المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(م) * باب ذكر الفتح والإمالة وبين اللفظين* - الدر النثير والعذب النمير - جـ ٣

[المالقي، أبو محمد]

الفصل: ‌(م) * باب ذكر الفتح والإمالة وبين اللفظين*

(م) * باب ذكر الفتح والإمالة وبين اللفظين*

(1)

(ش) اعلم أن الإمالة لا تكون إلا (في)(2) فتحة أو ألف. وحقيقتها تقريب الفتحة من الكسرة، وتقريب الألف من الياء، وإن شئت قلت: الإمالة أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء، وكلتا العبارتين قائمة من لفظ سيبويه (3). واعلم أنه متى أميلت الألف فلابد من إمالة الفتحة التي قبلها، فيكون ذلك مبدأ الإمالة في الفتحة، وتتبعها الألف على النحو الذي نشأت عليه، فتحصل الإمالة في الألف بحكم الإنجرار والتبع للفتحة، والأصل في هذا أن أحرف العلة الثلاثة فروع عن الحركات الثلاث وناشئة عنهن، والحركات هي أمهات الأحرف الثلاثة (4) وأصولهن فإذا قلت (يدعو)(5) واطلقت الصوت متصلاً بضمة العين وأقررت العضو الناطق مع مد الصوت على الهيئة التي كان عليها حين النطق بالضمة كان الصوت واواً

(1) انظر التيسير ص 46.

(2)

ما بين القوسين تكملة من باقي النسخ.

(3)

انظر كتاب سيبويه.

(4)

في الأصل (الثلاث) وفي باقي النسخ ما أثبته.

(5)

في الأصل (يدعوا) وهو خطأ، والصواب ما في باقي النسخ ولذا أثبته.

ص: 154

ساكنة ومدة خالصة، وإذا قلت:(يرمى)، وأطلقت الصوت متصلاً بكسرة الميم مع إقرار العضو الناطق على ما كان عليه النطق بالكسرة كان الصوت باء ساكنة ومدة خالصة، وإذا قلت (يرضى) وأطلقت الصوت متصلًا بفتحة الضاد على ما تقدم كان الصوت ألفاً ساكنة ومدة خالصة.

وبعد كل واحد من هذه الأحرف الثلاثة من صاحبيه مساوٍ لبعد كل واحدة من الحركات الثلاث من أختيها.

فإذا تقرر هذا فاعلم أن الياء والواو فيما أريده الآن طرفة نقيض؛ وذلك لتصعد الصوت بالضمة والواو وانجراره بالكسرة والياء، فتبقى الفتحة والألف واسطة بينهما، ثم إن الفتحة يعرض لها أن ينطق بها نوعاً من النطق فيشبه لفظها لفظ الكسرة، فيسمى ذلك إمالة في الفتحة، فإن كان بعدها ألف يقع لفظها لفظ الفحة في ذلك النحو من التكيف؛ إذ الألف ناشئة عن الفتحة كما تقدمْ فتصير الألف مشبهة للياء ثم هذا الشبه الحاصل بين الفتحة والكسرة وبين الألف والياء إن كان قوياً سمي إمالة محضة، وإن كان ضعيفاً سمي إمالة بين بين، وإمالة بين اللفظين: أعني بين لفظ الفتح الخالص ولفظ الإمالة المحضة، وليس المعنى أنه بين الفتح الخالص والكسر الخالص؛ لأن هذا المعنى حاصل في الإمالة المحضة وقد يسمون الإمالة الكسرة والبطحة والإضجاع، كما يسمون الفتح (و)(1) النصب، وهذا كله من غير أن ينتهي إلى قلب الفتحة كسرة والألف ياء، كما أن الإشمام في نحو (قيل) و (غيض) لا ينتهىِ إلى قلب الكسرة ضمة والياء واواً.

واعلم أن الغالب على لغة الحجازيين الفتح، والغالب على لغة بني

(1) ما بين القوسين تكملة من النشر جـ 2 ص 29.

ص: 155

تميم وغيرهم (1) الإمالة، وكلاهما فصيح مستعمل.

واعلم أن الفتح هو الأصل وأن (2) الإمالة فرع، بدليل أن الإمالة لا تكون إلا عند وجود سبب من الأسباب التي تذكر بعد (3) بحول الله تعالى.

