المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2- من هو "المكلف - أزمات الشباب أسباب وحلول

[محمد أحمد كنعان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ لماذا ركزتم على "الشباب" من بين طبقات المجتمع

- ‌اسم الكتاب

- ‌مراحل حياة الإنسان

- ‌1- مرحلة الجنانة

- ‌2- مرحلة "الطفولة والصبا

- ‌3- مرحلة " الأشد

- ‌4- مرحلة " الشيخوخة

- ‌من هو الإنسان

- ‌1- جانب "الحيوانية" في الإنسان

- ‌2- جانب العقل في الإنسان

- ‌3- الربط ما بين الجانبين

- ‌4- الغرائز والشهوات

- ‌5- المادة والروح

- ‌6- الغيب والشهادة:

- ‌7- " التفكير" هو: عمل العقل

- ‌8- العقل والهوى

- ‌التكليف" وطوارئه

- ‌1- تقديم

- ‌2- من هو "المكلف

- ‌3- طوارئ التكليف

- ‌القسم الأول: الطوارئ السماوية

- ‌1- الجنون:

- ‌2- العته:

- ‌3- النسيان:

- ‌4- النوم:

- ‌5- الرّق:

- ‌6- المرض:

- ‌7- الموت:

- ‌القسم الثاني: الطوارئ المكتسبة

- ‌1- الجهل:

- ‌2- الإكراه:

- ‌3- الهزل

- ‌4- الخطأ:

- ‌5- السكر:

- ‌يقسّم الفقهاء أحكام "السكران" إلى قسمين:

- ‌1- إذا سكر بمباح:

- ‌2- إذا سكر بمحرّم:

- ‌أزمات الشباب

- ‌1- تقديم

- ‌2- " الأزمات": عامّة، وخاصّة

- ‌الأزمات العامة:

- ‌أولا: الفراغ الفكري

- ‌ثانيا: تدنّي المستوى العلمي

- ‌ثالثا: الأزمات الاجتماعية

- ‌الأزمات الخاصة

- ‌القسم الأول: ترك الواجبات والطاعات

- ‌القسم الثاني: إرتكاب الفواحش وتعاطي الخبائث

- ‌1- الزنا:

- ‌2- الخمور:

- ‌3- المخدرات:

- ‌4- التدخين:

- ‌ملحق

- ‌أولا: أزمات الأطفال

- ‌أ) الأب السّكّير أو المقامر الذي أدمن على لعب القمار

- ‌ب) هناك آباء قساة القلوب، لا يرحمون أولادهم

- ‌ج) أطفال الناس البخلاء، هم ضحية بخل خانق

- ‌ثانيا: أزمات الشيوخ

- ‌ثالثا: أزمات المرأة

- ‌رابعا: أزمات المعوّقين

- ‌من هو المسؤول

- ‌أولا: مسؤولية الحاكم

- ‌ثانيا: مسؤولية الوالدين

- ‌ثالثا: مسؤولية المدرسة والجامعة

- ‌رابعا: تأثير الصديق

- ‌خامسا: مسؤولية المجتمع

- ‌ما هو الحلّ

- ‌خاتمة

الفصل: ‌2- من هو "المكلف

ومهما كان الحال، فإن "العقل" و"الهوى" يجب أن يكونا طوعا لحكم الشرع، ولا يجوز إخضاع الأحكام الشرعية لموازين العقول، ومقاييس الأهواء، بل على المسلم أن يسمع حكم الله تعالى ويطيع، من دون شكّ ولا تردد، كما قال الله تعالى:{فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلّموا تسليما} ، والله المستعان، وهو الموفق والهادي.

***

"‌

‌التكليف" وطوارئه

‌1- تقديم

.

‌2- من هو "المكلف

"

أولا: شروط التكليف بالإيمان.

ثانيا: شروط التكليف بالعبادات.

3-

طوارئ التكليف:

القسم الأول: الطوارئ السماوية:

[الجنون، والعته، والنسيان، النوم، والرقّ، والمرض، والموت] .

القسم الثاني: الطوارئ المكتسبة:

[الجهل، الإكراه، والهزل، والخطأ، والسّكر] .

1-

تقديم

أشرنا سابقا، الى أن بداية "مرحلة الشباب"، هي بداية "مرحلة التكليف"، إذا توفّرت شروطه، حيث يصير الإنسان من أهل الخطاب بالأمر والنهي، ومسؤولا عن أعماله، خيرها وشرّها، في الدنيا والآخرة.. فيثاب ويعاقب، ويسأل ويحاسب.

