المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْوَقْفُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ الأفصح فيه وقف. الجوهري: وفيه لغة رديئة أوقفت - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٧

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: ‌ ‌الْوَقْفُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ الأفصح فيه وقف. الجوهري: وفيه لغة رديئة أوقفت

‌الْوَقْفُ

لَهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ

الأفصح فيه وقف.

الجوهري: وفيه لغة رديئة أوقفت قال وحبست فرساً في سبيل الله أي وقفته فهو محبوس، وحُبس والحبس بالضم ما وقف.

واختار المصنف لغة الوقف على لفظ الحبس لأنه أتمه كما سيأتي.

الْمَوْقُوفُ: يَصِحُّ فِي الْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ لا الْمُسْتَاجَرِ مِنَ الأَرَاضٍي وَالدِّيَارِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْحَوَائِطِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْمَصَانِعِ وَالآبَارِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ وَالطُّرُقِ- شَائِعاً أَو غَيْرَهُ

(الْمَوْقُوفُ) خبر ابتداء محذوف، أي الركن الأول: الموقوف ويصح وقف العقار المملوكة له رقبته لا منفعته وهو يعني (لا الْمُسْتَاجَرِ) واعترض على المصنف بأن ظاهره أن المنافع المملوكة دون الرقبة لا يصح وقفها، وفي الإجارة من المدونة: ولا بأس أن يكري أرضه على أن يتخذ مسجداً عشر سنين فإذا انقضت كان النقض للذي بناه. (وَالْمَصَانِعِ) هو البنيان المرتفع.

وقوله (شَائِعاً أَو غَيْرَهُ) يعني يجوز وقف العقار سواء كان شائعاً كما لو وقف نصف دار أو غير شائع. ولا يريد المصنف أنه يجوز وقف المشاع من غير إذن الشريك فإن ذلك لا يجوز ابتداءً؛ أعني فيما لا يقبل القسمة. واختلف إن فعل هل تنفذ تحبيسه أم لا؟ وعلى الثاني اقتصر اللخمي آخر الشفعة، قال: لأن الشريك لا يقدر حينئذ على بيع جميعها وإن فسد فيها شيء لم يجد من يصلح معه، واختار ابن زرب الأول.

اللخمي: وإن كانت الدار مما ينقسم جاز له الحبس إذ لا ضرر عليه في ذلك.

ص: 279

وسأل ابن حبيب ابن الماجشون عمَّن له شريك في دور ونخل مع قوم فتصدق بحصته من ذلك على ولده أو غيرهم صدقة محبسة، ومنها ما ينقسم ومنها ما لا ينقسم ومن الشركاء من يريد القسمة، قال: يقسم بينهم فما أصاب المتصدق منها فهو على التحبيس وما لا ينقسم يباع، وما أصاب المتصدق من الثمن في حصته اشترى به ما يكون صدقة محبسة في مثل ما سبلها فيه المتصدق. واختلف هل يقضي عليه بذلك أم لا؟

وَفِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: لا خِلافَ فِي الْخَيْلِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً ....

أي: وفي جواز وقف الحيوان ومنعه بحذف مضافين. والصحيح وهو مذهب المدونة الجواز، لما في الصحيحين أنَّ خالداً رضي الله عنه حبس أدرعه وأعبده في سبيل الله- بالباء الموحدة من أسفل، وفي رواية اعتده بالمثنات من فوق. ولما في البخاري من قوله عليه السلام:"من حبس فرساً في سبيل الله إيماناً واحتساباً وتصديقاً بوعده كان شبعه وريه في ميزانه يوم القيامة". وفي البيان ثالث بالكراهة في الحيوان والعروض، ورابع بالجواز في الخيل والكراهة فيما عداها، وخامس بالكراهة في الرقيق خاصة لأنه ضيق على العبيد في العتق وهي لمالك في الموازية، وهذا هو القول الأخير في كلام المصنف.

قال في البيان: وهذا إنما هو في التحبيس المعقب أو على النفر بأعيانهم، وأما تحبيس ذلك لينتفع بعينه في السبيل أو ليجعل غلة ما له غلة من ذلك بكراء أو غيره موقوفة لإصلاح الطرق وبناء المساجد فلا خلاف في جوازه ما عدا العبيد وإلا فمكروه فيهم للتضييق.

وَلا يَصِحُّ وَقْفُ الطَّعَامِ

نحوه في الجواهر، وعلله بأن منفعته لا تكون إلا باستهلاك عينه، وإنما يكون الوقف مع بقاء الذوات لينتفع بها مع بقاء عينها [635/ب] وفيه نظر، ففي البيان: وأما الدنانير

ص: 280

والدراهم وما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه التحبيس فيه مكروه، وإن وقع كان فيه لآخر العقد مالك، إن كان معقباً وإن لم يكن معقباً وكان على معنيين رجع إليه بعد انقراض المحبس عليهم. وفي المدونة في كتاب الزكاة جواز وقف الدراهم والدنانير لتسلف وقد ذكره المصنف، فالطعام ينبغي أن يكون كذلك.

وفي المتيطية وثيقة بتحبيس امرأة دراهم أو دنانير على ابنتها لتنفقها في نفسها أو نحو ذلك، وفيها أيضاً وثيقة ذلك على رجل يتجر بها.

ابن راشد: وفي الحقيقة هو قرض، ولعل مراد المصنف وابن شاس أنه لا يصح وقفه بشرط بقاء عينه.

الثَّانِي: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، فَلا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّناً وَأَهْلاً، فَإِنْ رُدَّ فَقِيلَ: يَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ مِلْكاً

أي: الركن الثاني الموقوف عليه، ويشترط قبول الموقوف عليه إذا كان غير معين كالفقراء ونحوهم إذ لو اشترط لما صح الوقف ولما صح أيضاً على المساجد وغيرها إلا المعين فيشترط قبوله.

(وَأَهْلاً) أنه لم يكن أهلاً للقبول كالصغير والسفيه يكون كغير المعين.

ابن عبد السلام وغيره: فيه نظر، وينبغي أن يقام من يقبل له كما لو وهب له أو تصدق عليه.

وقوله (فَإِذَا رُدَّ) أي: الأهل فقيل يكون لغيره وهو وقف، وهذا القول لمالك في الموازية لأن فيها: من أوصى بفرسه في سبيل الله وقال أعطوه فلاناً فلم يقبله فلان كان حبساً وأعطي لغيره، وإن لم يقل حبساً رد إلى ورثته والقول بأنه يرجع ملكاً منسوب لمطرف. وقيد اللخمي الخلاف بما إذا قصد بوقفه القربة وقال: أرى إن أعطاه ليركبه ليس ليغزو عليه أن يرجع ميراثاً، وإن كان ليغزو عليه فهو موضع الخلاف.

