المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْقِسْمَةُ: الْقِسْمَةُ ثَلاثَةُ: قِسْمَةُ مُهَايَأَةٍ، وقِسْمَةُ بَيْعٍ، وقِسْمَةُ قِيمَةٍ، فَالأُولَى، - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٧

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: ‌ ‌الْقِسْمَةُ: الْقِسْمَةُ ثَلاثَةُ: قِسْمَةُ مُهَايَأَةٍ، وقِسْمَةُ بَيْعٍ، وقِسْمَةُ قِيمَةٍ، فَالأُولَى،

‌الْقِسْمَةُ:

الْقِسْمَةُ ثَلاثَةُ: قِسْمَةُ مُهَايَأَةٍ، وقِسْمَةُ بَيْعٍ، وقِسْمَةُ قِيمَةٍ، فَالأُولَى، إِجَارَةُ لازِمَةُ، كَدَارٍ أَوْ دَارَيْنِ يَاخُذُهَا كُلُّ وَاحِدٍ أَوْ إِحْدَاهُمَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَغَيْرُ لازِمَةٍ كَدَارَيْنِ يَاخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ سُكْنَى دَارٍ ..

لا شك في مشروعيتها لقوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى} [النساء: 8] الآية.

هي ثلاثة أقسام: الأولى قسمة مهايأة.

عياض: وهي قسمة المنافع بالمراضاة لا بإجبار، ويقال: مهانأة بالنون؛ لأن كل واحد هنأ صاحبه ما أراد، ومهايأة بالياء باثنين تحتها؛ لأن كل واحد هيأ للآخر ما طلب منه، وهذا القسم على قسمين: مقاسمة زمان ومقاسمة أعيان، أشار المصنف إليهما بقوله:(فَالأُولَى، إِجَارَةُ لازِمَةُ) يأخذها كل واحد أو إحداهما أو هما معاً مدة معينة.

فقوله: (أَوْ إِحْدَاهُمَا) راجع إلى الدارين.

وقوله: (مُدَّةً مُعَيَّنَةً) يعم الصورتين ويحتمل عوده إلى الثانية ويضم بعد الأولى مثله، والدار الواحدة إنما يتصور فيها مقاسمة زمان بخلاف الدارين فإنهما مقاسمة أعيان.

وقوله: (وَغَيْرُ لازِمَةٍ كَدَارَيْنِ يَاخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ سُكْنَى دَارٍ) من غير تعيين مدة، وفي المقدمات: التهايؤ يكون بالأزمان ويكون بالأعيان، والتهايؤ بالأزمان يفترق الحال فيه بين الاستغلال والاستخدام في العبد والركوب في الدابة، والازدراع في الأرض والسكنى في الدار، وأما التهايؤ في الاستغلال فلا يجوز في المدة الكثيرة بالاتفاق، واختلف في اليسيرة كاليوم ونحوه، ففي الموازية: لا يجوز ذلك في الدابة والعبد ولو في اليوم.

محمد: ولو سهل ذلك في اليوم، وأما التهايؤ في الاستخدام فاتفقوا على عدم جوازه في المدة الكثيرة واتفقوا على جوازه في الأيام اليسيرة، واختلفوا في حدها، فأجازه ابن المواز في خمسة أيام فأقل لا أكثر، وأجازه مالك في المجموعة من رواية ابن القاسم في الشهر.

ص: 3

ابن القاسم: وأكثر من الشهر قليلاً، وأما التهايؤ في الدور والأرضين فيجوز فيها السنين المعلومة والأجل البعيد ككرائها، كقول ابن القاسم في المجموعة: ووجه ذلك أنها مأمونة، وأما التهايؤ في الأعيان بأن يستخدم هذا عبداً وهذا عبداً، أو يسكن هذا داراً وهذا داراً أو يزرع هذا أرضاً وهذا أرضاً، ففي المجموعة جوازه في سكنى الدار وزراعة الأرض، ولا يحوز في الغلة والكراء، وذلك على قياس التهايؤ في الأزمان، فيسهل في اليوم الواحد على أحد [593/ أ] قولي مالك فيه، ولا يجوز في أكثر من ذلك باتفاق؛ لأنه غرر وتفاضل، وكذلك استخدام العبد والدواب ليجري على الخلاف المتقدم في التهايؤ في الأزمان.

الثَّانِيَةُ: بَيْعُ كَدَارَيْنِ أَوْ حِصَّتَيْنِ، أَوْ عُلْوٍ وسُفْلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَاخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى مِلْكاً ..

أي: قسمة المراضاة، وكانت بيعاً؛ لأن كل واحد باع نصيبه في هذا بنصيب صاحبه في الآخر.

ابن عبد السلام: وهي بيع لا شك فيها إن كانت بغير تعديل ولا تقويم واختلف فيها إن كانت بتعديل وتقويم هل حكمها حكم البيع أم لا؟ وإن كان بعضهم أطلق الخلاف فيها لما قلنا: إنها بيع، ولذلك لا يحكم بها عند التنازع، واخلتف في جوازها بالقرعة، والمشهور أنها لا تجوز، انتهى.

وليس من شرط هذه والتي قبلها اتفاق الجنس بخلاف الثالثة، وذكر عياض أنه يشترط في الثالثة أيضاً ألا تكون في المكيل والموزون، وقال اللخمي وابن رشد: لا خلاف أن قسمة المراضاة بيع، واختلف في القرعة فقيل: تمييز حق، وقيل: بيع.

اللخمي: وهو أصوب؛ لأنه لا يختلف أن كل نخلة مثلاً قبل القسمة شركة، وإن كان كذلك كانت القسمة بيعاً، وفي المقدمات نص مالك في المدونة على أنها بيع وذهب سحنون إلى أنها تمييز حق، واضطرب قول ابن القاسم في ذلك على ما يؤخذ من المدونة وغيرها.

ص: 4

عياض: والصحيح من مذهبنا وقول أئمتنا: إنها تمييز حق، وإن كان قد أطلق عليها أنها بيع واضطرب قول ابن القاسم وسحنون.

واعلم أنهم أجازوا في قسمة المراضاة التفاضل مثل أن يكون بينهما قفين قمح، فيأخذ أحدهما ثلثه، والآخر ثلثين على سبيل التراضي.

ابن راشد: وهذا ينافي كونها بيعاً محضاً.

الثالثة: وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ: كَدَارٍ أَوْ بُسْتَانٍ فَتُصَحَّحُ السِّهَامُ، ثُمَّ تُعَدَّلُ الْمَوَاضِعُ عَلَيْهَا بِالْقِيمَةِ لا بِالْمِسَاحَةِ، ثُمَّ يُقْرَعُ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ فِي طَرَفٍ وبَقِيَتْ لَهُ سِهَامُ أَخَذَهَا مِمَّا يَلِيهِ ..

إنما كانت هذه هي المقصودة، لأن الأولى راجعة إلى الكراء والثانية إلى البيع.

وقوله: (فَتُصَحَّحُ السِّهَامُ) يعني- سواء كانت بين ورثة أو أجانب مثاله: ثلاثة لأحدهم السدس، وللآخر النصف، فتعدل السهام على أقل جزء، وهو السدس، فتعملها ستة أقسام بالقيمة لا بالمساحة أي لا بالمقدار فربما كان ذراع من هذه الناحية يساوي ذراعين أو أكثر من الناحية الأخرى، أما إن تساوت فيها الأرض، فإنها تقسم بالمساحة.

ابن عبدوس: ويقوم القاسم النخل نخلة نخلة، ثم يضرب بالقرعة فإن خرجت لصاحب القليل أخذه، وإن خرجت لصاحب الكثير وهو النصف، ضم إليه سهمان آخران مما يليه، وإن خرجت لصاحب الثلث ضم إليه آخر، وهذا هو المعروف، وقيل: إن صاحب السدس لا يكون إلا في أحد الطرفين.

ص: 5

وَصِفَتُهَا: أَنْ يُكْتَبَ الشُّرَكَاءُ فِي رِقَاعٍ وتُجْعَلَ فِي طِين أَوْ شَمْعٍ وَتُرْمَى كُلُّ بُنْدُقَةٍ فِي جَهَةٍ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فِي بَدَايَةِ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ أَقْرِعَ عَلَيْهَا أَوَّلاً ..

