الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة العشرون: رسالته إلى عبد الله بن سحيم
…
-3- الرسالة العشرون: ومنها رسالة أرسلها إلى عبد الله بن سحيم، مطوع المجمعة، قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى عبد الله بن سحيم، حفظه الله تعالى؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فقد وصل كتابك، تطلب شيئاً من معنى كتاب المويس الذي أرسل لأهل الوشم؛ وأنا أجيبك عن الكتاب جملة؛ فإن كان الصواب فيه فنبهني وأرجع إلى الحق، وإن كان الأمر كما ذكرت لك من غير مجازفة بل أنا مقتصر، فالواجب على المؤمن أن يدور مع الحق حيث دار. وذلك أن كتابه مشتمل على الكلام في ثلاثة أنواع من العلوم:
الأول: علم الأسماء والصفات، الذي يسمى: علم أصول الدين، ويسمى أيضاً: العقائد.
والثاني: الكلام على التوحيد والشرك.
والثالث: الاقتداء بأهل العلم، واتباع الأدلة، وترك ذلك.
أما الأول: فإنه أنكر على أهل الوشم إنكارهم على من قال: ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض، وهذا الإنكار جمع فيه بين اثنتين:
إحداهما: أنه لم يفهم كلام ابن عيدان وصاحبه.
الثانية: أنه لم يفهم صورة المسألة; وذلك أن مذهب الإمام أحمد وغيره من السلف، أنهم لا يتكلمون في هذا النوع إلا بما يتكلم الله به ورسوله: فما أثبته الله لنفسه أو أثبته رسوله أثبتوه، مثل الفوقية والاستواء والكلام والمجيء وغير
ذلك، وما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله نفوه، مثل المثل والندّ والسميّ وغير ذلك. وأما ما لا يوجد عن الله ورسوله إثباته ونفيه، مثل الجوهر والجسم والعرض والجهة وغير ذلك، لا يثبتونه ولا ينفونه. فمن نفاه مثل صاحب الخطبة التي أنكرها ابن عيدان وصاحبه، فهو عند أحمد والسلف مبتدع، ومن أثبته مثل هشام بن الحكم وغيرهم فهو عندهم مبتدع. والواجب عندهم: السكوت عن هذا النوع، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. هذا معنى كلام الإمام أحمد الذي في رسالة المويس أنه قال: لا أرى الكلام إلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. فمن العجب استدلاله بكلام الإمام أحمد على ضده؛ ومثاله في ذلك كمثل حنفي يقول: الماء الكثير ولو بلغ قلتين ينجس، بمجرد الملاقاة من غير تغير. فإذا سئل عن الدليل، قال: قوله صلى الله عليه وسلم: " الماء طهور لا ينجسه شيء " 1، فيستدل بدليل خصمه. فهل يقول هذا مَن يفهم ما يقول؟
وأنا أذكر لك كلام الحنابلة في هذه المسألة: قال الشيخ تقي الدين، بعد كلام له على من قال: إنه ليس بجوهر 2 ولا عرض، ككلام صاحب الخطبة، قال، رحمه الله: فهذه الألفاظ لا يطلق إثباتها ولا نفيها، كلفظ الجوهر، والجسم، والتحيز، والجهة، ونحو ذلك من الألفاظ؛ ولهذا لما سئل ابن سريج عن التوحيد، فذكر توحيد المسلمين، قال: وأما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض، وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك. وكلام السلف والأئمة في ذم الكلام وأهله مبسوط في غير هذا الموضع، والمقصود: أن
1 الترمذي: الطهارة (66)، وأبو داود: الطهارة (66) .
2 في المخطوطة والمصورة: (ليس بجسم ولا جوهر
…
إلخ) .
الأئمة كأحمد وغيره لما ذكر لهم أهل البدع الألفاظ المجملة، كلفظ الجسم والجوهر والحيز، لم يوافقوهم، لا على إطلاق الإثبات ولا على إطلاق النفي. انتهى كلام الشيخ تقي الدين.