ص: 281

وَيَصِحُّ عَلَى الْجَنِينِ، وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ، وَعَلَى الذِّمِّيِّ، بِخِلافِ الْكَنِيسَةِ وَشِرَاءِ الْخَمْرِ وَشِبْهِهِ، وَالْوَقْفُ فِي مَعْصِيَةٍ بَاطِلٌ

ما ذكره من صحة الوقف على الجنين نص عليه محمد بن السليم وابن العطار وابن زرب والباجي في وثائقه.

ابن العطار: وزعم بعضهم أن التحبيس على الحمل لا يجوز وذلك جائز بدليل جوازه على الأعقاب.

ولعل المصنف ذكر قوله: (وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ) كاستدلال ابن العطار والصدقة كذلك.

الباجي: وقيل إن الصدقة لا تكون على الحمل. وقوله: (وَعَلَى الذِّمِّيِّ) لأن في الصدقة عليه أجر. ونقل ابن وهب عن مالك جواز وصية المسلم للذمي وهو كالوقف.

أصبغ: لا تجوز الوصية للحربي لأن في ذلك قوة لهم على حربهم، ولا فرق في ذلك بين الوصية والحبس.

وقوله: (بِخِلافِ الْكَنِيسَةِ) الباجي: ولو حبس على كنيسة فالأظهر عنده أنه يرد لأنه وجه معصية كما لو صرفها في شراء الخمر وإعطائها لأهل الفسق، فظاهر هذا أنه غير منصوص وهو خلاف كلام المصنف.

ابن عبد السلام: وكلام الباجي صحيح وكذلك عكس هذه المسألة، وقد قال مالك في نصرانية بعثت دنانير إلى الكعبة فقال: يرد إليها.

قوله: (وَالْوَقْفُ فِي مَعْصِيَةٍ بَاطِلٌ) ظاهر، ولو سكت عنه لأخذ مما تقدم.

وَلا يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْقُرْبَةِ

لما ذكر أن الوقف في معصية باطل خشي أن يتوهم منه اشتراط ظهور القربة فبين أن ذلك غير مشترط فيه بل يصح، يعني إذ هو من باب العطية والهبة.

ص: 282

وَلا يَصِحُّ عَلَى وَارِثٍ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

لأنه راجع إلى الوصية ولا يجوز، قال عليه السلام:"وإن اللهَ أعطَى كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فلا وصيةَ لوارثٍ".

وَإِنْ شَرَكَ فمَا خَصَّ الوَارِثَ فَمِيرَاثٌ، وَرَجَعَ بَعْدَ مَوْتِ الْوَارِثِ إِلَى مَرْجِعِهِ

يعني: وإن شرك المريضُ الوارثَ في الوقف مع غيره فذلك لا يوجب صحة الوقف مطلقاً وإنما يصح منه لأجنبي، وما خص لوارث على وجه الملكية إن لم يكن معقباً، وإن كان معقباً رجع النصيب الموقوف بين جميع الورثة. ولا يبطل الوقف بسبب ما فيه من التعقب ويبقى بيد جميع الورثة على حكم الإرث ما دام المحبس عليه موجوداً، فإذا انقرض المحبس عليه رجع إلى مرجعه.

ابن عبد السلام: وإنما يتم ما ذكره المصنف إذا كان الوارث الذي شارك مع الأجنبي بعض الورثة لا كلَّ الورثة، ولكن اتكل المصنف في بيان ذلك على المثال الذي ذكره.

فَلَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِهِ عَلَى ثَلاثَةِ أَوْلادٍ وَأَرْبَعَةِ أَوْلادِ وَلَدٍ وَمَاتَ وَتَرَكَهُمْ وَأُمّاً وَزوْجَةً وَالثُّلُثُ الْموْقُوفُ يَحْمِلُ فَلِوَلَدِ الْوَلَدِ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ وَقْفاً، وَالْبَاقِي لْلْوَلَدِ مَوْقُوفٌ بِأَيْدِيهِمْ يُقَسَّمُ عَلَى الْوَرَثَةِ كَغَيْرِهِ ....

هذه المسألة تعرف بمسألة ولد الأعيان، وقد أفرد الشيخ أبو محمد لها تأليفاً. وقال سحنون: إنها من حسان المسائل وقلَّ من يعرفها، وهي في أكثر الكتب خطأ لدقة معانيها وغامض تفريعها، وليس غرضنا بها حكاية كلامهم بل جل كلام المصنف.

وقوله: (وَلَوْ وَقَفَ) يعني داراً أو غيرها، واحترز بمرضه مما لو وقف في صحته فإن ذلك ينفذ، والمراد المرض المخوف فيه على المريض.

ص: 283

قوله: (عَلَى ثَلاثَةِ أَوْلادٍ) أي: صلب وهم أولاد الأعيان (وَأَرْبَعَةِ أَوْلادِ أَوْلادٍ) يريد: أو عقبهم فلذلك لم يبطل ما ناب أولاد الصلب لتعلق حق غيرهم به، فإنه لو مات أولاد الصلب رجع جميعه ونفى لأولاد الأولاد وأعقابهم ولأنه لو مات جميع من حبس عليهم رجع حبساً على أقرب الناس بالمحبس، وكان ينبغي للمصنف أن ينبه على أن الوقف معقب لكونه شرطاً في المسألة.

وقوله: (وَمَاتَ وَتَرَكَهُمْ) أي: السبعة وترك أماً وزوجة والثلث يحمل ما وقفه؛ لأنه وصية التونسي وإن لم يحمل الثلث فما خرج في الثلث عمل فيه ما يعمل لما حمله الثلث.

وقوله (فَلِوَلَدِ الْوَلَدِ

إلخ) يعني: فيقسم جميع الوقف [636/أ] على سبعة: أربعة لولد الولد حبساً.

سحنون ومحمد: إن كانت حالتهم واحدة وإلا فعلى قدر الحاجة.

ابن القاسم: والذكر والأنثى فيه سواء. قال في البيان: وهذا هو المشهور، وظاهر ما في العتبية لابن القاسم أنه لا يفضل هنا محتاج على غيره وهو مذهب ابن الماجشون، لأن الحبس في المرض كان بمعنى الوصية لا يفضل فقيرهم على غنيهم، وإذا اقتسمناه على سبعة: أعطي ولد الأعيان ثلاثة أسهم فتأخذ الأم سدسها والزوجة ثمنها ثم يقسم الباقي بينهم أثلاثاً، ودخلت الزوجة والأم لأنهم إنما أخذوه على سبيل الإرث، ولا يختص وارث عن آخر، ولهذا لو كان في ولد الأعيان أنثى لقسم للذكر مثل حظ الأنثيين.

فَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الأَوْلادِ رَجَعَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي يَقْسِمُهُ الْوَرَثَةُ وَيَدْخُلُ جَمِيعُ وَرَثَةِ الْوَلَدِ الْمَيْتِ بِنَصِيبِ وَلَدٍ لأَنَّهُ كَمِيراثٍ

يعني: (فَلَوْ مَاتَ) والمسألة بحالها أولاً: أحد ولد الأعيان (رَجَعَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ الثُّلُثَانِ) وظاهره أن القسمة تنتقض وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى بن يحيى وقول سحنون

ص: 284

ومحمد ابن يونس، وهذا كما ينتقض بحدوث ولد الأعيان أو لأحد ولد الولد، قال: ولا أعلم في نقض القسمة هنا خلافاً ولا ينتقض بموت الزوجة أو الأم اتفاقاً، وإذا انتقضت القسمة قسم جميع الحبس على ستة: اثنين للباقين من ولد الأعيان وأربعة لولد الولد، وهذا معنى قوله (رَجَعَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ الثُّلُثَانِ).

قوله: (وَالْبَاقِي) أي: السهمان يقسم على ورثة المحبس فلأم المحبس سدسها وللزوجة ثمنها ثم يقسم الباقي على ثلاثة فيأخذ الولدان الباقيان اثنين ويحيا الميت بالذكر فما نابه يكون لورثته من كانوا، يدخل فيه زوجة المحبس إن كانت أمه، وما كان من ولد الولد ولده وغيره ممن هو وارث له ويصير بيد ولد هذا الميت نصيب، بمعنى الحبس من جده ونصيب بمعنى الميراث من أبيه، وعلى هذا فلو مات آخر من ولد الأعيان انتقض أيضاً القسم ويقسم كله على خمسة كما تقدم، وإن مات الثالث رجع الحبس كله لولد الولد.

وروي عن ابن القاسم في العتبية قول آخر أن القسم لا ينتقض وقاله سحنون أيضاً، فإذا مات أحد أولاد الأعيان وقسم ما كان أخذه من القسمة الأولى وهو سُبُعُ الحبس بانضمام ما أخذتا منه أم الميت الأولى وزوجته، وبه يكمل السبع فيقال لهذه الأم والزوجة قد كنتما تحتجان عليه أن يستأثر بذلك وأنتما وارثان معه، وقد نزلت هذه الحجة فيقسم هذا السبع على ولد الولد وعلى الباقين من ولد الأعيان بالسواء، فما ناب ولد الولد أخذه ومن ناب الباقين من ولد الأعيان أخذت والدة المحبس وزوجته منه السدس والثمن ويقسم الباقي على الباقين، وعلى الميت أن يحيا بالذكر ويكون ما نابه لورثته.

سحنون: وإنما هذا في الثمار وأشباهها من الغلات، وأما فيما يسكن من دار أو زرع من أرض فلابد من نقض القسْم في جميع الحبس.

ورأى ابن يونس أن هذا إنما يصح على القول بعدم نقض القسْم. فإن قيل: فهل ينظر لهذا الخلاف في المعنى أثر؟ قيل: نعم، وقد بين ذلك ابن يونس فانظره.

ص: 285

فَلَوْ مَاتَ أَوَّلاً أَحَدُ وَلدِ الْوَلَدِ رَجَعَ لَهُمُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ فَلَوْ انْقَرَضُوا رَجَعَ الْجَمِيعُ كَمِيرَاثٍ لِلْوَرَثَةِ

أي: فلو مات أولاً أحد وَلَدِ الْوَلَدِ ولم يمت من أولاد الأعين شيء رجع لولد الولد النصف، ظاهره أن القسْم يُنتقض وهو أحد قولي ابن القاسم خلافاً لقوله الآخر، ولا يخفى عليك مما تقدم ما يأتي على كل قول.

وقوله: (فَلَوْ انْقَرَضُوا) أي: أولاد الولد (رَجَعَ الْجَمِيعُ كَمِيرَاثٍ) إنما قال: (كَمِيرَاثٍ) لأنه ليس بميراث حقيقة بل إنما ينتفعون به انتفاع الملك، ولو انقرض أيضاً ولد الأعيان رجعت الدار مثلاً حبساً على أقرب الناس بالمحبس، قاله في المدونة.

قوله: (رَجَعَ الْجَمِيعُ كَمِيرَاثٍ لِلْوَرَثَةِ) أي: فتدخل الأم، هكذا روى يحيى عن ابن القاسم وابن عبدوس عن سحنون، وقاله عيسى في العتبية خلاف ما له عند ابن عبدوس، ولا تدخل فيه الأم والزوجة، وإلى هذا أشار المصنف بقوله:

وَقَالَ سُحْنُونٌ: لا تَدْخُلُ الأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لأَنَّ رُجُوعَهُ لِلْوَقْفِيَّةِ لأَنَّهُمْ أَوْلَى

قوله: (لأَنَّ رُجُوعَهُ لِلْوَقْفِيَّةِ) أي: رجوعه مرجع الأوقاف لا مرجع الميراث لأنه يكون لأقرب الناس بالمحبس، ويتضح لك قول سحنون هنا بالوقوف على كلامه في العتبية فإنه قال: وإنما تقاسم الأم والزوجة ولد الأعيان إذا هلك الأول وبقي اثنان أو هلك اثنان وبقي واحد، وأما ما يرجع إليهم من حق ولد الولد فلا تدخل فيه الأم والزوجة لأن ذلك مما يرجع إليهم من وصية قد أنفدت لوجهها ولم تكن فيها محاباة لوارث.

سحنون: ألا ترى لو أن رجلاً أوصى لولد ولده بئراً وحبس عليهم وله ولد بصلبه وأم وزوجة لكانت وصيته نافذة لهم لأنهم غير ورثة ولم يكن للزوجة فيها مقال ولا لأم فكذلك هنا، وإلى هذا أشار المصنف بقوله:(لأَنَّ رُجُوعَهُ لِلْوَقْفِيَّةِ) ولم يرجع على معنى الوصية.

ص: 286

وقوله: (لأَنَّهُمْ) أي لأن أولاد الأعيان أولى من غيرهم بمرجع الحبس.

