المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفي الإكمال: المشهور عن مالك وأكثر أصحابه أن تعرض على - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٥

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: وفي الإكمال: المشهور عن مالك وأكثر أصحابه أن تعرض على

وفي الإكمال: المشهور عن مالك وأكثر أصحابه أن تعرض على أهل السوق، فإن لم يكن سوق فأهل المصر يشترك فيها من شاء منهم.

‌بيوع الآجال

لقب لما يفسد بعض صوره منها، لتطرق التهمة، فإنها قصدا إلى ظاهر جائز ليتوصلا به إلى باطل ممنوع حسما للذريعة ....

لما انقضى كلامه على البيوع التي نص الشرع على المنع منها عقبها ببيوع يتوصل بها إلى الممنوع، منعها أهل المذهب وغيرهم وسميت ببيوع الآجال، لأنها لا تنفك عن الأجل. وقوله:(لقب) أي: علم، ولعله عبر باللقب إشارة إلى الذم، لأن قوله:(لما يفسد) فيه إشارة إلى ذلك. ثم هل كلٌّ من لفظة البيوع والآجال باق على دلالته، أو سلبت دلالة كل واحد وصار المجموع اسماً لما ذكره فيه احتمال، والثاني أظهر.

و (ما) في: (لما يفسد) يحتمل أن تكون موصولة أو موصوفة، وضمير:(صوره) عائد على (ما) لا على اللقب كما قال ابن راشد، لأن الفاسد بعض الملقب لا بعض اللقب. وقيل: الاسم للمسمى تكلف ويلزم عليه خلو الموصول من عائد، وضمير:(منها) عائد على بيوع الآجال. ولا يقال: يلزم الدور لأنه عرف الشيء بنفسه، لأن المراد شرح اللفظ لا الحد والرسم. و (لتطرق) متعلق بـ (يفسد) و (حسما) مفعول لأجله عامله محذوف، أي: فمنعه الشارع لأجل حسم الذريعة، والذريعة: بالذال المعجمة الوسيلة، وأصله عند العرب لما تألفه الناقة الشاردة من الحيوان لتنضبط به فنقلت إلى البيع الجائز للتحيل به على ما لا يجوز فهو من مجاز المشابهة.

وأورد ابن عبد السلام دخول ما ليس من بيوع الآجال، كبيع فضة رديئة من شخص يذهب ثم يشتري به منه فضة طيبة دون الأولى وزناً في مجلس أو مجلسين متقاربين،

ص: 366

وكاقتضاء طعام من ثمن طعام مخالف له وغير ذلك. وعلى ما تقدم من أن المراد: شرح اللفظ لا يرد هذا، ولو سلم أن المراد: الرسم، ففي صدر كلامه ما يخرجها، لأنه قال: لقب لما يفسد، أي: لقب لصور مخصوصة من البيوع الأجلية يفسد بعضها للتهمة. وتلك الصور المخصوصة مذكورة في الباب، وليست الصورتان وشبههما منها.

وأجمعت الأمة على المنع من بيع وسلف ولا معنى سواه

أتى بهذا حجة لسد الذرائع، يعني: أن كل واحد من البيع والسلف على انفراده جائز بإجماع الأمة، وأجمعت على المنع من اجتماعهما للذريعة، ولا سبب إلا التهمة على الزيادة في السلف. والأصل: عدم غيره، ولاسيما وقد يحث على غير ذلك فلم يوجد، ولا يقال: لم لا يجوز أن يكون تعبداً لأنه خلاف الأصل، ولأن المتعقل أقرب إلى الانقياد فوجب الحمل عليه. وإذا ثبت هذا فتمنع كل صورة فيها تهمة للإجماع على المنع لأجلها.

وقد يعترض هذا الدليل بأن حكاية الإجماع ليست بجيدة، لأنه إما أن يكون ذلك إذا لم يكن السلف بشرط، أو إذا كان فالأول لا يصح، لأن الشافعي يجيزه، والثاني المنع فيه عند الشافعي إنما هو لأجل الشرط لا للتهمة، لكن الظاهر منع هذه البياعات، لأن إجازتها تستدعي الوقوع في المحرم البين كما هو مشاهد بالديار المصرية.

فإن كان مما يكثر القصد إليه كبيع وسلف، أو سلف جر منفعة منع وفاقاً

لما قرر المنع وكانت أسبابه مختلفة بالقوة والضعف أخذ يبين ذلك، والقوي: ما يكثر القصد إليه. وقوله: (فإن كان) أي: الباطل الممنوع، ومثل ما يكثر القصد إليه ببيع وسلف، وسلف جر نفعاً. وإنما كان مما يكثر القصد إليه لما فيه من الزيادة، والنفوس مجبولة على حبها فلذلك يتحيل عليها.

ص: 367

مثال البيع والسلف: أن يبيع سعلتين بدينار إلى شهر ثم يشتري واحدة منهما بدينار نقداً، وقاعدة مالك- رحمه الله وأصحابه: عدُّ ما خرج من اليد وعاد إليها لغوا، وكأن البائع خرج من يده سلعة ودينار نقداً يأخذ عنهما عند الأجل دينارين، أحدهما عوضٌ عن السلعة وهو بيع، والثاني [459/ب] عوضٌ عن الدينار المنقود وهو سلف جر منفعة.

ومثال سلف جر منفعة- المسألة التي هي أصل هذا الباب-: أن يبيع ثوباً بعشرة إلى شهر، ثم يشتريه بثمانية نقداً، فقد رجع إليه ثوبه وخرج من يده ثمانية يأخذ عنها عشرة.

وقوله: (منع) أي: البيع الموصل إلى هذا الممنوع. وأشار ابن راشد إلى أنه كان ينبغي أن يكتفي ببيع وسلف، لأن ذكر سلف جر منعفة يغني عنه، لأن البيع والسلف إنما منع لأدائه إلى سلف جر منفعة. وأجيب: بأنه وإن كان مؤدياً إليه إلا أنه تعليل بالمظنة فهو أضبط.

وإن كان مما يقل، كدفع الأكثر مما فيه الضمان وأخذ أقل منه إلى أجل، فقولان ....

(إلى أجل) متعلق بـ (دفع) أي: وإن كان الباطن الممنوع قليل الوقوع لقلة من يقصد إليه، لأن الغالب دفع الأقل لتحصيل الأكثر لا العكس، كما لو باع ثوبين بعشرة دراهم إلى شهر، ثم اشترى منه عند الأجل أو قبله ثوباً منهما بالعشرة فآل أمره إلى أنه دفع له ثوبين ليضمن له أحدهما بثوب إلى أجل. وظاهر المذهب من القولين الجواز لبعده.

ابن بشير، وابن شاس: والقولان مشهوران، ولا خلاف أن صريح ضمان بجعل ممنوع، لأن الشرع جعل الضمان والجاه والقرض لا يفعل إلا لله بغير عوض، فأخذ العوض عليه سحت.

وإن كان بعيداً جداً، كأسلفني وأسلفك، فالمشهورة: جوازه

(وأسلفك) منوصب بعد الواو على معنى الجمع، أي: ليجتمع سلف منك وسلف مني. والشاذ لابن الماشجون، ومثاله: لو باعه ثوباً بدينار إلى شره ثم اشتراه بدينار نقداً

ص: 368

وبدينار إلى شهرين، والسلعة قد رجعت إلى صاحبها ودفع الآن ديناراً يأخذ بعد شهر دينارين إلى شهرين أحدهما عوض عما كان أعطاه، والثاني كأنه أسلفه على أن يعطي عند مضي شهر آخر، واستبعد ابن عبد السلام أن يكون هذا أضعف مما قبله، لأن العادة طلب المكافأة على السلف بالسلف.

وأجيب: بأن المستبعد الدخول على أن يسلفه الآن ليسلفه بعد ذلك بشهر، إذ الناس يقصدون السلف عند الاضطرار.

ولو اعتبر البعيد لمنع بالمثل وبأكثر نقداً، وبأقل إلى أبعد إذا كانت السلعة بيده متمكناً من الانتفاع، وقد التزمه بعضهم ....

يعني: أنه لا ينبغي أن يعتبر الباطن إذا كان بعيداً إذ لو اعتبر للزم المنع في ثلاث صور، وهي جائزة اتفاقاً، أولها: أن يبيعه سلعة بثمن إلى أجل فتقيم عند المشتري مدة يمكنه الانتفاع بها، ثم يشتريها بمثل ذلك الثمن نقداً. ثانيها: كذلك ويشتريها بأكثر نقداً. ثالثها: كذلك ويشتريها بأقل إلى أبعد، كما لو باعها أولاً بعشرة إلى شهر، ثم اشتراها بعد خمسة عشر يوماً بخمسة إلى شهرين.

ابن عبد السلام: وتبع المصنف في هذا ابن بشير. وكلامه في هذا الفصل مختل، وإنما يصح المعنى الذي قصدوه في الصورة الثالثة، لأن البائع دفع عشرة يأخذ عنها خمسة بعد ذلك والانتفاع الذي حصل من السلعة، فيكون بيعاً وسلفاً، وإنما يجوز إذا رجع إليه المثل أو الأقل، فإن رجع إليه الأكثر فلا يجوز.

وأما الصورتان الأولتان، فابن القاسم وغيره يجيزهما ولا مانع فيهما محقق ولا متوهم. وقال شيخنا: بل المعنى كما قال المصنف، وهو أن المنع يترتب على كل ما لو نطقا به ابتداء لمنع، والمنع فيهما لأجل الضمان بجعل، لأنه إذا اشتراها بالمثل نقداً فقد جعل

ص: 369

ذلك الانتفاع جعلاً على ضمانها في مدة الانتفاع والزيادة. وإذا تبين لك ذلك في المثل كان بيانه مع الزيادة أحرى، لكون الجعل حينئذ الانتفاع والزيادة.

فقول ابن عبد السلام: وكلام ابن بشير مختل ليس بظاهر، وقول المصنف: إذا قامت السلعة بيده، تنبيه على المعنى الموجب للتهمة.

وقوله: (التزمه بعضهم) عبر بالالتزام، وعبر ابن بشير بالإلزام، فقال: وألزم بعضهم على مراعاة التهم البعيدة أن يمنع، وذكر الثلاث صور كما ذكرها المصنف. ولم يعلل ابن بشير المنع في الثلاث بما علله به شيخنا، بل علل بالبيع والسلف، ويكون الثمن سلفاً والمنفعة مبيعة بالسلعة.

وبقي هنا شيء وهو: إن كان المراد ببعضهم غير ابن محرز فحسن، لكن لم أقف عليه، وإن كان هو المراد كما قيل ففيه نظر، لأن ابن محرز إنما تكلم على الصورة الثالثة، ويتبين لك ذلك بالوقوف على كلامه، فقال: إذا باع سلعة بمائة إلى شهر، ثم اشتراها بمائة نقداً أو إلى الأجل، أو أبعد منه فذلك جائز، لأنه لا تهمة في ذلك من وجه، إلا أنه إذا اشتراها بمثل الثمن أو أقل منه إلى أبعد من الأجل كان بيعاً وسلفاً، فإن قدر ما يرجع إلى المشتري سلفاً وما زاد على ذلك ثمناً للإجارة فيما انتفع بالسلعة فصار بيعاً وسلفاً.

وكذلك إن اشتراها بأقل من الثمن إلى أبعد من الأجل، لأنه يكون إجارة وسلفاً، ولم أر يذهب إلى هذا، وإنما يعتبرون بصورة الحال عند العقد الثاني، فإذا لم تكن فيه تهمة أجازوه. فعلى هذه الطريقة [460/أ] لا يعتبرون ما تقدم من انتفاعه بالسلعة قبل العقدة الثانية، إلا أن أبا الفرج ذكر في كتابه عن ابن الماجشون أنه قال: لا يجوز أن يبيع الرجل سلعة بثمن إلى أجل ثم يشتريها بذلك الثمن إلى أبعد من الأجل.