إذا تدبرت هذا، عرفت أن إنكار ابن عيدان وصاحبه على الخطيب الكلام في هذا عين الصواب، وقد اتبعا في ذلك إمامهما أحمد بن حنبل وغيره في إنكارهم ذلك على المبتدعة؛ ففهم صاحبكم أنهما يريدان إثبات ضد ذلك، وأن الله جسم وكذا وكذا، تعالى الله عن ذلك. وظن أيضاً أن عقيدة أهل السنة هي نفي أنه لا جسم ولا جوهر ولا كذا ولا كذا. وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت، من أثبت بدَّعوه، ومن نفى بدَّعوه، فالذي يقول: ليس بجسم ولا
…
ولا
…
هم الجهمية والمعتزلة، والذين يثبتون ذلك هو هشام وأصحابه.
والسلف بريئون من الجميع: من أثبت بدَّعوه، ومن نفى بدَّعوه. فالمويس لم يفهم كلام الأحياء ولا كلام الأموات، وجعل النفي الذي هو مذهب الجهمية والمعتزلة مذهب السلف، وظن أن من أنكر النفي أنه يريد الإثبات كهشام وأتباعه. ولكن أعجب من ذلك: استدلاله على ما فهم بكلام أحمد المتقدم ومن كلام أبي الوفا ابن عقيل، قال: أنا أقطع أن أبا بكر وعمر ماتا ما عرفا الجوهر والعرض، فإن رأيت أن طريقة أبي عليّ الجبائي وأبي هاشم خير لك من طريقة أبي بكر وعمر، فبئس ما رأيت. انتهى. وصاحبكم يدَّعي أن الرجل لا يكون من أهل السنة حتى يتبع أبا علي وأبا هاشم بنفي الجوهر والعرض؛ فإن أنكر الكلام فيهما مثل أبي بكر وعمر فهو عنده على مذهب هشام الرافضي.
فظهر بما قررناه، أن الخطيب الذي يتكلم بنفي العرض والجوهر، أخذه من
مذهب الجهمية والمعتزلة، وأن ابن عيدان وصاحبه أنكرا ذلك مثل ما أنكره أحمد والعلماء كلهم على أهل البدع. وقوله في الكتاب: ومذهب أهل السنة إثبات، من غير تعطيل ولا تجسيم ولا كيف ولا أين
…
إلخ، وهذا من أبين الأدلة على أنه لم يفهم عقيدة الحنابلة، ولم يميز بينها وبين عقيدة المبتدعة؛ وذلك أن إنكار الأين من عقائد أهل الباطل، وأهل السنة يثبتونه اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح أنه قال للجارية:" أين الله؟ "، فزعم هذا الرجل أن إثباتها مذهب المبتدعة، وأن إنكارها مذهب أهل السنة كما قيل: وعكسه بعكسه.
وأما الجسم، فتقدم الكلام أن أهل الحق لا يثبتونه ولا ينفونه، فغلط عليهم في إثباته. وأما التعطيل والكيف فصدق في ذلك؛ فجمع لكم أربعة ألفاظ: نصفها حق من عقيدة الحق، ونصفها باطل من عقيدة الباطل، وساقها مساقاً واحداً، وزعم أنه مذهب أهل السنة، فجهل وتناقض. وقوله أيضاً: ويثبتون ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم من السمع والبصر والحياة والقدرة والإرادة والعلم والكلام
…
إلخ، وهذا أيضاً من أعجب جهله؛ وذلك أن هذا مذهب طائفة من المبتدعة يثبتون الصفات السبع، وينفون ما عداها ولو كان في كتاب الله، ويؤولونه. وأما أهل السنة، فكل ما جاء عن الله ورسوله أثبتوه، وذلك صفات كثيرة؛ لكن أظنه نقل هذا من كلام المبتدعة وهو لا يميز بين كلام أهل الحق من كلام أهل الباطل.
إذا تقرر هذا، فقد ثبت خطؤه من وجوه:
الأول: أنه لم يفهم الرسالة التي بعثت إليه.
الثاني: أنه بهت أهلها بإثبات الجسم وغيره.
الثالث: أنه نسبهم إلى الرافضة، ومعلوم أن الرافضة من أبعد الناس عن هذا المذهب وأهله.