وفي بعض النسخ (لأَنَّهُمْ أَوْلادٌ) أي: فيكونون أحق بالمرجع؛ لأنهم أقرب الناس بالمحبس. قال في البيان: وقول ابن القاسم أن الزوجة والأم يدخلان فيما يرجع إليهم من حق ولد الولد هو [636/ب] الصحيح لأنه وصية لوارث إذا لم يرجع إليهم مرجع الأحباس وإنما رجع إليهم بحكم تحبيس المحبس عليهم، وإلى هذا أشار التونسي كما نقله عنه المصنف بقوله:

قَالَ التُّونُسِيُّ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ صَوَابٌ؛ لأنَّ الرُّجُوعَ لا يَكُونُ مَعَ وُجُودِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ

يعني: أن ما ذكره سحنون من رجوع الوقف للأولاد يعني مراجع الأحباس ليس بجيد وأنه رجع إليهم فإنهم المحبس عليهم، وإذا كانوا محبساً عليهم امتنع الرجوع بمعنى الوقفية إذ الرجوع مشروط بانقراض من حبس عليه، وكذلك قال اللخمي أنَّ قول ابن القاسم أصوب، وهذا القدر كاف في تصور كلام المصنف، ومن أحب الزيادة فليقف على كلام الشيخ أبي محمد فيها وكلامه في البيان وكلام ابن يونس كاف فيها والله أعلم.

وَلا تَخْرُجُ لِلأُمِّ وَالزَّوْجَةِ حَتَّى يَنْقَرِضَ الأَوْلادُ فَيَرْجِعَ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحَبَّسِ

ظاهر التصور.

وَلا يَصِحُّ وَقْفُ الإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَقِيلَ: إِنْ أَفْرَدَ

لأن فيه تحجيراً على نفسه وعلى وارثه بعد الموت ولأنه لابدَّ من تغاير المعطي والمعطى، والثاني نقله الباجي وابن شاس.

ابن عبد السلام: وغيرهم عن ابن شعبان.

ص: 287

وَكَرِهَ مَالِكٌ إِخْرَاجَ الْبَنَاتِ، وَقَالَ: عَمَلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِذَا وَقَعَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الشَّانُ يُبْطَلُ، وَقَالَ أَيْضاً: إِنْ حَيزَ مَضَى، وَإِنْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ فَلْيَرُدَّهُ مُسَجَّلاً، وَقَالَ أَيْضاً: إِن فَاتَ مَضَى وَإلا فَلْيَجْعَلْهُ مُسَجَّلاً، وَقِيلَ: يَجُوُز عَلَى الْبَنِينَ خَاصَّةً، وَعَلَى الْبَنَاتِ خَاصَّةً، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ مَبْنِيُّ عَلَى الْهِبَةِ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ ....

وقع في المجموعة أن عائشة رضي الله عنها نهت عن إخراج البنات من الحبس وقالت: ما مثل ذاك إلا كما قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ} إلى قوله: {شُرَكَاءُ} [الأنعام: 139].

وقوله: (وَكَرِهَ مَالِكٌ .. إلخ) هو رواه علي وغيره عن مالك، فإن وقع فروى ابن القاسم عن مالك: الشأن يبطل؛ وقاله ابن شعبان، وزاد في العتبية أنه يبطل إذا شرط أن من تزوج منهن بطُلَ حقُها.

وقوله: (فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) يوهم أنه قاله وإنما رواه، وانظر هل هذا القول مخالف للأول لأن الكراهة تقتضي الإمضاء بعد الوقوع، وهكذا فهم اللخمي عنه.

ابن عبد السلام: والمراد بالكراهة التحريم، ويدل عليه تعليله ذلك بأنه من عمل الجاهلية وليكون موافقاً للقول الثاني.

وقوله: (الشَّانُ) أي عمل الصحابة.

وقوله: (وَقَالَ أَيْضاً) ابن القاسم (إِنْ حَيزَ) عنه (مَضَى) على ما حبسه (وَإِنْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ فَلْيَرُدَّهُ مُسَجَّلاً) أي: مطلقاً وعاماً للبنين والبنات، يقال أسجلت الشيء إذا أمكنت من الانتفاع به من غير قيد.

وقوله: (وَقَالَ أَيْضاً) تصوره ظاهر، وظاهره أن الفوات بغير حرز، وفي البيان: ظاهر قول مالك أن الحبس لا يجوز ويبطل على كل حال خلاف مذهب ابن القاسم أنه يمضي إذا فات ولا ينقض، وفوت الحبس عنده أن يحاز عن المحبس، انتهى.

ص: 288

وقال اللخمي: وقال ابن القاسم: إن كان المحبس حياً فيفسخه ويدخل فيه البنات، وإن حيز أو مات كان على ما حبسه عليه، وقال: إن كان المحبس حياً فليفسخه ويجعله مسجلاً وإن مات لم يفسخه، انتهى.

محمد: وإنما يفعل ما قال مالك من حبس الحبس وجعله مسجلاً إذا لم يأت من حُبِّس عليهم، وإن أبرأ لم يجز فسخه وبقي على ما حبس وإن كان حياً إلا أن يرضوا برده وهم كبار.

وقوله: (يَجُوُز

إلخ) هو قول ابن نافع وهو في مختصر الوقار فظاهره من غير كراهة.

وقوله: (وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ مَبْنِيُّ عَلَى الْهِبَةِ) يحتمل هذا أن يعود على الخلاف وأن يعود على القول الرابع فقط، لكن الباجي آلا رابعاً فيتعين الأول، على أن صاحب البيان ذكر ما يخالف إجراء الباجي فقال: إخراج البنات من الحبس عند مالك أشد في الكراهة من هبة الرجل لبعض ولده دون بعض إذ لم يختلف في قوله في الهبة. انتهى.

وخرج اللخمي الأقوال فيما إذا تصدق على بعض دون بعض.

وشَرْطُ الْوَقْفِ حَوْزُهُ عَنْهُ قَبْلَ فَلَسِهِ وَمَوْتِهِ وَمَرَضِ مَوْتِهِ وَإِلا بَطَلَ

وقع هذا إلى قوله: (الصِّيغَةُ) في بعض النسخ وهي نسخة ابن راشد وابن عبد السلام. ووقع في بعضها بعد قوله: (الثَّالِثُ الصِّيغَةُ) عقب قوله: (ثُمَّ عَلَى الْفَقِيرِ) ثم بعده، (وَالْوَقْفُ لازِمٌ) وهذه النسخة هي الصواب، لأن المصنف ذكر أول الباب أن أركانه أربعة وهذا هو الرابع، وقد صرح ابن شاس بذلك؛ فإن قلت الشرط خلاف الركن، قيل: أطلقه عليه مجازاً لأنهما قد اشتركا في أن الماهية لا توجد دونهما.

فإن قلت: وكذلك على النسخة الأولى تكون الصيغة هي الركن الرابع.

قيل: وقد صرح المصنف بأنها الركن الثالث واشترط فيها الحوز؛ لأنه أحد أنواع العطايا فاشترط فيه ذلك كسائرها، وذكر أن من شرط الحوز أن يكون قبل فلسه وموته

ص: 289

ومرض موته وإلا؛ أي: وإن لم يقع قبل ذلك بطل الوقف، فقوله:(قَبْلَ مَوْتِهِ) غير قوله: (مَرَضِ مَوْتِهِ) لأنه لا يلزم أن تقول كل موت مرض.