وقد وجدنا من المفيد: أن نتوسّع في بحث موضوع "التكليف" هذا، فنبيّن من هو المكلف شرعا؛ وما هي أهمّ الأمور المعترضة على " أهلية الإنسان"، التي تؤدي إلى أسقاط التكليف عنه.

إن كلامنا في هذا الشأن، سيكون طبقا لما ذكره علماء " أصول الفقه"، ليس " الأطباء"، لأننا لا نبحث في هذا الكتاب عن أمراض الجسد، ولا عن تعريفاتها الطبية، ولا عن الأدوية والعقاقير التي تعالج بها، بل إننا نبحث في الناحية التكليفية للإنسان، وشروطها، ومسؤوليات المكلف، وما له وما عليه، ونبحث أيضا في المعترضات التي يسقط بسببها التكليف عن الإنسان، إما كليا، وإما جزئيا.

إننا لم نتطرّق في مواضيع هذا الكتاب كلها، إلى الناحية الطبية أو النفسية المعروفة، التي تكلم فيها علماء الطب والتشريح والتفس، ونحن فعلنا ذلك قصدا، لأن هذه الناحية ليست مقصودة هنا.

ص: 30

لقد ذكرنا مراحل حياة الإنسان، من أولها الى آخرها، طبقا لما جاء في النصوص الشريفة، من الكتاب والسنة، وهذا ما سنفعله هنا في كلامنا عن:"التكليف".. و"المكلف"..و"طوارئ التكليف"، إذ لا يهمنا أن نعرف ـ مثلا ـ: ما هو "الجنون" في عرف أطباء الأمراض العقلية والعصبية، ولا أنواع الجنون، ومراتبه، وعوراضه.. فهذا كله لا يغنينا في كتابنا هذا، لأن هذه المواضيع، تندرج في إطار الكتابة العلمية الطبية المحضة، وذلك لا ينفع سوى الأطباء، والدارسين للطب، وزد على ذلك: أنه ليس من اختصاصنا أصلا.

إن ما يعنينا هو: أثر تلك الطوارئ على أهلية "المكلف" من الناحية الشرعية البحتة، لأن المكلف هو المعرّض لأن تصدر عنه " أزمة".. أو أن تحلّ به "أزمة".. وهو الذي يسأل عن حلول "الأزمات".. ويسأل عما يصدر عنه من أسبابها.

ولا ينبغي أن ننسى: أن سلسلتنا هذه، هي سلسلة فكرية إصلاحية، توخّينا في كتابتها، توعية المسلمين عامة، والشباب منهم خاصة، بواقعهم العامّ والخاصّ.. وإرشادهم الى السبل الصحيحة لإصلاح: النفوس.. والسلوك.. والتعامل.. في جميع المجالات والميادين، فلا يعنينا إلا ما يساعد على تحقيق هذه الغاية، ولا تتحقق هذه الغاية، إلا عن طريق الإسلام.. عقيدة.. ومنهاجا.. وبالله المستعان على كل حال.

وإن سأل سائل عن بيان فائدة هذه الأمور في هذا الكتاب، وهو كتاب فكريّ بحت، فإننا نجيبه بالقول:

إن ما ذكرناه عن مراحل حياة الإنسان، وما سنذكره من أمور الأهلية والتكليف، في هذا الفصل، ليس مفيدا فحسب، بل هو مهمّ جدا في موضوع الكتاب، لما أشرنا إليه آنفا، وللأسباب التالية:

أولا: لأننا نبحث في هذا الكتاب في: "أزمات الشباب"، ومعلوم أن " الأزمة" لا تكون ولا تنشأ إلا إذا كان صاحبها مكلفا، فلا أزمة إلا من مكلّف، والشابّ غير المكلف لا أزمة منه بل هو خال تماما عن كلّ مسؤولية، فكان مهمّا أن نبحث في " الأهلية" وشروطها ومسقطاتها.

ص: 31

ثانيا: أردنا أن نوسّع نظرة الشباب إلى أنفسهم، وإلى شخصيتهم، وقواهم وطاقاتهم كافة، وأن نلفت نظرهم، ونثير انتباههم الى تلك النّعم الكبرى، التي منّ الله تعالى بها عليهم، ليعرفوا قدرها ومكانتها وقيمتها، فيشكروا الله عز وجل عليها، وليعرف الإنسان أنه لم يخلق عبثا، ولا ليعيش حياته عابثا، بل هو إنسان مكلّف مسؤول.

