الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الرابعة عشره: رسالته إلى البكبلى صاحب اليمن
…
-14- الرسالة الرابعة عشرة: وله رسالة إلى البكبلي، صاحب اليمن:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نزل الحق في الكتاب، وجعله تذكرة لأولي الألباب، ووفق مَنْ مَنَّ عليه من عباده للصواب، لعنوان الجواب، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه ورسوله، وخيرته من خلقه، محمد وعلى آله وشيعته وجميع الأصحاب، ما طلع نجم وغاب، وانهل وابل من سحاب.
من عبد العزيز بن محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، إلى الأخ في الله: أحمد بن محمد العديلي البكبلي، سلمه الله من جميع الآفات، واستعمله بالباقيات الصالحات، وحفظه من جميع البليات، وضاعف له الحسنات، ومحا عنه السيئات؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، لفانا1 كتابكم، وسر الخاطر بما ذكرتم فيه من سؤالكم، وما بلغنا على البعد من أخباركم، وسؤالكم عما نحن عليه، وما دعونا الناس إليه؛ فأردنا أن نكشف عنكم الشبهة بالتفصيل، ونوضح لكم القول الراجح بالدليل، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسلك بنا وبكم أحسن منهج وسبيل.
أما ما نحن عليه من الدين: فعلى دين الإسلامن الذي قال الله فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ
1 أي: وافانا.
الْخَاسِرِينَ} 1. وأما ما دعونا الناس إليه، فندعوهم إلى التوحيد الذي قال الله فيه، خطاباً لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 2 وقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 3.
وأما ما نهينا الناس عنه، فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه:{مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} 4، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التغليظ، وإلا فهو منَزه هو وإخوانه عن الشرك:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 5، وغير ذلك من الآيات.
ونقاتلهم عليه، كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 6، أي: شرك،:{وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} 7، وقوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} 8، وقوله صلى الله عليه وسلم: " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله
1 سورة آل عمران آية: 85.
2 سورة يوسف آية: 108.
3 سورة الجن آية: 18.
4 سورة المائدة آية: 72.
5 سورة الزمر الآيتان: 65-66.
6 سورة الأنفال آية: 39.
7 سورة الأنفال آية: 39.
8 سورة التوبة آية: 5.
وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها؛ وحسابهم على الله عز وجل " 1، وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} 2. وسماها سبحانه بالعروة الوثقى، وكلمة التقوى، وسموها الطواغيت كلمة الفجور. من قال: "لا إله إلا الله" عصم دمه وما له 3، ولو هدم أركان الإسلام الخمسة، وكفر بأصول الإيمان الستة.
وحقيقة اعتقادنا: أنها تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، وإلا فالمنافقون في الدرك الأسفل من النار، مع أنهم يقولون:"لا إله إلا الله"، بل ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، بل ويصومون، ويحجون، ويجاهدون، وهم مع ذلك تحت آل فرعون في الدرك الأسفل من النار. وكذلك ما نصه الله سبحانه عن بلعام، وضرب له مثلاً بالكلب، مع ما معه من العلم، فضلاً عن الاسم الأعظم:
وعالم بعلمه لم يعملنْ
…
معذَّب من قبل عبّاد الوثنْ
وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد، فنحن مقلدون الكتاب والسنة، وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل، رحمهم الله تعالى.
وأما ما سألتم عنه من حقيقة الإيمان، فهو التصديق، وأنه يزيد بالأعمال الصالحة، وينقص بضدها، قال الله تعالى:{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} 4،
1 البخاري: الإيمان (25)، ومسلم: الإيمان (22) .
2 سورة محمد آية: 19.
3 أي: عندهم.
4 سورة المدثر آية: 31.
وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} 1، وقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} 2، وغير ذلك من الآيات.
قال الشيباني، رحمه الله:
وإيماننا قول وفعل ونية
…
ويزداد بالتقوى وينقص بالردى
وقوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها: قول "لا إله إلا الله"، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق " 3، وقوله صلى الله عليه وسلم:" فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " 4، وقوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} 5، {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} 6. فقال الطواغيت الذي قال الله فيهم:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 7: إن فساق مكة حشو الجنة، مع أن السيئات تضاعف فيها كما تضاعف الحسنات؛ فانقلبت القضية بالعكس، حتى آل الأمر إلى الهتيميات المعروفات بالزنى والمصريات، يأتون وفوداً يوم الحج الأكبر، كل من الأشراف معروفة بغيته منهن جهاراً، وأن أهل اللواط وأهل الشرك، الرافضة وجميع الطوائف من أعداء الله ورسوله آمنين فيها، وأن من دعا أبا طالب آمن، ومن وحد الله وعظمه ممنوع من دخولها ولو استجار بالكعبة
1 سورة التوبة آية: 124.
2 سورة الأنفال آية: 2.
3 مسلم: الإيمان (35)، والترمذي: الإيمان (2614)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5005)، وأبو داود: السنة (4676)، وابن ماجة: المقدمة (57) ، وأحمد (2/414) .
4 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008، 5009)، وأبو داود: الصلاة (1140) والملاحم (4340)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/10، 3/20، 3/49، 3/52، 3/54، 3/92) .
5 سورة الحج آية: 25.
6 سورة الحج آية: 26.
7 سورة التوبة آية: 31.
ما أجارته، وأبو طالب والهتيميات يجيرون من استجار بهم. سبحانك هذا بهتان عظيم!:{وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَاّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 1. وما جئنا بشيء يخالف النقل، ولا ينكره العقل، ولكنهم يقولون ما لا يفعلون، ونحن نقول ونفعل. {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} 2. نقاتل عبّاد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم، ونقاتلهم على ترك الصلاة، وعلى منع الزكاة، كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ ولكن ما هو إلا كما قال ورقة بن نوفل: ما أتى أحد بمثل ما أتيت به إلا عودي وأوذي وأُخرج. وما قل وكفى خير مما كثر وألهى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 سورة الأنفال آية: 34.
2 سورة الصف آية: 3.