فرع:

ومن هو الحائز؟ فنقول: التحبيس إذا كان على المساجد ونحوها فلا يفتقر إلى حائز إذا دخل بين الناس وبينه صح وإن كان على معين لم يكن بدٌّ من حيازته، ثم إن كان رشيداً وحاز لنفسه فلا إشكال وإن كان محجوراً عليه فقال ابن الهندي تصح حيازته لأن القصد خروج ذلك من يد المحبس. ووقعت في أيام القاضي منذر بن سعيد فشاور فقهاء بلده فأجمعوا على أن ذلك حيازة حاشا إبراهيم بن إسحاق والقاضي في وثائقه كقول ابن [637/أ] إسحاق: وهذا الخلاف إنما هو إذا كان له ولي.

ابن راشد: وينبغي أن يتفق على أنه حيازة إذا لم يكن له ولي، وإن حاز غير المحبس عليه بوكالة فذلك نافذ ولأن قبض الوكيل كقبض الموكل سواء غائباً أو حاضراً وبغير وكالة لا يخلو أن يكون غائباً أو حاضراً، فإن كان غائباً وجعل المحبس أو الواهب أو المتصدق ذلك بيد من يحوز حتى يقدم فذلك جائز، وإن كان حاضراً افترق الحال بين الحبس والهبة والصدقة ففي الحبس يجوز أن يقدم المحبس من يحوز له بجري الغلة عليه، ولا يجوز ذلك في الهبة والصدقة.

فَإِنْ كَانَ يَصْرِفُ مَنْفَعَتَهُ فِي مَصْرِفِهَا؛ فَثَالِثُهَا فِيهَا: إِنْ كَانَ غَلَّةً يَصْرِفُهَا فَلَيْسَ بِحَوْزٍ، وَإِنْ كَانَ كَفَرَسٍ أَوْ سِلاحٍ فَحَوْزٌ ....

وإن كان الموقوف لم يحز عنه ولكن يصرفه في مصرفه فثلاثة أقوال وكلها روايات فيها أي في المدونة، والفرق فإن كان الموقوف ذا غلة فليس بحوز كالديار والحوائط ونحوها وإن لم يكن ذا غلة كالسلاح والكتب يدفعها لمن يقاتل بها أو ينظر فيها ثم يعيدها إلى المحبس، وهو اختيار صحيح. وجرى اللخمي هذا القسم من الخلاف، قال: ويختلف

ص: 290

إذا لم يأت وقت إنفاذه للجهاد ولم يطلب القراءة حتى مات المحبس هل يبطل الحبس؟ وقيد اللخمي وغيره القسم الثاني بما إذا لم يتصرف فيه إذا عاد تصرف المالك، قال: وقراءة الكتاب إذا عاد إليه خفيف وإن أنفد بعض الحبس ما أنفد وإن قيل وهو كحوز الكبير اليسير من صدقة الأب.

وحكى في القسم الأول قولين عن مالك وقيده بما إذا كان حبساً على غير معين وعلم أنه كان يصرف الغلة في مصرفها، وأما إن شك هل أنفد غلته في مصرفها فإنه يبطل الحبس، وتقييد اللخمي بغير المعين يدل على أنه لو كان معيناً لاتفق على إبطال الحبس. فإن قلت: ما الفرق على مذهب المدونة لقسمين؟ قيل: لأن خروجها من يده اختياراً لها من عودها إلى يده، إنما كان بعد صحة الحوز بخلاف ما إذا كان بيده وهو يصرف الغلة في مصرفها.

أَمَّا لَوْ كَانَ وَالِياً عَلَى مَنْ وَقْفُهُ عَلَيْهِ فَحَوْزٌ إِذّا أَشْهَدَ وَصَرَفَ الْغَلَّةَ فِي مَصْرِفِهَا

هو كالخرج من عموم قوله: (وَشَرْطُ الْوَقْفِ حَوْزُهُ عَنْهُ) أخرج من ذلك ما إذا كان الواقف والياً على الموقوف عليه كالأب على صغار ولده والكبار والسفهاء وكالوصي.

ابن عبد السلام: والنص أن الحاضن لا يجوز، انتهى.

وفي البيان في الفلس الثالث: اختلف هل يتنزل منزلة الوصي مطلقاً أولاً على أربعة أقوال:

الأول: أنه يتنزل منزلته مطلقاً وهو دليل المدونة في القسم ورواية ابن غانم، فإنه روى عن مالك: إن كان ولي يقيم قريباً أو بعيداً فهل يجوز ما وهب له، وعليه ما ذكره ابن الهندي في وثائقه من جواز بيع المحضون على حاضنه ما له قدر وبال.

والثاني: أنه لا يكون كالوصي على حال.

الثالث: أنه كالوصي إذا كان أماً أو جدة أو جداً دون سائر القرابة.

ص: 291

الرابع: أنه كالوصي إذا كان خلاف جده أو أخاه.

وقوله: (إِذّا أَشْهَدَ وَصَرَفَ الْغَلَّةَ) يعني لتمام الحبس شرطان:

أولهما أن يشهد على التحبيس وقاله ابن القاسم في العتبية.

وثانيهما: أن يصرف الغلة في منافع ولده.

ابن زرقون: ذكر الموثقون أن الأب إذا تصدق على ابنه الصغير بما له غلة وقامت البينة أن الأب يستغل ويدخل الغلة في مصالح نفسه إلى أن مات الأب فالصدقة باطلة بمنزلة السكنى إذا لم يخل الدار حتى مات، ومثله في المدونة لابن كنانة، وظاهر المدونة خلافه أن الصدقة جائزة لأن الكراء إذا كان محمولاً على أنه لابنه فإنه أنفق مال ابنه، انتهى.

وقال غيره: المشهور المعمول به البطلان، وبه كان الشيوخ يفتون ويقضون.

وَيُشْتَرَطُ فِي مُعَايَنَةِ الْحَوْزِ شَهَادَةٌ بِمُعَايَنَةِ البَيِّنَةِ

يعني: أنه لابد من معاينة البينةِ قَبْضَ الحوز عليهم، هكذا قال ابن راشد وابن عبد السلام. ولا يكفي إقرار المحبِّس؛ لأن المنازع للمحبَّس عليه إما الوارث وإما الغريم فلو اكتفى في ذلك بالإقرار لزم قبول الإقرار على غيره.

الثَّالِثُ: الصِّيغَةُ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَلَوْ أَذِنَ فِي الصَّلاةِ مُطْلَقاً وَلَمْ يَخُصَّ شَخْصاً وَلا زَمَاناً فَهُوَ كَالصَّرِيحِ

الركن الثالث: الصيغة، والواو في قوله بمعنى أو، وصرح بأو في بعض النسخ ثم بين ما يقوم مقامها بقوله (فَلَوْ أَذِنَ فِي الصَّلاةِ مُطْلَقاً) أي إذناً مطلقاً ويحتمل في الصلاة مطلقاً، أي ولم يخص فرضاً ولا نفلاً والأول هو الذي يؤخذ من الجواهر، وظاهر قوله:(فَلَوْ أَذِنَ) أنه لا يلزم تحبيس المسجد بمجرد بنيانه.

