الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«إن الله جعل الحق على لسان عمر يقول به» وروى الإمام أحمد أيضاً وأبو داود وابن ماجه والحاكم في مستدركه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به» قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وقال الذهبي في تلخيصه: على شرط مسلم. وروى الإمام أحمد أيضاً وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» وروى الإمام أحمد أيضاً والترمذي وابن ماجه والبخاري في التاريخ والحاكم في مستدركه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» قال الترمذي هذا حديث حسن وصححه الحاكم والذهبي.
وفي قول عمر رضي الله عنه أبلغ رد على صاحب المقال الباطل وعلى أمثاله من المفتونين ببدعة المأتم لأن عمر رضي الله عنه قد عدّ الاجتماع إلى أهل الميت وإطعامهم الطعام من النياحة. والنياحة من أمر الجاهلية من كبائر الإثم كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، ولا يقول بجوازها إلا أحد رجلين إما جاهل بحدود الشرع وإما مكابر لا يبالي بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النياحة وما جاء عنه من التشديد فيها والنص على أنها من أمر الجاهلية.
البرهان الثلاثون:
ما رواه الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة» وقد رواه ابن ماجه بإسنادين صحيحين أحدهما على شرط البخاري والآخر على شرط مسلم، وبوّب عليه بقوله: «باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة
الطعام» قال السندي قوله: «كنا نرى، هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة أو تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى الثاني فحكمه الرفع وعلى التقديرين فهو حجة» انتهى.
وفي هذا الأثر دليل على المنع من إقامة الولائم في المآتم لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن ذلك من النياحة، والنياحة حرام لأنها من أمر الجاهلية، والدليل على أنها من أمر الجاهلية قول النبي صلى الله عليه وسلم:«أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة» رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع بن الجراح عن سفيان عن هلال بن خباب عن أبي البختري قال:«الطعام على الميت من أمر الجاهلية والنوح من أمر الجاهلية» وقد ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن هلال بن خباب عن أبي البختري، وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن فضالة بن حصين عن عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال:«ثلاث من أمر الجاهلية بيتوتة المرأة عند أهل المصيبة ليست منهم والنياحة ونحر الجزور عند المصيبة» وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن ليث عن سعيد بن جبير قال: «ثلاث من عمل الجاهلية النياحة والطعام على الميت وبيتوتة المرأة عند أهل الميت ليست منهم» .
وإذا علم أن إقامة الولائم في المآتم من أمر الجاهلية فليعلم أيضاً أن التشبه بأهل الجاهلية حرام شديد التحريم. والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» وقوله أيضاً: «ليس منا من تشبه بغيرنا» وقوله أيضاً: «هدينا مخالف لهديهم» يعني المشركين، وقد ذكرت هذه الأحاديث قريباً فلتراجع.
وقد ذكر كثير من الفقهاء أن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام للناس بدعة. وقال بعضهم أنها بدعة مستقبحة، واقتصر بعضهم على القول بأن ذلك مكروه، والظاهر أنهم أرادوا بالكراهة كراهة التحريم لأنهم عللوا المنع من ذلك بأنه من النياحة واستدلوا على ذلك بحديث جرير بن عبد الله البجلي الذي تقدم ذكره، والنياحة من الكبائر، والكبائر كلها محرمة. وقد منع الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى من بدعة المأتم، قال ابن أبي شيبة: حدثنا معن بن عيسى عن ثابت بن قيس قال: أدركت عمر بن عبد العزيز يمنع أهل الميت الجماعات يقول ترزون وتغرمون، وقد قال محمد بن سيرين وغيره من أكابر التابعين أن عمر بن عبد العزيز من أئمة الهدى، وقد تقدم قول ابن ماجه في سننه:«باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام» ثم أورد في الباب حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية: وأما صنعة أهل الميت طعاماً يدعون الناس إليه فهذا غير مشروع وإنما هو بدعة انتهى، ونقل العلّامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في كتابه «عون المعبود» قول ابن الهمام في «فتح القدير»: شرح الهداية، يستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم، ويكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة انتهى قال أبو الطيب: ويؤيده حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: «كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة» أخرجه ابن ماجه.
