المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌اللُّقَطَةُ: كُلُّ مَالٍ مَعْصُومٍ مُعَرَّضٍ لِلضَّيَاعِ فِي عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ   اللقطة- - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٧

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: ‌ ‌اللُّقَطَةُ: كُلُّ مَالٍ مَعْصُومٍ مُعَرَّضٍ لِلضَّيَاعِ فِي عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ   اللقطة-

‌اللُّقَطَةُ:

كُلُّ مَالٍ مَعْصُومٍ مُعَرَّضٍ لِلضَّيَاعِ فِي عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ

اللقطة- بفتح القاف وضم اللام- ما التقط، هكذا استعمله الفقهاء. وقياس هذا أن يكون ممن يكثر منه الالتقاط كالهمزة والضحكة، وفسرها الزبير على الأصل: اللقطة- بفتح القاف وسكونها- ما التقط. وحكى ابن الأثير القولين، قال: والأول أصح.

عياض: الالتقاط وجود الشيء من غير طلب. وقول المصنف: (كُلُّ مَالٍ .. إلخ) كلية تعرف به اللقطة، واحترز بالمعصوم من غيره كمال الحربي وبمعرض للضياع مما هو في حفظ، والغامر- بالغين المعجمة- ضد العامر، ولا يقال تخرج منه الشاة الملتقطة في الصحراء لأنها غير معصوم، إذ لآخذها [648/أ] أكلها من غير ضمان، لأنا نقول: المراد بالمعصوم في الأصل والشاة كذلك، ولأن إطلاق اللقطة عليها مجاز.

وَلا يَلْتَقِطُ الإِبلَ فِي الصَّحْرَاءِ

لما في الموطأ والصحيحين: سئل عليه السلام عن لقطة الذهب والفضة فقال: "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستبقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدِّها إليه". وسئل عن ضالة الإبل فقال: "ما لك ولها، دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتشرب الماء حتى يجدها ربها". وسأله عن الشاة فقال: "خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب" وفي رواية حماد بن سلمة عند مسلم: "فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها فأعطها إياه، وإلا فهي لك" وعنده أيضاً من حديث سفيان وزيد بن أنيسة وحماد بن سلمة في حديث آخر: "فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه". وقوله: "وسقاءها" هي استعارة لصبرها عن الماء كمن حمل معه سقاء. والحذاء- بالحاء المهملة والذال المعجمة ممدوداً- ما وطأ عليه البعير من خف والفرس من حافر. قاله الجوهري وعياض. وهي استعارة لصبرها على المشي كمن لبس الحذاء.

ص: 361

وأشار ابن شهاب إلى أن الإبل لم تزل على ما ذكره في الحديث من عدم التقاطها إلى زمان عثمان رضي الله عنه فأمر بتعريفها ثم تباع، فإن جاء صاحبها أعطي الثمن لفساد الناس حينئذ. واختلف هل تلتقط حين لا يؤمن عليها السباع؟

مالك وابن القاسم وأشهب: إن كان الإمام عدلاً أخذت ودفعت إليه ليعرفها، وليس للملتقط أكلها ولا بيعها، فإن لم تعرف ردها حيث وجدها.

ابن القاسم: وهو رأي على ما روي عن عمر رضي الله عنه. قال مالك مرة فيمن وجد بعيراً ضالاً: فليأت به الإمام يبعه ويجعل ثمنه في بيت المال. وقال في مدونة أشهب: يباع ويوقف ثمنه حتى يأتي ربه، فإن يئس منه تصدق به عنه كما جاء عن عثمان رضي الله عنه. قالوا: وإن كان الإمام غير عدل لم تؤخذ وتركت مكانها. انتهى.

وفي المقدمات بعد أن ذكر عدم التقاط الإبل: قيل: إن ذلك في جميع الأزمان. وهو ظاهر قول مالك في المدونة والعتبية. وقيل: بل هو خاص بزمان العدل وصلاح الناس، وأما في الزمان الذي فسد فيه الناس فالحكم فيه أن تؤخذ وتعرف، فإن لم تعرف بيعت ووقف ثمنها لصاحبها، فإن لم يأت ويئس منه تصدق به عنه على ما فعله عثمان رضي الله عنه.

ابن عبد السلام: وصحيح مذهب مالك عدم التقاطها مطلقاً.

وقوله: (فِي الصَّحْرَاءِ) نحوه في المدونة فيحتمل ألا يكون له مفهوم، وأنه خرج مخرج الغالب، ويحتمل أن يكون له مفهوم وهو محتمل للموافقة؛ لأنه إذا امتنع التقاطها حيث يتوهم ضياعها فامتناعها حيث لا يتوهم ضياعها أولى، ومحتمل للمخالفة فيكون معناه أنها تلتقط في العمران لسهولة وجدان ربها له بخلاف ما إذا نقلها من الصحراء إلى العمارة فلا يتأتى معرفة ربها، ولأنها في العمران لا تجد ما تأكل فتهلك.

ابن عبد السلام: والأول أسعد لظاهر المذهب، والثاني أقرب إلى لفظه، وإلا لقال لا تلتقط الإبل وسكت عن الصحراء.

