستشهاده به كبير فائدة، وهو مقتضى كلامه في الجواهر.

وعلل ذلك أن الصوف مشترى، لأنه إذا اشترى كبشاً وعليه صوف فكأنه اشتراهما. وقال أشهب: بل يكون للبائع كالغلة. فإن بنينا على قول ابن القاسم فلا تفريغ، وإن بنينا على قول أشهب، فهل يفسخ أو يجبران على الجمع بينهما؟ قولان، بناء على أن ما أوجبته الأحكام هل هو كالمدخول عليه أو لا. وعلى الثاني فهل يكفي الحوز وهو ظاهر كلام أشهب، أو لابد من الملك، قولان.

ابن محرز: والصحيح الملك. ابن بشير: هو الأصل.

وكان حق المصنف أن يؤخر القول بالفسخ ويقدم القولين بعد، لأنهما تأولا على أشهب، فهما من تمام قوله السابق. والقول بالفسخ لغيره، لكن ممن وافقه على أن الولد

ص: 421

للبائع وتعقب فضل بن سلمة، وابن أبي زمنين، هذه المسألة من حيث أن الأمة ولدت في أيام الخيار، وذلك يستلزم بيعها بقرب الولادة، وبيع الحامل المقرب لا يجوز.

وأجاب فضل: بأن البائع لم يخير المشتري بحملها، فلم يدخلا على الفساد. ورده المازري: بأن حمل المرأة لا يكاد يخفي قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة. ورواه أيضاً ابن محرز وعياض: بأن المشهور أن علم أحد المتبايعين بالفساد يوجب فساد البيع.

[468/ب] وأجاب ابن محرز، والمازري: بأن المرض عند ابن القاسم وأشهب- وإن بلغ الخوف على صاحبه- لا يمنع من صحة بيع المريض، وإنما يمنع إذا بلغ السياق. وحاصله أن بيع الأمة المقرب صحيح، وقد تقدم أن الأصح صحته.

وأجاب عياض: بأنه يمكن أن يكون باعها في آخر الشهر السادس وولدت في أول السابع، وفيه نظر، لحمل المعنى على معنى نادر.

وعارض الباجي قول ابن القاسم هنا، بأنه قال فيمن اشترى عشر جوار من مائة يختارهن، فلم يختر حتى وضعن، لم يكن له خيار في الأمهات، ويفسخ البيع للتفرقة. فجعل الولد للبائع هنا وفي الأولى للمشتري، وكلا العقدين مدخول فيه على خيار.

وأجيب: بأن مسألة المدونة وقع فيها العقد على معين، بخلاف الأخرى. وقيل في مسالة العشر الإماء: أنه لا يفسخ ويكون الولد للبائع، ويجمع بينهما في ملك أو يباعان.

وما يوهب للعبد البائع، وقيد في غير المستثنى ماله

يعني: إذا وهب للعبد المبيع بالخيار مال في مدة الخيار فهو للبائع، قاله في المدونة. وقيده ابن الكاتب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بأن يباع بغير ماله، وأما لو بيع بماله لتبعه هذا المال الموهوب كما تبعه ماله المشترط لأجل الشرط.

ص: 422

وما يعد رضا من المشتري فهو رد من البائع. قال اللخمي: قد يؤجر البائع، لأن الغلات له ولا يعد رداً ....

أجاب- رحمه الله يتكلم على ما يدل على الرضا. ونقل ابن شاس هذا الضابط عن سحنون، قال: قال سحنون: وكل ما يعد من المشتري قبولاً فهو من البائع إذا كان له الخيار فسخ. فقوله: ما يعد من المشتري قبولاً. يريد: والخيار له.

اللخمي: ولا يجزئ ذلك مطلقاً، لأن الغلات للبائع، فإذا آجره أو أسلمه للصنعة، فإنما فعل ما هو له، فلا يكون ذلك رضا، بخلاف المشتري فإن الإجارة في حقه دليل على الرضا.

ابن بشير: وهذا الذي قاله اللخمي يختلف الأمر فيه، فإن طول الإجارة أو مدة التعليم يظهر مع هذا أنه قصد الرد.

وقوله: (وما يعد) يريد من الفعل، لأن القول لا يقال فيه يعد لدلالته وضعاً، فلا يرد عليه قول المشتري أمضيت المبيع ونحوه، فهو رضاً منه بالشراء، وكذلك هو أيضاً رضاً من البائع.

