الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُزَارَعَةُ:
الْمَشْهُورُ جَوَازُهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي الدَّوَابِّ وَالآلَةِ
دائرة بين الشركة والإجارة فلهذا وقع الاختلاف في لزومها بالعقد فقيل: تلزم به تغليباً للإجارة، وهو قول سحنون، وقيل: لا تلزم تغليباً للشركة ولكل واحد منهما أن ينفصل عن صاحبه ما لم يبذر.
ابن رشد: وهو معنى قول ابن القاسم في المدونة ونص رواية أصبغ عنه في العتبية، وقيل: لا تلزم إلا بالشروع في العمل، وهو قول ابن كنانة في المبسوط، وبه جرت الفتوى عندنا بقرطبة، وهو على قياس رواية ابن زياد عن مالك أن الجاعل يلزمه الجعل بشروع المجعول له في العمل.
وقوله: (الْمَشْهُورُ جَوَازُهَا) هو مذهب المدونة، والشاذ رواية ابن غانم، لا تجوز حتى يشتركا في كل نوع، والذي في النسخ (وَإِنْ) بإثبات الواو، والصواب إسقاطها؛ لأن إثباتها يوجب أن يكون الخلاف مع التساوي في جميع الأشياء وليس كذلك، وقد صرح عياض بنفي الخلاف فيها، وأجاب بعض من تكلم على هذا الموضوع بأن قوله:(وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا) حال معطوفة على حال مقدرة؛ أي: المشهور جوازها في حال الاشتراك، وفي حال عدم الاشتراك، والخلاف راجع إلى الحال المعطوفة لا المعطوف عليها.
خليل: وفيه تعسف.
وَشَرْطُهَا: السَّلامَةُ مِنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِمَا يُمْنَعُ كِرَاؤُهَا بِهِ، فَمَتَى كَانَ جُزْءُ مِنَ الْبَذْرِ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءِ مِنَ الأَرْضِ فَسَدَ ..
أي: شرط جوازها (السَّلامَةُ مِنْ كِرَاءِ الأَرْضِ) لما يمنع من كرائها به؛ لأنه عليه السلام نهى عن ذلك، وهذا هو المشهور وعلى قول الداودي، ويحيى بن يحيى الأصيلي: يجوز كراء الأرض بما يخرج منها، وتجوز المزارعة وإن كان جزء من البذر في مقابلة جزء من الأرض، وقال: السلامة من كراء الأرض بما يمنع كراؤها به وعدل عما يقوله أهل
المذهب: أن يسلم من كراء الأرض بما يخرج منها لقصور عبارتهم، فإن كلامه يشمل ما يخرج منها وما لا يخرج من الطعام كالسمن والعسل وغيرهما، وروي عنه أن ما لا يخرج منها لا مدخل له في المزارعة، فلذلك اكتفوا بعبارتهم.
قوله: (فَمَتَى كَانَ) كالنتيجة عما قبله، ومثاله ما في الواضحة وكتاب ابن سحنون: إذا أخرج أحدهما الأرض وثلث البذر، والآخر العمل وثلثي الزريعة؛ لأن زيادة الزريعة كراء الأرض، أو أخرج أحدهما ثلثي الأرض وثلث البذر، والآخر ثلث الأرض وثلثي البذر والعمل، والزرع بينهما نصفين لم يجز. سحنون: لأنه أكرى سدس أرضه بسدس بذر صاحبه، والبذر بالذال المعجمة نص عليه الجوهري وغيره.
وَفِي أَرْضٍ لا خَطْبَ لَهَا قَوْلانِ
لا يريد أنهما تساويا فيما عدا الأرض، والأرض من عند أحدهما، فإن هذه ستأتي، بل مراده إذا أخرج أحدهما البذر والآخر العمل والأرض، فإن كانت الأرض لها خطب؛ أي: قدر لم يجز، وإن كانت ليس لها خطب فحكى المصنف وغيره قولين، وتقدير كلمه: وفي جواز إلغاء الأرض مقابلة لبذر، فحذف مضافين وصفة.
والجواز لسحنون، وهو مبني على جواز التطوع بالتافه في العقد.
والثاني لابن عبدوس، ورأى أنه يدخله كراء الأرض بما يخرج منها.
