المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة الرابعة والثلاثون: رسالته إلى سليمان بن سحيم - الرسائل الشخصية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء السادس)

[محمد بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: عقيدة الشيخ وبيان حقيقة دعوته ورد ما ألصق به من التهم

- ‌ الرسالة الأولى:رسالة الشيخ إلى أهل القصيم

- ‌الرسالة الثانية: رسالته إلى محمد بن عباد مطوع ثرمداء

- ‌الرسالة الثالثة: رسالته الى محمد بن عيد من مطاوعة ثرمداء

- ‌الرسالة الرابعة: رسالته إلى فاضل آل مزيد رئيس بادية الشام

- ‌الرسالة الخامسة: رسالته إلى السويدي عالم من العراق

- ‌الرسالة السادسة: رسالته إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام

- ‌الريسالة السابعة: رساته إلى عالم من أهل المدينة

- ‌الرسالة الثامنة: رسالته إلى إبن صياح

- ‌الرسالة التاسعة: رسالته إلى عامة المسلمين

- ‌الرسالة العاشرة: رسالته إلى حمد التويجري

- ‌الرسالة الحادية عشره: رسالته إلى عبد الله بن سحيم

- ‌الرسالة الثانية عشره: جوابه عن الشبهات من أجاز وقف الحنف والإثم

- ‌الرسالة الثالثة عشره:رده على سليمان بن سحيم

- ‌الرسالة الرابعة عشره: رسالته إلى البكبلى صاحب اليمن

- ‌الرسالة الخامسة عشره: رسالته إلى أسماعيل الجراعي

- ‌الرسالة السادسة عشره: رسالته إلى عبد الله بن عبد الله الصنعاني

- ‌الرسالة السابعة عشره: رسالته إلى أهل المغرب

- ‌القسم الثاني: بيان أنواع التوحيد

- ‌الرسالة الثامنة عشره: رسالته إلى الأخ حسن

- ‌الرسالة التاسعة عشره: رسالته إلى محمدبن عبيد وعبد القادر العديلي

- ‌الرسالة العشرون: رسالته إلى عبد الله بن سحيم

- ‌الرسالة الحادية والعشرون: رسالته إلى محمد بن سلطان

- ‌الرسالة الثانية والعشرون: رسالته إلى عامة المسلمين

- ‌القسم الثالث: بيان معنى لا إله إلا الله وما يناقضها من الشرك في العبادة

- ‌الرسالة الثالثة والعشرون: رسالته إلى ثنيان بن سعود

- ‌الرسالة الرابعة والعشرون: رسالتة إلى عبد الرحمن بن ربيعة

- ‌الرسالة الخامسة والعشرون: جواب الشيخ عن كتاب وصله

- ‌الرسالة السادسة والعشرون: رسالتة إلى علماء الإسلام

- ‌الرسالة السابعة والعشرون: رسالته إلى عامة المسلمين

- ‌الرسالة الثامنة والعشرون: رسالته إلى أهل الرياض ومنفوحة

- ‌الرسالة التاسعة والعشرون: رسالته إلى عامة المسلمين

- ‌الرسالة الثلاثون: رسالتة إلى الأخ فايز

- ‌القسم الرابع: بيان الأشياء التى يكفر مرتكبها ويجب قتاله والفرق بين فهم الحجة وقيام الحجة

- ‌الرسالة الحادية والثلاثون: رسالتة إلى أحمد بن أبراهيم

- ‌الرسالة الثانية والثلاثون:رسالته إلى محمد بن فارس

- ‌الرسالة الثالثة والثلاثون:رسالته إلى أحمد عبد الكريم

- ‌الرسالة الرابعة والثلاثون: رسالته إلى سليمان بن سحيم

- ‌الرسالة الخامسة والثلاثون: رسالته إلى عبد الله بن عيسى وأبنة وعبد الله بن عبد الرحمن

- ‌الرسالة السادسة والثلاثون: رسالتة إلى الأخوان

- ‌القسم الخامس: توجيهات عامة للمسلمين في الاعتقاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

