المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقَدّمَة

- ‌الباب التمهيديتعريفات وفوائد

- ‌ العلم

- ‌تعريف العلم في اللغة:

- ‌تعريف العلم في الاصطلاح:

- ‌ التدرج

- ‌تعريف التدرج في اللغة:

- ‌التدرج في الاصطلاح:

- ‌ الحفظ

- ‌تعريفه في اللغة:

- ‌تعريفه في الاصطلاح:

- ‌ المتن

- ‌تعريف المتن لغة:

- ‌تعريف المتن اصطلاحاً:

- ‌الباب الأولالعلوم الشرعية

- ‌الفصل الأولالتفسير وما يتعلق به

- ‌الفصل الثانيعلم التوحيد

- ‌الفصل الثالثعلم مصطلح الحديث

- ‌الفصل الرابععلم الحديث

- ‌الفصل الخامسعلم أصول الفقه

- ‌أولاً: " متون الحنفية

- ‌ثانياً: " متون المالكية

- ‌ثالثاً: " متون الشافعية

- ‌رابعاً: " متون الحنابلة

- ‌الفصل السادسعلم الفقه

- ‌أولاً: " المتون الفقهية عند الحنفية

- ‌ثالثاً " متون الشافعية

- ‌رابعاً: " المتون عند الحنابلة

- ‌الفصل السابععلم الفرائض

- ‌الباب الثانيعلوم العربية

- ‌الفصل الأولعلم النحو

- ‌الفصل الثانيعلم الصرف

- ‌الفصل الثالثعلم الاشتقاق

- ‌الفصل الرابععلم اللغة

- ‌الفصل الخامسعلوم البلاغة

- ‌الفصل السادسعلما العروض والقوافي

- ‌الفصل السابععلم قوانين الكتابة

- ‌الفصل الثامن" علم قوانين القراءة

- ‌الفصل التاسععلم قرض الشعر

- ‌الفصل العاشرعلم الإنشاء

- ‌أولاً: " كتب الإنشاء

- ‌ثانياً: " كتب الأدب

- ‌ثالثاً: " المقامات

- ‌رابعاً: " الأمثال

- ‌الفصل الحادي عشر" علم المحاضرات

- ‌أولاً " كتب علم المحاضرات

- ‌ثانياً: الكتب المتعلقة بسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثاً: " الكتب المتعلقة بالصحابة رضي الله عنهم

- ‌رابعاً: " كتب التاريخ العامة المطولة

الفصل: ‌تعريف العلم في الاصطلاح:

" العلم "

‌تعريف العلم في اللغة:

1 ـ قال في المصباح المنير: " العلم: اليقين، يقال علم يعلم إذا تيقن، وجاء بمعنى المعرفة أيضاً، كما جاءت بمعناه، ضُمِّن كل واحد معنى الآخر لاشتراكهما في كون كل واحد مسبوقاً بالجهل"(1)

2 ـ وقال في القاموس: " علمه كسمعه، علماً بالكسر عرفه، وعلم هو في نفسه، ورجل عالم، وعليم، جمع علماء، وعلام، كجهال.."(2)

‌تعريف العلم في الاصطلاح:

فد اختلف في العلم هل يُحدُّ أو لا؟

فقال بعضهم: إنه لا يحد لعسر تصوره، أو لأنه ضروري يحصل بمجرد التفات النفس إليه من غير نظر واكتساب.

وقيل: إنه يحد وعليه الأكثر، ومن الحدود التي قيلت فيه مااختاره صاحب الكوكب المنير وهو أنه:" صفة يميز المتصف بها بين الجواهر، والأجسام، والأعراض، والواجب، والممكن، والممتنع، تمييزاً جازماً مطاباً، لأي لا يحتمل النقيض "(3) .

(1) ص (162) .

(2)

ص (1471) .

(3)

1/60.

ص: 15

وقال صالح الكليات: " والعلم هومعرفة الشيء على ماهو به، وبديهيه مالا يحتاج فيه إلى تقديم مقدمة، وضروريه بالعكس، ولو سلك فيه بعقله فإنه لا يسكل كالعلم الحاصل بالحواس الخمس (1) .

