الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: الْخَوَارِقُ الَّتِي يُضِلُّ بِهَا الشَّيَاطِينُ أَبْنَاءَ آدَمَ]
وَالْخَوَارِقُ الَّتِي تُضِلُّ بِهَا الشَّيَاطِينُ لِبَنِي آدَمَ مِثْلُ تَصَوُّرِ الشَّيْطَانِ بِصُورَةِ شَخْصٍ غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، ضَلَّ بِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ بَنُو ذَلِكَ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ مَنْ ظَهَرَتْ هَذِهِ عَلَى يَدَيْهِ فَهُوَ وَلِيٌّ لِلَّهِ وَبِلُغَةِ النَّصَارَى هُوَ قِدِّيسٌ عَظِيمٌ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ مَعْصُومٌ فَكُلُّ مَا يُخْبِرُ بِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَكُلُّ مَا يَأْمُرُ بِهِ فَهُوَ عَدْلٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ خَوَارِقُ لَا رَحْمَانِيَّةٌ وَلَا شَيْطَانِيَّةٌ، وَلَكِنْ صَنَعَ حِيلَةً مِنْ حِيَلِ أَهْلِ الْكَذِبِ وَالْفُجُورِ، وَحِيَلُ أَهْلِ الْكَذِبِ وَالْفُجُورِ كَثِيرَةٌ جِدًّا فَيُظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَجَائِبِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ مِثْلَ الْحِيَلِ الْمَذْكُورَةِ عَنِ الرُّهْبَانِ.
وَقَدْ صَنَّفَ بَعْضُ النَّاسِ مُصَنَّفًا فِي حِيَلِ الرُّهْبَانِ مِثْلِ الْحِيلَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ أَحَدِهِمْ فِي جَعْلِ الْمَاءِ زَيْتًا بِأَنْ يَكُونَ الزَّيْتُ فِي جَوْفِ مَنَارَةٍ فَإِذَا نَقَصَ صُبَّ فِيهَا مَاءً فَيَطْفُو الزَّيْتُ عَلَى الْمَاءِ فَيَظُنُّ الْحَاضِرُونَ أَنَّ نَفْسَ الْمَاءِ انْقَلَبَ زَيْتًا.
وَمِثْلِ الْحِيلَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْهُمْ فِي ارْتِفَاعِ النَّخْلَةِ وَهُوَ أَنَّ بَعْضَهُمْ مَرَّ بِدَيْرِ رَاهِبٍ وَأَسْفَلُ مِنْهُ نَخْلَةٌ فَأَرَاهُ النَّخْلَةَ صَعِدَتْ شَيْئًا شَيْئًا حَتَّى حَاذَتِ الدَّيْرَ فَأَخَذَ مِنْ رُطَبِهَا، ثُمَّ نَزَلَتْ حَتَّى عَادَتْ كَمَا كَانَتْ، فَكَشَفَ الرَّجُلُ الْحِيلَةَ فَوَجَدَ النَّخْلَةَ فِي سَفِينَةٍ فِي مَكَانٍ مُنْخَفِضٍ إِذَا أَرْسَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَ امْتَلَأَ حَتَّى تَصْعَدَ السَّفِينَةُ وَإِذَا صَرَّفَ الْمَاءَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ هَبَطَتِ السَّفِينَةُ.
وَمِثْلِ الْحِيلَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْهُمْ فِي التَّكَحُّلِ بِدُمُوعِ السَّيِّدَةِ يَضَعُونَ كُحْلًا فِي مَاءٍ مُتَحَرِّكٍ حَرَكَةً لَطِيفَةً فَيَسِيلُ حَتَّى يَنْزِلَ مِنْ تِلْكَ الصُّورَةِ فَيَخْرُجُ مِنْ عَيْنِهَا فَيُظَنُّ أَنَّهُ دُمُوعٌ.
وَمِثْلِ الْحِيلَةِ الَّتِي صَنَعُوهَا بِالصُّورَةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْقُونَةَ
بِصِيدْنَايَا وَهِيَ أَعْظَمُ مَزَارَاتِهِمْ بَعْدَ الْقُمَامَةِ وَبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ الْمَسِيحُ وَحَيْثُ قُبِرَ، فَإِنَّ هَذِهِ صُورَةُ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ، وَأَصْلُهَا خَشَبَةُ نَخْلَةٍ سُقِيَتْ بِالْأَدْهَانِ حَتَّى تَنَعَّمَتْ وَصَارَ الدُّهْنُ يَخْرُجُ مِنْهَا دُهْنًا مَصْنُوعًا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ بَرَكَةِ الصُّورَةِ.
