المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: صفات الرسل: - أساليب التربية والدعوة والتوجيه من خلال سورة إبراهيم

[وسيم فتح الله]

الفصل: ‌المطلب الثاني: صفات الرسل:

‌المطلب الثاني: صفات الرسل:

إن الرسول هو حامل هذه الدعوة من الله تعالى إلى قومه، ولا شك أن الأسلوب الدعوي الناجح هو الذي يراعي متطلبات شخص الداعية ويعمل على تهذيبها كي يكون أدعى لاستجابة الناس، ولدى تأمل هذه السورة وجدنا جملةً من هذه الملامح التي يتصف بها الرسل وهي:

أولًا: الإرسال بلسان القوم:

ص: 17

إن توافق لسان الرسول البشري مع لسان قومه أمر لازم لتحقق البيان عن الله عز وجل، ولهذا نجد الآية الكريمة تؤكد على تقرير ذلك حيث قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) وهذا أصلٌ ضروري في إقامة الحجة بهداية الإرشاد التي هي أثر من آثار رحمة الله تعالى بالناس، ولهذا كان (من لطفه تعالى بخلقه أنه يرسل إليهم رسلًا منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم) (2) قلت: وبهذا البيان الجلي تتحقق هداية الإرشاد والدلالة على الحق، ولذا ناسب أن يتبع ذلك بتأكيد أن هداية التوفيق لا تكون إلا بمشيئة الله مثوبةً من عنده سبحانه لمن أقبل على الدعوة مستمعًا منصتًا مخبتًا منقادًا للحق.

ثانيًا: التوكل على الله:

(1) سورة إبراهيم - 4

(2)

تفسير القرآن العظيم - 596 / 4

ص: 18

إن الرسول والداعية الناجح هو الذي يستعين بالله على تنفيذ أوامر الله، ويتوكل على الله حين يأخذ بأسبابه مهما كانت هذه الأسباب قوية، وأي شيء أقوى من معجزاتٍ أيَّد الله تعالى بها رسله وبينات وبراهين أقام على أيديهم بها حجته، ولكن ذلك لا يكفي بل إن مقام شهود هذه الأسباب هو - بالنسبة للداعية الناجح - عين مقام شهود الفقر إلى الله وهو بذلك أشد داعٍ إلى التوكل على الله تعالى حق توكله دونما ركون لما سواه مهما كان قويًا، بل إن هذا التوكل يصبح في سياق مجابهة الرسل أقوامهم نوعًا من التحدي المعجز بحد ذاته، فهو (كالإشارة من الرسل عليهم الصلاة والسلام لقومهم بآية عظيمة وهو أن قومهم في الغالب أن لهم القهر والغلبة عليهم، فتحدَّتهم رسلهم بأنهم متوكلون على الله في دفع كيدهم ومكرهم وجازمون بكفايته إياهم، وقد كفاهم الله شرهم مع حرصهم على إتلافهم وإطفاء ما معهم من الحق)(1) ولقد جاءت السورة بتأكيد هذا الأمر في مقام محاججة الرسل قومهم، تأمل قوله تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ

(1) تيسير الكريم الرحمن- السعدي - 372

ص: 19

بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (1) والحقيقة أنه لا يمكن أن تقوم للداعية قائمة في مواجهة مهمة البلاغ إلا بتوكل صحيح على الله تعالى، ولهذا كان توكل الرسل عليهم الصلاة السلام أكمل ما يكون من التوكل لأنه في أعلى ما يكون من المطالب وأشرف ما يكون من المراتب (2) فقمنٌ بالداعية إلى الله تعالى أن يسير على خطاهم وأن يقتفي آثارهم وسننهم.

ثالثًا: الصبر على الأذى:

لقد تقدم معنا في آية التوكل قوله تعالى: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} (3) ولا شك أن في هذا إشارة جلية من الله تعالى إلى أن الرسل سيلاقون من المشاق والمتاعب ما يستلزم استحضار هذا الابتلاء والاستعداد لمواجهته، ولقد جاء التزام الرسل بهذا الصبر مؤكدًا بلام القسم وبنون التوكيد مبالغةً في الثبات وإمعانًا في إظهار الثقة بالله تعالى أنه ينصرهم.

(1) سورة إبراهيم - 11-12

(2)

تيسير الكريم الرحمن- السعدي - 372 - بتصرف

(3)

سورة إبراهيم - 12

ص: 20

مما تقدم نستنبط عدة قضايا أسلوبية تتعلق بصفات الداعية إلى الله تعالى أوجزها فيما يلي:

1-

مخاطبة الناس بما يفهمون؛ فهدف الداعية أن يوصل رسالة التوحيد إلى الناس لا أن يستعلي على القوم أو يتشدق بما لا يفهمون، وفي إرسال الله تعالى رسله بلغة أقوامهم تنبيه إلى ذلك.

2-

ضرورة التزود بزاد التوكل والصبر؛ فطريق الدعوة شاق وموحش، والمعوقات - كما سيأتي - ليست بالقليلة ولا باليسيرة، فلا بد للداعية من أن يستعد لتحمل الأذى والمشقة في سبيل البلاغ عن ربه.

ص: 21