الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الخامسة والثلاثون: رسالته إلى عبد الله بن عيسى وأبنة وعبد الله بن عبد الرحمن
…
-5- الرسالة الخامسة والثلاثون ومنها رسالة أرسلها إلى مطاوعة أهل الدرعية، وهو إذ ذاك في بلد العيينة، قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى عبد الله بن عيسى، وابنه عبد الوهاب، وعبد الله بن عبد الرحمن، حفظهم الله تعالى؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فقد ذكر لي أحمد أنه مشكل عليكم الفتيا بكفر هؤلاء الطواغيت، مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس، والذين يعبدونهم مثل طالب وأمثاله.
فيقال: أولاً: دين الله تعالى ليس لي دونكم، فإذا أفتيت أو عملت بشيء وعلمتم أني مخطئ، وجب عليكم تبيين الحق لأخيكم المسلم، وإن لم تعلموا، وكانت المسألة من الواجبات مثل التوحيد، فالواجب عليكم أن تطلبوا وتحرصوا حتى تفهموا حكم الله ورسوله في تلك المسألة. وما ذكر أهل العلم قبلكم، فإذا تبين حكم الله ورسوله بياناً كالشمس، فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يرده لكونه مخالفاً لهواه، أو لما عليه أهل وقته ومشايخه؛ فإن الكفر كما قال ابن القيم في نونيته:
فالكفر ليس سوى العناد وردّ ما
…
جاء الرسول به لقول فلانِ
فانظر لعلك هكذا دون التي
…
قد قالها فتبوء بالخسرانِ
ومتى لم تتبين لكم المسألةن لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطؤه، بل الواجب السكوت والتوقف. فإذا تحققتم الخطأ بينتموه ولم تهدروا جميع المحاسن لأجل مسألة أو مائة أو مائتين أخطأت فيهن، فإني
لا أدعي العصمة. وأنتم تقرون أن الكلام الذي بينته في معنى "لا إله إلا الله" هو الحق الذي لا ريب فيه، سبحان الله إذا كنتم تقرون بهذا فرجل بيّن الله به دين الإسلام، وأنتم ومشايخكم ومشايخهم لم يفهموه، ولم يميزوا بين دين محمد صلى الله عليه وسلم ودين عمرو بن لحي الذي وضعه للعرب، بل دين عمرو عندهم دين صحيح، ويسمونه رقة القلب، والاعتقاد في الأولياء، ومن لم يفعل فهو متوقف لا يدري ما هذا، ولا يفرق بينه وبين دين محمد صلى الله عليه وسلم، فالرجل الذي هداكم الله به لهذا إن كنتم صادقين، لو يكون أحب إليكم من أموالكم وأولادكم لم يكن كثيراً؛ فكيف يقال: أفتى في مسألة الوقف، أفتى في كذا، أفتى في كذا؟ كلها ولله الحمد على الحق، إلا أنها مخالفة لعادة الزمان ودين الآباء.
وأنا إلى الآن أطلب الدليل مِن كل مَن خالفني، فإذا قيل له: استدل، أو اكتب، أو اذكر، حاد عن ذلك وتبين عجزه، لكن يجتهدون الليل والنهار في صد الجهال عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً. اللهم إلا إن كنتم تعتقدون أن كلامي باطل وبدعة، مثل ما قال غيركم، وأن الاعتقاد في الزاهد وشمسان والمطيوية والاعتماد عليهم هو الدين الصحيح، وكل ما خالفه بدعة وضلالة، فتلك مسألة أخرى.
إذا ثبت هذا، فتكفير هؤلاء المرتدين، انظروا في كتاب الله من أوله إلى آخره، والمرجع في ذلك إلى ما قاله المفسرون والأئمة. فإن جادل منافق بكون الآية نزلت في الكفار، فقولوا له: هل قال أحد من أهل العلم أولهم وآخرهم: إن هذه الآيات لا تعم من عمل بها من المسلمين؟ من قال هذا قبلك؟ وأيضاً، فقولوا له: هذا رد على إجماع الأمة؛ فإن استدلالهم بالآيات النازلة في الكفار على من عمل بها ممن انتسب إلى الإسلام، أكثر من أن تذكر. وهذا أيضا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيمن فعل مثل 1 هذه الأفاعيل، مثل الخوارج العباد الزهاد، الذين يحقر الإنسان الصحابة عندهم، وهم بالإجماع لم يفعلوا ما فعلوا إلا باجتهاد وتقرب إلى الله. وهذه سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن خالف الدين، ممن له عبادة واجتهاد، مثل:" تحريق علي رضي الله عنه من اعتقد فيه بالنار، وأجمع الصحابة على قتلهم وتحريقهم إلا ابن عباس، رضي الله عنهما، خالفهم في التحريق، فقال: يُقتلون بالسيف ".
وهؤلاء الفقهاء من أولهم إلى آخرهم، عقدوا باب حكم المرتد للمسلم إذا فعل كذا وكذا، ومصداق ذلك في هذه الكتب، الذي يقول المخالف: جمعوا فيها الثمر وهم أعلم منا
…
وهم
…
انظروا في متن الإقناع، في باب حكم المرتد، هل صرح أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، أنه كافر بإجماع الأمة؟ وذكر فيمن اعتقد في علي بن أبي طالب دون ما يعتقد طالب في حسين وإدريس أنه لا شك في كفره، بل لا يشك في كفر من شك في كفره. وأنا ألزم عليكم أنكم تحققون النظر في عبارات الإقناع وتقرؤونها قراءة تفهّم، وتعرفون ما ذكر في هذا.
وما ذكر في التشنيع عليَّ من الأصدقاء، عرفتم شيئا من مذاهب الآباء وفتنة الأهواء، إذا تحققتم ذلك وطالعتم الشروح والحواشي، فإذا إني لم أفهمه وله معنى آخر، فأرشدوني. وعسى الله أن يهدينا وإياكم وإخواننا لما يحب ويرضى، ولا يدخل خواطركم غلظة هذا الكلام، فالله سبحانه يعلم قصدي به، والسلام.
1 في المخطوطة والمصوّرة: (دون) ، وهي الصّحيح.