فإن فقدت تلك الأسباب لزم الفتح، وإن وجد شيء منها جاز الفتح والإمالة: فعلى هذا فما من كلمة تمال إلا وفي العرب من يفتحها، ولا يصح أن يقال كل كلمة تفتح ففي العرب من يميلها، فاستدللنا بإطراد الفتح وتوقف الإمالة على أصالة الفتح وفرعية الإمالة (4).

وأيضاً فإن الإمالة تُصير الحرف بين حرفين بمعنى أن الألف الممالة بين الألف الخالصة والياء، وكذلك الفتحة الممالة بين الفتحة الخالصة والكسرة، والفتح يبقي الألف والفتحة على أصلهما (5)، فلزم أن الفتح هو الأصل والإمالة فرع. والله عز وجل أعلم (6).

فإذا تقرر هذا فأذكر الآن أسباب الإمالة، ووجوهها، وفائدتها، ثم مذاهب القراء فيها، وما أمالوا من ألفاظ القرآن العظيم (7) أو فتحوه بحول الله تعالى (8).

(1) كأسد وقيس (انظر النشرجـ 2 ص 30).

(2)

في الأصل (فان) وفي (ز)(والإمالة) وكلاهما خطأ والصواب ما أثبته كما في (س) و (ت).

(3)

وذهب جماعة إلى أصالة كل منهما وعدم تقدمه على الآخر قالوا: وجود السبب لا يقتضي الفرعية ولا الأصالة لكون كل من الفتح والإمالة لا يكون إلا بسبب (انظر النشر جـ 2 ص 32).

(4)

في (ت)(الإِمام) وهو تحريف والصواب ما في الأصل و (س) و (ز).

(5)

في الأصل و (س)(أصلها) وهو خطأ والصواب ما أثبته كما في (ز).

(6)

في (ت) و (ز)(والله عز جلاله أعلم).

(7)

في (ز)(العلي) قبل (العظيم).

(8)

في (ز)(بحول الله جل وعلا وتبارك وتعالى).

ص: 156

فاعلم أن الأصل في أسباب الإمالة شيئان:

أحدهما: الكسرة.

والثاني: الياء.

وكل واحد منهما يكون متقدماً على محل الإمالة من الكلمة ويكون متأخراً ويكون أيضاً مقدراً في محل الإمالة، وقد تكون الكسرة والياء غير موجودتين في اللفظ، ولا مقدرتين في محل الإمالة، ولكنهما مما يعرض في بعض تصاريف الكلمة وقد تمال الألف، أو الفتحة لأجل ألف أخرى، أو فتحة أخرى ممالة، وتسمى هذه الإمالة لأجل الإمالة، وقد تمال الألف تشبيهاً بالألف الممالة (1).

فعلى هذا تبلغ أسباب الإمالة عشرة؛ بيان ذلك، أما الإمالة لأجل كسرة متقدمة (2) فاعلم أنه لا يمكن أن تكون الكسرة إذ ذاك ملاصقة للألف؛ إذ لا يثبت الألف إلا بعد فتحة، فلابد أن يحصل بين الكسرة المتقدمة والألف الممالة فاصل، وأقله حرف واحد مفتوح نحو (عباد) و (سلاح) وهذا الفاصل إنما حصل باعتبار الألف. فأما الفتحة الممالة فلا فاصل بينها وبين الكسرة.

(1) وتمال أيضًا بسبب كثرة الإستعمال كإمالتهم (الحجاج) علماً لكثرته في كلامهم، ذكره سيبويه في كتابه جـ 4 - ص 127. وقال أيضاً للفرق بين الإسم والحرف كقولهم:(باء) و (تاء) بالإمالة لأنهما أسماء ما يلفظ به فليست مثل (ما) و (لا) من الحروف المبنية على السكون، وإنما جاءت كسائر الأسماء (انظر الكتاب جـ 4 ص 135).

وبهذا السبب أمبل ما أميل من حروف الهجاء في أوائل السور المقطعة ذكره ابن الجزري في النشر جـ 2 ص 35).

(2)

في الأصل و (س)(مقدمة) وفي (ت) و (ز) ما أثبته كما في النشر جـ 2 ص 32.