ص: 370

ابن محرز: ولا أعلم له وجهاً إلا ما ذكرته من الانتفاع بالسلعة.

المازري: ولم أقف على ما نقله ابن محرز في الحاوي. قال: وإنما حكى أبو الفرج عن عبد الملك أنه يمتنع أن يبيع الرجل سلعة بثمن إلى أجل، ثم يشتريها وسلعة أخرى بذلك الثمن أو بأكثر منه إلى أبعد من ذلك الأجل.

خليل: وستأتي هذه المسألة في كلام المصنف في آخر الباب.

فمن باع سلعة تعرف بعينها إلى أجل ثم اشتراها، فاعتبر ما خرج وما رجع وألغ الوسط، فإن جاز وإلا بطل ....

هذا هو القانون لهذا الباب، واحترز بقوله:(تعرف بعينها) من المكيل والموزون، فإن له حكماً يخصه سيأتي. وقوله:(إلى أجل) أي: بثمن إلى أجل، فاعتبر ما خرج من اليد، أي: السابقة بالعطاء، سواء كانت يد البائع أو المشتري، وما عاد إليها ثانياً. (وألغ الوسط) وهي السلعة المبيعة. فإن جاز بأن الراجع مثل ما خرج منها أو أقل، وحذف جواب الشرط، أي: جاز البيع - وسيظهر لك ذلك - وإلا بطل، أي: وإن لم يكن ما رجع مثل الخارج أو أقل بطل، وقد تقدم.

فإن كانت الأولى نقداً لم يتهم على المشهور إلا أهل العينة فيهما، وقيل: أو في أحدهما ....

أي: فإن كانت البيعة الأولى نقداً. ومفهوم كلامه: أن الثانية إلى أجل، فالمشهور وهو مذهب ابن القاسم وأشهب: أنه لا يتهم في ذلك إلا أهل العينة. والشاذ: أنه يتهم في ذلك كل واحد، وهو لمالك في الموازية.

ابن عبد السلام: وأما إذا كانت معاً نقداً فلا يتهم إلا أهل العينة باتفاق.

وقوله: (فيهما، وقيل: أو في أحدهما) أي: في المتبايعين، يعني: إذا لم يتهم إلا أهل العينة فلابد أن يكون المتبايعان من أهلها.

ص: 371

وقيل: يكتفى بأحدهما وهو لمحمد. ووجهه: أنه قد يحمل صاحبه عليها.

اللخمي: يريد إلا أن يكون الآخر من أهل الدين والفضل، فلا يحمل على أنه عامله عليها.

فإن كان الثمنان عيناً على صفة واحدة فقد يكون الثاني نقداً مساوياً، وأقل، وأكثر فهذه ثلاث، وقد يكون إلى أجل في الثلاث، ثم الأجل مساو، وأقل، وأكثر صارت اثنتي عشرة صورة، فإن تعجل منها الأقل امتنع، وهي ثلاث

قوله: (على صفة واحدة) أي: سكة واحدة ونوع واحد. وقوله: (فقد يكون الثاني نقداً) أي: مع أن البيعة الأولى إلى أجل. وحاصله: أن للشراء أربعة أحوال، إما نقداً، أو إلى أجل دون الأجل، أو إلى الأجل نفسه، أو إلى أبع منه.

ثم كل من هذه الأربعة: إما بمثل الثمن، أو أقل، أو أكثر. صارت اثنتي عشرة صورة يمنع منها ثلاث، أشار إليها بقوله: يمتنع منها ما تعجل فيه الأقل. وهي: بأقل منه نقداً، وبأقل إلى دون الأجل، وبأكثر إلى أبعد من الأجل. وتجوز التسع البواقي، وضابطها أن تقول: إن تساوى الأجلان فاحكم بالجواز ولا تبالي باختلاف الثمنين. وإن تساوى الثمنان فاحكم بالجواز ولا تبالي باختلاف الأجلين. وإن اختلفا فانظر لليد السابقة بالعطاء، فإن رجع إليها مثل ما خرج منها أو أقل جاز، وإن رجع إليها أكثر امتنع.

بيانه: أنه باعه بعشرة إلى شهر، ثم اشتراها بثمانية نقداً أو إلى أجل نصف شهر، فقد رجعت إليه سلعته وخرج منها ثمانية يأخذ عنها بعد ذلك عشرة. وكذلك إذا اشتريت باثني عشر إلى شهرين يعطي المشتري بعد شهر عشرة يأخذ بعد ذلك اثني عشر، وعاد المشتري في هذه الثالثة مسلفاً.

ص: 372

ويشكل منها بأكثر إلى أبعد

أي: يشكل من الثلاث الممنوعة الصورة الأخيرة، وهي:(بأكثر إلى أبعد).

ابن عبد السلام: ولا إشكال فيها، لا باعتبار نقلها فإنها منقولة في المدونة وغيرها، ولا باعتبار وجهها، ووجهها بما تقدم. وأجاب شيخنا رحمه الله بأن قال: بل وجه المنع فيها ضعيف، لأنه تقدم أن ظاهر المذهب الجواز فيما يبعد القصد إليه، وهذه أيضاً كذلك يبعد أن يدخل البائع مع المشتري على أن يسلفه المشتري عشرة بعد شهر ليأخذ عنها اثنى عشر مثلاً، لأن الغالب في أحوال الناس احتياجهم إلى السلف ناجزاً، والتحيل إنما يكون على ما يحتاج إليه غالباً لا نادراً.

ولو اشترى بأقل إلى أجله، أو أبعد ثم رضي بالتعجيل، فقولان للمتأخرين

يعني: لو وقع البيع على وجه جائز، كما لو باعه سلعة بعشرة إلى شهر، ثم اشتراها بثمانية إلى شهر أو إلى أبعد منه، ثم رضي البائع والمشتري بتعجيل الثمانية، فهل يجوز ذلك لأن البيع قد انعقد أولاً جائزاً، ولاسيما حيث يكون الثمن عيناً، فإن الأجل من حق من عليه الدين فلا تهمة أو يمتنع ذلك لاتهامها، والقولان للمتأخرين. وكذلك الخلاف إذا اشترى بأكثر إلى أجله ثم تراضيا بالتأخير. انتهى. وينبغي أن ينظر هنا إلى قرب الزمان فتقوى التهمة، وإن طال طولاً يخرجان به عن التهمة فيجوز، وهكذا قال: ينبغي في العكس إذا اشتراها بأكثر فلا يقبض إلا بعد الأجل.

فلو أفات البائع السلعة بما يوجب القيمة فكانت أقل، فقولان

[460/ب] مثاله: لو باعه شاة بعشرة إلى شهر، ثم تعدى عليها فذبحها مثلاً فكانت القيمة ثمانية، فلا خف في تمكين المشتري من القيمة لينتفع بها. ثم هل يدفع للبائع عند

ص: 373

الأجل العشرة لبعد التهمة، وهو قول في المجموعة، أو إنما يدفع مثل ما أخذ منه فقط وهي ثمانية، إذ يتهمان على السلف بزيادة، وهو قول ابن القاسم في العتبية.

وظاهر كلامه: أن القولين في تمكين المشتري من قبض تلك القيمة وليس كذلك، بل لا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف كما ذكرنا.

فإن التهمة فيها أبعد لو كانت الأولى نقدا، وفرق بقوة تهمة دين في دين

اختلف في تأويل هذا المحل، فقيل: هو إشارة منه إلى توجيه الشاذ الذي يتهم فيه أهل العينة وغيرهم فيما إذا كانت البيعة الأولى نقداً، وكأنه يقول: التهمة على التحيل بإفاتة السلعة لتجب القيمة أبعد مما إذا كانت الأولى نقداً والثانية إلى أجل، لأنهما وإن اشتركا في سلف بزيادة، إلا أن صورة الإتلاف يبعد القصد إليها، لأنه قد لا يحصل الغرض باختلاف الأسواق.

ثم أجاب: بأن المنع قوي في مسألة الفوات بأنه دين بدين، لأن البائع لما أفات السلعة وجبت عليه القيمة للمشتري وله في ذمة المشتري دين. وقيل: إن ضمير (فيها) عائد على الصورة التي استشكلها في قوله: (ويشكل منها بأكثر إلى أبعد) وأن هذا توجيه لذلك الإشكال، أي: أن التهمة فيما يباع بعشرة إلى شهر ثم يشتريه بعشرين إلى شهرين أبعد مما لو كانت البيعة الأولى نقداً، كما لو باع بخمسة نقداً ثم يشتريه بعشرة إلى شهر، فإن المشتري مسلف في الصورتين، لأن السلف في هذه حاصل ناجز، أو هو مقصود غالباً، بخلاف الأولى فإن السلف فيها إنما يحصل بعد شهر، وهو مما يبعد القصد إليه. وإذا جاز في صورة النقد على المشهور مع قرب التهمة كان المنع المتفق عليه في صورة التأجيل مشكلاً لأنه أبعد، ثم فرق أن صورة التأجيل في البيعيتن ينضم فيها إلى السلف بالزيادة مانع آخر وهو تهمة دين بدين، وليس هو موجوداً إذا كانت الأولى نقداً. ويؤيد

ص: 374

هذا الوجه وقوع هذا الكلام، أي:(فإن التهمة ....) إلخ. في بعض النسخ بعد قوله: (ويشكل منها بأكثر إلى أبعد). وقال ابن راشد وغيره غير هاتين الوجهين. ولم أر من ذكر ذلك، والثاني أقرب، والأول هو الذي يؤخذ من كلام ابن عبد السلام. لكن على كلامه اعتراض، لأنه قال بعد أن قال: هذا توجيه منه للقول الشاذ في مسألة النقد كما تقدم، وكأن المصنف يقول: التهمة في مسألة الإفاتة منها في مسألة النقد، هكذا رأيته في نسخ وبعضها صحيح. وصوابه أن يقول عوض أقوى، أضعف. والله أعلم.

ولذلك فسد في تساوي الأجلين إذا اشترطا عدم المقاصة، وصح في أكثر إلى أبعد إذا اشترطا المقاصة ....

أي: ولأجل أن التهمة دائرة مع الدين بالدين منع ما أصله الجواز، وهو ما إذا تساوى الأجلان وشرطا عدم المقاصة لما فيه من عمارة الذمتين، وأجيز لذلك ما أصله المنع، وهو ما إذا اشتريت بأكثر إلى أبعد وشرطا المقاصة للسلامة من دفع قليل في كثير. لا يقال المنع في الأولى إنما نشأ من الشرط، بخلاف ما تقدم فإنما فيه التهمة فقط، لأنا نقول: المتهم عليه في هذا الباب كالمدخول عليه.

فإن اختلفا في الجودة والرداءة، أو في ذهب وفضة امتنع، لأنه صرف مستأجر

هذا قسيم قوله: (على صفة واحدة) ونوعه إلى قسمين، أحدهما: الاختلاف في الجودة والرداءة مع اتحاد النوع، كمحمدية ويزيدية. والثاني: الاختلاف بالنوع، كذهب وفضة. لما يؤدي إليه في الأول إن سلما من دفع قليل في كثير من ربا النساء وربا الفضل، والنساء إن لم يسلما، ولما يؤدي إليه في الثاني من صرف مستأخر. واكتفى بذكر علة الثاني لوجهين، أحدهما: لأنه تفهم منه علة الأول، ولأن ما ذكره من التفريع إنما هو في الصرف. ووجد في بعض النسخ: لأنه صرف أو بدل مستأخر، فذكر العلتين.

