الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيَانُ مُقْتَضَى الأَلْفَاظِ
أي: باب بيان الألفاظ الواقفة، أي باعتبار ما تدل عليه إذا عبر بها الواقف عن الموقوف عليه.
وَوَلَدِي أَوْ أَوْلادِي يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الصُّلْبِ مُطْلَقاً وَوَلَدَ ذُكُورِهِمْ وَيُؤْثَرُ الأَعْلَى، وَقِيلَ: يُسَوَّى
…
يعني: إذا قال هذا وقف على أولادي أو على ولدي فإنه يكون على أولاد الصلب مطلقاً ذكراً أو أنثى وولد ذكورهم دون ولد الأنثى وهذا هو المعروف خلافاً لابن عبد البر وغيره من المتأخرين في إدخالهم. ودليل الأول الإجماع على عدم دخولهم في قوله: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11]. فإن قيل: قد قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] وقال: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ} ولاشك أن ولد البنت داخل فيها، قيل: يحمل على المجاز؛ لأنَّا قد اجتمعنا على أن إطلاق الولد الذكر حقيقة، فلو كان حقيقة في ولد الأنثى لزم الاشتراك، ويرجح لك أيضاً المجاز قول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
…
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
قوله: (وَيُؤْثَرُ الأَعْلَى) على مذهب مالك وابن القاسم في المدونة، والقول بالتسوية للمغيرة، وعلى المشهور فذلك مع تساوي الحال فإن كانت الحاجة في ولد الولد أوثر وتكون الآباء معهم، قاله ابن القاسم وعبد الملك ومحمد وهو استحسان، هذا على قول المغيرة القائل بدخول بني الابن في الحبس، واختار ابن المواز من قولي مالك نفي دخولهم إلا في الفضل.
وَوَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي- الْمَنْصُوُص أَيْضاً: لا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ
يعني: وكذلك أولادي وأولاد أولادي، والمنصوص قول مالك وهو مذهب المدونة على ما وقع في بعض الروايات، ومقابله هو ما ذكره ابن العطار عن أهل قرطبة أنهم كانوا يفتون بدخولهم وقضى به محمد بن السليم بفتوى أكثر زمانه. قال في المقدمات: وهو ظاهر اللفظ، لأن الولد يقع على الذكر والأنثى، فإذا قال على ولدي وولد ولدي فهو بمنزلة قوله على أولادي ذكورهم وإناثهم وعلى أعقابهم.
وَأَوْلادِي: فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانَةُ وَأَوْلادُهُمْ؛ يَدْخُلُونَ اتِّفَاقاً، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَأَخْطَأَ ابْنُ زَرْبٍ ....
يعني: إذا سمى الذكور والإناث ثم قال: وأولادهم [639/أ] دخل ولد البنات باتفاق لما سمى الذكر والأنثى، وقال:(وَأَوْلادُهُمْ) ولم يختص اختصاص أولاد الذكور، والباجي هو ابن رشد كما تقدم. قال في المقدمات بعد التصريح بخطأ ابن زرب: وكان ابن زرب يفتي بما عليه الجماعة من دخول ولد البنات حتى نزلت فقاسها على ما روي عن موسى بن طارق عن مالك فيمن حبس على ولده، فقال: ولد البنات ليسوا بعقب، قال: ورجوع ابن زرب لهذه الرواية غلط لأ، الرواية إنما هي فيمن حبس على ولده وولد ولده بخلاف هذه، فإن تسمية البنات قد صرح به فيها.
فرعان:
الأول: وقع في سماع سحنون في من قال: داري حبس على ابنتي وعلى ولدها أن ولد الولد يدخلون فيه، قال غيره: إنما يكون حبساً على ولد الابنة دنية فإذا ماتوا لم يكن لأولاد أولادها شيء.
الثاني: إن قال حبست على أولادي ذكورهم وإناثهم وأعقابهم ولم يسمهم، ففي المقدمات: ظاهر المذهب دخولهم، وفي الموازية مسألة استدل بها بعضهم على أن ولد البنات لا يدخلون في المثال المذكور، وهو قوله في من حبس على ولده الذكر والأنثى وقال في من مات منهم فولده بمنزلته، قال مالك: لا أرى لولد البنات شيئاً، وهو استدلال ضعيف.
وَوَلَدِي وَوَلَدِهِم بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ
أي: أقوى من (وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي) وأضعف من (وَلَدِ فُلانٍ وَفُلانٍ وَفُلانَةَ) وقد اختلف في هذه المسألة فحكى ابن أبي زمنين عن مالك عدم دخولهم فيحتمل أن تكون من المسألة الأولى، وأدخلهم ابن السليم بفتوى أكثر زمانه فيحتمل أن تكون من الثانية.
وَبَنِيَّ وَبَنِي بَنِيَّ كَـ "وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي" عَلَى الْمَنْصُوصِ
أي: فلا يدخل ولد البنات، وهكذا في الجواهر فقال: البنون عند مالك يتناول ولد الولد الذكور والإناث. قال مالك: من تصدق على بنيه وبني بنيه فإن بناته وبنات بنيه يدخلن في ذلك. وروى عيسى عن ابن القاسم في من حبس على بناته أن بنات بناته يدخلن في ذلك مع بنات صلبه. والذي عليه جماعة أصحابنا أن ولد البنات لا يدخلون في البنين.
ابن راشد: وعلى ما تقدم على ابن عبد البرِّ وغيره يدخل أولاد البنات، ولعل هذا هو الذي أشار إليه المصنف بمقابل المنصوص، على أن يدخل ولد البنات هنا أضعف من دخولهم هناك، لأن لفظ الولد حقيقة يطلق على الذكر والأنثى، وأما الابن فلا يطلق على البنت.
