الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
48 -
ابْن كثير
وَمِنْهُم الشَّيْخ الامام الْعَلامَة الْحَافِظ عماد الدّين ثِقَة الْمُحدثين عُمْدَة المؤرخين علم الْمُفَسّرين ابو الْفِدَاء اسماعيل ابْن الشَّيْخ الْعَالم الْخَطِيب أبي حَفْص عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن ذرع الْقرشِي الْبَصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ولد فِي سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة بمجيدل الْقرْيَة من عمل بصرى اذ كَانَ أَبوهُ خَطِيبًا بهَا وَتُوفِّي سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَت جنَازَته حافلة مَشْهُودَة وَدفن بِوَصِيَّة مِنْهُ فِي تربة شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية بمقبرة للصوفية خَارج بَاب النَّصْر من دمشق لَهُ عدَّة مصنفات مِنْهَا تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم وَكتاب التَّارِيخ الْكَبِير الْمُسَمّى بالبداية وَالنِّهَايَة وَله جَامع المسانيد وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد وَلَقَد ترْجم الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بشيخ الاسلام مرَارًا لَا تحصى مِنْهَا قَوْله فِي التَّارِيخ ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة فِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا كَانَت وَفَاة شيخ الاسلام أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية قدس الله روحه وَقَالَ وَقد اتّفق مَوته فِي سحر لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُورَة يَعْنِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة قَالَ فَذكر ذَلِك مُؤذن القلعة على المنارة وَتكلم بهَا الحراس على الأبرجة فَمَا أصبح النَّاس الا وَقد تسامعوا بِهَذَا الْخطب الْعَظِيم والامر الجسيم فبادر النَّاس على الْفَوْر الى الِاجْتِمَاع حول القلعة من كل مَكَان أمكنهم الْمَجِيء مِنْهُ حَتَّى من الغوطة والمرج وَلم يطْبخ أهل الاسواق شَيْئا وَلَا فتحُوا كثيرا من الدكاكين الَّتِي من شَأْنهَا أَن تفتح أَوَائِل النَّهَار على الْعَادة وَكَانَ نَائِب السلطنة تنكز قد ذهب
يتصيد فِي بعض الامكنة فحارت الدولة مَاذَا يصنعون وَجَاء الصاحب شمس الدّين غبريال إِلَى نَائِب القلعة فَعَزاهُ فِيهِ وَجلسَ عِنْده وَفتح بَاب القلعة لمن يدْخل من الْخَواص والاصحاب والاحباب فَاجْتمع عِنْد الشَّيْخ فِي قاعته خلق من اخصاء أَصْحَابه من الدولة وَغَيرهم من أهل الْبَلَد والصالحية فجلسوا حوله يَبْكُونَ ويثنون
…
على مثل ليلى يقتل الْمَرْء نَفسه
…
وَكنت فِيمَن حضر هُنَاكَ مَعَ شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمزي رَحمَه الله تَعَالَى وكشفت عَن وَجه الشَّيْخ وَنظرت اليه وقبلته وعَلى رَأسه عِمَامَة بعذبة مغروزة وَقد علاهُ الشيب أَكثر مِمَّا فارقناه وَأخْبر الْحَاضِرين أَخُوهُ زين الدّين عبد الرَّحْمَن انه قَرَأَ هُوَ وَالشَّيْخ مُنْذُ دخلا القلعة ثَمَانِينَ ختمة وَشرعا فِي الْحَادِيَة والثمانين فَانْتَهَيَا فِيهَا الى آخر {اقْتَرَبت السَّاعَة} و {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونهر فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر} فشرع عِنْد ذَلِك الشَّيْخَانِ الصالحان الخيران عبد الله بن الْمُحب وَعبد الله الزرعي الضَّرِير وَكَانَ الشَّيْخ رحمه الله يحب قراءتهما فابتدآ من أول سُورَة الرَّحْمَن حَتَّى ختما الْقُرْآن وَأَنا حَاضر اسْمَع وَأرى ثمَّ شرعوا فِي غسل الشَّيْخ وَخرجت الى مَسْجِد هُنَاكَ وَلم يدعوا عِنْد الشَّيْخ إِلَّا من ساعد فِي غسله مِنْهُم شَيخنَا الْحَافِظ الْمزي وَجَمَاعَة من كبار الصَّالِحين الاخيار أهل الْعلم والايمان فَمَا فرغ مِنْهُ حَتَّى امْتَلَأت القلعة وضج النَّاس بالبكاء وَالثنَاء وَالدُّعَاء والترحم ثمَّ سَارُوا بِهِ الى الْجَامِع فسلكوا طَرِيق
