الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلخيصه، وقد رواه البيهقي في سننه من طريق الحاكم، ورواه الشافعي في مسنده من حديث ابن جرير عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلاً. قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك» .
وفي هذا الحديث دليل على المنع من بدعتي المأتم والمولد لأنهما من المحدثات في الإسلام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وقد تقدم هذا الحديث في البرهان السادس عشر والبرهانين بعده، والبدع والضلالات كلها مخالفة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو خير الهدي، وما خالف هديه فهو مردود لقوله صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وقد ذكرت في البرهان الرابع والعشرين أن بدعة المأتم من النياحة، والنياحة من أمر الجاهلية، وأما بدعة المولد فهي مأخوذة من عمل النصارى في مولد المسيح، وما كان من سنن المشركين والنصارى فالعمل به حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من تشبه بقوم فهو منهم» .
وفي الحديث أيضاً أبلغ رد على صاحب المقال الباطل وعلى أمثاله من المفتونين ببدعتي المأتم والمولد.
البرهان الثامن والعشرون:
ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث أنه حصر الأعياد الزمانية في سبعة أيام وهي يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة وأيام التشريق الثلاثة، فمن هذه الأحاديث ما رواه مالك في الموطأ والشافعي في مسنده من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبيد بن السباق أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - قال: في جمعة من الجمع: «يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيداً فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك» وقد رواه ابن ماجه والطبراني من حديث صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه، قال في الزوائد. في إسناده صالح بن الأخضر لينه الجمهور وباقي رجاله ثقات، قلت وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع:«معاشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله لكم عيداً فاغتسلوا وعليكم بالسواك» رواه الطبراني في الأوسط والصغير، قال الهيثمي: ورجاله ثقات. ولبعضه شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده» رواه الإمام أحمد والبخاري في الكنى وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه. وقال أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد إسناده صحيح، والأحاديث التي جاء فيها النص على أن يوم الجمعة عيد من أعياد المسلمين كثيرة وقد تركت ذكرها خشية الإطالة، وفيما ذكرته ههنا كفاية إن شاء الله تعالى.
ومما جاء في عيدي الفطر والأضحى ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: «ما هذان اليومان» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل قد أبدلكم بهما خيراً منها يوم الأضحى ويوم الفطر» قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
ومما جاء في عيد الأضحى أيضاً وفي يوم عرفة وأيام التشريق ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم ي مستدركه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن يوم النحر ويوم عرفة وأيام التشريق هن عيدنا أهل الإسلام وهن أيام أكل وشرب» قال الترمذي حديث حسن صحيح وقال: الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
فهذه أعياد المسلمين الزمانية، وأما أعيادهم المكانية فهي منحصرة في مواضع الحج ومشاعره، فالكعبة والمسجد الحرام والصفا والمروة وموضع السعي بينهما عيد للحجاج والمعتمرين. وعرفات ومزدلفة ومنى أعياد للحجاج في أيام الحج، فمن اتخذ عيداً مكانياً سوى مواضع الحج والعمرة أو اتخذ عيداً زمانياً سوى السبعة الأيام التي تقدم ذكرها في الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ابتدع في الدين وتشبه بالنصارى والمشركين واستدرك على الشريعة الكاملة وخالف الأمر الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وما أعظم ذلك وأشد خطره لأن الله تعالى يقول:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وما أكثر المخالفين للأمر الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وخصوصاً في ابتداع الأعياد المكانية والزمانية، فأما الأعياد المكانية فكثيرة جداً، وقد افتتن بها جمهور المنتسبين إلى الإسلام وذلك باتخاذهم القبور مساجد وأعياداً يجتمعون عندها ويشدوه الرحال إليها من الأماكن القريبة والبعيدة ويفعلون عندها من منكرات الأقوال والأفعال ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وقد عاد كثير منها شراً من اللات والعزى وغيرهما من أوثان أهل الجاهلية.
وأما الأعياد الزمانية فكثيرة جداً، ومن أعظمها فتنة وأكثرها انتشاراً في الأقطار الإسلامية بدعة الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيداً مضاهياً لعيد الفطر وعيد الأضحى، وقد افتتن بهذه البدعة كثير من المنتسبين إلى العلم فضلاً عن العوام، وقد تلاعب الشيطان ببعض المنتسبين إلى العلم وزين لهم اللغو في هذه البدعة والتعصب لها والدفاع عنها بالشبه والأباطيل الملفقة، وزاد اللغو والجراءة الهوجاء ببعضهم فزعموا أن الاحتفال بالمولد مطلوب شرعاً وزعموا أيضاً أنه مشروع في الإسلام، وهذا من الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وزعموا أيضاً أن الاحتفال سنة حسنة محمودة مباركة، وهذا من الاستدراك على الشريعة الكاملة فقد قال الله تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} وهذه الآية الكريمة من آخر القرآن نزولاً لأنها أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو واقف بعرفة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يفعلون بدعة المولد ولم يكن لها ذكر في زمانهم، وإنما أحدثت بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من ستمائة سنة، وما كان بهذه المثابة فهو خارج عن الدين الذي أكمله الله لهذه الأمة، وخارج عن النعمة التي أتمها عليهم، وخارج عن دين الإسلام الذي رضيه لهم، وغايته أن يكون من الاستدراك على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قد شرع على لسانه سبعة أعياد زمانية فجاء المفتونون بالمولد النبوي فجعلوه عيداً يحتفلون به أعظم مما يحتلفون بالأعياد المشروعة للمسلمين، وهذا عين المشاقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم واتباع غير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان وقد قال الله تعالى:{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} .