الرابع: أنه نسب من أنكر هذه الألفاظ إلى الرفض والتجسيم، وقد تبين أن الإمام أحمد وجميع السلف ينكرونه، فلازم كلامه: أن مذهب الإمام أحمد وجميع السلف مجسمة على مذهب الرفض.
الخامس: أنه نسب كلامهما إلى الفرية الجسمية، فجعل عقيدة إمامه وأهل السنة فرية جسمية.
السادس: أنه زعم أن البدع اشتعلت في عصر الإمام أحمد، ثم ماتت حتى أحياها أهل الوشم؛ فمفهوم كلامه بل صريحه: أن عصر الإمام أحمد وأمثاله عصر البدع والضلال، وعصر ابن إسماعيل عصر السنة والحق.
السابع: أنه نسبها إلى التعطيل، والتعطيل إنما هو جحد الصفات.
الثامن: بهتهما أنهما نسبا من قبلهما من العلماء إلى التعطيل، لكونهما أنكرا على خطيب المبتدعة؛ وهذا من البهتان الظاهر.
التاسع: أنه نسبهما إلى وراثة هشام الرافضي.
العاشر: أن المسلم أخو المسلم، فإذا أخطأ أخوه نصحه سراً وبين له الصواب، فإذا عاند أمكنه المجاهرة بالعداوة. وهذا لما راسلاه صنف عليهما 1 ما علمت، وأرسله إلى البلدان. اعرفوني
…
اعرفوني. تراي جاي من الشام.
وأما التناقض وكون كلامه يكذب بعضه بعضاً، فمن وجوه:
منها: أنه نسبهما تارة إلى التجسيم، وتارة إلى التعطيل؛ ومعلوم أن التعطيل ضد التجسيم، وأهل هذا أعداء لأهل هذا، والحق وسط بينهما.
ومنها: أن نسبهما إلى الجهمية وإلى المجسمة؛ والجهمية والمجسمة بينهما من التناقض والتباعد
1 صنف عليهما أي كذب عليهما.
كما بين السواد والبياض، وأهل السنة وسط بينهما.
ومنها: أنه يقول: مذهب أهل الحق: إثبات الصفات، ثم يقول: ولا أين، ولا
…
ولا
…
وهذا تناقض.
ومنها: أنه يقول: ما أثبته الله ورسوله أثبت، ثم يخص ذلك بالصفات السبع؛ فهذا عين التناقض. فعقيدته التي نسب لأهل السنة جمعها من نحو أربع فرق من المبتدعة، يناقض بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً، ولو فهمت حقيقة هذه العقيدة لجعلتها ضحكة.
ومنها: أنه يذكر عن أحمد أن الكلام في هذه الأشياء مذموم، إلا ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم، ثم ينقل لكم إثبات كلام المبتدعة ونفيهم، ويتكلم بهذه العقيدة المعكوسة، ويزعم أنها عقيدة أهل الحق.
هذا ما تيسر كتابته عجلاً على السراج، والمأمول فيك أنك تنظر فيها بعين البصيرة، وتتأمل هذا الأمر. واعرض هذا عليه، واطلب منه الجواب عن كل كلمة من هذا، فإن أجابك بشيء، فاكتبه، وإن عرفته باطلاً، وإلا فراجعني فيه، أبينه لك. ولا تستحقر هذا الأمر، فإن حرصت عليه جداً، عرّفك عقيدة الإمام أحمد وأهل السنة وعقيدة المبتدعة، وصارت هذه الواقعة أنفع لك من القراءة في علم العقائد شهرين أو ثلاثة، بسبب الخطإ والاختلاف، مما يوضح الحق ويبين لخبائه 1.