ابن يونس: وهو الصواب.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُقَابِلُهَا مُعَادِلاً لِكِرَائِهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: إِلا فِيمَا لا خَطْبَ لَهُ ..
تقدم أن شرط المزارعة السلامة من مقابلة الأرض ببذر فبالضرورة أن ما يقابلها من عمل أو بقر، فذكر أن من شرط ما يقابلها من عمل وبقر أن يكون معادلاً، أي مساوياً
لكرائها على المنصوص؛ كما لو أن كراء الأرض ألف دينار والعمل يساوي خمس مائة والبقر كذلك، والمنصوص قول مالك وأصحابه.
سحنون: وهو صواب؛ لأن سنة الشركة التساوي، فإذا خرجت عن ذلك خرجت عن حد ما أرخص فيه منها وصارت إجارة فاسدة.
وقوله: (وَقِيلَ) هو مقابل المنصوص، وهو قول ابن حبيب، وقد تقدم غير مرة أن المصنف تارة يقابل المنصوص بمنصوص مثله، وتارة يقابله بمخرج.
قال في المقدمات: ومن غلب الإجارة ألزمها في العقد وأجاز التفاضل بينهما ولم يراع التكافؤ.
ابن حبيب: إلا أن يتفاحش مثل أن يكون قيمة ما أخرجه أحدهما أكثر من قيمة ما أخرجه صاحبه بالأمر البين الذي لا يتغابن بمثله في البيوع، وقال سحنون: ذلك جائز وإن تفاحش وتباين التفاضل.
فَلَوْ كَانَتِ الأَرْضُ مِنْهُمَا وَالْبَذْرُ مِنْهُمَا وَتَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ، أَوِ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَمُقَابِلُهُ [611/ ب] عَمَلُ يُسَاوِيهِ- جَازَ خِلافاً لابْنِ دِينَارٍ، وَقِيلَ: يُغْتَفَرُ الْيَسِيرُ فِيهِمَا، وَقِيلَ: وَالْكَثِيرُ فِي الثَّانِيَةِ ..
أما الصورة الأولى: فقال عياض وغيره: لا خلاف فيها؛ لأنهما تساويا في الأرض والبذر والعمل.
قوله: (وَتَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ) يريد: فيما به العمل وهو البقر، وعلى هذا فخلاف ابن دينار عائد على الثانية فقط لعدم الخلاف في الأولى، ولأنه لو أراد الخلاف فيهما لقال: على الأغلب من عادته خلافاً لابن دينار فيهما.
الصورة الثانية: أن يخرج أحدهما البذر ويقابله الآخر بعمل يساويه وتكون الأرض بينهما وجاز لسلامتها من كراء الأرض بما يخرج منها، وقول ابن دينار نقله سحنون، قال:
وجعله مثل ذهب وعرض بذهب وعرض، يعني أن أحدهما أخرج بعض الأرض والطعام في مقابلة بعض الأرض.
سحنون: وهذا جائز بخلاف المراطلة، على أن المصنف لو استغنى بماقدمه من قوله:(الْمَشْهُورُ جَوَازُهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا) لكان أحسن، ولا يقال: مأخذ الرواية الشاذة غير مأخذ ابن دينار؛ لأن الرواية الشاذة مأخذها إنما هو؛ لأن حقيقة الشركة إنما تكون إذا اشتركا في الجميع ومأخذ ابن دينار في المنع في هذه المسألة إنما هو لفظ، فلعل المصنف ذكر لاختلاف المأخذين؛ لأنا نقول: المصنف لم يذكر مأخذ القولين، والله أعلم.
تنبيه:
ذكر اللخمي وابن يونس وغيرهما أن سحنون نقل خلاف ابن دينار في الصورة الثانية، وقال ابن راشد: لم ينقل ابن يونس خلاف ابن دينار في الصورة الثانية، وإنما نقله في صورة أخرى، وهي إذا كان البذر من عند أحدهما والأرض من عند الآخر، وفيه نظر؛ لأن هذه الصورة ممنوعة على المذهب بلا إشكال، ولعل سبب ذلك أن النسخة التي نظرها من ابن يونس سقيمة.