ص: 157

والفتحة مبدأ الألف، ومبدأ الشيء جزء من الشيء، فكانه ليس بين الألف والكسرة حائل، وقد يكون الفاصل بين الألف والكسرة حرفان بشرط أن يكون أولهما ساكناً، أو يكونا مفتوحين والثاني هاء نحو (سربال) و (يضربها) كما كانت الهاء خفية، والساكن حاجزاً غير حصين كانا في حكم المعدوم فكانه لم يفصل بين الكسرة والألف إلا حرف واحد، وهذا التعليل يقتضي أن من أمال (مررت بها)(1) فكأن الكسرة عنده تلي الألف في الحكم وإن فصلت الهاء في اللفظ، وقد أمالوا مع أن الفاصل أكثر من ذلك نحو (درهمان)(2).

وأما الياء المتقدمة فقد تكون ملاصقة للألف الممالة نحو (السيال) وهو شجر أشوك (3) - وقد يفصل بينهما بحرف (شيبان) وقد يفصل بحرفين أحدهما الهاء نحو (رأيت يدها) وقد يكون الفاصل غير ذلك نحو رأيت (يدنا)(4).

وأما الإمالة لأجل الياء بعد الألف الممالة فنحو (مبايع)(5).

وأما الإمالة لأجل الكسرة بعد الألف الممالة فنحو (عالم) وقد تكون الكسرة عارضة نحو (في الدار) و (من الناس) لأن حركة الأعراب غير لازمة وأما الإمالة لأجل الكسرة المقدرة في المحل الممال فنحو (خاف) أصله (خوف) بكسر عين الكلمة (6) وهي الواو فقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها (7).

(1) وهي إمالة من حيث اللغة فقط ولم يقرأ بها.

(2)

وهي إمالة من حيث اللغة فقط ولم يقرأ بها.

(3)

أي له شوك.

(4)

انظر النشر جـ 2 ص 33.

(5)

انظر النشر جـ 2 ص 33.

(6)

انظر النشر جـ 2 ص 33.

(7)

انظر النشر جـ 2 ص 33.

ص: 158

وأما الإمالة لأجل الياء المقدرة في المحل الممال فنحو (يخشى) و (الهدى) تحركت الياء فيهما، وانفتح ما قبلهما فقلبت ألفاً (1).

وأما الإمالة، لأجل كسرة تعرض في بعض أحوال الكلمة (2) فنحو (طاب): ألا ترى أنك تكسر الطاء إذا اتصل بها ضمير المرفوع المتكلم، أو ضمير المخاطب، أو نون جماعة المؤنث نحو (طبت) و (طبت) و (الهندات طبن) ويعلل أيضاً (خاف) بأنك تقول (خفت) و (خفت) و (الهندات خفن) إلا أن الكسرة في (خفت) منقولة عن عين الكلمة وفي (طبت) مبدلة من فتحة الباء، ثم نقلت من العين إلى الفاء؛ لأن أصل العين في (طاب) الفتح بدليل قولك في المضارع (يطيب) وإنما أبدلوا من الفتحة كسرة ليدل (3) على أن الأصل في عين الكلمة الياء مثل (باع) ويمكن أيضاً تعليل إمالة (طاب) بكون الألف منقلة عن الياء.

وأما الإمالة لأجل ما يعرض في بعض الأحوال فنحو (تلا) و (غزا)، وذلك أن الألف منقلبة فيهما عن واو (التلاوة) و (الغزو) وإنما أميلت في لغة من أمالها؛ لأنك تقول إذا بنيت الفعل للمفعول (تلى) و (غزى) مع بقاء عدة الحروف كما كانت حين بنيت الفعل للفاعل (4).

وأما الإمالة لأجل الإمالة فنحو (تراءا) أمالوا الألف الأولى من أجل إمالة الألف الثانية المنقلبة عن الياء، وقالوا:(رأيت عماداً) وأمالوا الألف المبدلة من التنوين من أجل إمالة الأولى الممالة لأجل الكسرة قبلها (5).

وأما الإمالة لأجل الشبه: فإمالة ألف التانيث في نحو (الحسنى) وألف

(1) انظر النشر جـ 2 ص 34.

(2)

انظر الكتاب جـ 4 ص 120 - 122.

(3)

في (ت) و (ز)(لتدل).

(4)

انظر النشر ج 2 ص 34.