ص: 362

وَفِي إِلْحَاقِ الْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ثَالِثُهَا لابْنِ الْقَاسِمِ: تُلْحَقُ الْبَقَرُ دُونَهَا

القول بالإلحاق لأشهب، قال: لا تؤخذ البقر والبغال والحمير، وإن أخذها عرفها سنة ثم تصدق بها. وقال ابن شعبان: لا تلحق البقر وتؤكل، وعلى هذا فتلتقط الخيل والحمير ويعرف ما قاله في المدونة. والثالث مذهب المدونة، قال فيها: وضالة الإبل إن كانت بموضع يخاف عليها فهي كالشاة وإن كانت بموضع لا يخاف عليها من السباع والذئاب فكالإبل، فإن وجد الخيل والبغال والحمير فليعرفها، فإن جاء ربها أخذها، وإن لم يأت تصدق بها.

وَيُلْتَقَطُ الْكَلْبُ، وَالْمَتَاعُ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، وَالْمَطْرُوحُ خَوْفَ الْغَرَقِ، وَبِالْفَلاةِ لِعدْمِ الرَّاحِلَةِ لأَرْبَابِهَا وَعَلَيْهِمْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ

يريد: المأذون في اتخاذه، وأما غيره ففي المدونة: لا شيء على قاتله فكيف يلتقط.

وقوله: (لأَرْبَابِهَا) قد تقدم في هذا خلاف في باب الزكاة وعليهم أجرة حمله إن شاءوا أخذه وإن شاءوا تركه لواجده لم يلزمهم شيء.

وَالالْتِقَاطُ حَرَامٌ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ خِيَانَةَ نَفْسِهِ، وَمَكْرُوهٌ لِلْخَائِفِ، وَفِي الْمَامُونِ الاسْتِحْبَابُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالاسْتِحْبَابُ فِي مَا لَهُ بَالٌ، والوُجُوبُ إِنْ خَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ

يعني: أن حكم اللقطة يختلف بحسب الملتقط، وجعل الأقسام ثلاثة:

أولها: أن يعلم من نفسه الخيانة إن أخذها فيكون التقاطه عليه حراماً.

وثانيها: أن يخاف على نفسه أن يستقرئ الشيطان أن يأخذها ولا يتحقق ذلك فيكون التقاطه له مكروهاً.

وثالثها: أن يتق بأمانة نفسه. ثم قسم هذا على قسمين:

ص: 363

الأول: أن تكون بين ناس لا بأس بهم ولا يخاف عليه الخونة.

والثاني: أن يخاف عليها، فإن خافهم وجب عليه الالتقاط لقدرته على حفظ مال أخيه. وحكي على ذلك الاتفاق، وإن لم يخف فثلاثة أقوال وهي كلها لمالك: الاستحباب لأن تعريفها ينبه لها ربها، والكراهة لأن صاحبها قد يأتي إليها ويذكر موضعها فيأتي إليه فإذا لم يجدها لا يطلبها.

وقوله في القول الثالث: (الاسْتِحْبَابُ فِي مَا لَهُ بَالٌ)[648/ب] فتركه أفضل.

وقيد ابن رشد هذا الخلاف بأن يكون الإمام عدلاً، وإن كان الإمام غير عدل وكانت بين قوم مأمونين فالاختيار ألا يأخذها اتفاقاً، وإن كانت بين قوم غير مأمونين فيخير بين أخذها وتركها بحسب ما يغلب على ظنه من أحد الطرفين.

فَإِنْ أَخَذَهَا لِيَحْفَظَهَا ثُمَّ رَدَّهَا ضَمِنَ

قال: (لِيَحْفَظَهَا)؛ لأنه لو أخذها ليسأل عنها من بين يديه لم يضمن كما في المدونة في واجد الكساء بأرفقة فأخذها وصاح: أهذا لكم؟ فقالوا: لا. فرده، قال: قد أحسن في رده ولا يضمن.

عياض: ولا خلاف في مسألة الكساء إذا ردها في الحين.

وقوله: (ثُمَّ رَدَّهَا ضَمِنَ) ظاهره سواء ردها في القرب أم لا، أما إن لم يردها عن قرب فمذهب ابن القاسم أنه يضمن وإليه ذهب عبد الوهاب، وقال أشهب: لا ضمان عليه وإن مكث في يده، وأما إن ردها بالقرب ففيه أيضاً خلاف.

لكن اختلف تأويل الشيوخ هل يوافق ابن القاسم قول أشهب هنا أو يقال بالضمان مطلقاً؟

ص: 364

وَهِيَ أَمَانَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ اخْتِزَالَهَا فَتَصِيرُ كَالْمَغْصُوبَةِ

يعني: فيضمن ولو فاتت بسماوي، ويصدق ولا يلزمه الإشهاد عليها حالة التقاطها خلافاً لبعض الحنفية.

وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا سَنَةً عَقِبَهُ فِي مَظَانِّ طُلابِهَا فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ، أَوْ يَسْتَاجِرُ مِنْهَا إِنْ كَانَ مِثْلُهُ لا يُعَرِّفُ

(عَقِبَهُ) أي عقب الالتقاط، وظاهره لو أخر التعريف لضمن، وفي اللخمي: إن أمسكها سنة ولم يعرفها ثم عرفها فهلكت ضمنها. انتهى.

وينبغي ألا يتقيد بالسنة. وقوله: (فِي الْجَوَامِعِ)؛ هو بدل من قوله: (فِي مَظَانِّ طُلابِهَا) وظاهره أن التعريف يكون فيها، ولعل ذلك مع خفض الصوت، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف، أي في باب الجامع والمساجد وهو أحسن، أما أولاً فلأنه كذلك في المدونة وغيرها؛ وأما ثانياً فلأن في مسلم عنه عليه السلام:"من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا" ولهذا قال مالك في العتبية: لا أحب تعريف اللقطة في المساجد.

فرع:

وإن وجدها بين مدينتين عرفها فيهما.

ابن القاسم: وإن وجدت بقرية ليس فيها إلا أهل الذمة فليدفع لأحبارهم.

وقوله: (فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ) أي: مرة. هكذا روى ابن نافع عن مالك.

ابن عبد السلام: وينبغي أن يكون أكثر من ذلك في أول تعريفه.

اللخمي: واختلف عن مالك هل يسمي جنس اللقطة إذا أنشدها أو لا يسمي أحسن، ويلفق ذكرها مع غيرها؟

ص: 365

وهو مخير بين أربع: بين أن يعرفها بنفسه أو يدفعها إلى السلطان إذا كان عدلاً، أو إلى مأمون يقوم مقامه أو يستأجر منها من يعرفها فجائز أن يعرفها للحديث. وأجاز له في المدونة أن يدفعها إلى السلطان، وأجاز ابن القاسم في العتبية أن يدفعها إلى المأمون يعرفها، وأجاز ابن شعبان أن يستأجر منها عليها يريد إذا لم يلزم تعريفها وكان مثله لا يلي مثل ذلك، يعني فإن كان مثله ممن يتولى ذلك لم يستأجر عليها إلا من مال نفسه لأنه بالتقاطه كالملتزم لتعريفها، وإلى هذا أشار المصنف بقوله:(بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ إِنْ كَانَ مِثْلُهُ لا يُعَرِّفُ).

فإن قلت: لم جاز له هنا أن يستنيب فيها ولم يجز في الوديعة والمقصود فيهما الحفظ؟

قيل: رب اللقطة لم يعن الملتقط الحفظ بخلاف المودع. ابن كنانة: وإذا دفعها لغيره وقال له اعمل بها ما شئت.

الباجي: وقد أعلمه أنها لقطة فإن ادعى الملتقط ضياع اللقطة فقال ابن القاسم: لا شيء عليه. وقال أشهب وابن نافع: عليه اليمين.

أشهب: وإن ادعى صاحبها أنه التقطها ليذهب بها فالقول لملتقطها أنه أخذها للتعريف بلا يمين، والله أعلم.

وَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بَعْدَهَا أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ضَامِناً لَهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: إِلا مَكَّةَ فَلا تُمْلَكُ لُقَطَتُهَا لِلْحَدِيثِ، وَالْمَذْهَبُ خِلافُهُ، أَوْ يُبْقِيَهَا أَمَانَةً

أي: وللملتقط أن يتملك اللُّقَطَة بعد سنة أو يتصدق بها ضامناً لها، أي إن جاء صاحبها فظاهر كلامه أنه مخير، وبذلك صرح في الجلاب.

ابن عبد السلام: ونصوص المذهب على رجوحية التمليك، وربما وقع المنع من ذلك؛ لأن المراد من الملتقط أن يتصرف فيها. انتهى.

ص: 366

قيل: وظاهر المدونة الكراهة لقوله: لا آمره بأكلها قلَّت أو كثرت ولا يتجر باللقطة بالسنة ولا بعد السنة أيضاً كالوديعة. وقال ابن القصار: يكره أن يملكها غنياً أو فقيراً فإن أكلها جاز.

اللخمي: وقال ابن شعبان: له ذلك إن كان غنياً بمثلها. وقال ابن وهب: إن كانت قليلة وكان فقيراً أكلها.

والذي يقتضيه قول ابن القاسم في المدونة أن له أن يستمتع بها غنياً كان أو فقيراً. وذكر في الاستذكار أن تحصيل المذهب جواز الأكل للفقير والغني، وقال: وعليه يناظر أصحابه للحديث: "شأنك بها بعد السنة" ولم يفرق بين الفقير والغني.

وقوله: (وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِلا مَكَّةَ) ابن عبد السلام: نحوه للّخمي وابن رشد وابن العربي ومذهب الداودي. والحديث المشار إليه في الصحيحين أنه عليه السلام قال: "لا تحل لقطتها إلا لمنشِد" يعني: على الدوام، وإلا فلا فائدة لتخصيصه، قاله الباجي. وحفظ هؤلاء للمذهب معلوم، غير أن ابن القصار حكى عن المذهب كما حكى المصنف، وأياً ما كان [649/أ] فموافقة الحديث واجب لصحته، وهو خاص وغيره من أحاديث هذا الباب عام.