ص: 375

وفي بعض النسخ ما نصه: فإن اختلفا في الجودة والرداءة فأربع وعشرون صورة. فالجودة والرداءة كالقلة والكثرة، فإن عجل منها الأقل والأدنى امتنع، إلا أن المشهور المنع إن تساويا قدراً وأجلاً وهو مشكل، أو في ذهب وفضة امتنع، لأنه صرف مستأخر، انتهى نص هذه النسخة. أي: لأنه قد يكون الجيد من عند البائع والرديء من عند المشتري وعكسه، وفي كل أثنتي عشرة صورة وجه الإشكال الذي ذكره: أن الغالب في التحيل إنما هو حينما تحصل المنفعة ولا منفعة مع التساوي.

خليل: وهذه النسخة أولى لاقتضاء الأولى المنع فيما إذا باعه عشرة يزيدية إلى شهر ثم اشتراه بعشرة محمدية نقداً. والنسخة الأولى هي التي وقعت في كلام ابن عبد السلام وقررها على ظاهرها من المنع في المثال المفروض وليس بظاهر، لأن في الجواهر مقتضى المعروف من المذهب الجواز في المثال المذكور بخلاف عكسه، وهو الذي ذكره ابن يونس وعزاه لبعض الأصحاب، وقال: إنه بين، وهو مذهب ابن القاسم وعبد الملك [461/أ] في المجموعة، قالا: وإن باعها بعشرة هامشية إلى شهر ثم اشتراها بعشرة عتق نقداً أو إلى أجل فجائز، ولا يجوز إلى أبعد من الأجل، لأن الهاشمية أدنى من العتق.

ابن القاسم: وإن كانت الهاشمية أكثر عدداً فإن كانت بزيادتها مثل العتق المؤخرة أو أكثر فلا بأس به، وإن لم تكن مثلها فلا خير فيه. قالا: وإن باعها بمائة عتق تنقص خروبة إلى شهر، ثم اشتراها بمائة هاشمية وازنة. ابن يونس: يريد نقداً، فإن كان في زيادة وزنها ما يحمل جودة العتق فأكثر جاز، وإلا لم يجز.

إلا أن يكون المعجل أكثر من قيمة المتأخر جداً، وقيل: ومثله

هذا استثناء من المنع، أي: أنه إذا كان الثمن الثاني أكثر جداً مما باع به أولا جاز لخروج ذلك عن المعهود من أحوال المتهمين. وما صدر به المصنف هو مذهب المدونة،

ص: 376

قال فيها: وإن بعته بثلاثين درهماً إلى شهر- يعني: الثوب- فلا تبتعه بدينار نقداً فيصير صرفاً مؤخراً، ولو ابتعته بعشرين ديناراً جاز لبعدهما من التهمة. قال: وإن بعته بأربعين درهماً إلى شهر جاز أن تبتاعه بثلاثة دنانير نقداً لبيان فظلها، ولا يعجبني بدينارين وإن ساوياها في الصرف. ومنع أشهب مطلقاً مبالغة في الاحتياط للصرف، ولأنه قد يكون لدافع الدنانير في الدراهم أو العكس غرض.

اللخمي: وتجوز بالمساوي على قول ابن القاسم وعبد الملك في المجموعة، وكذلك قال في الجواهر، واستقرأ اللخمي قولاً ثالثاً أنه يجوز بالمساوي، وهو أحسن.

ومراده: التساوي في القيمة، لأنه يخسر الصبر ولا يعود إلى يده أكثر مما خرج منها، وإلى هذا أشار بقوله:(وقيل: ومثله) ففيه مسامحة.

خليل: والظاهر أن الاستثناء عائد على مختلف النوع فقط، كما ذكرنا لقوله:(من قيمة المتأخر) إذ لا يقال ذلك في متفق النوع، لكن يبقى فيه نظر، وهو أنه يبقى مختلف الصفة باق على إطلاق المنع، فلا يجوز إن كان المعجل أكثر من قد المتأخر وليس كذلك، بل يجوز ذلك ويجوز إن كان قدره وكان المتأخر أردأ، كما نص عليه ابن القاسم في الهاشمية والعتق، كما تقدم.

والمشهور: المنع إذا تساويا قدراً وأجلاً، لأنه دين بدين

ابن عبد السلام: يعني كما لو باعه ثوب بعشرين درهماً إلى شهر ثم اشتراه بدينار إلى ذلك الشهر، قال المصنف: لأنه دين بدين، ولا شك أن ذلك مقتض للمنع. وأكثر ما يعللون به هنا الصرف المؤخر، لأنه أضيق. ثم قال: واستعمل المصنف في هذا الموضع التساوي في القدر في مختلفي الجنس، ومراده: التساوي في القيمة، لأن أحد الثمنين ذهب والآخر فضة.

ص: 377

وحمله ابن راشد وغيره على ما إذا اتفق النوع واختلف الصفة كمحمدية ويزيدية، وهو ظاهر قوله:(تساويا قدراً وأجلاً) وذكر أن المشهور المنع لأنه مذهب المدونة. قال فيها: وإن بعث ثوباً بمائة درهم محمدية إل شهر فلا تبتعه بمائة يزيدية على ذلك الشهر لرجوع ثوبك إليك، وكأنك بعت يزيدية بمحمدية إلى أجل.

ابن يونس وغيره: ولا فرق بين أن تتقدم اليزيدية أو المحمدية، لأنه بيع يزيدية بمحمدية، أو محمدية بيزيدية إلى أجل، ونقله ابن محرز عن أكثر مذاكريه. ونقل عن بعضهم: إن كانت البيعة الأولى باليزيدية والثانية بالمحمدية ما لم يكن في ذلك تهمة جاز. ابن محرز: وهو مذهب ابن القاسم وعبد الملك، لأنهما قالا: لو كان الثمن الأول هاشمية ثم اشتراها بمائة عتق إلى الأجل أو أقرب منه كان جائزاً.

ولابن القاسم في المجموعة: إذا باع بمائة قائمة إلى شهر ثم ابتاع بمائة مجموعة نقداً لم يجز، وأما إلى الأجل أو أبعد فجائز لنفي التهمة، وهو الشاذ الذي حكاه المصنف.

فإن كان الثمنان طعاماً نوعاً واحداً على صفة واحدة فاثنتا عشرة صورة كالعين، إلا أنه اختلف إذا تعجل منها الأكثر، بناء على قرب ضمان بجعل أو بعده ....

لا إشكال في تصور الاثنتى عشرة صورة كالعين، إلا أنه اختلف هنا في صورتين هما جائزتان في العين اتفاقاً، إذا استردها بأكثر مقدار نقداً، أو بأقل منه إلى أبعد من الأجل. وسببهما كما قال المصنف: هل الضمان بجعل يقصد غالباً أم لا؟ واعترضه بعض من تكلم على هذا الموضع بأنه قدم أن الضمان بجعل بعيد لأنه مما يقل القصد إليه على القولين، فكيف بجعه هنا قريباً.

فإن اختلفا في الجودة والرداءة أو كانا نوعين فكما تقدم

الجودة والرداءة كالسمراء والمحمولة، والنوع كالقمح والفول، فكما تقدم، أي: في العين.

ص: 378

فإن كان الثمنان عرضا نوعا واحدا فكالطعام

إنما شبهها بالطعام لا بالعين لمشاركة العرض للطعام في الصورتين المختلف فيهما، لدخول الضمان بجعل فيهما ولا ضمان في العين على ما علم في غير هذا الموضع.

فإن كان نوعين جازت الصور كلها، إذ لا ربا في العروض

كما إذا باع شاة بثوب إلى أجل ثم اشتراها بفرس أو غيره مما هو مخالف للثوب. ومراده بالصور كلها: صور النقد الثلاثة. وأما صور [461/ب] الأجل التسع فممنوعة لأنه دين بدين. وكان المصنف أطلق في قوله: (لا ربا في العروض) ومراده: نفي ربا التفاضل لوضوحه، إذ لا يخفى على من له أدنى مشاركة أن ربا النساء يدخل في العروض، وهكذا كان شيخنا رحمه الله يقول.

فإن كانت السلعة طعاماً أو مما يكال أو يوزن لا مثلها صفة ومقداراً كعينها

يعني: ٍ فإن باع طعاماً أو غيره مما لا يعرف بعينه بثمن إلى أجل ثم اشترى مثل ذلك المبيع في صفته ومقداره، فإن ذلك المثل يكون كما لو اشترى منه عين مبيعة نسيئة، فيمتنع ما امتنع فيها، لأن ما لا يعرف بعينه يقوم المثل فيه مقام مثله في أكثر المسائل.

ويمتنع بأقل إلى الأجل

كما إذا باع إردبا بدينارين إلى شهر ثم اشترى مثله بدينار إلى ذلك الشهر. وأطلق في المنع، وهو مقيد بغيبة المشتري عليها، لأنهم يعدون الغيبة عليها سلفاً، فكأن البائع أسلف المشتري إردباً على أن يعطيه ديناراً بعد شهر ويقاصه بدينار عند الأجل فآل إلى سلف جر منفعة.

ص: 379

وهذه المسألة مخصصة لعموم التشبيه في قوله: فمثلها صفة ومقداراً كعينها، لأن ما يعرف بعينه تنتفي فيه علة المنع، وهي السلف بزيادة، لا يقال: إذا غالب على ما يعرف بعينه فقد انتفع به، والسلف لا يتعين فيه رد المثل، بل يجوز فيه رد العين والمثل فلم لا تعدوه سلفاً، لأنا نقلو: لما رجعت العين فكأنهما اشترطا ذلك فخرجا عن حقيقة السلف، وفيه نظر.

فإن قيل: يفهم من قوله: (ويمتنع بأقل إلى الأجل) أنه يجوز بأقل إلى أبعد من الأجل، والمنقول فيها المنع. ذكره صاحب المقدمات وعلله بسلف بزيادة.

فالجواب: لا يفهم ذلك منه، بل يفهم منه المنع مع التأمل للمساواة في العلة، وهي السلف بزيادة. وعلى هذا فالممتنع من الاثنتي عشرة مما لا يعرف بعينه خمس: فثلاث لقوله أولاً. فمثلها صفة ومقداراً كعينها. ورابعة لقوله: ويمتنع بأقل إلى الأجل. وخامسة: وهي بأقل إلى أبعد لمساواتها لهذه، ويمتنع على قول ابن الماجشون. سادسة: وهي بمثل الثمن إلى أبعد، بناء على اعتبار أسلفني وأسلفك.

فإن اختلفا في المقدار وكان الراجع أقل، فكسلعتين ثم اشتريت إحداهما

وإن اختلفا، أي: المبيعان مما لا يعرف بعينه في المقدار فاسترد أقل، فكسلعتين بعتهما ثم اشتريت إحداهما. والتشبيه يعم التصور والحكم.

فأما التصور: فمتوجه من حيث الجملة، فلا خفاء في تصور الأثنتي عشرة صورة، ومن حيث التفصيل تتضاعف صور المشبه، وهو ما لا يعرف بعينه باعتبار الغيبة وعدمها، فيتصور اثنتا عشرة عينا. وأما التشبيه في الحكم: فيصح مع عدم الغيبة، لتساويهما في الممتنع والجائز.

ص: 380

فالممتنع خمس وهي: أن يشتري الأقل بالأقل من الثمن نقداً. أو إلى أجل دون الأجل. أو يشتريه إلى أبعد بمثل الثمن. أو أقل. أو أكثر.