وبوّب «باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام» وهذا الحديث سنده صحيح ورجاله على شرط مسلم قاله السندي، وقال أيضاً قوله:«كنا نرى» هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة أو تقرير من
النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى الثاني فحكمه الرفع، وعلى التقديرين فهو حجة، وبالجملة فهذا عكس الوارد، إذ الوارد أن يصنع الناس الطعام لأهل الميت، فاجتماع الناس في بيتهم حتى يتكلفوا لأجلهم الطعام قلبٌ لذلك، وقد ذكر كثير من الفقهاء أن الضيافة لأهل الميت قلبٌ للمعقول لأن الضيافة حقاً أن تكون للسرور لا للحزن انتهى. وقوله إن الضيافة لأهل الميت، معناه من أهل الميت وهي إقامتهم الولائم للعزاء.
وقد نقل المباركفوري في كتابه «تحفة الأحوذي» قول ابن الهمام يكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستحقة، قال: وقال القاري واصطناع أهل الميت الطعام لأجل اجتماع الناس عليه بدعة مكروهة، بل صح عن جرير رضي الله عنه «كنا نعده من النياحة» وهو ظاهر في التحريم انتهى.
ونقل النووي في الروضة وشرح المهذب عن صاحب الشامل أنه قال: وأما إصلاح أهل الميت طعاماً وجمعهم الناس عليه فلم ينقل فيه شيء، قال وهو بدعة غير مستحبة. قال النووي وهو كما قال انتهى.
واستدل في «شرح المهذب» على كونه بدعة بحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه الذي تقدم ذكره، وقال: رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه بإسناده صحيح.
ونقل الشيخ محمد الشربيني الخطيب في «مغني المحتاج، إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» عن ابن الصباغ وغيره أنهم قالوا: أما إصلاح أهل الميت طعاماً وجمع الناس عليه فبدعة غير مستحب، ثم استدل على كونه بدعة بحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه الذي تقدم ذكره.
وقال شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي في كتابه: «نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج» ويكره كما في
الأنوار وغيره أخذاً من كلام الرافعي والمصنف - يعني النووي - أنه بدعة لأهله صنع طعام يجمعون الناس عليه قبل الدفن وبعده لقول جرير: «كنا نعدّ ذلك من النياحة» انتهى.
وقال ابن الحاج في «المدخل» : وأما إصلاح أهل الميت طعاماً وجمع الناس عليه فلم ينقل فيه شيء وهو بدعة غير مستحب، قال وقد سئل مالك رحمه الله عن جمع الناس على العقيقة فأنكر ذلك وقال: تشبه بالولائم، قال ابن الحاج: فإذا كان هذا قوله في العقيقة فما بالك به في الطعام الذي اعتاد بعضهم عمله في بيت الميت وجمع الناس عليه، قال: وقال أزهر بن عبد الله من صنع طعاماً لرياء وسمعة لم يستجب الله لمن دعا له ولم يخلف الله عليه نفقة ما أنفق، قال ابن الحاج: وإذا كان هذا في وليمة العرس والختان فما بالك بما اعتاده بعضهم في هذا الزمان من أن أهل الميت يعملون الطعام ثلاث ليالٍ ويجمعون الناس عليه عكس ما حكي عن السلف رضي الله عنهم، فليحذر من فعل ذلك فإنه بدعة مكروهة انتهى.
وقول صاحب الشامل وابن الحاج: إن إصلاح أهل الميت للطعام وجمعهم الناس عليه لم ينقل فيه شيء، وإن أرادا أنه لم ينقل شيء يدل على جواز ذلك فنعم هو كذلك فإنه لم ينقل شيء يدل على جوازه، وإن أرادا أنه لم ينقل شيء يدل على المنع منه فيقال بل قد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه عده من النياحة وتقدم ذكر ذلك عنه، وتقدم أيضاً عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنهم كانوا يعدونه من النياحة، وهذا حكاية إجماع من الصحابة رضي الله عنهم على عده من النياحة، والنياحة حرام وكبيرة من الكبائر، وجميع الآيات والأحاديث التي تقدم ذكرها في البراهين السبعة والعشرين تدل على المنع منه، وقد تقدم بيان ذلك في
الكلام على كل برهان منها فليراجع.