ص: 292

الباجي: وهو ظاهر المدونة وقول مطرف فيه نظر، وكان يجب أنه يلزم بمجرد البنيان إلا أنه لا تتم حيازته إلا بالإباحة للناس.

ابن شعبان: إذا خلَّى بينه وبين الناس مضى ولا يحتاج أن يجعل بيد قيم سواء كان باب المسجد داخل باب داره أو خارج الباب، ويحتمل أن يقال لا يلزم بمجرد البنيان لمن جوز أن يبني مثل هذا البنيان مسجداً لنفسه في داره.

وَلَفْظُ وَقَفْتُ يُفِيدُ التَّابِيدَ

الذي حكاه عبد الوهاب وغيره من العراقيين أن لفظ الوقف يفيد التأبيد بالاتفاق. وقال صاحب المقدمات وابن زرقون: لفظ الوقف والحبس سواء، ويدخل [637/ب] في لفظ وقفت من الخلاف ما يدخل في حبست.

وَحَبَسْتُ وَتَصَدَّقْتُ إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ مِنْ قَيْدٍ أَوْ جِهَةٍ لا تَنْقَطِعُ تَأَبَّدَ وَإِلا فَرِوَايَتَانِ

(وَحَبَسْتُ) هو على حذف مضاف؛ أي: ولفظ حبست.

(وَتَصَدَّقْتُ) بذلك على ذلك. وقوله: (إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ) على التأبيد (مِنْ قَيْدٍ) أي: في الكلام كقوله: حبس أو صدقة لا يباع ولا يوهب. واختلف إذا جمع بين اللفظين فقال: حبس صدقة أو بالعكس، ففي المدونة: لم يختلف قول مالك أنه لا يباع ويرجع إلى أقرب الناس يوم المرجع حبساً.

ابن رشد وغيره: وليس صحيحاً، فإن لمالك في المختصر أنه يرجع إذا كان على معين ملكاً كالعمرى أو هو قول ابن وهب في العتبية أنه يرجع إليه ملكاً مطلقاً إذا حبس على معين، وإن قال لا يباع ولا يوهب حياة المحبس عليهم.

وقوله: (لا تَنْقَطِعُ) أي كما لو حبس على الفقراء وطلبة العلم وإصلاح المساجد، ولا فرق في الجهة بين أن تكون محصورة أم لا، غير أنه إذا تعذر الصرف في الجهة

ص: 293

المحصورة صرف في مثلها، قاله عياض فقال: وإن جعله على وجه معين محصور كقوله في وقود مسجد كذا وإصلاح قنطرة كذا فحكمه كالحبس المبهم أي في التأبيد، وإن تعذر ذلك أي بخلاء البلد أو فساد موضع القنطرة حتى يعلم أنها لا تبقى وقف إن طمع بعوده إلى حاله أو صرفه في مثله.

عياض: فإن قال: حبس على فلان ولا يباع ولا يوهب ولا يورث فهي حبس على مذهبه في الكتاب، وله في العتبية: يرجع ملكاً كالعمرى.

وقال مطرف: لوق ال: بع هذا على فلان بعينه؛ فهو حبس، واختلف فيها في الصدقة أيضاً، فروى أشهب عن مالك أنه بتل ولا يضر الشرط. وقال أشهب وسحنون: إنه حبس محرم.

وقال مالك وابن القاسم أيضاً: هي صدقة باطلة إما بتلها أو رجعت إليه، إلا لصغير أو سفيه فيشترط له ذلك إلى رشده، وهو مذهبه أيضاً في الهبة على هذا الشرط وهو كالصدقة في هذا الاختلاف. وأما لو قال في جميع هذا لا يباع ولا يورث ولا يوهب ولا يملك لكان حبساً محرماً بغير خلاف لارتفاع الاحتمال، نص عليه البغداديون، انتهى.

وفي كلام المصنف نظر من جهة تسويته بين لفظ الحبس والصدقة، فإن الحكم في الصدقة على ما قال عياض وغيره أنه قال: إذا قال: صدقة للمساكين ولفلان؛ أنه تكون لهم أو له ملكاً ويباع ويصرف الناظر ثمنها على المساكين على حسب اجتهاده يوم الحكم، ولا يلزم التعميم إذ هو غير مقدور عليه ولا هو مراد المحبس.

واختلف قول مالك إذا قال صدقة على مجهولين محصورين كقوله: على فلان وعقبه؛ فعنه في المدونة أنه حبس مؤبد يرجع بعد انقراضهم مرجع الأحباس سواء قال: ما عاشوا أم لا.

ص: 294

وفي رواية أشهب أيضاً: يرجع لأىخر المحبس عليهم ملكاً، وقيل بل حكمها حكم العمري. وحكى ابن الجلاب إذا جعلها صدقة في وجه كذا أنها اختلف فيها قول مالك؛ فمرة جعلها كالعمري ومرة جعلها تنفد حبساً، قال: إلا أن يريد أنه تصدق بغير ملكه لا بمنفعته فتكون ملكاً لمن تصدق بها عليه.

عياض: وهو عندي يرجع إلى معنى اختلافه في هذا الوجه المجهول المحصور.

قوله: (وَإِلا فَرِوَايَتَانِ) أي: وإن لم يقترن به ما يدل على التأبيد، وهذا يصدق على صورتين:

إحداهما: أن يكون مجرداً عما يدل على عدم التأبيد.

والثانية: أن يكون مقترناً بما يدل على عدم التأبيد.

الأول: وقد قدمنا أنه مجهول في الصدقة على التمليك، وأما في الحبس فنص ابن رشد وعياض على أنه إذا أطلق وقال داري حبساً أنه لا خلاف أنه وقف مؤبد لا يرجع ملكاً، وعلى هذا فالمصنف لم يرد هذه الصورة.

ابن يونس وسند: وكذلك إذا حبسته على محصورين غير معينين كقولك: حبس على ولد فلان، أو عقبه، أو بنيه، أو نسله- فإن هذا ليس فيه اختلاف أنه مؤبد لا يرجع إلى المحبس ويكون بعد انقراض المحبس عليهم حبساً على أقرب الناس بالمحبس إلا أن يقول حياتهم، فذهب ابن الماجشون إلى أنها ترجع ملكاً بعد انقراضهم. انتهى.