قوله: (وَقِيلَ: يُغْتَفَرُ الْيَسِيرُ فِيهِمَا) أي: في الصورتين، وذلك أنه لما قال في الأولى:(وَتَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ) وقال في الثانية: (وَمُقَابِلُهُ عَمَلُ يُسَاوِيهِ) وأشعر ذلك اشتراط التساوي وأنه لا يغتفر فيهما تفاوت يسير ولا كثير، وذكر قولين آخرين: أحدهما: إنه يغتفر التفاوت اليسير في الصورتين، وهو قول ابن حبيب، والثاني: أنه يغتفر اليسير في الأولى والكثير في الثانية، ووجهه أن الأولى دخلا فيها على حقيقة الشركة دون مبايعة لاشتراكهما في جميع الأشياء وذلك موجب لطلب الاعتدال بينهما فلا يغتفر إلا اليسير الذي تدعو الضرورة إليه، وأما الثانية: فقصد فيها المبالغة وهي لا يشترط فيها التساوي، بل هي مظنة المغابنة وهذا القول لسحنون، ولا يقال: هذا التوجيه يقتضي المنع من
الأصل لمنع اجتماع الشركة مع البيع؛ لأنا نقول: إنما يمنع البيع مع الشركة إذا كان البيع خارجاً عن الشركة. والله أعلم.
وَأَمَّا لَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَجَائِزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلا عَادَةٍ كَالشَّرِكَةِ
أي: ما منعناه من التفاضل إنما هو قبل العقد، وأما لو تبرع أحدهما بعده أو سلفه فذلك جائز من غير وأي ولا عادة، والوأي: الوعد، وهو أحسن من كلام المصنف؛ لأنه إذا امتنع في الوعد فأولى في الشرط ولا ينعكس.
وقوله: (بَعْدَ الْعَقْدِ) نحوه لسحنون أي ولا يشترط العمل، وعلله الشيخ أبو محمد بكون الشركة لازمة بالتعاقد، وعلى القول بنفي اللزوم قبل العمل فهو وإن وقع بعد العقد وقبل العمل بمنزلة الواقع قبله، وقد حكى أبو الحسن في جواز فضل أحدهما على الآخر بما له بال بعد العقد قولين، قال: وهما مبنيان على أن الشركة تلزم بعد العقد أم لا، وقد تقدم أن صاحب المقدمات قال: الذي جرت به الفتوى أن المزارعة إنما تلزم بالعمل، وعلى هذا فيكون كلام المصنف جارياً على هذا القول.
وقول المصنف (كَالشَّرِكَةِ) أشار به إلى ما قدمه وهو قوله: فإن وقعت على تفاضل الربح أو العمل فسدت، ولزم التراد في الربح وفي العمل أجرة المثل في نصف الزيادة، وأما لو تبرع أحدهما بعد العقد من غير شرط فجائز، ونقل ابن يونس عن ابن حبيب قولاً آخر، قال: إن عقدا على ألا يعتدلا ولا يتكافيا جاز ما فضل به أحدهما الآخر طوعاً قل أو كثر إذا اعتدلا في الزريعة ثم تفاضلا في غيرها وسلما من أن يكون للأرض كراء من الزريعة.
وَلَوْ كَانَتِ الأَرْضُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَأَلْغَاهَا وَتَسَاوَيَا فِيمَا عَدَاهَا لَمْ يَجُزْ إِلا فِيمَا لا خَطْبَ لَهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ ..
هذه مسألة المدونة في رجلين اشتركا في الزرع فأخرج أحدهما أرضاً لها قدر في الكراء فيلغيها لصاحبها ويعتدلان فيما عدا ذلك من العمل والبذر فلا يجوز إلا أن يخرج صاحبه نصف كراء الأرض ويتساويا في العمل والبذر أو تكون الأرض لا خطب لها في الكراء، كأرض المغرب وشبهها، فيجوز أن يلغي كراؤها لصاحبه، ويتساويا فيما عدا ذلك، وقال سحنون في كتاب ابنه: لا يعجبني أن تلغى الأرض من المتزارعين وإن لم يكن لها كراء ولولا أن مالكاً قاله لكان غيره أحب إلي منه، ولما كان قول سحنون ليس صريحاً في المخالفة، وهو محتمل لما أشار المصنف إليه بقوله: على المنصوص.