- ‌الرسالة السابعة والثلاثون: رسالتة إلى محمد بن عبد اللطيف

- ‌الرسالة الثامنة والثلاثون: رسالتة إلى الأخوان المؤمنين

- ‌الرسالة التاسعة والثلاثون: رسالتة إلى عبد الوهاب بن عبد الله بن عيسى

- ‌الرسالة الأربعون: رسالتة إلى عبد الوهاب بن عبد الله بن عيسى

- ‌الرسالة الحادية والأربعون: رسالتة إلى الأخوين أحمد بن محمد بن سويلم وثنيان بن سعود

- ‌الرسالة الثانية والأربعون: رسالتة إلى عبد الله بن عبد سويلم

- ‌الرسالة الثالثة والأربعون: رسالتة إلى جماعة أهل شقراء

- ‌الرسالة الرابعة والأربعون: رسالتة إلى الأخوان من أهل سدير

- ‌الرسالة الخامسة والأربعون: رسالتة إلى أحمد بن يحي

- ‌الرسالة السادسة والأربعون: رسالتة إلى عبد الله بن عيسى

- ‌الرسالة السابعة والأربعون: رسالتة إلى نغيمش وجميع الأخوان

- ‌الرسالة الثامنة والأربعون: رسالتة إلى والى مكة

- ‌الرسالة التاسعة والأربعون: رسالتة إلى عبد الله بن عيسى وأبنه عبد الوهاب

- ‌الرسالة الخمسون: رسالتة إلى عبد الله بن عيد

- ‌الرسالة الحادية والخمسون: رسالتة إلى الأخوان عبد الله بن علي ومحمد بن جماز

الفصل: ‌الرسالة الرابعة والثلاثون: رسالته إلى سليمان بن سحيم

‌الرسالة الرابعة والثلاثون: رسالته إلى سليمان بن سحيم

-4- الرسالة الرابعة والثلاثون

ومنها رسالة كتبها الشيخ، رحمه الله، إلى سليمان بن سحيم، صاحب تلك الرسالة التي شنع بها على الشيخ، المتقدمة قبل ذلك وجوابها. وكان الشيخ، رحمه الله، قد أرسل له وتلطف له قبل ذلك، فلما تبين للشيخ أنه معاند للحق والإيمان، ومن أعوان أهل الشرك والطغيان، كتب له هذه الرسالة. وهذا نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الذي يعلم به سليمان بن سحيم أنك زعجت قرطاسة فيها عجائب؛ فإن كان هذا قدر فهمك، فهذا من أفسد الأفهام، وإن كنت تلبس به على الجهال فما أنت برابح. وقبل الجواب، نذكر لك أنك أنت وأباك مصرحون بالكفر والشرك والنفاق، ولكن صائر لكم عند جماعة 1 في معكال قصاصيب وأشباههم يعتقدون أنكم علماء، ونداريكم، ودّنا أن الله يهديكم ويهديهم. وأنت إلى الآن أنت وأبوك لا تفهمون شهادة أن لا إله إلا الله؛ أنا أشهد بهذا، شهادة يسألني الله عنها يوم القيامة: أنك لا تعرفها إلى الآن ولا أبوك. ونكشف لك هذا كشفاً بيناً لعلك تتوب إلى الله، وتدخل في دين الإسلام إن هداك الله، وإلا تبين لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر حالُكما، والصلاة وراءكما وقبول شهادتكما وخطّكما، ووجوب عداوتكما، كما قال تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 2. وأكشف عن ذلك بوجوه:

الأول: أنكم تقرون أن الذي يأتيكم من عندنا هو الحق، وأنت

1 كذا في المخطوطة وفي الأصل والدرر: (ضمامة) .

2 سورة المجادلة آية: 22.

ص: 226

تشهد به ليلاً ونهاراً، وإن جحدت هذا شهد عليك الرجال والنساء، ثم مع هذه الشهادة أن هذا دين الله، وأنت وأبوك مجتهدان في عداوة هذا الدين ليلاً ونهاراً ومن أطاعكما، وتبهتون وترمون المؤمنين بالبهتان العظيم، وتصورون على الناس الأكاذيب الكبار. فكيف تشهد أن هذا دين الله ثم تتبين في عداوة من تبعه؟

الوجه الثاني: أنك تقول: إني أعرف التوحيد، وتقر أن من جعل الصالحين وسائط فهو كافر، والناس يشهدون عليك أنك تروح للمولد وتقرأه لهم، وتحضرهم، وهم ينخون ويندبون مشايخهم، ويطلبون منهم الغوث والمدد، وتأكل اللقم من الطعام المعَدّ لذلك. فإذا كنت تعرف أن هذا كفر، فكيف تروح لهم وتعاونهم عليه وتحضر كفرهم؟