وَعَقِبِي كَوَلَدِي فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ أُنْثَى فَلَيْسَ بِعَقِبٍ
فلا يدخل ولد البنات لأن العقب من ينسب إلى الإنسان، ولم يفرق أحد بين ولدي وعقبي.
وقوله: (فَإِنْ حَالَتْ) أي: بين المحبس والذكر أنثى وهو زيادة إيضاح، ولو سكت عنه لفهم.
وَنَسْلِي كَذَلِكَ
أي: مثل العقب، وقيل ولد البنات يدخلون في النسل.
وَذُرِّيَّتِي يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ اتِّفَاقاً؛ لأَنَّ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليهما السلام
هكذا حكى الاتفاق ابن العطار، واستدل بقوله تعالى:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} [الأنعام: 84] إلى قوله: {وَعِيسَى} وهو ولد بنت، وأجيب بأن عيسى عليه السلام لم يكن له أب وقامت الأم مقامه. قال في المقدمات: وهو جواب غير صحيح، وانظره. وفي الاتفاق نظر، لأن في المقدمات: اختلف في النسل والذرية فقيل: منزلة الولد والعقب لا يدخل البنات فيهما، وقيل يدخلون. وفرق ابن العطار فجعل النسل كالولد بخلاف الذرية.
وَعَلَى إِخْوَتِهِ يَدْخُلُ الذَّكَرُ وَالأُنْثَى
هكذا قال ابن شعبان، إذا قال داري حبس على إخوتي كانت على ذكورهم وإناثهم من أي جهة، لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وقد أجرى الإناث في الحجب مجرى الذكور.
وَرِجَالِ إِخْوَتِي وَنِسَائِهُمْ، يَدْخُلُ الصَّغِيرُ مَعَهُمْ
قوله: (يَدْخُلُ الصَّغِيرُ مَعَهُمْ) أي والصغيرة ففيه حذف معطوف، ويحتمل أن يريد بالصغير الجنس فيعم. واستدل ابن شعبان على دخولهم بقوله تعالى:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً} [النساء: 176] الآية. ابن شعبان: وبهذا حنث من حلف لا يكلم رجال بني فلان فكلم صبيانهم الذكور.
وَعَلَى بَنِي أَبِي إِخْوَتُهُ الذُّكُورُ وَأَوْلادُهُمُ الذُّكُورُ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ: هُوَ اخْتِلافٌ
لا إشكال في عدم دخول الإخوة للأم هنا، لأن قوله (بَنِي) يخرجهم. وقوله:(إِخْوَتُهُ الذُّكُورُ) أي سواء كانوا أشقاء أو لأب، وهكذا قال ابن شعبان لأنه قال: على بني أبي دخل فيه إخوته لأمه وأبيه ومن كان ذكراً من أولادهم خاصة مع ذكور ولده لأنهم من ولد أبيه. وفي كلام المصنف نظر من أوجه:
أولها: كان ينبغي أن يزيد بعد قوله (وَأَوْلادُهُمُ الذُّكُورُ) وذكور ولده كما وقع في الرواية.
ثانيها: قوله (وَقَالَ التُّونُسِيُّ) وإنما هو ابن شعبان، وسبب وهمه أن ابن شاس إذا أراد ابن شعبان عبر عنه بالشيخ أبي إسحاق، فتوهم المصنف أنه التونسي.
ثالثها: أن ابن شعبان لم يصرح بالمعارضة وإنما أشار إليه ابن شاس، لأنه لما حكى قول ابن شعبان، قال: وهذا يشعر بأنه لا يرى دخول الإناث تحت قوله بني، وهو خلاف ما تقدم في الرواية.
ابن عبد السلام: ويمكن أن يفرق بينهما من جهة العرف لا من جهة اللغة، لأن لفظ (الابن) يستعمل عرفاً في الجنان والبنت أحق بذلك، بخلاف (بَنِي أَبِي) فإنه يستعمل في المتناصر ولا مدخل للأنثى فيه.
وَآلِي وَأَهْلِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَوَاءٌ، وَهُمُ الْعَصَبَةُ وَمَنْ لَوْ كَانَ رَجُلاً كَانَ عَصَبَةً، وَقِيلَ: الأَهْلُ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ الأَبَوَيْنِ قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا كَالأَقَارِبِ
يعني: أن ابن القاسم قال: الآل والأهل سواء، ويدخل في ذلك من النساء من لو كان رجلاً كان عصبة فتدخل الأخوات والبنات وبنات الأبناء.
الباجي: [639/ب] وقول ابن القاسم هو المشهور من المذهب.
وقال ابن شعبان: يدخل في الأهل من كان من جهة الأبوين بعدوا أو قربوا، هكذا روي عن مالك في الأقارب. وقال أشهب في المجموعة: لأنه قال يدخل فيه كل ذي رحم محرم من قبل أبيه وأمه، وقال ابن كنانة لأنه قال: ويدخل فيه من العمات والأخوال والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت.
الباجي: ويلزم من أدخل في ذلك بني الأخت أن يدخل بني الخالات إلا أن يكون لجهة الأب مزية، وعلى هذا فيكون قوله كالأقارب استدلال لقول ابن شعبان، ويحتمل أن يقصد بذلك التشبيه في القولين، لأنه روي عن مالك في الموازية والمجموعة في من أوصى للأقارب يقسم على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد.
