الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
75 -
ابْن يُونُس المراغي
وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح الْعَالم العابد الزَّاهِد كَمَال الدّين أَبُو حَفْص عمر بن الياس بن يُونُس المراغي قدم دمشق فِي جُمَادَى الاولى سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَ عمره اذ ذَاك نيفا وَثَمَانِينَ سنة فَنزل بدار الحَدِيث الأشرفية دَاخل دمشق بعد ان كَانَ مجاورا بالقدس الشريف ثَلَاثِينَ سنة واقام بِمصْر خمس عشرَة سنة فِيمَا ذكره الْعَلامَة الْحَافِظ أَبُو الفدا اسماعيل بن كثير قَالَ وَهُوَ شيخ حسن المنظر ظَاهر الْوَضَاءَة عَلَيْهِ سيماء الْعِبَادَة ولديه علم وَتَحْقِيق وَذكر أَنه سَأَلَهُ عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية فَقَالَ هُوَ عِنْدِي رجل كَبِير الْقدر عَالم مُجْتَهد شُجَاع صَاحب حق كثير الرَّد على هَؤُلَاءِ الحلولية والإتحادية والإنية وَاجْتمعت بِهِ مرَارًا وشكرته على ذَلِك وَكَانَ أهل هَذَا الْمَذْهَب الْخَبيث يخَافُونَ مِنْهُ كثيرا وَكَانَ يَقُول لي أَلا تكون مثلي فَأَقُول لَهُ لَا استطيع
76 -
البرزالي
وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ الثِّقَة الْحجَّة مؤرخ الشَّام وَأحد محدثي الْإِسْلَام علم الدّين مُفِيد الْمُحدثين أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف ابْن مُحَمَّد بن أبي يداس البرزالي الإشبيلي الأَصْل الدِّمَشْقِي صَاحب التَّارِيخ الخطير والمعجم الْكَبِير كَانَ بأسماء الرِّجَال بَصيرًا وناقلا لأحوالهم تحريرا مولده فِيمَا وجدته بِخَطِّهِ فِي لَيْلَة عَاشر جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَمَات بخليص محرما فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَلَقَد حكى بعض مَشَايِخنَا عَنهُ أَنه كَانَ اذا قَرَأَ الحَدِيث وَمر بِهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قصَّة الرجل الَّذِي كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فوقصته نَاقَته وَهُوَ محرم فَمَاتَ الحَدِيث وَفِيه فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا
فَكَانَ إِذا قَرَأَهُ يبكي ويرق قلبه فَمَاتَ محرما بخليص كَمَا تقدم وَسمعت بعض مَشَايِخنَا يذكر أَن الْحفاظ الثَّلَاثَة الْمزي والذهبي والبرزالي اقتسموا معرفَة الرِّجَال فالمزي احكم الطَّبَقَة الأولى والذهبي الْوُسْطَى والبرزالي الْأَخِيرَة يَعْنِي كمشايخ عصره وَمن فَوْقهم بِقَلِيل وَمن بعدهمْ وَمن اطلع على مُعْجم البرزالي حقق ذَلِك وَفِيه يَقُول الذَّهَبِيّ فِيمَا أنبؤنا عَنهُ
…
ان رمت تفتيش الخزائن كلهَا
…
وَظُهُور أَجزَاء حوت وعوالي
ونعوت أَشْيَاخ الْوُجُود وَمَا رووا
…
طالع أَو اسْمَع مُعْجم البرزالي
…
وَهُوَ الَّذِي مدحه الشَّيْخ الْعَالم الأوحد أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن الْموصِلِي الطرابلسي الشَّافِعِي لما قدم حَاجا فِي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة
…
مَا زلت اسْمَع عَنْكُم كل عارفة
…
لمثلهَا وإليها يَنْتَهِي الْكَرم
وَكنت بِالسَّمْعِ أهواكم فَكيف وَقد
…
رأيتكم وبدا لي فِي الْهوى علم
…