والجائز: ما بقي. ولا يصح مع الغيبة لزيادة الصور الممتنعة، فتزيد مع الخمس صورة أخرى وهي: أن يشتريه بأقل من الثمن إلى مثل الأجل، مثل: أن يبيع إردبين بعشرة إلى شهر ثم يشتريه إردباً بالخمسة إلى الأجل، فقد أسلف البائع إردباً رجع إليه وخرج من يده إردب وله خمسة يقاص المشتري بها عند الأجل، ويخرج من يد المشتري خمسة مقابلة الإردب، وهي جائزة مع عدم الغيبة. واختلف في سابعه، وهي: أن يبتاع منه بمثل الثمنأقل من الطعام مقاصة، فإن قول مالك اختلف يها واضطرب فيها أيضاً المتأخرون، فقد تبين أن تشبيه المصنف لا يصح على إطلاقه.

ويقع في بعض النسخ عقب قوله: (في المقدار) ما نصه: (فاجعل الزيادة والنقص في المردود مثلهما في الثمن، ولكن على العكس) أي: اجعل الثمنين هنا متساويين لا يتغيران، والتغيير في المثمونين والأجل أيضا كما كانت السلعة في الصورة المتقدمة لا تتغير، وإنما كان يتغير الثمن والأجل. وانظر هذا أيضاً إن رجع إلى اليد السابقة بدفع الثمن أقل أو مساو جاز، وإن رجع إليها أكثر امتنع، وهو الذي أشار بقوله:(على العكس).

لكن في كلامه على هذا قصور، لأن الاثنتي عشرة صورة إنما تتصور مع اختلاف الأجل أيضاً. والله أعلم.

فإن كان أكثر فكسلعة، ثم اشتريت مع أخرى وسيأتيان

أي: فإن كان الراجع في المسالة بحالها أكثر مما خرج، فهو في التصور والحكم كمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم اشتراها مع سلعة أخرى، وستأتي. إلا أن صور المشبه تبلغ

ص: 381

أربعاً وعشرين صورة باعتابر الغيبة وعدمها، كما قلنا في التي قبلها، بخلاف صور المشبه به فإنها اثنتا عشرة، إذ لا فرق بين الغيبة وعدمها فيما يعرف بعينه.

فالممتنع من المشبه به سبع، وهي: بمثل الثمن نقداً، أو إلى أجل أقل، أو بأقل منه نقداً، أو إلى أجل قبل الأجل، والعلة في الأربع: أو بأكثر من الثمن نقداً، أو إلى أجل قبل الأجل، أو بعده، والعلة في الثلاث: بيع وسلف. وتبقى خمس جائزة. وأما مع الغيبة فيما لا يرعف بعينه فالجميع ممتنع، إما لسلف [462/أ] جر منفعة إن اشترى بالمثل أو أقل، وإما بيع وسلف إن اشترى بأكثر. فتبين أن ما ذكره من التشبيه ليس على إطلاقه.

فإن إختلفا في الجودة والرداءة، فهما كالزيادة والنقص

يعني: فإن كان ما اشتراه ثانياً أجود مما باع أولاً، فحكمه حكم ما إذا اشترى ما باعه مع زيادة، وإذا اشترى أراد فحكمه حكم ما إذا اشترى أقل مقداراً، لأن الجودة زيادة والرداءة نقص.

فإن كان غير صنفه كالشعير، أو السلت مع القمح، أو المحمولة مع السمراء، فحكى عبد الحق جوازه ....

أي: فإن كان الطعام الثاني من جنس الأول لا من صنفه كالقمح مع الشعير، أو السلت أو المحمولة مع السمراء، فهل يكونا كسلعتين، كما لو باع منه ثوباً إلى أجل ثم اشترى منه فرساً، هكذا حكى عبد الحق في النكت عن بعض شيوخه القرويين.

ورأى ابن يونس أنه بالخيار على مذهب ابن القاسم، وأن المنع يأتي على مذهب سحنون ومحمد في العرض المردود مثله. وسيأتي.

ص: 382

وكأن المصنف نسب المسألة لعبد الحق تبرياً، إذ المعروف من المذهب أن القمح والشعير جنس واحد فكان ينبغي المنع. ولعل ما ذكره عبد الحق جار على أحد القولين في تأويل مسالة السلم الثاني، وهي: ما إذا أسلم في حنطة سلماً فاسداً وفسخ العقد بينهما ووجب للمسلم أخذ رأس ماله. قال في المدونة: فيجوز له أخذ ما شاء عن رأس ماله سوى الصنف الذي أسلم فيه، أي: لأنه إذا أخذ الصنف الذي أسلم فيه فقد تم العقد الفاسد.

فذهب فضل، وابن أبي زمنين إلى أنه يجوز أخذ المحمولة إن كان أسلم في سمراء وبالعكس، وهكذا قال غيرهما، وهو في الموازية والواضحة أيضاً. ومنعه ابن محرز، والأبياني، وقالا: لا يجوز أخذ السمراء عن المحمولة، ولا الشعير عن القمح. فما قاله عبد الحق جار على التأويل الأول.

ويعتبر في الطعام مطلقاً أن من باع طعاماً إلى أجل لم يجز أن يشتري بذلك الثمن ولا ببعضه طعاماً، وإن خالفه قبل الأجل، ولا بعده إلا أن يكون كيله وصفته، إن محمولة فمحمولة، وإن سمراء فسمراء ....

هذه المسألة نافعة للناظر في مذهب مالك، لدخول أشياء كثيرة تحتها، وهي ليست من بياعات الآجال، وإنما أتى بها- والله أعلم- لمناسبتها لإلغاء الوسط وسداً للذريعة. والأليق بها كتاب السلم والصلح، ومعناها: أن من باع طعاماً مطلقاً ربوياً أو غيره بثمن إلى أجل، لم يجز له ولا للمحال عليه أن يأخذ بذلك الثمن ولا ببعض ما هو عليه طعاماً، وإن خالفه قبل الأجل أو بعده، إلا أن يكون مثل الطعام الذي خرج من يده صفة ومقداراً لعدم التهمة حينئذ، ويعد حينئذ إقالة. وقوله:(بثمن) يريد: وكذلك بحال تأخر قبض الثمن حتى افترق المتبايعان. وليس هذا مخصوصاً في المذهب بالطعام، بل لا يجوز أخذ اللحم عن ثمن الحيوان ولا العكس، ولا أخذ طعام من أجرة كراء أرض للحرث، قاله في المدونة. ولا أخذ الثياب عن ثمن الغزل إذا مضى زمن يمكن أن ينسج فيه، لأنه

ص: 383

إجارة مجهولة، ولا أخذ القصيل عن ثمن الشعير بعد زمن يصير فيه قصيلا، ولا السيوف عن الحديد.

وضابطه: كل ما لا يجوز أن يباع أحدهما بالآخر نقداً، فلا يجوز أن يقتضي أحدهما من ثمن الآخر، كاللحم عن الحيوان والعكس، والطعام عن ثمن الأرض. وكل ما لا يجوز أن يباع أحدهما بالآخر إلى أجل فلا يجوز أن يقتضى أحدهما من ثمن الآخر، كأخذ الطعام عن ثمن الطعام، وأخذ ثوب عن ثوبين أو العكس، وأخذ غزل عن ثمن كتان بعد مدة يمكن فيها النسج، وأخذ ثياب عن ثمن غزل في مدة يمكن فيها النسج، وأخذ قصيل عن شعير بعد مدة يمكن فيها نباته.

وجاء في منع أقل منه بمثل الثمن قولان لمالك وابن القاسم

هكذا وقع في بعض النسخ (منع) ولا حذف فيها. وفي نسخة: (بيع) وفيها حذف مضاف، أي: منع بيع أقل وجوازه.

فالمنع لمالك في المدونة، والجواز له في الموازية وهو الأشهر عن ابن القاسم. فنسب لكل منهما ما هو الأشهر عنه، ولم ينقل عن ابن القاسم قول صريح بالمنع، بل نقل عنه أنه قال مرة بالجواز، وقال مرة لا يعجبني. وليس مراده أن لكل منهما قولان، لأنه خلاف عادته، ولأن ابن القاسم لم يصرح بالمنع كما ذكرنا، ولأن هذه المسالة مستثناة من قوله:(إلا أن يكون ككيله وصفته) وأفردها لينبه على الخلاف فيها. والخلاف في المسألة مبني على الخلاف في قرب ضمان بجعل أو بعده.

والأردأ مثله

ظاهره أن القولين فيه كما في الأقل وليس كذلك، لأن مالكاً نص في المدونة على الجواز في الأردأ وعلى المنع في الأقل، فهما مفترقان عنده.

ص: 384

وإذا كانت السعلة عرضاً فمثله كمخالفه على الأصح، وقال ابن المواز: مثله كعينه، كمن أسلم ثياباً ثم أقال في مثلها وزيادة

هذه المسالة مقابلة لقوله: (قيل: فإن كانت السلعة طعاماً أو مما يكال أو يوزن) أي: وإن كانت السلعة عرضاً يعرف بعينه كالثياب والحيوان فمثله كمخالفه. فإذا باع ثوباً أو شاه بعشرة إلى شهر، ثم اشترى البائع من المشتري شاة أو ثوباً بأقل نقداً، فالأصح- وهو مذهب المدونة- الجواز، كما لو اشترى فرساً أو غيره من مخالفة في الجنس.

واحتج ابن القاسم [462/ب] بأن ذوات القيم لا يقوم المثل فيها مقام المثل، فوجب أن يكون المثل فيها كالمخالف. ومقابل الأصح لسحنون، وابن المواز وغيرهما: أن المثل كالعين، لا أن المثل يقوم في ذوات القيم مقام المثل، ولكن لمعنى آخر وهو السلف بزيادة بيانه من لو باع ثوباً بعشرة إلى شهر ثم اشترى منه مثل ثوبه بخمسة نقداً، فآل الأمر إلى أن مثل سلته قد رجعت إليه وخرج من يده خمسة يأخذ بعد شهر عشرة.

زاد ابن المواز: فشبه ما قرره من وجه المنع بمن أسلم ثوباً في شاة أو باعه بدراهم ثم أقال من تلك العقدة على أن أخذ ثوباً وزيادة. وفرق ابن المواز بأن المسألة الأولى المتنازع فيها لم يقصد المتبايعان نقض البيعة الأولى، بل أبقياها واستأنفا بيعة ثانية لا تعلق لها بالأولى، فوجب بقاء كل حالة منهما على حالها.

ومسألة الإقالة التي شبه بها قصَد المتبايعان نقضَ البيعة الأولى بالإقالة، فوجب من أجل ذلك النظر إلى ما خرج من اليد وعاد إليها، كما في بياعات الآجال بل أولى، فقصارى مسائل الآجال أن يتهما على القصد إلى نقص البيعة الأولى، وها هنا قد صرح بذلك.

ص: 385

فلو تغيرت السلعة كثيراً، فقيل: كعينها. وقيل: كغيرها

يعني: لو باعه سلعة من المقومات كدابة بعشرة إلى سنة فركبها، قال في الموازية: إلى مثل الحج وبعيد السفر، فتأتي وقد نقصها ذلك، فهل يمنع أن يشتريها بائعها بتسعة مثلاً. أجازه في رواية ابن القاسم، ومنعه في رواية أشهب وبه أخذ سحنون.

وذكر في رواية أشهب أنه قال: إذا أُحدث بها عور أو عرج أو قطع حتى يعلم أنهما لم يعملا على فسخ البيع، فلا يصلح هذا ولا يؤمن عليه أحد.

قال في النكت: والرواية الأولى أقيس، لأن السلعة إذا تغيرت تغيراً شديداً بعدت التهمة.

ابن رشد: اختلافهما هناك اختلافهما في الرواحل إذا استقال المكري الكري بزيادة بعد أن سار من الطريق ما له بال، أجازه ابن القاسم ورأى أن هذا السير يمنع التهمة، ومنعه أشهب.

فإن كان الثاني بعضه نقداً وبعضه مؤجلاً- وهي تسع- فإن تعجل الأقل أو بعضه امتنع ....

