المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثبوت إذنه صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة: - الرد على من ينكر حجية السنة

[عبد الغني عبد الخالق]

فهرس الكتاب

- ‌الشُبْهَةُ الأُولَى: قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الكِتَابَ قَدْ حَوَى كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ

- ‌الجواب:

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُمْ إِنَّ اللهَ تَكَفَّلَ بِحِفْظِ القُرْآنِ دُونَ السُنَّةِ

- ‌الجَوَابُ:

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَتْ السُنَّةُ حُجَّةً لأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابَتِهَا وَلَعَمِلَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ عَلَى جَمْعِهَا وَتَدْوِينِهَا

- ‌الجَوَابُ:

- ‌إِنَّمَا تَحْصُلُ صِيَانَةُ الحُجَّةِ بِعَدَالَةِ حَامِلِهَا:

- ‌الكِتَابَةُ لَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ الحُجِّيَةِ:

- ‌الكِتَابَةُ لَا تُفِيدُ القَطْعَ:

- ‌الكِتَابَةُ دُونَ الحِفْظِ قُوَّةً:

- ‌الحِفْظُ أَعْظَمُ مِنَ الكِتَابِةِ فَائِدَةً وَأَجْدَى نَفْعًا:

- ‌القَطْعُ بِالقُرْآنِ إِنَّمَا حَصَلَ بِالتَّوَاتُرِ اللَّفْظِيِّ:

- ‌يَجِبُ العَمَلُ بِظَنِّيِّ الثُبُوتِ فِي الفُرُوعِ:

- ‌الحِكْمَةُ فِي أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابَةِ القُرْآنِ وَحْدَهُ:

- ‌لَا يَدُلُّ نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِتَابَةِ السُنَّةِ عَلَى عَدَمِ حُجِّيَّتِهَا:

- ‌الحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ كِتَابَةِ السُنَّةِ:

- ‌ثُبُوتُ إِذْنِهِ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابَةِ السُنَّةِ:

- ‌الجَمْع بَيْنَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَأَحَادِيثِ الإِذْنِ:

- ‌الكَلَامُ عَلَى كِتَابَةِ السُنَّةِ وَتَدْوِينِهَا فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ:

- ‌اِمْتِنَاعُ الصَّحَابَةِ عَنْ التَّحْدِيثِ بِالسُنَّةِ وَنَهْيِهِمْ عَنْهُ:

- ‌الأَسْبَابُ التِي حَمَلَتْهُمْ عَلَى الاِمْتِنَاعِ وَالنَّهْيِ:

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُمْ بِوُجُودِ أَخْبَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حُجِّيَّةِ السُنَّةِ:

- ‌الجواب:

- ‌الفهرس التحليلي

الفصل: ‌ثبوت إذنه صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة:

وعلى هذا: فالذين نهاهم كانوا لا يحسنون الكتابة. فأما من كان يحسنها: فقد أذن له، كما حصل لعبد الله بن عمرو.

لكن يرد على هذا القول: أن العمدة - في ثبوت النهي - حديث أبي سعيد الخدري، والمتبادر منه: أنه أجاز كتابة القرآن لمن نهاه عن كتابة السنة

فلو كانت علة النهي خوف الخطأ في الكتابة، فكيف يجيز لهم كتابة القرآن؟ اللهم إلا أن يثبت خلاف هذا المتبادر.

‌ثُبُوتُ إِذْنِهِ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابَةِ السُنَّةِ:

ثم إنه مما يذهب بالشبهة ويقوضها من أساسها، ثبوت إذنه صلى الله عليه وسلم بكتابة السُنَّةِ:

لقد روى ابن عبد البر (1) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، [أُقَيِّدُ] الْعِلْمَ؟» ، قَالَ:«قَيِّدُوا الْعِلْمَ» قَالَ عَطَاءٌ: «وَمَا تَقْيِيدُ الْعِلْمِ؟» ، قَالَ:[الْكِتَابُ](*). وفي رواية أخرى (2): فقال له: «يا رسول الله، وما تقييده؟ قال: الكتاب ". ورواه ابن قتيبة (3) (اَيْضًا) من طريق ابن جريج، عن عطاء، والمراد من «الْعِلْمِ» : خصوص الحديث (4).