وفي الأثر عن جرير رضي الله عنه أنهم كانوا يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة، وما ذكر بعده عن أبي البختري وسعيد بن جبير أنهما قالا في إقامة الولائم في المآتم: إنه من أمر الجاهلية، وما ذكر أيضاً عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يمنع من ذلك، وما ذكر أيضاً من أقوال العلماء في عد ذلك من البدع، وقول بعضهم إنها بدعة مستقبحة وأنها من قلب المعقول، كل ذلك فيه أبلغ رد على صاحب المقال الباطل وعلى أمثاله من المفتونين ببدعة المأتم.
وفي كل برهان من البراهين التي تقدم ذكرها أبلغ رد على تحدي صاحب المقال الباطل على الإتيان ببرهان يدل على المنع من بدعتي المأتم والمولد فكيف وقد اجتمع من البراهين الدالة على المنع من بدعتي المأتم والمولد سبعة وعشرون برهاناً من الكتاب والسنة، وجاء في المنع من بدعة المولد زيادة برهان من السنة، وفي المنع من بدعة المأتم زيادة برهانين من قول عمر رضي الله عنه أن ذلك من النياحة، وما ذكره جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يعدون ذلك من النياحة، وبهذا تصير البراهين على المنع من بدعة المولد ثمانية وعشرين برهاناً، وعلى المنع من بدعة المأتم تسعة وعشرين برهاناً، ولا يخفى على طالب العلم أنه يكفي للمنع من كل واحدة من البدعتين برهان واحد فكيف وقد اجتمع على المنع من كل منهما عدد كثير من البراهين. فليتق الله صاحب المقال الباطل وليتأمل الآيات والأحاديث التي ذكرتها حق التأمل وليراجع الحق فإن الرجوع إلى الحق نبل وفضيلة كما أن التمادي في الباطل والإصرار عليه نقص ورذيلة ومن خفت عليه دلالة البراهين المذكورة على المنع من بدعتي المأتم والمولد أو خفي عليه شيء منها فليعلم أنه إنما أتي من سوء فهمه للآيات والأحاديث. وليعرف
قدر نفسه ولا يتطاول على الذين هم أعلم بالكتاب والسنة منه، ومن ظهرت له دلالتها على المنع من البدع ولم يقتنع بذلك فلا شك أنه مكابر محاد لله ولرسوله ومتبع غير سبيل المؤمنين.
فصل
قال صاحب المقال الباطل: إني لم آت في كلمتي ما يخالف العقيدة الصحيحة.
والجواب: أن يقال إن صاحب المقال الباطل قد خالف الأدلة الدالة على المنع من بدعتي المأتم والمولد وهي كثيرة جداً في الكتاب والسنة، وقد ذكرت منها ثلاثين دليلاً فيما تقدم. ومن خالف أدلة الكتاب والسنة ونبذها وراء ظهره ولم يعبأ بها فلا شك أنه قد خالف العقيدة الصحيحة، وهي طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وتحكيم الكتاب والسنة في محل النزاع قال الله تعالى:{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} وقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً} وقال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر في خطبه من محدثات الأمور ويبالغ في التحذير منها ويصفها بالشر والضلالة ويقول إنها في النار ويأمر بردها، وكل من بدعتي المأتم والمولد من محدثاتها الأمور الداخلة في عموم ما حذر منه رسول الله
- صلى الله عليه وسلم وأمر برده، فمن امتثل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باجتناب المحدثات وامتثل أمره بردها فقد استقام على العقيدة الصحيحة. ومن خالف أمره وارتكب نهيه ولم يبال بتحذيره من المحدثات فهو مخالف للعقيدة الصحيحة شاء أم أبى.
فصل
وقال صاحب المقال الباطل إنه سيظل يطالب خطباء المساجد وخطيب المسجد الحرام بالذات بأن يتركوا الأمور الخلافية وأن يعظوا ويأمروا وينهوا ويخاطبوا الناس عن المنكرات المجمع عليها ويدعوهم إلى الخيرات. منعاً للبلبلة وتشويش الأذهان وإعطاء فكرة سيئة عن الإسلام، ثم أورد قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه» .
والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال: إن خطباء المساجد وخطيب المسجد الحرام بالذات لم ينهوا الناس عن الأمور الخلافية كما قد زعم ذلك صاحب المقال الباطل وإنما كانوا ينهون الناس عما هو مخالف لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من البدع ومنكرات الأقوال والأفعال، ومن رزقه الله السلامة من تقليد الآباء والشيوخ فيما يفعلونه من العادات المبتدعة التي وجدوا آبائهم وشيوخهم يعملون بها لم يخف عليه أن خطباء المساجد وخطيب المسجد الحرام بالذات لم يخرجوا عن الطريق المستقيم وإنما كانوا ينهون الناس عن الأمور المحرمة التي لا خلاف في تحريمها، وأما من أعماه التقليد للآباء والشيوخ فإنه لا بد أن يرى الحق في صورة الباطل أو على الأقل في صورة الأمور الخلافية، وأن يرى الباطل في صورة الحق كما هو الواقع من أهل اللغو في بدعتي المأتم
والمولد، وقد دعاهم الغلو في هاتين البدعتين إلى التعصب لهما والدفاع عنهما بالشبه الملفقة والجدال بالباطل.
الوجه الثاني: أن يقال كل ما خالف الكتاب والسنة فهو من المنكرات بالإجماع قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} ولا يخفى على طالب العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر ببدعتي المأتم والمولد ولم يفعلهما ولم يقر أحداً على فعلهما، ولا يخفى أيضاً أنهما إنما أحدثتا بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، وكل أمر ليس عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه كائناً من كان، وفاعله متعرض للوعيد الشديد المذكور في الآية الكريمة من سورة النور.
الوجه الثالث: أن يقال إن البلبلة وتشويش الأذهان وإعطاء الفكرة السيئة عن الإسلام هي في الحقيقة واقعة من المصرِّين على فعل الأمور المبتدعة المخالفة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وهؤلاء المخالفون للكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم لم يكتفوا بالإصرار على فعل البدع بل ضموا إلى ذلك الدفاع عنها بالشبه والأباطيل والحجج الداحضة، وهذا عين المشاقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم واتباع غير سبيل المؤمنين. وقد قال الله تعالى:{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} .
فأما خطباء المساجد الذين ينهون الناس عن البدع التي قد دل الكتاب والسنة على المنع منها ويأمرون الناس بلزوم الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم فهؤلاء قد أحسنوا غاية الإحسان
وقاموا بما يجب عليهم من النصيحة للمسلمين ودعوتهم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيم عن المنكر، ومن لام هؤلاء على ما قاموا به من جهاد أهل البدع هو الملوم على الحقيقة.
الوجه الرابع: أن يقال كل ما خالف الكتاب والسنة فهو من الحرام البيّن وليس من الأمور المشتبهة، ومن ذلك العمل ببدعتي المأتم والمولد لأن بدعة المأتم من النياحة، والنياحة من الكبائر، والكبائر كلها من الحرام البينّ، وأما بدعة المولد فإنها من الزيادة على الأعياد التي شرعها الله تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، والزيادة على الأمر المشرع من الحرام البينّ لأنها تستلزم الاستدراك على الشريعة الكاملة وذلك من أعظم الأشياء حرمة وأشدها خطراً، ومن زاد على الأمر المشروع فقد تعرض للوعيد الشديد لأن الله تعالى يقول:{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم} فوصف الزائدين على الأمور المشروعة بالظلم وتوعدهم بالعذاب الأليم، فليحذر المصرُّون على بدعتي المأتم والمولد وغيرهما من البدع من هذا الوعيد الشديد.
فصل
وقال صاحب المقال الباطل في الأول من تعليقاته الخاطئة، إن الاحتفال بالمولد النبوي أو تقديم الطعام في المآتم ليس من شعائر الدين ولا أتصور أن أحداً يعتبرها عبادة أو سنة أو عملاً دينياً يثاب فاعله ويعاقب تاركه.