يعني: فإن كان الثمن الثاني بعضه نقداً وبعضه مؤجلاً، فالأجل: إما مساوٍ، أو أقل، أو أكثر. والثمن: إما مساوٍ، أو أقل، أو أكثر. فهذه تسع وإليه أشار بقوله:(وهي تسع) وإنما انتفت صور النقد الثلاث، لأن الفرض أن بعض الثمن مؤجل، وإذا كان مؤجلاً لا يصح أن يكون نقداً

وبين الممتنع منها بقوله: (فإن تعجل الأقل أو بعضه امتنع) كما لو باع سلعة بعشرة إلى شهر، ثم اشتراها بتسعة فأقل، عجل منها خمسة مثلاً وأخر أربعة، وسواء أخرها إلى

ص: 386

أقل من الأجل، أو إلى الأجل، أو إلى أبعد، لأنه إذا باع ثوباً بعشرة إلى شهر ثم اشتراه بثمانية، أربعة نقداً وأربعة إلى نصفه، أو إلى الشهر أو إلى الشهرين، فإن ثوبه قد رجع إليه ودفع الآن أربعة وأربعة بعد نصف شهر يأخذ عنها عشرة عند تمام الشهر. وهذه الصورة قد تعجل فيها كل الأقل.

وكذلك إذا كانت الأربعة مؤخرة إلى الشهر، فإنه يسقط بسببها إلى أربعة من العشرة لأجل المقاصة، وآل الأمر إلى أن البائع دفع الآن أربعة يأخذ عنها عند حلول الشهر ستة، والتعليل كذلك في الشهرين.

وهاتان الصورتان تعجل فيهما بعض الأقل، وهما والأولى مندرجة تحت قوله:(فإن تعجل الأقل أو بعضه).

ويدخل في كلامه صورة رابعة مشاركة للأولى في تعجيل كل الأقل، وهي ما إذا اشتراها بأكثر وعجل بعضه وأخر بعضه إلى أجل أبعد من الأجل الأول، كما لو باعه بعشرة إلى شهر، ثم اشتراه باثني عشر، خمسة نقداً وسبعة إلى شهرين، فإن الثوب رجع لربه، ودفع الآن خمسة يأخذ عنها مثلها عند تمام الشهر، ويدفع له المشتري حينئذ خمسة يعطيه البائع عوضاً عنها بعد شهر آخر سبعة. فالعشرة أقل من الاثني عشر، فيصدق عليها قوله:(تعجل فيها الأقل). فعلى هذا، فـ (أو) من قوله:(فإن تعجل فيها الأقل أو بعضه) للتفصيل. فتعجل الأقل كله هو في الصورة الأولى والرابعة، وتعجل بعضه هو في الثانية والثالثة كما قررنا. وبه يندفع ما قاله ابن عبد السلام هنا، من أن كلامه لا يشمل الصورة الرابعة، وأن قوله:(تعجل الأقل) خارج عن فرض المسألة، إذ فرضها أن بعضه مؤجل، فلا يتعجل فيها جميع الأقل.

ص: 387

ومنع ابن الماجشون المؤجل إذا كان مساوياً للباقي، بناء على اعتبار: أسلفني وأسلفك، وهو بعيد ....

يعني: أن ابن الماجشون منع الصور التسع صورةً أخرى هي جائزة على المشهور، وهي ما إذا كان المؤجل أبعد من أجل الثمن الأول وهو مساوٍ له، كما لو باعه بعشرة إلى شهر ثم استردها بخمسة نقداً أو خمسة إلى شهرين.

وقد تقدم الكلام عنها أول الفصل حين أشار إليها المصنف بقوله: (وإن كان بعيداً جداً، كأسلفني وأسلفك).

ولو باع ثوبين بعشرة إلى سنة، ثم اشترى أحدهما نقداً بتسعة لم يجز، لأن بيع وسلف

هذه إحدى المسألتين اللتين تقدمت الإحالة عليهما قبل هذا بقوله: (وسيأتيان). ومعناها: أن من باع ثوبين بعشرة إلى سنة مثلاً ثم اشترى أحدهما بأقل من الثمن الأول نقداً كتسعة أو ثمانية أو أقل، فالثوب الراجع كأنه لم يقع فيه بيع وآل أمره إلى أنه دفع تسعة وثوباً معجلين في عشرة إلى شهر، [463/أ] فتسعة منها تقابل تسعة سلف، والثوب مبيع بالدينار العاشر، فقد اجتمع بيع وسلف.

ابن عبد السلام: قيل: إنما تظهر هذه التهمة إذا كان الثوب يساوي ديناراً أو نحوه، وأما لو كان يساوي خمسة ونحوها فالتهمة حينئذ بعيدة.

وينبغي على أصل ابن القاسم الجواز إذا اتضح ارتفاع التهمة، كما أجاز في الصرف إذا كانت قيمة المعجل أكثر من قيمة المتأخر جداً، ألا ترى أن البيع والسلف يكثر القصد إليه بخلاف الصرف المستأخر.

ص: 388

ولو اشتراه بعشرة فأكثر جاز، خلافاً لابن الماجشون، وهي اثنتا عشرة صورة يمتنع منها ما تعجل فيه الأقل ....

يعني: فلو اشترى أحد الثوبين بمثل الثمن الأول فأكثر جاز لانتفاء التهمة، لأن البائع دفع عشرة وثوباً نقداً يأخذ عنهما عشرة بعد سنة، ولا تهمة في ذلك.

وما نسبه لابن الماجشون ليس بنص، وإنا نصوا له على المنع فيمن باع ثوباً بعشرة إلى شهر ثم اشتراه بثوب وعشرة، فقدر الثوب المردود مبيعاً بالثوب المدفوع والعشرة سلف بعشرة، وستأتي هذه المسألة. وألزمه التوني منها المنع في الصورة التي ذكرها المصنف، لأن البائع خرج من يده ثوب وهو الباقي بيد المشتري، ورجع له ثوب عوضاً عنه وهو الذي كان خرج من يده أولاً، وهذا بيع. وخرج من يده عشرة نقداً يأخذ عشرة بعد شهر، وهذا سلف.

وكأن المصنف قوي عنده هذا الإلزام فجرى على أحد القولين في أن لازم القول قول فنسبه إليه. وحل المازري هذا الإلزام بأن ابن الماجشون قال في المسألة المنصوصة: ولاسيما إن كان الثوب المدفوع آخراً أدنى من الثوب الأول. فأشار بقوله: (أدنى) إلى اتضاح التهمة برجوع ثوب آخر مخالف، إذ اختلاف الأعواض دليل على اختلاف الأغراض، وهذا بخلاف أن يعود إلى يده عين ما خرج منها، فلا تهمة لاتحاد العوض.

وقوله: (وهي اثنتا عشرة صورة) لأنه إذا باع ثوبين بعشرة ثم اشترى أحدهما، فإما: بمثل الثمن، أو أقل، أو أكثر. والبيع إما: نقداً، أو دون الأجل، أو إلى الأجل، أو أبعد منه.

وقوله: (يمتنع منها ما تعجل فيه الأقل) ظاهر، وقد تقدم وهو: ما إذا اشترى أحدهما بتسعة. وظاهر كلامه أنه لا يمتنع إلا هذا، وليس كذلك، فإن الصور الثلاث التي بعد الأجل كلها ممتنعة، نص على ذلك المازري وهي: أن يشتري أحدهما ثانياً بمثل الثمن أو أقل، أو أكثر، أو أبعد من الأجل.

ص: 389

أما الأولى: فلتهمة سلف جر نفعاً، كما لو باعها بعشرة إلى شهر ثم اشترى أحدهما بعشرة إلى شهرين، لأنه البائع خرج من يده ثوب على أن يسلفه المشتري عشرة بعد شهر يأخذها منه بعد شهرين، والثوب عوض انتفاعه بالسلف.

وأما الثانية: وهي أن يشتريه بأقل إلى أبعد، فلأنه بيع وسلف، لأن البائع إذا اشتراه ثانياً بخمسة إلى شهرين، فقد خرج من يده ثوب يعطيه المشتري عند حلول الأجل عشرة، خمسة منه عوض عن الثوب، وخمسة يسلفها له يأخذها منه بعد شهرين.

وأما الثالثة: وهي أن يشتريه بأكثر على أبعد، فهو سلف جر نفعاً، وتصوره ظاهر.

وقد يمكن أن تندرج هذه الصورة الثالثة- وهي أن يشتري بأكثر إلى أبعد- في قوله: (تعجل فيه الأقل) لأن ما يأخذه البائع بعد شهر أقل، ويتعجل بالنسبة إلى ما يأخذه بعد شهرين. وأما الأوليان فلا تندرجان في كلامه.

ولو اشترى أحدهما بغير صنف الثمن الأول، فقالوا: يمنع مطلقاً، وعندي في النقد المربي على جميع الثمن، الظاهر: الجواز ....

مراده بغير الصنف: أن يكون الثمن الأول ذهباً والثاني فضة، أو يكون الأول محمدية والثاني يزيدية، فيئول الأمر إلى أن البائع رجع إليه أحد ثوبيه وخرج من يده ثوب وذهبٌ يأخذُ عند الأجل فضة، أو خرج من يده ثوب ومحمديةٌ يأخذ عند الأجل يزيدية.

وقوله: (فقالوا: يمنع مطلقاً) أي: سواء كان الثمن الثاني أقل، أو أكثر، أو مساوياً، نقداً، أو إلى أجل دون الأجل، أو إلى الأجل نفسه أو أبعد.

ابن بشير: ولا خلاف في ذلك، وعلله بأن السلعة المردودة سلف، وما خرج من الثوب والذهب أو المحمدية مبيع بما في ذمة المشتري من الفضة أو اليزيدية مع ما فيه من الصرف المستأخر أو البدل المستأخر.

ص: 390

وتبرأ المصنف من هذه بقوله: (قالوا) لإشكاله، لأن القياس على ما تقدم في البيع والصرف أن يجوز إذا كان المنقود أكثر من المؤجل جداً، لانتفاء التهمة فيه كانتفائها فيما تقدم في قوله:(إلا أن يكون المتعجل أكثر من قيمة المتأخر جداً) ولا فرق بين المسألتين.

ويدل على أن هذا الوجه هو المقتضي للتبرؤ ما وقع في بعض النسخ: (وعندي في النقد المربي على جميع الثمن، الظاهر، الظاهر: الجواز).

وقوله: (المربي) أي: الزائد على جميع الثمن. ولم يصرح بتعميم المنع في الصور كلها من غير خلاف إلا ابن بشير، وإنما أطلق غيره من غير خلاف إلا ابن بشير، وإنما أطلق غيره من المتقدمين. وعلى هذا ففي كلام ابن بشير نظر، لاحتمال أن يكونوا أطلقوا المنع اتكالاً على ما ذكروه في الصرف.

وقد صرح اللخمي به هنا، فقال: ينبغي الجواز حيث يكون الثمن المعجل أكثر من الثمن المؤجل بأمر بيِّن فأحرى، وهو نحو ما نسبه المصنف لنفسه.

ولو باعه بعشرة ثم اشتراه مع سلعة نقداً بمثل الثمن، أو أقل، أو أكثر لم يجز، لأنه بيع وسلف ....

هذه المسألة الثانية المحال عليها أولاً، ومعناها: أنه إذا باع ثوباً بعشرة إلى شهر ثم اشتراه مع ثوب آخر بعشرة لم يجز، لأنه قد آل أمره إلى أن ثوبه رجع إليه وخرج منه عشرة يأخذ [463/ب] عنها بعد شهر عشرة وقد ازداد ثوباً أولاً.

وإذا ظهر لك هذا في الشراء بمثل الثمن كان فيما إذا اشتراها بأكثر أوضح، وهي الصورة الثالثة من كلام المصنف.