تنبيه:
لعل المصنف خص الأرض تبعاً للمدونة وإلا فينبغي أن يكون التطوع بالتافه مطلقاً لذلك، وعليه تدل الرسالة؛ لأن فيها: ولو اكتريا الأرض والبذر من عند واحد وعلى الآخر العمل جاز إذا تقاربت قيمة ذلك.
فَلَوْ كَانَتِ الأَرْضُ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ جَمِيع الْبَذْرِ، أَوْ بَعْضِ الْبَذْرِ وَالْعَمَلُ عَلَى الآخَرِ؛ فَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ نِسْبَةُ بَذْرِهِ أَوْ أَكْثَرُ جَازَ، وإِلا فَلا ..
ذكر مسألتين: الأولى أن يكون من أحدهما الأرض كلها أو جميع البذر وعلى الآخر [612/ أ] العمل- يريد والبقر والآلة، وأطلق العمل عليه وعلى البقر والآلة لأنهما سببان له- جاز وهو قول سحنون؛ ففي اللخمي: واختلف إذا كان البذر من عند صاحب الأرض واةلعمل والبقر من عند الآخر، فأجازه سحنون ومنعه محمد وابن حبيب.
وقول ابن عبد السلام: إن هذه الصورة هي مسألة الخماس ببلاد المغرب ليس بظاهر؛ لأن في مسالة الخماس البقر والآلة من عند رب الأرض، وإنما للعامل جزء معلوم يساوي قيمة عمله، ويتبين لك ذلك بالوقوف على ما في أجوبة ابن رشد، ونص السؤال: يتفضل الفقيه الأجل قاضي الجماعة أبو الوليد ابن رشد- وفقه الله تعالى ورضي عنه- بالجواب في رجلين اشتركا في الزرع على أن جعل أحدهما: الأرض والبذر والبقر، والثاني: العمل، ويكون الربع للعالم، والثلاثة الأرباع لصاحب الأرض، هل يجوز ذلك أم لا؟ وأجابه بأن قال: تصفحت سؤالك، فأما مسألة الاشتراك في الزرع على الوجه الذي ذكرت فلا يخلو الأمر فيها من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يعقداها بلفظ الشركة.
والثاني: أن يعقداها بلفظ الإجارة.
والثالث: أن لا يسميا في عقدها شركة ولا إجارة، وإنما قال: أدفع إليك أرضي وبذري وبقري وتتولى أنت العمل، ويكون لك ربع الزرع أو خمسه أو جزء من أجزائه يسميانه، فحمله ابن القاسم على الإجارة ولم يجزه وإليه ذهب ابن حبيب، وحمله سحنون على الشركة فأجازه، هذا تحصيل القول عندي في هذه المسألة، وكان من أدركنا من الشيوخ لا يحصلونها هذا التحصيل، ويذهبون إلى أنها مسألة اختلاف جملة من غير تفصيل، وليس ذلك عندي بصحيح. انتهى.
وحاصله: إن عقداها بلفظ الشركة جاز بلا إشكال، وبلفظ الإجارة امتنع بلا خلاف؛ لأنها إجارة بجزء مجهول، وقد نص أبو الحسن على أن هذه هي مسألة الخماس لا ما قاله ابن عبد السلام، ولا يقال: لعل ابن عبد السلام أراد هذه؛ لأنا نقول: قد نص على أنه أراد مسألة اللخمي.
وقوله: (أَوْ بَعْضِ الْبَذْرِ وَالْعَمَلُ عَلَى الآخَرِ) هذه هي مسألة الثانية؛ أي: لو كانت الأرض من عند أحدهما مع بعض البذر وعلى الآخر العمل مع البذر، كان للعامل نسبة بذره؛ أي: قدر ما أخرجه العامل من البذر كما لو أخرج كل واحد نص البذر والزرع بينهما نصفان.
قوله: (أَوْ أَكْثَرُ) كما إذا أخرج العامل ثلث البذر وأخذ النصف؛ لأنه يكون ثلث العمل مقابلاً لثلث رب الأرض، ويبقى الثلث الآخر الذي أخرجه رب الأرض مقابلاً لعمل العامل فلا منع، وهذا معنى قوله:(جَازَ) يريد بشرط التكافؤ كما تقدم.