قال مالك: ولا يدخل ولد البنات ولا ولد الخالات. وحكى صاحب المعين وغيره فيما إذا أوصى لقرابته أو ولد قرابته: ثلاثة أقوال؛
الأول: لا دخول لقرابته من قبل النساء بحال، وهو قول ابن القاسم.
الثاني: أنهم يدخلون، وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك.
ابن حبيب: وهو قول جميع أصحاب مالك.
الثالث: لعيسى أنه لا يدخل في ذلك قرابته من النساء إلا ألا يبقى من قرابته من الرجال أحد، قالوا: وأما إن لم يكن له من قبل الرجال قرابة فلا خلاف أنه لا يكون لقرابته من النساء.
وَعَلَى مَوَالِيهِ رُوِيَ: مَوَالِيهِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ فَقَطْ وَأَوْلادُهُمْ، وَرُوِي: وَمَوَالِي أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ، وَرُوِيَ: مَوَالِيهِ وَمَوَالِي مَوَالِيهِ، وَرُوِيَ: وَمَوَالِي الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَالأُمِّ وَالأَخِ، وَفِي الْجَمِيعِ يُؤْثَرُ الأَحْوَجُ فَإِنِ اسْتَوَوْا فَالأَقْرَبُ
…
يعني: إذا وقف على مواليه فلا خلاف في دخول من أعتقهم ذكورهم وإناثهم. ثم اختلف فروى ابن القاسم عن مالك في العتبية: لا يدخل غيرهم، (وَرُوِي: وَمَوَالِي أَبِيهِمْ)
دلت الواو على أنه في الرواية وافق على ما في الأولى، وزاد وكذلك في الثالثة، وهذه الرواية الثانية لابن القاسم في العتبية أيضاً، (وَرُوِيَ: مَوَالِيهِ وَمَوَالِي مَوَالِيهِ) أي: يدخل في هذه الرواية مواليه وموالي أبيه وابنه وموالي مواليه.
وقوله: (وَمَوَالِي الْجَدِّ) تصوره ظاهر وهي لمالك في المجموعة قال فيه: ولا يدخل موالي بني الإخوة والعمومة، ولو دخلت موالي هذه لدخلت موالي القبيلة. قوله:(وَفِي الْجَمِيعِ)؛ يعني في جميع الروايات يؤثر الأحوج وإن كان أبعد، (فَإِنِ اسْتَوَوْا) في الحاجة أوثر الأقرب، وهكذا في المجموعة.
وَعَلَى قَوْمِهِ عَصَبَتُهُ دُونَ النِّسَاءِ
نحوه لابن شعبان. واستدل بقوله: {لا يَسْخَرْ} [الحجرات: 11] إلى قوله: {خَيْراً مِنْهُنَّ} وبقول زهير:
وما أدري ولسوف إخال أدري
…
أقوم آل حصن نساء
وينبغي أن يرجع إلى العرف إن كان هناك عرف.
وَأَطْفَالِ أَهْلِي وَصِبْيَانِهِمْ وَصِغَارِهِمْ- لِغَيْرِ الْبَالِغِينَ
أي: من الذكور والإناث.
وَشُبَّانِهِمْ وَأَحْدَاثِهِمْ: لِمَنْ بَيْنَ الْبُلُوغِ وَكَمَالِ الأَرْبَعِينَ
هو ظاهر، وقاله ابن شعبان.
وَكُهُولِهِمْ لِمَنْ جَاوَزَهَا إِلَى السِّتِّينَ، وَشُيُوخِهِمْ: لِمَنْ جَاوَزَهَا، وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى فِي الْجَمِيعِ سَوَاءٌ
…
يعني: أن يعتمد في جميع هذا على العرف. وقوله: (وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى سَوَاءٌ) أي: من الأطفال إلى الشيوخ، وهو معنى قوله:(فِي الْجَمِيعِ).
وَأَرَامِلِهِمْ: الذَّكَرُ وَالأُنْثَى
هكذا قال ابن شعبان أنه إذا قال لأراملهم كان الرجل الأرمل الذي لا زوجة له والمرأة الأرملة التي لا زوج لها، واستشهد بقول جرير:
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها
…
فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
ابن عبد السلام: ومن نسب هذا البيت للحطيئة لم يقل شيئاً.
قال ابن السّكيت: الأرامل: المساكين رجال أو نساء ويقال لهم وإن لم يكن فيهم نساء.
وَحُكْمُ مُطْلَقِهِ: التَّنْجِيزُ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِاسْتِقْبَالٍ، وَهُوَ مِنْ رَاسِ الْمَالِ فِي الصِّحَّةِ، وَالتَّنْجِيزُ فِي الْحَيَاةِ، وَإِلا فَفِي الثُّلُثِ
…
أي: حكم المطلق من الوقف التنجيز في الحال إلا أن يقيد باستقبال، كقوله: أوقف بعد شهر، وهو استثناء منقطع لأنه إذا قيد باستقبال لا يكون مطلقاً. وقوله:(مِنْ رَاسِ الْمَالِ فِي الصِّحَّةِ، وَالتَّنْجِيزُ) لأن الصحيح لا حجر عليه. واحترز بالصحة من المرض فإنه إنما يكون في الثلث، وبالتنجيز بما لو وقع موقوفاً على الموت فإنه إنما يكون في الثلث، وإليه أشار بقوله (وَإِلا فَفِي الثُّلُثِ).
وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةَ وَالثَّمَرَةَ وَاللَّبَنَ وَالصُّوفَ
يملك الموقوف عليه الغلة بخلاف الرقبة فإنها على ملك الواقف، وعطف الثمرة واللبن والصوف على الغلة من باب عطف الخاص على العام، أو يقال الغلة أراد بها ما ليس عينٌ قائمة.