وروى أحمد من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو أنه قال: " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُرِيدُ (**) حِفْظَهُ،

(1) في " جامع بيان العلم ": ج 1 ص 73.

(2)

ج 2 ص 27.

(3)

في " تأويل مختلف الحديث ": ص 365.

(4)

ج 2 ص 27.

----------------------

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) في كلا الحديثين وردت كلمة (الكتاب) ولم ترد كلمة (كتابته)، انظر:" جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، ص 317، حديث رقم 412 وكذلك ص 763، حديث رقم 1409، الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م، نشر دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع. الرياض - المملكة العربية السعودية

(**) في الكتاب المطبوع وردت «أَزِيدُ أُرِيدُ حِفْظَهُ» ، في حين ورد في " مسند الإمام أحمد "، حيث قال الشيخ شعيب الأرناؤوط:(س): «ثم أريد أحفظه» . و «أحفظه» وردت في هامش (ص) و (ظ).ورمز الشيخ شعيب الأرناؤوط بـ (س) إلى أصل العلامة عبد الله بن سالم البصري، انظر " المسند " للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط - عادل مرشد، وآخرون، 11/ 406، حديث رقم 6802، الطبعة الأولى: 1421 هـ - 2001 م، نشر مؤسسة الرسالة.

ص: 445

فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ:«اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَاّ حَقٌّ» .

ورواه ابن عبد البر (1) - من هذا الطريق اَيْضًا - مختصرًا، بلفظ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكْتُبُ كُلَّ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ:«نَعَمْ» قُلْتُ: فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، فَإِنِّي لَا أَقُولُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَاّ حَقًّا» .

فإن قيل: «إن طريقي ابن المؤمل وابن شعيب لا يصح الاحتجاج بهما» فابن المؤمل قال فيه ابن معين والنسائي والدارقطني والمنذري: هو ضعيف. وقال أبو حاتم وأبو زُرعة: ليس بقوي. وروي عن ابن معين اَيْضًا أنه قال: ليس به بأس، عامة حديثه منكر، وقال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال ابن عدي: عامة حديثه الضعف عليه بَيِّنٌ. وابن شعيب قال فيه أبو داود - حين سئل: عمرو عن أبيه عن جده حجة؟ -: لا، ولا نصف حجة. وقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أهل الحديث إذا شاؤا احتجوا بعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وإذا شاؤا تركوه. يعني لترددهم في شأنه. وقال عبد الملك الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، له أشياء مناكير، وإنما نكتب حديثه لنعتبر به. فأما أن يكون حجة: فلا، وقال يحيى بن سعيد القطان: حديث عمرو بن شعيب عندنا واه. وروى عباس عن ابن معين أنه قال: إذا حدث عن أبيه، عن جده: فهو كتاب، (فمن ههنا جاء ضعفه) وإذا حدث عن سعيد أو سليمان بن يسار أو عُروة: فهو ثقة، أو نحو هذا. وقال ابن أبي شيبة: سألت ابن المديني عن عمرو بن شعيب فقال: ما روى عنه أيوب وابن جريج فذلك كله صحيح، وما روى عمرو، عن أبيه، عن جده فإنما هو كتاب وجده، فهو ضعيف. اهـ.

ولم يحتج بهذا الطريق إلا بعض المتأخرين وهو تساهل منهم - ولا طريق

(1) ج 1 ص 70، 71.

ص: 446

ثالثة (فيما نظن) لهذا الحديث فهو: غير صحيح» (1).

قلنا: أما ابن المؤمل فقد قال فيه (اَيْضًا) ابن سعد: هو ثقة. وصحح له ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، ووثقه ابن معين في روايتين وضعفه في رواية (2).

فها أنت ترى أنهم قد اختلفوا في تجريحه ولم يجمعوا عليه، وأن بعض من جرحه لم يترك أحاديثه بالكلية، بل أخذ منها وترك.

ثم إنه يقوي روايته لهذا الحديث بخصوصه، رواية ابن عبد البر (3) والذهبي (4) له من طريق عبد الحميد بن سليمان، عن عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس مرفوعا، بلفظ:«قيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ» .

ولا يؤثر في ذلك تضعيف ابن معين وابن المديني والنسائي والدارقطني، لعبد الحميد، فقد وثقه أبو داود وغيره، ويقوي حديث أنس رواية الحكيم الترمذي وسمويه له عنه مرفوعًا اَيْضًا.