والجواب: أن يقال قد اعترف صاحب المقال الباطل أن بدعتي المولد والمأتم ليستا من شعائر الدين، وهذا الاعتراف يتضمن الاعتراف
بأنهما من البدع، والبدع كلها شر وضلالة وكلها في النار كما جاء ذلك في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من البدع غاية التحذير ويأمر بردها على وجه العموم، وقد تقدمت الأحاديث بذلك فلتراجع.
وأما قوله ولا أتصور أن أحداً يعتبرها عبادة أو سنة أو عملاً دينياً يثاب فاعله ويعاقب تاركه.
فجوابه: أن يقال قد زعم بعض المفتونين ببدعة المولد أن الاحتفال به مطلوب شرعاً وأنه مشروع في الإسلام وأنها بدعة حسنة محمودة، وزعم بعضهم أنه سنة مباركة، ونقل عن السيوطي أنه قال: إن عمل المولد من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها، وقد رددت على هذه الأقوال الباطلة في كتابي المسمى «الرد القوي، على الرفاعي والمجهول وابن علوي، وبيان أخطائهم في المولد النبوي» فليراجع الكتاب فإن فيه رداً على صاحب المقال الباطل وعلى غيره من المفتونين ببدعة المولد النبوي.
وأما بدعة المأتم فقد قال صاحب المقال الباطل في مقاله الأول المنشور في جريدة الندوة الصادرة في اليوم الثاني من شهر ربيع الثاني سنة 1405 هـ وهو المقال الذي قد رددت عليه في القسم الأول من هذا الكتاب، قال فيه عن أهل الميت الذين يقيمون المأدبة في المأتم أنهم يطعمون الفقير والفقيرات، وفي كلامه هذا رد على قوله أنه لا يتصور أن أحداً يعتبرها عبادة أو سنة أو عملاً دينياً يثاب فاعله فإن إطعام الفقراء عبادة وعمل ديني يثاب فاعله ولكنه لم يشرع لأهل الميت في أيام المصيبة وإنما المشروع في حقهم أن يصنع لهم الطعام لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر: «اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم ما
يشغلهم» رواه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضاً الحاكم والذهبي. وروى الإمام أحمد وابن ماجه أيضاً عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها نحو حديث ابنها عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما.
فصل
وقال صاحب المقال الباطل إن ما يمكن أن يجري ضمن الاحتفال بالمولد أو المآتم من قراءة للقرآن أو ذكر لله أو صلاة على رسوله بالطريقة المشروعة فتلك هي العبادة التي يجب أن تكون وفق ما شرع الله.
والجواب: أن يقال إن الله تعالى لم يأمر بالاحتفال بالمولد النبوي ولا بالمآتم ولم يأمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ولم يقر أحداً على فعله ولم يفعل ذلك الصحابة رضي الله عنهم، ولم يرد في الشريعة الكاملة ما يدل على تخصيص ليلة المولد النبوي وأيام المصائب بقراءة القرآن وذكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فمن خصص ليلة المولد أو أيام المصائب بأعمال ليس عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم فأعماله مردودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وفي هذا الحديث الصحيح أبلغ رد على قول صاحب المقال إن ما يمكن أن يجري ضمن الاحتفال بالمولد أو المآتم من قراءة للقرآن أو ذكر لله أو صلاة على رسوله أنها عبادة يجب أن تكون وفق ما شرع الله.
وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم
ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» ولم يكن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من سنة الخلفاء الراشدين المهديين تخصيص ليلة المولد النبوي وأيام المصائب بقراءة القرآن وذكر الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ولا من سنة الخلفاء الراشدين المهديين فهو من الأعمال المحدثة التي يجب ردها عملاً بالحديث الصحيح.
فصل
وقال صاحب المقال الباطل والبدعة المنكرة كما عرّفها فقهاء الإسلام: «هي كل طريقة مخترعة في الدين تضاهي الشريعة» وحفلات المولد أو المآتم ليست من الدين أبداً، ومقارنة صنع الطعام في المآتم بالنياحة مقارنة غير صحيحة.
والجواب عن هذا من وجوه أحدها: أن يقال إن صاحب المقال الباطل قد اعترف أن حفلات المولد والمآتم ليست من الدين أبداً، ويلزم على هذا الاعتراف منه أن يعترف أنها حفلات محدثة في الإسلام، وإن لم يعترف بهذا فكلامه متناقض. والكلام المتناقض مطروح ومردود على قائله.