وأما النوع الثاني: فهو كلام في الشرك والتوحيد، وهو المصيبة العظمى والداهية الصمّا، والكلام على هذا النوع والرد على هذا الجاهل يحتمل مجلداً، وكلامه فيه كما قال ابن القيم: إذا قرأ المؤمن تارة يبكي، وتارة يضحك، ولكن أنبهك منه على كلمتين:
1 في المصوّرة: (مخبآته)، وفي الدّرر السّنية (1/184) : الخطأ فيه
الأولى: قوله: إنهما نسبا من قبلهما إلى الخروج من الإسلام والشرك الأكبر، أفيظن أن قوم موسى لما قالوا: اجعل لنا إلها، خرجوا من الإسلام؟ أفيظن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قالوا: اجعل لنا ذات أنواط، فحلف لهم أن هذا مثل قول قوم موسى: اجعل لنا إلهاً، أنهم خرجوا من الإسلام؟ أيظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعهم يحلفون بآبائهم فنهاهم، وقال:" من حلف بغير الله فقد أشرك " 1، أنهم خرجوا من الإسلام؟ إلى غير ذلك من الأدلة التي لا تحصر؛ فلم يفرق بين الشرك المخرج عن الملة من غيره، ولم يفرق بين الجاهل والمعاند.
والكلمة الثانية: قوله: إن المشرك لا يقول: لا إله إلا الله، فيا عجباً من رجل يدعي العلم، وجاي من الشام يحمل كتب فلم 2 تكلم، إذ إنه لا يعرف الإسلام من الكفر، ولا يعرف الفرق بين أبي بكر الصديق وبين مسيلمة الكذاب! أما علم أن مسيلمة يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم؟ أما علِم أن غلاة الرافضة الذين حرقهم عليّ يقولونها؟ وكذلك الذين يقذفون عائشة ويكذبون القرآن، وكذلك الذين يزعمون أن جبريل غلط. وغير هؤلاء ممن أجمع أهل العلم على كفرهم، منهم من ينتسب إلى الإسلام، ومنهم من لا ينتسب إليه كاليهود، وكلهم يقولون: لا إله إلا الله؛ وهذا بيِّن عند من له أقل معرفة بالإسلام من أن يحتاج إلى تبيان.
وإذا كان المشركون لا يقولونها، فما معنى باب حكم المرتد الذي ذكر الفقهاء من كل مذهب؟ هل الذين ذكروهم الفقهاء وجعلوهم مرتدين لا يقولونها؟ هذا
1 الترمذي: النذور والأيمان (1535)، وأبو داود: الأيمان والنذور (3251) ، وأحمد (2/34) .
2 في المخطوطة والمصوّرة: (فلما) .
الذي ذكر أهل العلم أنهم أكفر من اليهود والنصارى، وقال بعضهم: من شك في كفر أتباعه فهو كافر، وذكرهم في الإقناع في باب حكم المرتد، وإمامهم ابن عربي، أيظنهم لا يقولون: لا إله إلا الله؟ لكن هو آت من الشام، وهم يعبدون ابن عربي، جاعلين على قبره صنماً يعبدونه، ولست أعني أهل الشام كلهم، حاشا وكلا! بل لا تزال طائفة على الحق وإن قلّت واغتربت. لكن العجب العجاب استدلاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى قول: لا إله إلا الله، ولم يطالبهم بمعناها، وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحوا بلاد الأعاجم وقنعوا منهم بلفظ
…
إلى آخر كلامه، فهل يقول هذا من يتصور ما يقول؟ فنقول:
أولاً: هو الذي نقض كلامه، وكذبه بقوله: دعاهم إلى ترك عبادة الأوثان، فإذا كان لم يقنع منهم إلا بترك عبادة الأوثان تبين أن النطق بها لا ينفع إلا بالعمل بمقتضاها، وهو ترك الشرك؛ وهذا هو المطلوب. ونحن إذا نهينا عن الأوثان المجعولة على قبر الزبير وطلحة وغيرهما، في الشام أو في غيره، فإن قلتم: ليس هذا من الأوثان، وإن دعاء أهل القبور والاستغاثة بهم في الشدائد ليست من الشرك، مع كون المشركين الذين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلصون لله في الشدائد، ولا يدعون أوثانهم، فهذا كفر. وبيننا وبينكم كلام العلماء من الأولين والآخرين، الحنابلة وغيرهم. وإن أقررتم أن ذلك كفر وشرك، وتبين أن قول: لا إله إلا الله لا ينفع إلا مع ترك الشرك، وهذا هو المطلوب، وهو الذي نقول، وهو الذي أكثرتم النكير فيه وزعمتم أنه لا يخرج إلا من خراسان. وهذا القول كما في أمثال العامة "لا وجه سميح ولا بنت رجال"، لا أقول صواباً إلا خطأ ظاهراً وسباً لدين الله، ولا هو أيضاً قول باطل يصدق بعضه بعضاً؛ بل مع كونه خطأ،
فهو متناقض يكذب بعضه بعضاً، لا يصدر إلا ممن هو أجهل الناس 1.