خليل: وفيما حكاه اللخمي نظر؛ لأن الذي فيه بعد ذكر نقل ابن القصار: ومذهب الشافعي أبين للحديث وللقياس وليس في هذا الاختيار مذهب الغير فاعلمه.

وقوله: (أَوْ يُبْقِيَهَا أَمَانَةً) هو معطوف على أول المسألة وهو قوله وله أن يتملكها بعد أن يتصدق بها.

وَأَمَّا التَّافِهُ فَلا يُعَرَّفُ

يعني: أن التعريف بالسنة يختص بالكثير، وأما القليل الذي لا يفسد فإن كان تافهاً لا قدر له بحيث يعلم أن صاحبه في العادة لا يتبعه لقلته فلا يعرف أصلاً. قال في البيان:

ص: 367

كالعط والسوط وشبه ذلك لما صح من حديث أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام مر بثمرة بالطريق فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها". وقال المصنف: لا يعرف؛ لأنه يؤخذ منه أنه لا ضمان عليه، ولم يقل فله أكله لأنه لا يلزم من الأكل نفي الضمان.

وَأَمَّا مَا فَوْقَهُ مِنْ نَحْوِ مِخْلاةٍ وَدَلْوٍ فَقِيلَ: يُعَرَّفُ أَيَّامَ مَظَنَّةِ طَلَبِهِ، وَقِيلَ: سَنَةً كَالْكَثِيرِ ....

(فَوْقَهُ) أي: فوق التافه ودون الكثير مما يشح به صاحبه ويطلبه.

ابن رشد: ولا خلاف في وجوب تعريفه، إلا أنه يختلف في حده فقيل: سنة كالذي له بال وهو ظاهر رواية ابن القاسم في المدونة. وقيل: لا يبلغ به الحول وهو قول ابن القاسم من رأيه في المدونة، وروى عيسى عن ابن وهب في العتبية في مثل الدريهمات والدينار أنه يعرف بذلك أياماً، وقال: ظاهر رواية ابن القاسم لقوله من التقط دنانير أو دراهم أو حلياً مصوغاً أو عروضاً أو شيئاً من متاع أهل الإسلام فليعرفه سنة وإن جاء صاحبها، وإلا لم آمره بأكلها كثرت أو قلت درهماً فصاعداً.

ابن عبد السلام: وتأوله بعضهم على القول الأول من كلام المصنف وهو الذي عليه الأكثر من أهل المذهب وغيرهم.

وَأَمَّا مَا يَفْسُدُ كَالطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ فِي رُفْقَةٍ فِيهِ قِيمَةٌ فَثَالِثُهَا: يَضْمَنُ إِنْ أَكَلَهُ وَلا يَضْمَنُ إِنْ تَصَدَّقَ بِهَا، وَإِلا أَكَلَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ

يعني: إن التقط ما يفسد بالتأخير كالفاكهة واللحم، فإن كان هذا الطعام في قرية أو رفقة له فيه قيمة فثلاثة أقوال:

الأول: يضمنها سواء أكله أو تصدق به وهو ظاهر قول أشهب لأنه قال يبيعه ويعرف به.

ص: 368

الثاني: لا ضمان عليه مطلقاً قاله صاحب المقدمات وغيره وهو ظاهر المدونة لقوله يتصدق به أعجب إلي فإن أكله فلا شيء عليه. والثالث: يضمن إن أكله لانتفاعه به ولا يضمنه إن تصدق به قاله مطرف في الواضحة. وإن لم يكن في قرية ولا رفقة- وإليه أشار بقوله وإلا أكله غنياً كان أو فقيراً ولا ضمان عليه قياساً على الشاة.

وَالشَّاةُ بِمَكَانٍ يُخْشَى عَلَيْهَا وَيَعْسُرُ حَمْلُهَا كَذَلِكَ

أي: الشاة كالطعام في التفصيل، والخلاف بشرطين:

أولهما: أن تكون بمكان يخشى عليها كالفوات بخلاف ما إذا كانت بقرية أو بالقرب منها فإنها تعرف في أقرب القرى إليها، قاله في المدونة.

وثانيهما: أن يعسر حملها إلى العمارة لقوله عليه السلام: "هي لك أو لأخيك أو للذئب" وعلى هذا فحكم الشاة والطعام متفق إذا وجد بالبعد مختلف إذا وجد بالقرب من العمارة إذ بها تعرف الشاة. وتقدم أن ظاهر المدونة نفي الضمان. وقال سحنون: إن أكل الشاة واجدها بالفلاة أو تصدق بها ثم جاء صاحبها ضمنها. واختاره ابن عبد البر واستدل بقول مالك فيمن اضطر إلى طعام غيره أنه يأكله ويضمنه، وقال: والشاة الملتقطة أولى بذلك.

وإذا فرعنا على المشهور فلو ذبحها بالفلاة ثم أتى بلحمها أكله غنياً كان أو فقيراً.

