الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَطَلَتْ إِلَهِيَّةُ الْمَسِيحِ، فَإِنَّهُ كَفَّرَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ اللَّهُ أَوِ ابْنُ اللَّهِ بَلْ وَكَذَلِكَ مَتَى ثَبَتَ أَنَّ الْمَسِيحَ رَسُولُ اللَّهِ بَطَلَ كَوْنُهُ إِلَهًا، فَإِنَّ كَوْنَهُ هُوَ اللَّهُ مَعَ كَوْنِهِ رَسُولَ اللَّهِ مُتَنَاقِضٌ.
[إِبْطَالُ دَعْوَى النَّصَارَى إِلَهِيَّةِ الْمَسِيحِ عليه السلام]
وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ إِلَهٌ بِلَاهُوتِهِ وَرَسُولٌ بِنَاسُوتِهِ كَلَامٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ.
مِنْهَا أَنَّ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُ النَّاسَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ اللَّهُ أَوْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ اللَّهَ بَطَلَ كَوْنُهُ رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ بَطَلَ كَوْنُهُ هُوَ اللَّهَ.
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى عليه السلام مِنَ الشَّجَرَةِ هُوَ اللَّهُ لَمْ تَنْطِقِ الْكُتُبُ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا وَارِدٌ بِأَيِّ وَجْهٍ فَسَّرُوا الِاتِّحَادَ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ الْمَسِيحِ كَلَامًا بِصَوْتِهِ الْمَعْرُوفِ وَصَوْتُهُ لَمْ يَخْتَلِفْ وَلَا حَالُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ تَغَيَّرَتْ كَمَا يَخْتَلِفُ الْإِنْسَانُ وَحَالُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ إِذَا حَلَّ فِيهِ الْجِنِّيُّ وَإِذَا فَارَقَهُ الْجِنِّيُّ، فَإِنَّ الْجِنِّيَّ إِذَا تَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَصْرُوعِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ بَلِ اخْتَلَفَ حَالُ الْمَصْرُوعِ وَحَالُ كَلَامِهِ وَسُمِعَ مِنْهُ مِنَ الْكَلَامِ مَا يُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ وَغَابَ عَقْلُهُ بِحَيْثُ
يَظْهَرُ ذَلِكَ لِلْحَاضِرِينَ وَاخْتَلَفَ صَوْتُهُ وَنَغْمَتُهُ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَالُّ فِيهِ الْمُتَّحِدُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ بِكَلَامِهِ.
فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كَلَامِهِ وَصَوْتِهِ وَكَلَامِ سَائِرِ الْبَشَرِ وَصَوْتِهِمْ مِنَ الْفَرْقِ أَعْظَمُ مِنَ الْفَرْقِ الَّذِي بَيْنَ الْمَصْرُوعِ وَغَيْرِ الْمَصْرُوعِ بِمَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا.
يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ مُوسَى لَمَّا سَمِعَ كَلَامَهُ سَمِعَ صَوْتًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ مُخَالِفًا لِمَا يَعْهَدُ مِنَ الْأَصْوَاتِ وَرَأَى مِنَ الْآيَاتِ الْخَارِقَةِ وَالْعَجَائِبِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي سَمِعَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّكَلُّمِ بِهِ إِلَّا اللَّهُ وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ كَلَامِهِ وَصَوْتِهِ مَعَ طُولِ عُمُرِهِ وَكَلَامِ سَائِرِ النَّاسِ فَرْقٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ إِلَهٌ وَإِنَّمَا عُلِمَ أَنَّهُ نَبِيٌّ بِأَدِلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ وَلَمْ يَكُنْ حَالُهُ يَخْتَلِفُ مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَنَّ الِاتِّحَادَ مُلَازِمٌ لَهُ مِنْ حِينِ خُلِقَ نَاسُوتُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَرْيَمَ وَإِلَى الْأَبَدِ لَا يُفَارِقُ اللَّاهُوتُ لِذَلِكَ النَّاسُوتِ أَبَدًا وَحِينَئِذٍ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ خِطَابَهُ لِلنَّاسِ إِنْ كَانَ خِطَابَ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَمْ يَكُنْ هُوَ رَسُولَهُ وَإِنْ كَانَ خِطَابَ رَسُولِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صَوْتَ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ خِطَابَهُ خِطَابُ رَسُولٍ وَنَبِيٍّ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ مَصِيرَ الشَّيْئَيْنِ شَيْئًا وَاحِدًا مَعَ بَقَائِهِمَا عَلَى حَالِهِمَا بِدُونِ الِاسْتِحَالَةِ، وَالِاخْتِلَاطُ مُمْتَنِعٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ وَإِنَّمَا الْمَعْقُولُ مَعَ الِاتِّحَادِ أَنْ يَسْتَحِيلَا وَيَخْتَلِطَا كَالْمَاءِ مَعَ الْخَمْرِ وَاللَّبَنِ، فَإِنَّهُمَا إِذَا صَارَ شَيْئًا وَاحِدًا اسْتَحَالَا وَاخْتَلَطَا.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَعَ الِاتِّحَادِ يَصِيرُ الشَّيْئَانِ شَيْئًا وَاحِدًا فَيَكُونُ الْإِلَهُ هُوَ الرَّسُولُ، وَالرَّسُولُ هُوَ الْإِلَهُ؛ إِذْ هَذَا هُوَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْإِلَهُ غَيْرَ الرَّسُولِ فَهُمَا شَيْئَانِ وَمَهْمَا مَثَّلُوا بِهِ قَوْلَهُمْ كَتَشْبِيهِهِمْ ذَلِكَ بِالنَّارِ فِي الْحَدِيدِ وَالرُّوحِ فِي الْبَدَنِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ:، فَإِنَّ الْحَدِيدَ مَتَى طُرِقَ أَوْ وُضِعَ فِي الْمَاءِ كَانَ ذَلِكَ مُصِيبًا لِلنَّارِ وَكَذَلِكَ الْبَدَنُ إِذَا جَاعَ أَوْ صُلِبَ وَتَأَلَّمَ كَانَ ذَلِكَ الْأَلَمُ مُصِيبًا لِلرُّوحِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدْ أَصَابَهُ أَلَمُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ وَالصَّلْبُ عَلَى قَوْلِهِمْ وَهَذَا شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ: أَنَّهُ فَقِيرٌ وَأَنَّهُ بَخِيلٌ وَأَنَّهُ مَسَّهُ اللُّغُوبُ.