أما إذا اشتراها بأقل كما لو اشتراها بثمانية نقداً، فقد رجع إليه ثوبه وآل الأمر إلى أنه دفع ثمانية دنانير نقداً أخذ عنها ثوباً نقداً وعشرة دنانير إلى أجل، لا خفاء في فساده لأنه بيع وسلف.

ص: 391

وقد صرح المازري وابن عبد السلام: بأن المع في المثل وأقل لسلف جر نفعاً كما ذكرنا. فقول المصنف: (لأنه بيع وسلف) يحتمل أن يعود على صورة الأكثر وفيه بعد، ويحتمل أن يعود على الثلاث وهو ظاهر كلام ابن بشير. فكأنه وزع المنقود على السلعة المزيدة من جهة المشتري وعلى ما يقتضيه عند الأجل من ذمته، فيجتمع فيه البيع والسلف، وتقرير المازري أظهر. والله أعلم.

وكذلك بأكثر منه أو بمثله إلى أبعد، ويعد المشتري مسلفاً، بخلاف الأقل على الأصح ....

أي: ويلتحق بالصور الثلاث في المنع صورتان أيضاً، الأولى: أن يشتري ذلك الثوب مع سلعة أخرى بأكثر من الثمن الأول إلى أبعد من الأجل الأول، إلا أن البائع كان في المسألة السابقة مسلفاً وفي هذه المشتري هو المسلف.

مثاله: إذا باع ثوباً بعشرة إلى شهر، ثم اشتراه مع ثوب آخر باثني عشر إلى شهرين، فقد رجع إليه ثوبه وآل أمرهما إلى أن المشتري يدفع للبائع عند تمام شهره عشرة، وقد كان أعطى مع الثوب المسترجع ثوباً آخر يدفع له عن ذلك كله اثني عشر، والمشتري مسلف وبائع.

وأما الصورة الثانية: وهي ما إذا كان بمثل الثمن فلا مانع، وإنما تبع المصنف ابن بشير، فهو الذي ذكر المنع وحده ولا وجه له.

وقد نص ابن محرز والمازري على الجواز، وبيانه: أن البائع إذا اشترى الثوب الذي كان باعه مع ثوب آخر بمثل الثمن الأول إلى أبعد، فقد رجع إلى يد البائع ما خرج منها، وأخذ الآن ثوباً مع عشرة يأخذها من المشتري عند حلول الأجل، فالمشتري وإن كان مسلفاً ولكنه سلف لم يجز نفعاً بل جر له خسارة.

ص: 392

وإذا ظهر لك الجواز في المثل ففي أقل من باب أولى، فلا معنى للخلاف في قوله:(على الأصح) فإن المنع لا حظ له في الصحة فضلاً عن أن يكون صحيحاً مقابلاً للأصح. ولم يذكر المازري في هذه المسألة غير الجواز، نعم ذكر ابن بشير الخلاف وهو مشكل.

تنبيه: هذه المسالة تتصور فيها اثنتا عشرة صورة كما تقدم في غيرها، وتصورها واضح. وتعرض المصنف للحكم فيما إذا اشتراها بالنقود، والحكم فيما إذا اشترى إلى أجل أبعد وسكت عما إذا اشتراه لأقل من الأجل لأنه مساو للنقد، وعما إذا كان اشتراه إلى الأجل، لأن الحكم حينئذ الجواز.

ولو كان ثوباً بعشرة، ثم اشتراه بخمسة وسلعة لم يجز، لما تقدم

هذه المسالة عكس التي قبلها، فإن زيادة السلعة كانت في الأولى من المشتري الأول وفي هذه من البائع الأول. ومعناها: أن من باع ثوباً بعشرة إلى شهر مثلاً ثم اشتراه بخمسة وشاة. وصورها أيضاً اثنتا عشرة، لأن البيعة الثانية إما أن تكون بأقل من الثمن الأول، أو بمثله، أو أكثر نقداً، أو إلى الأجل نفسه، أو إلى أقل منه، أو أبعد.

ولا يجوز منها إلا إذا كان البيع إلى الأجل نفسه. بيان ذلك: أن ثوبه قد رجع إليه فصار لغواً وآل الأمر إلى أنه دفع خمسة وشاة نقداً يأخذ عنها عشرة إلى شهر، وذلك بيع وسلف. وكذلك، إلا أن المشتري هنا هو المسلف.

وأما إذا كانت الخمسة تحل بحلول الأجل الأول فلا مانع، لوجوب المقاصة.

وحذف المصنف (إلى أجل) في قوله: (ولو كان ثوباً بعشرة، ونقداً) من قوله: (واشتراه بخمسة) اعتماداً على ذكرهما في الصورة المتقدمة، لأنها مثلها في المعنى. ولهذا أشار إلى اشتراكهما في العلة في قوله:(لم يجز لما تقدم).

ص: 393

ولو اشتراه بعشرة فأكثر جاز، خلافاً لابن الماجشون فإنه جعل السلعة مبيعة بالسلعة، والعشرة المؤجلة والعشرة النقد سلفاً، وهو وهم، وصحح البيع الأول ....

أي: لو باع ثوباً بعشرة إلى شهر، ثم اشتراه بشاة وعشرة أو أكثر نقداً، جاز عند ابن القاسم، لأن مآل أمر البائع أنه دفع شاة وعشرة دنانير أو أكثر نقداً يأخذ عوضاً عن ذلك العشرة دنانير إلى شهر، ولا تهمة فيه.

ومنع ذلك ابن الماجشون، قال: ولاسيما إن كان الثوب المدفوع آخراً أدنى من الأول. ومن هذه خرج التونسي المنع في المسألة المتقدمة كما تقدم. وبين المصنف سبب المنع بقوله: (فإنه جعل ....) إلخ. أي: جعل السلعة العائدة إلى يد البائع- وهي التي خرجت من يده أولاً- مبيعة بالسلعة الخارجة من يده ثانياً، وجعل العشرة النقد سلفاً في العشرة المؤجلة، فيكون بيعاً وسلفاً. وقال: وهو وهم، أي: والجعل المذكور وهم. وبين علة وهمه بقوله: (وصحح البيع الأول) أي: أن الثوب إنما يكون مبيعاً بالشاة في الفرض المذكور إذا قدرنا أنه انتقل إلى ملك المشتري، وإذا انتقل إلى ملك المشتري الأول في المعارضة الأولى [464/أ] لزم أن تكون تلك المعاوضة صحيحة، وإذا صحت كانت العشرة قد تقررت في ذمة المشتري الأول من بيع صحيح، وذلك مانع، لأنه يعد قضاء عن سلف، إذ الشيء الواحد لا يكون ثمناً وسلفاً.

وحاصله: أن تصحيح الأولى يستلزم صحة ما بعدها لعدم السلف وهو ظاهر، إن كان عبد الملك قد قال:(جعلت السلعة ....) إلخ. وإن كان إنما قال بالمنع، وتأولوا عليه ذلك، فقد يعلل المنع بغير ما ذكر وهو الضمان، لأنه ضمنه السلعة بالشاة وتعجيل العشرة.

ص: 394

وفيها مسألتا الحمار والفرس

وقع هنا نسختان: (منها)، و (فيها) والثانية أحسن، لأن الضمير في:(فيها) يعود على المدونة. والضمير في: (منها) ظاهره أنه عائد على بياعات الآجال وهما ليستا منها، ويحتمل أن يعود أيضاً على المدونة. وتسمى الأولى منها مسألة البرذون لفرضها فيه في أصل المدونة، وفرضها البرادعي في فرس. والثانية ذكرها ربيعة وهي موافقة لأصول المذهب، ولذلك أتى بها سحنون.

فالأولى: إذا أسلم فرساً في عشرة أثواب، ثم استرده قبل الأجل مع خمسة لم يجز، لما فيه من بيع وسلف، وضع وتعجل، وحط الضمان وأزيدك ....

أي: فالمسألة الأولى، وتصورها ظاهر، ثم أخذ يتكلم على بيان العلل الثلاث، فقال:

فأما البيع والسلف، فمبني على المشهور من أن المعجل لما في الذمة مسلف، ثم يقتضيه من ذمته عند أجله لا أنه أداه وبرئ، وصوب المتأخرون الشاذ ....

أي: أن البيع والسلف ينبني على المشهور من أن المعجل لما في الذمة مسلف، ثم يقتضيه من ذمته عند أجله، لأنه لما ترتب له في ذمته عشرة أثواب إلى شهر ثم أعطاه خمسة الآن وفرساً، فالخمسة سلف يقتضيها من نفسه عند تمام الشهر، والفرس مبيع بالخمسة الأخرى. وأما على الشاذ من أن المعجل لما في الذمة لا يعد مسلفاً ويبرأ، فيجوز كما لو كان حالاً، وهو قول البرقي. ولكن لا يدل هذا على أنه يجيز المسألة للعلتين الأخيرتين.

وقوله: (وصوب ....) إلخ. فمن ذلك ما احتج به اللخمي من أنه لو كان مسلفاً لرب الدين للزم إذا أفلس المعجل أن يكون لغرمائه القيام على رب الدين ويأخذوا منه ما عجله له بمثابة من له دين وعليه دين، ثم قام الغرماء على أحدهما، فإن الآخر لا يكون أحق بما في ذمته.

ص: 395

ورده المازري، وابن بشير بأن أدنى درجات الأثواب المعجلة في هذه الصورة أن تكون هنا بيد من عجلت له فيكون أولى بها.

وأجيب: بأن مشهور المذهب في الرجلين إذا كان لكل منهما دين على الآخر، أنه ليس لغير المفلس منهما التمسك بما في ذمته رهناً، بل يحاص فيه الغرماء، خلافاً لأشهب في الاختصاص. ورد بأن المعجل في مسألة الأجل لأجل المؤجل فصار كالرهن به بخلاف الدينين ابتداء. وصوب ابن بشير الشاذ لعله أخرى، وهي: أنهما قصدا إلى براءة الذمة، فينبغي أن يمضيا على ما قصدا، وتعجيل السلف حتى يقتضي من الذمة بعيد.

والثاني على أن الفرس يساوي أقل

أي: والمانع الثاني- وهو: ضع وتعجل- يدخل المسألة بتقدير أن الفرس مساو لأقل من خمسة، كما لو ساوى أربعة تبقى ستة عجل له منها خمسة على أن وضع عنه السادس، والمعروف منع ضع وتعجل. وحكى بعضهم عن ابن القاسم جوازه. ابن زرقون: أراه عنه وهماً.

والثالث على أنه يساوي أكثر

أي: ويدخل المانع الثالث على تقدير أن يكون الفرس يساوي أكثر، كما لو ساوى ستة فتبقى أربعة، فيحط عنه ضمانها على أن يزيده ثوباً قال في المدونة: ويدخله تعجل حقك وأزيدك دخولاً ضعيفاً.

فائدة: شرط ضع وتعجل، وحط الضمان وأزيدك اتحاد الجنس. أشار إليه التونسي وغيره.

ص: 396

وقد نص مالك في الموازية على أنه لو أخذ عرضاً في دينه قبل أجله يساوي أقل ما له عليه مع تخالفهما أن ذلك جائز، وإن كان أقل من القيمة كثيراً. ولم يخالف في ذلك إلا الليث. وكذلك نص ابن يونس على أن ضع وتعجل لا يدخل إلى الجنس الواحد، لكنه قال: وأما حط الضمان وأزيدك يدخل في الجنس والجنسين فيما لا يجب تعجيله. ولهذا أول صاحب النكت قول مالك في هذه المسألة أنه يدخلها ضع وتعجل، وقول ربيعة في الذي بعدها على أن المراد إنما هو خوف أن يقصدا بهذا الفعل ضع وتعجل.