تصوره ظاهر، ثم يخرج كل واحد، أي من رقاع الجهات ومن رقاع الأسامي.

وقوله: (فَإِنْ تَشَاحُّوا فِي بَدَايَةِ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ) نحوه في المدونة وزاد فيها: إلا ألا يبقى إلا اثنان، فإن يضرب ولم يلتفت إلى أحدهما، لأن الضرب لأحدهما ضرب للآخر.

عياض: واختلف في معنى التشاحح المذكور، فظاهر كلامهم وقول ابن القاسم وغيره ما تقدم من الضرب على أي الجهتين يبدأ، وخالف ابن لبابة ذلك وفسر التشاحح بأن يقول بعضهم: يقسم من قبلة إلى جنوب، ويقول الآخرون: بل من شرق إلى غرب لأغراض لهم في ذلك.

ابن لبابة: ولا وجه للتشاحح إلا على هذا، وأما على ما قاله ابن القاسم فلا؛ لأن السهم لا يدرى لمن يخرج فكان حكم الجميع فيه سواء، واختلف إذا خرج سهم واحد هل يقرع ثانياً لجهة الإقراع مطلقاً إلا ألا يبقى إلا اثنان فلا يحتاج حينئذ إلى الإقراع ولا يحتاج إلى الإقراع إلا عند التشاحح على القولين.

وَأَصْحَابُ الْفَرِيضَةِ الْوَاحِدَةِ يُجْعَلُونَ أَوَّلاً كَوَاحِدٍ ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ ثَانِيةً

مثاله: شريكان مات أحدهما عن ورثة فيقسم نصفين: نصف للشريك، ونصف للورثة ثم يقسم ثانياً، وكذلك أيضاً إذا كان في الفريضة سهام، وفي سهم جماعة مشتركون يقسم أولاً على السهام ثم اقتسم أهله كزوجات لهن الثمن أولاً ثم إن شاءوا اقتسموا ثانياً، وحكى اللخمي الاتفاق على ذلك، وهو يلاحظ ما تقدم في الشفعة أن الشريك الأخص أولى بالشفعة من الشريك الأعم.

ص: 6

وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي الْقَسْمِ بِالْقُرْعَةِ

هكذا قال مالك، وحمله ابن القاسم على أنه لا يجوز الجمع سواء اتفق سهم الاثنين أو اختلف، رضيا أم لا، وفي الجلاب: ولا يجمع القاسم بين اثنين في القسم إلا أن يتراضى الشركاء كلهم بذلك.

ابن عبد السلام: وقال أصحاب مالك: وإنما يكون ما حمله ابن القاسم: إذا استوت الأنصباء، ولو اختلفت الأنصباء كأن يقول: لبعضهم الثلث ولبعضهم النصف، فإن أصحاب كل جزء من هذه الأجزاء يجتمعون في سهم وإن كرهوا ثم يقتسمون إن شاءوا، وهكذا فسره مالك في العتبية في سماع أشهب وابن نافع، وكذلك فسره مالك ومطرف وأصبغ في الواضحة. وفي اللخمي: اختلف إذا كان الولد عدداً، فقال مالك مرة: هم كأهل سهم واحد فيقسم لهم قسماً واحداً ثم يقتسمونه ثانياً إن انقسم وإلا باعوه، وقال أيضاً: كل واحد صاحب سهم، ورأى ابن القاسم أنهم ليسوا بأهل سهم، وأجاز أن يتراضوا على أن يجمعوا أو يضرب لهم بسهم واحد للاختلاف في ذلك ثم قال: والصواب في الولد والإخوة والأعمام أنهم كأهل سهم.

وفي البيان: وأما أهل [593/ ب] السهم الواحد كالزوجات والبنات والأخوات والجدات والموصى لهم بالثلث فلا خلاف أنه يجمع حظهم في القسمة شاءوا أو أبوا؛ لأنهم كالشيء الواحد.

وفي العصبة ثلاثة أقوال:

أحدها: كأنهم أهل سهم واحد يجمع لهم حظهم ثم يقتسمون إن شاءوا وهو قول ابن حبيب.

والثاني: أنهم لا يجوز جمعهم وإن رضوا، وأراه قول المغيرة.

ص: 7

والثالث: أنه لا يجمع حظهم إلا أن يرضوا، وهو قول ابن القاسم في المدونة؛ لأنه فسر قول مالك فيها في من ترك زوجته وعصبته وترك امرأة يضرب لها بحقها مع العصبة في أحد الطرفين، فقيل: إنه يضرب لها في أحد الطرفين، فقال: معناه عندي إذا كان العصبة واحداً أو عدداً لا يريدون القسمة، وقد اختلف في تأويل قول مالك أن الزوجة يضرب لها بحقها مع العصبة في كلام أحد الطرفين كان الورثة من كانوا ثم يقتسمون بعد أن أحبوا، وهو ظاهر قول مالك في المدونة ورواية ابن الماجشون، وقيل: ذلك مع العصبة خاصة إذا لم يروا أن يقتسموا، انتهى بمعناه.

واستثنى ابن القاسم مسألة الزوجة من عموم المسألة.

بِخِلافِ مَا لَوْ قَاسَمَ شَرِيكَانِ ثَالِثاً؛ هَذَا بَيْعُ

يعني إذا قاسم الشريكان ثالثاً فإن هذا بيع لا قسمة قرعة، وفي كلامه إشارة إلى أن قسمة القرعة تمييز حق لا بيع.

الْقَاسِمُ: الاثْنَانِ أَوْلَى مِنَ الْوَاحِدِ، وَلا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا بَعْدَ الْعَزْلِ

فهم من قوله: (أَوْلَى) أن الواحد يجزئ؛ لأنه كالحاكم، ولهذا (وَلا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا) بعد عزل القاضي الذي بعثهما، فقال ابن شعبان: لابد من اثنين، وغلب على ذلك الشهادة، وبالأول قال ابن حبيب، فإنه قال: يقبل القاضي شهادة القاسم إن كان الحاكم هو الذ ي أمره بذلك، وذكر ذلك الحاكم، وقاله ابن الماجشون، وكذلك كل ما لا يباشره القاضي من الفعل أو القسم والاختلاف والكتاب والنظر إلى العيب وشبهه؛ لأن فعلته كانوا مرتزقين أولا، وفهم من قوله:(بَعْدَ الْعَزْلِ) قبول قولهما قبله، وهو قول مالك في العتبية، وهو الذي في الوثائق المجموعة، قيل: وهو الصواب، وقال سحنون: إذا شهد قاسمان على ما قسماه بأمر قاض أو بغير أمره أن كل واحد ممن قسما بينهم قد استوى نصيبه، فلا تجوز شهادتهما؛ لأنهما شهدا على فعل أنفسهما.

ص: 8

وَلَهُ الأُجْرَةُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنَ الْمَقْسُومِ لهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، وَقَالَ أَشْهَبْ: عَلَى حِصَصِهِمْ ..

يعني: أن القاسم إن كانت له أجرة من بيت المال لم يجز أن يأخذ أجرة من الناس، وظاهره إباحة أخذها إذا لم تكن له أجرة من بيت المال، ومذهب المدونة والعتبية وغيرهما: الكراهة، ففي باب القسم من المدونة: وأكره لقاسم القاضي والمغنم أن يأخذ على القسم أجراً؛ لأنهم إنما يفرض لهم في أموال اليتامى وسائر الناس كما أكره ارتزاق صاحب السوق من أموال الناس.

وفي باب الآذان: وكره مالك إجارة قسام القاضي، وكان ربيعة وخارجة رضي الله عنهما، يقسمان ولا يأخذان جعلاً.

وقوله: (عَلَى عَدَدِهِمْ) هو مذهب المدونة، قال فيها: وسواء في ذلك من طلب القسمة أو أباها، وبقول أشهب قال ابن الماجشون وأصبغ.

الباجي في وثائقه: وبه جرى العمل.