وحكى عياض في هذه المسألة خلافاً فقال: وأما إن جعله في وجه محصور غير معين يتوقع انقراضه كقوله على بني زيد وعلى عمر وولده أو عقبهما أو فرسي حبس على من يغزو في هذه الطائفة أو لطلبة العلم بمدينة كذا، فحكم هذا حكم الحبس المطلق المؤبد يمضي أبداً ويرجع بعد انقراض الوجه الذي وجه له لمرجع الأحباس على ما تقدم، وهذا مذهبه في المدونة وغيرها.

ص: 295

واختلف فيه قدماء أصحابه، ونقل اللخمي عن ابن الجلاب أنها تعود ملكاً وأراه تأوله عليه وسيأتي نقل ابن الجلاب، وقيل هي على من وجه كما لو عين وهو الذي له في المجموعة، وعلى هذا فليس هذا محلاً للروايتين وإنما محلهما إذا حبس على قوم بأعيانهم. ونقل ابن الجلاب وغيره فيما إذا حبس في وجه كذا روايتين:

إحداهما: أنه يبقى حبساً فإذا انقرض الوجه الذي جعله فيه رجع له ملكاً في حياته ولورثته بعد وفاته.

والثانية: حبساً على أقرب الناس بالمحبس فإذا انقرضوا رجع على الفقراء والمساكين، وهو ظاهر المذهب وهي التي اقتصر عليها في الرسالة لئلا يلزم العود في الصدقة وفيه نظر، وإنما يلزم العود في الصدقة لو كان أولاً بمعنى الصدقة وهو أعم، ولا فرق فيما إذا حبس على معين بين أن يقول حياته [638/أ] أم لا على ظاهر المدونة وتأويل سحنون.

وقال محمد: إن قال في حياته وشبهه فلا يختلف أنه كالعمري، ونحوه لمطرف، قال مالك: وكذلك لو قال على فلان بعينه. واستبعد ابن رشد قول محمد.

المتيطي: أما لو قال وقفاً على هذه العشرة حياتهم فلا خلاف أنه يرجع ملكاً. فإن قلت قول المصنف (وَإِلا فَرِوَايَتَانِ) يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين الحبس والصدقة، قيل: يحمل على الصورة المتقدمة وهي ما إذا قال: صدقة على مجهولين محصورين. ثم فرَّع على الروايتين فقال:

وَإِذَا لَمْ يَتَأَبَّدْ رَجَعَ بَعْدَ انْقِرَاضِ جِهَتِهِ مِلْكاً لِمَالِكِهِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَإِذَا تَأَبَّدَ رَجَعَ إِلَى وَرَثَةِ الْمُحَبِّسِ مِنَ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ عَلَى عَصَبَتِهِمْ، وَيَدْخُلُ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ لَوْ كَانَ رَجُلاً لَكَانَ عَصَبَةً، وَقِيلَ: لا تَدْخُلُ النِّسَاءُ، وَلا تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ وَلا الْجَدَّةُ لِلأُمِّ

أي: حيث حكمنا بعدم التأبيد فإنه يرجع ملكاً لمالكه إذا كان حياً ولورثته بعد موته، وإن حكمنا بالتأبيد وتعذر صرفه في ما حبس عليه رجع حبساً على أقرب الناس بالمحبس

ص: 296

يوم المرجع، لأنه لما امتنع على هذه الرواية الرجوع إلى المحبس صرف إلى أقرب الناس به لما يجتمع في ذلك من الصلة وسد خلّة الفقراء، قاله ابن كنانة وشرط في الذي يرجع إليه الحبس الفقر بقوله:(مِنَ الْفُقَرَاءِ) لأن (مِنْ) للبيان.

ابن عبد السلام: وهو المشهور، وقيل إذا لم يكن أهل المرجع فقراء ولم يكن فيهم من أهل الحاجة أحدٌ أعطي الأغنياء منهم، وقيل يدخل الأغنياء في السكنى دون الغلة.

واختلف أيضاً إذا كان في مراجع الأحباس فقراء فأخذوا ما يكفيهم وبقيت بقية، هل يرجع إلى من هو أبعد منهم أو ترد عليهم؟

وقوله: (ثُمَّ عَصَبَتِهِمْ) أي: من الفقراء. ولو قال المصنف ثم عصبة الأقرب فالأقرب لأن عصبة عصبته عصبة له لكان أقرب إلى الفهم. وأجاب بعض من تكلم على هذا المحل بأنه قصد الاقتداء بعبارة الأقدمين وفيه نظر، لأني لم أر هذه العبارة للأقدمين بل الذي لمالك في العتبية أنه يرجع على عصبة المحبس. وقال ابن القاسم: يرجع إلى أولى الناس من ولد أو عصبة، وقاله مالك في الموازية.

وقوله: (وَيَدْخُلُ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ لَوْ كَانَ رَجُلاً كَانَ عَصَبَةً) أي: ويدخل من النساء في مراجع الأحباس، وهكذا قال مالك في الموازية ونحوه لأصبغ، وقيل يدخل النساء هذا القول لابن القاسم في العتبية لأنه قال: يرجع إلى المحبس قال إنها ابنة واحدة قال ليس النساء عصبة إنما يرجع إلى الرجال، ولم يذكر المصنف على القولين بدخولهن إلا قولاً واحداً وهو: أنّ من كان من النساء ذكراً كان عصبة وهو مقتضى ما في سماع ابن القاسم، وعليه فتدخل العمات وبنات العمات وبنات العم وبنات الأخ وبنات الأخوات للأب والأم أو للأب دون الأخوات للأم، وتدخل أمه وبنات المعتق وقيل لا يدخل من النساء إلا من يرث منهن خاصة ومن البنات وبنات الأبناء والأخوات الشقائق أو لأب وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون، ولا يدخل من النساء إلا من كان من جد من

ص: 297

النسب كالبنات وبنات الأبناء والأخوات ولا تدخل الأم لأنها ليست من قوم نسبه، ولا العمات لا بنات العم وبنات الأخ، ولمالك من رواية أشهب أن الأم لا تدخل فأحرى الجدة. وروي عن ابن القاسم أن الأم تدخل دون الجدة.

صاحب البيان وابن زرقون: ولا خلاف أنه لا تدخل الأخوات للأم ولا الخالات ولا بنات البنات ولا بنات الأخوات وعلى دخولهن فقال مالك في المدونة: الذر والأنثى فيه سواء وإن شرط في أصل الحبس للذكر مثل حظ الأنثيين، قال لأن المرجع ليس فيه شرط ولو لم يكن له يوم يرجع إلا ابنة واحدة لكان لها جميعه.

وَالْوَقْفُ لازِمٌ وَلَوْ قَالَ وَلِي الْخِيَارُ

لأن بقوله: "وقفت" لزم فلا يقبل قوله: (وَلِي الْخِيَارُ)؛ لأنه رجوع بعد لزومه، وهكذا في الجواهر.