وقال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: " حد العلم عند العلماء المتكلمين في هذا المعنى هو / مااستيقنته وتبينته، وكل من استيقن شيئاً وتبينه فقد علمه، وعلى هذا من لم يستيقن الشيء وقال به تقليداً فلم يعلمه، والتقليد عند جماعة العلماء غير الاتباع، لأن الاتباع هو أن تتبع القائل على مابان لك من فضل قوله وصحة مذهبه، والتقليد أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه، ولا وجه القول، ولا معناه، وتأبى من سواه، أو أن يتبين لك خطؤه، فتتبعه مهابة خلافه، وأنت قد بان لك فساد قوله، وهذا محرم القول به في دين الله سبحانه "(2) .

إطلاقات كلمة العلم:

قال في الكوكب المنير: " اعلم أن العلم يطلق لغة وعرفاً على أربعة أمور:

أحدها: إطلاقه حقيقة على مالا يحتمل النقيض.

الأمر الثاني: أنه يطلق ويراد به مجرد الإدراك، يعني سواء كان الإدراك جازماً، أو مع احتمال راجح، أو مرجوع، أو مساوٍ، على سبيل المجاز المجاز، فشمل الأربعة قوله تعالى:{ماعلمنا عليه من سوءٍ} (يوسف ـ 51) إذ المراد نفي كل إدراك.

(1) ص (610) .

(2)

2/787.

ص: 16

الأمر الثالث: أنه يطلق ويراد به التصديق، قطعياً كان التصديق أو ظنياً، أما التصديق الظني فإطلاقه عليه على سبيل المجاز ومن أمثلته، قوله تعالى:{فإن علمتموهن مؤمنات} (الممتحنة ـ 10) .

الأمر الرابع: أنه يطلق ويراد به معنى المعرفة، ومن أمثلة ذلك قوله تعال:{لا تعلمهم نحن نعلمهم} (التوبة ـ 101)(1)

أقسام العلوم:

قسمت العلوم إلى أقسام كثيرة باعتبارات مختلفة، ومن هذه الأقسام مايلي:

الأول:

أـ علوم نظرية: أي غير متعلقة بكيفية عمل.

ب ـ علوم عملية: متعلق بها كيفية عمل.

الثاني:

أـ علوم آلية: وهي التي لا تقصد بنفسها، كعلم النحو والصرف.

ب ـ علوم غير آلية: وهي المقصودة بنفسها كعلم التفسير والحديث.

(1) 1/63.

ص: 17

الثالث:

أـ علوم عربية.

ب ـ علوم غير عربية.

الرابع:

أـ علوم شرعية.

ب ـ علوم غير شرعية.

الخامس:

أـ علوم عقلية، وهي التي لا يحتاج فيها إلى النقل.

ب ـ علوم نقلية.

إلى غير ذلك من التقسيمات. (1)

(1) جامع بيان العلم وفضله 2/788، مفتاح السعادة 1/52، كشف الظنون 1/11، أبجد العلوم 1/36.

ص: 18

2 ـ علم التفسير.

3 ـ علم القراءات.

4 ـ علم التجويد.

5 ـ علوم القرآن.

6 ـ علم التوحيد.

7 ـ علم الحديث.

8 ـ علم مصطلح الحديث.

9 ـ علم الفقه.

10 ـ علم أصول الفقه.

11 ـ علم الفرائض (1)

علوم العربية:

علوم العربية اثنا عشر علماً، وهي: ـ

1 ـ علم اللغة.

2 ـ علم التصريف.

3 ـ علم النحو.

(1) المراجع السابقة، والحطة في ذكر الصحاح الستة ص (58) .

ص: 19

4 ـ علم المعاني.

5 ـ علم البيان.

6 ـ علم البديع.

7 ـ علم العروض.

8 ـ علم القوافي.

9 ـ علم قوانين الكتابة.

10 ـ علم قوانين القراءة.

11 ـ علم إنشاء الرسائل والخطب.

12 ـ علم المحاضرات ومنه التواريخ (1)

قال العلامة السجاعي ـ في حاشيته على القطر: ـ " والعربية منسوبة للعرب، وهي علم يحترز به من الخلل في كلام العرب، وهو بهذا المعنى يشمل اثنى عشر علماً، جمعها بعض أصحابنا في قوله:

صرفٌ بيانٌ معاني النحوُ قافيةٌ

شعرٌ عروضُ اشتقاقُ الخطُّ إنشاءُ

محاضراتٌ وثاني عشرها لغة

تلك العلوم لها الآداب أسماء

ثم صار علماً بالغلبة على النحو " (2)

(1) الكواكب الدرية على متممة الآجرومية ص (5)

(2)

ص (7)

ص: 20

ونظمها بعضهم بقوله: (1)