أصبغ: ويصير لحمها وجلدها مالاً من ماله ولا ضمان عليه في ذلك إلا أن يجده صاحبه بيديه فيكون أحق به، وإن أتى بالشاة من الفلاة إلى العمارة فلها حكم اللقطة يعرفها وإن أتى ربها أخذها.

اللخمي: يريد ويعطيه أجر نقله. قال في المدونة: ويغرم ما أنفق عليها وعلى الفقر والقياس ألا شيء له في الشاة وإن كانت حية لأنه نقلها بعد أن ساغ له تملكها ولولا ذلك لم ينقلها.

ص: 369

ووقع في العتبية فيمن قدم بالطعام والإدام إلى العمران أنه يضمنه. ابن يونس: فعلى هذا يضمن اللحم إن أكله خلافاً لأصبغ.

وَأَمَّا مَنَافِعُهَا وغَلَّاتُهَا وَحِلابُهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ الْحِلابُ وَلا يُتْبَعُ إِلا بِهَا وَبِنَسْلِهَا، وَقِيلَ: إِلاأَنْ يَكُونَ لَهُ ثَمَنٌ

هكذا في بعض النسخ وسقط من بعضها أو غلاتها، وعلى النسختين فعطف الحلاب من باب عطف الخاص على العام. وما نسبه لمالك رواه عنه ابن نافع في الرجل يكون في غنمه وباديته فيجد شاة بفلاة من الأرض فلاه حلابها ولا يتبع إن جاء ربها إلا بها وبنسلها. قال: ويحبسها سنة فإن ذبحها قبل السنة ضمنها لربها إلا أن يخاف فوتها فيذبحها فلا شيء عليه إلا أن يقدر على بيع لحمها. والقول الثاني لمطرف قال: أما اللبن والزبد فإما بموضع يكون لذلك ثمن فليبع ويصنع بثمنه ما يصنع بثمن لبنها، وإن كان لربها قيام وعلوفة فله أن يأكل منها بقدر ذلك، وإما بموضع لا ثمن له فليأكله.

مطرف: وأما الصوف والسمن فليتصدق به أو بثمنه.

وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَ الْبَقَرَ وَغَيْرَهَا فِي عُلُوفَتِهَا كِرَاءً مَامُوناً، وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ إِلَى مَوْضِعِه، ثُمَّ إِنْ رَكِبَهَا بَعْدُ ضَمِنَهَا

هكذا روى ابن حبيب عن مطرف [649/ب] وأصبغ، وكان له أن يكري لأن علفها غير واجب عليه وبقاؤها كذلك يضر بها وكان من المصلحة كراؤها، ولهذا لا يكريها إلا بقدر ما يدفع به الضرورة لا أزيد، ويشترط أن يكون ما تكرى فيه من العمل مأموناً وكان له أن يركبها لموضعه، لأ، قوده يعسر وضمن إذا ركبها بعد ذلك لتعديه.

ص: 370

وَلَهُ بَيْعُ مَا يَخَافُ ضَيْعَتَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ بِخِلافِ مَا لا مُؤْنَةَ فِي بَقَائِهِ

قوله: (بِخِلافِ) يحتمل وجهين: أولهما: فليس له بيعه مطلقاً. ثانيهما: فله البيع بإذن الحاكم. ففيه احتمال، على أن ما ذكره المصنف لا يوجب قولاً مستقلاً بل بالتلفيق لأن مذهب ابن القاسم في المدونة أن اللقطة إذا بيعت بعد السنة فليس لربها إذا جاء أن يفسخ البيع ولو بيعت بغير إذن الإمام، ولربها أخذ الثمن ممن قبضه، ولم يفصل مذهب أشهب في العتبية إن باعها بغير أمر السلطان بعد السنة فلربها نقض البيع، والآن لم يقدر فلا شيء له إلا الثمن إن باعها خوفاً من الضيعة. وإن باع الثياب وما لا مؤنة في بقائه ولا ضرورة له إلى ذلك فربه أحق به إن وجده بيد المبتاع، فإن لم يجده فله إن شاء الثمن من البائع أو القيمة يوم بيعه. قال: وكلما بيع من هذا بأمر السلطان مضى البيع وليس لربه إلا الثمن. فذكر المصنف حكم ما يخاف عليه الضيعة على مذهب ابن القاسم وما لا يخاف عليه على مذهب أشهب، وليس بسديد.

وَلَيْسَ لِحَبْسِهِ إِيَّاهَا حَدٌّ إِلا عَلَى اجْتِهَادِهِ

أي: لحبس اللقطة إن كانت تحتاج نفقةً حد بل ذلك على قدر الاجتهاد وصبره على ذلك، وهكذا قال مطرف وأصبغ في الواضحة، وظاهره قبل السنة وبعدها، وليس لحبسه بعد السنة حد.

وَربُّهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ غُرْمِ النَّفَقَةِ وَإِسْلامِهَا فِيهِ فَيَكُونُ كَالْبَيْعِ

يعني: أن ربها ليس له أخذها بغير شيء وإنما هو مخير بين أخذها ودفع نفقتها وبين إسلامها ولا يكون عليه شيء، وهكذا في المدونة وغيرها.