ابن عبد السلام: وفيه نظر؛ لأنه إلزام له غير ما التزمه. وقال بعض من تكلم هنا: لا أعلم للمصنف موافقاً.

خليل: وقد قال جماعة أن المحبس إذا شرط في حبسه أنه إن ذهب قاض أو غيره إلى كذا يرجع إليَّ حبسي فجميع حبسه راجع إليه إن كان حياً أو إلى ورثته أو صدقة لفلان- أن له شرطه، وكذلك قال إذا شرط أن من احتاج من المحبس عليهم باع الحبس أنه يصح هذا الشرط ولزم المحبس عليه إثبات حاجته أو اليمين على ذلك إلا أن يشترط المحبس أنه مصدق فله البيع من غير إثبات.

وَلا يُشْتَرَطُ التَّنْجِيزُ كَمَا إِذَا قَالَ: إِذَا جَاءَ رَاسُ الشَّهْرِ فَهُوَ وَقْفٌ

تصوره ظاهر.

ص: 298

وَلا التَّابِيدُ بَلْ يَصِحُّ جَعْلُهَا مِلْكاً لَهُمْ وَلِغَيْرِهِم بَعْدُ

هكذا قال في المدونة والمجموعة فيمن قال: داري حبس على عقبي وهي للآخر منهم أنها تكون للآخر منهم ملكاً.

وَلَوْ قَالَ: "عَلَى أَوْلادِي" وَلا أَوْلادَ لَهُ فَفِي جَوَازِ الْبَيْعِ قَبْلَ إِيَاسِهِ قَوْلانِ: ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُحْكَمُ بِحَبْسِهِ وَيُخْرَجُ إِلَى يَدِ ثِقَةٍ لِيَصِحَّ الْحَوْزُ، وَتُوقَفُ ثَمَرَتُهُ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَلَهُمْ وَإِلا فَلأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ

القول بالجواز لمالك في الموازية والمجموعة، قاله فيمن حبس على ولده ثم هو في سبيل الله، والقول بالمنع لابن القاسم قال: ليس له أن يبيع حتى ييأس من الولد، قال: ولو أجزت له أن يبيع لأجزت له إن كان له ولد وماتوا أن يبيع ولا ينتظر أن يولد له، قال: وإن مات قبل أن [638/ب] يولد له صار ميراثاً، وقول ابن الماجشون ثالث أي أن الحبس قد تم وإن لم يولد له رجع إلى أقرب الناس بالمحبس. وقوله:(فَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَلَهُمْ)، أي الحبس والثمرة، وإذا بقي وقفاً عليهم رد إليه لأنه لا يصح حوز لولده، قاله الباجي.

وَلا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَصْرِفِ لَفْظاً، بَلْ لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ صُرِفَ إِلَى الْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ: فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ

نحوه في الجواهر؛ لأنه قال: وإن قال وقْفٌ ولم يعين المصرف صرف إلى الفقراء، قاله مالك في الكتاب.

وقال القاضي أبو محمد: يصرف في وجوه الخير، ولفظ المدونة: ومن قال داري حبس فقط؛ ولم يجعل لها مخرجاً فهو حبس على الفقراء والمساكين، إلا أن يرى لذلك وجه يصرف إليه؛ مثل أن يكون موضع رباط كالإسكندرية وجلُّ ما يحبس الناس فيها السبيل فيجتهد فيها الإمام. وفي الجلاب نحو قول القاضي.

ص: 299

وقال ابن عبد السلام وقوله: (وَقِيلَ: فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ) عدَّه المصنف خلافاً وليس كذلك، وإنما هو المذهب أن يسأل المحبس إن أمكن عن قصده فيعمل عليه وإن لم يمكن كموته ونحو ذلك نظر إلى غالب ما يحبس الناس فيه ذلك الجهة، فإن لم يكن غالب صرف إلى الفقراء. انتهى.

وفيه نظر، لأنه كلام مع سؤال المحبس والغلبة وإنما الكلام إذا لم يكن واحد منهما. وقوله في الجلاب: صرف في وجوه الخير أعم من الفقراء، فهما قولان والله أعلم.

وَمَهْمَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مَا يَجُوزُ لَهُ اتُّبِعَ كَتَخْصِيصِ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ أَصْحَابِ مَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ

لأن ألفاظ الواقف تتبع كألفاظ الشارع، واحترز بقوله:(مَا يَجُوزُ لَهُ) مما لو شرط معصية، ولا يعارض هذا بأحد القولين في نقل أنقاض المسجد إذا دثر ويئس من عمارته لخراب البلد ونحوه إلى مسجد آخر، لأن شرطه إنما يتبع مع الإمكان ولأن هذا أوفق لقصده لدوام الانتفاع بوقفه. وكذلك روى أصبغ عن ابن القاسم في مقبرة عفت فلا بأس أن يبني فيه مسجد وكل ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض، وكذلك قال ابن الماجشون في أرض محبسة لدفن الموتى فضاقت بأهلها وأرادوا أن يتوسعوا ويدفنوا بمسجد بجانبه فلا بأس به وذلك حبس كله.

وسأل ابن وضاح سحنون عن زيت المسجد يكون كثيراً يباع ويدخل في منفعة المسجد قال: تجعل فتائل غلاظ ولم ير بيعه، قال: أيوقد به في مسجد آخر؟ قال: فلا بأس به، قال: فالخشبة تكون في المسجد قد عفت لا يكون فيها كثير منفعة أتباع ويشتري بثمنها خشب يرم به المسجد؟ قال: أما أنا فلا أجعل سبيلاً إلى بيعها أصلاً إلا ثم قولاً ضعيفاً.

ص: 300

وَلَوْ حَبَّسَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْروٍ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَحِصَّتُهُ لِلْفُقَرَاءِ إِنْ كَانَتْ َغَلَّةً، وَإِنْ كَانَتْ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَشِبْهِهِ فَرِوَايَتَانِ

قوله: (عَلَى زَيْدٍ وَعَمْروٍ) أي: معينين، واحترز من نحو فلان وعقبه أو على بني بنيهم وهذا إن بقي واحد فله جميع الغلة.

ابن راشد: قوله: (ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ) أي: ثم جعله في آخر على الفقراء أو غيرهم ثم مات بعض الأولين، فإن كان الحبس يتجزأ بالقسمة كغلة الحائط انتقل نصيب الميت إلى المصرف الثاني، وإن كان لا يتجزأ بالقسمة كركوب الابة وسكنى دار فاختلف هل ينتقل نصيب الميت للمصرف الثاني أو لبقية الأولين؟

ابن عبد السلام: وقد كثر فيها اضطراب المتقدمين وكذلك بين فقيهي قرطبة ابن رشد وابن الحاج، وألف كل واحد منهما على صاحبه.

ص: 301