خذ نظم آداب تضوع نشرها

فطوى شذا المنثور حين تضوع

لغة وصرف واشتقاق نحوها

علم المعاني بالبيان بديع

وعروض قافية وإنشا نظمها

وكتابة التاريخ ليس يضيع

كما نظمت في قول بعضهم:

نحو وصرف عروض ثم قافية

وبعدها لغة قرض وإنشاء

خط بيان معان مع محاضرة

والاشتقاق لها الآداب أسماء

قال الجاربردي في حاشيته على الشافية (2) : " وعلوم الأدب علوم يحترز بها عن الخلل في كلام العرب لفظاً أو كتابة، وهي على ماصرحوا به اثنا عشر، منها أصول، وهي العمدة في ذلك الاحتراز، ومنها فروع.

أما الأصول: فالبحث إما عن المفردات من حيث جواهرها وموادها فعلم اللغة، أو من حيث صورها وهيئاتها فعلم التصريف، أو من حيث انتساب بعضها إلى بعض بالأصالة والفرعية فعلم الاشتقاق.

وأما عن المركبات على الإطلاق فإما باعتبار هيئاتها التركيبية وتأديها لمعانيها الأصلية فعلم النحو، أو باعتبار إفادتها لمعان مغايرة لأصل المعنى فعلم المعاني، أو باعتبار كيفية تلك الإفادة في مراتب الوضوح فعلم البيان.

(1) المطاالع النصرية ص (3) .

(2)

في مجموعة الشافية في علمي الصرف والخط (1/6) .

ص: 21

وأما عن المركبات الموزونة فأما من حيث وزنها فعلم العروض، أو من حيث أواخر أبياتها فعلم القافية.

وأما الفروع: فالبحث فيها إما أن يتعلق بنقوش الكتابة فعلم الخط، أو يختص بالمنظوم فالعلم المسمى بقرض الشعر، أو بالمنثور فعلم إنشاء النثر من الرسائل والخطب، أو لا يختص بشيء منها فعلم المحاضرات، ومنه التواريخ.. ".

فضل العلم:

تكاثرت الأدلة من الكتاب والسنة، الدالة على فضل العلم، وأهله ومن ذلك مايلي: ـ

1 ـ قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} (آل عمران ـ 18) . ٍٍ

حيث قرن سبحانه شهادة أولي العلم بشهادته لنفسه بالوحدانية، وشهادة الملائكة له بذلك.

2 ـ وقوله تعالى: {وقل رب زدني علماً} (طه ـ 114) .

3 ـ وقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر ـ 28) .

4 ـ وقوله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} (الزمر ـ 9) .

5 ـ وقوله تعالى: {يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير} (المجادلة ـ 11) .

6 ـ وعن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 22

" خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخاري. (1)

7 ـ وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق عليه. (2)

8 ـ وعن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " مثل مابعثني الله به من الهدى، والعلم، كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ، وا لعشب الكثير، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا، وزرعوا. وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلآً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه مابعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلت به ". متفق عليه. (3)

9، وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً، ولا درهماً، وإنما ورثوا

(1) البخاري مع الفتح 9/74.

(2)

البخاري مع الفتح 1:164، صحيح مسلم 2/719.

(3)

البخاري مع الفتح 1/175، صحيح مسلم 4/1787.

ص: 23

العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم. (1)

10 ـ وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم (2)

أقوال السلف في فضل العلم:

جاء عن الصحابة ومن بعدهم من السلف أقوال كثيرة في فضل العلم فمن ذلك مايلي: ـ

1 ـ قال علي رضي الله تعالى عنه: " كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لايحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذمّاً أن يتبرأ منه من هو فيه "(3)

2 ـ وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " تذاكر العلم بعض ليلة أحب إليّ من إحيائها "(4)

3 ـ وقال الزهري رحمه الله تعالى: " ماعُبد الله بمثل العلم ". (5)

4 ـ وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: " مامن عمل أفضل من

(1) سنن أبي داود 4/57، والترمذي 5/48، وا بن ماجه 1/81.

(2)

صحيح مسلم 3/1255.

(3)

تذكرة السامع والمتكلم ص (34) .

(4)

جامع بيان العلم وفضله 1/24.

(5)

المرجع السابق 1/255.