أشهب: وإن أسلمها ثم بدا له أن يطلبها فليس له ذلك، وهذا معنى قوله:(فَيَكُونُ كَالْبَيْعِ) أي فليس له الرجوع. قال في المدونة: والملتقط أحق بالنفقة من الغرماء كالرهن.

ص: 371

وَيَجِبُ رَدُّهَا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالإِخْبَارِ بِصِفَتِهَا مِنْ نَحْوِ عِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا وَهُمَا الْمَشْدُودُ فِيهِ وَبِهِ

أما ردها ببينة فلا خلاف فيه، ويجب أيضاً ردها عندنا بالإخبار بصفتها من نحو العفاص والوكاء للحديث المتقدم، ثم فسرهما بقوله:(وَهُمَا الْمَشْدُودُ فِيهِ وَبِهِ) فالأول للأول والثاني للثاني، وهذا هو المعلوم في اللغة وعليه أكثر الفقهاء. بل نقل صاحب الاستذكار الإجماع عليه. ونقل الباجي عن أشهب عكسه. والوكاء ممدود وقيل مقصور، قيل وهو غلط.

وأشار بقوله ودفع الثياب بالصفة نحو عفاصها إلى أن ما لا عفاص له ولا وكاء من اللقطة يدفع بالإخبار بصفتها الخالصة المحصلة للعلم.

اللخمي: واختلف في دواب هل تدفع بالصفة أو لابد من البينة، ودفع الثياب بالصفة أبين لأن الصفة فيها كالعفاص والوكاء في العين.

وَفِي اعْتِبَارِ عَدَدِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قَوْلانِ

القول باعتباره لابن القاسم وأشهب، والآخر لأصبغ وعلله بأن ذكر العدد في حديث أُبي وأضرب عنه في حديث زيد بن خالد، والأول أظهر لأن المختار زيادة قبول العدل.

وَفِي إِلْزَامِهِ الْيَمِينَ مَعَ الصِّفَةِ قَوْلانِ

المشهور سقوطها خلافاً لأشهب واستقرأ من المدونة مثل قوله، والأول أظهر لأن اليمين لم يرد في الحديث. واستحسن اللخمي أن يحلف، فإن نكل دفعت إليه.

وَيُجْتَزَأُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ الْمُغَلِّبَةِ لِلظَّنِّ عَلَى الأَصَحِّ. وَيُسْتَانَى فِي الْوَاحِدَةِ

أي: يكتفي ببعض الصفات اثنتين فصاعداً، يدل على ذلك قوله بعد ويستأنى في الواحدة والأصح لأشهب، قال: إن عرف وصفين ولم يعرف الثالث دفعت إليه، ومقابله

ص: 372

لابن عبد الحكم قال: أصاب تسعة أعشار الصفة لم يعطها إلا بمعنى واحد أن يذكر عدداً فيصاب أقل منه لاحتمال أن يكون قد اغتل فيه، وماذ كره المصنف في الصفة الواحدة نحوه لأصبغ قال: فإن عرف العفاص وحده فليستأن فإن جاء أحد وإلا أعطى.

الباجي: ولا يبعد أن يكون ابن عبد الحكم يوافق أصبغ لأنه إنما امتنع من دفعها إليه إذاً خطأ بأن وصف شيئاً بغير صفته فيكون ابن عبد الحكم على ما إذا أخطأ وأصبغ على ما إذا أجهل. الباجي: وقد اختلف على هذا قول أصبغ فقال: إن قال في خرقة حمراء وخيط أصفر فوجدت الخرقة حمراء والخيط أسود يستبرأ أمره. ثم رجع فقال: هذا أكذب نفسه بادعائه المعرفة فلا يصدق وإنما يصدق لو أصاب في بعض وادعى الجهل في بعض.

وفي المقدمات: إن وصف مدعي اللقطة بعض اللقطة وجهل بعضها أو غلط فيه ففي ذلك اختلاف وتفصيل؛ فأما جهله بالقدر فلا يضره، وإذا عرف العفاص والوكاء فاختلف فيه على قولين، وكذلك اختلف أيضاً إذا جهل صفة الدنانير وعرف العفاص والوكاء، وإذا غلط في صفة الدنانير فلا أعلم خلافاً أنه لا شيء له، وأما العفاص والوكاء إذا وصف أحدهما وجهل الآخر أو غلط فيه ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: لا شيء له إلا بمعرفتهما جميعاً. والثاني: يستبرأ أمره فإن لم يأت أحد بأثبت مما أتى به دفعت. والثالث: أنه [650/أ] إن ادعى الجهالة استبرأ أمره وإن غلط لم يكن له شيء. وهو أعدل الأقوال عندي. واختلف في الاعتماد على السكة وحدها، فقال سحنون: لا يستحقها بذلك حتى يذكر علامة غيرها. وقال يحيى بن عمر: لا يتبين لي قول سحنون، وأراد إذا وصف السكة وذكر بعض الدنانير إن كان فيها نقص فأصابه أن يأخذها.