الوجه الثاني: أن أقول قد ذكرت فيما تقدم أن الله تعالى شرع لهذه الأمة سبعة أعياد زمانية على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهي يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة وأيام التشريق الثلاثة، وقد أحدث الناس أعياداً زمانية لم يأمر الله بها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يعمل بها أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ومنها الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيداً مضاهياً للأعياد المشروعة. بل إن كثيراً من
الجهال في مشارق الأرض ومغاربها يحتفلون بالمولد النبوي أعظم مما يحتفلون بعيد الفطر وعيد الأضحى. وذلك من إضلال الشيطان لهم وتعظيمه لبدعة المولد في نفوسهم كما أخبر الله عنه أنه قال: {ولأضلنهم} وقد بلغ من إضلال الشيطان لبعض المفتونين ببدعة المولد أن جعلوها من الدين، فزعم بعضهم أن الاحتفال بالمولد مطلوب شرعاً وأنه مشروع في الإسلام، وزعموا أيضاً أنها بدعة حسنة محمودة، وزعموا أيضاً أنها سنة مباركة، وزعموا أيضاً أنها من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها. وقد ذكرت هذه الأقوال الباطلة مع الرد عليها في كتابي المسمى بـ «الرد القوي» ، على الرفاعي والمجهول وابن علوي. وبيان أخطائهم في المولد النبوي» فلتراجع هناك، ولا يخفى ما في هذه الأقوال الباطلة من المعارضة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد المحدثات والأعمال التي ليس عليها أمره وعدم المبالاة بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المحدثات ومبالغته في التحذير منها وقد قال الله تعالى:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} .
الوجه الثالث: أن يقال لا يخفى ما في الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام للناس من المضاهاة لحفلات النكاح التي شرعها الله تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ،وشتان ما بين أيام الفرح والسرور وأيام المصائب والأحزان، وقد ذكرت فيما تقدم قريباً عن ابن الهمام أنه قال في اتخاذ الضيافة من أهل الميت أنها بدعة مستقبحة، وذكرت أيضاً ما ذكره صاحب «عون المعبود» عن كثير من الفقهاء أنهم قالوا إن الضيافة من أهل الميت قلبٌ للمعقول وعللوا ذلك بأن الضيافة إنما تكون للسرور لا للحزن.
وأما قول صاحب المقال الباطل إن مقارنة صنع الطعام في المآتم بالنياحة مقارنة غير صحيحة.
فجوابه: أن يقال هذا قول باطل مردود بما رواه ابن أ [ي شيبة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يعد الاجتماع إلى أهل الميت وإطعام الطعام من النياحة، ومردود أيضاً بما رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال:«كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة» وهذا حكاية إجماع من الصحابة رضي الله عنهم على عدّ الحفلات التي تقام في المآتم من النياحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» وفي رواية «إن الله جعل الحق على لسان عمر يقول به» وقال صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» وقد ذكرت هذه الأحاديث قريباً فلتراجع.
وإذا علم هذا فليلعم أيضاً أن اطّراح قول الخليفة الراشد الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه وعدم المبالاة به ليس بالأمر الهيّن، وكذلك اطّراح ما حكاه جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن الصحابة رضي الله عنهم ليس بالأمر الهيّن، ويلزم على اطّراح قول عمر رضي الله عنه اطّراح قول النبي صلى الله عليه وسلم:«اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» واطّراح قوله أيضاً: «إن الله جعل الحق على لسان عمر يقول به» وما لزم عليه اطّراح قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو قول سوء يجب رده على قائله والتحذير من الاغترار به، وكذلك اطّراح قول عمر رضي الله عنه وما ذكره جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن الصحابة رضي الله عنهم لا شك أنه قول سوء يجب رده على قائله والتحذير من الاغترار به.