ص: 24

طلب العلم إذا صحّت النية " (1)

5 ـ وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " طلب العلم أفضل من الصلاة النافلة "(2)

كما أكثر الشعراء من النظم في فضل العلم، ومن ذلك: ـ

كما أكثر الشعراء من النظم في فضل العلم، ومن ذلك: ـ

1 ـ قول صالح بن جناح:

تعلم إذا ماكنت ليس بعالم

فما العلم إلا عند أهل التعلم

تعلم فإن العلم زين لأهله

ولن تستطيع العلم إن لم تعلم

تعلم فإن العلم أزين بالفتى

من الحلة الحسناء عند التكلم

ولا خير فيمن راح ليس بعالم

بصير بما يأتي ولا متعلم (3)

2 ـ وقال بعضهم:

الناس في جهة التمثيل أكفاء

أبوهم آدم والأم حواء وأعظُم خلقت فيهم وأعضاء

نفس كنفس وأرواح مشاكلة

يفاخرون به فالطين والماء

فإن يك لهم من أصلهم حسب

على الهدى لمن استهدى أدلاء

ماالفضل إلا لأهل العلم إنهم

وللرجل على الأفعال أسماء

وقدر كل امرئ ماكان يحسنه

والجاهلون لأهل العلم أعداء (4)

وضد كل امرئ ماكان يجهله

(1) المرجع السابق 1/25.

(2)

المرجع السابق 1/123.

(3)

جامع بيان العلم وفضله 1/147.

(4)

جامع بيان العلم وفضله 1/218.

ص: 25

3 ـ وقال أحمد بن عمر بن عصفور:

مع العلم فاسلك حيث ماسلك العلم

وعنه فكاشف كل من عنده فهم

ففيه جلاء للقلوب من العمى

وعون على الدين الذي أمره حتم

فإني رأيت الجهل يزري بأهله

وذو العلم في الأقوام يرفعه العلم

يعد كبير القوم وهو صغيرهم

وينفذ منه فيهم القول والحكم

وأي رجاء في امرئ شاب رأسه

وأفنى سنيه وهو مستعجم فدم

يروح ويغدو الدهر صاحب بطنة

تركب في أحضانها اللحم والشحم

إذا سئل المسكين عن أمر دينه

بدت رحضاء العي في وجهه تسمر

وهل أبصرت عيناك أقبح منظر

من اشيْبَ لاعلم لديه ولا حكم

هو السوءة السوءاء فاحذر شماتها

فأولها خزي وآخرها ذم

فخالط رواة العلم واصحب خيارهم

فصحبتهم زين وخلطتهم غنم

ص: 26

ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم

نجوم إذا ماغاب نجم بدا نجم

فو الله لولا العلم مااتضح الهدى

ولا لاح من غيب الأمور لنا رسم (1)

4 ـ وقال أبو بكر قاسم بن مروان الوراق:

والعلم زين وتشريف لصاحبه

أتت إلينا بذا الأنباء والكتب

والعلم يرفع أقواماً بلاحسب

فكيف من كان ذا علم له حسب

فاطلب بعلمك وجه الله محتسباً

فما سوى العلم فهو اللهو واللعب (2)

وقال بعض المحدثين:

العلم زين وكنز لانفاد له

نعم القرين إذا ماعاقلاً صحبا

قد يجمع المرء مالاً ثم يسلبه

عما قليل فيلقى الذل والحربا

وجامع العلم مغبوطٌ به أبدا

فلا يحاذر فوتا لا ولا هربا

ياجامع العلم نعم الذخر تجمعه

لا تعدلن به ذُرّاً ولا ذهبا (3)

(1) جامع بيان العلم وفضله 1/219 ـ 220.

(2)

المرجع السابق 1/245.

(3)

المرجع السابق 1/250.

ص: 27

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " أفضل مااكتسبته النفوس وحصلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان، ولهذا قرن بينهما سبحانه في قوله:{وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث} (الروم ـ 56) .

وقوله: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} (المجادلة ـ 11) .

وهؤلاء خلاصة الوجود ولُبّه والمؤهلون للمراتب العالية.

ولكن أكثر الناس غالطون في حقيقة مسمى العلم والإيمان اللذين بهما السعادة والرفعة وفي حقيقتهما، حتى أن كل طائفة تظن أن مامعها من العلم والإيمان هوهذا الذي تنال به السعادة وليس كذلك بل أكثرهم ليس معهم إيمان ينجي ولا علم يرفع، بل قد سدوا على نفوسهم طرق العلم والإيمان اللذين جاء بهما الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا إليهما الأمة وكان عليهما هو وأصحابه من بعده وتابعوهم على مناهجهم وآثارهم " (1)

مايبدأ به في الطلب:

قال الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: " ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل، إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم

فإذا رزقه الله تعالى حفظ كتابه فليحذر أن يشتغل عنه بالحديث، أوغيره من العلوم اشتغالاً يؤدي إلى نسيانه

ثم الذي يتلو القرآن من العلوم، أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسننه، فيجب على

(1) الفوائد ص (191) .

