الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة السادسة عشره: رسالته إلى عبد الله بن عبد الله الصنعاني
…
-16- الرسالة السادسة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام التام على سيدنا محمد سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام.
إلى عبد الله بن عبد الله الصنعاني، وفقه الله وهداه، وجنبه الإشراك والبدعة وحماه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فوصل الخط، وتضمن السؤال فيه عما نحن عليه من الدين؛ فنقول، وبالله التوفيق: الذي ندين به: عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بعبادة غيره، ومتابعة الرسول النبي الأمي، حبيب الله وصفيه من خلقه، محمد صلى الله عليه وسلم.
فأما عبادة الله فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} 1، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 2. فمن أنواع العبادة: الدعاء: وهو الطلب بياء النداء، لأنه ينادى به القريب والبعيد، وقد يستعمل في الاستغاثة، أو بأحد أخواتها من حروف النداء. فإن العبادة اسم جنس، فأمر تعالى عباده أن يدعوه ولا يدعوا معه غيره، فقال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} 3.
وقال في النهي: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 4، {أَحَداً} و: كلمة تصدق على كل ما دعي مع الله تعالى. وقد روى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء مخ العبادة " 5، وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله
1 سورة الذاريات آية: 56.
2 سورة النحل آية: 36.
3 سورة غافر آية: 60.
4 سورة الجن آية: 18.
5 سنن الترمذي: كتاب الدعوات (3371) .
صلى الله عليه وسلم: " الدعاء هو العبادة. ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 1" 2، رواه أحمد وأبو داود والترمذي. قال العلقمي في شرح الجامع الصغير: حديث: " الدعاء مخ العبادة " 3، قال شيخنا: قال في النهاية: مخ الشيء خالصه، وإنما كان مخها لأمرين:
أحدهما: أنه امتثال لأمر الله تعالى حيث قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (، فهو مخ العبادة وهو خالصها.
الثاني: أنه إذا رأى نجاح الأمور من الله، قطع أمله عما سواه، ودعاه لحاجته وحده، ولأن الغرض من العبادة هو الثواب عليها، وهو المطلوب بالدعاء. وقوله:" الدعاء هو العبادة "، قال شيخنا: قال الطّيبِي: أتى بالخبر المعرف باللام، ليدل على الحصر، وأن العبادة ليست غير الدعاء. انتهى كلام العلقمي.
إذا تقرر هذا، فنحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعو أحداً من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم؛ بل نعلم أنه نهى عن هذه الأمور كلها، وأن ذلك من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله؛ قال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} 4، وقال تعالى:{فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} 5، وقال:{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} 6 الآيات. وهذا من معنى "لا إله إلا الله": فإن "لا" هذه: النافية
1 سورة غافر آية: 60.
2 الترمذي: تفسير القرآن (3247)، وابن ماجة: الدعاء (3828) .
3 سنن الترمذي: كتاب الدعوات (3371) .
4 سورة الأحقاف الآيتان:5- 6.
5 سورة الشعراء آية: 213.
6 سورة يونس آية: 106.
للجنس، فنفى جميع الآلهة. و"إلا": حرف استثناء يفيد حصر جميع العبادة على الله عز وجل. و"الإله": اسم صفة لكل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق، وهو الله تعالى؛ وهو الذي يخلق ويرزق ويدبر الأمور. والتأله: التعبد؛ قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 1، ثم ذكر الدليل فقال:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 2 إلى قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً} 3 الآية.
وأما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات والأقوال والأفعال؛ قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 4 الآية، وقال صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد " 5، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد "6. فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله: فما وافق منها قُبل، وما خالف رُد على فاعله كائناً من كان؛ فإن شهادة أن محمداً رسول الله تتضمن تصديقه فيما أخبر به، وطاعته ومتابعته في كل ما أمر به. وقد روى البخاري من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى "7.
فتأمل، رحمك الله، ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده، والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وما عليه الأئمة المقتدى بهم منض
1 سورة البقرة آية: 163.
2 سورة البقرة آية: 164.
3 سورة البقرة آية: 165.
4 سورة آل عمران آية: 31.
5 البخاري: الصلح (2697)، ومسلم: الأقضية (1718)، وأبو داود: السنة (4606)، وابن ماجة: المقدمة (14) ، وأحمد (6/73، 6/146، 6/180، 6/240، 6/256، 6/270) .
6 البخاري: الصلح (2697)، ومسلم: الأقضية (1718)، وأبو داود: السنة (4606)، وابن ماجة: المقدمة (14) ، وأحمد (6/73، 6/146، 6/180، 6/240، 6/256، 6/270) .
7 البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (7280) ، وأحمد (2/361) .
أهل الحديث والفقهاء، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، رضي الله عنهم أجمعين، لكي نتبع آثارها.
وأما مذهبنا: فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها.
والمقصود: بيان ما نحن عليه من الدين، وأنه عبادة الله وحده لا شريك له فيها، بخلع جميع الشرك، ومتابعة الرسول فيها بخلع جميع البدع، إلا بدعة لها أصل في الشرع، كجمع المصحف في كتاب واحد، وجمع عمر رضي الله عنه الصحابة على التراويح جماعة، وجمع ابن مسعود أصحابه على القصص كل خميس، ونحو ذلك فهذا حسن. والله أعلم.