المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌طرق إثبات نبوة الأنبياء السابقين هي إثبات لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم] - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ: إِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِرِسَالَتِهِ إِلَى الْعَرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبَشَّرْ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ اسْتِدْلَالِ النَّصَارَى عَلَى صِحَّةِ دِينِهِمْ بِمَا جَاءَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ] [

- ‌طُرُقُ إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ هِيَ إِثْبَاتٌ لِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[إِبْطَالُ دَعْوَى النَّصَارَى إِلَهِيَّةِ الْمَسِيحِ عليه السلام]

- ‌[فَصْلٌ: الْمُسْلِمُونَ لَمْ يُصَدِّقُوا نُبُوَّةَ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا مَعَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى خُصُوصِيَّةَ الْإِسْلَامِ لِكَوْنِ كِتَابِهِ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ: دَفْعُ مَا يُوهِمُ الْخُصُوصِيَّةَ لِكَوْنِ الْقُرْآنِ عَرَبِيًّا]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ زَعْمِ النَّصَارَى عِصْمَةَ الْحَوَارِيِّينَ الْمُتَرْجِمِينَ لِلْإِنْجِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى زَعْمِهِمْ الِاسْتِغْنَاءَ بِرُسُلِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ عَنْ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ زَعْمِهِمْ بِأَنَّ عَدْلَ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُطَالَبُوا بِاتِّبَاعِ إِنْسَانٍ لَمْ يَأْتِ إِلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ عَقِيدَةِ النَّصَارَى فِي الصَّلْبِ وَالْفِدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا. . . تَقْتَضِي الْعَرَبَ وَحْدَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ: تَوَسُّطُ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ تَقْصِيرِ الْيَهُودِ وَغُلُوِّ النَّصَارَى]

- ‌[فَصْلٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ مِنْ مَمْلُوكَاتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ دَعْوَاهُمُ اتِّحَادَ كَلِمَةِ اللَّهِ بِجَسَدِ الْمَسِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمُ الْفَضْلَ لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَدَفْعُ اعْتِقَادِ النَّصَارَى أُلُوهِيَّتَهُ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي احْتِجَاجِهِمْ بِآيَةِ سُورَةِ الْحَدِيدِ عَلَى مَدْحِ الرَّهْبَانِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي احْتِجَاجِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ مَدَحَهُمْ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمْ تَعْظِيمَ الْإِسْلَامِ لِمَعَابِدِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: رَفْضُ دَعْوَاهُمْ وُجُوبَ التَّمَسُّكِ بِدِينِهِمْ بَعْدَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّ الْإِسْلَامَ عَظَّمَ الْحَوَارِيِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ فَسَادِ قَوْلِهِمْ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ يَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَظَّمَ إِنْجِيلَهُمُ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: قِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الرُّسُلِ]

- ‌[فَصْلٌ: أَسْبَابُ ضَلَالِ النَّصَارَى وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: الْخَوَارِقُ الَّتِي يُضِلُّ بِهَا الشَّيَاطِينُ أَبْنَاءَ آدَمَ]

- ‌[فَصْلٌ: مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرُّسُلِ فِي قَوْلِهِ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ: إِثْبَاتُ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا يُثْبِتُ صِدْقَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: رَفْضُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ صَدَّقَ كُتُبَهُمُ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمْ تَنَاقُضُ خَبَرِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ مَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: وُقُوعُ التَّبْدِيلِ فِي أَلْفَاظِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَانْقِطَاعِ سَنَدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ أَنَّ التَّحْرِيفَ وَقَعَ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ]

- ‌[فَصْلٌ: دَعْوَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى الْحُكْمِ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ مِنَ الْأَلْفَاظِ الصَّحِيحَةِ]

الفصل: ‌طرق إثبات نبوة الأنبياء السابقين هي إثبات لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم]

[فَصْلٌ: إِبْطَالُ اسْتِدْلَالِ النَّصَارَى عَلَى صِحَّةِ دِينِهِمْ بِمَا جَاءَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ] [

‌طُرُقُ إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ هِيَ إِثْبَاتٌ لِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْتَجُّوا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَعَ التَّصْدِيقِ بِرِسَالَتِهِ وَأَنَّهُ مَعَ التَّكْذِيبِ بِرِسَالَتِهِ لَا يُمْكِنُ الْإِقْرَارُ بِنُبُوَّةِ غَيْرِهِ وَلَا الِاحْتِجَاجُ بِشَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ فَتَكْذِيبُهُمْ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَهُمْ بِغَيْرِهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ نُبُوَّةُ غَيْرِهِ ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ دِينِهِمْ فَكَانَ صِحَّةُ دَلِيلِهِمْ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْمَدْلُولِ وَفَسَادُ الْمَدْلُولِ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ الدَّلِيلِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ مَلْزُومٌ لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَإِذَا تَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ تَحَقَّقَ اللَّازِمُ وَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ فَإِذَا ثَبَتَ الدَّلِيلُ ثَبَتَ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ وَإِذَا فَسَدَ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ لَزِمَ فَسَادُ الدَّلِيلِ، فَإِنَّ الْبَاطِلَ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ.

فَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَزِمَ بُطْلَانُ دِينِهِمْ وَإِذَا بَطَلَ دِينُهُمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ فَثَبَتَ أَنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ بِقَوْلِهِ بَاطِلٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.

ص: 42

وَنَحْنُ نَذْكُرُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ الرُّسُلِ عَلَى صِحَّةِ دِينِهِمْ وَأَيْضًا، فَإِنَّ الَّذِينَ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِمْ مِثْلَ مُوسَى وَدَاوُدَ وَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِمْ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَرَفُوا أَنَّهُمْ أَنْبِيَاءُ بِدَلِيلٍ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ كَالِاسْتِدْلَالِ بِآيَاتِهِمْ وَبَرَاهِينِهِمُ الَّتِي تُسَمَّى بِالْمُعْجِزَاتِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا قَدِ اعْتَقَدُوا ذَلِكَ بِلَا عِلْمٍ وَلَا دَلِيلٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا احْتَجُّوا بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ نُبُوَّةَ هَؤُلَاءِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِمْ.

أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ أَيُّ طَرِيقٍ ثَبَتَتْ بِهَا نُبُوَّةُ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، فَإِنَّهُ تَثْبُتُ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهَا وَأَعْظَمِ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ، فَإِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى وَدَاوُدَ وَعِيسَى وَغَيْرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا قَدْ نَقَضُوا دَلِيلَهُمْ فَجَعَلُوهُ قَائِمًا مَعَ انْتِفَاءِ مَدْلُولِهِ وَإِذَا انْتُقِضَ الدَّلِيلُ بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ إِذَا كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَدْلُولِ.

فَإِذَا كَانَ تَارَةً يُوجَدُ مَعَ الْمَدْلُولِ وَتَارَةً لَا يُوجَدُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا؛ فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ الْمُعْجِزَاتِ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيٍّ وَقَالَ: الْمُعْجِزَةُ هِيَ الْفِعْلُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ الْمَقْرُونُ بِالتَّحَدِّي السَّالِمِ مِنَ الْمُعَارَضَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَجَعَلُوا ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.

قِيلَ لَهُ: إِنْ كَانَ هَذَا دَلِيلًا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى

ص: 43

وَعِيسَى، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا لَمْ يَثْبُتْ مِثْلُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَنَقْلُ مُعْجِزَاتِهِ مُتَوَاتِرٌ أَعْظَمُ مِنْ نَقْلِ مُعْجِزَاتِ عِيسَى وَغَيْرِهِ فَيَمْتَنِعُ التَّصْدِيقُ بِآيَاتِهِ مَعَ التَّكْذِيبِ بِآيَاتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

وَإِنْ قَالُوا: مُعْجِزَاتُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَتَوَاتَرْ عِنْدَنَا قِيلَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَتَوَاتَرَ عِنْدَ طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ هَذَا كَمَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمَجُوسُ وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَتَوَاتَرْ عِنْدَنَا مُعْجِزَاتُ مُوسَى وَالْمَسِيحِ عليهما السلام وَإِنَّمَا تَتَوَاتَرُ أَخْبَارُ كُلِّ إِنْسَانٍ عِنْدَ مَنْ رَأَى الْمُشَاهِدِينَ لَهُ أَوْ رَأَى مَنْ رَآهُمْ وَهَلُمَّ جَرًّا.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ رَأَوْهُ وَنَقَلُوا مُعْجِزَاتِهِ أَضْعَافُ أَصْحَابِ الْمَسِيحِ عليه السلام وَالتَّابِعُونَ الَّذِينَ نَقَلُوا ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُ مِنَ التَّصْدِيقِ بِمُعْجِزَاتِ الْمَسِيحِ عليه السلام التَّصْدِيقُ بِمُعْجِزَاتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَمِنَ التَّكْذِيبِ بِمُعْجِزَاتِ مُحَمَّدٍ التَّكْذِيبُ بِمُعْجِزَاتِ الْمَسِيحِ.

وَإِنْ قَالُوا: عُرِفَتْ نُبُوَّةُ الْمَسِيحِ بِبِشَارَاتِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ قِيلَ: وَفِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنَ الْبِشَارَاتِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا فِيهَا مِنَ الْبِشَارَاتِ بِالْمَسِيحِ وَأَكْثَرُ كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 44

وَإِنْ تَأَوَّلُوا تِلْكَ الْبِشَارَاتِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَمْنَعُ دَلَالَتَهَا قِيلَ لَهُمْ وَالْيَهُودُ يَتَأَوَّلُونَ بِشَارَاتِ الْمَسِيحِ بِمَا يَمْنَعُ دَلَالَتَهَا عَلَى الْمَسِيحِ.

فَإِذَا قَالُوا: تِلْكَ التَّأْوِيلَاتُ بَاطِلَةٌ مِنْ وُجُوهٍ مَعْرُوفَةٍ، بُيِّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ بَاطِلَةٌ أَيْضًا بِمِثْلِ تِلْكَ الْوُجُوهِ وَأَقْوَى فَمَا مِنْ جِنْسٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى وَالْمَسِيحِ إِلَّا وَدَلَالَتُهُ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَقْوَى وَأَكْثَرُ فَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ نُبُوَّةِ مُوسَى وَالْمَسِيحِ ثُبُوتُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَمِنَ الطَّعْنِ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الطَّعْنُ فِي نُبُوَّةِ مُوسَى وَالْمَسِيحِ.

وَإِنْ قَالُوا: إِنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ قِيلَ لَهُمْ: ثُبُوتُ كَوْنِهِ إِلَهًا لَوْ كَانَ مُمْكِنًا أَبْعَدُ مِنْ ثُبُوتِ كَوْنِهِ رَسُولًا فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا؟ .

وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى إِلَهِيَّتِهِ إِلَّا مَا يَنْقُلُونَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ الْخَوَارِقِ وَالْخَوَارِقُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَا زَالُوا يَأْتُونَ بِالْآيَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى إِلَهِيَّةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ.

وَأَمَّا أَقْوَالُ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام فَلَا رَيْبَ أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى رِسَالَتِهِ وَرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى إِلَهِيَّةِ الْمَسِيحِ فَيَمْتَنِعُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا عَلَى إِلَهِيَّةِ الْمَسِيحِ دُونَ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَرِسَالَةِ الْمَسِيحِ وَمَتَى ثَبَتَ أَنَّ

ص: 45