وإذا تقرر هذا ظهر لك أنه لا ينبغي أن تعلل هذه المسألة بضع وتعجل، وحط الضمان وأزيدك، لاختلاف العوضين وهما الفرس والأثواب، ولهذا لم يعتمد الأشياخ إلا على المانع الأول، ولأنه عام ساوى خمسة، أو أقل، أو أكثر بخلافهما.

وقيل: تجوز

أي: وقيل تجوز هذه المسألة، لا يقال هذا تكرار، لأنه فهم من قوله أولاً. وصوب المتأخرون الشاذ، لأن ذلك خلاف في القاعدة وهذا خلاف في المسألة، ولا يلزم الخلاف في القاعدة بجواز هذه المسالة، لم تقدم أن هذا الشاذ لم يقع نصاً في عينها، وإنما وقع في نظيرها لابن القاسم في الموازية: فيمن أسلم ذهباً في عبدين أو فرسين، فعوض عنهما قبل الأجل [464/ب] عبداً مثل شرطه وعرضاً معه، ذلك جائز مع أن أحد العبدين المعجل سلف وقد عوض عن الآخر بالعرض.

وهذا إذا كان المردود عين رأس المال أو غيره والمزيد معجلاً، فإن كان المزيد مؤخراً منع، لأنه دين بدين، وبيع وسلف محقق

قوله: (عين رأس المال) أي: الفرس أو غيره. يعني: من غير جنسه، وأما إن كان غيره- وهو موافق- فسيأتي. وهذا هو صورة المسالة المتقدمة، وإنما ذكره ليواطئ، لقوله:

ص: 397

(فإن كان المزيد مؤخراً ....) إلخ. يعني: فإن كانت الأثواب التي مع الفرس ومؤخرة عن الأجل فهو فسخ دين في دين، وهو مراده بقوله:(لأنه دين بدين).

وقوله: (وبيع وسلف) أي: بيع الخمسة الأثواب بالفرس مع تأخير الدين عن أجله الذي وجب قضاؤه فيه، وذلك سلف بلا إشكال ولا خلاف، لأن الخلاف إنما هو فيمن عجل ما أجل هل يعد مسلفاً أم لا؟ أما من أخر ما عجل، فإنه يعد به مسلفاً اتفاقاً.

فإن قيل: من شرط فسخ الدين في الدين التي فسرت به كلامه أن يكون في الجنس على أكثر مما في الذمة، أو يكون في غير الجنس، وقد انتفى كل واحد منهما هنا.

فجوابه: لا نسلم الانتفاء، لجواز أن يكون الفرس يساوي ستة فتبقى أربعة فسخها في خمسة إلى أبعد، قال معناه ابن عبد السلام.

خليل: ويمكن أن يعلل المنع في تعليل الأثواب بعلة أخرى، وهي: السلف بزيادة والضمان بجعل، لأنه إذا أخر الخمسة كما ذكرنا يحتمل أن تكون الفرس لا تساوي الأربعة فيكون ضماناً بجعل، ويحتمل أن يكون ستة فيكون قد أسلف أربعة بخمسة، فتأمله.

وإن كان إلى مثله جاز

أي: وإن كان المزيد إلى الأجل جاز، لأن الفرس حينئذ مبيع بخمسة، والخمسة الأخرى باقية إلى الأجل نفسه، ولا مانع منه. وأورد أن ظاهره يقتضي أنه وقعت زيادة ولم تقع، بل الخمسة باقية إلى الأجل نفسه، وكذلك أيضاً قوله:(إلى مثل الأجل) وإنما هو في نفس الأجل.

وأجيب بأنه مساها زيادة بالنسبة إلى المعاوضة الأولى، وأطلق المثل وأراد به النفس، وهو كأحد التأويلين في قوله تعال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] أي: ليس كذاته شيء، والتأويل الثاني أن الكاف زائدة.

ص: 398

فإن كان المردود مثله منعت الصور كلها، لأنه سلف بزيادة

يعني: فإن كان المردود عن الفرس فرساً آخر مثل الفرس، فقد آل أمرهما إلى أنه أسفله فرساً رد إليه مثله، وكل ما يعطيه معه فهو زيادة لأجل السلف.

وقوله: (الصور كلها) أي: سواء كان المزيد منقوداً في الحال، أو إلى الأجل الأول، أو أبعد.

الثانية: إذا باع حماراً بعشرة إلى أجل، ثم استرده وديناراً نقداً لم يجز، لأنه بيع وسلف، وضع وتعجل، وذهب وعرض بذهب متأخر

أي: المسألة الثانية، وتصورها ظاهر، وذكر لها ثلاثة موانع، الأولى: بيع وسلف، لأن المشتري تقررت في ذمته عشرة دنانير دفع عنها معجلاً الحمار الذي اشتراه مع دينار ليأخذ من نفسه عند حلول الأجل عشرة، تسعة عن الحمار ودينار عن الدينار المتقدم.

وقوله (وضع وتعجل) أي: على تقدير أن يكون الحمار يساوي ثمانية فأقل.

وقولهِ: (وذهب وعرض بذهب متأخر) ظاهر من الكلام الأول. ولا يدخل هنا حط الضمان وأزيدك، إذ لا ضمان في العين.

هذا إذا كان البيع نسيئة والمزيد عيناً معجلاً.

ليس غرضه بهذا الاحتراز عن شيء، وإنما هو الحكم المتقدم، ولكن ذكره ليرتب عليه ما بعده.

فإن كان مؤخراً عنه، أو إلى مثله، أو دونه امتنع، لأنه دين بدين، إلا أنه في جنس الثمن إلى الأجل جائز، لأن حقيقته بيعه بالبعض ....

اسم (كان) عائد على المزيد، يعني: بشرط أن يكون من العين، سواء كان مماثلاً أو مخالفاً ويدلك على أن مراده العين. قوله بعد ذلك:(فإن كان المزيد غير عين) فإن

ص: 399

قيل: لم لا يعود الضمير في (كان) على العين المزيد مع الحمار سواء كان من جنس الثمن أو لا؟ قيل: لو أراد ذلك لقال: كانت، لتأنيث العين.

وقوله: (دين بدين) أي: فسخ دين في دين. وقوله: (إلى مثله) أي: إلى الأجل نفسه. وقوله: (إلا استثناء من الممتنع) أي: إلا أن يكون المزيد من جنس الثمن إلى الأجل وهو جائز، كما لو باعه حماراً بعشرة إلى شهر، ثم استرده وديناراً يأخذه عند تمام الشهر. وعلله بقوله: لأن حقيقته بيعه بالبعض. أي: لأن حقيقة الأمر فيه ومآله أنه اشترى الحمار بتسعة دنانير من العشرة، ولا محذور فيه.

خليل: وعلى هذا فالصور ستة، لأن المزيد له صورتان: موافق، ومخالف. وكل منهما إما: إلى دون الأجل، أو إلى نفس الأجل، أو أبعد منه. لا يجوز منها إلا صورة واحدة، وهي التي استثناها المصنف بقوله:(إلا أنه في جنس الثمن إلى الأجل).

وقد يعلل المنع بغير ما ذكره المصنف، فيعلل فيما إذا كان المزيد من غير جنس الثمن الأول بالصرف المؤخر، ويعلل فيما إذا كان المزيد من جنس الثمن الأول إلى أبعد من الأجل بالبيع والسلف. والله أعلم.

فإن كان المزيد غير عين معجلاً جاز، وإلا منع مطلقاً، لأنه فسخ دين في دين

هذا قسيم قوله: (والمزيد عيناً) أي: وإن كان المزيد مع الحمار عرضاً غير عين، فإن كان معجلاً جاز، لأنه باع عيناً في الذمة بعرض وحمار ولا مانع، وإلا- أي: وإن لم يكن العرض معجلاً [465/أ] بل كان مؤخراً، وسواء كان إلى الأجل، أو أبعد، أو أقل- منع، لأنه فسخ دين في دين. أي: لأنه انتقل من الدين الذي له في ذمة المشتري إلى حمار معجل وعرض مؤجل.

ص: 400

وإن كان البيع نقداً لم يقبض والمزيد معجلاً، جاز كغيره من القضاء، وإلا منع مطلقاً، لأنه في النقد المثلي بيع وسلف محقق، وفي غيره فسخ دين في دين أو صرف مستأخر ....

مراده بالنقد المعجل لا النقد الذي هو مقابل العرض، يعني: فإن باع الحمار بعشرة دنانير مثلاً نقداً ولم يقبضها البائع فأعطاه المشتري الحمار وزيادة عوضاً من تلك الدنانير، فإن عجل الزيادة التي مع الحمار جاز كغيرها من الصور، وهذا صحيح إن لم تكن الزيادة فضة، فإن كانت فضة فيدخله البيع والصرف، فأجره على ما تقدم. وأطلق المصنف اعتماداً على ما تقدم وفي معنى هذه الصورة ما لو باعه بدراهم يزيدية ثم استردها مع زيادة محمدية، أو بالعكس.

قوله: (وإلا منع مطلقاً) أي: وإن لم يكن المزيد معجلاً بل تأخر امتنع مطلقاً، لأنه إن كان المزيد من جنس الثمن الأول فهو تأخير في بعض ذلك الثمن بشرط، وذلك سلف اقترن بالبيع. وهذا معنى قوله:(لأنه في النقد المثلي بيع وسلف محقق) وإن كان المزيد من غير جنسه، فإن كان عيناً فهو صرف مستأخر، وإن كان غير عين فهو فسخ دين في دين.

وظاهر كلامه أنه إذا كان البيع أولاً نقداً لأنه لا يختص الممتنع منه يقوم دون قوم. وقيده ابن أبي زيد بأهل العينة، لأن البيعة الأولى نقداً بخلاف القسم الذي قبله، فيتهم فيه أهل العينة وغيرهم وخالفه غيره وأبقاه على إطلاقه كالمصنف، لأن الفساد هنا أقوى، إذ الفساد في البيعة الثانية لا يتوقف على انضمامه إلى الأولى، بخلاف بيوع الآجال إنا يتم فيها الفساد بالبيعتين، وما يتصور فيه الفساد بنفسه أقوى مما يتوقف على غيره. وقيد ابن أبي زيد أيضا المنع فيها بأن المشتري لم ينقد العشرة أولاً، إذ لو نقد لجاز أن يشتري البائع منه معجلاً ومؤجلاً، لأنها بيعة ثانية، وهو ظاهر تقييد المصنف بقوله:(لم يقبض).

ص: 401

وخالفه غيره ورأى أن المنع يتصور في المسألة وإن نقد، لأنه يقدر أنه اشترى الحمار بتسعة على أن أسلفه قابضها العاشر إلى الأجل.

فإن كانت الزيادة من البائع جاز مطلقاً

أي: وإن استرد البائع الحمار الذي باعه على أن دفع البائع للمشتري زيادة وأخذ الحمار جاز مطلقاً، سواء كانت البيعة الأولى نقداً أو إلى أجل، كان المزيد من جنس الثمن أو لا.

إلا أن تكون مؤجلة من صنف المبيع فيمتنع، لأنه سلف بزيادة

أي: إلا أن تكون تلك الزيادة حماراً مؤجلاً، وهو مراده بقوله:(من صنف المبيع فيمتنع) وعلل المنع بسلف بزيادة، أي: يعد المشتري كأنه أسلف البائع حماراً يقضيه منه إلى أجل على أن أسقط البائع عنه العشرة التي له في ذمته، وهذا سلف بزيادة.

