الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: تحقيق صفات المربي:
فلا تربية دون قدوة وأسوة، ولا يمكن أن نتأمل خيرًا من مربٍ يخالف حالُه مقالَه، ولهذا كان إبراهيم عليه السلام يشمل نفسه في كل دعاء؛ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} ) ، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} ) ، {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} ) ، فهذا هو المربي الناجح أو قل المربي الداعية. وهذا هو المربي الذي لا يركن إلى شهود الأسباب ولا يجزع من غيابها، بل دأبه الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه والالتجاء إليه والافتقار بين يديه إلى الاتصال بحبله المتين لا يثنيه {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} عن {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} لأن تكلانه واستعانته بالله تعالى فهو يدعوه {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} وينشغل بتسبيحه وحمده على الدوام {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ) . قلت: نِعمَ المربي هذا الذي يقول ويعمل، يأخذ
بالأسباب ويتوكل على خالقها، يفتقر إلى الله ليصل إلى الله ويستعين بما طلبه من سبب على عبادة رب كل سبب.
وهذا المربي هو المربي الشفوق بالناشئة الحريص على هدايتهم ومصلحتهم فهو يلتمس من الله تعالى توفيقهم للتوبة والإنابة إليه تعالى {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ) ، ويدعو الله تعالى أن يهيأ لهم أسباب الرفق حتى لا ينشغلوا بتحصيل أسباب العيش عن تحقيق الهدف من وراء العيش ذاته {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}
هذه بإيجاز بعض المعالم التربوية في هذه الآيات المعجزة، وحريٌ بمن التزم نهج هذه السورة أن يمنَّ الله تعالى عليه بالعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة؛ أما الدنيا فكما قال تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ) ، وأما الآخرة فرجاء عفوه ومغفرته سبحانه وتعالى {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} ) ، ولعمر الحق ها نحن نرى آثار دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، فدعوة التوحيد رايتها اليوم خفاقة بعد مئات السنين من تلك الدعوة المباركة، بل ما أرى مقارعة سيوف الحق للباطل اليوم إلا أثرًا ممتدًا لدعاء أبينا إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (1) ، فنعمت التربية إذًا ونعم المنهج ونعم الثواب والجزاء من الله تعالى.
(1) سورة إبراهيم - آية 37