الْعمادِيَّة على العادلية الْكَبِيرَة ثمَّ عطفوا على بَاب الناطفانيين وَذَلِكَ أَن سويقة بَاب الْبَرِيد كَانَت هدمت لتصلح ودخلوا بالجنازة الى الْجَامِع الْأمَوِي وَالْخَلَائِق فِيهِ وَبَين يَدي الْجِنَازَة وَخَلفهَا وَعَن يَمِينهَا وشمالها مَا لَا يحصي عدتهمْ الا الله تَعَالَى فَصَرَخَ صارخ هَكَذَا تكون جنائز أهل السّنة فتباكى النَّاس وضجوا عِنْد سَماع هَذَا الصَّارِخ وَوضع الشَّيْخ فِي مَوضِع الْجَنَائِز مِمَّا يَلِي الْمَقْصُورَة وَجلسَ النَّاس من كثرتهم وزحمتهم على غير صُفُوف بل مرصوصين رصا لَا يتَمَكَّن أحد من السُّجُود الا بكلفة يَعْنِي دَاخل الْجَامِع وخارجه الى الازقة والاسواق وَذَلِكَ قبل آذان الظّهْر بِقَلِيل وَجَاء النَّاس من كل مَكَان وَنوى خلق الصّيام لانهم لَا يتفرغون فِي هَذَا الْيَوْم لأكل وَلَا شرب وَكثر النَّاس كَثْرَة لَا تحد وَلَا تُوصَف فَلَمَّا فرغ من آذان الظّهْر أُقِيمَت الصَّلَاة عقبه على السدة بِخِلَاف الْعَادة فَلَمَّا فرغوا من الصَّلَاة خرج نَائِب الْخَطِيب لغيبة الْخَطِيب بِمصْر فصلى عَلَيْهِ إِمَامًا وَهُوَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْخَرَّاط ثمَّ خرج النَّاس من كل مَكَان من سَائِر أَبْوَاب الْجَامِع والبلد كَمَا ذكرنَا واجتمعوا بسوق الْخَيل وَمن النَّاس من تعجل بعد ان صلى فِي الْجَامِع الى مَقَابِر الصُّوفِيَّة وَالنَّاس فِي بكاء وتهليل فِي
مخافته كل وَاحِد فِي نَفسه وَفِي ثَنَاء وتأسف وَالنِّسَاء فَوق الاسطحة من هُنَاكَ الى الْمقْبرَة يبْكين ويدعين وَيَقُلْنَ هَذَا الْعَالم وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ يَوْمًا مشهودا لم يعْهَد مثله الا أَن يكون فِي زمن بني أُميَّة حِين كَانَ النَّاس بهَا كثيرين وَكَانَت دَار الْخلَافَة ثمَّ دفن رَحمَه الله تَعَالَى عِنْد أَخِيه قَرِيبا من أَذَان الْعَصْر على التَّحْدِيد وَلَا يُمكن أحدا حصر من حضر الْجِنَازَة وتقريب ذَلِك أَنه عبارَة عَمَّن أمكنه الْحُضُور من اهل الْبَلَد وحواضره وَلم يتَخَلَّف من النَّاس الا الْقَلِيل من الضُّعَفَاء والمخدرات وَمَا علمت أحدا من أهل الْعلم الا النَّفر الْيَسِير تخلف عَن الْحُضُور فِي جنَازَته وهم ثَلَاثَة أنفس ابْن جملَة والصدر والقحفازي وَهَؤُلَاء كَانُوا قد اشتهروا بمعاداته فاختفوا من النَّاس خوفًا على أنفسهم بِحَيْثُ علمُوا أَنهم مَتى خَرجُوا قتلوا وأهلكهم النَّاس وَتردد شَيخنَا الامام الْعَالم الْعَلامَة برهَان الدّين الْفَزارِيّ الى قَبره فِي الايام الثَّلَاثَة وَكَذَلِكَ جمَاعَة من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة وَكَانَ برهَان الدّين الْفَزارِيّ يَأْتِي رَاكِبًا على حِمَاره وَعَلِيهِ الْجَلالَة وَالْوَقار رَحمَه الله تَعَالَى وعملت لَهُ ختمات كَثِيرَة ورؤيت لَهُ منامات صَالِحَة عَجِيبَة ورثي باشعار كَثِيرَة وقصائد مُطَوَّلَة جدا وَقد أفردت لَهُ تراجم كَبِيرَة وصنف فِي ذَلِك جمَاعَة من الْفُضَلَاء وَقَالَ ابْن كثير ايضا وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ رحمه الله من كبار الْعلمَاء وَمِمَّنْ يُخطئ ويصيب وَلَكِن خطأه بِالنِّسْبَةِ الى صَوَابه كنقطة فِي بَحر لجي وخطؤه أَيْضا مغْفُور لَهُ كَمَا صَحَّ فِي البُخَارِيّ اذا اجْتهد الْحَاكِم فاصاب فَلهُ أَجْرَانِ واذا اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر فَهُوَ مأجور وَقَالَ الامام مَالك بن أنس كل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك الا صَاحب هَذَا الْقَبْر صلى الله عليه وسلم وَالله سبحانه وتعالى أعلم