المتيطي: وقال غير واحد من الموثقين: الأول أظهر وبه القضاء؛ لأن تعبه في تمييز النصيب اليسير كتعبه في تمييز النصيب الكثير، وكذلك اختلف في أجرة كاتب الوثيقة على مذهبين: ففي القسم من المدونة في قوم أرادوا أخذ مال لهم عند رجل ويستأجرون من يكتب كتاباً لهم: فله أجرة عليهم وعليه، وقال أشهب نحوه في الجلاب، وفي سماع ابن القاسم: لا يكون على الذي بيده المال شيء، وقال سحنون: ذلك كله على الذي بيده المال، قال بعض الموثقين: لأنه رأى أن المنفعة له وحده، وفي الجلاب: إذا كان لجماعة حق على رجل فكتبوا عليه كتاباً واحداً وسهامهم مختلفة فيه، فأجرة الكاتب بينهم بالسواء، وقد تقدمت نظائر هذه المسألة.

ص: 9

الْمَقْسُومُ: هُوَ الْمُشْتَرَكُ عَقَاراً أَوْ غَيْرَهُ

هو ظاهر التصور.

وَيُقْسَمُ كُلُّ صِنْفٍ، مُفْرَداً

يعني: أنه لا يجوز في قسم القرعة الجمع بين جنسين أو نوعين متباعدين؛ لأن ذلك غرر، وحكى ابن عبدوس عن أشهب جوازه برضاهم، وهو الذي حكى غيره عنه أنه يوافق على هذا الأصل غير أنه يخالف في مسائل خلافاً في حال كمسالة المدونة فإنه أجاز فيها إذا كانت نخلة وزيتونة بين رجلين أن يقتسماها بالقرعة إذا اعتدلنا في القسم وتراضيا بذلك، قال فيها: وإن كرها لم يجبرا وإن لم يعتدلا في القسمة.

واختلف في مسألة المدونة هذه، فقال سحنون: ترك ابن القاسم قوله: لا يجمع بين صنفين مختلفين.

وقال بعضهم: هي قسمة مراضاة، ورد بأن اشتراطه الاعتدال في قسم القرعة. وقال اللخمي: إنما أجاز ذلك فيما قل.

ابن راشد: ويحترز في القسم من ثلاثة: الجهالة، والربا، وإتلاف المال.

أما الجهالة: إلا أن توصف لهما؛ ومنعه سحنون ولو وصفت.

وأما الربا: فكاقتسامها ثمراً أو زرعا قبل بدو صلاحه على شرط التبقية. وأما إتلاف المال: فكقسمة النخلة الواحدة خشباً أو كقسمة اللؤلؤة، وحكى عياض فيما ينتقص من ثمنه كثيراً، كالياقوتة الكبيرة والجمل النجيب يقسم لحماً- خلافاً: هل جوز قسمته بالتراضي أم لا؟

ص: 10

وَتُجْمَعُ الدُّورُ الْمُتَقَارِبَةُ الْمَكَانِ الْمُسْتَوِيَةُ نِفَاقاً وَرَغْبَةً مَهْمَا دَعَا إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا فِي جِتَهَيْنِ مِنَ الْبَلَدِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ ..

هكذا في المدونة، ووجه ظاهر؛ لأنه إذا اجتمع ذلك لو ناب كل واحد منهما دار كاملة أو جزء كبير يحصل به الانتفاع التام بخلاف ما إذا قسمت كل دار مفردة، ولا يجوز [594/ أ] الجمع عند ابن القاسم إلا بشرطين: التساوي في النفاق، والتقارب.

قال في المدونة: كالميل ونحوه، قال فيها: وإن تباعد ما بين كل قريتين أو حائط أو قريح كاليوم ونحوه لم يجمع في القسم وإن اتفق في الكرم والنفاق، واشترط أشهب شرطاً واحداً وهو التقارب، وقال سحنون: يقول ابن القاسم في الدور ويقول أشهب في الأرضين، هكذا ذكر اللخمي وأبو الحسن هذه الأقوال، وما نسباه للمدونة هو الذي يؤخذ منها، ورأى صاحب البيان أن مذهب المدونة، جواز قسمتها إذا اتفقت في القرب وإن اختلفت في النفاق، قال: ويقوم من المدونة قول آخر، وأشار إلى ما ذكرناه، واعلم أن الشيوخ قد اختلفوا في النقل عن أشهب، ورأيت اختصار ذلك؛ لأن المصنف لم يتعرض لذلك.

فرعان:

أولهما: اختلف في قسمة العلو والسفل بالقرعة.

الثاني: يجوز في القرعة أن يكون بينهما الشيء اليسير، كما لو كانت قيمة أحدهما مائة والآخر تسعين، وتقارعا على أن من صارت إليه المائة يعطي صاحبه خمسة؛ لأن هذا مما لابد منه ولا يتفق غالباً تساوي القيمة، قاله اللخمي، قال: وتجمع الحوانيت بعضها إلى بعض إذا كانت في سوق واحد أو سوقين بشرط تقارب الأغراض ولا تجمع الديار إلى الحوانيت ولا إلى الفنادق ولا إلى الحمامات، وأما جمع الفندق إلى الحمام، فيسأل عنه أهل المعرفة، فإن رأوا اتفاقهما لم تجمع وإلا جمعت وتجمع الحوانيت بعضها إلى بعض إذا كانت

ص: 11

في سوق واحد أو سوقين بشرط تقارب الأغراض، ولا تجمع الديار إلى الحوانيت ولا إلى الفنادق، وقد يستحق جمع الحوانيت كدور الغلة، انتهى بمعناه.

إِلا أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةُ مَعْرُوفَةً بِسُكْنَاهُمْ فَتُفْرَدُ إِنْ تَشَاحُّوا فِيهَا

هذا استثناء من قوله: (وَتُجْمَعُ الدُّورُ) أي: تجمع إلا أن يهلك الرجل الشريف وله ولد ويترك دار سكناه وغيرها فتشاح الورثة في تلك الدار، فإنها تقسم بينهم إن حملت القسم ثم يقسم غيرها على ما تقدم.

وهكذا قال ابن حبيب في واضحته ونحوه في المدونة، لكن حمل ابن أبي زمنين المدونة على ما إذا لم يكن للميت غير دار سكناه، قال: ولو كان معها غيرها لجمعت للقسم. ولا كلام للمنازع خلاف ما قاله ابن حبيب، وإلى هذا التفسير ذهب أبو عمران.

ابن عبد السلام: والأكثر ممن لقيناه على ما في الواضحة وهذه المسألة وقع اضطراب في لفظها في المدونة.

وَكَذَلِكَ الْقُرَى والْحَوَائِطُ والأَقْرِحَةُ يُجْمَعُ مَا تَقَارَبَ مَكَانُهُ- كَالْمِيلِ وَنَحْوِهِ- وَتَسَاوَى فِي كَرْمِهِ وعُيُونِهِ، بِخِلافِ الْيَوْمِ ..

أي: وكذلك تجمع القرى والحوائط، وما ذكره في حد القرب والبعد ونحوه في المدونة وقد تقدم.

ابن رشد: قيل: القرب الميلان ونحوهما، وقال أبو عمر الإشبيلي وابن عتاب: العشرون ميلاً قريب.

ولابن حبيب في الواضحة: الثلاثون ميلاً قريب.

عياض: والأقرحة: الفدادين واحدها بالفتح مثل زمان وأزمنة، وفي المدونة: واحدها قريح، ولا يبعد صوابه إن سمع كقفيز وأقفزة، وبعير وأبعرة، وقال الخليل: القراح من

ص: 12

الأرض كل قطعة على حيالها من منابت الشجر ونحو ذلك، وقال ابن دريد: القراح من الأرض ما خلص طينه، وقال الجوهري: هي المزرعة التي ليس فيها بناء ولا شجر.

ابن عبد السلام: وهو الأقرب لاستعمال الفقهاء.

قال ابن الأنباري عن أبي حاتم في لحن العامة: فدان بالتخفيف، والجمع أفدنة، ولا يقال: بالتثقيل، وحكاه غيره مشدداً.

وقوله: (فِي كَرْمِهِ وعُيُونِهِ) يحتمل عيوبه بالباء من العيب، ويكون مقابلاً للكرم، ويحتمل بالنون، وهو الذي يؤخذ من المدونة؛ لأن فيها: وإن ورث قوم أراضي وعيوناً كثيرة فأراد بعضهم قسم كل عين وأرض، وأراد غيره اجتماع حصته من ذلك فإن استوت الأراضي في الكرم- أي: في الجودة- وتقاربت أماكنها واستوت العيون في سقيها جمعت، وإن اختلفت الأرض في الكرم والعيون في الضرر قسمت كل أرض وعينها على حدة.