اللخمي: يريد يحيى بن عمر إذا كانت دنانير البلد سككاً فإن كانت سكة واحدة لم تدفع إليه اتفاقاً. وأشار الباجي إلى أنه ينبغي أن يكون قول سحنون مقيداً بما إذا ذكر سكة البلد، وأما لو ذكر سكة شاذة ليست منهما فينبغي أن تدفع إليه.

ص: 373

وَلَوْ وَصَفَهَا اثْنَانِ بِمَا يَاخُذُهَا بِهِ الْمُنْفَرِدُ تَحَالَفَا وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ حَلَفَا، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا أَخَذَهَا الْحَالِفُ

هذا بيِّن إذا وصف كل منهما ما وصفه الآخر، وأما لو اختلفا فعرف أحدهما العفاص والوكاء والآخر العدد والوزن فهي لمن عرف العفاص والوكاء. قال: واستحسن أن تقسم بينهما فإن نكل أحدهما وحلف الآخر فهي للحالف. وإن نكلا فقال أشهب: لا تدفع إليهما؛ واختار اللخمي أن تقسم بينهما كما لو حلفا، ونقله في البيان عن ابن حبيب.

وَلَوْ دَفَعَهَا بِصِفَةٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ وَصَفَهَا ثَانٍ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً فَلا شَيْءَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إِنْ لَمْ يُشْهِدْ بِالْقَبْضِ عَلَى الْوَاصِفِ ضَمِنَ

فلا شيء على الملتقط؛ هو مذهب ابن القاسم وأشهب. ووجهه أنه فعل ما أمر به في الحديث سواء دفعها بصفة أو ببينة بصفة أو غيرها.

أشهب: وإذا أقام الثاني البينة وكان الأول أخذها بالوصف أخذها الثاني من الأول. وقال ابن الماجشون: إن دفعها للأول بصفة وأقام الثاني البينة ضمن الملتقط- إذا قال: دفعتها لمن لا أعرفه- ولم يشهد لتفريطه. هكذا نقل قول ابن الماجشون جماعة، ونقص المصنف منه وقال: ودفعتها لمن لا أعرفه. وساق صاحب الجواهر قول ابن الماجشون على أنه خلاف وهو ظاهر كلام ابن يونس.

ابن عبد السلام: والظاهر أنه خلافه ويحتمل الموافقة.

فإن قيل: ما قاله ابن الماجشون هنا بخلاف أصله في الوكيل المخصوص أن القول قوله في الدفع بغير بينة. قيل: لم يأذن له مالك اللقطة وإنما الإذن عموماً من جهة الحكم، وأيضاً فلأن الدافع قال دفعتها لمن لا أعرفه ولو كان الوكيل مثل لضمن، والله أعلم.

ص: 374

أشهب: وإن دفعها للأول ببينة ثم أقام الثاني أيضاً بينة فهي لأولهما إذا كانت بتاريخ، فإن لم يكن تاريخاً فهي لأعدلهما بينة، فإن تكافآ كانت لمن هي في يده وهو الأول بعد يمينه أنها له ما لم يعلم لصاحبه فيها حقاً، فإن نكل حلف الثاني وأخذها فإن نكل فهي للأول بلا يمين.

ابن يونس: ويحتمل على أصل ابن القاسم أن تقسم بينهما وإن حازها الأول لأنه قال: قد عرف أصله كقوله فيمن عرف رجلاً مولى يدعيه وأقام على ذلك بينة وأقام الآخر بينة أنه مولاه وتكافأت فالمال يقسم بينهما لأنه مال قد عرف أصله. قال غيره: لمن هو في يده؛ وهو نحو قول أشهب هنا، وكذلك الحكم لو أخذ الأول بالصفة فأتى آخر بحضرة دفعها وتحقق أنه لم يسمع صفة الأول لا نبغي أن تكون للأول على قول أشهب هنا، ويقسم بينهما على قول ابن القاسم. وأما لو دفعت للأول ثم أتى الثاني بعد حين وصفها فلا خلاف أنها للأول لاحتمال أن يكون الثاني سمع صفة الإمام.

وَلِصَاحِبِهَا أَخْذُهَا بَعْدَ السَّنَةِ حَيْثُ وَجَدَهَا

(بَعْدَ السَّنَةِ) يؤخذ منه أن الحكم كذلك قبل السنة من باب أولى؛ لأنه إذا كان أخذها حيث يكون للملتقط شبهة كان له حيث لا يكون له شبهة أولاً، ولما كان هذا الاستلزام ظاهراً في قوة النظر وحسن من المصنف أن يقول أيضاً. وقوله:(حَيْثُ وَجَدَهَا) أي: سواء وجدها بيد الملتقط أو بيد المبتاع منه، سواء نوى الملتقط تملكها أو لا تصدق على نفسه أو عن ربها.

فَإِنْ وَجَدَهَا بِيَدِ الْمُبْتَاعِ مِنَ الْمُلْتَقِطِ لا الْمَسَاكِينِ بَعْدَ السَّنَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَاخُذُ الثَّمَنَ لا غَيْرُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إِنْ بَاعَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ....