وأما دعواه أن الصحابة لم يطلبوا من الأعاجم إلا مجرد هذه الكلمة، ولم يعرّفوهم بمعناها، فهذا قول من لا يفرق بين دين المرسلين ودين المنافقين الذين في الدرك الأسفل من النار؛ فإن المؤمنين يقولونها والمنافقين يقولونها، لكن المؤمنين يقولونها مع معرفة قلوبهم بمعناها، وعمل جوارحهم بمقتضاها، والمنافقون يقولونها من غير فهم لمعناها ولا عمل بمقتضاها. فمن أعظم المصائب وأكبر الجهل من لا يعرف الفرق بين الصحابة والمنافقين؛ لكن هذا لا يعرف النفاق ولا يظنه في أهل زماننا، بل يظنه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأما زمانه فصلح بعد ذلك. وإذا كان زمانه 2 وبلدانه يُنَزَّهون عن البدع، ومخرجها من خراسان، فكيف بالشرك والنفاق؟ ويا ويح هذا القائل، ما أجرأه على الله! وما أجهله بقدر الصحابة وعلمهم حيث ظن أنهم لا يعلمون الناس "لا إله إلا الله"!
أما علم هذا الجاهل أنهم يستدلون بها على مسائل الفقه، فضلاً عن مسائل الشرك، ففي الصحيحين:" أن عمر رضي الله عنه لما أشكل عليه قتال مانعي الزكاة لأجل قوله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها 3، قال أبو بكر: فإن الزكاة من حقها ". فإذا كان منع الزكاة من منع حق "لا إله إلا الله"، فكيف بعبادة القبور، والذبح للجن، ودعاء
1 من قوله: (لا أقول
…
إلخ) هكذا وردت هذه العبارة أيضاً في المصوّرة عن مخطوطة الشّيخ محمّد بن عبد اللّطيف، وفي الدّرر السّنية (1/24) :(لا أقول صواب، بل خطأ ظاهر وسبّاً لدين الله، وهو أيضاً متناقض يكذب بعضه لا يصدر إلاّ مِمَن هو أجهل النّاس) . وفي كلتا العبارتين قلق.
2 في المخطوطة: (أهل زمانه) .
3 صحيح البخاري: كتاب الصلاة (393) وكتاب الزكاة (1400) وكتاب الجهاد والسير (2946) وكتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6924) وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (7285)، وصحيح مسلم: كتاب الإيمان (20، 21)، وسنن الترمذي: كتاب الإيمان (2606، 2607) وكتاب تفسير القرآن (3341)، وسنن النسائي: كتاب الزكاة (2443) وكتاب الجهاد (3090، 3091، 3092، 3093، 3095) وكتاب تحريم الدم (3970، 3971، 3972، 3973، 3974، 3975، 3976، 3977، 3979، 3982)، وسنن أبي داود: كتاب الزكاة (1556) وكتاب الجهاد (2640) وكتاب الجنائز (3194)، وسنن ابن ماجة: كتاب الفتن (3927، 3928، 3929) ، ومسند أحمد (1/11، 1/19، 1/35، 1/47، 2/314، 2/377، 2/423، 2/439، 2/475، 2/482، 2/502، 2/527، 2/528، 3/295، 3/300، 3/332، 3/339، 3/394، 4/8)، وسنن الدارمي: كتاب السير (2446) .
الأولياء وغيرهم مما هو دين المشركين؟
وصرح الشيخ تقي الدين في اقتضاء الصراط المستقيم، بأن من ذبح للجن فالذبيحة حرام من جهتين:
من جهة أنها مما أهل لغير الله به، ومن جهة أنها ذبيحة مرتد؛ فهي كخنْزير مات من غير ذكاة. ويقول: ولو سمى الله عند ذبحها، إذا كانت نيته ذبحها للجن، وردّ على من قال: إنه إن ذكر اسم الله حل الأكل منها مع التحريم.