وَمِنْ حِيَلِهِمُ الْكَثِيرَةِ النَّارُ الَّتِي يَظُنُّ عَوَامُّهُمْ أَنَّهَا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فِي عِيدِهِمْ فِي قُمَامَةٍ وَهِيَ حِيلَةٌ قَدْ شَهِدَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى وَرَأَوْهَا بِعُيُونِهِمْ أَنَّهَا نَارٌ مَصْنُوعَةٌ يُضِلُّونَ بِهَا عَوَامَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهَا وَإِنَّمَا هِيَ صَنْعَةُ صَاحِبِ مِحَالٍ وَتَلْبِيسٍ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ حِيَلِ النَّصَارَى فَجَمِيعُ مَا عِنْدَ النَّصَارَى الْمُبَدِّلِينَ لِدِينِ الْمَسِيحِ مِنَ الْخَوَارِقِ إِمَّا حَالٌ شَيْطَانِيٌّ وَإِمَّا مِحَالٌ
بُهْتَانِيٌّ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ.
وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْإِلْحَادِ الْمُبَدِّلِينَ لِدِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ دِينًا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيَجْعَلُونَهُ طَرِيقًا إِلَى اللَّهِ وَقَدْ يَخْتَارُونَهُ عَلَى الطَّرِيقِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، مِثْلُ أَنْ يَخْتَارُوا سَمَاعَ الدُّفُوفِ وَالشَّبَّابَاتِ عَلَى سَمَاعِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ يَحْصُلُ لِأَحَدِهِمْ مِنَ الْوَجْدِ وَالْغَرَامِ الشَّيْطَانِيِّ مَا يَلْبِسُهُ مَعَهُ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِ أَحَدِهِمْ بِكَلَامٍ لَا يَعْرِفُهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ إِذَا أَفَاقَ ; كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ وَقَدْ يُخْبِرُ بَعْضَ الْحَاضِرِينَ بِمَا فِي نَفْسِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا فَارَقَ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ الشَّخْصَ لَمْ يَدْرِ مَا قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ الشَّيْطَانُ وَيَصْعَدُ بِهِ قُدَّامَ النَّاسِ فِي الْهَوَاءِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُشِيرُ إِلَى بَعْضِ الْحَاضِرِينَ فَيَمُوتُ أَوْ يَمْرَضُ أَوْ يَصِيرُ مِثْلَ الْخَشَبَةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُشِيرُ إِلَى بَعْضِ الْحَاضِرِينَ فَيَلْبَسُهُ الشَّيْطَانُ وَيَزُولُ عَقْلُهُ حَتَّى يَبْقَى دَائِرًا زَمَانًا طَوِيلًا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ وَيَأْكُلُهَا وَيَبْقَى لَهَبُهَا فِي بَدَنِهِ وَشَعْرِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ تُحْضِرُ لَهُ الشَّيَاطِينُ طَعَامًا أَوْ شَيْئًا مِنْ لَادِنٍ أَوْ سُكَّرٍ أَوْ زَعْفَرَانَ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْتِيهِ بِدَرَاهِمَ تَسْرِقُهَا الشَّيَاطِينُ مِنْ بَعْضِ الْمَوَاضِعِ.
ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ إِذَا فَرَّقَ الدَّرَاهِمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ أُخِذَتْ مِنْهُمْ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا إِلَى أُمُورٍ يَطُولُ وَصْفُهَا وَآخَرُونَ لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَيَصْنَعُونَ حِيَلًا وَمَخَارِيقَ.
