المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل: رد عقيدة النصارى في الصلب والفداء] - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ: إِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِرِسَالَتِهِ إِلَى الْعَرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبَشَّرْ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ اسْتِدْلَالِ النَّصَارَى عَلَى صِحَّةِ دِينِهِمْ بِمَا جَاءَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ] [

- ‌طُرُقُ إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ هِيَ إِثْبَاتٌ لِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[إِبْطَالُ دَعْوَى النَّصَارَى إِلَهِيَّةِ الْمَسِيحِ عليه السلام]

- ‌[فَصْلٌ: الْمُسْلِمُونَ لَمْ يُصَدِّقُوا نُبُوَّةَ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا مَعَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى خُصُوصِيَّةَ الْإِسْلَامِ لِكَوْنِ كِتَابِهِ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ: دَفْعُ مَا يُوهِمُ الْخُصُوصِيَّةَ لِكَوْنِ الْقُرْآنِ عَرَبِيًّا]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ زَعْمِ النَّصَارَى عِصْمَةَ الْحَوَارِيِّينَ الْمُتَرْجِمِينَ لِلْإِنْجِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى زَعْمِهِمْ الِاسْتِغْنَاءَ بِرُسُلِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ عَنْ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ زَعْمِهِمْ بِأَنَّ عَدْلَ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُطَالَبُوا بِاتِّبَاعِ إِنْسَانٍ لَمْ يَأْتِ إِلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ عَقِيدَةِ النَّصَارَى فِي الصَّلْبِ وَالْفِدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا. . . تَقْتَضِي الْعَرَبَ وَحْدَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ: تَوَسُّطُ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ تَقْصِيرِ الْيَهُودِ وَغُلُوِّ النَّصَارَى]

- ‌[فَصْلٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ مِنْ مَمْلُوكَاتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ دَعْوَاهُمُ اتِّحَادَ كَلِمَةِ اللَّهِ بِجَسَدِ الْمَسِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمُ الْفَضْلَ لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَدَفْعُ اعْتِقَادِ النَّصَارَى أُلُوهِيَّتَهُ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي احْتِجَاجِهِمْ بِآيَةِ سُورَةِ الْحَدِيدِ عَلَى مَدْحِ الرَّهْبَانِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي احْتِجَاجِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ مَدَحَهُمْ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمْ تَعْظِيمَ الْإِسْلَامِ لِمَعَابِدِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: رَفْضُ دَعْوَاهُمْ وُجُوبَ التَّمَسُّكِ بِدِينِهِمْ بَعْدَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّ الْإِسْلَامَ عَظَّمَ الْحَوَارِيِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ فَسَادِ قَوْلِهِمْ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ يَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَظَّمَ إِنْجِيلَهُمُ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: قِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الرُّسُلِ]

- ‌[فَصْلٌ: أَسْبَابُ ضَلَالِ النَّصَارَى وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: الْخَوَارِقُ الَّتِي يُضِلُّ بِهَا الشَّيَاطِينُ أَبْنَاءَ آدَمَ]

- ‌[فَصْلٌ: مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرُّسُلِ فِي قَوْلِهِ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ: إِثْبَاتُ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا يُثْبِتُ صِدْقَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: رَفْضُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ صَدَّقَ كُتُبَهُمُ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمْ تَنَاقُضُ خَبَرِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ مَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: وُقُوعُ التَّبْدِيلِ فِي أَلْفَاظِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَانْقِطَاعِ سَنَدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ أَنَّ التَّحْرِيفَ وَقَعَ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ]

- ‌[فَصْلٌ: دَعْوَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى الْحُكْمِ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ مِنَ الْأَلْفَاظِ الصَّحِيحَةِ]

الفصل: ‌[فصل: رد عقيدة النصارى في الصلب والفداء]

ذِكْرِ رَبِّهِ وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.

قَالَ - تَعَالَى -: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النجم: 29] وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] .

