المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: رسالة الدعوة: - أساليب التربية والدعوة والتوجيه من خلال سورة إبراهيم

[وسيم فتح الله]

الفصل: ‌المطلب الأول: رسالة الدعوة:

‌المطلب الأول: رسالة الدعوة:

ص: 11

لقد جاء تقرير هذه الرسالة وبيان الهدف الدعوي في هذه السورة بأسلوب سهل بسيط مباشر لا لبس فيه ولا غموض، وتتمثل عناصر هذه الرسالة في آيتين معجزتين استهلت السورة بإحداهما واختتمت بالأخرى؛ فالأولى قوله تعالى:{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1) والثانية قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2) فهاتان الآيتان تقرران بكل وضوح أن هدف هذه الرسالة استنقاذ الناس أجمعين من (ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة وأنواع المعاصي إلى نور العلم والإيمان والأخلاق الحسنة)(3) وهذا لا يتحقق إلا بتحقيق التوحيد الخالص المجرد لله تعالى كما ذكر في الآية الثانية {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ، وهنا نكتة دقيقة وهي أن ذكر التوحيد لم يكن صريحًا في فاتحة السورة وإنما جاء بهذه الصراحة في خاتمتها، ولعل الحكمة من ذلك لفت انتباه المخاطبين إلى ما في دعوة التوحيد هذه من تحقيق مصلحتهم لأن الناس مجبولة

(1) سورة إبراهيم - آية 1

(2)

سورة إبراهيم - آية 52

(3)

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان - السعدي - 370

ص: 12

على اتباع ما فيه مصلحة لهم، فضربت الآية الأولى المثال للكفر وللإسلام بما جُبل الناس على أنه مصلحة (وهذا على سبيل التمثيل، لأن الكفر بمنزلة الظلمة والإسلام بمنزلة النور)(1) ثم مضت السورة في الدعوة إلى التوحيد الذي هو حقيقة الإسلام وختمت السورة بذكر التوحيد صراحة إشارةً إلى أن هذه هي النتيجة القمن أن يصل إليها أولو الألباب والعقول النيرة حين تلتفت إلى ما جاء في السورة من توجيهات كما سيأتي. ولا بد لنا من أن نقرر جملة من المبادئ التي رسختها هاتان الآيتان فيما يتعلق بطبيعة الرسالة ومنها:

أولًا: التأكيد على عالمية الدعوة وقد جاء ذلك في فاتحة السورة في قوله تعالى: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ} كما جاء في خاتمتها في قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ} ، ولا شك أن في هذا تأكيدًا على شمولية الدعوة من جهة وعلى أنها ناسخة ما قبلها وخاتمة الشرائع من جهة أخرى.

(1) الجامع لأحكام القرآن - القرطبي - 288 / 9

ص: 13

ثانيًا: بيان تحقق هداية الإرشاد بتزيل كتاب الله عز وجل وأن هذا الكتاب هو مَعين هذه الدعوة ونبعها الصافي وهذا جليٌ في قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} حيث أكد على مصدرية الوحي ومحورية دور الكتاب فلا يمكن أن يستقيم حال الناس وهم له هاجرون ولا يمكن لهم الانتفاع بنذارته وهم عنه لاهون، وهذا النوع من الهداية عام لكل الناس وبه يتحقق الإعذار.

ثالثًا: بيان أن تحقق هداية التوفيق موقوفة على إذن الله عز وجل حتى لا يغتر الناس بالركون إلى عقولهم وأهوائهم ويعترفوا بالفضل لله تعالى أولًا وآخرًا ويحترزوا عن أسباب خذلان الله تعالى لهم أشد ما يكونوا محتاجين إليه، وهذا الأمر واضح وجلي في قوله تعالى:{بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}

ص: 14

رابعًا: التأكيد على أن الله تعالى لا تنفعه طاعة المؤمنين ولا يضره عصيان الكافرين، وأنه سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب غير محتاجٍ لطاعة أحد من عبيده ولا آبهٍ لمن أبق منهم، ولهذا أكدت الآية على أن الله تعالى هو {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} فهو تعالى العزيز بذاته (الذي لا يغلبه غالب)(1) والحميد بذاته (المحمود بكل لسان والممجَّد في كل مكان على كل حال)(2) ولكن الذي ينتفع من سلوك هذا الصراط هو العبد المطيع الذي يعتز بسلوكه الطريق الموصل إلى مرضاة ربه مهما استوحش الطريق وقل الصاحب والرفيق، فيكفيه عزًا أنه متذلل للعزيز ويكفيه فخرًا أنه متعبدٌ للحميد.

هذه ببساطة ملامح هذه الدعوة، ووصف البساطة في مقام الخطاب الشامل للناس كافة على تفاوت في المشارب والعلوم والوعي والتفكير والاستيعاب هو وصف مدح لأنه هو الأقدر على توصيل أعظم حقيقة - حقيقة التوحيد - إلى كل عقل وقلب من غير أن تحول دون ذلك تقعرات الفلاسفة وتشدقات الكلاميين وتعقيدات العلماء، بل يمكن لأكثر الناس عاميةً وبداءة أن يدرك هذه الحقيقة بنفس الوضوح الذي يدركه جهابذة العلم.

(1) السابق

(2)

السابق

ص: 15

ويمكن أن نستنبط مما تقدم عدة قضايا أسلوبية ينبغي للداعية إلى الله تعالى أن يلتزم بها في سياق الدعوة إلى الله تعالى وهي:

1-

الوضوح في بيان ما يدعو إليه مع مراعاة القدر المشترك الأدنى لأفهام الناس.

2-

مراعاة الأولويات في الدعوة فيقصر همه وجهده على مسائل التوحيد قبل غيرها.

3-

شحذ الهمم ورفع المعنويات من خلال إثارة معاني العزة عند الداعية والمستجيبين له لا سيما مع وحشة الطريق للسالكين الأوائل.

ص: 16