ويكون بترك وفعل، فالترك الإمساك عما يدل إلى انقضاء المدة

(يكون) أي: الرضا، أو يعود على (ما) في قوله:(وما يعد) فإن قلت، قوله:(ويكون بترك وفعل) ويدل على أن الترك يدل على الرضا. وقوله بعد ذلك: (فالترك الإمساك عما يدل) يقتضي أن الترك لا يدل على الرضا، فيلزم أن يكون الترك دليلاً على الرضا وغير دليل عليه. قيل: متعلق بدل محذوف للدلالة عليه، تقديره: أي: الإمساك عما يدل من قول أو فعل. وتقييد الدلالة بالقول أو الفعل أخص من مطلق الدلالة، فلم ينفِ عن الترك الدلالة مطلقاً. وقد صرح بذلك ابن شاس، فقال: وأما الترك فمثل إمساكه عن القول أو الفعل الدالين على تعيين أحد الوجهين إلى أن تنقضي مدة الخيار.

ص: 423

وهو اختيار لها ممن هي في يده، وإلا فالعكس

يعني: أن إمساك السلعة إلى انقضاء المدة اختيارٌ لها بالرد إن كانت بيد البائع، والخيار له وإمساكها إلى انقضاء المدة اختيار لأخذ السلعة إن كانت بيد المشتري والخيار له، وإلا فالعكس. أي: وإن لم تكن في يد من له الخيار وأمسك من له الخيار عما يدل إلى انقضاء المدة، فإذا كان الخيار للبائع والسلعة في يد المشتري وأسك عما يدل على الصفة المذكورة، كان ذلك اختياراً لعوض السلعة فهو إمضاء، وإذا أمسك المشتري عما يدل على الصفة المذكورة والخيار له والسلعة في يد البائع فهو اختيار للثمن ورد للسلعة.

فلذلك كان اختياراً منهما لمن هي في يده

أي: فلما قلناه من أن إمساك السلعة اختيار لها ممن هي بيده وبالعكس، كان الإمساك اختياراً من كل واحد من المتبايعين إذا كان الخيار لهما لمن هي في يده. أي: فلأجل الطرد والعكس كان سكوتهما معاً يرد البيع، وإن كانت بيد المشتري فهو اختيار منهما.

والفرق بين هذا وبين ما تقدم، أن الأول أفاد الحكم إذا كان الخيار لأحدهما، والثاني أفاد الحكم إذا كان الخيار لهما.

وفي قربه برده قولان

أي: وفي رد المبيع بخيار بقرب انقضاء المدة، وعدم رده. والأول في المدونة، ففيها: وإن كان بعد غروب الشمس من آخر أيام الخيار، أو كالغد أو قرب ذلك فذلك له، واحتج بالتلوم للمكاتب. والقول بأنه ليس له ذلك بالقرب لأشهب وابن الماجشون، قالا: بغروب الشمس من آخر أيام الخيار ينقطع الخيار، لأن المؤمنين عند شروطهم.

وعلى المشهور، فإن شرط في بيع الخيار إن لم يأت بالسلعة قبل مغيب الشمس من آخر أيام الخيار لزم البيع، ففي المدونة لم يجز هذا البيع، أرأيت إن مرض المبتاع أو حبسه

ص: 424

سلطان. لكن عورض ذلك بقوله في المدونة في غير موضع: إذا اشترط البائع على المبتاع إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا فلا بيع بيننا، أن العقد صحيح والشرط باطل.

فعارض الأشياخ إحدى هاتين المسألتين بالأخرى، وخرجوا من الثانية الخلاف في الأولى، وإن كان بعضهم فرق بينهما بفرق فليس بالقوى. والقول الثاني عند ابن عبد السلام أظهر، وهو الذي اقتضاه الشرط، وسببهما ما قرب من الشيء هل يعطي حكمه أم لا؟

والفعل: مثل العتق، والكتابة، والاستيلاء، وتزويج الأمة، والوطء، وقصد التلذذ

[469/أ] لما فرغ من بيان الترك شرع في الفعل، ولا خفاء في دلالة العتق، والكتابة، وتزويج الأمة، والوطء على اختيار من له الخيار من المتبايعين. وفي معنى الكتابة، التدبير، والاستيلاء، والعتق إلى أجل.

وقوله: (وقصد التلذذ) أي: إذا أقر بذلك، ففيها: وإن كان الخيار للمبتاع فجردها في أيام الخيار ونظر إليها، فليس ذلك رضا إلا أن يقر أنه فعل ذلك قصد التلذذ. قال: ونظر المبتاع إلى فرج المرأة رضا، لأن الفرج لا يجرد في الشراء ولا ينظر إليه إلا النساء، أو من يحل له الفرج.

وكذلك رهن المبيع وإجارته وإسلامه للصنعة، وتزويج العبد، والسوم بالسلعة، خلافاً لأشهب في أنه يحلف ما كان ذلك رضا

الأفعال ثلاثة أقسام، الأول: متفق على أنه يعد رضاً، وهو ما تقدم. والثاني: لا يعد رضاً باتفاق، كاختيار العمل. والثالث: مختلف فيه، وهو الذي ذكره المصنف هنا.