والواو في قوله: "والعيون" بمعنى أو، وقاله أبو الحسن، اللخمي: وعلى هذا لا يجمع البعل مع ذات العين ولا ذات البئر، ولا ذات عين مع ذات بئر، قال: ولا تخلو الأوطان من ستة أوجه، إما أن تكونا بعلاً لا سقي لهما، أو سقيهما معاً بالعيون، أو سقيهما بالقرب، أو أحدهما بالبعل، والأخرى بالعين أو بالبئر وبالقرب، فعلى قول ابن القاسم: لا يجمعان إلا أن يتساويا، وقال أشهب: لا يجمع البعل مع العيون، ولا يقسم البعل مع النضح إلا برضا أهله، ولا وجه لهذا البعل والنضح أقرب من البعل مع العين، انتهى.

وقال الباجي: جوز في الموطأ أن يقسم البعل مع ما يسقى من العيون سيحاً من غير نضح، وهو مشهور المذهب، ووجهه أنهما يزكيان بالعشر بخلاف النضح الذي يزكي بنصف العشر، وروى نحوه ابن وهب عن مالك في المجموعة، وفي الواضحة: لا يجمع

ص: 13

البعل مع السقي ومثله في سماع أشهب، ابن زرقون: ولا خلاف أنه لا يجمع النضح مع البعل ولا مع السيل إلا على رواية النخلة والزيتونة.

وَلَوْ كَانَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ رُمَّانٍ وتُفَّاحٍ وغَيْرِهِ عَلَى حِدَةٍ قُسِمَ إِنِ انْقَسَمَ، بِخِلافِ حَائِطٍ فِيهِ أَشْجَارُ مُخْتَلِفَةُ أَوْ نَخْلُ مُخْتَلِفَةُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ مُجْتَمِعاً وَكَذَلِكَ أَرْضُ فِيهَا شَجَرُ مُتَفَرِّقَةُ ..

(عَلَى حِدَةٍ) أي في حائط واحد لقوله: (بِخِلافِ حَائِطٍ

إلى آخره) وحاصله أن الحائط [594/ ب] الواحد يقسم بالقيمة ولا يفرق سواء كانت فيه أشجار أم لا، قال في المدونة: كالتفاح والرمان والأترنج وغيره أو أنواع من الجنس الواحد، وإليه أشار بقوله:(أَوْ نَخْلُ مُخْتَلِفَةُ) قال في المدونة: كالبرني والصيحاني والجعرور وأصناف التمر.

قال سحنون: وما في المدونة من جمع الحائط المختلفة في القسم استحسان للرفق لاجتماع السهم، وإذا كرهه هكذا حكى الباجي عنه، وحكى ابن يونس عنه فقال: لا يقسم الجنان المختلفة الثمار إلا بالتراضي، وظاهر المدونة أنه يقسم الرديء مع الجيد، ألا ترى أنه قال: يجمع الصيحاني والبرني مع الجعرور، وظاهر ما في المجموعة أنه يقسم كل نوع على حدة، كذلك ظاهر ما حكاه ابن يونس عن سحنون من أنه لا يجوز إلا بالتراضي.

قوله: (وَكَذَلِكَ أَرْضُ فِيهَا شَجَرُ مُتَفَرِّقَةُ) نحوه في المدونة في القوم الذين ورثوا أرضاً بها أشجار، هنا شجرة وهنا شجرة، وأرادوا قسمتها، قال فيها: فليقتسموا الأرض والشجر جميعاً؛ إذ لو قسموا الأرض على حدة لصار لكل واحد شجر في ارض صاحبه.

وَلا يُقْسَمُ مَجْرَى الْمَاءِ جَبْراً

هكذا في المدونة في القوم الذين ورثوا قرية ولها عين، إنهم يقتسمون القرية ولا يقتسمون مجرى الماء، ويكون لهم في الماء على قدر مواريثهم بالقلد، وقال: جبراً؛ لأنهم إن تراضوا جاز قسمه.

ص: 14

وَالْبَزُّ كُلُّهُ صِنْفُ، وَتُضَمُّ إِلَيْهِ ثِيَابُ الصُّوفِ وَالأَفْرِيَةِ إِذَا لَمْ تَحْمِلِ الْقِسْمَةَ، وَقِيلَ: أَصْنَافُ، فَالْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ صِنْفُ، وَالحَرِيرُ والْخَزُّ صِنْفُ، والصُّوفُ والْمِرْعِزَّي صِنْفُ، وَيُقْسَمُ الْمَخِيطُ مَعَ غَيْرِهِ ..

(الْبَزُّ) بفتح الباء، وأطلقه في الكتاب على ما يلبس سواء كان صوفاً أو خزاً وكتاناً أو قطناً أو حريراً، مخيطاً أو غير مخيط.

خليل: وعلى هذا أجرى المصنف، ألا ترى إلى التفصيل في القول الثاني.

الجوهري: والبز من الثياب متاع البزاز.

عياض: وقال صاحب العين: البز ضرب من الثياب، وقال ابن دريد: البز متاع البيت خاصة، والقول الأول من كلام المصنف مذهب المدونة، لكنه أطلق في موضع جمع هذه الأشياء، وقال في موضع آخر: هذا ما لم يحمل كل صنف منها القسمة، وجعل ذلك اللخمي وغيره على الخلاف، والقول بأنه أصناف لابن حبيب ومطرف وابن الماجشون.

ابن حبيب: والديباج صنف لا يضم مع الحرير، قال: وثياب القطن والكتان صنف يقسم بالسهم إذا اعتدلت بالقيمة، وإن كان بعضها قميصاً وبعضها أردية، وبعضها عمائم، وبعضها جباباً، ولأشهب في المجموعة كلما جاز أن يسلم واحد في اثنين إلى أجل فلا يجمع في القسم، وما لا يجوز فيه فهو صنف يجمع في القسم.

سحنون: وهو الصحيح.

(وَيُقْسَمُ الْمَخِيطُ مَعَ غَيْرِهِ) ابن عبد السلام: هو ظاهر الروايات ونص في بعضها. وقال ابنحبيب: لا يضم فراء معلومة إلى فراء غير معلومة، وقيل: لا يجوز جمع الثياب ولا غيرها من العروض والعبيد في القسمة بالقرعة إلا الدور والأرضين.

ص: 15

وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ أَصْنَافُ

فلا تجمع في القسم، وقد تقدم في السلم أن البغال والحمير صنف لا يسلم أحدهما في الآخر، وقد تقدم الجواب عن المعارضة بأنه احتياط في الوجهين، وجعل في المقدمات في قسمة البغال والحمير ثلاثة أقوال:

الأول: أنهم لا يجمعان في القسمة أصلاً، والثاني: مقابله، والثالث: يجمعان إن لم يحتمل كل صنف القسمة على حدة.

وَلا يُقْسَمُ التَّمْرُ مَعَ أُصُولِهِ، وَلَوْ كَانَ بَلَحاً أَوْ طَلْعاً وَيُتْرَكُ حَتَّى يَحِلَّ بَيْعُهُ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ مَعَ الأَرْضِ؛ لأَنَّهُ طَعَامُ وَأَرْضُ بِطَعَامٍ وَأَرْضٍ

تصور المسألة وتعليلها ظاهر من كلامه، وكلامه في المدونة قريب من كلام المصنف؛ لأنه قال: وإذا ورث قوم شجراً أو نخلاً وفيها ثمر، فلا يقسموا الثمار مع الأصل، وإن كانت الثمار بلحاً أو طلعاً، ولا يقسم الزرع مع الأرض، ولكن تقسم الأرض والأصول وتترك الثمرة والزرع حتى يحل بيعهما فيقسمون ذلك حينئذ كيلاً أو يبعونه ويقتسمون ثمنه.

ابن يونس: وأسقط سحنون الطلع، وقال: إذا كان فيها طلع لم يجز قسمتها بحال؛ لأنهما وإن لم يستثنيا شيئاً فهو طعام مؤخر.