وأما ابن شعيب فقد قال فيه اَيْضًا (الذهبي)(5): هو «أَحَدُ عُلَمَاءُ زَمَانِهِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ رَاهَوَيْهِ وَصَالِحُ جَزَرَةٌ» . اهـ. وقال الأوزاعي: «مَا رَأَيْتُ قُرَشِيًّا أَكْمَلَ مِنْ عَمْرُو بْنَ شُعَيْبٍ» وقال: «حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنَ شُعَيْبٍ وَمَكْحُولٌ جَالِسٌ» . اهـ. وقال إِسْحَاقُ بْنِ رَاهَوَيْهِ: «عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ كَأَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ» . اهـ. وقال أبو حاتم: «عَمْرُو عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ

(1) انظر مجلة " المنار ": السنة 10، العدد 10، ص 765، 766.

(2)

انظر " الترغيب والترهيب ": ج 4 ص 286.

(3)

ج 1 ص 72.

(4)

في " الميزان ": ج 2 ص 95.

(5)

في " الميزان ": ج 2 ص 289.

ص: 447

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ» وَقَالَ: «سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ عَمْرُو بْنَ شُعَيْبٍ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُهُ -؟» . وَغَضِبَ - وَقَالَ: «مَا أَقُولُ فِيهِ؟ قَدْ رَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةَ» . اهـ.

وروى عباس ومعاوية بن صالح عن ابن معين اَيْضًا، أنه قال:«ثِقَةٌ» وروى الكوسج عنه أنه قال: «يُكْتَبُ حَدِيثُهُ» . اهـ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: «وَعَامَّةُ [هَذِهِ] المَنَاكِيرِ الَّتِي تُرْوَى عَنْهُ، إِنَّمَا هِيَ عَنِ المُثَنَّى بْنِِ الصَّبَّاحِ وَابْنِ لَهِيْعَةَ، [وَالضُّعُفَاءِ]، [وَهُوَ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ]» . اهـ. وقال يحيى القطان: «إِذَا رَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَهُوَ حُجَّةٌ» . اهـ. (1)

وما نقل عن أحمد: مما يفيد عدم احتجاجه به - إِنْ صَحَّ - فإنما نشأ عن تردد - لا عن يقين - ثم زال تردده وقال بحجيته.

يدل على التردد قول الأثرم: «سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ عَمْرٍو بْنَ شُعَيْبٍ، فَقَالَ: رُبَّمَا اِحْتَجَجْنَا بِحَدِيثِهِ، وَرُبَّمَا وَجَسَ فِي القَلْبِ مِنْهُ» (2). اهـ.

ويدل على زواله، وقوله بحجيته، قول البخاري في " التاريخ ":«رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ المَدِينِي، وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ وَالحُمَيْدِيَّ، وَأَبَا عُبَيْدٍ وَعَامَّةَ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّوْنَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، [عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ] مَا تَرَكَهُ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَمَنِ النَّاسُ بَعْدَهُم?.» (3). اهـ. وَإِلَاّ: فَنَقْلُ البُخَارِيِّ أَصَحُّ وَأَقْوَى.

وما نقل عباس بن يحيى بن معين: من تضعيفه لهذا الطريق: فمحمول (اَيْضًا) على أنه كان مُتَرَدِّدًا فيه ثم زال تردده وقال بحجيته.

وإلا فهو معارض بما نقله عنه أبو حاتم والكوسج ومعاوية بن صالح وعباس نفسه (وقد تقدم) وبما قاله أبو عبد الله البخاري: «اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ

(1) انظر " الميزان ": ج 2 ص 289 - 291.

(2)

انظر " الميزان ": ج 2 ص 289 - 291.

(3)

انظر " فتح المغيث ": ج 4 ص 68 و " الميزان ": ج 2 ص 290.

ص: 448

وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَشُيُوخٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، فَتَذَاكَرُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَثَبَّتُوهُ وَذَكَرُوا أَنَّهُ حُجَّةٌ» (1). اهـ. وَنَقْلُ البخاري وحده أقوى - بلا شك - من نقل عباس.

وكذلك: القول فيما نقله ابن أبي شيبة عن ابن المديني.