وجدت على جُزْء فِيهِ ثَمَانِيَة أَحَادِيث منتقاة من جُزْء الْحسن بن عَرَفَة طبقَة سَماع بِخَط الْحَافِظ أبي مُحَمَّد ابْن البرزالي الْمَذْكُور وَهِي قَرَأَ هَذِه الاحاديث الثَّمَانِية شَيخنَا وَسَيِّدنَا الامام الْعَلامَة الاوحد الْقدْوَة الزَّاهِد العابد الْوَرع الْحَافِظ تَقِيّ الدّين شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سيد الْعلمَاء فِي الْعَالمين حبر الامة مقتدي الْأَئِمَّة حجَّة الْمذَاهب مفتي الْفرق أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية ادام الله بركته وَرفع دَرَجَته بِسَمَاعِهِ من ابْن عبد الدَّائِم بِسَنَدِهِ اعلاه فَسَمعَهَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن البرزالي وَهَذَا خطه وَحضر وَلَده أَبُو الْفضل مُحَمَّد وَهُوَ فِي الشَّهْر السَّابِع من عمره تبركا بِحَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وقصدا للبداءة بشيخ جليل الْقدر تعود عَلَيْهِ بركته وَينْتَفع بدعائه وَصَحَّ ذَلِك وَثَبت فِي يَوْم السبت التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَجَب سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة بسفح جبل قاسيون
هَذَا آخر هَذِه الطَّبَقَة الَّتِي وَجدتهَا بِخَط الْحَافِظ علم الدّين أبي مُحَمَّد بن البرزالي وَقد ذكر فِي مُعْجم شُيُوخه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَقَالَ احْمَد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس الإِمَام الْمجمع على فَضله ونبله وَدينه قَرَأَ الْقُرْآن وبرع فِيهِ والعربية والاصول وَمهر فِي علمي التَّفْسِير والْحَدِيث وَكَانَ إِمَامًا لَا يلْحق غباره فِي كل شَيْء وَبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَاجْتمعت فِيهِ شُرُوط الْمُجْتَهدين وَكَانَ اذا ذكر التَّفْسِير أبهت النَّاس من كَثْرَة محفوظه وَحسن ابراده واعطائه كل قَول مَا يسْتَحقّهُ من التَّرْجِيح والتضعيف والابطال وخوضه فِي كل علم كَانَ الْحَاضِرُونَ يقضون مِنْهُ الْعجب هَذَا مَعَ انْقِطَاعه الى الزّهْد وَالْعِبَادَة والاشتغال بِاللَّه تَعَالَى والتجرد من أَسبَاب الدُّنْيَا وَدُعَاء الْخلق الى الله تَعَالَى
وَكَانَ يجلس فِي صَبِيحَة كل جُمُعَة على النَّاس يُفَسر الْقُرْآن الْعَظِيم فَانْتَفع بمجلسه وبركة دُعَائِهِ وطهارة أنفاسه وَصدق نِيَّته وصفاء ظَاهره وباطنه وموافقة قَوْله لعمله وأناب الى الله تَعَالَى خلق كثير وَجرى على طَريقَة وَاحِدَة من اخْتِيَار الْفقر والتقلل من الدُّنْيَا ورد مَا يفتح بِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد البرزالي أَيْضا فِي تَارِيخه
وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ من ذِي الْقعدَة من سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة توفّي الشَّيْخ الامام الْعَلامَة الفقية الْحَافِظ الزَّاهِد الْقدْوَة شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين
ابو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن شَيخنَا الامام الْمُفْتِي شهَاب الدّين ابي المحاسن عبد الْحَلِيم ابْن الشَّيْخ الامام شيخ الاسلام مجد الدّين أبي البركات عبد السَّلَام بن عبد الله ابْن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي ثمَّ الدِّمَشْقِي بقلعة دمشق فِي القاعة الَّتِي كَانَ مَحْبُوسًا فِيهَا وَحضر جمع كثير الى القلعة فاذن لَهُم فِي الدُّخُول وَجلسَ جمَاعَة عِنْده قبل الْغسْل وقرأوا الْقُرْآن وتبركوا بِرُؤْيَتِهِ وَتَقْبِيله ثمَّ انصرفوا وَحضر جمَاعَة من النِّسَاء ففعلن مثل ذَلِك ثمَّ انصرفن وَاقْتصر على من يغسلهُ ويعين على غسله فَلَمَّا فرغ من ذَلِك وَقد اجْتمع النَّاس بالقلعة وَالطَّرِيق الى جَامع دمشق وامتلأ الْجَامِع وصحنه والكلاسة وَبَاب الْبَرِيد وَبَاب السَّاعَات الى اللبادين الى الفوارة