فَالْمُلْحِدُونَ الْمُبَدِّلُونَ لِدِينِ الرُّسُلِ، دِينِ الْمَسِيحِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - هُمْ كَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِلْحَادِ
وَالضُّلَّالِ الْكُفَّارِ الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَنَحْوِهِمْ كَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ وَالْحَارِثِ الدِّمَشْقِيِّ وَبَابَا الرُّومِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَهُمْ خَوَارِقُ شَيْطَانِيَّةٌ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْحِيَلِ فَيَكْثُرُونَ وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ بَلْ خَوَارِقُهُمْ إِذَا كَانَتْ شَيْطَانِيَّةً مِنْ جِنْسِ خَوَارِقِ الْكَهَنَةِ وَالسَّحَرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَالٌ شَيْطَانِيٌّ بَلْ مِحَالٌ بُهْتَانِيٌّ فَهُمْ مُتَعَمِّدُونَ لِلْكَذِبِ وَالتَّلْبِيسِ بِخِلَافِ مَنْ تَقْتَرِنُ بِهِ الشَّيَاطِينُ، فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ فَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ ; كَمَا أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَيَفْعَلُهُ لِتَحْصِيلِ أَغْرَاضِهِ، فَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ كَثِيرٌ مِنَ الْخَوَارِقِ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَوْ يَكُونُ حِيَلًا وَمَخَارِيقَ وَيَظُنُّ أَنَّهَا مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّ مَا يَكُونُ شَبِيهَ الشِّرْكِ أَوِ الْفُجُورِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ، مِثْلُ أَنْ يُشْرِكَ الرَّجُلُ بِاللَّهِ فَيَدْعُو الْكَوَاكِبَ أَوْ يَدْعُو مَخْلُوقًا مِنَ الْبَشَرِ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا أَوْ يَعْزِمُ وَيُقْسِمُ بِأَسْمَاءٍ مَجْهُولَةٍ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا أَوْ يَعْرِفُ أَنَّهَا أَسْمَاءُ الشَّيَاطِينِ أَوْ يَسْتَعِينُ بِالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ، فَإِنَّ مَا كَانَ هَذَا سَبَبَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ فَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ ; كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالصَّالِحُونَ لَهُمْ كَرَامَاتٌ مِثْلُ كَرَامَاتِ صَالِحِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمِثْلُ كَرَامَاتِ الْحَوَارِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى دِينِ الْمَسِيحِ لَكِنْ وُجُودُ الْكَرَامَاتِ عَلَى أَيْدِي الصَّالِحِينَ لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ كَالْأَنْبِيَاءِ، لَكِنْ يَكُونُ الرَّجُلُ صَالِحًا وَلِيًّا لِلَّهِ وَلَهُ كَرَامَاتٌ وَمَعَ هَذَا فَقَدَ يَغْلَطُ وَيُخْطِئُ فِيمَا يَظُنُّهُ أَوْ فِيمَا يَسْمَعُهُ وَيَرْوِيهِ أَوْ فِيمَا يَرَاهُ أَوْ فِيمَا يَفْهَمُهُ مِنَ الْكُتُبِ وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ مَنْ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَيُتْرَكُ بِخِلَافِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَجْمَعِينَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُهُمْ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنَ الْغَيْبِ، وَطَاعَتُهُمْ فِي كُلِّ مَا أَمَرُوا بِهِ وَلِهَذَا أَوْجَبَ اللَّهُ الْإِيمَانَ بِمَا أُوتُوهُ وَلَمْ يُوجِبِ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ مَا يَأْتِي بِهِ غَيْرُهُمْ.
قَالَ - تَعَالَى -: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136] وَقَالَ - تَعَالَى -: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَذَّبَ نَبِيًّا مَعْلُومَ النُّبُوَّةِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ وَمَنْ سَبَّ نَبِيًّا وَجَبَ قَتْلُهُ بَلْ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا أُوتِيَهُ النَّبِيُّونَ
كُلُّهُمْ وَأَنْ لَا نُفَرِّقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَنُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ قَالَ - تَعَالَى -:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150] وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَوْ كَانَ مِنْ رُسُلِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَانُوا مِنْ أَعْظَمِ الصِّدِّيقِينَ الْمُقَدَّمِينَ.
فَضَلَالُ الضُّلَّالِ مِنْ هَؤُلَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ هَذَا لَهُ كَرَامَةٌ فَيَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ وَلِيَّ اللَّهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ بَلْ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ أَنْ يُصَدَّقَ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَيُطَاعَ فِي كُلِّ أَمْرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا.
وَالْمُقَدِّمَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ قَدْ تَكُونُ إِحْدَاهُمَا بَاطِلَةً وَقَدْ يَكُونُ كِلَاهُمَا بَاطِلًا، فَالرَّجُلُ الْمُعَيَّنُ قَدْ لَا يَكُونُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَكُونُ خَوَارِقُهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَقَدْ لَا يَكُونُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ خَوَارِقُ، وَلَكِنْ لَهُ مِحَالَاتٌ وَأَكَاذِيبُ.