(5)

انظر الكتاب جـ 4 ص 123 والنشر جـ 2 ص 34.

ص: 159

الإلحاق نحو (أرطى) في قول من قال (مأروط) لشيه ألفيهما بألف (الهدى) ويمكن أن يعلل هذا بأن الألف تنقلب ياء في بعض الأحوال، وذلك إذا ثنيت فقلت (الحسنيات) و (الأرطيان)(1).

واعلم أنه متى كان سبب الإمالة موجوداً في اللفظ فإن الإمالة أقوى مما إذا كان السبب مقدراً، والإمالة لسبب متقدم أقوى منها لسبب متاخر، ومتى كان الفصل بين السبب ومحل الإمالة أقل كانت الإمالة أقوى، والإمالة للكسرة اللازمة أقوى من الإمالة للكسرة العارضة والله أعلم.

فأما وجوه الإمالة فأربعة، والأصل منها إثنان:

أحدهما: المناسبة.

والثاني: الإشعار.

فاما المناسبة فقسم واحد: وذلك فيما أميل لسبب موجود في اللفظ، وفيما أميل لإمالة غيره، فأرادوا: أنْ يكون عمل اللسان ومحاولة النطق بالحرف الممال، وبسبب الإمالة، من وجه واحد وعلى نسبة واحدة (2).

وأما الإشعار فثلاثة أقسام:

أحدها: الإشعار بالأصل، وذلك إذا كانت الألف الممالة منقلبة عن ياء أو عن واو مكسورة.

الثافي: الإشعار بما يعرض في الكلمة في بعض المواضع من ظهور كسرة أو ياء حسبما تقتضيه التصاريف دون الأصل كما تقدم في (غزا) و (طاب).

(1) انظر النشر ج 2 ص 34.

(2)

انظر النشر ج 2 ص 35.

ص: 160

الثالث: الإشعار بالشبه المشعر بالأصل، وذلك إمالة ألف التأنيث والألف الملحقة (1).

وأما فائدة الإمالة فهو سهولة اللفظ، وذلك أن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة، والإنحدار أخف على اللسان من الارتفاع، فلهذا أمال من أمال من العرب.

وأما من فتح فإنه راعى كون الفتح هو الأصل (2) فلم يعدل عنه، وإن كان غيره أخف منه. ويزاد في تعليل الفتح فيما أمالته للإشعار بالأصل أن يقال: إذا كان اللازم في الكلام ترك لفظ الياء التي هي الأصل والعدول عنها إلى أن تقلب ألفاً في نحو (الهدى) و (قضى) إذ الألف أخف من الياء المتحركة فلا يعاد إلى التنبيه على أمر قد ترك، وأصل قد رفض، كما قال الشاعر:

إذا انصرفت نفسي عن الشي لم تكن

إليه بوجه آخرْ الدهر ترجع (3)

ويزداد في تعليل الفتح فيما إمالته للوجهين الأخيرين من أوجه الإشعار أن يقال: إذا صح في فصيح الكلام ترك الإمالة حيث يكون سببها قائماً وهو ما أميل للمناسبة، وحيث يكون سببها مقدراً وهو الوجه الأول من أوجه الإشعاء فالأحرى أن يترك حيث لا سبب في اللفظ ولا في التقدير. والله أعلم.

فإذا تقرر ما تقدم فارجع إلى مذاهب القراء في الفتح والإمالة فأقول: اختلف القراء في أصل الإمالة، فمنهم من تركها رأساً ولم يمل شيئاً من

(1) انظر النشر جـ 2 ص 35.

(2)

انظر النشر جـ 2 ص 35.

(3)

تقدم ذكره، وهو لمعن بن أوسل المزني

ص: 161

ألفاظ القرآن ألبتة - وهو ابن كثير وحده - ومنهم من أمال - وهم الباقون - لكن منهم من استعملها قليلاً وهم قالون، وابن عامر، وعاصم. ومنهم من استعملها كثيراً وهم حمزة، والكسائي، وأبو عمرو، وورش - وأقل الكل إمالة - قالون، وحفص - وأكثرهم آمالة حمزة، والكسائي، على ما تراه مبسوطاً بعد هذا الإجمال بحول الله تعالى، فارجع إلى كلام الحافظ رحمه الله.

ص: 162