الوجه الثالث: أن تعليقهم التمائم من الشرك بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر تعليق التمائم صاحب الإقناع، في أول الجنائز، وأنت تكتب الحجب وتأخذ عليها شرطاً، حتى إنك كتبت لامرأة حجاباً لعلها تحبل، وشرطت لك أحمرين وطالبتها تريد الأحمرين. فكيف تقول: إني أعرف التوحيد، وأنت تفعل هذه الأفاعيل؟ وإن أنكرت، فالناس يشهدون عليك بهذا.

الوجه الرابع: أنك تكتب في حجبك طلاسم، وقد ذكر في الإقناع أنها من السحر، والسحر يكفر صاحبه. فكيف تفهم التوحيد، وأنت تكتب الطلاسم؟ وإن جحدت، فهذا خط يدك موجود.

الوجه الخامس: أن الناس فيما مضى عبدوا الطواغيت عبادة ملأت الأرض، بهذا الذي تقر أنه من الشرك: ينخونهم ويندبونهم، ويجعلونها

ص: 227

وسائط، وأنت وأبوك تقولان: نعرف هذا لكن ما سألونا. فإذا كنتم تعرفونه، كيف يحل لكم أن تتركا الناس يكفرون، ما تنصحانهم، ولو لم يسألوكم؟

الوجه السادس: أنا لما أنكرنا عبادة غير الله بالغتم في عداوة هذا الأمر وإنكاره، وزعمتم أنه مذهب خامس، وأنه باطل، وإن أنكرتما فالناس يشهدون بذلك وأنتم مجاهرون به، فكيف تقولون: هذا كفر، ولكن ما سألونا عنه؟ فإذا قام من يبين للناس التوحيد، قلتم: إنه غير الدين، وآت بمذهب خامس. فإذا كنت تعرف التوحيد، وتقر أن كلامي هذا حق، فكيف تجعله تغييراً لدين الله، وتشكونا عند أهل الحرمين؟

والأمور التي تدل على أنك أنت وأباك لا تعرفان شهادة أن لا إله إلا الله لا تحصر، لكن ذكرنا الأمور التي لا تقدر تنكرها، وليتك تفعل فعل المنافقين الذين قال الله فيهم:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} 1، لأنهم يخفون نفاقهم، وأنت وأبوك تظهران للخاص والعام.

وأما الدليل على أنك رجل معاند، ضال على علم، مختار الكفر على الإسلام، فمن وجوه:

الأول: أني كتبت ورقة لابن صالح من سنتين، فيها تكفير الطواغيت شمسان وأمثاله، وذكرت فيها كلام الله ورسوله، وبينت الأدلة، فلما جاءتك نسختها بيدك لموسى بن سليم، ثم سجلت عليها وقلت: ما ينكر هذا إلا أعمى القلب. وقرأها موسى في البلدان وفي منفوحة وفي الدرعية وعندنا، ثم راح بها للقبلة. فإذا كنت من أول موافقاً لنا على كفرهم، وتقول: ما ينكر هذا

1 سورة النساء آية: 145.

ص: 228

إلا من أعمى الله بصيرته، فالعلم الذي جاءك بعد هذا يبين لك أنهم ليسوا بكفار، بيِّنْه لنا.

الوجه الثاني: أني أرسلت لك رسالة الشيخ تقي الدين، التي يذكر فيها أن من دعا نبياً أو صحابياً أو ولياً مثل: أن يقول يا سيدي فلان انصرني وأغثني! أنه كافر بالإجماع، فلما أتتك استحسنتها 1 وشهدت أنها حق، وأنت تشهد به الآن، فما الموجب لهذه العداوة؟

الوجه الثالث: أنه إذا أتاك أحد من أهل المعرفة، أقررت أن هذا دين الله، وأنه الحق، وقلته على رؤوس الأشهاد، وإذا خلوت مع شياطينك وقصاصيبك، فلك كلام آخر.