يعني: فإن وجدها بيد المشتري لها من الملتقط بعد السنة فقال ابن القاسم: البيع ماض ولا يأخذها وإن بيعت بغير أمر الحاكم. وقال أشهب: كذلك إن باعها بإذن الإمام

ص: 375

وإلا فله نقض البيع، وإن لم يقدر عليها فلا شيء له غير الثمن إن باعها خوفاً من الضيعة، وأما إن باع الثياب ولا مؤنة في بقائه ولا ضرورة بدا لي ذلك فربها أحق بها إن وجدها بيد المبتاع، وأما إن لم يجدها فله إن شاء الثمن من البائع أو القيمة يوم بيعها. هذا نص قوله، والمصنف نقص منه فوائد كما ترى.

وقوله: (لا الْمَسَاكِينِ) يحتمل أن يكون التقدير لا بيد المبتاع من المساكين، وهكذا قال ابن القاسم فإنه قال: وإن وجدت بيد من ابتاعها من المساكين فله أخذها منه ثم يرجع المبتاع على من تصدق بها عليهم. وقال غيره: يرجع بالأقل من الثمن الذي دفع للمساكين أو من قيمتها يوم تصدق بها.

ابن يونس مفرعاً على قول ابن القاسم: وإن أخذها من المبتاع من المساكين رجع المبتاع بالثمن على المساكين إن كان له بأيديهم كما يأخذ منهم عينها وإن أكلوه فأولى أن يرجع على الملتقط الذي سلطهم عليها كما لو أكلوها، وينبغي أن يرجع عليه [650/ب] بالأقل من ثمنها أو قيمتها يوم الصدقة بها ويرجع بتمام ثمنها على المساكين لأنهم البائعون منه.

والفرق بين بيع الملتقط والمساكين أن الملتقط جعل له الشارع التصرف بقوله "فشأنك بها" ولأنه يبيعه خوفاً من الضياع، والمساكين إنما يأخذونها على أنها ملك فللمستحق نقض بيعهم كنقض بيع المشتري في الاستحقاق. وهذه المسألة على قول ابن القاسم مخصصة لقوله أولاً لصاحبها أخذها بعد السنة حيث وجدها، ويحتمل أن يكون في كلامه أولاً حذف معطوف دلت عليه هذه الصورة تقديره وله أخذها أو أخذ ثمنها، ويحتمل أن يكون أطلق أخذها على المعنى الحقيقي- وهو أخذ عينها- وعلى المجاز- وهو أخذ ثمنها- وهو المختار عنده في كتاب الأصول أن ذلك جائز بطريق المجاز.

ص: 376

فَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ تَمَلُّكِهَا أَوْ تَصَدُّقِهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ ذَلِكَ أَوْ مِثْلُهَا

يعني: بأن أتى ربها بعد أن تلفت كلها وبعد أن تملكها أو تصدق بها فعليه قيمتها إن كانت مقومة أو مثلها إن كانت مثلية يوم ذلك أي يوم التمليك أو يوم التصدق، وضمانه في التمليك صحيح على القول بتأثير النية مع بقاء اليد، وأما التصدق فهو تصرف بالفعل، قال في المدونة: لربها أخذها من المساكين إن كانت قائمة بأيديهم، وإن أكلوها فليس له تضمينهم إن شاء.

فَإِنْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً بَعْدَهُمَا خُيِّرَ: أَخَذَهَا نَاقِصَةً أَوَ قِيمَتَهَا مِنَ الْمُلْتَقِطِ

فلما فرغ من الكلام على الأولين تكلم على الثالث.

وقوله: (بَعْدَهُمَا) أي بعد التملك والتصدق. وحكى في البيان في هذه المسألة إذا نقصها بالاستعمال ثلاثة اقوال: أولها: كما ذكر المصنف. ثانيها: أنه بالخيار بين أن يضمنه قيمتها أو يأخذها وقيمة ما نقصها.

وَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي عَيْنِهَا إِنْ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا إِلا أَنْ يَكُونَ تَصَدَّقَ عَنْ نَفْسِهِ

يعني: فإن اختار مالك اللقطة في المسألة المتقدمة أخذ القيمة من الملتقط لأجل ما دخلها من النقص، وإن كان تصدق بها فللملتقط أن يرجع على المساكين فيما بقي من عينها إن كان تصدق بها عن نفسه فليس له أن يأخذ ما بقي.

وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِأَيْدِيهِمْ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا سِوَاهَا

أي: قائمة بيد الفقراء ولم يدخلها نقص فليس لربها غيرها سواء تصدق بها عن نفسه أم لا، أي ليس لصاحبها أن يضمنه قيمته إن شاء.

ص: 377

وَإِذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ عَبْداً فَمَا وَجَبَ بِالتَّعَدِّي فَفِي رَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ، وَبِغَيْرِهَا فَفِي ذِمَّتِهِ

لما قدم أن للملتقط التصرف فيما بعد السنة لا قبلها علم أن بيعها بعد السنة لا يكون تعدياً وأن قبلها تعدياً، فلذلك إذا استهلك العبد الملتقط قبل السنة تعلقت برقبته لتعديه، وإذا استهلكها بعد السنة لا تتعلق إلا بذمته كالحر.

***

ص: 378