وَحَضَرت الْجِنَازَة فِي السَّاعَة الرَّابِعَة من النَّهَار أَو نَحْو ذَلِك وَوضعت فِي الْجَامِع والجند يحفظونها من النَّاس من شدَّة الزحام وَصلى عَلَيْهِ أَولا بالقلعة تقدم فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ الشَّيْخ مُحَمَّد بن تَمام ثمَّ صلى عَلَيْهِ بِجَامِع دمشق عقيب صَلَاة الظّهْر وَحمل من بَاب الْبَرِيد وَاشْتَدَّ الزحام وَذكر بَقِيَّة ذَلِك وَصفَة دَفنه وَجَمَاعَة سمع مِنْهُم الحَدِيث ثمَّ قَالَ وَخلق كثير سمع مِنْهُم الحَدِيث وَقَرَأَ بِنَفسِهِ الْكثير وَطلب الحَدِيث وَكتب الطباق والاثبات ولازم السماع بِنَفسِهِ مُدَّة سِنِين وَقل ان سمع شَيْئا إِلَّا حفظه ثمَّ اشْتغل بالعلوم وَكَانَ ذكيا كثير الْمَحْفُوظ فَصَارَ اماما فِي التَّفْسِير وَمَا يتَعَلَّق بِهِ عَارِفًا بالفقه فَيُقَال إِنَّه كَانَ اعرف بِفقه الْمذَاهب من أَهلهَا الَّذين كَانُوا فِي زَمَانه وَغَيره وَكَانَ عَالما باخْتلَاف الْعلمَاء عَالما بالاصول وَالْفُرُوع والنحو واللغة وَغير ذَلِك من الْعُلُوم النقلية والعقلية وَمَا قطع فِي مجْلِس وَلَا تكلم مَعَه فَاضل فِي فن من فنون الْعلم الا ظن ان ذَلِك الْفَنّ فنه وَرَآهُ عَارِفًا بِهِ متقنا لَهُ واما الحَدِيث فَكَانَ حَامِل رايته حَافِظًا لَهُ مُمَيّزا بَين صَحِيحه وسقيمه عَارِفًا بِرِجَالِهِ متضلعا من ذَلِك وَله تصانيف كَثِيرَة وتعاليق مفيدة فِي الاصول وَالْفُرُوع كمل مِنْهَا جملَة وبيضت وكتبت عَنهُ وقرئت عَلَيْهِ
أَو بَعْضهَا وَجُمْلَة كَثِيرَة لم يكملها وَجُمْلَة كملها وَلم تبيض الى الْآن واثنى عَلَيْهِ وعَلى فضائله وعلومه جمَاعَة من عُلَمَاء عصره مثل القَاضِي الْجُوَيْنِيّ وَابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن النّحاس وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ قَاضِي قُضَاة مصر ابْن الحريري وَابْن الزملكاني وَغَيرهم
وَقَالَ قبل ذَلِك وَكَانَ دَفنه وَقت الْعَصْر أَو قبلهَا بِيَسِير وَذَلِكَ من كَثْرَة من يَأْتِي وَيُصلي عَلَيْهِ من أهل الْبَسَاتِين واهل الغوطة واهل الْقرى وَغَيرهم وغلق النَّاس حوانيتهم وَلم يتَخَلَّف عَن الْحُضُور الا من هُوَ عَاجز عَن الْحُضُور مَعَ الترحم وَالدُّعَاء لَهُ وانه لَو قدر مَا تخلف وَحضر نسَاء كَثِيرَة بِحَيْثُ حزرن بِخَمْسَة عشر الف امْرَأَة غير اللَّاتِي كن على الاسطحة وغيرهن الْجَمِيع يترحمن عَلَيْهِ ويبكين عَلَيْهِ فِيمَا قيل واما الرِّجَال فحرزوا سِتِّينَ ألفا الى مائَة ألف الى أَكثر من ذَلِك الى مِائَتي ألف
وَلما اشار الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد ابْن البرزالي الى عظم جَنَازَة الامام احْمَد بن حَنْبَل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ وَلَا شكّ ان جَنَازَة أَحْمد بن حَنْبَل كَانَت هائلة عَظِيمَة بِسَبَب كَثْرَة أهل بَلَده واجتماعهم لذَلِك وتعظيمهم لَهُ وان الدولة كَانَت تحبه وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية رحمه الله توفّي ببلدة دمشق وَأَهْلهَا لَا يعشرُونَ أهل بَغْدَاد حِينَئِذٍ كَثْرَة وَلَكنهُمْ اجْتَمعُوا لجنازته اجتماعا لَو جمعهم سُلْطَان قاهر وديوان حاصر لما بلغُوا هَذِه الْكَثْرَة الَّتِي اجتمعوها فِي جنَازَته وانتهوا اليها هَذَا مَعَ ان الرجل مَاتَ بالقلعة مَحْبُوسًا من جِهَة السُّلْطَان
وَكثير من الْفُقَهَاء والفقراء يذكرُونَ عَنهُ للنَّاس اشياء كَثِيرَة مِمَّا ينفر مِنْهَا أهل الاديان فضلا عَن أهل الاسلام وَهَذِه كَانَت جنَازَته رَحْمَة الله عَلَيْهِ