الوجه الرابع: أن عبد الرحمن الشنيفي ومن معه لما أتوك وذاكروك، أقررت بحضرة شياطينك أن هذا هو الحق، وشهدت أن الطواغيت كفار، وتبرأت من طالب الحمضي، وعبد الكريم، وموسى بن نوح، فأي شيء بان لك بأن هذا باطل، وأن الذي تبرأت منهم وعاديتهم أنهم على حق؟

الوجه الخامس: أنك لما خرجت من عند الشيوخ وأتيت عند الشنيفي، جحدت الكلام الذي قلتَ في المجلس. فإن كان الكلام حقاً فلأي شيء تجحده؟

وأنت وأبوك مقران أنكما لا تعرفان كلام الله ورسوله، لكن تقولان: نعرف كلام صاحب الإقناع وأمثاله؟ وأنا أذكر لك كلام صاحب الإقناع: أنه مكفّرك ومكفّر أباك في غير موضع من كتابه:

الأول: أنه ذكر في أول سطر من أحكام المرتد: أن الهازل بالدين

1 في المخطوطة: (استنسختها) .

ص: 229

يكفر؛ وهذا مشهور عنك، وعن ابن أحمد بن نوح، الاستهزاء بكلام الله ورسوله. وهذا كتابكم كفّركم.

الثاني: أنه ذكر في أوله: أن المبغض لما جاء به الرسول كافر بالإجماع، ولو عمل به. وأنت مقر أن هذا الذي أقول في التوحيد أمر الله ورسوله، والنساء والرجال يشهدون عليكم أنكم مبغضون لهذا الدين، مجتهدون في تنفير الناس عنه، والكذب والبهتان على أهله. فهذا كتابكم كفّركم.

الثالث: أنه ذكر من أنواع الردة: إسقاط حرمة القرآن، وأنتم كذلك تستهزئون بمن يعمل به، وتزعمون أنهم جهال وأنكم علماء.

الرابع: أنه ذكر أن من ادعى في علي بن أبي طالب ألوهية، أنه كافر، ومن شك في كفره فهو كافر. وهذه مسألتك التي جادلت بها في مجلس الشيوخ، وقد صرح في الإقناع بأن من شك في كفرهم فهو كافر، فكيف بمن جادل عنهم وادعى أنهم مسلمون، وجعلنا كفاراً لما أنكرنا عليهم؟

الخامس: أنه ذكر أن السحر يكفر بتعلمه وتعليمه، والطلاسم من جملة السحر.

فهذه ستة مواضع 1 في الإقناع، في باب واحد، أن من فعلها فقد كفر، وهي دينك ودين أبيك. فإما أن تبرؤوا من دينكم هذا، وإلا فأجيبوا عن كلام صاحب الإقناع، وكلامنا هذا لغيرك الذين عليهم الشرهة مثل الشيوخ، أو من يصلي وراءك كادوا أنّ الله 2 يهديهم ويعزلونك أنت وأبوك عن الصلاة بالناس لئلا تفسد عليهم دينهم، وإلا فأنا أظنك لا تقبل، ولا يزيدك

1 كذا في الأصول، مع أنه لم يذكر إلا خمسة.

2 في الدّرر السّنية: (لعلّ الله) .

ص: 230

هذا الكلام إلا جهالة وكفراً.

وأما الكلام الذي لبست به على الناس، فأنا أبينه إن شاء الله، كلمة كلمة؛ وذلك أن جملة المسائل التي ذكرت أربعاً:

الأولى: النذر لغير الله، تقول إنه حرام ليس بشرك.

الثانية: أن من جعل بينه وبين الله وسائط كفر، أما الوسائط بأنفسهم فلا يكفرون.

الثالثة: عبارة العلماء: أن المسلم لا يجوز تكفيره بالذنوب.

الرابعة: التذكير ليلة الجمعة لا ينبغي الأمر بتركه.

هذه المسائل التي ذكرت.

فأما المسألة الأولى: فدليلك: قولهم: إن النذر لغير الله حرام بالإجماع، فاستدللت بقولهم: حرام، على أنه ليس بشرك. فإن كان هذا قدر عقلك فكيف تدعي المعرفة؟ يا ويلك! ما تصنع بقول الله تعالى:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} 1، فهذا يدل على أن الشرك حرام ليس بكفر؟ يا هذا الجاهل الجهل المركب! ما تصنع بقول الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} 2 إلى قوله: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} 3، هل يدل هذا التحريم على أنه لا يكفر صاحبه؟ يا ويلك! في أي كتاب وجدته إذا قيل لك: هذا حرام، إنه ليس بكفر؟

فقولك: إن ظاهر كلامهم أنه ليس بكفر، كذب وافتراء على أهل العلم. بل يقال: ذكر أنه حرام، وأما كونه كفر فيحتاج

1 سورة الأنعام آية: 151.