اللخمي: وإن كان في النخل تمر لم يؤبر لم يجز القسم بحال؛ لأن المقاسمة تقتضي دخول الطعام في القسم، وذلك آيل إلى طعام بطعام، كما قال مالك في من باع حائطاً وفيه ثمر لم يؤبر بقمح نقداً أو إلى أجل: لا خير فيه؛ فراعى ما يؤول إليه.

اللخمي: وإن كانت الثمرة مأبورة أو بلحاً صغيراً أو كبيراً أو زهواً كانت المقاسمة جائزة إذا لم تدخل الثمار في القسم، وإن دخلت في المقاسمة لم يجز. وقيل يجوز إدخالها في المقاسمة بشرط أن لا يبلغ إلى حد يحرم فيه التفاضل.

ص: 16

وَلا يُقْسَمُ شَيْءُ مِمَّا فِي أُصُولِ الشَّجَرِ بِالْخَرْصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَكَذَلِكَ الْبَقْلُ الْقَائِمُ إِلَاّ التَّمْرَ وَالْعِنَبَ إِذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا وَاخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِمَا، فَإِنَّ أَمْرَ النَّاسِ مَضَى عَلَى الْخَرْصِ فِيهَا خَاصَّةً ..

المنصوص مذهب المدونة: لا يخرص إلا التمر والعنب، إذا اختلفت حاجة أهلهما بأن طلب أحدهم البيع والآخر الأكل ونحو ذلك، وقد تقدم في الزكاة سبب اختصاص الخرص بهما، وأشار بمقابل المنصوص إلى ما رواه أشهب عن مالك في العتبية والمجموعة أنه قال: لا بأس بقسم جميع الثمار إذا اختلفت حاجة أهلها، ونقل ابن حبيب عن مالك- وغيره من الأصحاب إلا ابن القاسم- أنه يقسم مدخر الثمار كلها، والمشهور قصره على التمر والزبيب، وأشهب عداه لكل ما له أصل، وابن حبيب: كل مدخر، وقد قدمنا غير مرة أن المصنف لم يطرد له في مقابل المنصوص قاعدة.

وقوله: (وَكَذَلِكَ) أي: لا يقسم على المشهور. وقال أشهب: يقسم إذا بدا صلاحه وجاز بيعه. قال: وليس هذا مثل الزرع؛ لأن الزرع يدخله التفاضل ولا يحاج به كما يحاط بالثمار بخلاف البقل.

وأبقى سحنون المشهور على إطلاقه في منع القسم، وأنكر ذلك ابن عبدوس وتأوله على ما إذا كانت القسمة على التأخير، وأما على الجذاذ فيجوز.

وقوله: (إِذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا

إلى آخره) يعني أنه إنما يجوز الخرص فيما يخرص بشرطين:

أولهما: أن يحل بيعه، وكذلك ذكر هذا الشرط في [595/ أ] المدونة وغيرها. وانظره مع إجازته فيها قسم البلح.

ولهذا قال بعضهم: إنه تناقض. قيل: ولعلهم إنما اشترطوا الطيب هنا؛ لأنه يجوز تأخيره بعد القسم إلى أن يصير تمراً ولا يبطل القسم بخلاف البلح.

ص: 17

وثانيهما: أن تختلف حاجة أهله كما لو أراد أحدهما البيع والآخر اليبس؛ إذ لو اتفقت الأغراض لما كان القسم في رؤوس الشجر.

فائدة:

فضل وأبو عمران وابن يونس واللخمي وغيرهم: ويجوز أيضاً القسم إذا قصد كل الجذاذ، ولكن كان عيال أحدهما أكثر، ويتنزل ذلك منزلة اختلاف الأغراض المتباينة.

وزاد الباجي شرطاً ثالثاً: أن يكون المقسوم يسيراً؛ لأن مالكاً كرهه في الكثير جداً، ورأى أنه لا تختلف الحاجة إليه إلا في اليسير، فعلى هذا يرجع هنا الشرط إلى الثاني.

ورابعاً: إن تساى طيبه بأن يكون المقسوم كله بسراً أو رطباً، فلو كان منه بسر ومنه رطب قسم كل نوع على حدة، ونص أشهب عليه.

وخامساً: أن تكون المقاسمة بالتحري في الكيل.

وسادساً: أن يقسم بالقرعة. وزاد غيره: وأن تكون في الرطب أو البسر لا التمر يقتسمانه كيلاً. ولا يضر اختلاف النوع، فيجوز قسمه وفيه العجوة والصيحاني وغير ذلك.

كذلك أنواع الزبيب إلا أن يأبى أحدهم فيقسم كل واحد مفرداً.

وَيَسْقِي صَاحِبُ الأَصْلِ وَإِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ لِغَيْرِهِ كَبَائِعِ الثَّمَرَةِ

يعني: إذا اقتسما الثمرة للحاجة ثم اقتسما الأصول فوق نصيب هذا من الثمرة في أصل هذا، فإن صاحب الأصل يسقي أصله وإن كانت الثمرة لغيره وهذا مذهب المدونة؛ لأن القسمة كالبيع، ومن باع تمراً فسقيها على صاحب النخل.

وقال سحنون: السقي هنا على صاحب الثمرة؛ لأن القسمة تمييز حق ولو كان كالبيع لما كان عليه أن يسقي من الثمرة إلا نصف ما في نخله ونصف ما في نخل صاحبه

ص: 18

على صاحبه أن يسقي النصف من النصفين جميعاً، ويبين لك الفرق أن البيع فيه الجائحة، ولا جائحة في القسمة.

فرع:

إذا باع أصل حائطه دون الثمرة فالسقي على البائع؛ لأن المبتاع لا تسلم إليه حتى يجذ البائع ثمره، قاله مالك وسحنون. وقال المغيرة: السقي على المشتري؛ لأنه يسقي نخله فتشرب ثمرة هذا.

وَيُقْسَمُ أَيْضاً الْبَلَحُ الْكَبِيرُ وَإِنْ كَانَ رِبَوِيّاً عِنْدَ اخْتِلافِ حَاجَتِهِمْ فِي أَكْلِهِ بَلَحاً أَوْ بَيْعِهِ بَلَحاً، فَإِنْ تُرِكَ شَيْءُ مِنْهُ حَتَّى يُزْهِيَ بَطَلَتِ الْقِسْمَةُ بِخِلافِ الرُّطَبِ يُتْرَكُ حَتَّى يُثْمِرَ ..

ذكر هذا لأنه كالاستثناء من قوله: (إِذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا) وما ذكره المصنف وهو كقوله في المدونة: والبلح الكبير إذا اختلفت حاجتهم فيه؛ كأن يأكل هذا بلحاً ويبيع الأرض بلحاً جازت قسمته بالخرص، وهذا كالبسر في تحريم التفاضل فيه، ومن عرف ما صار له منه فهو قبض وإن لم يجذه، وإن جذه بعد يومين أو ثلاثة أو أكثر جاز ما لم يتركه حتى يزهي، فإن ترك أحدهما حصته أو تركاه جميعاً حتى أزهى بطل القسم؛ إذ لا يجوز بيع ذلك حتى يزهي، ولم ير سحنون هذا اختلاف حاجة إذا كان أمرهم يرجع إلى الجذ؛ لأن الذي يأكل يجذ والذي يبيع على الجذ يتركه لأن تركه يبطل القسمة.

اللخمي: والأول أصوب؛ لأن المشتري يجذ نصيبه مرة أو مرتين ليدرك بها الأسواق، والآخر يجذر شيئاً فشيئاً.

ويجوز أيضاً قسمته وإن لم يبع واحد منهما إذا اختلفت حاجتهما لفضل عيال أحدهما على الآخر، نص عليه غير واحد كما تقدم.

ص: 19

وقوله في المدونة: فإن ترك شيئاً منه حتى أزهى قاس ذلك على البيع. عياض: وما ذكره من جواز ترك الرطب حتى يثمر موافق لما في التجارة من كتاب البيوع الفاسدة، خلافاً لما في كتاب الجائحة أي في مسألة القول الأخص، قال بعض القرويين: ولو أكل أحدهما نصيبه من هذا البلح وترك الآخر نصيبه حتى صار بلحاً كبيراً لم ينتقض القسم؛ لأن بيع صغير بكبيرة متفاضلاً جائز سواء كان اقتسامهما على التفاضل أم لا؟.

