الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الحادية والعشرون: رسالته إلى محمد بن سلطان
…
-4- الرسالة الحادية والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إلى محمد بن سلطان، سلمه الله تعالى.
وبعد، لا يخفاك أنه ذكر لنا عنك كلام حسن، ويذكر أيضاً كلام ما هو بزين. وننتظر قدومك إلينا ونبين لك، عسى الله أن يهدينا وإياك الصراط المستقيم. وجاءنا عنك أنك تقول: أبغيكم تكتبون لي الدليل من قول الله وقول رسوله وكلام العلماء، على كفر الذين ينصبون أنفسهم للنذور، والنخي في الشدائد، ويرضون بذلك، وينكرون على من زعم أنه شرك. ويذكرون عنك أنك تقول: أبغي أعرضه على العلماء في الخرج وفي الأحساء؛ ولكم عليّ أني ما أقبل منهم الطفايس والكلام الفاسد. فإن بينوا حجة صحيحة من الله ورسوله أو عن العلماء تفسد كلامكم، وإلا اتبعت أمر الله ورسوله، واعتقدت كفر الطاغوت ومَن عبدهم، وتبرأت منهم.
فإن كنت قلت هذا، فهو كلام حسن، وفقك الله لطاعته. ولا يخفاك أني أعرض هذا من سنين على أهل الأحساء وغيرهم، وأقول: كل إنسان أجادله 1 بمذهبه: إن كان شافعياً فبكلام الشافعية، وإن كان مالكياً فبكلام المالكية، أو حنبلياً أو حنفياً، فكذلك، فإذا أرسلت إليهم ذلك عدلوا عن الجواب، لأنهم يعرفون أني على الحق وهم على الباطل؛ وإنما يمنعهم من الانقياد التكبر والعناد على أهل نجد، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} 2. وأنا أذكر لك الدليل على هذا الأمر،
1 في المخطوطة والمصورة: (يذاكرني) .
2 سورة غافر آية: 56.
وأوصيك بالبحث عنه والحرص عليه. وأحذرك عن الهوى والتعصب؛ بل اقصد وجه الله، واطلب منه، وتضرع إليه أن يهديك للحق. وكن على حذر من أهل الأحساء، أن يلبسوا عليك بأشياء لا ترد على المسألة، أو يشبّهوا عليك بكلام باطل، كما قال تعالى:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 1. وأنا أُشهد الله وملائكته، إن أتاني منهم حق لأقبلنّه على الرأس والعين. ولكن هيهات أن يقدر أحد أن يدفع حجج الله وبيّناته.
واعلم، أرشدك الله، أن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب لمسألة واحدة، هي: توحيد الله وحده، والكفر بالطاغوت، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 2، والطاغوت هو الذي يسمى:"السيد"، الذي يُنخى ويُنذر له، ويُطلب منه تفريج الكربات غير الله تعالى. وهذا يتبين بأمرين عظيمين:
الأول: توحيد الربوبية، وهو الشهادة بأنه لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يدبر الأمور إلا هو؛ وهذا حق، ولكن أعظم الكفار كفراً، الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشهدون به ولم يدخلهم في الإسلام، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ
1 سورة آل عمران آية: 78.
2 سورة النحل آية: 36.
يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 1.
فإذا تدبرت 2 هذا الأمر العظيم، وعرفت أن الكفار يقرّون بهذا كله لله وحده لا شريك له، وأنهم إنما اعتقدوا في آلهتهم لطلب الشفاعة والتقرب إلى الله، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 3، وفي الآية الأخرى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 4.