2 سورة الأعراف آية: 33.

3 سورة الأعراف آية: 33.

ص: 231

إلى دليل آخر؛ والدليل عليه: أنه صرح في الإقناع أن النذر عبادة، ومعلوم أن لا إله إلا الله معناها: لا يعبد إلا الله، فإذا كان النذر عبادة وجعلتها لغيره، كيف لا يكون شركاً؟ وأيضاً، مسألة الوسائط تدل على ذلك، والناس يشهدون أن هؤلاء الناذرين يجعلونهم وسائط، وهم مقرون بذلك.

وأما استدلالك بقوله: من قال: انذروا لي، وأنه إذا رضي وسكت لا يكفر، فبأي دليل؟ غاية ما يقال: إنه سكت عن الآخذ الراضي. وعلم من دليل آخر، والدليل الآخر: أن الرضى بالكفر كفر، صرح به العلماء، وموالاة الكفار كفر، وغير ذلك. هذا إذا قدر أنهم لا يقولونه، فكيف وأنت وغيرك تشهد عليهم أنهم يقولون ويبالغون فيه؟ ويقصون على الناس الحكايات التي ترسخ الشرك في قلوبهم، ويبغض إليهم التوحيد، ويكفرون أهل العارض لما قالوا: لا يعبد إلا الله. وأما قولك: ما رأينا للترشيح معنى في كلام العلماء، فمن أنت حتى تعرف كلام العلماء؟

وأما الثانية: وهي أن الذي يجعل الوسائط هو الكافر، وأما المجعول فلا يكفر، فهذا كلام تلبيس وجهالة. ومن قال إن عيسى وعزيراً وعلي بن أبي طالب وزيد بن الخطاب وغيرهم من الصالحين، يلحقهم نقص بجعل المشركين إياهم وسائط؟ حاشا وكلا!:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 1، وإنما كفّرنا هؤلاء الطواغيت، أهل الخرج وغيرهم، بالأمور التي يفعلونها هم؛ منها: أنهم يجعلون آباءهم وأجدادهم وسائط. ومنها: أنهم يدعون الناس إلى الكفر. ومنها: أنهم يبغضون عند الناس دين محمد صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أن أهل العارض كفروا لما قالوا: لا يعبد إلا الله، وغير ذلك من أنواع الكفر.

1 سورة الأنعام آية: 164.

ص: 232

وهذا أمر أوضح من الشمس، لا يحتاج إلى تقرير؛ ولكن أنت رجل جاهل مشرك، مبغض لدين الله، وتلبس على الجهال الذين يكرهون دين الإسلام، ويحبون الشرك ودين آباءهم. وإلا فهؤلاء الجهال، لو أن مرادهم اتباع الحق، عرفوا أن كلامك من أفسد ما يكون.

وأما المسألة الثالثة: وهي من أكبر تلبيسك الذي تلبس به على العوام، أن أهل العلم قالوا: لا يجوز تكفير المسلم بالذنب، وهذا حق، ولكن ليس هذا ما نحن فيه؛ وذلك أن الخوارج يكفّرون مَن زنى أو مَن سرق أو سفك الدم، بل كل كبيرة إذا فعلها المسلم كفر. وأما أهل السنة فمذهبهم: أن المسلم لا يكفر إلا بالشرك. ونحن ما كفّرنا الطواغيت وأتباعهم إلا بالشرك. وأنت رجل من أجهل الناس، تظن أن من صلى وادعى أنه مسلم لا يكفر. فإذا كنت تعتقد ذلك، فما تقول في المنافقين الذين يصلّون ويصومون ويجاهدون؟ قال الله تعالى فيهم:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} 1. وما تقول في الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد. أينما لقيتموهم فاقتلوهم " 2. أتظنهم ليسوا من أهل القبلة؟ ما تقول في الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل اعتقاد كثير من الناس في عبد القادر وغيره، " فأضرم لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ناراً فأحرقهم بها، وأجمعت الصحابة على قتلهم، لكن ابن عباس أنكر تحريقهم بالنار، وقال: يقتلون بالسيف ". أتظن هؤلاء ليسوا من أهل القبلة؟ أم أنت تفهم الشرع وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفهمونه؟ أرأيت أصحاب رسول الله

1 سورة النساء آية: 145.

