المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌امتناع الصحابة عن التحديث بالسنة ونهيهم عنه: - الرد على من ينكر حجية السنة

[عبد الغني عبد الخالق]

فهرس الكتاب

- ‌الشُبْهَةُ الأُولَى: قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الكِتَابَ قَدْ حَوَى كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ

- ‌الجواب:

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُمْ إِنَّ اللهَ تَكَفَّلَ بِحِفْظِ القُرْآنِ دُونَ السُنَّةِ

- ‌الجَوَابُ:

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَتْ السُنَّةُ حُجَّةً لأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابَتِهَا وَلَعَمِلَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ عَلَى جَمْعِهَا وَتَدْوِينِهَا

- ‌الجَوَابُ:

- ‌إِنَّمَا تَحْصُلُ صِيَانَةُ الحُجَّةِ بِعَدَالَةِ حَامِلِهَا:

- ‌الكِتَابَةُ لَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ الحُجِّيَةِ:

- ‌الكِتَابَةُ لَا تُفِيدُ القَطْعَ:

- ‌الكِتَابَةُ دُونَ الحِفْظِ قُوَّةً:

- ‌الحِفْظُ أَعْظَمُ مِنَ الكِتَابِةِ فَائِدَةً وَأَجْدَى نَفْعًا:

- ‌القَطْعُ بِالقُرْآنِ إِنَّمَا حَصَلَ بِالتَّوَاتُرِ اللَّفْظِيِّ:

- ‌يَجِبُ العَمَلُ بِظَنِّيِّ الثُبُوتِ فِي الفُرُوعِ:

- ‌الحِكْمَةُ فِي أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابَةِ القُرْآنِ وَحْدَهُ:

- ‌لَا يَدُلُّ نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِتَابَةِ السُنَّةِ عَلَى عَدَمِ حُجِّيَّتِهَا:

- ‌الحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ كِتَابَةِ السُنَّةِ:

- ‌ثُبُوتُ إِذْنِهِ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابَةِ السُنَّةِ:

- ‌الجَمْع بَيْنَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَأَحَادِيثِ الإِذْنِ:

- ‌الكَلَامُ عَلَى كِتَابَةِ السُنَّةِ وَتَدْوِينِهَا فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ:

- ‌اِمْتِنَاعُ الصَّحَابَةِ عَنْ التَّحْدِيثِ بِالسُنَّةِ وَنَهْيِهِمْ عَنْهُ:

- ‌الأَسْبَابُ التِي حَمَلَتْهُمْ عَلَى الاِمْتِنَاعِ وَالنَّهْيِ:

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُمْ بِوُجُودِ أَخْبَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حُجِّيَّةِ السُنَّةِ:

- ‌الجواب:

- ‌الفهرس التحليلي

الفصل: ‌امتناع الصحابة عن التحديث بالسنة ونهيهم عنه:

وقال ابن الصلاح (1): «اخْتَلَفَ الصَّدْرُ الأَوَّلُ رضي الله عنهم فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ، وَالْعِلْمِ، وَأَمَرُوا بِحِفْظِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ

ثُمَّ إِنَّهُ زَالَ ذَلِكَ الخِلَافُ وَأَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى تَسْوِيغِ ذَلِكَ وَإِبَاحَتِهِ، وَلَوْلَا تَدْوِينُهُ فِي الكُتُبِ لَدُرِسَ فِي الأَعْصُرِ الآخِرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ». اهـ.

وقال ابن حجر: (2) «

[لأَنَّ] السَّلَفَ اِخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَمَلاً وَتَرْكًا، وَإِنْ كَانَ الأَمْرُ اِسْتَقَرَّ وَالإِجْمَاعُ اِنْعَقَدَ عَلَى جَوَازِ كِتَابَةِ العِلْمِ، بَلْ عَلَى اِسْتِحْبَابهِ، بَلْ لَا يَبْعُدُ وُجُوبَهُ عَلَى مَنْ خَشِيَ النِّسْيَانَ مِمَّنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُ العِلْمِ». اهـ.