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ مِنَ الْعَجَبِ أَنْ تَعُدَّ النَّصَارَى مِثْلَ هَذَا ظُلْمًا خَارِجًا عَنِ الْعَدْلِ وَهُمْ قَدْ نَسَبُوا إِلَى اللَّهِ مِنَ الظُّلْمِ الْعَظِيمِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ كَمَا سَبُّوهُ وَشَتَمُوهُ مَسَبَّةً مَا سَبَّهُ إِيَّاهَا أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ فَهُمْ مِنْ أَبْعَدِ الْأُمَمِ عَنْ تَوْحِيدِهِ وَتَمْجِيدِهِ وَحَمْدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ آدَمَ لَمَّا أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ غَضِبَ الرَّبُّ عَلَيْهِ وَعَاقَبَهُ وَأَنَّ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ بَقِيَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ إِلَى أَنْ جَاءَ الْمَسِيحُ وَصُلِبَ وَأَنَّهُ كَانَتِ الذُّرِّيَّةُ فِي حَبْسِ إِبْلِيسَ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ذَهَبَتْ رُوحُهُ إِلَى جَهَنَّمَ فِي حَبْسِ إِبْلِيسَ حَتَّى قَالُوا: ذَلِكَ فِي الْأَنْبِيَاءِ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ.

[فَصْلٌ: رَدُّ عَقِيدَةِ النَّصَارَى فِي الصَّلْبِ وَالْفِدَاءِ]

وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أَبُوهُ كَافِرًا وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ اللَّهُ بِذَنْبِ أَبِيهِ فَكَيْفَ

ص: 107

يُؤَاخِذُهُ بِذَنْبِ آدَمَ وَهُوَ أَبُوهُ الْأَبْعَدُ، هَذَا لَوْ قُدِّرَ أَنَّ آدَمَ لَمْ يَتُبْ فَكَيْفَ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ؟ ثُمَّ يَزْعُمُونَ أَنَّ الصَّلْبَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا بِهِ خَلَّصَ اللَّهُ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ مِنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ وَبِهِ عَاقَبَ إِبْلِيسَ مَعَ أَنَّ إِبْلِيسَ مَا زَالَ عَاصِيًا لِلَّهِ مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ مِنْ حِينِ امْتَنَعَ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ وَوَسْوَسَ لِآدَمَ إِلَى حِينِ مَبْعَثِ الْمَسِيحِ وَالرَّبُّ قَادِرٌ عَلَى عُقُوبَتِهِ وَبَنُو آدَمَ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَنْبِ أَبِيهِمْ فَمَنْ كَانَ قَوْلُهُمْ مِثْلَ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ الَّتِي هِيَ مَضَاحِكُ الْعُقَلَاءِ وَالَّتِي لَا تَصْلُحُ أَنْ تُضَافَ إِلَى أَجْهَلِ الْمُلُوكِ وَأَظْلَمِهِمْ فَكَيْفَ يَدَّعُونَ مَعَ هَذَا أَنَّهُمْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِالْعَدْلِ وَيَجْعَلُونَ مِنْ عَدْلِهِ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ الْإِنْسَانَ بِتَعَلُّمِ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَفِيهِ صَلَاحُ مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ وَيَجْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا مُوجِبًا لِتَكْذِيبِ كِتَابِهِ وَرُسُلِهِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى تَبْدِيلِ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَتَكْذِيبِ الْكِتَابِ الْآخِرِ وَعَلَى أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مُخَالَفَةَ مُوسَى وَعِيسَى وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ؟ .

وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحَ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُمُ اللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ جَمِيعًا إِنَّمَا مَكَّنَ الْكُفَّارَ مِنْ صَلْبِهِ لِيَحْتَالَ بِذَلِكَ عَلَى عُقُوبَةِ إِبْلِيسَ قَالُوا: فَأَخْفَى نَفْسَهُ عَنْ إِبْلِيسَ لِئَلَّا يُعْلَمَ وَمَكَّنَ أَعْدَاءَهُ مِنْ أَخْذِهِ وَضَرْبِهِ وَالْبُصَاقِ فِي وَجْهِهِ وَوَضْعِ الشَّوْكِ عَلَى رَأْسِهِ وَصَلْبِهِ وَأَظْهَرَ الْجَزَعَ مِنَ الْمَوْتِ وَصَارَ يَقُولُ يَا إِلَهِي لِمَ سَلَّطْتَ أَعْدَائِي عَلَيَّ لِيَخْتَفِيَ بِذَلِكَ عَنْ إِبْلِيسَ فَلَا يَعْرِفُ إِبْلِيسُ أَنَّهُ اللَّهُ أَوِ ابْنُ اللَّهِ وَيُرِيدُ إِبْلِيسُ أَنْ يَأْخُذَ رُوحَهُ إِلَى الْجَحِيمِ كَمَا أَخَذَ أَرْوَاحَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ

ص: 108

وَمُوسَى وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ فَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ الرَّبُّ حِينَئِذٍ وَيَقُولُ بِمَاذَا اسْتَحْلَلْتَ يَا إِبْلِيسُ أَنْ تَأْخُذَ رُوحِي؟ فَيَقُولُ لَهُ إِبْلِيسُ: بِخَطِيئَتِكَ فَيَقُولُ: نَاسُوتِي لَا خَطِيئَةَ لَهُ كَنَوَاسِيتِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ خَطَايَا اسْتَحَقُّوا بِهَا أَنْ تُؤْخَذَ أَرْوَاحُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ وَأَنَا لَا خَطِيئَةَ لِي.

وَقَالُوا فَلَمَّا أَقَامَ اللَّهُ الْحُجَّةَ عَلَى إِبْلِيسَ جَازَ لِلرَّبِّ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَ إِبْلِيسَ وَيُعَاقِبَهُ وَيُخَلِّصَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ إِذْهَابِهِمْ إِلَى الْجَحِيمِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ وَنِسْبَةِ الظُّلْمِ إِلَى اللَّهِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ فَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ: فَقَدْ قُدِحَ فِي عِلْمِ الرَّبِّ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ قَدْحًا مَا قَدَحَهُ فِيهِ أَحَدٌ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ إِبْلِيسُ إِنْ كَانَ أَخَذَ الذُّرِّيَّةَ بِذَنْبِ أَبِيهِمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَاسُوتِ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ بِخَطَايَاهُمْ فَلَمْ يَأْخُذْهُمْ بِذَنْبِ أَبِيهِمْ وَهُمْ قَالُوا إِنَّمَا أَخَذَهُمْ بِذَنْبِ آدَمَ.

الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ مَنْ خُلِقَ بَعْدَ الْمَسِيحِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ كَمَنْ خُلِقَ قَبْلَهُ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُمَكَّنَ إِبْلِيسُ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ دُونَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكُلُّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى آدَمَ سَوَاءٌ وَهُمْ أَيْضًا يُخْطِئُونَ أَعْظَمَ مِنْ خَطَايَا الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَكَيْفَ جَازَ تَمْكِينُ إِبْلِيسَ مِنْ عُقُوبَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ عُقُوبَةِ الْكُفَّارِ وَالْجَبَابِرَةِ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ الْمَسِيحِ؟ .

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ أَخْذُ إِبْلِيسَ لِذُرِّيَّةِ آدَمَ وَإِدْخَالُهُمْ جَهَنَّمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا مِنْ إِبْلِيسَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا

ص: 109

فَلَا لَوْمَ عَلَى إِبْلِيسَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَالَ عَلَيْهِ لِيَمْتَنِعَ مِنَ الْعَدْلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بَلْ يَجِبُ تَمْكِينُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ.

وَإِنْ كَانَ ظُلْمًا فَلِمَ لَا يَمْنَعُهُ الرَّبُّ مِنْهُ قَبْلَ الْمَسِيحِ؟ .

فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَقْدِرْ فَقَدْ نَسَبُوهُ إِلَى الْعَجْزِ وَإِنْ قِيلَ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ ظُلْمِ إِبْلِيسَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَفْعِهِ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ إِنْ جَازَ ذَلِكَ جَازَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَإِنِ امْتَنَعَ امْتَنَعَ فِي كُلِّ زَمَانٍ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ إِبْلِيسَ إِنْ كَانَ مَعْذُورًا قَبْلَ الْمَسِيحِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى عُقُوبَتِهِ وَلَا مَلَامَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَلَا حَاجَةَ إِلَى أَنْ يُحْتَالَ عَلَيْهِ بِحِيلَةٍ تُقَامُ بِهَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: إِنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةَ قَبْلَ الصَّلْبِ فَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ حُجَّةً بِالصَّلْبِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا مَا عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا النَّاسُوتَ هُوَ نَاسُوتُ الرَّبِّ وَأَنْتَ يَا رَبِّ قَدْ أَذِنْتَ لِي أَنْ آخُذَ جَمِيعَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ فَأُودِيهِمْ إِلَى الْجَحِيمِ فَهَذَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَمَا عَلِمْتُ أَنَّكَ أَوِ ابْنَكَ اتَّحَدَ بِهِ وَلَوْ عَلِمْتُ ذَلِكَ لَعَظَّمْتُهُ، فَأَنَا مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَظْلِمَنِي.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ نَقُولَ: أَنَّ إِبْلِيسَ يَقُولُ حِينَئِذٍ يَا رَبِّ فَهَذَا