2 البخاري: المناقب (3611)، ومسلم: الزكاة (1066)، والنسائي: تحريم الدم (4102)، وأبو داود: السنة (4767) ، وأحمد (1/131، 1/160) .

ص: 233

صلى الله عليه وسلم لما قاتلوا مَن منع الزكاة، فلما أرادوا التوبة، قال أبو بكر: لا نقبل توبتكم حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، أتظن أن أبا بكر وأصحابه لا يفهمون، وأنت وأبوك الذين تفهمون؟ يا ويلك أيها الجاهل الجهل المركب! إذا كنت تعتقد هذا، وأن مَن أمّ القبلة لا يكفر، فما معنى هذه المسائل العظيمة الكثيرة التي ذكرها العلماء في باب حكم المرتد، التي كثير منها في أناس أهل زهد وعبادة عظيمة؟ ومنها طوائف ذكر العلماء أن من شك في كفرهم فهو كافر. ولو كان الأمر على زعمك، لبطل كلام العلماء في حكم المرتد، إلا مسألة واحدة؛ وهي: الذي يصرح بتكذيب الرسول وينتقل يهودياً، أو نصرانياً أو مجوسياً ونحوهم، هذا هو الكفر عندك. يا ويلك! ما تصنع بقوله صلى الله عليه وسلم:" لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان "1. وكيف تقول هذا وأنت تقرّ أن من جعل الوسائط كفر؟ فإذا كان أهل العلم في زمانهم حكموا على كثير من أهل زمانهم بالكفر والشرك، أتظن أنكم صلحتم بعدهم؟ يا ويلك!

وأما مسألة التذكير، فكلامك فيها من أعجب العجاب: أنت تقول: بدعة حسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار " 2، ولم يستثن شيئاً تشير علينا به، فنصدقك أنت وأبوك لأنكم علماء، ونكذب رسول الله. والعجب من نقلك الإجماع، فتجمع مع الجهالة المركبة الكذب الصريح والبهتان. فإذا كان في الإقناع في باب الأذان قد ذكر كراهيته في مواضع متعددة، أتظن أنك أعلم من صاحب الإقناع، أم تظنه مخالفاً للإجماع؟ وأيضاً، لما جاءك عبد الرحمن الشنيفي أقررت لهم أن التذكير بدعة مكروهة، فمتى هذا العلم جاءك؟

وأما قولك: أمر الله بالصلاة على نبيه على الإطلاق، فأيضاً أمر الله بالسجود

1 الترمذي: الفتن (2219)، وأبو داود: الفتن والملاحم (4252) ، وأحمد (5/278) .

2 النسائي: صلاة العيدين (1578)، وابن ماجة: المقدمة (45) ، وأحمد (3/319، 3/371)، والدارمي: المقدمة (206) .

ص: 234

على الإطلاق في قوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} 1، فيدل هذا على السجود للأصنام؟ أو يدل على الصلاة في أوقات النهي؟

فإن قلت: ذاك قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البدع، وذكر أن كل بدعة ضلالة، ومعلوم أن هذا حادث من زمن طويل، وأنكره أهل العلم، منهم صاحب الإقناع. وقد ذكر السيوطي فى كتاب الأوائل: أن أول ما حدث التذكير يوم الجمعة لتهيؤ الناس لصلاتها، بعد السبعمائة في زمن الناصر بن قلاوون، فأرنا كلام واحد من العلماء أرخص فيه، وجعله بدعة حسنة؛ فليس عندك إلا الجهل المركب، والبهتان والكذب.