وما نقل عن أبي داود من التضعيف - فمعارض بأنه نفسه قد أخرج من حديث حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب - بهذا الطريق - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَحْضُرُ الجُمُعَةَ ثَلَاثَةٌ: دَاعٍ، أَوْ لَاغٍ، أَوْ مُنْصِتٍ» (2)(*).

وبالجملة فتجريح مَنْ جَرَّحَ - وهو ضعيف قليل - معارض بتوثيق مَنْ وَثَّقَ، وهو قوي كثير. ومن الغريب أن صاحب الاعتراض لا يشير إلى شيء منه، كأنه أمن أن أحدًا يرجع إلى ما نقل هو التجريح عنه، وفيه الكثير من التوثيق.

هذا ثم إن تردد من تردد، أو تجريح مَنْ جَرَّحَ إنما نشأ عن أحد أمرين، أو عنهما مجتمعين:

أولهما: أنه فهم أن الحديث من هذا الطريق مُرْسَلٌ. (فلا يحتج به، أو يتوقف فيه) قال ابن عدي: «عَمْرُو بْنَ شُعَيْبٍ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، إِلَاّ إِذَا رَوَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَكُونُ مُرْسَلاً» . اهـ. قال الذهبي: «لأَنَّ جَدَّهُ - عِنْدَهُ - مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَلَا صُحْبَةَ لَهُ " (3). اهـ. وقال ابن حبان: «وَالصَّوَابُ فِي عَمْرٍو بْنَ شُعَيْبٍ أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى الثِّقَاتِ، لأَنَّ عَدَالَتَهُ قَدْ

(1) انظر " فتح المغيث ": ج 4 ص 68.

(2)

انظر " الميزان ": ج 2 ص 289. أو " السنن ": ج 1 ص 291 (وبلفظ فيها مختلف عما في " الميزان "). وأخرج له اَيْضًا من هذا الطريق حديثًا في دية الذمي: (ج 4 ص 194).

(3)

في " الميزان ": ج 2 ص 289، 290.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) رواية أبي داود التي وردت في " السنن " كما يلي: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عز وجل إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] ". انظر " السنن " لأبي داود السجستاني، تحقيق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، (2) كتاب الصلاة (235) باب الكلام والإمام يخطب، حديث رقم 1113، 2/ 464، الطبعة الأولى: 1418 هـ - 1997 م، نشر دار ابن حزم. بيروت - لبنان.

ص: 449

تَقَرَّرَتْ (1). فَأَمَّا المَنَاكِيرُ فِي حَدِيثِهِ إِذَا كَانَتْ فِي رِوَايَتِهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الثِّقَاتِ إِذَا رَوَوُا المَقَاطِيعَ وَالمَرَاسِيلَ بِأَنْ يُتْرَكَ مِنْ حَدِيْثِهِمُ المُرْسَلُ وَالمَقْطُوعُ، وَيُحْتَجَّ بِالخَبَرِ الصَّحِيحِ». اهـ.

ثانيهما: أن ما رواه من هذا الطريق إنما هو عن صحيفة رواها وِجَادَةً، أو بعضها وِجَادَةً والبعض سَمَاعٌ. (والتصحيف على الرواية من التصحف، بخلاف المشافهة بالسماع) فلا يصح الاعتماد عليها. قَالَ مُغِيْرَةُ: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ صَحِيْفَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو عِنْدِي بِتَمْرَتَيْنِ، أَوْ بِفِلْسَيْنِ» (2). وانظر ما تقدم نقله - في الاعتراض - عن ابن معين وابن المديني.

وَكِلَا الأمرين باطل:

أما الأول: فقد قال الذهبي: «هَذَا لَا شَيْءَ، لأَنَّ شُعَيْبًا ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ الَّذِي رَبَّاهُ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عَبْدُ اللهِ، وَكَفَلَ شُعَيْبًا جَدُّهُ عَبْدُ اللهِ. فَإِذَا قَالَ: عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: عَنْ جَدِّهِ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِالضَّمِيرِ فِي جَدِّهِ: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى شُعَيْبٍ» (3). اهـ. وقال علي بن المديني: «سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، شُعَيْبٌ بْنُ مُحَمَّدٍ» . اهـ. قال الذهبي: «يَعْنِي حَفِيدُهُ» (4). اهـ. وقال الحافظ العراقي: «قَدْ صَحَّ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، كَمَا صَرَّحَ بِهِ البُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ " وَأَحْمَدُ، وَكَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ» (5). اهـ. وقال ابن الصلاح: «اِحْتَجَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الحَدِيثِ بِحَدِيثِهِ حَمْلاً لِمُطْلَقِ الجَدِّ عَلَى الصَّحَابِيِّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو دُونَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَالِدِ

(1) في " الميزان ":ج 2 ص 291: «تَقَدَّمَتْ» .