ثالثا: أردنا أن نحثّ الشباب على صون عقولهم، وأسماعهم، وأبصارهم، وسائر حواسّهم، وعدم الإضرار بها أو إتلافها، بأي نوع من أنواع الأذى والتلف، كالخمور.. والمخدرات.. لأنها نعم كبرى لا تقدّر بثمن، ولا يعادلها شيء من أمور الدنيا.

رابعا: أردنا أيضا أن يتذكّر الناس دقة التشريع الإسلامي، وشموله، وسموّه، وروعته، ليزداد المؤمن إيمانا، وليباهي بدينه كلّ الأمم والشعوب، وليدرك زيف كل القوانين الموضوعة.. والأنظمة المزخرفة المصنوعة.. التي سرعان ما يتخاطاها الزمن.. ويصيبها الوهن.. وتسبّب الفتن.. وتغرق الناس في البلايا والمحن..

2-

من هو "المكلف"؟

لقد كلّف الله عز وجل الإنسان بتكاليف شرعية، هي عبارة عن:" أوامر ونواهي"، أعلاها " الإيمان"، وجعل هذه التكاليف، ضمن قدرة العبد واستطاعته، فلذلك رفع الله تعالى عن الأمة الحرج فقال تعالى:{ما جعل عليكم في الدين من حرج} ، و"الحرج": في اللغة هو "المكان الضيّق، كثير الشجر"، أي: لم يكلفكم بما يشقّ عليكم، ويخرج عن طاقتكم، كما قال عز وجل:{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} .

ومع وجود اليسر في التشريع والتكاليف، فإن الشرع الحنيف، قد تضمّن رخصا واستثناءات في حالات معيّنة، راعى فيها قدرة المكلف إذا طرأ عليه عذر، كمرض أو سفر، فقد أباح للمسافر الإفطار في رمضان، ورخّص للمريض بعدم الصيام فيه. وذلك لكيلا يكون للمكلف حجة أو ذريعة، يحاول أن يبرّر بها تقصيره في واجباته، ومخالفته لأحكام الشرع الشريف.

ص: 32

إنّ "التكليف" في الإسلام على مرتبتين، تتقدم إحداهما الأخرى، والأولى شرطا من شروط المرتبة الثانية وهما: التكليف بالإيمان أولا، ثم تكليف المسلم بالتكاليف الشرعية الأخرى، ولكل من هاتين المرتبتين شروط، وإليك بيانها:

أولا: شروط التكليف بالإيمان:

نعني بـ " الإيمان": الإيمان الصحيح الحق، الذي أمر الله تعالى به عباده على ألسنة رسه، وذلك بأن يؤمن الإنسان المكلف: بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرّه، وبكلّ عوالم الغيب، التي أخبر الله تعالى عنها، على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.. إلى غير ذلك من الأمور التي بيّنّاها في كتابنا:" سبيل النهضة".

والمكلف شرع بالإيمان، هو: من توفرت فيه الشروط الأربعة التالية، فإن لم يؤمن كان كافرا:

الشرط الأول ـ البلوغ:

"البالغ هو: الإنسان الذي تجاوز مرحلة "الصبا"، ومن علامات البلوغ عند الصبيّ: نزول المني منه باحتلام أو غيره، أو إحباله زوجته، وعند الصبيّة: أن ترى دم الحيض، أو أن تحبل، فإذا ظهر أيّ من هذه العلامات، فقد بلغ صاحبها، وصار في سن التكليف، وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاءن ولكنهم اختلفوا في السّن التي يعتبر الإنسان عند بلوغها بالغا حكما إذا لم تظهر فيه أمارة من أمارات البلوغ التي ذكرناها، فذهب جمهور الفقهاء الى أنّ سنّ البلوغ هي: تمام الخامسة عشرة من العمر.

الشرط الثاني ـ العقل:

لا شك في أن "العقل" من النّعم الكبرى، التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان، فلذلك اعتبره الشرع الشريف " مناط التكليف"، فلم يكلف إلا عاقل، والعاقل المكلف بالإيمان هو: الإنسان، السالم من الجنون المطبق، أي: الدائم الذي لا أفاقة منه أبدا.

ص: 33

أما إذا عقل المجنون، أو بلغ مستجمعا شروط التكليف الأخرى، ثم جنّ، ولم يكن مؤمنا، فقد وجب عليه الإيمان في فترة عقله، فإن لم يؤمن في تلك الفترة، ثم جنّ من جديد فمات، فإنه يدخل النار باعتباره كافرا، ومثله في الحكم: الكافر العاقل إذا جنّ ومات مجنونا، فإنه يدخل النار أيضا، لأنه لم يؤمن حين عقله، ولأن جنونه هذا بمثابة موته، أي: كأنه مات ساعة جنّ، فلذلك هو في النار.