ص: 110

النَّاسُوتُ الْوَاحِدُ أَخْطَأْتُ فِي أَخْذِ رُوحِهِ لَكِنَّ سَائِرَ بَنِي آدَمَ الَّذِينَ بَعْدَهُ لِي أَنْ أَحْبِسَ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ كَمَا حَبَسْتُ أَرْوَاحَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ الْمَسِيحِ إِمَّا بِذَنْبِ أَبِيهِمْ وَإِمَّا بِخَطَايَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَحِينَئِذٍ، فَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُهُ النَّصَارَى حَقًّا فَلَا حُجَّةَ لِلَّهِ عَلَى إِبْلِيسَ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ هَبْ أَنَّ آدَمَ أَذْنَبَ وَبَنُوهُ أَذْنَبُوا بِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ فَعُقُوبَةُ بَنِي آدَمَ عَلَى ذُنُوبِهِمْ هِيَ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى إِبْلِيسَ؟ فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ أَنَّ إِبْلِيسَ لَهُ أَنْ يُغْوِيَ بَنِي آدَمَ بِتَزْيِينِهِ لَهُمْ ثُمَّ لَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ جَمِيعًا بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ إِلَّا مِنْ قَوْلِ الْمَجُوسِ الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ مِنَ الشَّرِّ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْعِقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هُوَ مِنْ فِعْلِ إِبْلِيسَ لَمْ يَفْعَلِ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا عَاقَبَ اللَّهُ أَحَدًا عَلَى ذَنْبٍ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ سَرَى إِلَى النَّصَارَى مِنَ الْمَجُوسِ لِهَذَا لَا يَنْقُلُونَ هَذَا الْقَوْلَ فِي كِتَابٍ مُنَزَّلٍ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ وَلِهَذَا كَانَ الْمَانَوِيَّةُ دِينُهُمْ مُرَكَّبًا مِنْ دِينِ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَكَانَ رَأْسُهُمْ مَانِيُّ نَصْرَانِيًّا مَجُوسِيًّا فَالنَّسَبُ بَيْنَ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ بَلْ وَسَائِرِ الْمُشْرِكِينَ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ.

ص: 111

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ إِبْلِيسُ عَاقَبَ بَنِي آدَمَ وَأَدْخَلَهُمْ جَهَنَّمَ بِإِذْنِ اللَّهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

إِنْ قَالُوا: بِإِذْنِهِ فَلَا ذَنْبَ لَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْتَالَ عَلَيْهِ لِيُعَاقَبَ وَيَمْتَنِعُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهَلْ جَازَ فِي عَدْلِ اللَّهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ جَازَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ جَازَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي زَمَانٍ لَمْ يَجُزْ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْمَسِيحِ وَمَا بَعْدَهُ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ هَلْ كَانَ اللَّهُ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ إِبْلِيسَ وَعُقُوبَتِهِ بِدُونِ هَذِهِ الْحِيلَةِ وَكَانَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْهُ لَوْ فَعَلَهُ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَقْدُورًا لَهُ وَهُوَ عَدْلٌ مِنْهُ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَحْتَالَ عَلَى إِبْلِيسَ وَلَا يَصْلُبَ نَفْسَهُ أَوِ ابْنَهُ ثُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا الْعَدْلُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَجَبَ مَنْعُ إِبْلِيسَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا جَازَ تَمْكِينُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَمَانٍ وَزَمَانٍ.