ابن يونس: ونقل أبو محمد مسألة: "إذا أكل أحدهما جميع حظه وبقي الآخر حتى صار بلحاً كبيراً من المجموعة عن ابن القاسم، وقال فيها: إذا كانا اقتسماه على غير تفاضل أو كان إذا كبر لا يتفاضل فجائز.

ابن يونس: وهذا النقل فيه نظر فانظر الأصل.

ابن عبد السلام: الذي عندنا في نسخة من النوادر على ظاهرها ما يدل على أنها قرئت على الشيخ أبي محمد؛ إذ العطف بالواو لا بـ (أو) في قوله: "على غير تفاضل" أو كان، وهو معنى ما في المدونة فتأمله.

فرع:

قال في المدونة: ولا بأس بقسم البلح الصغير بالتحري على أن يجذاه إذا اجتهدا حتى يخرجا من وجه الخطأ، وإن لم تختلف حاجتهم إليه، وإن اقتسماه وفضل أحدهما صاحبه بأمر يعرف فضله جاز ذلك كما يجوز في البلح الصغير، وتركنا ما يتعلق بهذه المسألة وغيرها لعدم تعرض المصنف لذلك.

الْمَقْسُومُ لَهُمْ: الشُّرَكَاءُ، وَيُجْبَرُ مَنْ أَبَى الْقِسْمَةَ

أما أن المقسوم لهم الشركاء فمعلوم بالضرورة، ويجبر على القسمة من أباها من الشركاء إذا لم يكن في القسم ضرر، فإن كان فيه ضرر، فقد بين ذلك بقوله:

ص: 20

وَفِي الْجَبْرِ فِي مَا فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرُ كَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى رِوَايَتَانِ

يعني: كالبئر والمسرح والجدار، واحتج مالك للقسم بعموم قوله تعالى:{مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} [النساء: 7] وبالرواية الأخرى قال ابن القاسم وجمهور الأصحاب المدنيين والمصريين.

اللخمي: ولو قيل: يمنع قسم الحمام، ولو رضيا كما يمنع قسم اللؤلؤة والياقوتة لكان وجهاً.

وَفِي الْحِصَّةِ الْيَسِيرَةِ [595/ ب] لا تَصْلُحُ للسُّكْنَى ثَالِثُهَا: يُجْبَرُ لِصَاحِبهَا خَاصَّةً

يعني: إذا كان المشترك من دار ونحوها يقبل القسمة إلا أن لبعض الشركا حصة يسيرة لا ينتفع بها بعد القسم فثلاثة أقوال:

الأول: لمالك وابن كنانة أنه يقسم.

الثاني: لمالك واختار ابن القاسم أنه لا يقسم، قال في الجواهر: والأول أشهر عن مالك.

الثالث: لعيسى بن دينار ومطرف، فإن طلب ذلك صاحب الحصة اليسيرة قضى له وإلا فلا.

وفي المقدمات رابع بعكس هذا، قال صاحبها: والذي جرى به العمل عندنا أن الدار لا تقسم حتى يصير لكل واحد من المساحة والبيوت مما ينتفع به ويشتري به عن صاحبه، وقيد الخلاف بوجهين:

أولهما: أن تكون الدار للقنية أو من ميراث، وإن كانت للتجارة لم تقسم بالاتفاق؛ لأن فيها نقصاً للثمن، وهو خلاف ما دخلا عليه.

ثانيهما: إنما هو في قسمة القرعة، وأما قسمة المراضاة والمهايأة فلا يجبر عليها من أباها؛ لأنهما راجعان إلى البيع والإجارة والإنسان لا يجبر عليهما.

ص: 21

فرع:

وإذا اقتسم الشريكان الدار ولم يشترطا أن يقيما بينهما حاجزاً فلا يحكم بذلك عليهما، ويقال لمن دعا إلى ذلك: استر على نفسك إن شئت. وإن اشترط ذلك أخذ من نصيب كل واحد نصف بناء الجدار، وإن كان أحدهما أقل نصيباً من الآخر، قاله في المقدمات.

وَيُجْبَرُ مَنْ أَبَى الْبَيْعَ فَي مَا لا يَنْقَسِمُ لِمَنْ طَلَبَهُ إِذَا كَانَتْ حِصَّتُهُ تَنْقُصُ مُفْرَدَةً لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَالشُّفْعَةِ.

يعني: أن كل ما لا يحكم فيه بالقسمة من ربع أو حيوان أو عرض إذا طلب أحدهم البيع وأبى غيره أجبر الآبي على البيع إذا كانت حصة من طلب البيع تنقص بالبيع وإنما جبر لدفع الضرر.

وقوله: (كَالشُّفْعَةِ) أي كما أوجبنا الشفعة لدفع الضرر، فكذلك أوجبنا على الآبي البيع إذاً لدفع الضرر، وهكذا قال ابن شاس ونحوه لابن رشد؛ لأنه قال: إذا كان الربع للغلة لم يجبر من أبى البيع عليه؛ لأن رباع الغلة لا ينتقص ثمن بعضها إذا بيع مفرداً عن بيعه مع الجملة، ثم ربها زادت رغبته في شراء البعض على الكل بخلاف دور السكنى.

وقوله: "بخلاف دور السكنى" هو كقول المصنف، وما ذكره في دور الغلة يؤخذ من كلام المصنف؛ لأنها لا تنقص، وأشار عياض إلى أن هذا إنما هو فيما اشتري جملة أو ورث أو للقنية، وأما المشترى للتجارة فكما قال اللخمي: إنه لا يجبر في ذلك على القسمة ولا على البيع؛ لأنه اشترى مشاعاً، فكذلك يبيع، والأكثر على ما قال المصنف من مراعاة نقص الثمن.

وذهب ابن لبابة وابن عتاب إلى أن المعتبر إنما هو قصد الاستبداد وغيره من المقاصد دون بعض الثمن.

ص: 22

والمذهب في هذا البيع إذا وقت على ثمن بعد أن نودي على جميعه أنه لمن أراد من الشريكين أخذه بذلك الثمن سواء كان الطالب للبيع أو لا، وبه القضاء.

وقال أحمد بن نصر الداودي: ليس التمسك إلا لغير طالب البيع، وحيث حكمنا لمريد البيع بالتمكين منه فهل تخلى الدار والحانوت وغيرهما لذلك أو يكتفي بإلزام الساكن أنه لا يمنع من أراد التقليد من الدخول؟ قولان.

ابن عبد السلام: وأخبرني بعض قضاة بلدنا أنه لا يحكم بالإخلاء في الحوانيت وشبهها ويحكم في الدور ونحوها.

فَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ فِي وَجْهِ نَصِيبِهِ وَلَمْ يَفُتِ الْبَاقِي فَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ، فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ وبَقِيَ الْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِهِ رَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَكَانَ السَّالِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِي يَدِهِ ثَمَناً، وبَقِيَ الْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ سُبُعُ مَا بِيَدِهِ أَخَذَ قِيمَةَ نِصْفِ سُبُعِ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ

الطوارئ على القسمة خمسة: العيب، والاستحقاق، والدين، وظهور وارث، وظهور موصى له، وتكلم عليها أولاً فأولاً، ووجه النصيب أكثره عند ابن القاسم، والنصف عنده كالقليل، وقال أشهب: كالكثير.

وقوله: (وَلَمْ يَفُتِ الْبَاقِي فَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ) أي من المعيب وغيره، وتنقض القسمة، ويحتمل أن يريد بالباقي جميع نصيبه ونصيب شريكه، ويكون راجعاً إلى جميع المقسوم، ويدل عليه قوله: (فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ

إلى آخره) ومعناه أنه إذا فات مابيد صاحبه رد من لم يظهر في نصيبه عيب قيةم نصيبه السالم وبقي المعيب بينهما، وكذلك إن فات النصيبان معاً فيرجع على من أخذ السالم بنصف ما زادته قيمة السالم على قيمة المعيب.