أي: المشهور أن هذه الخمسة دالة على الرضا بإمضاء البيع إن كانت من المشتري، أو رده إن كانت من البائع، ولا يقبل قوله أنه لم يرد بذلك رضاً، قاله في المدونة.

ص: 425

وخالف أشهب فرأى أن ذلك لا يدل على الرضا بعد يمينه، لكن ذكر في المدونة يميه على ثلاثة منها فقط، قال فيها: ولم ير أشهب الإجارة، وتزويج العبد، والرهن، والسوم، والجناية، وإسلام العبد للصنعة، وتزويجه العبد رضاً بعد أن يحلف في الرهن، والإجارة، وتزويج العبد. لكن في الموازية عنه النص على اليمين في الجميع. ولا يخفى عليك الفرق بين تزويج الأمة والعبد على قوله، وقول أشهب ظاهر في السوم والإجارة والإسلام للصنعة إن كانت مدة ذلك تنقضي في مدة الخيار، وبعيد في الرهن والتزويج.

وأما بيع المشتري، فقيل: الربح للبائع. وقيل: يخير فيه وفي نقضه. وقيل: يصدق مع يمينه أنه بائع بعد اختار ....

أطلق الأفعال المتقدمة ولم يضفها لبائع ولا لمشترٍ، إشارةً إلى أن الحكم متحد فيه. وقيد مسألة البيع بالمشتري، لأن هذه الأقوال لا تتصور إلا فيه. ومعناه: أن المشتري لو باع والخيار له قبل أن يخير البائع باختياره أو يشهد على اختياره، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال، أحدها: أن الربح للبائع، نقله اللخمي عن ابن المواز. ثانيها: رواية ابن زياد في المدونة أن بيعه ليس باختيار ورب السلعة بالخيار، إن شاء أجاز البيع وأخذ الثمن، وإن شاء نقض البيع. وطرح سحنون التخيير من هذا القول، وصوب ابن يونس طرح سحنون، قال: لأنه إنما يتهم أن يكون باع قبل أن يختار، فيقول له البائع: قد بعت ما في ضماني فالرح لي. وليس له نقض البيع، لأن بيع المبتاع لا يسقط خياره، فلو نقض البيع لكان له أخذ السلعة بمقتضى الخيار. وهذا التضعيف هو الذي أراده بقوله: وضعف. وإنما يتم هذا التضعيف إذا كانت أيام الخيار لم تنقضِ، وأما إن نقضت فالمشتري لا يمكنه أخذ السلعة بعد النقض.

ثالثها: حكاه ابن حبيب عن مالك وأصحابه، وهو لابن القاسم في بعض روايات المدونة. وفي الموازية أنه يصدق مع يمينه إن كذبه صاحبه. وظاهر كلام المصنف- وهو

ص: 426

ظاهر الرواية- أنها يمين تهمة تتوجه على البائع وإن لم يحققها. وقال في النوادر: يريد بعلم يدعيه، ونحوه لابن يونس

وكان الشيخ- رحمه الله رأى أن قوله في الراوية: إن كذبه صاحبه يناسب أنها دعوى محققة. زاد في هذا القول: وإن قال بعت قبل أن أختار فالربح لربه، لأنه في ضمانه. وصوبه اللخمي، لأن الغالب فيمن وجد ربحاً أنه لا يدفعه لغيره.

ولا يقبل أنه رد أو اختيار لفظاً إلا ببينة

أي: فإن ادعى من له الخيار بعد انقضاء المدة أنه كان قد رضي فلا يقبل ذلك إلا ببينة تشهد له بصحة دعواه، لأن ادعى شيئاً الأصل عدمه.

فإن طرأ مانع، ففي الموت ينتقل إلى وارثه، وليس لمن اختار التمسك إلا الجميع ....

أي: فإن طرأ على مشترط الخيار ما يمنعه منه، والمواقع ثلاثة. وبدأ بالموت، وانتقاله إلى الوارث ظاهر، لأن من مات عن حق فلورثته. المازري: فإن مات المشتري وترك وارثاً واحداً يجوز ماله، فإنه يحل محله فيخير بين قبول المبيع بنصيبه من الثمن، ولا مقال هنا للمتلزم الشراء، لكونه قد وصل إلى غرضه واستكمل جميع حقه في الميراث. وإن لم يرض البائع التشقيص كلف من أجاز أن يرد ما في يده ليكمل جميع المبيع لبائعه. هذا القياس عند أشهب، والاستحسان عنده أن يمكن من أراد الإجازة من أخذ نصيب من رد ويدفع جميع الثمن للبائع لترتفع العلة التي شكلها من التبعيض، لكن القياس أن البائع لما رد عليه الممتنع عن الإجازة لنصيبه عاد إلى ملكه على ما كان، فلا يلزمه بيعه إلا ممن أحب. وهذا التفصيل يجري في موت المشتري والبائع. انتهى.