وأما ما سألت عنه من قوله 1: اللهم صلى على محمد
…
2 إلخ، فهذه المحامل التي ذكر غير بعيدة، ولو كان الإنكار على الرجل الميت الذي صنفها، والإنكار إنما هو على الخطباء والعامة الذين يسمعون، فإن كان يزعم أن عامة أهل هذه القرى كل رجل منهم يفهم هذا التأويل، فهذا مكابرة، وإن كان يعرف أنهم ما قصدوا إلا المعاني التي لا تصلح إلا لله لم يمنع من الإنكار عليهم، وتبين 3 أنه شرك كون 4 الذي قالها أولاً قصد معنى صحيحاً، كما لو أن رجلاً من أهل العلم كتب إلى عامة أن نكاح الأخوات حلال، ففهموا منه ظاهره، وجعلوا يتزوجون أخواتهم خاصتهم وعامتهم، لم يمنع من الإنكار عليهم وتبيين أن الله حرم نكاح الأخوات كون القائل 5 أراد الأخوات في الدين، كما قال إبراهيم عليه السلام لسارة: هي
1 في المخطوطة والمصورة: (قول) بدون ضمير.
2 كذا في المخطوطة والدرر السنية ج1، ص 25، وفي المصورة:(على سيدنا) .
3 في المصوّرة: (وتبيين)، وفي الدّرر السّنية:(ولو تبين) .
4 في الدرر: (لكون) .
5 في المصورة: (الأول) .
أختي. وهذا واضح بحمد الله؛ ولكن من انفتح له تحريف الكلم عن مواضعه، انفتح له باب طويل عريض.
وأما النوع الثالث، وهو الكلام على التقليد والاستدلال، فكلامه فيه من أبطل الباطل وأظهر الكذب، وهو أيضا كلام جاهل ينقض بعضه بعضاً؛ ونحن ما أردنا المعنى الذي ذكر، والكلام على هذا طويل، ولكن أنا كتبت له كلاماً في هذا، مع رسالة طويلة؛ فاطلبه وراجعه وتأمله، وتكلمْ لله في سبيل الله بما يرضي الله ورسوله، واحذر من فتنة:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} 1؛ فمن نجا منها فقد نجا من شر كثير. ولا تغفل عن قوله في خطبة شرح الإقناع: من عثر على شيء مما طغى به القلم
…
إلخ، وقوله في آخرها: اعلم، رحمك الله، أن الترجيح إذا اختلف 2 بين الأصحاب
…
إلخ. وإن طمعت بالزيارة والمذاكرة من الرأس لعلك أيضاً تحقق علم العقائد وتميز بين حقه من باطله، وتعرف أيضاً علوم الإيمان بالله وحده، والكفر بالطاغوت، فتراي أشير وألزم، فإن رأيت أمر الله ورسوله فهو المطلوب، وإلا فقد وهبك الله من الفهم ما تميز به بين الحق والباطل، إن شاء الله تعالى.
وهذا الكتاب، لا تكتمه عن صاحب الكتاب، بل اعرضه عليه، فإن تاب وأقر ورجع إلى الله فعسى، وإن زعم أن له حجة ولو في كلمة واحدة أو أن في كلامي مجازفة فاطلب الدليل، فإن أشكل شيء عليك فراجعني فيه حتى تعرف كلامي وكلامه. نسأل الله أن يهدينا وإياك والمسلمين إلى ما يحبه ويرضاه.
1 سورة الزخرف آية: 23.
2 في المصورة: (اختلف) .
وأنت لا تلمني على هذا الكلام؛ تراني 1 استدعيته أولاً بالملاطفة، وصبرت منه على أشياء عظيمة، والآن أشرفت منه على أمور ما ظننتها لا في عقله ولا في دينه. منها: أنه كاتب إلى 2 أهل 3 الحساء يعاونهم على سب دين الله ورسوله 4.
1 في المخطوطة والمصورة: (تراي) .
2 في المخطوطة والمصورة: (كاتب على) .
3 في المصورة: (لأهل) .
4 في المصورة: (والسلام) .