ص: 23

وقوله: (يَوْمَ قَبْضِهِ) نحوه في المدونة، وهو ظاهر إن كان القبض يوم القسمة، وإلا فقد يقال: البيع هنا صحيح فتلزم القسمة، وقد يقال: لما انتقضت القسمة انتقض البيع، وهذا ظاهر الرواية، إلا أنه لا يكون الضمان إلا يوم القبض. وذكر المصنف من المفوتات البيع والهدم والبناء وأنه يرد نصف القيمة ونحوه في المدونة، وأمر بطرح البيع قال: وقد قال قبل هذا: إذا أصاب عيباً وفات ما أخذ صاحبه ببيع أنهم لا يردون الثمن، وكذلك نقل عنه هنا، وهل يحصل الفوت بحوالة الأسواق؟ وهو مذهب ابن حبيب؛ لكنه استثنى الدور والأرضين.

الشيخ أبو محمد: وفوت المعيب بحوالة الأسواق ليس بقول مالك.

وقوله: (فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِهِ) أي: ما بيد صاحب المعيب رد على صاحبه وهو الذي بيده السالم نصف قيمته أي المعيب، وكان السالم بينهما.

وقوله: (فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ) هذا قسيم قوله في صدر المسألة (فَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ فِي وَجْهِ نَصِيبِهِ) ودخل في قوله: (فِي غَيْرِ وَجْهِهِ) الأقل والنصف على قول ابن القاسم، يعني: وإن لم يكن المعيب ظهر في الجل فإنه يرد المعيب. قال في المدونة: ولم يرجع في ما بيد شريكه وإن لم يفت إذ لم ينتقض القسم، ولكن ينظر فإن كان المعيب قدر سبع ما بيده رجع على صاحبه [596/ أ] بقيمة نصف سبع ما أخذ، وهذا هو الذي قصده المصنف.

وقوله: (رَجَعَ بِنِصْفِ الْمَعِيبِ) فيه حذف مضافين؛ أي: بمثل نصف قيمة المعيب من الصحيح، وهذا هو المشهور. وقال أشهب في مسألة الأقل: يرجع صاحب العيب شريكاً مع الأخذ السالم بالقدر الذي وجب له الرجوع به، وقال محمد: إذا استحق ما بيده شيء انتقض القسم ولم يفرق بين قليل وكثير.

ص: 24

ابن عبد السلام: وقول محمد: وإن كان موضعه ما يأتي لكن له تعلق بهذا الموضع وفي هذا الفصل ذكره اللخمي.

وَإِنْ اسْتُحِقَّ بَعْضُ مُعَيَّنٍ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَالْعَيْبِ، وقَالَ مَالِكُ: إِلا أَنْ يَكُونَ كَثِيراً ولَمْ يَفُتِ الْبَاقِي فَلَهُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكاً لِصَاحِبِهِ، بِقَدْرِ نِصْفِ ذَلِكَ مِمَّا فِي يَدِهِ ..

هذا هو الطارئ الثاني، واحترز بالمعين من الشائع، فإنه لا كلام لأحدهما على الآخر لتساويهما.

(فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَالْعَيْبِ) أي: فإن استحق وجه نصيبه انتقض القسم، وإذا لم ينتقض رجع على شريكه بنصف قيمة ما استحق من يده كما تقدم، وقال مالك كقول ابن القاسم: إلا أن يكون المستحق كثيراً ولم يفت الباقي فلا ينتقض القسم جبراً، ولكن يكون الخيار في ذلك للمستحق من يده في تمسكه بما بقي بيده ويرجع بمثل نصف المعيب من السالم كاليسير.

وقال محمد: إذا استحق مما في يد أحدهما شيء انتقض القسم ولم يفرق بين قليل ولا غيره، وظاهر ما حكاه اللخمي عن أشهب أنه لا ينتقض القسم باستحقاق معين قليلاً كان أو كثيراً، وبذلك صرح غيره عن أشهب، فيتحصل في المسألة أربعة أقوال.

وقد نسب فضل لابن القاسم مثل قول أشهب، هذا لأنه اختلف قول ابن القاسم في المدونة، فقال مرة: إن كان المستحق كثيراً انتقضت القسمة كلها. وقال مرة: يرجع بنصف قيمته ذلك فيشاركه به صاحبه. قال أيضاً: واختلف قوله في اليسير، فقال مرة وهو الأكثر من قوله له: إنه يرجع بقيمة ما يقابله من الذي في يد صاحبه. وقال مرة: يرجع بقدره شريكاً. وقال غيره: والمشهور من قول ابن القاسم أن المستحق إذا كان كثيراً انتقضت القسمة، وإن كان يسيراً رجع بقيمته.

ص: 25

واعلم أنه وقع في المدونة في مسائل العيب والاستحقاق ألفاظ مشكلة وأجوبة مختلفة اضطربت لذلك آراء الشيوخ في فهمها، والذي حققه بعضهم أن المعلوم من مذهب ابن القاسم أن الثلث كثير يرد به في القيم، وأن القسمة تشاركه في عدم الرد باليسير؛ كالربع فما دونه، وأن المستحق إن كان النصف والثلث فيكون بحصة ذلك شريكاً فيما بيد صاحبه ولا ينتقض القسم، وإن كان فوق النصف انتقض القسم.

ابن يونس: وهذا التحصيل حسن، ليس في الباب ما يخالفه إلا في مسألة الدار يأخذ أحدهما ربعها والآخر ثلاثة أرباعها، فيستحق نصف نصيب أحدهما. قال: يرجع بربع قيمة ذلك مما بيد صاحبه، ولو قال: ربع ما بيد صاحبه لاستوت المسائل وحسن التأويل، ولم يكن في الكتاب تناقض، وقد رويت هذه المسألة على الوجه الذي تستوي به هذه المسائل.

وَلَوْ طرأ دَيْنُ وامْتَنَعُوا أَوْ أَحَدُهُمْ مِنْ وَفَائِهِ فُسِخَتْ

هذا هو الطارئ الثالث و (فُسِخَتْ) القسمة إذا امتنعوا من الوفاء؛ لأن الدين مقدم على الميراث، وإذا رضوا بالوفاء لم يفسخ؛ لأن صاحب الدين إنما له الحق في دينه لا في فسخ القسمة، وهذا متفق عليه إن جهلت الورثة الدين.

واختلف إن علموا، فلمالك في الموازية: القسمة منتقضة سواء رضوا بقضاء الدين أم لا، واحتج بقوله سبحانه وتعالى:(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء: 11] ورأى أن القسمة تعلق بها حق الله تعالى، وقيل: القسمة جائزة إن رضي الجميع بقضاء الدين، وإن اختلفوا فأراد بعضهم نقضها وأبى ذلك بعضهم نقضت وهو ظاهر المذهب، وقد يفهم كلام المصنف على ما في الموازية لقوله: طرأ فإن مفهومه الفسخ إذا علموا.

وَمَا تَلِفَ بِسَمَاوِيَّ فَهَدَرُ

أي: وما تلف بيد الورثة بسماوي فلا شيء عليهم؛ لأن غاية صاحب الدين أن يكون كالمستحق ولا شيء على المستحق منه فيما تلف بسماوي.

ص: 26

ويَمْضِي بَيْعُهُمْ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ، ويُوَفَّى دَيْنُهُ مِمَّا وَجَدَ وَيَتَرَاجَعُونَ

يعني: ولا مقام لرب الدين في نقض البيع.

فإن قيل: هلا جعلتم له نقض البيع كالاستحقاق؟

قيل: ليس هو مستحق حقيقة؛ لأن المستحق يتعلق حقه بعين الشيء المستحق، وحق الغريم إنما يتعلق بالتركة من حيث هي ألا ترى أنه لو تطوع أحد بالدين لما كان لصاحبه مقال.

وقوله: (بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ) ابن راشد: لأن المحاباة هبة، واختلف هل يلزمهم وفاء الدين إذا أحدثوا هبة أو صدقة أو عتقاً؛ فقال ابن القاسم: يضمنون الدين بالبيع والهبة والعتق ولا يرجعون على الموهوب له بشيء، وقال أشهب وسحنون: لا يضمنون ويرجع صاحب الدين على الموهوب له بشيء.

قال في المقدمات: وفي المدونة ما يدل على القولين ولا خلاف أن الورثة يضمنون ما أكلوه واستهلكوه عمداً ويلزمهم أن يؤدوا ذلك، واختلف في استهلاكهم خطأ.