(2)

في " الميزان ":ج 2 ص 289 - 290.

(3)

في " الميزان ":ج 2 ص 289 - 290.

(4)

في " الميزان ":ج 2 ص 289 - 290.

(5)

في " الميزان ":ج 4 ص 68 - 69.

ص: 450

شُعَيْبٍ، لِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ إِطْلَاقِهِ ذَلِكَ» (1). اهـ.

وأما الثاني: فقد قال الذهبي: «أَمَّا كَوْنُهَا وِجَادَةً أَوْ بَعْضُهَا سَمَاعٌ وَبَعْضُهَا وِجَادَةٌ فَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ. وَلَسْنَا نَقُولُ: إِنَّ حَدِيثَهُ مِنْ أَعْلَى أَقْسَامِ الصَّحِيحِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ» (2). اهـ.

أقول: ولو سلمنا أن روايته إنما كانت عن الصحيفة وحدها دون المشافهة فالذي يغلب على الظن أن عمروًا أو أباه شُعَيْبًا - وكل منهما ثقة - لا يروى عن الصحيفة شيئًا إلا إذا وثق أن المكتوب لا تصحيف فيه، وأنه بخط عبد الله بن عمرو نفسه، ولم يدخله تغيير ولا تبديل.

فلا جرم أن قال بصحتها والاحتجاج بها جمهور الثقات إن لم نقل جميعهم. قال أحمد بن صالح: «أَجْمَعَ آلُ عَبْدِ اللهِ عَلَى أَنَّهَا صَحِيفَةُ عَبْدِ اللهِ» (3). اهـ.

وقال ابن القيم (4): «وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، وَكَانَ مِمَّا كَتَبَهُ صَحِيفَةٌ تُسَمَّى الصَّادِقَةَ، وَهِيَ الَّتِي رَوَاهَا حَفِيدُهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ، وَهِيَ مِنْ أَصَحِّ الْأَحَادِيثِ، وَكَانَ بَعْضُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَجْعَلُهَا فِي دَرَجَةِ أيوب عَنْ نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمُ احْتَجُّوا بِهَا» .

وقال اَيْضًا (5): «وَقَدْ احْتَجَّ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ وَالفُقَهَاءُ قَاطِبَةً بِصَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي أَئِمَّةِ الْفَتْوَى إلَاّ مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا وَاحْتَجَّ بِهَا، وَإِنَّمَا طَعَنَ فِيهَا مَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ أَعْبَاءَ الفِقْهِ وَالفَتْوَى كَأَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا» . اهـ.

ولك أن تقول: إن الحديث الذي نستدل به ليس من الصحيفة وإنما هو حديث تضمن الإذن بكتابة الصحيفة المشتملة على أحاديث أخرى. ولا يلزم من

(1) انظر " فتح المغيث ": ج 4 ص 68، 68.

(2)

انظر " الميزان ": ج 2 ص 291.

(3)

في " إعلام الموقعين ": ج 1 ص 116و 317.

(4)

في " زاد المعاد " بهامش " شرح المواهب ": ج 4 ص 352، 353.

(5)

في " إعلام الموقعين ": ج 1 ص 116و 317.

ص: 451

كونه مَرْوِيًّا من طريقها أن يكون منها.

وأما أنه لم يحتج بهذا الطريق إلا بعض المتأخرين، وأن هذا تساهل منهم فهو باطل كما يدل عليه أقوال البخاري وابن القيم وابن الصلاح المتقدمة، وقول أحمد بن سعيد الدارمي (1):«احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِهِ» . اهـ. وقول المنذري (2): «وَالجُمْهُورُ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَعَلَى الاِحْتِجَاجِ بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ» . اهـ.