وَإِنْ قِيلَ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ إِبْلِيسَ فَهُوَ تَعْجِيزٌ لِلرَّبِّ عَنْ مَنْعِ إِبْلِيسَ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ

ص: 112

الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ النُّورُ أَنْ يَمْنَعَ الظُّلْمَةَ مِنَ الشَّرِّ وَمِنْ جِنْسِ قَوْلِ دِيمُقْرَاطِيسَ وَالْحَنَّانِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَمْ يُمَكَّنْ وَاجِبُ الْوُجُودِ أَنْ يَمْنَعَ النَّفْسَ مِنْ مُلَابَسَةِ الْهَيُولِيِّ بَلْ تَعَلَّقَتِ النَّفْسُ بِهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّ مَا فَعَلَهُ بِهِ الْكُفَّارُ الْيَهُودُ الَّذِينَ صَلَبُوهُ طَاعَةً لِلَّهِ أَوْ مَعْصِيَةً، فَإِنْ كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ اسْتَحَقَّ الْيَهُودُ الَّذِينَ صَلَبُوهُ أَنْ يُثِيبَهُمْ وَيُكْرِمَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ كَمَا يُثِيبُ سَائِرَ الْمُطِيعِينَ لَهُ وَالنَّصَارَى مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إِثْمًا وَهُمْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ وَهُمْ يَسْتَحِلُّونَ مِنْ دَمِهِمْ وَلَعْنَتِهِمْ مَا لَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ بَلْ

ص: 113

يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ الْيَهُودِ وَعُقُوبَتِهِمْ فِي آخِرِ صَوْمِهِمُ الْأَيَّامَ الَّتِي تُشْبِهُ أَيَّامَ الصَّلِيبِ وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ الْيَهُودُ عُصَاةً لِلَّهِ فَهَلْ كَانَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ إِبْلِيسَ مِنْ ظُلْمِ الذَّرِّيَّةِ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ كَانَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ إِبْلِيسَ بِدُونِ هَذِهِ الْحِيلَةِ وَإِذَا كَانَ حَسَنًا مِنْهُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ كَانَ حَسَنًا مِنْهُ تَمْكِينُ إِبْلِيسَ مِنْ ظُلْمِ الذَّرِّيَّةِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْحِيلَةِ عَلَيْهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوهَ الدَّالَّةَ عَلَى فَسَادِ دِينِ النَّصَارَى كَثِيرَةٌ جِدًّا وَكُلَّمَا تَصَوَّرَ الْعَاقِلُ مَذْهَبَهُمْ وَتَصَوَّرَ لَوَازِمَهُ تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُهُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بَيَانُ تَنَاقُضِهِمْ فِي أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ عُذْرَ أَنْفُسِهِمْ فِي تَرْكِ الْإِيمَانِ بِكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ لِكَوْنِهِ سُبْحَانَهُ عَدْلًا لَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِمَا يَعْجِزُونَ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ إِلَّا بِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَقَدْ نَسَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ مَا لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ يُوَضِّحُ هَذَا.

الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ: وَهُوَ أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ فِي الظُّلْمِ بِقَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ الْمُجْبِرَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ بِلَا حِكْمَةٍ وَلَا سَبَبٍ

ص: 114

وَلَا مُرَاعَاةِ عَدْلٍ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَدْلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ عَادِلٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الظُّلْمِ، وَلَكِنْ لَيْسَ عَدْلُهُ كَعَدْلِ الْمَخْلُوقِ فَهَذِهِ أَقْوَالُ النَّاسِ الثَّلَاثَةُ.

فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ جَازَ أَنْ يُسَلِّطَ إِبْلِيسَ عَلَى جَمِيعِ الذُّرِّيَّةِ بِلَا ذَنْبٍ وَأَنْ يُعَاقِبَهُمْ جَمِيعًا بِلَا ذَنْبٍ وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إِلَى الْحِيلَةِ عَلَى إِبْلِيسَ.

وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي: فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَ النَّاسِ لَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ مَمَالِيكِهِ أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَنْبٍ يَكْرَهُهُ السَّيِّدُ فَفَعَلَهُ كَانَ الْعَدْلُ مِنْهُ أَنْ يُعَاقِبَ الْآمِرَ وَالْمَأْمُورَ جَمِيعًا.

