الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة في القرآن الكريم
ورد لفظ الحكمة في القرآن الكريم عشرين مرة، في تسع عشرة آية، في اثنتي عشرة سورة، وقد ورد لعدة معان، وتفصيل ذلك كما يلي: اختلف المفسرون في تفسير الآيات الواردة بلفظ الحكمة، فنجد مقاتل -كما ذكر الرازي - يقول: تفسير الحكمة في القرآن على أربعة أوجه:
أحدها: مواعظ القرآن، قال -تعالى- في سورة البقرة، الآية: 231: {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} (البقرة: من الآية 231) ومثلها في آل عمران.
وثانيهما: الحكمة بمعنى: الفهم والعلم، ومنه قوله - تعالى -:{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (مريم: من الآية 12)، وفي سورة لقمان (الآية: 12) {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} (لقمان: من الآية 12) يعني: الفهم والعلم، وفي (الأنعام الآية: 89) : {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} (الأنعام: من الآية 89) .
ثالثها: الحكمة بمعنى النبوة، ففي النساء 54:{فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (النساء: من الآية 54)، وفي (ص 20) {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (ص: من الآية 20) وفي البقرة: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} (البقرة: من الآية 251) .
ورابعها: القرآن بما فيه من عجائب الأسرار، ففي النحل 125 {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} (النحل: من الآية 125) ، وفي (البقرة 269) {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة: من الآية 269) (1) .
ويقول الفيروزآبادي: وردت -الحكمة- في القرآن على ستة أوجه:
الأول: بمعنى النبوة والرسالة، {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (آل عمران: من الآية 48) . {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} (صّ: من الآية 20){وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} (البقرة: من الآية 251) . أي: النبوة.
الثاني: بمعنى القرآن والتفسير والتأويل، وإصابة القول فيه:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة: من الآية 269) .
(1) انظر: التفسير الكبير للرازي 7 / 67 والحكمة في الدعوة إلى الله ص 20.
الثالث: بمعنى فهم الدقائق والفقه في الدين {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (مريم: من الآية 12) .
الرابع: بمعنى: الوعظ والتذكير {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (النساء: من الآية 54) . أي: المواعظ الحسنة، {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} (الأنعام: من الآية 89) .
الخامس: آيات القرآن وأوامره ونواهيه {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: من الآية 125) .
السادس: بمعنى حجة العقل على وفق أحكام الشريعة، {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} (لقمان: من الآية 12) أي: قولًا يوافق العقل والشرع (1) .
وقال ابن كثير:
قال علي بن طلحة عن ابن عباس: يعني المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله (2) .
وقال -أيضًا-: روي عن ابن عباس مرفوعًا: الحكمة القرآن، يعني تفسيره.
وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} (البقرة: من الآية 269) . ليست بالنبوة، ولكنه العلم والفقه والقرآن.
وقال إبراهيم النخعي: الحكمة: الفهم.
(1) بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز 2 / 490 والحكمة في الدعوة إلى الله ص18.
(2)
تفسير ابن كثير 1 / 322.
وقال أبو مالك: الحكمة: السنة.
وقال زيد بن أسلم: الحكمة: العقل.
وقال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هي: الفقه في الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله.
قال السدي: الحكمة: النبوة.
وهذه الأقوال ذكرها ابن كثير ثم عقب قائلًا: والصحيح أن الحكمة -كما قال الجمهور- لا تختص بالنبوة، بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخص (1) ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع، كما جاء في بعض الأحاديث (2) .
وقال عبد الرحمن السعدي مفسرًا الحكمة:
الحكمة، هي: العلوم النافعة والمعارف الصائبة، والعقول المسددة، والألباب الرزينة، وإصابة الصواب في الأقوال والأفعال، ثم قال: وجميع الأمور لا تصلح إلا بالحكمة، التي هي: وضع الأشياء مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام (3) .
وقال القاسمي في تفسير الحكمة:
قال كثيرون: الحكمة: إتقان العلم والعمل، وبعبارة أخرى: معرفة الحق والعمل به (4) .
وقال الرازي: والمراد بالحكمة: إما العلم، وإما فعل الصواب (5) .
ونواصل الحديث عن (الحكمة) في كتاب الله كما بينها المفسرون.
فقد قال رشيد رضا مفسرًا:
(1) لأن كل رسول نبي ولا عكس.
(2)
انظر: تفسير ابن كثير 1 / 322.
(3)
انظر: تفسير ابن سعدي 1 / 332.
(4)
انظر: تفسير القاسمي 1 / 245.
(5)
انظر: تفسير الرازي 7 / 67.
الحكمة: التمييز بين ما يقع في النفس من الإلهام الإلهي والوسواس الشيطاني (1) .
قال الألوسي: وفي (البحر) : إن فيها تسعة وعشرين قولًا لأهل العلم، قريب بعضها من بعض، وعد بعضهم الأكثر منها اصطلاحًا واقتصارًا على ما رآه القائل فردًا مهمًا من الحكمة، وإلا فهي في الأصل: مصدر من الإحكام، وهو الإتقان في علم أو عمل أو قول أو فيها كلها (2) .
أما ابن عاشور فقد قال:
وفسرت الحكمة بأنها معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بما تبلغه الطاقة، أي: بحيث لا تلتبس الحقائق المتشابهة بعضها مع بعض، ولا يغلط في العلل والأسباب (3) .
ونختم أقوال المفسرين في الحكمة بما ذكره سيد قطب رحمه الله حيث فسر الحكمة بأنها:
القصد والاعتدال، وإدراك العلل والغايات، والبصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال (4) .
هذه خلاصة لأهم أقوال المفسرين في تفسير معنى الحكمة في كتاب الله، ونستطيع أن نقول: إن المفسرين فسروا الحكمة بتفسيرين:
الأول: النبوة.
الثاني: العلم والإتقان، والتوفيق، والبصيرة، والعمل الصائب، ومنع الظلم، ووضع الشيء في موضعه، وكلها معان متقاربة.
(1) المنار 3 / 75.
(2)
روح المعاني 2 / 41.
(3)
التحرير والتنوير 3 / 61.
(4)
في ظلال القرآن 1 / 312.