الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا: مع العلم بأن الشباب ليسوا وحدهم الذين يعانون من " الأزمات"، بل إن أزماتهم جزء وبعض من أزمات المجتمع كله، والأزمات في مجتمعنا كثيرة.. ويا للأسف.. والعلاج قليل..
وربما قد يسأل سائل:
لماذا ركزتم على "الشباب" من بين طبقات المجتمع
؟؟.. ولماذا لا يصب الاهتمام على مرحلة "الطفولة والصبا"، باعتبارها المرحلة التأسيسية الخطيرة في حياة الإنسان؟..
وعن هذا السؤال نجيب: بأننا لا ننكر أهمية مرحلة "الطفولة" في حياة الإنسان، فهي ولا شك المرحلة الأهم، باعتبارها مرحلة الغرس والزرع والتلقين، و "الطفل" يكون فيها كالعجينة اللينة في يد العجّان.. يشكلها فتتشكل، ويعركها فتنعرك.. بلا معاندة ولا معارضة.. فهو يصدّق كل ما يسمع.. ويلقّن العقائد والأفكار والعادات.. فيقبل.. إنه يثق بوالديه ثقة مطلقة.. إذ هو يراهما الصدق كله.. والشجاعة والشهامة والأمانة.. فلا يخطر على باله أنهما قد يلقنانه الضلال، أو يعلمانه الفسوق والعصيان.. أو يكذبان عليه ويغشّانه.. فلذلك هو يأخذ عنهما ويقلدهما من دون تردد، وبلا تحفّظ.. فلو أنهما عوّداه عبادة الخنزير.. لعبده.. ولا عجب في ذلك.. فقد جاء في الحديث الشريف، فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ متعددة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من يولد يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه.. أو ينصّرانه.. كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟ "، والجدعاء هي مقطوعة الأذن.
فالطفل حين يبلغ سن التكليف، يأخذ.. ويتلقى.. ويقلد.. ويصدٌق أي شيء.. ولو من الخرافات والأساطير.. فهو إن نشأ مؤمنا، فإيمانه بإيمان أبويه، أو أحدهما، المعزز لفطرته السليمة، وإن نشأ كافرا، فكفره من كفر أبويه اللذين علماه الكفر، وربيّاه عليه، ولكنه لا يبني شيئا من ذلك على قناعة شخصية، ولا على برهان أو دليل مستقل، وهو في هذه المرحلة، غير مطالب بذلك، حتى يصبح مكلفا.
والطفل بسسب واقعه هذا، ليس مسؤولا عن أعماله وتصرفاته، ولا هو مؤاخذ بها، حتى يبلغ سن التكليف، فعندها يصبح مؤاخذا، يثاب ويعاقب، فقد روي الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، عن عدد من الصحابة، رضوان الله عليهمن عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن القلم قد رفع عن ثلاثة هم: المجنون حتى يبرأ، والنائم حتى يستيقط، والصبي حتى يحتلم.
إن عدم المؤاخذة الشرعية على الطفل في هذه المرحلة، لا يعني أنّ الإنحراف الذي يتعوّده في العقيدة والسلوك لا يضرّه، ولا يؤثّر عليه في المراحل التالية من حياته.. بل إن تلك الإنحرافات، ستنتقل مع الطفل الى مرحلة الشباب، التي هي أولى مراحل التكليف الشرعي، فيصير فيها مكلفا مسؤولا عن أعماله وأقواله، ومؤاخذا بها، فيثاب على الطاعة، ويحمل وزر المعصية.. وعندها سيعاني الشاب من نتائج أخطاء الأبوين والموجهين، الذين أشرفوا عليه في مرحلة "الطفولة"، وسيكون نجاحه أو فشله مرتبطا برغبته وقدرته على ترك ذلك السوء الذي ورّثوه إيّاه..