أما المجنون المسلم، أو: الذي ولد من أبوين كافرين، ثم جنّ قبل البلوغ، فإنه يدخل الجنّة، لانعدام التكليف أصلا.

الشرط الثالث ـ سلامة الحواسّ:

المراد بالحواسّ: الحواسّ الخمس التي هي: "السمع، والبصر، واللمس، والشمّ، والذوق" وليس المطلوب شرعا للتكليف، سلامة كل هذه الحواسّ، بل المطلوب سلامة إحدى حاستيّ:" السمع والبصر" فقط، ولا عبرة ببقيّة الحواسّ، لقصور فائدتها وأهميتها في الإنسان.

فإذا كان الإنسان سليم السمع، أي: سميعا، أو سليم البصر، أي: بصيرا، فقد توفّر في شرط من شروط التكليف بالإيمان، وذلك لأن تأثر العقل بالسمع والبصر، أشدّ من تأثره بالحواسّ الأخرى، إذا أنّ كلا من هاتين الحاستين، يتخطّى النطاق القريب من الإنسان، الى مجال أوسع، فالبصر يمتد.. والسمع يلتقط ويسترق.. من دون ملامسة، وها نحن نرى ونسمع عبر الأثير، من أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة، ما يحدث في أقصى الأرض، وهذا لا يمكن تحصيله بغير السمع والبصر من الحواسّ، وقد أشار الله تعالى الى أهمية هاتين الحاسّتين في مواضع في كتابه العزيز، حيث قرن بينهما، وخصّهما بالذكر من بن سائر الحواس، كقوله سبحانه:{ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} ، ولهذا كانت سلامة إحدى هاتين الحاستين، كافية لتزويد العقل بما يكفيه من الدلائل، لمعرفة الله تعالى، والإيمان به عز وجل.

الشرط الرابع ـ بلوغ الدعوة:

ص: 34

إن شر "بلوغ دعوة الإسلام" الإنسان، ليكون مكلفا بالإيمان، هو قول عامّة العلماء، وقد خالف فيه من لا يعتدّ بخلافه، فمن لم يسمع بالإسلام مطلقا، ولم يصله خبر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، لم يكن مكلفا، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأمره الى الله، ولهذا كان واجبا على المسلمين أن يقوموا بتبليغ العالم كله رسالة الإسلام، ولا يجوز لنا أن نقاتل قوما لم تبلغهم دعوة الإسلام بأيّ وجه من الوجوه.

فالمكلف بالإيمان هو: كلّ إنسان اجتمعت فيه هذه الشروط الأربعة، فإن آمن فقد اهتدى وفاز، وإن لم يؤمن فقد خاب وخسر خسرانا مبينا، و" الإيمان" هو بحد ذاته الشرط الأول لتكليف المسلم بالتكاليف الشرعية العملية كلها، كما سنبيّن، وهي المسألة التالية.

***

ثانيا: شروط التكليف بالعبادات

" العبادات" هي: الفرائض والواجبات الشرعية؛ التي أمر الله تعالى بها المؤمن، و" الشروط التكليف" بها تسمّى عند الفقهاء:" شروط الوجوب"، أي: الشروط التي يجب على المكلف فعل الأمر بتوفرها فيه. ففي " الصلا": يشترط لوجوبها على الإنسان، أن يكون: مسلما، بالغا، عاقلا، وأن تكون المرأة خالية عن حيض أو نفاس، فهي غير مكلفة بالصلاة أثناء ذلك، فلا قضاء عليها بعد حيضها.

فتجب الصلاة وجوبا عينيا، على من توفرت فيه هذه الشروط، فيثاب على فعلها، ويعاقب على تركها، وعلى ترك غيرها من الفرائض أيضا.

أما الكافر، فلا يطالب بالصلاة، ولا بغيرها من الفرائض في الدنيا، ولكنه سيعاقب على ترك الفرائض وفعل المحرمات، زيادة على العذاب جزاء كفره.

وتجب " الزكاة" على: المسلم، الحرّ، مالك النصاب الشرعي بشروطه، فلا زكاة على "العبد" لانعدام الملكية، ولا يطالب بها الكافر في الدنيا، كما أشرنا، بل تؤخذ منه " الجزية" إن كان من

أهلها، على نحو ما بيّنه الفقهاء.

ص: 35