قوله: (وإِلا فَلا) أي: وإن لم يكن للعامل نسبة بذره ولا أكثر بل أقل امتنع كما لو أخرج العامل ثلثي البذر وأخرج رب الأرض ثلث البذر والزرع بينهما نصفان؛ لأن الثلث الزائد من العامل يصير في مقابلة الأرض جزء من البذر وهكذا قال ابن حبيب.
وَالْعَمَلُ الْمُشْتَرَطُ هُوَ الْحَرْثُ لا الْحَصَادُ وَالدِّرَاسُ عَلَى الأَصَحِّ لأَنَّهُ مَجْهُولُ، وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَالْحَصَادُ وَالدِّرَاسُ ..
لما ذكر المصنف أولاً العمل وكان فيه اختلاف احتاج إلى بيانه وما صححه المصنف هو قول سحنون وصححه للدليل، وكذلك قال ابن يونس والتونسي: إنه الصواب؛ لأن الحصاد والدراس مجهولان لا يدري كيف يكونان وشأنهما قد يقل ويكثر، واستشكلا ما وقع لابن القاسم في العتبية من رواية حسين بإجازة اشتراطهما، وهو الذي حكاه المصنف عنه، ونص هذه الرواية على نقل ابن يونس، وقال حسين عن ابن القاسم: فيمن أعطى لرجل أرضاً ليقلبها وينبتها فإذا كان أوان الزراع كان البذر بينهما والزرع بينهما والعمل على الداخل والحصاد والدراس، ونقل نصيب رب الأرض إليه، قال: وبين القليب والزرع شهر، فإن كانت الأرض مأمونة جاز ذلك وإن كانت غير مأمونة لم يجز، وانظر
كيف منعوا هنا جواز اشتراط الحصاد والدراس، وأجازوا اشتراط عصر الزيتون على العامل في المساقاة.
خليل: والقليب: الحرث.
الجوهري: المقلب: الحديدة التي تقلب بها الأرض للزراعة.
وَالْبَذْرُ الْمُشْتَرَكُ شَرْطُهُ الْخَلْطُ كَالْمَالِ
لا حاجة إلى قوله: (الْمُشْتَرَكُ) لأن الخلط يغني عنه، ولما كان الخلط ظاهراً في عدم تمييز أحدهما عن الآخر بين أنه ليس المراد ذلك بقوله:(كَالْمَالِ) فأشار إلى ما قدمه وهو إما أن يكون تحت أيديهما أو أحدهما، وهكذا قال مالك وابن القاسم.
اللخمي: واختلف عن سحنون فقال مرة بقول مالك، وقال مرة: إنما تصح الشركة إذا خلطا الزريعة أو جمعاها في بيت واحد وحملاها إلى فدان، ونص هذا الثاني عند ابن يونس.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا صحت الشركة في المزارعة، وأخرجا البذر جميعاً إلا أنهما لم يخلطا فزرعا بذر هذا في فدان أو في بعضه، وزرعا الآخر في الناحية الأخرى، ولم يعملا على ذلك، فإن الشركة لا تنعقد ولكل واحد ما أنبت حبه ويتراجعان في فضل الأكرية ويتحاصان، وإنما تتم الشركة إذا خلطا ما أخرجاه من الزريعة أو جمعاه في بيت واحد، ثم زرعا الأخرى فهو جائز، كما لو جمعاها في بيت وتصح الشركة.
قال بعض فقهاء القرويين: وعند ابن القاسم إن الشركة جائز خلطاً أو لم يخلطا.
ابن عبد السلام: ولعل المصنف إنما سكت عنه لاحتمال جواز الإقدام على ذلك ابتداء، وإنه ممنوع أولاً، لكنه إذا وقع مضى وهو الظاهر من تفريعه.
فَلَوْ أَخْرَجَاهُ مَعاً وَبَذَرَاهُ بَذَرَاهُ؛ وَقِيلَ: كَالْخَلْطِ؛ [612/ ب] وقِيلَ: إِنْ عُلِمَتِ النَّوَاحِي فَلِكُلِّ وَاحِدٍ نَبْتُ بَذْرِهِ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الأَكْرِيَةِ وَالْعَمَلِ ..