‌اِمْتِنَاعُ الصَّحَابَةِ عَنْ التَّحْدِيثِ بِالسُنَّةِ وَنَهْيِهِمْ عَنْهُ:

فإن قيل: قد ظهرت الحكمة في امتناعهم عن كتابة السُنَّةِ وتدوينها. ولكن ماذا تقول في امتناعهم عن التحديث بها ونهيهم عنه؟ أفلا يدل حصول ذلك منهم على أن عدم حُجِّيَّةَ السُنَّةِ كان متقررًا عندهم، وأنهم علموا إرادة الشارع أن لا تنقل حتى لا يتخذها الناس دليلاً على الأحكام الشرعية؟.

قلت: لا يصح بحال أن يتوهم متوهم أنهم امتنعوا عن التحديث في جميع الأحوال. ولا أن يتوهم أن امتناعهم في بعض الأحوال كان ناشئًا من عدم حجيتها.

وكيف يصح هذا الوهم وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتحديث وتبليغ ما يصدر منه إلى من بعدهم كما تقدم. وأنه قال فيما يرويه ابن عباس عنه: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ» .

وقد تواتر عن الصحابة أنفسهم - سواء منهم من كان ينهى ويمتنع عن

(1) في " علوم الحديث ": ص 169 - 171.

(2)

ج 1 ص 146. وانظر: ص 149.

ص: 477

التحديث ومن كان لا يحصل منه ذلك - أنهم جميعًا كانوا أحرص الناس على التمسك بالسنة وعلى تبليغها والتحدث بها إذا لم يطرأ شيء من الموانع التي سنذكرها. وعلى الاحتجاج بها على الغير. وعلى الاقتناع بها إذا احتج بها الغير عادلين عن آرائهم حينئذ. وعلى الرجوع إليها فيما يطرأ بها من الحوادث وعلى حث غيرهم على العمل بها كل ذلك بدون نكير.

فهذا أبو بكر يحتج بحديث «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» على الأنصار يوم السقيفة فيقتنعون به. ويحتج بحديث «نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» على فاطمة فتقتنع به. ويقضي بحديث ميراث الجدة الذي رواه المغيرة بعد أن تأكد ثبوته برواية محمد بن مسلمة له. ويحتج عليه عمر بحديث «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» فيرد عليه بقوله في آخر الحديث: «إِلَاّ بِحَقِّهَا» .

وهذا عمر يقول - وهو يقبل الحجر الأسود -: «

وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ». ويتحدث على ملأ من الناس فوق منبر رسول الله - بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . ويقتنع بحديث الاستئذان الذي يرويه له أبو موسى بعد أن شهد بصحته أبو سعيد. وهو الناشد للناس في غير موقف - بل في مواقف شَتَّى: من عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا. (نحو ما ذكره مالك وغيره عنه في توريث المرأة من دية زوجها وفي الجنين يسقط عند ضرب بطن أمه وغير ذلك مما تقدم). وهو الكاتب إلى عُمَّالِهِ: «تَعَلَّمُوا [الْفَرَائِضَ] وَالسُّنَّةَ وَاللَّحْنَ كَمَا تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ» . وهو القائل: «إِيَّاكُمْ وَالرَّأْيَ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ الأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا» . والقائل: «خَيْرُ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» . والقائل: «سَيَأْتِي قَوْمٌ يُجَادِلُونَكُمْ بِشُبُهَاتِ الْقُرْآنِ فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل» .

وَهَذَا عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - يَقُولُ: «إِذَا حَدَّثْتُمْ - وفي رواية «إِذَا حَدَّثْتُكُمْ» - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ حَدِيثًا فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي [هُوَ] أَهْنَأُ وَأَهْدَى وَأَتْقَى. وفي رواية: «فَظُنُّوا بِرَسُولِ اللهِ أَهْنَاهُ وَأَتْقَاهُ وَأَهْدَاهُ» .

ص: 478

وهذا عبد الله بن مسعود يحتج بحديث: «لَعَنَ اللَّهُ

وَالوَاشِمَةَ» ويحدث عثمان بحديث رسول الله فيما رواه أبو داود عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: إِنِّي لأَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِمِنًى إِذْ لَقِيَهُ عُثْمَانُ فَاسْتَخْلَاهُ. فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ، أَنْ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَالَ لِي: تَعَالَ يَا عَلْقَمَةُ. فَجِئْتُ فَقَالَ لَهُ: عُثْمَانُ أَلَا نُزَوِّجُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِجَارِيَةٍ بِكْرٍ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» .