ص: 427

فقوله: (وليس لمن اختار التمسك إلا بالجميع) محتمل للقياس والاستحسان، لأن الجميع يحتمل أن يريد به جميع الورثة، والباء للمصاحبة، أي: ليس له التمسك إلا مع اختيار جميع الورثة وهو القياس. ويحتمل [469/ب] أن يريد بالجميع جميع السلعة وهو الاستحسان. وهذا تقرير هذا المحل. ولا يقال: لعل المصنف أراد بقوله: (وليس لمن اختار ....) إلخ. أن من اشترى سلعاً ثم أراد الإجازة، فليس له أن يتمسك إلا بجميعها، لأن السياق ينفيه.

واعلم بأنه إنما نص في المدونة على ما ذكرناه من القياس والاستحسان في ورثة المشتري. وظاهر كلام المصنف: أنه لا فرق في ذلك بين ورثة البائع والمشتري، ولعله بنى على كلام المازري المتقدم وهو أحد الطريقين، لأن الشيوخ اختلفوا هل يدخل القياس والاستحسان في ورثة البائع، فمنهم من قال يدخل وينزل الراد من ورثة البائع منزلة المجيز من ورثة المشتري فيدخله القياس، وهو أنه ليس له إلا نصيبه. والاستحسان: وهو أن له أن يأخذ نصيب أخيه المجيز، لأن الذي أراد الإجازة من ورثة البائع قد رضي بإخراج نصيبه من يده وأخذ الثمن فيه، فإذا قال للذي أراد إبطال البيع: أنا آخذ نصيبك وأعطيك الثمن الذي أردته ودعوت إليه، كان ذلك له، كما للمجيز من ورثة المشتري أن يأخذ نصيب أخيه الراد، وإلى هذا ذهب ابن أبي زيد في غير المختصر. وقال بعض القرويين: لا يدخله الاستحسان، وليس لمن رد أن يأ×ذ نصيب من أجاز، لأن من أجاز إنما أجاز للأجنبي لا لأخيه.

تنبيه:

أقام الشيخ أبو محمد صالح على ما نقله عنه أبو الحسن من قوله: أن الخيار يورث أن الثنيا تورث. أي: الجائزة. وهي إذا قال المشتري بعد تمام البيع: إن جئت بالثمن فسلعتك رد عليك، أعني: إذا مات المتطوع له بها.

ص: 428

واختلف إذا مات المشتري الذي تطوع بالثنيا، هل يلزمك ذلك ورثته وهو قول أبي إبراهيم، أو لا يلزم ورثته وهو قول أبي الفضل راشد، واختاره أو الحسن؟. واحتج أبو إبراهيم بما نقله ابن يونس عن الموازية في الذي قال لأمته: إن جئتني بألف درهم فأنت حرة فمات، أن العتق يلزم ورثته إن جاءتهم بالألف.

أبو الحسن: ولا حجة فيه، لأن هذه قطاعة وهي من ناحية الكتابة وهي لازمة. وفي المستخرجة عكسه: أن العتق لا يلزمهم.

وذكر ابن الهندي فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل على أن يبقى الدين إلى أجله فمات المطلوب، ثم مات الطالب بعده، أن ورثة الطالب لا يلزمهم التأخير، وهو يدل على أن الثنيا لا تلزم ورثة المشتري.

وفي الجنون: ينظر السلطان

أي: إذا جن من له الخيار من بائع أو مشتر، فإن الحاكم ينظر في ذلك فيفعل المصلحة من رد أو إمضاء، ولا خلاف فيه، قاله ابن عبد السلام.

وفي الإغماء: يوقف، فإن طال فسخ. وقال أشهب: كالجنون

تصوره واضح. وقوله: (فإن طال فسخ) أي: وليس له أن يجيز. وقول أشهب مقيد ببقاء أمد الخيار وإلا تعين الرد.

ووقع لابن القاسم في العرصة المعارة يريد هدمها المعار والمعير غائب، أن السلطان ينظر فإن رأى أخذ النقض لرب العرصة بقيمته ملقى فذلك له. فعارضها بعضهم بقوله هنا، وقال: يجب على قوله في العرصة أن يكون له هنا إجازة البيع كقول أشهب.

ابن يونس: ويمكن أن يفرق بينهما بأن الإغماء الغالب زواله عن قرب، والغائب قد تطول غيبته فكان كالمجنون والصبي.

ص: 429