لو اشتركا في الإخراج في وقت واحد فقولان:
أولهما: أنه كالخلط وهو الجاري على قول مالك وابن القاسم.
والثاني: أن لكل واحد نبت بذره إن علمت النواحي، وهو أحد قولي سحنون.
وَعَلَى الصِّحَّةِ لَوْ لَمْ يَنْبُتْ بَذْرُ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ غُرَّ لَمْ يَحْتَسِبْ بِبَذْرِهِ وَعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ النَّابِتِ، وإِنْ لَمْ يُغَرَّ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ بَذْرِ الآخَرِ، والزَّرْعُ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا ..
أي: وعلى القول بصحة الشركة لو لم ينبت بذر أحدهما يكون الزرع بينهما لصحة العقد، وتصور كلامه ظاهر، والضمير في (فِيهِمَا) عائد على صورتي الغرور وعدمه.
ابن عبد السلام: وسكت في الرواية عن رجوع المغرور على الغار بقيمة نصف العمل، وينبغي أن يكون له الرجوع بذلك؛ لأنه غرر بالفعل.
خليل: وينبغي أن يرجع عليه بنصف قيمة كراء الأرض التي غر فيها، قيل: وهذا إذا لم يغتر عليه إلا بعد انقضاء إبان الزراعة، ولو علم ذلك في إبانها للزم الغار الضمان وعليه أن يخرج المكيلة من زريعة تنبت فيزرعها في ذلك القليب وهما شريكان، ولا غرم على الآخر للغار، وإن لم يكن غره فليخرجا قفيزاً آخر فيزرعان في القليب إن اختاراها على شركتهما.
تنبيه:
بقي على المصنف شرط آخر في البذر وهو ثالثهما جنساً، وإن أخرج أحدهما قمحاً والآخر شعيراً أو سلتا أو صنفين من القطنية، فقال سحنون: لكل واحد ما أنبت بذره ويتراجعان في الأكرية ثم قال: يجوز إن اعتدلت القيمة. اللخمي: يريد والمكيلة.
وَفِي الْفَاسِدَةِ إِنْ تَكَافَأ فِي الْعَمَلِ فَبَيْنَهُمَا وَيَتَرَاجَعَانِ غَيْرَهُ
لما ذكر المزارعة الصحيحة وشروطها علم أن الفاسدة ما فقد منها شرط، ولذلك لم يحتج إلى بيان الفاسدة، وتقدير كلامه: والحكم في المزارعة الفاسدة تفسخ قبل العمل، وإن فاتت ففي المذهب طريقان: أولاهما تفصيلية وهي التي بدأ بها المصنف، وذكر منها ثلاث صور، الصورة الأولى:(إِنْ تَكَافَأ فِي الْعَمَلِ) أي: فالزرع بينهما، وذلك إذا أخرج أحدهما البذر والآخر الأرض والعمل بينهما، ولا خلاف في فسادهما لمقابلة الأرض بالبذر، فيكون الزرع بينهما.
(وَيَتَرَاجَعَانِ غَيْرَهُ) أي: غير العمل وهو البذر والأرض فيكون على صاحب البذر نصف كراء الأرض وعلى صاحب الأرض مكيلة البذر، وهكذا نقله ابن المواز عن مالك وابن القاسم، وظاهر كلام ابن حبيب أن الزرع لصاحب البذر وحده، ويكون عليه لصاحب الأرض كراء أرضه وقيمة نصف العمل؛ لأنه قال: وأصل هذا أن كل متزارعين على معادلة وقع في مزارعتهما، كراء الأرض بالبذر فافسخه واجعل الزرع لرب البذر، وكل متزارعين على غير معادلة سلماً من كراء الأرض بشيء من البذر، فاجعل الزرع بينهما نصفين، ويتراجعان في الفضل فيما سوى ذلك.
وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْعَمَلِ فَالزَّرْعُ لَهُ وَعَلَيْهِ الأُجْرَةُ
هذه الصورة الثانية وفسدت بما فسدت به الأولى؛ لأن قوله: (مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا) البذر مع العمل يقتضي أن الأرض من عند الآخر، وحينئذ يقابل الأرض جزء من البذر. (فَالزَّرْعُ لَهُ) أي: لصاحب البذر والعمل؛ لأنه اجتمع له من الثلاثة شيئان، وقدم لذلك. (وَعَلَيْهِ الأُجْرَةُ) أي: أجرة الأرض.