وهذا أبو هريرة يمدحه ابن عمر ويقول له: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَعْرَفُنَا بِحَدِيثِهِ» . ويترحم عليه في جنازته ويقول: «كَانَ يَحْفَظُ عَلَى المُسْلِمِينَ حَدِيثَ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم» . ويروي البخاري في " التاريخ " والبيهقي في " المدخل " عن مُحَمَّدٍ بْنَ عُمَارَة [بْن عَمْرُو] بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مَشْيَخَة مِنْ الصَّحَابَة بِضْعَة عَشَر رَجُلاً، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَة يُحَدِّثهُمْ عَنْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالحَدِيثِ فَلَا يَعْرِفهُ بَعْضهمْ، فَيُرَاجِعُونَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفُوهُ، ثُمَّ يُحَدِّثهُمْ بِالْحَدِيثِ كَذَلِكَ حَتَّى فَعَلَ مِرَارًا. [يَقُولُ مُحَمَّدٌ]:«فَعَرَفْت يَوْمَئِذٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة أَحْفَظ النَّاس» .

ويقول - فيما يرويه البخاري: «إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، [ثُمَّ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى]: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاّعِنُونَ، إِلَاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (1) إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ» . ويجلس إلى جنب حجرة عائشة يتلو الحديث ويقول (2): «اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ» .

وهذا أبو ذر يقول: «لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ

(1)[سورة البقرة، الآيتان: 159، 160].

(2)

كما في " سنن أبي داود ": ج 3 ص 320.

ص: 479

أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتُهَا».

وهذا البراء بن عازب يقول فيما يرويه أحمد: «مَا كُلُّ الحَدِيثِ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُحَدِّثُنَا أَصْحَابُنَا عَنْهُ، كَانَتْ تَشْغَلُنَا عَنْهُ رَعِيَّةُ الإِبِلِ» .

وَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَحْكِي عَنْهُ مُجَاهِدٌ - فِيمَا رَوَاهُ " مُسْلِمٌ " - فَيَقُولُ: جَاءَ بُشَيْرٌ الْعَدَوِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ، وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَالِي لَا أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي، أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا تَسْمَعُ؟، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:«إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ، وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَاّ مَا نَعْرِفُ» .

والآثار في ذلك عن كثير من الصحابة كثيرة تفوت الحصر والعد. وقد سبق كثير منها في حُجِّيَّةَ السُنَّةِ. ومجموعها يفيدنا إفادة قطعية أنهم ما كانوا يمتنعون عن التحديث لذات التحديث. ولا لأن الحديث ليس بحجة في نظرهم. بل لبعض الموانع التي تطرأ. ويفيدنا اَيْضًا أن حُجِّيَّةَ السُنَّةِ متقررة في نفوسهم مجمعون عليها.

وهذا يحملنا على أن نبحث عن أسباب أخرى غير ما ذكر صاحب الشبهة تكون قد حملتهم في بعض الأحوال على الامتناع عن التحديث وعلى النهي عنه (وهذا ما سنبحثه بعد) إذ لا يصح بعد أن ثبت أمر النبي بالتبليغ والتحديث. وبعد ما ثبت من إجماعهم على حُجِّيَّةَ السُنَّةِ، وعلى حرصهم على امتثال ذلك الأمر. وبعد قيام الأدلة القاطعة على حُجِّيَّتِهَا - أن يتوهم أنهم إنما امتنعوا ونهوا لعدم حجيتها في نظرهم.

ولو فرضنا أن امتناعهم ونهيهم قد ثبت. وفرضنا كذلك دلالتهما على عدم الحُجِّيَةِ - أفيسوغ لك يا هذا الذي له رأس بين كتفيه وعقل في ذلك الرأس - يا من تذهب إلى أن الإسلام هو القرآن وحده وأنه لا دليل على الأحكام سواه ولو كان هذا الدليل قول أو عمل ذلك النبي الذي كان ينزل عليه الوحي من السماء وكان

ص: 480