وأما استدلالك بالأحاديث التي فيها إجماع الأمة والسواد الأعظم، وقوله:" من شذ، شذ في النار " 2، و" يد الله على الجماعة " 3، وأمثال هذا، فهذا أيضاً من أعظم ما تلبس به على الجهال، وليس هذا معنى الأحاديث بإجماع أهل العلم كلهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإسلام سيعود غريباً، فكيف يأمرنا باتباع غالب الناس؟ وكذلك الأحاديث الكثيرة، منها قوله:" يأتي على الناس زمان، لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه "، وأحاديث عظيمة كثيرة، يبين صلى الله عليه وسلم أن الباطل يصير أكثر من الحق، وأن الدين يصير غريباً. ولو لم يكن في ذلك إلا قوله صلى الله عليه وسلم:" ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة " 4، هل بعد هذا البيان بيان؟ يا ويلك! كيف تأمر بعد هذا باتباع أكثر الناس؟

ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز، الذي ينكر البعث منهم أكثر ممن يقر به، وأن الذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلوات أكثر من الذي يحافظ عليها، والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها، فإن كان الصواب عندك

1 سورة الحج آية: 77.

2 الترمذي: الفتن (2167) .

3 النسائي: تحريم الدم (4020) .

4 أبو داود: السنة (4597) ، وأحمد (4/102)، والدارمي: السير (2518) .

ص: 235

اتباع هؤلاء، فبيّن لنا! وإن كان عنْزة وآل ظفير وأشباههم من البوادي هو السواد الأعظم، ولقيت في علمك وعلم أبيك أن اتّباعهم حسن، فاذكر لنا! ونحن نذكر كلام أهل العلم في معنى تلك الأحاديث ليتبين للجهال الذين موَّهت عليهم.

قال ابن القيم، رحمه الله، في إعلام الموقعين: واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو: العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض. وقال عمرو بن ميمون: سمعت ابن مسعود يقول: " عليكم بالجماعة! فإن يد الله على الجماعة "، وسمعته يقول:" سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلّ الصلاة وحدك وهي الفريضة، ثم صل معهم فإنها لك نافلة. قلت: يا أصحاب محمد، ما أدري ما تحدثون. قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة، ثم تقول: صل الصلاة وحدك! قال: يا عمرو بن ميمون، لقد كنت أظنك مِن أفقه أهل هذه القرية. أتدري ما الجماعة؟ قلت: لا، قال: جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة. والجماعة: ما وافق الحق وإن كنت وحدك ".

وقال نعيم بن حماد: إذا فسدت الجماعة، فعليك بما كان عليه الجماعة قبل أن تفسد الجماعة، وإن كنت وحدك؛ فإنك أنت الجماعة حينئذ. وقال بعض الأئمة، وقد ذكر له السواد الأعظم: أتدري ما السواد الأعظم؟ هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه.

الذين جعلوا 1 السواد الأعظم والحجة والجمهور والجماعة، فجعلوهم عياراً على السنة، وجعلوا السنة

1 في المصوّرة: وأصحابه، وبين: الذين جعلوا

إلخ، مما يدلّ على أنّه كلام مستأنف، وفي بقية النّسخ الكلام متّصل، وباقي المصوّرة أخطر.

ص: 236

بدعة، وجعلوا المعروف منكراً لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار، وقالوا:" من شذ، شذ في النار " 1، وعرف المتخلفون 2 أن الشاذ ما خالف الحق، وإن كان عليه الناس كلهم إلا واحداً، فهم الشاذون.

وقد شذ الناس كلهم في زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً، فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة يومئذ والمفتون والخليفة وأتباعهم كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة. ولما لم تحمل ذلك عقول الناس، قالوا للخليفة: يا أمير المؤمنين، أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون على الباطل، وأحمد وحده على الحق، فلم يتسع علمه لذلك، فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل. فلا إله إلا الله، ما أشبه الليلة بالبارحة. انتهى كلام ابن القيم، يا سلامة ولد أم سلامة.

هذا كلام الصحابة في تفسير السواد الأعظم، وكلام التابعين، وكلام السلف وكلام المتأخرين، حتى ابن مسعود ذكر في زمانه أن أكثر الناس فارقوا الجماعة. وأبلغ من هذه الأحاديث المذكورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غربة الإسلام، وتفرق هذه الأمة أكثر من سبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. فإن كنت وجدت في علمك وعلم أبيك ما يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء، وأن عنْزة وآل ظفير والبوادي يجب علينا اتباعهم، فأخبرونا.

كتبه محمد بن عبد الوهاب، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

1 الترمذي: الفتن (2167) .

2 كذا في الأصول التي بأيدينا، والكلام غير ظاهر.

ص: 237