ابن القاسم وابن حبيب: وإن أخرج أحدهما الأرض والعمل على ألآخر وجميع البذر على أنه له نصفه على رب الأرض، لم يجز شرط السلف، وإن وقع فالربح بينهما نصفين لضمانهما الزريعة، وتكافيهما في العمل وكراء الأرض، ويرجع مخرج البذر بنصفه معجلاً على الآخر، وقال سحنون: الزرع لمسلف البذر وعليه كراء الأرض، قبض رب الأرض حصته من الزريعة أو لم يقبض إذا وقعت الشركة على شرط السلف إلا أن يكون أسلف على غير شرط بعد صحة العقد.
إِنْ كَانَ الْبَذْرُ فَقَطْ مِنَ الْمَالِكِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِي؛ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الزَّرْعُ لِلْعَامِلِ، وَقَالَ سُحْنُونُ: الزَّرْعُ لِرَبِّ الْبَذْرِ ثُمَّ يُقَوِّمَانِ مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ مَكِيلَةِ الْبَذْرِ وَأُجْرَةِ الأَرْضِ والْعَمَلِ ..
هذه هي الصورة الثالثة ودل كلامه على أنها تقع على وجهين:
الأول: أن يكون البذر من المالك أي للأرض ومن الآخر العمل.
والوجه الثاني: أن يكون البذر من أجنبي فتكون الأرض لواحد والبذر لآخر والعمل لآخر وتكون الشركة من ثلاثة أشخاص، ولا إشكال في فساد الوجه الثاني لمقابلة جزء من الأرض بجزء من البذر، وأما الوجه الأول: فقد يقال: فيه نظر؛ لأن كلام المصنف يقتضي أن سحنون يقول بفساده، والمنقول عنه فيما إذا أخرج أحدهما الأرض والبذر، وأخرج الآخر العمل وقيمة ذلك، مثل كراء الأرض جواز ذلك وعن ابن حبيب عدم جوازه.
ابن حبيب: وإن نزل فالزرع لصاحب الأرض والبذر والبقر وعليه للآخر قيمة عمل يده، وكأنه آجره بنصف ما تنبت أرضه اللهم إلا أن يقال: إن مراد المصنف إذا وقعت الشركة بينهما على التفاضل.
وقوله: (فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الزَّرْعُ لِلْعَامِلِ) يعني: في الوجهين، وهو ظاهر قول مالك وابن القاسم في الموازية، ونص ما نقله ابن يونس: قال ابن المواز: ومن قول مالك وابن القاسم: إن الزرع كله في فساد الشركة لمن تولى القيام به كان مخرج البذر صاحب الأرض أو غيره، وعليه إن كان هو مخرج البذر له كراء أرض صاحبه، وإن كان صاحبه مخرج البذر فعلي له مثل بذره، وهكذا نقل [613/ أ] الشيخ أبو محمد هذا القول، واعترض القرويون على أبي محمد ما نقله عن ابن القاسم أنه لصاحب العمل، وقالوا: لم نجد لابن القاسم أن الزرع للعامل دون أن يضاف إليه.
وقوله: (وَقَالَ سُحْنُونُ: الزَّرْعُ لِرَبِّ الْبَذْرِ) ظاهره أيضاً في الوجهين، وهذا القول رواه ابن غانم عن مالك أن الزرع لصاحب الزريعة وعليه قيمة كراء الأرض والعمل.
ابن حبيب: وبه قال من المدنيين مطرف وابن الماجشون وابن نافع، ومن المصريين ابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ، ولم أر النص عن سحنون إلا في الوجه الأول، وهذا إذا كان البذر من عند رب الأرض، قال ابن يونس: نقل عنه أن الزرع لرب البذر، وذكر عنه أيضاً صورة أخرى فقال: قال سحنون: وإذا اشترك ثلاثة فأخرج أحدهم الأرض ونصف البذر، والآخر نصف البذر فقط، والثالث البقر والعمل على أن الزرع بينهم أثلاثاً لم يجز، فإن نزل فالزرع على مذهب ابن القاسم بين العامل ورب الأرض، ويغرمان لمخرج نصف البذر مكيلة بذره.