ص: 28

الناس طلبها إذ كانت أسّ الشريعة، وقاعدتها، قال الله تعالى:{وماآتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر ـ 7)، وقال تعالى:{من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء ـ 80) وقال: {وماينطق عن الهوى} (النجم ـ 3) " (1) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: " فأول العلم حفظ كتاب الله جل وعز وتفههمه، وكل مايعين على فهمه فواجب طلبه معه.."(2)

وقال: " القرآن أصل العلم، فمن حفظه قبل بلوغه، ثم فرغ إلى مايستعين به على فهمه من لسان العرب كان ذلك له عوناً كبيراً على مراده منه، ومن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينظر في ناسخ القرآن ومنسوخه وأحكامه، ويقف على اختلاف العلماء واتفاقهم في ذلك، وهو أمر قريب على من قربه الله عز وجل عليه، ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبها يصل الطالب إلى مراد الله عز وجل في كتابه، وهي تفتح له أحكام القرآن فتحاً "(3)

وقال: " واعلم ـ رحمك الله ـ أن طلب العلم في زماننا هذا وفي بلدنا، قد حاد أهله عن طريق سلفهم، وسلكوا في ذلك مالم يعرفه أئمتهم، وابتدعوا في ذلك مابان به جهلهم، وتقصيرهم عن مراتب العلماء قبلهم، فطائفة منهم تروي الحديث وتسمعه، قد رضيت بالدؤوب في جمع مالا تفهم، وقنعت بالجهل في حمل مالا تعلم،

(1) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/106 ـ 111.

(2)

جامع بيان العلم وفضله 2/1129.

(3)

المرجع السابق 2/130.

ص: 29

فجمعوا الغث والسمين، والصحيح والسقيم، والحق والكذب، في كتاب واحد، وربما في ورقة واحد، ويدينون بالشيء وضده، ولا يعرفون مافي ذلك عليهم، قد شغلوا أنفسهم بالاستكثار، عن التدبر والاعتبار، فألسنتهم تروي العلم، وقلوبهم قد خلت من الفهم، غاية أحدهم معرفة الكنية الغريبة، والاسم الغريب والحديث المنكر، وتجده قد جهل مالا يكاد يسع أحداً جهله من علم صلاته، وحجّه، وصيامه، وزكاته.

وطائفة هي في الجهل كتلك، أو أشد، لم يعنوا بحفظ سنة، ولا الوقوف على معانيها، ولا بأصل من القرآن، ولا اعتنوا بكتاب الله عز وجل فحفظا تنزيله، ولا عرفوا ماللعلماء في تأويله، ولا وقفوا على أحكامه، ولا ت فقهوا في حلاله وحرامه، قد اطرحوا علم السنن والآثار وزهدوا فيها وأضربوا عنها فلم يعرفوا الإجماع من الاختلاف، ولا فرقوا بين التنازع والائتلاف، بل عولوا على حفظ مادون لهم من الرأي والاستحسان الذي كان عند العلماء آخر العلم والبيان، وكان الأئمة يبكون على م اسلف وسبق لهم ـ من الفتوى ـ فيه ويودن أن حظهم السلامة منه " (1) .

وقال: " فعليك ياأخي بحفظ الأصول والعناية بها، واعلم أن من عني بحفظ السنن والأحكام المنصوصة في القرآن، ونظر أقاويل الفقهاء، فجعله عوناً له على اجتهاده، ومفتاحاً لطرائق النظر، وتفسير الجمل المحتمله للمعاني، ولم يقلد أحداً منهم تقليد السنن التي يجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولم يرح نفسه مما أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن، وتدبرها، واقتدى بهم في البحث

(1) جامع بيان العلم وفضله 2/1135.

ص: 30

والتفهم، والنظر، وشكر لهم سعيهم فيما أفادوه، ونبهوا عليه، وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر أقوالهم، ولم يبرئهم من الذلل، كما لم يبرؤوا أنفسهم منه، فهذا هو الطالب المتمسك بما عليه السلف الصالح، وهو المصيب لحظه، والمعاين لرشده، والمتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهدي صحابته رضي الله عنهم، وعمن اتبع بإحسان آثارهم، ومن أعفى نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردها في إلى مبلغ نظره، فهو ضال مضل، ومن جهل ذلك كله أيضاً وتقحم في الفتوى بلا علم، فهو أشد عمى وأضل سبيلاً.