وأما أنه لا طريق ثالثة لهذا الحديث فهو باطل اَيْضًا. فقد أخرجه أبو داود (3) وأحمد اَيْضًا من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن الأخنس، عن الوليد بن عبد الله، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو - وهي طريق في غاية الصحة - بلفظ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ:«اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَاّ حَقٌّ» . وأخرجه اَيْضًا البيهقي في " المدخل " والدارمي في " السنن " بهذا اللفظ، قال " في الفتح الرباني " (4):«وَرَوَاهُ الحَاكِمُ اَيْضًا وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، أَصْلٌ فِي نَسْخِ الحَدِيثِ (يَعْنِي الكِتَابَةَ) عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَقَدْ اِحْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ إِلَاّ عَبْدَ الوَاحِدِ بْنَ قَيْسٍ، وَهُوَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَابْنُهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّمِشْقِيِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ. اهـ. وأقره الذهبي» . اهـ.

ثم نقول: ويزيد ذلك كله قوة ما رواه أحمد والبخاري والترمذي، عن وهب

(1) كما نقله عنه في " فتح المغيث ": ج 4 ص 68.

(2)

في " الترغيب والترهيب ": ج 3 ص 289.

(3)

في " السنن ": ج 4 ص 289.

(4)

ج 1 ص 172، 173.

ص: 452

ابن منبه، عن أخيه همام، أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثاً منِّيْ إلَاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو، فإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أكْتُبُ» .ورواه عبد الرزاق اَيْضًا من طريق معمر عن همام بن منبه.

قال العيني (1): «إن عبد الله بن عمرو - من أفاضل الصحابة - كان يكتب ما يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. ولو لم تكن الكتابة جائزة لما كان يفعل ذلك. فإذا قلنا: فعل الصحابي حجة فلا نزاع فيه. وإلا فالاستدلال على جواز الكتابة يكون بتقرير الرسول صلى الله عليه وسلم كتابته» . ثم قال (2): «أخرج حديث أبي هريرة " الترمذي " - في العلم وفي المناقب - عن سفيان بن عيينة به، وقال: حسن صحيح. وأخرجه " النسائي " في العلم عن إسحاق بن راهوية عن سفيان به» . اهـ.

أقول: قد ورد الإذن منه صلى الله عليه وسلم له بالكتابة، فيما رواه أحمد والبيهقي من طريق عمرو بن شعيب، عن مجاهد والمغيرة بن حكيم، أنهما قالا: سمعنا أبا هريرة يقول: «مَا كَانَ أَحَد أَعْلَم بِحَدِيثِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنِّي، مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ بِيَدِهِ، [وَيَعِيهِ] بِقَلْبِهِ، وَكُنْتُ [أَعِيهِ بِقَلْبِي]، وَلَا أَكْتُبُ [بِيَدِي]، وَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكِتَابِ عَنْهُ، فَأَذِنَ لَهُ» . قال ابن حجر (3): «إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا الْعُقَيْلِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن [سَلْمَان] (*) عَنْ عَقِيل عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ» . اهـ. وأخرجه الدارمي، - في النقض - (4) من هذا الطريق اَيْضًا.

وروى " البخاري "(5)" ومسلم "(6) من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي

(1) في " عمدة القاري ": ج 2 ص 168.

(2)

ج 2 ص 169.

(3)

في " الفتح ": ج 1 ص 148، 149.

(4)

ص 131.

(5)

ج 3 ص 125.

(6)

ج 4 ص 110.

----------------------

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) ورد في المطبوع من الكتاب (سليمان) والصواب (سلمان) وهو: عَبْد الرَّحْمَن بن سلمان الحجري الرعيني المِصْرِي، رَوَى عَن: سلمة بْن كهيل الكوفي، وعقيل بْن خالد الأيلي، وعَمْرو بْن أَبي عَمْرو مولى المطلب، ويزيد بْن عَبد الله بْن الهاد (مد س).

رَوَى عَنه: عَبد اللَّهِ بن وهب.

قال أَبُو سَعِيد بْن يونس: وهو قريب السن من ابن وهب، يروي عَنْ عقيل غرائب انفرد بها، وكان ثقة.

وقَال البُخارِيُّ: فيه نظر.