وَنِتَاجُ الإِنَاثِ وَقْفٌ وَيُبَاعُ فَضْلُ ذُكُورِهَا عَنْ ضِرَابِها في إنَاثٍ، وَمَا كَبُرَ مِنْ إِنَاثٍ كَالذُّكُورِ
…
لمَّا كان المقصود من الحبس بقاء عينه لينتفع به المحبس عليه، والحيوان لا يطول مقامُه كالرّباع، وكان التناسل فيه يقوم مقام عينه، فلذلك قالوا: لا يباع إناثه وما يراد من
الذكور للضراب ويباع ما لا يُرجى نسله من الإناث وما استغني عنه من الذكور يريد ويجعل في إناث، كذا روى ابنُ القَاسم عن مالك في الموازية ولعله إنما سكت عن ذلك لما سيذكر في الفرس والثوب. وقوله (وَنِتَاجُ الْحَيَوَانِ) أي: الموقوف بحذف الصفة.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا سِوىَ الْعَقَارِ إِذَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ الَّتِي وُقِفَ لَهَا كَالْفَرَسِ يَهْرَمُ، وَالثَّوْبِ يَخْلَقُ- يُبَاعُ فِي مِثْلِهِ أَوْ شِقْصِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لا يُبَاعُ وَقْفٌ وَإِنْ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ بِشَرْطٍ
…
ابن عبد السلام: أبقى جماعة قول ابن القاسم على إطلاقه، وقال اللخمي: إن انقطعت منفعة الحبس وصار بقاؤه ضرراً جاز بيعه، وإن لم يكن [640/أ] ضرراً أو رجي أن تعود منفعته لم يجز.
واختلف إذا لم يكن ضرر ولا وجبت منفعته، وكذلك صرح صاحب البيان بالاتفاق على الوجهين الأولين.
وقوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ بِشَرْطٍ) أي: في أصل الحبس فإنه إن هرم أو فسد بيع فحينئذ يجوز بيعه بالاتفاق.
وَيَتَوَّلَى الْوَقْفَ مِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لا الْوَاقِفُ وَلَوْ شَرَطَهُ لَمْ يَجُزْ
قال في الجواهر: والنظر في مصالح الوقف إلى من شرط الواقف فإن لم يولِّ تولاه الحاكم ولا يتولاه بنفسه. قال في المختصر الكبير: ولا يجوز للرجلِ أن يحبس ويكون هو ولي الحبس.
وقال في الموازية في من حبس غلة داره في صحته على المساكين فكان ولياً عليها حتى مات وهي بيده أنها ميراث، قال: وكذلك لو شرط في حبسه أنَّ يلي ذلك لم يجزه له ابن القاسم وأشهب.
خليل: وانظر قوله في الموازية، وكذلك لو شرطه هل المراد أنه يبطل حبسه وهو ظاهر لفظاً ومعنى.
قوله: (أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ) أي: لم يجز له هذا الشرط بل يصح ويخرج إلى غيرهم. والأظهر أن معنى ما في الموازية أن المحبس مات ولم يجز عنه ولا إشكال في البطلان مع ذلك، وأما إن كان حياً فإنه يصح الوقف ويخرج إلى يد ثقة ليتم الحوز، وهكذا فسر ابن عبد السلام كلام المصنف.
فقولُه: (لَمْ يَجُزْ) أي: الشرط ويحتمل لم يجز الوقف ويبطل ولَو كانَ حياً، ويؤيده اختلافهم في الفرع الذي بعده، ولاشك أنَّ البطلان هنا أقوى من الفرع الذي بعده، والأول هو القياس كما قدم فيما إذا شرط الخيار أنه يصح الوقف ويبطل الشرط، والضمير في شرطِهِ عائد على (المتولي) المفهوم من يتولى، ولا يصح أن يعود على الواقف لأنه يؤدي إلى تعدي فعل المضمر إلى ضميره المتصل.
فَإِنْ جَعَلَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ وَيَتَسَلَّمُ مِنْهُ غَلَّتَهُا وَيَصْرِفُهَا وَعَلَى ذَلِكَ وَقَفَ- فَقَوْلانِ
الضمير في (جَعَلَهُ) عائد على الوقف، وفي غيره يعود على الواقف وفي (مِنْهُ) يعود على الغير، والقول بالجواز لمالك في الموازية وهو قول ابن عبد الحكم.
ابن المواز: وأباه ابن القاسم وأشهب.
اللخمي: وأرى أن يمضي في الوجهين لأنه حبس أنفذ في ما حبس له ولم يعد فيه محبسة وقد تقدم إذا كان الوقف بيد واقفه ويصرف غلته ويخرجه من يده وانتفع به ثم يعود إليه هل يصح الحبس أو لا؟
ابن عبد السلام: القول بالصحة يصح هنا من باب الأولى، وعلى القول بالبطلان تأتي القولان اللذان ذكرهما المصنف هنا والله أعلم.
وَيَبْدَأُ بِإِصْلاحِهِ وَنَفَقَتِهِ وَلَوْ شَرَطَ خِلافَهُ، لَمْ يُقْبَلْ
ويبدأ الناظر بإصلاحه إن كان عقاراً وبنفقته إن كان حيواناً، لأ، الغرض من الوقف دوام المنفعة، ولذلك قال ابن شعبان: لو شرط خلاف البداية بإصلاحه ونفقته لبدئ بذلك وبطل شرطه، لأنه شرط يؤدي إلى بطلان الوقف وما كان كذلك من الشروط لا يوفى بها.