لقد أسمعت لو ناديت حياً

ولكن لا حياة لمن تنادي

وقد علمت أنني لا أسلم من جاهل معاند لا يعلم " (1)

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: " فينبغي لذي الهمة أن يترقى إلى الفضائل، فيتشاغل بحفظ القرآن وتفسيره، وبحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وبمعرفة سيره وسير أصحابه، والعلماء بعدهم، ليتخير مرتبة الأعلى فالأعلى، ولابد من معرفة مايقيم به لسان من النحو، ومعرفة طرف مستعمل من اللغة، والفقه أصل العلوم والتذكير حلواؤها وأعمها نفعاً "(2)

وقال النووي رحمه الله تعالى: " وأول مايبتدئ به حفظ القرآن العزيز، فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يعملون الحديث والفقه إلا لمن يحفظ القرآن، وإذا حفظه فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما، اشتغالاً يؤدي إلى نسيان شيء منه، أو تعريضه للنسيان،

(1) جامع بيان العلم وفضله 2/1139.

(2)

لفتة الكبد ص (30) .

ص: 31

وبعد حفظ القرآن يحفظ من كل فن مختصراً ويبدأ بالأهم، ومن أهمها الفقه والنحو، ثم الحديث والأصول، ثم الباقي على ماتيسر، ثم يشتغل باستشراح محفوظاته، ويعتمد من الشيوخ في كل فن أكملهم.." (1)

وقال ابن جَماعة ـ في تعداد آداب الطالب في دروسه: ـ

" النوع الأول: أن يبتدئ أولاً بكتاب الله العزيز فيتقنه حفظاً، ويجتهد على إتقان تفسيره، وسائر علومه، فإنه أصل العلوم وأمها وأهمها.

ثم يحفظ من كل فن مختصراً يجمع فيه بين طرفيه، من الحديث وعلومه، والأصولين، والنحو، والتصريف.

ولا يشتغل بذلك كله عن دراسة القرآن، وتعهده، وملازمة ورده منه، في كل يوم، أو أيام، أو جمعة، كما تقدم، وليحذر من نسيانه بعد حفظه، فقد ورد فيه أحاديث تزجر عنه، ويشتغل بشرح تلك المحفوظات على المشايخ.

وليحذر من الاعتماد في ذلك على الكتب أبداً، بل يعتمد في كل فن من هو أحسن تعليماً له، وأكثر تحقيقاً فيه، وتحصيلاً منه، وأخبرهم بالكتاب الذي قرأه ، وذلك بعد مراعاة الصفات المقدمة من الدين، والصلاح، والشفقة

وغيرها " (2)

وقال ابن مفلح رحمه الله تعالى: " قال الميموني: سألت أبا عبد الله: أيهما أحب إليك: أبدأ ابني بالقرآن، أو بالحديث؟ قال:

(1) المجموع 1/69.

(2)

تذكرة السامع والمتكلم ص (167) .

ص: 32

لا، بالقرآن. قلت: أعلمه كله؟ قال: إلا أن يعسر، فتعلمه منه.

ثم قال لي: إذا قرأ أولاً تعود القراءة ثم لزمها. وعلى هذا أتباع الإمام أحمد إلى زمننا هذا " (1)

بعض أسباب حرمان العلم:

قال السفاريني ـ في غذاء الألباب ـ: وحرمان العلم يكون بستة أوجه:

أحدها: ترك السؤال.

الثاني: سوء الإنصات وعدم إلقاء السمع.

الثالث: سوء الفهم.

الرابع: عدم الحفظ.

الخامس: عدم نشره وتعليمه، فمن خزن علمه ولم ينشره، ابتلاه الله بنسيانه جزاء وفاقاً.

السادس: عدم العمل به، فإن العمل به، يوجب تذكره، وتدبره، ومراعاته، والنظر فيه، فإذا أهمل العمل به نسيه.

قال بعض السلف: كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به.

وقال بعضهم: العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل، فما استُدر العلم، واستُجلب بمثل العمل به (2) .

(1) الآداب الشرعية 2/35.

(2)

غذاء الألباب 1/42.

ص: 33