قوله: (ويُوَفَّى دَيْنُهُ) أي: إذا قلنا: هلك بإمضاء البيع فباع أحدهم فإن الغريم يأخذ جميع حصته من الموجود ثم يتراجعون فيرجع من أدى على من لم يؤد.

فرع:

فإن ادعى أحد الورثة تلف ما أخذه من العين والطعام والإدام ولم يقم بينة لم يصدق، واختلف إذا قامت لهم بينة على الضياع، فقال ابن القاسم: لا شيء عليهم، وقال أشهب: يضمنون، وهو أصهل في العواري، وحكى في البيان قولاً ثالثاً ببراءته في العين دون الطعام والإدام، وقال: ولا خلاف في العروض التي يغاب عليها أنه ضامن إلا أن تقوم البينة على تلفها، ولا في الحيوان الذي لا يغاب عليه أن يصدق في تلفه.

ص: 27

وَقَالَ سُحْنُونُ: لا يُفْسَخُ، ويُبَاعُ مِمَا بَقِيَ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ [596/ ب] عِوَضِهِ بِنِسْبَةِ مَا يَنُوبُهُ إِلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ لِلدَّيْن، أَوْ يَفْدِيهِ بما يَنُوبُهُ، وَمَنْ تَعَذَّرَ أُخِذَ مِنْ غَيْرِهِ إِلَى مُنْتَهَى مَا بِيَدِهِ ويَتَرَاجَعُونَ

هذا القول راجع إلى قوله أولاً: (فُسِخَتْ) يعني: وخالف سحنون في فسخ القسمة ورأى أن رب الدين لا قول له في نقض القسمة، وإنما حقه في أخذ دينه.

سحنون: ويكون على جميع الورثة لا على قدر مواريثهم فيضربهم؛ إذ قد يكون أحدهم غبن في القسم أو تغير سوق ما بيده فيؤدي أكثر مما ينوبه، ولكن يقوم ما بيد كل واحد يوم البيع ويقسم عليه الدين، فما وقع على كل واحد بيع مما بيده بقدره ولكل واحد أن يفك ما يباع بأداء ما ينوبه.

وإذا كان في البيع من نصيب كل واحد ضرر على طالب الدين لطوله أو كان بيع ما بأيديهم أحط ثمناً فليبع ما هو أنجز له مما بيد أحدهم ثم يتراجعون بما كان ينوبهم من الدين يوم قضاه.

وقول المصنف: (أَوْ مِنْ عِوَضِهِ) يعني: لو باع أحد الورثة ما نابه بشقص في دار أو غيره، فإنه يباع من ذلك العوض.

وقوله: (بِنِسْبَةِ): متعلق، فيباع.

وقوله: ومن تعذر إلى آخره: هو كقول سحنون، وإذا كان في البيع من نصيب كل واحد ضرر لكن في كلام المصنف مناقشة؛ لأن كلام سحنون يدل على أن له أن ينتقل بمجرد الضرر، وكلام المصنف يدل على أنه إنما ينتقل عند التعذر، وقول المصنف إلى منتهى ما بيده، أي فلو زاد الدين على ما في يده لم يرجع عليه بالزائد.

خليل: وينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يكن الورثة عالمين بالدين، وأما إن علموا فينبغي أن يرجع عليهم بالأقل من مجموع التركة أو الدين، ووافق أشهب سحنون في عدم نقض

ص: 28

القسمة إلا أنه خالفه في كيفية قضاء الدين على ما في أيديهم، ورأى أ، هـ يقضي على النسبة التي اقتسموا عليها، زادت أو نقصت، فإن كان الدين نصف التركة رجع على كل واحد بنصف ما بيده.

سحنون: إنما راعى في قوله المتقدم القيمة، ألا ترى إلى قوله: إذ قد يكون أحدهم غبن في القسم إلى آخره، وهكذا حكى ابن رشد وعياض وغيرهما قول سحنون وأشهب، وحكى عنهما اللخمي مثل ما حكيناه عن أشهب، وصرح في البيان أن لأشهب قولين، وحصل في البيان خمسة أقوال:

الأول: القسمة تنتقض لحق الله تعالى، وإن لم يشأ الورثة نقضها.

الثاني: أن القسمة ترد إلا أن يتفق جميعهم على إمضائها، وهو المشهور من قول ابن القاسم المنصوص له في المدونة.

الثالث: أن القسمة تنتقض أيضاً، ويكون ما هلك أو نقص ونما بينهم إلا أن يخرج أحد الورثة من ماله ما ينوبه من الدين.

قال: وهو قول ابن حبيب، ومثال ذلك إن هلك المتوفى وله أربعة بنين، وله ثمان بقرات قيمة كل بقرة عشرة مثاقيل فيقتسمونها، فأخذ كل واحد بقرتين فتموت بيد واحد بقرة ثم يطرأ غريم بعشرة مثاقيل، فإن الواجب على قوله أن تنقض القسمة، ويخرج الدين من السبع بقرات الباقية ثم يقتسم الستة الباقية على الأربعة بالسوية، ولمن شاء منهم أن يخرج من ماله ما ينوبه من الدين وذلك ديناران ونصف ويجعل ما ينوبه من البقرة التي ماتت وذلك ديناران ونصف أيضاً.

والقول الرابع والخامس: هما قولا سحنون وأشهب.

وقال اللخمي: اختلف إذا كان الدين يفترق وبعض الحاضر والقسم بالقرعة، أي وقد هلك ما أخذه بسماوي. فقيل: لا يرجع من استحق ذلك من يده ولا يرجع عليه.

ص: 29

وقيل: يرجع عليه ولا يرجع. وقيل: يرجع ولا يرجع عليه. وبنى الأول على أن القسمة تمييز حق. قال: وهو الأقيس. والثالث على أنها بيع.

وَلَوْ طَرَأَ وَارِثُ- وَالْمَقْسُومُ كَدَارٍ- فَلَهُ الْفَسْخُ، وإِنْ كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْناً رَجَعَ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: مَنْ أَعْسَرَ فَعَلَى الْجَمِيعِ

(فَلَهُ الْفَسْخُ) أي: وله أن يكون شريكاً مع كل واحد بما ينوبه وكان له الفسخ؛ لأن الطارئ كغيره، فلو لم يكن له الفسخ لزم أن تتميز حقوقهم قبله، وذلك باطل، وإن كان المقسوم عيناً رجع كل على واحد بما يخصه، فإن أعسر بعضهم فلا يؤخذ الملي عنه إذا لم يعلم الملي. قاله ابن القاسم، ورأى أن القسمة صحيحة؛ لأنهم لم يتعدوا فلا يرجع على الملي إلا بما كان يرجع عليه به لو كانوا كلهم أملياء، وقاله أصبغ.

وقال أشهب وابن عبد الحكم: إن الطارئ يقاسم من وجد من الورثة ملياً ما صار عليه حتى كأنه لم يترك الميت غيرهما، ثم يتبعان بقية الورثة، فمن أيسر دخلوا معه وساووه، هكذا حتى يعتدلوا.

وهذا هو مراد المصنف بقوله عن أشهب: (ومَنْ أَعْسَرَ فَعَلَى الْجَمِيعِ).

ابن المواز: وإن ترك على هذا ابناً وامرأة، فأخذت المرأة الثمن والابن ما بقي، ثم طرأت زوجة أخرى، فوجدت صاحبتها عديمة، والابن ملياً فلترجع على الابن بثلث خمس ما صار إليه، وهو جزء من خمسة عشر ما في يده؛ لأنه له أربعة عشر من ستة عشر، ولكل واحدة من الزوجين قسم يرجعان على الزوجة بنصف ما أخذت، وكل ما وجد عنها من ذلك، اقتسماه على خمسة عشر حتى يستوفياه.

لَوْ ظَهَرَ مُوصًى لَهُ فَإِنْ كَانَ بِنَصِيبٍ فَكَالْوَارِثِ وبِدَنَانِيرَ وشِبْهِهَا فَكَالدَّيْنِ مُطْلَقاً

أي: كانت بنصيب أو عيناً، تصور ظاهر، والأول هو المشهور.

والثاني في الموازوية وهو قول ابن حبيب.

ص: 30