فَإِنْ كَانَتْ دَاراً لِلسُّكْنَى فَإِمَّا أَصْلَحَ، وَإِمَّا خَرَجَ فَتُكْرَى بِمَا تُصْلَحُ بِهِ
أي: فإن كانت العين الموقوفة داراً للسكنى واحتاجت إلى إصلاح خُيِّر الساكن المحبَّس عليه فإما إن يصلح، وإما أن يخرج فتكرى بما تصلح به ثم يعود، قاله اللخمي، قيل: لأن المحبس لما علم أنها تحتاج إلى إصلاح ولم يوقف لذلك شيئاً فقد أذن في الكراء عند الحاجة.
وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ إِصْلاحَهَا عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ
(عَلَيْهِ) أي: على الموقوف عليه (لَمْ يُقْبَلْ) أي: الشرط؛ أي: ويصح الوقف وهكذا في المدونة وعلل فيها صحة الوقف بأنها فاتت في سبيل الله وبطلان الشرط بأنه راجع إلى الكراء المجهول، قال في المدونة: ومرمتها من غلتها.
يحيى بن عمر: وإن كانت موقوفة للسكنى خير الساكن بين أن يُصلِحَ أو يخرج فتكرى بما تُصلح به وأمضى في المدة الحبس بمجرد العقد.
قال محمد: يرد الحبس ما لم يُقْبَض، قال: ولو اشترط أن يرمَّ ما اغتل منها بغير كراء جاز، نقله اللخمي.
وَإِنْ كَانَ فَرَساً فِي الْجِهَادِ وَشِبْهِهِ فَعَلَى بَيْتَ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيعَ وَعُوِّضَ بِهِ سِلاحٌ
…
أي: وإن كان الموقوف فرساً في الجهاد وشِبْهِهِ كالرباط، واحترز بذلك مما لو كانت وقفاً على معين فإنه ينفق عليه من غلته، ويحتمل أن يقرأ (وَشِبْهِهِ) بالنصب؛ أي: وشبه الفرس العبد ونحوه، وعلى ذلك مشاه ابن راشد.
والنفقة على ذلك من بيت المال، وإن لم يكن بيت مال بيع واشتري ما لا يحتاج إلى النفقة كالسلاح ونحوه؛ لأن السلاح ونحوه أقرب من غيرهما إلى قصد الواقف.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: تَبْقَى وَلَوْ تَحَقَّقَ هَلاكُهَا
أي: تبقي العين الموقوفة ولو تحقق هلاكها؛ أي: ولا يباع الفرس ونحوه. وكلام المصنف جار على طريقة من نقل عن ابن الماجشون عدم البيع، وأما على ما نقله اللخمي وغيره كما تقدم فلا.
وَمَنْ هَدَمَ وَقْفَاً فَعَلَيْهِ رَدُّهُ كَمَا كَانَ لا قِيمَتُهُ
أي: لأن قيمته كبيعه، وإن كان على من هدم عين وقف إعادته كما كان على قول، وإن كان المشهور خلافه كان ذلك هنا أحرى، هكذا ذكره في النوادر إلا أنه عزاه لابن كنانة، ولا ينقض بنيان الحبس ويبنون فيه حوانيت للغلة وهو ذريعة إلى تغيير الحبس.
ومن سكن حبساً من أهل الحبس أو غيرهم فعليه أن يرد البنيان كما كان قبل أن تؤخذ منه القيمة فتحول الدار عما كان حبسها عليه، وفي اللخمي: ومن تعدى على حبس فقطع النخل وهدم الدار وقتل العبد أو الفرس أو أفسد الثوب أغرم قيمة ما أفسد، وإن كان الحبس في السبيل أو في الفقراء جعل ما أخذ من هدم أو قطع نخل في بناء تلك الدار وغراسة تلك النخلن وفي مثل ذلك العبد والفرس [640/ب] والثوب، وعلى قول
أشهب يصرف فيما يرى أنه أفضل، ويختلف إذا كان الحبس على معين هل يسقط حقه فيما حبس أو يعود حقه في تلك القيمة.
وَمَنْ أَتْلَفَ حَيَوَاناً وَقْفاً فَالْقِيمَةُ وَتُجْعَلُ فِي مِثْلِهِ أَوْ شِقْصِهِ
يجعل في مثله إن بلغ وإن لم يبلغ جعل في شقصه أي في بعضه. ووقع في بعض النسخ بعد النص المتقدم ما نصه: (وَقِيلَ إِنْ لَمْ يَبْلُغْ قِيمَةَ عَبْدٍ قُسِمَ كَالْغَلَّةِ).
ابن راشد: ولم أقف على هذا القول. وفرق في المدونة بين الفرس والثوب، فذكر في الفرس مثل ما ذكره المصنف أنها إذا لم تبلغ فرساً جعله في شقص فرس، وقال في الثوب المحبس: إن لم يبلغ تصدق به في السبيل.
بعض القرويين: وليس بخلاف، ومسألة الفرس محمولة على ما إذا وجد من يشاركه والثوب على ما إذا لم يجد. وقيل: بل لما كان المقصود في الخيل المنفعة بها في الغزو رجعت أثمانها في مثلها والثياب المنفعة بها للغزاة، فإذا بليت ولم ينتفعوا بها بنفسها أعطى ثمن ما يبيع من خلقها لهم.