وَأَمَّا تَسْلِيطُهُ لِلْآمِرِ عَلَى عُقُوبَةِ الْمَأْمُورِ فَلَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ وَكَذَلِكَ تَسْلِيطُ الْآمِرِ الظَّالِمِ عَلَى جَمِيعِ ذُرِّيَّةِ الْمَأْمُورِ الَّذِينَ لَمْ يُذْنِبُوا ذَنْبَ أَبِيهِمْ لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ.

وَإِنْ قِيلَ: بَلْ هُوَ اسْتَحَقَّ أَنْ يَسْتَعْبِدَهُمْ لِكَوْنِ أَبِيهِمْ أَطَاعَهُ قِيلَ: فَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَأْسِرَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ حَقِّهِ بِالِاحْتِيَالِ عَلَيْهِ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُمْ خَطَايَاهُمْ قِيلَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.

وَإِنْ قِيلَ: هُوَ لَمَّا طَلَبَ أَخْذَ رُوحِ نَاسُوتِ الْمَسِيحِ مَنَعَ بِهَذَا الذَّنْبِ قِيلَ: هَذَا إِنْ كَانَ ذَنْبًا فَهُوَ أَخَفُّ ذُنُوبِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ نَاسُوتُ الْإِلَهِ وَإِذَا اسْتَحَقَّ الرَّجُلُ أَنْ يَسْتَرِقَّ أَوْلَادَ غَيْرِهِ فَطَلَبَ رَجُلًا

ص: 115

لِيَسْتَرِقَّهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ هَذَا ذَنْبًا يَمْنَعُ اسْتِرْقَاقَ الْبَاقِينَ.

وَإِنْ قِيلَ إِنَّ عَدْلَ الرَّبِّ لَيْسَ كَعَدْلِ الْمَخْلُوقِينَ بَلْ مِنْ عَدْلِهِ أَنْ لَا يَنْقُصَ أَحَدًا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَلَا يُعَاقِبَهُ إِلَّا بِذَنْبِهِ لَمْ يَجُزْ حِينَئِذٍ أَنْ يُعَاقِبَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ بِذَنْبِ أَبِيهِمْ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَاقِبَ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ ذَنْبٌ إِلَّا ذَنْبٌ تَابُوا مِنْهُ بِذَنْبِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ أَنْ يُقَرُّوا عَلَى ذَنْبٍ فَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فَكَيْفَ يُعَاقَبُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِذَنْبِ أَبِيهِمْ إِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الذَّنْبِ مَعَ أَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ بَاطِلٌ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَهُمْ خَطَايَا يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الْعُقُوبَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَسْلِيطَ إِبْلِيسَ عَلَى عُقُوبَتِهِمْ مَعَ أَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ بَاطِلٌ فَمَنْ بَعْدَ الْمَسِيحِ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَى بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَجُوزُ فِي الْعَدْلِ الَّذِي يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلِينَ عُقُوبَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنْعُ عُقُوبَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ بَلْ مَنْ هُوَ مِنَ الْكُفَّارِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ الرَّبَّ إِذَا قَصَدَ بِهَذَا دَفْعَ ظُلْمِ إِبْلِيسَ فَهَلَّا اتَّحَدَ بِنَاسُوتِ بَعْضِ أَوْلَادِ آدَمَ لِيَحْتَالَ عَلَى إِبْلِيسَ فَيَمْنَعُهُ مِنْ ظُلْمِ مَنْ تَقَدَّمَ، فَإِنَّ الْمَنْعَ مِنَ الشَّرِّ الْكَثِيرِ أَوْلَى مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الشَّرِّ الْقَلِيلِ أَتَرَاهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ إِبْلِيسَ يَعْمَلُ هَذَا الشَّرَّ كُلَّهُ فَهَذَا تَجْهِيلٌ لَهُ أَوْ كَانَ يَعْرِفُ وَعَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ فَهَذَا تَعْجِيزٌ لَهُ ثُمَّ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ زَمَانٍ وَزَمَانٍ أَمْ كَانَ تَرْكُ مَنْعِهِ عَدْلًا مِنْهُ فَهُوَ عَدْلٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ.

ص: 116