ويفسخ الثاني من بيوع الآجال باتفاق دون الأول على الأصح

يعني: إذا وقعت بياعات الآجال على الوجه الممنوع، كما لو باعها بعشرة إلى شهر ثم اشتراها بثمانية نقداً، فقال المصنف، والمازري: يفسخ البيع الثاني باتفاق. أي: إذا كانت السلعة قائمة، كما يدل عليه كلامه بعد. فإن قيل: ففي الاتفاق نظر، لأن اللخمي حكى عن ابن عبدوس أنها لا تفسخ، ولكن لا يكون للمشتري الثاني- وهو البائع الأول- إذا حل الأجل الأول إلا ما خرج من يده. قيل: قد نازعه المازري في نقل هذا القول هكذا، وقال: الذي نقله غيره من هذا القول أنه يمنع من رد المبيع من يد مبتاعه الأخير بشرط أن يفوت، فيحتمل أن يقول كقوله بإمضاء البيعتين مع الفوات، كما سيأتي.

وقوله: (دون الأول على الأصح) هو قول ابن القاسم في المدونة، لأن الفساد إنما دار مع الثاني وجوداً وعدماً، وبالقياس على اقتضاء الطعام من ثمن الطعام وشبهه.

ص: 402

ومقابله لابن الماجشون فسخ البيعتين، قال: إلا أن يصح أنهما لم يتعاملا على العينة، إنما وجدها تباع فابتاعها بأقل من الثمن، فتفسخ البيعة الثانية فقط.

ووجهه: أن الفساد إنما حصل من مجموع البيعتين، لاتهامهما أنهما قصدا دفع القليل في الكثير، ولأنه ظاهر قول عائشة- رضي الله عنها فقد روى مالك عنها: أن محبة- أم ولد لزيد بن أرقم- ذكرت لعائشة- رضي الله عنها أنها باعت من زيد عبداً بثمانمائة إلى العطاء، ثم ابتاعته بستمائة نقداً. فقالت عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيداً أن قد بطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب. فقالت لها: أرأيت إن تركت المائتين وأخذت ستمائة؟ فقالت: نعم {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275] وظاهره فسخ البيعتين. ورواه بعضهم: (بئس ما شريت، أو بئس ما اشتريت) على الشك من الرواي.

وفي هذا الخبر دليل على المنع فيما قلناه من هذه البياعات. أبو محمد: ولم تطلق عائشة ما قالت إلا وتحريم ذلك عندها مقرر.

ابن يونس: يريد أن ذلك لا يعلم قياساً، وإنما يعلم من طريق التوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم. وقول من قال أصحابنا: لعلها إنما قالت ذلك لوقوع البيع إلى العطاء وهو مجهول ليس بظاهر، لأن المنقول عن عائشة- رضي الله عنها[465/ب] جواز البيع إلى العطاء، ولأن آخر الآثار ينافيه.

وضعف بعض الشيوخ هذا الخبر لما فيه من قولها: (أبطل جهاده) وظاهره إبطال الذنوب للأعمال، وهو خلاف كتاب الله، وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم، ومذهب جماعة أهل السنة.

ص: 403

عياض: ووجه تأويل قولها عندي- على موضوع كلام العرب ومجاز لفظها- أنها رأت أن مقارفة هذا الذنب من مثله والاقتداء به فيه، واقتداء من يأتي بعده بفعله ويجعله حجة بين الله وبينه، مما يرجح مجموع هذا في الميزان على جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن فاتت في يد المشتري الثاني والقيمة أقل، فسخاً على الأصح

الفوات هنا يكون بحوالة السوق وغيرها كما في البيوع الفاسدة، ونص عليه سحنون هنا. وقيل: لا تفيتها حوالة سوق وإنما تفيتها العيوب المفسدة أو ذهاب عينها. ونقل أيضاً عن سحنون، وابن كنانة، وإليه ذهب التونسي وغيره. يعني: فإن فاتت بيد البائع الأول- وهو المشتري الثاني- وكانت قيمتها أقل من الثمن الأول- كما لو كانت قيمتها ثمانية والثمن الأول عشرة- فسخت البيعتان معاً، ويكون للبائع على المشتري الثمن الذي دفع إليه. وعبر بعضهم عن الأصح بالمشهور، ووجهه: أنا لو فسخنا الثانية خاصة لزم دفع القيمة معجلاً وهي أقل، ثم يأخذ عند الأجل أكثر، وهو عين الفساد الذي منعنا منه ابتداء، بخلاف ما إذا لم تفت كما تقدم، أو فاتت وكانت القيمة مساوية للثمن الأول أو أكثر، فإنا إذا فسخنا الثانية بقيت الأولى على حالها فلا يلزم محذور، وهذا الأصح من مذهب ابن كنانة وسحنون. وتأول ابن أبي زمنين مذهب ابن القاسم عليه.

والذي نقله اللخمي والمازري وغيرهما عن ابن القاسم فسخ البيعتين مع الفوات مطلقاً، لأن البيعتين لما ارتبطت إحداهما بالأخرى صارتا في معنى العقد الواحد.

وصرح ابن شاس بأنه المشهور. وعلى هذا ففي المسألة ثلاثة أقوال، ولابن مسلمة رابع بفسخ البيعة الثانية مع القيام، فإن فاتت السلعة مضت البيعتان، للخلاف في جواز هذه البيوع ابتداء. ويفهم من تقييده الفوات بأن تكون بيد المشتري أنها لو فاتت في يد المشتري الأول لفسخت الثانية خاصة، وهو اختيار الباجي، قال: ولم أره نصاً

ص: 404

بيع أهل العينة

لما فرغ من بيوع الآجال التي لا تخص أحداً أعقبها ببيع أهل العينة، لاتهام بعض الناس فيها.

والعينة: بكسر العين، وهي فعيلة من العون، لأن البائع يستعين بالمشتري على تحصيل مقاصده. وقيل: من العناء وهو تجشم المشقة. وقال عياض: سميت بذلك لحصول العين وهو النقد لبائعها، وقد باعها بتأخير.

مثل: اشتر لي هذه وأربحك. فإن سمى الثمن وأوجب البيع إلى أجل فسلف جر منفعة ....

أي: فإن قال له: اشتر لي وأنا أربحك وسمى الثمن، كما لو قال: اشتريها لي بعشرة وأنا أشتريها باثني عشر إلى أجل فإنه لا يجوز، لأنه سلف جر منفعة. ولا فرق بين أن يقول: اشتر لي وأربحك، أو اشتر وأربحك في هذا. نعم بين الصيغتين فرق من وجه آخر سيأتي.

وإن كان نقداً فقولان: يجوز بجعل المثل، ويمنع

أي: وإن كان الثمن الذي أوجباه به البيع نقداً، مثل: اشتر لي سلعة كذا بعشرة وأنا أشتريها منك باثني عشر نقداً، ففيها قولان، أحدها: الجواز، ويكون للمأمور جعل المثل. والثاني: المنع، لأنه من بيع ما ليس عندك. وتبع المصنف في هذه المسألة ابن بشير، وابن شاس. والصواب جوازها إن كان النقد من الآمر، أو منم المأمور بغير شرط، لأنه لما قال له: اشترها لي ولك كذا، فقد استأجره بدينارين على اشتراء السلعة. وإن كان النقد من المأمور بشرط فإجارة فاسدة، لأنه استأجره بدينارين على أن يبتاع له السلعة ويسلفه ثمنها من عنده، هكذا نقله ابن رشد، وابن زرقون وغيرهما.

ص: 405

وإن لم يسم، فجعل المثل

أي: وإن لم يسم الثمن ولم يوجب البيع، فعلى الآمر جعل المثل، ولم يصرح المصنف بأنها جائزة أو لا. ونص عياض على المنع إذا قال:[466/أ] اشتر لي وأنا أربحك كذا وإن لم يسم ثمناً، وأنه ربا ويفسخ. وأما إن قال له: اشتر سلعة كذا وأنا أربحك فيها وأشتريها منك من غير تسمية ربح ولا مراوضة، فنص ابن حبيب على الكراهة، قال: وإن وقع مضى. وذلك قال مالك: لا أبلغ به الفسخ.

عياض: وكذلك كرهوا له أن يقول له: لا يحل في أن يعطيك ثمانين بمائة، ولكن هذه السلعة قيمتها ثمانون خذها بمائة. وقد قسم ابن رشد وعياض العينة على ثلاثة أقسام: جائر، وممنوع، ومكروه.

فالجائز: أن يمر الرجل بالرجل من أهل العينة، فيقول له: هل عندك سلعة كذا أبتاعك منك؟ فيقول: لا. فينقلب من غير مراوضة ولا تسمية ربح ولا أي ولا عادة فيشتريها، ثم يلقاه بعد فيخبر أنه قد اشتراها، فيبيعها بما شاء منه نقداً أو نسيئة.

والمكروه، أن يقول: اشتر لي سلعة كذا وأنا أربحك وأشتريها منك من غير مراوضة ولا تسمية ربح، ولا يصرح بذلك ويعرض، فهذا هو الذي قاله ابن حبيب يكره، فإن وقع مضى. وكذلك قال ابن نافع عن مالك كما تقدم.

والحرام: أن يراوضه على الربح ويسمي الثمن، أو يقول: أنا اشتريها على أن تربحني فيها كذا، أو العشرة من كذا، أو العشرة من كذا. ابن حبيب: فهذا حرام. قال: وكذلك لو قال اشترها لي وأنا أربحك وإن لم يسم ثمناً. قال: وذلك كله ربا، وليس فيه إلا رأس المال.

وقسم ابن رشد هذا الممنوع على ستة أقسام: ثلاث في قوله: (اشتر لي) وثلاث في قوله: (اشتر) دون أن يقول: (لي).

ص: 406

فأما الثلاث الأول، فالأولى: أن يقول اشتر لي سلعة بعشرة نقداً وأنا أشتريها باثني عشر نقداً، وحكمها- كما تقدم-: إن كان النقد من عند الآمر أو المأمور بغير شرط فهي جائزة، وإن كان من عنده بشرط فهي إجارة فاسدة، لأنه أعطاه الجعل على أن يسلفه، فهي إجارة وسلف، وللمأمور الأقل من الدينارين أو جل مثله على مذهب ابن القاسم في السلف والبيع. وعلى قول ابن حبيب: إذا قبض السلف يكون له أجر مثله بالغاً ما بلغ. وقال ابن المسيب: لا أجر له. ابن رشد، وابن زرقون: وهو الأصح، لئلا يكون تتميماً للفاسد.

الصورة الثانية: أن يقول اشترها لي بعشرة نقداً وأنا أشتريها منك باثنى عشر إلى أجل. وهي الصورة التي ذكرها المصنف أولاً، فهي أيضاً غير جائزة، لأنه سلف بزيادة، وتلزم الآمر لأن الشراء كان له، وإنما أسلفه المأمور ثمنها ليأخذ أكثر منه إلى أجل، فيعطيه العشرة معجلة به ويسقط عنه ما أربى. واختلف فيما يكون له من الجعل على الأقوال الثلاثة.

الصورة الثالثة: أن يقول اشترها لي باثني عشر إلى أجل وأنا اشتريها بعشرة نقداً. فهي أيضاً غير جائزة حرام، لأنه استأجر المأمور على أن يبتاع له السلعة بسلف عشرة دنانير يدفعها إليه فينتفع بها إلى الأجل ثم يردها إليه، فيلزم السلعة باثنى عشر إلى أجل، ولا يتعجل المأمور منه العشرة النقد، فإن كان قد دفعها إليه وصرفها عنه ولم تترك عنده إلى الأجل، كان له جعل مثله بالغاً ما بلغ في هذا الوجه باتفاق.

وأما الثلاث الأخر، فهي كهذه إلا في إسقاط (لي):

الأولى: اشتر سلعة كذا بعشرة نقداً وأنا أشتريها منك باثني عشر نقداً، أو قال: أنا أربحك. فاختلف فيها قول مالك، فمرة أجازه إذا كانت البيعتان نقداً وانتقد، ومرة كرهه للمراوضة التي وقعت بينهما في السلعة قبل أن تصير في ملك المأمور.

ص: 407