انظر " تهذيب الكمال " للمزي، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، 17/ 148، ترجمة رقم: 3837، الطبعة: الأولى، 1400 هـ - 1980 م، نشر مؤسسة الرسالة - بيروت.

ص: 453

، عن يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:[حَدَّثَنِي] أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ (أوْ القَتْلَ)، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي. وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَاّ لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ» ، فَقَالَ العَبَّاسُ: إِلَاّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِلَاّ الإِذْخِرَ» . فَقَامَ أَبُو شَاهٍ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ - فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ [رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]:«اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ» ، قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ (*) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

[وأخرج الشيخان] مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ:«أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَخَطَبَ» . وباختلاف يسير في ألفاظه (1).

وَرَوَى البيهقي (**) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، [فِي رَجُلٍ] مِنَ الأَنْصَارِ شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ الْحَدِيثَ وَلَا أَحْفَظُهُ فَقَالَ: «اسْتَعِنْ بِيَمِينِكَ» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ لِلْخَطِّ. ورواه الترمذي اَيْضًا وصححه. إلا أن بعضهم ذكر أنه قال (2): «وَهَذَا الإِسْنَادُ لَيْسَ بِالْقَائِمِ وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ» (3) (

).

وروى أحمد والبخاري ومسلم - واللفظ له - عن يزيد بن شريك التَّيْمِيِّ أنه قال: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلَاّ كِتَابَ

(1) انظر " صحيح مسلم ": ج 4 ص 111، و " صحيح البخاري ": ج 1 ص 29، 30.

(2)

انظر التعليقة رقم (1) في " تيسير الوصول ": ج 3 ص 176.

(3)

ولكن يقويه رواية البيهقي له، وما سيأتي في ص 446 من حَدِيثَيْ رافع وعلي

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) في الكتاب المطبوع ورد خطأ طباعي (هَذِهِ الخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ الشَّيْخاَنِ

) والصواب ما أثبته من " الصحيحين "، وما يليه في ظني ما جاء بعده ووضعته بين [ ..... ].

(**) في " المدخل إلى السنن الكبرى "، تحقيق الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي:(29) باب من رخص في كتابة العلم وأحسبه حين أمن من اختلاطه بكتاب الله - جَلَّ ثَنَاؤُهُ -، 2/ 238، حديث رقم: 764، الطبعة الثانية: عام 1420 هـ، نشر مكتبة أضواء السلف. المملكة العربية السعودية.

(

) المصدر السابق: 2/ 765، حديث رقم 765. وانظر فيه رأي البيهقي. اا

ص: 454

اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ - قَالَ: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ - فَقَدْ كَذَبَ، فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ، وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«المَدِينَةُ [حَرَمٌ] مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلاً، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلاً» .

وروى " أحمد " و " البخاري " - واللفظ له - عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ (1) قَالَ: «لَا، إِلَاّ كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. [قَالَ]: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» .

وروى " مسلم " عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ، أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً، إِلَاّ مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا. [قَالَ]: فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً [مَكْتُوبٌ] فِيهَا: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الأَرْضِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ [آوَى] مُحْدِثًا» .

وروى " النسائي " عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَالأَشْتَرُ إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، إِلَاّ مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا. فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ، فَإِذَا فِيهِ «الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ أَلَا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ بِعَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفْسِهِ أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .

وروى " أحمد " بسند حسن - كما قال الحافظ ابن حجر - عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه، [وَهُوَ يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ]:«وَاللَّهِ مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ عَلَيْكُمْ إِلا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ - مُعَلَّقَةً بِسَيْفِهِ - أَخَذْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِيهَا فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ» .

ص: 455

قال ابن حجر: «وَالْجَمْع بَيْن هَذِهِ الأََحَادِيث أَنَّ الصَّحِيفَة كَانَتْ وَاحِدَة وَكَانَ جَمِيع ذَلِكَ مَكْتُوبًا فِيهَا، فَنَقَلَ كُلّ وَاحِد مِنْ الرُّوَّاةِ عَنْهُ مَا حَفِظَهُ. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ قَتَادَة فِي رِوَايَته لِهَذَا الْحَدِيث عَنْ أَبِي حَسَّان عَنْ عَلِيّ، وَبَيَّنَ اَيْضًا السَّبَب فِي سُؤَالهمْ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " مِنْ طَرِيق أَبِي حَسَّان أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُر [بِالأَمْرِ] فَيُقَال: قَدْ فَعَلْنَاهُ. فَيَقُول: " صَدَقَ اللَّه وَرَسُوله ". فَقَالَ لَهُ الأَشْتَر: " هَذَا الَّذِي تَقُول أَهُوَ شَيْء عَهِدَهُ إِلَيْك رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم خَاصَّة دُون النَّاس؟ " فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ» . اهـ.