وَفِي بَيْعِ النَّقْضِ قَوْلانِ
ابن شعبان: لا يباع نقض الوقف إذا خرب. ومن أصحابنا من أجاز بيعه ولا أقول به. وكذلك اختلف في نقل الأنقاض إلى وقف آخر، فقال ابن أبي زمنين: إذا خرب المسجد ولم ترجى عمارته أخذ وبني به في سائر المساجد ويترك منه ما يكون علما لئلا يندرس أثره. وكذلك قال عبد الغفور: لا يجوز بيع مواضع المساجد الخربة، ولا بأس ببيع نقضها إذا خيف عليه الفساد للضرورة إلى ذلك، وتوقف إن رجيت عمارتها وإن لم ترج أعين به في غيره أو صرف النقض إلى غيره، والمنقول عن ابن القاسم المنع.
ابن عبد السلام: وأهل المذهب منع البيع والنقل والنقض الخشب وما في معناه مما ينتفع به في البنيان.
وَلا يُنَاقِلُ بِالْعَقَارِ وَلَوْ دَثُرَ وَخَرِبَ مَا حَوْلَهُ، وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ دَاثِرَةً يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا وَمِيرَاثِهَا
…
المناقلة: بيع ربع في آخر. قال ابن شعبان: لا يناقل بالوقف وإن خرب ما حوله، وقد تعود العمارة بعد الخراب. واستدل ابن عبدوس على المنع بما ذكره المصنف من بقاء أحباس السلف داثرة أي مهدومة، وكذلك وقع هذا الاستدلال في نفس المدونة. وفي بعض النسخ: عياض: ورخص في موطأ ابن وهب في بيع داثر ويعوض منه ربع ونحوه، ويكون حبساً.
وفي الرسالة: ولا يباع الحبس وإن خرب، ويباع الفرس الحبس يكف ويجعل ثمنه في مثله أو يعان به في مثله، واختلف في المعاوضة بالربع الخرب بربع غير خرب.
وَعَنْ مَالِكٍ: لا بَأَسَ أَنْ يُشْتَرَىَ مِنْ دُورٍ مُحَبَّسَةٍ لِتَوْسِعَةِ مَسْجِدٍ أَوْ طَرِيقٍ لأَنَّهُ نَفْعٌ عَامٌّ، وَقِيلَ: فِي مَسَاجِدِ جَوَامِعِ الأَمْصَارِ لا الْقَبَائِلِ
…
القول بأن ذلك في كل المساجد نقله في النوادر عن مالك وقاله سحنون في نوازله. والقول بخصوصية ذلك في مسجد جوامع الأمصار لمطرف وابن الماجشون وأصبغ. ودليل الجواز أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم زيد فيه دار محبسة والناس متوافرون في ذلك الوقت ولم ينكر ذلك أحد، حكاه ابن الماجشون. وقاس مالك في المبسوط الطريق فأفتى ابن المكوي بالرواية التي في المبسوط. وقال ابن زرب: لا يجوز ذلك إلا في مسجده خاصة.
ووقع لأبي عمران في مسائله: إذا ضاق الجامع وإلى جانبه حبس المساكين فلا يباع لتوسعة الجامع، وإن اشترى بثمنه مثله لكن يكرى من مال الجامع، وأما البيع فلا. صاحب البيان: واختلف هل يقضى عليهم أن يجعلوا الثمن في حبس مثله، فقال مالك وابن القاسم: ولا يقضى به عليهم ولو استحقت فأخذ فيها ثمناً فعل به ما شاء، قاله مالك وابن القاسم. وقال ابن الماجشون في الثمانية: ويقضى عليهم. واختلف إذا أبوا من البيع هل يجبرون وهو قول الأكثر أم لا؟ وقيل: يجبرون في مساجد الجوامع دون غيرها.
وَيُكْرِي الْمُتَوَلِّي بِنَظَرِهِ للسَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ كَالْوَكِيلِ، فَإِنْ أَكْرَاهَا لِمَنْ مَرْجِعُهَا إِلَيْهِ جاَزَتِ الزِّيَادَةُ، وَقَدْ أَكْرَى مَالِكٌ رحمه الله مَنْزِلَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ وَاسْتُكْثِرُتْ
…
معناه إذا كانت الدار على قوم معينين ثم هي على أولادهم وشبه ذلك، وأما إن كانت على الفقراء وشبههم فينبغي أن يجوز أوسع من هذا الأجل؛ إذ لا يتقي في ذلك سوى انهدام الدار، وهذا الاحتمال لا يمنع من طول الأجل في الدار، فإن أكراها ممن مرجعها إليه جازت الزيادة.
ابن الماجشون: ومثل الأربع والخمس، وقيل: يجوز في الأراضي الأربع سنين.
وقوله: (جاَزَتِ الزِّيَادَةُ) يعني لضعف القدر لأن الذي له المرجع إنما يعقد على نفسه بخلاف غيره. وقوله: (سَنَتَيْنِ) ولو أكريت من غير من مرجعها إليه.
قال في البيان: ويجوز كراء الأمد القريب بغير نقد باتفاق، ويختلف هل يجوز بغير نقد في البعيد وبالنقد في القريب على قولين.
ابن عبد السلام: وأجاز جماعة من فقهاء بلدنا وعمل به منذ عشرين عاماً كراء بقعة من أرض الحبس أربعين عاماً أن يبني بها داراً، وليس الحبس فيها على معينين بعد أن بدل
فيها مكتريها عرضاً خارجاً في الكثرة عن العادة. قوله: (وَقَدْ أَكْرَى مَالِكٌ رحمه الله مَنْزِلَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ) أي: مرجعه إليه عشر سنين، واستكثر المغيرة وغيره العشر.
