الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد عبّر علماء المنطق عن هذا الجانب بوصف:"ناطق"، فقالوا:" الإنسان حيوان ناطق"، لأن "النطق" خصوصية إنسانية من بين سائر "الحيوان"، وهي خصوصية ظاهرة محسوسة.. ولا تصدر إلا عن كائن عاقل، فكان تعريف الإنسان بها، أدق من تعريفه بالعقل، لخفاء أمره لولا النطق، فالإنسان لو لم يكن ناطقا، لما أمكن إثبات كونه عاقلا، ولو فعل ما فعل من دقائق الأعمال، وغرائب الصناعة والحركات والأصوات، فإن لكل الحيوانات الأخرى أعمالا غريبة، يبلغ بعضها حدّ العجز عن إدراك أسراره، كالنحل والنمل، في إتقان بيوتها، وجني رزقها، مما أدهش العقول، وخيّر الألباب، وهي بلا شك حيوانات لا عقل عندها ولا نطق، فلو أنّ الإنسان كان مثلها لا يتكلم، لما أمكن معرفة أنه عاقل، لانعدام النطق المعبّر عنه كما ذكرنا، وأما ما جاء في القرآن الكريم، من نسبة القول الى "النملة"، وتعليم "سليمان" عليه السلام منطق الطير، في قوله تعالى:{فلما أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون* فتبسّم من قولها..} ، وقوله تعالى عن سليمان عليه السلام:{وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير} ، فلا يعني:"النطق" بعقل، المماثل لنطق الإنسان، بل هو قول ألهمه الله تعالى للحيوان، هو عبارة عن أصوات معيّنة علمه الله إياها، تصدر عنه بالغريزة لا بالعقل، لذلك لا يخطئ الحيوان في أصواته أبدا.. بل هي أصوات يصدرها على نسق معيّن، يدركها أبناء جنسه من الحيوان بغرائزهم، أما الإنسان فليس أمره كذلك، بل إنه يفكّر قبل أن ينطق، ويتكلم بالصدق وبالكذب، وبالخطأ وبالصواب، وبالحق والباطل، ويتصرّف بلسانه ولغته كما يشاء.. لأنه عاقل.. والدليل على كونه عاقلا: أنه " ناطق".
***
3- الربط ما بين الجانبين
إن تقسيم شخصية الإنسان على نحو ما تقدّم، لا يعدو أن يكون تقسيما نظريّا، أما من حيث الواقع، فالإنسان لا يكون إنسانا إلا بجانبيه: الحيواني ـ الجسدي ـ والعقلي، مع التأكيد على تقدّم الجانب العقلي في الإنسان على الجانب الحيواني، في الفضل والمرتبة، وعلى أن "العقل" هو الذي يعطي " الإنسان" المعنى الصحيح لإنسانيته.
والإسلام بتكاليفه وأحكامه، خاطب " الإنسان".. كل الإنسان.. من دون فصل أو تقسيم.. معتبرا إياه شيئا واحدا، فلم يخاطب فيه جانبا دون الآخر ولم يعامله على أنه جسم حيّ متحرّك كسائر الحيوان.. ولا على أنه لطيف مجرد كالملائكة.. بل وجّه إليه الخطاب بالتكليف، باعتباره إنسان متكاملا، وخاطبه بالترغيب والترهيب، اختبارا لحوّاسه ومواهبه وعقله، وأخبره بأنه إن أحسن فلنفسه، وإن أساء فعليها، وبأن المؤمن سيدخل الجنّة بجسده وعقله وروحه، وكلّ حواسّه، وأنّ الكافر سيدخل النار كذلك.
وقد وبّخ الله تعالى الكافرين، بأنهم شرّ من دبّ على وجه الأرض، لأنهم كفروا، وجرّدوا أنفسهم من نعمة الإنتفاع بالعقل، فقال عز وجل:{إنّ شرّ الدوابّ عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون} .