وروى ابن عبد البر عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: وُجِدَ فِي قَائِمِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَحِيفَةٌ فِيهَا مَكْتُوبٌ «مَلْعُونٌ مَنْ أَضَلَّ أَعْمَى عَنِ [السَّبِيلِ]، مَلْعُونٌ مَنْ سَرَقَ تُخُومَ الأَرْضِ، مَلْعُونٌ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ» أَوْ قَالَ: «مَلْعُونٌ مَنْ جَحَدَ نِعْمَةَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ» (1).

وروى أبو داود (2) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:«مَا كُنَّا نَكْتُبُ غَيْرَ التَّشَهُّدِ، وَالْقُرْآنِ» .

والتشهد من السنة. فقد ثبتت كتابتها في الجملة عن أبي سعيد الذي روى حديث النهي عنها.

وَرَوَى الرَّامَهُرْمُزِيُّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْمَعُ مِنْكَ أَشْيَاءَ أَفَنَكْتُبُهَا؟ قَالَ: " اكْتُبُوا ذَلِكَ وَلَا حَرَجَ "» (3).

وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «إِذَا كَتَبْتُمُ الْحَدِيثَ فَاكْتُبُوهُ بِسَنَدِهِ» (4).

وروى البخاري (5) من ثلاث طرق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس بألفاظ متقاربة أنه قال: لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(1) انظر " مختصر جامع بيان العلم ": ص 36، 37.

(2)

في " السنن ": ج 3 ص 319.

(3)

انظر " تدريب الراوي ": ص 150.

(4)

انظر " تدريب الراوي ": ص 150.

(5)

[ج 1 ص 30. ج 6 ص 9، 10. ج 9 ص 111، 112].

ص: 456

قَالَ، وَفِي البَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ:«هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا» ، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَلَبَهُ الوَجَعُ. وَعِنْدَكُمُ القُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ (1)، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالاِخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«قُومُوا عَنِّي» . قَالَ [عُبَيْدُ اللَّهِ]، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ:«إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ» . (إلا أن إحدى هذه الطرق لم يصرح فيها باسم عمر أو غيره) ورواه اَيْضًا " أحمد " و " مسلم " و " الإسماعيلي " و " ابن سعد ". وفي رواية أحمد: أن المأمور بذلك عَلِيٌّ.

وروى الشيخان (2) من طريق سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (واللفظ للبخاري)، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ، فَقَالَ:«ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا» ، فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ. فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ، أَهَجَرَ؟ (3) اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:«دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ» وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ. الحديث.

قال ابن حجر (4): «قَدَّمَ (يعني البخاري) حَدِيثَ عَلِيٍّ - أَنَّهُ كَتَبَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَطْرُقهُ اِحْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا كَتَبَ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، وَثَنَّى بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة [وَفِيهِ الأَمْرُ بِالْكِتَابَةِ] وَهُوَ بَعْدَ النَّهْيِ فَيَكُونُ نَاسِخًا، وَثَلَّثَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِذْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ أَقْوَى فِي الاسْتِدْلَال لِلْجَوَازِ مِنَ الأَمْرِ أَنْ يَكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ لاحْتِمَالِ اِخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِمَنْ يَكُونُ أُمِّيًّا أَوْ أَعْمَى، وَخَتَمَ بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم هَمَّ أَنْ يَكْتُبَ لأُمَّتِهِ كِتَابًا

(1) انظر في " الفتح ": ج 1 ص 149، 150 أقوال العلماء في قول عمر هذا.

(2)

" صحيح البخاري ": ج 6 ص 9. و " صحيح مسلم ": ج 5 ص 75.

(3)

انظر في " الفتح ": ج 8 ص 93، 94 ما قاله العلماء في ذلك فهو الغاية.

(4)

ج 1 ص 150.

ص: 457