وَلا يُفْسَخُ كِرَاءُ الْوَقْفِ لِزِيَادَةٍ
قيده في الجواهر بما إذا كان الكراء وقع على وفق القبضة في الحال.
ابن عبد السلام: وأما إن كان فيه غبن فتقبل الزيادة فيه حاضراً أو غائباً، وأهل تونس في هذا التاريخ وقبله بسنين كثيرة استمروا على أنه يكرى ربع الحبس على قبول الزيادة فيه ويجعلونه منحلاً من جهة [641/أ] المكري ومنعقداً من جهة المكتري، وهو قول منصوص عليه في المذهب.
ووقع في المدونة ما يقتضيه وإن كان بعضهم رأى ما في المدونة خارجاً عن أصول المذهب، واعتقد من لقيناه أن ذلك مخالف للإجماع لأن ذلك راجع إلى بيع الخيار ولم يجزه أحد إلى سنة.
وأشار ابن رشد إلى أن المسألة ليست كبيع الخيار الذي جعل أمد الخيار فيه سنة، فإن ذلك ينتقض فيه البيع من أصله إذا أراد حله من جعل له الخيار، وهنا لا ينتقض إلا ما بقي من المدة.
وَلا يُقْسَمُ إِلا مَا وَجَبَ بِالْسُّكْنَى وَغَيْرِهَا؛ لأَنَّ الْمَيِّتَ يَسْقُطُ وَالْمَوْلُودَ وَالْمُتَجَدِّدَ يَسْتَحِقُّ، فَلَوْ قُسِّمَ قَبْلَهُ فَقَدْ يُحْرَمُ مُسْتَحِّقٌ وَيَاخُذُ غَيْرُهُ
…
ولا يقسم الناظر في كراء الوقف إذا كانت كراء عن منافع مستقبلة، وسواء كان الكراء عن سكنى أو زراعة أو غيرهما إلا ما وجب بمضي مدته، لأنه لو قسم قبل الوجوب لزم أن يعطى من لا يستحق إذا مات ولزم أن يحرم المولود والغائب وكلامه ظاهر التصور في هذا. قال ابن الماجشون: لا يكرى الحبس بنقد لأنه يوقف في وقفه
تعرض التلف ولأن كراءه بالنقد أقل من غيره فيلزم النقض في العرض من غير فائدة، وهذا كله إذا كان الوقف على قوم معينين، وأما إن كان على الفقراء والغزاة وشبههم فيجوز كراؤه بالنقد والصرف للآمر ما أشار إليه المصنف والله أعلم.
وَإِذَا بَنَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فِيهِ أَوْ أَصْلَحَ بِخَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَمْرُهُ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فَهُوَ وَقْفٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَرَ مَا قَالَ مَالِكٌ رحمه الله، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ يَسِيراً كَمِيزَابٍ وَنَحْوِهِ فَوَقْفٌ، وَإِلا فَلا ....
أي: في الواقف فأمره له، فإن بين أنه له فهو له يورث عنه وإن بين أنه وقف فهو وقف، فإن مات ولم يذكره فثلاثة أقوال: الأول لمالك في المدونة أنه يوقف لا شيء لورثته فيه. الثاني لابن القاسم في الموازية أنه لورثته ولم ير ما قال مالك، وما كان لأبيهم حيَّاً فهو لورثته ميتأً واستصوبه أكثرهم، لأن نفس البناء لا يكون وقفاً وإنما هو على ملكه بدليل لو أوصى بما كان له فالأصل بقاء ملكه حتى يتبين خلافه. والثالث: للمغيرة الفرق وتصوره ظاهر.
التونسي: وهو الصواب.
وعن ابن القاسم مثل القول الأول، وحمله التونسي على ان العادة جرت عندهم بذلك، ووقع لمالك أيضاً في كتاب الشفعة: وإذا بنى قوم في دار حبست عليهم ثم مات أحدهم فأراد ورثته بيع نصيبه من البناء فلإخوته فيه الشفعة، واستحسنه مالك وقال: ما سمعت فيه شيئاً. واختلف الشيوخ هل ما في الموضعين خلاف أو يقيد ما في الشفعة بما في الحبس ويكونوا معنى أنه أوصى على معينين؟
وَلَوْ خَرِبَ الْوَقْفُ فَأَرَادَ غَيْرُ الْوَاقِفِ إِعَادَتَهُ فَلِلْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ مَنْعُهُ لِأَنَّ عَيْنَهُ مِلْكٌ، وَإِنِ امْتَنَعَ نَقْلُهُ عَنِ الْوَقْفِيَّةِ
…
تصور كلامه ظاهر، وما ذكره من أن عين الوقف ملك هو المذهب، نص عليه الباجي وغيره. ويستحسن للواقف أو ورثته تمكين غير الواقف من البناء إذا كان وقفاً
على وجه من وجوه الخير وأراد الباقي إلحاق بنائه بالوقف، لأن ذلك من باب التعاون على الخير، قوله وإن امتنع.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ حَبَّسَ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ فَلِلْمُتَوَلِّي تَفْضِيلُ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْعِيالِ وَالزَّمَانَةِ فِي السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ بِاجْتِهَادِهِ
…
أي: باجتهاد المتولي، وماذ كره المصنف نص صاحب البيان على أنه المشهور، قال: وقال ابن القاسم: لا يفضل ذو الحاجة على الغني في الحبس إلاب شرط من المحبس، قال: وفرق ابن نافع بين السكنى والغلة فسوى في السكنى الغني والفقير بخلاف الغلة، وعلى الأول روى ابن القاسم: من حبس على الفقراء وفي سبيل الله وابن السبيل وللغرباء وفي قرابته غني فلا يعطى منه، ولكن ذو الحاجة.