وبعد فهل يقول رجل له عقل ودين في قول عمر رضي الله عنه حيث عدّ الاجتماع إلى أهل الميت وإطعام الطعام من النياحة إن هذه مقارنة غير صحيحة، وهل يقول رجل له عقل ودين في قول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه:«كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة» إنها مقارنة غير صحيحة، كلّا إن الذي له عقل ودين لا يستسيغ تخطئة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا تخطئة غيره من الصحابة رضي الله عنهم ولا يستجيز ذلك، ومن المعلوم الذي لا يشك فيه عاقل له علم ومعرفة بالصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا أعلم الأمة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبما هو موافق لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو مخالف له، وعلى هذا فمن خالف إجماعهم على عد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة فإنه يخشى عليه من الوعيد الذي توعد الله به من شاق الرسول واتبع غير سبيل المؤمنين.
فصل
وقال صاحب المقال الباطل، ثانيا: أن الصفة التي تنطبق على حفلات المولد أو الطعام في المآتم أنها عادات اجتماعية كحفلات الزواج والأعياد والتكريم والقدوم من السفر وتخضع مقاييسها والحكم عليها على ضوء ما يجري فيها فإن جرى فيها حرام فهي حرام، وإن خلت من المعاصي وجرى فيها خير فإنها تكون خيراً، وهذا ما قاله كثير من العلماء.
والجواب: عن هذا من وجوه أحدها أن يقال إن الاحتفال بالمولد قد جعله الجهال عيداً مضاهياً للأعياد التي شرعها الله تعالى على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو من المحدثات والأعمال التي ليس
عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده ولم يأمر بالاحتفال به ولم يقر أحداً على الاحتفال به، بل إنه لم يكن يفعل في زمانه وزمان أصحابه رضي الله عنهم وإنما حدث الاحتفال به بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو من ستمائة سنة، وفي الاحتفال بالمولد النبوي مشابهة تامة للنصارى فإنهم كانوا يحتفلون بمولد المسيح ويعظمونه، وما كان بهذه المثابة فهو داخل في عموم ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر برده حيث قال في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وقال في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» وقال في حديث عائشة رضي الله عنها: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» أي مردود.
وأما الطعام الذي يصنعه أهل الميت للناس فهو من المحدثات والأعمال التي ليس عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه مضاهاة لما شرعه الله تعالى على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من عمل الولائم في النكاح، وفيه أيضاً مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل الميت فإنه صلى الله عليه وسلم قد أمر أهله أن يصنعوا الطعام لأهل الميت ولم يأمر أهل الميت أن يصنعوا الطعام للناس. ففي صنعهم الطعام للناس مخالفة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو خير الهدي وأحسنه. وفيه أيضاً قلبٌ للمعقول، فإن المعقول أن يصنع الطعام لأهل الميت للتخفيف عنهم من حرّ المصيبة، وفيه أيضاً مشابهة أهل الجاهلية في سننهم وأفعالهم، وقد تقدم قول أبي البختري
وسعيد بن جبير أن الطعام على الميت من أمر الجاهلية. وهو أيضاً من النياحة كما نص على ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وذكره جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عن الصحابة رضي الله عنهم. وما كان بهذه المثابة فهو داخل في عموم ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر برده.
الوجه الثاني: أن يقال إن الحكم في جميع الأمور مردود إلى الكتاب والسنة لا إلى آراء الناس واستحساناتهم ومقاييسهم وعاداتهم التي وجدوا عليها آباءهم وشيوخهم الذين ليسوا من ذوي البصائر في الدين. وقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة على المنع من بدعتي المولد والمأتم من غير اشتراط أن يجري فيهما شيء حرام. وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على البراهين التي تقدم ذكرها، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو مردود على قائله كائناً من كان.
الوجه الثالث: أن يقال إن الحكم على بدعتي المولد والمأتم بالمنع ليس مرتبطاً بما يجري فيهما من حرام كما قد زعم ذلك صاحب المقال الباطل، والدليل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر أمته من المحدثات على وجه العموم وأمر بردها من غير تفصيل بين ما يجري فيه شيء من المحرم وما لا يجري فيه شيء من ذلك، ولو كان التفصيل شيئاً لازماً لبنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع. وإذا جرى في بدعة من البدع شيء من المحرمات فلا شك أن المنع منها يكون أكد مما لم يجر فيه شيء محرم.
فصل
وقال صاحب المقال الباطل وأي خير أكرم وأفضل من ذكر الله،