فإذا تبين لك هذا وعرفته معرفة جيدة، بقي للمشركين حجة أخرى؛ وهي أنهم يقولون: هذا حق، ولكن الكفار يعتقدون في الأصنام 5، فالجواب القاطع أن يقال لهم: إن الكفار في زمانه صلى الله عليه وسلم، منهم من يعتقد في الأصنام، ومنهم من يعتقد في قبر رجل صالح مثل اللات، ومنهم من يعتقد في الصالحين، وهم الذين ذكر الله في قوله عز وجل:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} 6. يقول تعالى: هؤلاء الذين يدْعونهم الكفار ويدّعون محبتهم، قوم صالحون يفعلون طاعة الله ومع هذا راجون خائفون. فإذا تحققت أن العلي الأعلى تبارك وتعالى ذكر في كتابه أنهم يعتقدون في الصالحين وأنهم لم يريدوا إلا الشفاعة عند الله والتقرب إليه بالاعتقاد في الصالحين، وعرفت أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين من اعتقد في الأصنام ومن اعتقد في الصالحين، بل قاتلهم كلهم وحكم بكفرهم، تبين لك حقيقة دين الإسلام وعرفت
1 سورة يونس آية: 31.
2 في المخطوطة قبل (فإذا تدبرت)(وقوله قل لمن الأرض ومن فيها إلى قوله فأنى تسحرون) .
3 سورة يونس آية: 18.
4 سورة الزمر آية: 3.
5 في المخطوطة: (ونحن نعتقد في الصالحين، وكيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟) .
6 سورة الإسراء آية: 57.
الأمر الثاني: وهو توحيد الإلهية، وهو أنه لا يُسجد إلا لله، ولا يركع إلا له، ولا يُدعى في الرخاء والشدائد إلا هو، ولا يُذبح إلا له، ولا يُعبد بجميع العبادات إلا الله وحده لا شريك له، وأن من فعل ذلك في نبي من الأنبياء أو ولي من الأولياء فقد أشرك بالله، وذلك النبي أو الرجل الصالح بريء ممن أشرك به كتبرؤ عيسى من النصارى، وموسى من اليهود، وعلي من الرافضة، وعبد القادر من الفقراء. وعرفت أن الألوهية هي التي تسمى في زماننا:"السيد" 1، لقوله تعالى:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 2. فتأمل قول بني إسرائيل مع كونهم إذ ذاك أفضل العالمين لنبيهم: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً} يتبين لك معنى الإله، ويزيدك بصيرة قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَاّ إِيَّاهُ} 3. فيا سبحان الله! إذا كان الله يذكر عن أولئك الكفار أنهم يخلصون لله في الشدائد، لا يدعون نبياً ولا ولياً، وأنت تعلم ما في زمانك أن أكثر ما بهم الكفر والشرك ودعاء غير الله عند الشدائد، فهل بعد هذا البيان بيان؟
وأما كلام أهل العلم، فقد ذكر في الإقناع، في باب حكم المرتد، إجماع المذاهب كلهم على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، أنه كافر مرتد حلال المال والدم. وذكر فيه أن الرافضي إذا شتم الصحابة فقد توقف الإمام في تكفيره، فإن ادعى أن علياً يُدعى في الشدائد والرخاء 4 فلا شك في كفره 5. هذا معنى كلامه في
1 في المخطوطة والمصورة: (السر) .
2 سورة الأعراف آية: 138.
3 سورة الإسراء آية: 67.
4 في المخطوطة: (يعني كما يدعي شمسان وأجناسه) .
5 في المخطوطة: (بل لا شك في كفر من شك في كفره) .
الإقناع. " وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لما اعتقد فيه النفع والضر أناس في زمانه حرقهم بالنار، مع عبادتهم "؛ فكذلك الذين يدعون شمسان وأمثاله وأجناسه، لا شك في كفرهم.
واعلم أن هذه المسألة مسألة عظيمة جداً، وهي التي خلق الله الجن والإنس لأجلها، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فأنت، اعرضْ هذا الكلام على كل من يدعي العلم، وأنا أعيذك بالله وجميع المسلمين من التكبر والعناد، الذي يرد صاحبه الحق بعد ما تبين. واعلم أن أكثر القرآن في هذه المسألة وتقريرها، وضرب الأمثال لها، والله أعلم.