ومذهب سحنون أن الزرع لصاحبي الزريعة وعليهما كراء الأرض والعمل، وقال ابن حبيب: قد أخطأ والزرع بينهم أثلاثاً، والذي ذكر ابن المواز على أصل ابن القاسم أن الزرع لمن ولي العمل إذا سلمت الأرض إليه فيؤدي مثل البذر لمخرجه، وكراء الأرض لربها. انتهى.
قوله: (ثُمَّ يُقَوِّمَانِ) هو من القيام وهو معنى الغرم والضمير المثنى عائد على صاحب الأرض والعامل وهذا مرتب على قول ابن القاسم وسحنون أي فعلى قول ابن القاسم أن الزرع للعامل يكون عليه كراء الأرض ومثل البذر إذا كان من غيره وعلى قول سحنون أن الزرع لصاحب البذر وتكون عليه قيمة العمل وكراء الأرض إن كانت لغيره، ولما فرغ رحمه الله من الطريق التفصيلية شرع في الإجمالية فقال:
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فِي الْفَاسِدَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ:
الأَوَّلُ: لِصَاحِبِ الْبَذْرِ.
الثَّانِي: لِلْعَامِلِ
الثَّالِثُ: لِمَنْ لَهُ اثْنَانِ مِنَ الأَرْضِ وَالْبَذْرِ والْعَمَلِ.
الرَّابِعُ: لِمَنْ لَهُ الْبَقَرُ والأَرْضِ والْعَمَلِ.
الْخَامِسُ: لِمَنْ اجْتَمَعَ لَهُ شَيْئَانِ مِنَ الأَرْبَعَةِ.
السَّادِسُ: إِنْ سَلِمَتْ مِنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَعَلَى مَا شَرَطُوهُ وَإِلا فَلِصَاحِبِ الْبَذْرِ.
(الْبَاجِيُّ) هو ابن رشد وقد تقدم في الطلاق سبب ذلك وهذه الطريقة ذكرها في المقدمات فقال: واختلف في المزارعة الفاسدة إذا وقعت وفاتت بالعمل على ستة أقوال:
أحدها: أن الزرع لصاحب البذر ويؤدي لأصحابه كراء ما أخرجوه.
والثاني: أن الزرع لصاحب العمل وهو تأويل ابن أبي زيد عن ابن القاسم فيما حكى عنه ابن المواز.
والثالث: لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة وهي البذور والأرض والعمل فإن كانوا ثلاثة واجتمع لكل واحد منهم شيئان منها أو انفرد كل واحد منهم بشيء منها فالزرع بينهم أثلاثاً وإن اجتمع لأحدهم شيئان دون أصحابه كان له الزرع دونهم، وهو مذهب ابن القاسم واختيار ابن المواز على ما تأول أبو إسحاق التونسي.
والرابع: أنه يكون لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة أشياء على هذا الترتيب وهي الأرض، والعمل، والبقر.
والخامس: أن يكون لمن اجتمع له شيئان من اربعة أشياء على هذا الترتيب وهي: الذر، والأرض، والعمل، والبقر.
والسادس: قول ابن حبيب: إن الفساد أن سلم من كراء الأرض بما يخرج منها كان الزرع بينهم فالزرع على ما اشترطوه وتعادلوا في ما أخرجوه.
وإن دخله كراء الأرض بما يخرج منها فالزرع لصاحب البذر.
وعلى هذا فقول المصنف في القول الرابع: (لِمَنْ لَهُ الْبَقَرُ والأَرْضِ والْعَمَلِ) ليس بجيد وصوابه "لمن له اثنان من الأرض والبقر والعمل" وكذلك الخامس صوابه أن يقول: "لمن اجتمع له شيئان من البذر والبقر والأرض والعمل" ولا يقال كلام المصنف غير صحيح من حيث المعنى؛ لأنه إذا اجتمع لواحد أربعة فماذا يكون للآخر؛ لأنه لا يلزم من كون الأربعة لواحد أن يكون جميعها له فمن الجائز أن يكون معه شريك في بعضها وفي كلها ألا ترى إلى القول الثالث في كلام ابن رشد.