وفي المجموعة: من حبس على قوم وأعقابهم ذلك كالصدقة لا يعطى منه الغني شيئاً ويعطى منه المسرد بقدر حاله، فإن كان للأغنياء أولاد كبار فقراء بلغوا أعطوا بقدر حاجتهم.
الباجي: يريد والمسرد الذي له كفاية وربما ضاقت حاله بكثرة عياله، وإذا تساووا في الفقر والغنى أوثر الأقرب وأعطي الفضل من يليه، وإن اختلفوا أوثر الفقير، ذكره ابن عبدوس.
الباجي: وهو إذا كان عدد المحبس عليهم لا ينحصر ولا يفضل على فقرائهم بشيء وإن فضل عن فقرائهم شيء صرف إلى الأغنياء، وقاله ابن القاسم.
وَأَمَّا عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ سَوَاءٌ
أي: كمن حبس على قوم وأعقابهم، وهو لمالك في المجموعة. والقول بأن الغني والفقير سواء لعبد الملك، قال: لأنه تصدق على ولده وهو يعلم أن منهم الغني والمحتاج فلا يفضل أحدهما على الآخر إلا بنص على ذلك.
أَمَّا إِن عَيَّنَهُمْ سُوِّيَ بَيْنَهُمْ
إذا لم يكن الحبس معقباً وكان على معينين كهؤلاء العشرة فإنه يقسم بينهم بالسواء، واعترضه ابن عبد السلام بأنه أسقط الفاء من جواب أما وهو غير جائز، وأجيب بأنه اختلف إذا وقعت إن بعد أما هل الجواب لـ (أَمَّا) وهو مذهب سيبويه أو لـ (إِنَّ) وهو مذهب الفارسي، أولهما؛ فعلى مذهب الفارسي يكون الجواب لـ (إِنَّ) والماضي إذا وقع جواباً لا يحتاج فيه إلى الفاء والفاء محذوفة مع قول محذوف؛ أي: فقالوا يسوى بينهم على حد قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106] أي: فيقال لهم: أكفرتم. [641/ب].
وَمَوَالِيهِ مِثْلُهُ
يعني: بالمثلية التعيين وعدمه.
وَلا يَخْرُجُ السَّاكِنُ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيَّاً
يعني: إذا سكن بعض المحبس عليهم لاحتياجه، ثم استغنى فإنه لا يخرج لغيره إلا أن يكون الواقف شرط ذلك وكان الأصل أن يخرج. ولعل ما ذكره المصنف وغيره إنما هو لأن عودته إلى حالته الأول لا تؤمن.
قوله (وَلا يَخْرُجُ السَّاكِنُ لِغَيْرِهِ) قال في الجواهر: وإن كان الغير محتاجاً ولم يكن في الدار سعة، وهذا إنما إذا سكن باستحقاق، وأما لو بادر أحدهم إلى السكنى فليس له بابتداره ولكن ينظر الإمام أحوجهم وأقربهم، قاله ابن كنانة.
ابن القاسم: وإن تساووا في الغناء أو الحاجة فمن سافر فهو أحق بالسكنى وليس على العدد ولكن بقدر العيال، فليس العزب كالمعيل.
ابن القاسم ومحمد: وإن كان بعضهم حاضراً فهو أولى بالسكنى من الغائب إذا لم يكن على الحاضر فضل، بخلاف الغلة فإنها تقسم بين الحاضر والغائب بل المحتاج الغائب أولى من الغني الحاضر ثم لا يسقط حق الساكن بسفره إلا أن يسافر سفر انقطاع لبعض ما يعرض للناس كان له أن يكري مسكنه إلى أن يعود، نقله الباجي وغيره. وجعل في البيان السفر البعيد يشبه سفر الانقطاع في انقطاع حقه، ثم أشار في آخر كلامه أنه إذا جهلت حالته أن ظاهر قول مالك في رواية علي أن غيبته محمولة على الانقطاع والمقام حتى يتبين خلاف ذلك. وعلى ظاهر قول ابن القاسم محمولة على الرجوع وعدم الانقطاع حتى يتبين خلافه.
ومن كان يسكن من أهل الحبس مع ابنه فباع فإن كان قوياً يمكنه الانفراد فله مسكنه من الحبس، وإن لم يتزوج وضاق عليه مسكن أبيه، فأما من ضعف عن الانفراد فلا يسكن إلا أن يتزوج فيكون له حقه في السكنى، وأما الإناث فلا سكنى لهن في كفالة الأب، قاله عبد الملك في المجموعة.
وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لا يُحَاطُ بِهِمْ فَقَدْ عُلِمَ حَمْلُهُ عَلَى الاجْتِهَادِ
يعني: أن من وقف على من لا يحاط بعدده كالفقراء والغزاة فبالضرورة يقسم على من حضر منهم على الاجتهاد؛ لأن العادة دلت على أن المراد من الواقف إن فارق المحبس عليهم وسد خلتهم.
وَمَنْ خَصَّ مُعَيَّناً مِنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ بُدِئَ بِهِ
لا يريد بالمعين خصوصية الشخص كزيد بل أعم من ذلك، كما لو حبس على الفقراء وخص من له عيال منهم فليبدأ بالمسمى، ولابن القاسم في العتبية: إلا أن يعمل في ذلك عامل فيكون أولى بحقه.
ابن القاسم: وكذلك في غلة المبذور.